دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:03 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة مريم

سورة مريم عليها السلام
فإن قيل: النداء الصوت والصياح يقال ناداه نداء أي صاح به، فكيف وصفه تعالى بكونه خفيًا؟
قلنا: النداء هنا الدعاء، وإنما أخفاه ليكون أقرب إلى الإخلاص، أو لئلا يلام على طلب الولد بعد الشيخوخة، أو لئلا يعاديه بنو عمه ويقولوا لو كره أن نقوم مقامه بعده فسأل ربه الولد لذلك.
فإن قيل: كيف قال، تعالى: (يرثني ويرث من آل يعقوب) والنبي لا يورث لقوله عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة؟
قلنا: المراد بقوله: "يرثني " أي يرثني العلم والنبوة، ويرث من آل يعقوب الملك، وقيل: الأخلاق، فأجابه الله تعالى إلى ولى وراثة العلم والنبوة والأخلاق دون الملك، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث" المال، ويؤيده قوله: "ما تركناه صدقة " ويعقوب هنا أبو يوسف، وقيل: بل هو أخو زكريا، وقيل: لا بل هو أخو عمران الذي هو أبو مريم.
فإن قيل: كيف قال: (يرثني ويرث من آل يعقوب) فعدى الفعل في الأول بنفسه، وفى الثاني بحرف الجر وهو واحد؟
قلنا: يقال ورثه وورث منه، فجمع بين اللغتين وقيل: (من) هنا للتبعيض لا للتعدية، لأن آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء.
فإن قيل: كيف طلب الولد بقوله (فهب لي من لدنك وليًّا)
[أنموذج جليل: 310]
أي ولدًا صالحًا، فلما بشره الله تعالى به بقوله: (يا زكريّا إنّا نبشّرك...الآية) استبعد ذلك وتعجب منه وأنكره
بقوله: (أنّى يكون لي غلامٌ...الآية)؟
قلنا: لم يكن ذلك عن طريق الإنكار والاستبعاد، بل ليجاب بما أجيب به فيزداد الموقنون إيقانًا ويرتدع المبطلون، وإلا فمعتقد زكريا أولا وأخرًا كان على منهاج واحد في أن الله تعالى غنى عن الأسباب، الثاني: أنه قال ذلك تعجب فرح وسرور لا تعجب إنكار واستبعاد، الثالث: قيل: إنه قال ذلك استفهامًا عن الحالة التي يهبه الله تعالى فيها الولد، أيهبه في حالة الشيخوخة أم يرده إلى حالة الشباب ثم يهبه، ولكن هذا الجواب لا يناسبه ما أجيب به زكريا عليه الصلاة والسلام بعد استفهامه.
فإن قيل: كيف طلب العلامة على وجود الولد بعد ما بشره الله تعالى به، أكان عنده شك بعد بشارة الله تعالى في وجوده حتى طلب العلامة؟
قلنا: إنما طلب العلامة على وجود الحمل ليبادر إلى الشكر، ويتعجل السرور، فإن الحمل لا يظهر في أول العلوق بل بعد مدة.
فأراد معرفته أول ما يوجد، فجعل الله تعالى آية وجود الحمل عجزه عن الكلام، وهو سوي الجوارح ما به خرس ولا بكم.
فإن قيل: كيف قالت: (إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن كنت تقيًّا)
[أنموذج جليل: 311]
وإنما يتعوذ من الفاسق لا من التقى؟
قلنا: معناه إن كنت ممن يتقى الله ويخشاه، فستنتهي عنى بتعوذي به منك، فمعنى أعوذ أحصل على ثمرة التعوذ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه كان في زمانها رجل اسمه تقي، ولم يكن تقيًا بل كان فاجرًا، فظنته إياه فتعوذت منه، والقول الأول هو الذي عليه المحققون، وقيل: هو على المبالغة معناه إني أعوذ منك إن كنت تقيًا) فكيف يكون حالي في القرب منك إلى الله تعالى إذا لم تكن تقيًا)؟
وقالوا: نظير هذا ما جاء في الخبر: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)، معناه أنه إذا كان بحال لو لم يخف الله تعالى لا يوجد منه عصيان، فكيف يكون حاله إذا خاف الله تعالى، وفى قراءة أبي وابن مسعود: إلا أن تكون تقيًا.
فإن قيل: اتفق العلماء على أن الوحي لم ينزل على امرأة، ولم يرسل جبريل عليه الصلاة والسلام برسالة إلى امرأة قط، ولهذا قالوا في قوله تعالى: (وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه) أنه كان وحى إلهام، وقيل: وحى منام فكيف قال تعالى: (فأرسلنا إليها روحنا) وقال: (إنّما أنا رسول ربّك)؟
قلنا: لا نسلم أن الوحي لم ينزل على امرأة قط، فإن مقاتلا قال في
[أنموذج جليل: 312]
قوله تعالى: " وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه " أنه كان وحيًا بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام، وإنما المتفق عليه بين العلماء أن جبريل عليه الصلاة والسلام لم ينزل بوحي الرسالة على امرأة لا بمطلق الوحي، وهنا لم ينزل على مريم بوحي الرسالة بل بالبشارة بالولد، ولهذا جاءها على صورة البشر: (فتمثّل لها بشرًا سويًّا).
فإن قيل: ما وجه قراءة الجمهور: (لأهب لك) والواهب للولد هو الله تعالى لا جبريل عليه الصلاة والسلام؟
قلنا: قال ابن الأنباري: معناه إنما أنا رسول ربك يقول لك أرسلت لك رسولي إليك لأهب لك، فيكون حكاية عن الله تعالى لا من قول جبريل عليه الصلاة والسلام، فيكون فعل الهبة مستندًا إلى الله تعالى لا إليه، الثاني: أن معناه لأكون سببًا في هبة الولد بواسطة النفخ في الدرع، فالإضافة إليه بواسطة السببية.
فإن قيل: كيف قالت: (ولم أك بغيًّا) ولم يقل بغية مع أنه وصف مؤنث؟
قلنا: قال ابن الأنباري: لما كان هذا الوصف غالبًا على النساء وقلما تقول العرب رجل بغى، ولم يلحقوا به علامة التأنيث إجراء مجرى حائض وعاقر، وقال الأزهري: لا يقال رجل بغى بل هو مختص بالمؤنث، ولام الكلمة ياء يقال بغت تبغي، فهو فعول عند المبرد
[أنموذج جليل: 313]
أصلها بغوى، قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين اتباعًا، فهو كصبور وشكور في عدم دخول التاء، وقال ابن جني في كتاب التمام: هي فعيل ولو كانت فعولا لقيل بغو، كما قيل هو نهو عن المنكر، ثم قيل هي فعيل بمعنى فاعل فهي كقوله تعالى: (قريبٌ من المحسنين) وقال الأخفش: هي مثل ملحفة جديد فجعلها
بمعنى مفعول، وقيل: إنما لم يقل بغية مراعاة لبقية رؤوس الآيات.
فإن قيل: ما كان حزن مريم وقولها: (يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًّا) لفقد الطعام والشراب حتى تسلى بالسرى والرطب، بل كان لخوف أن يتهمها أهلها بفعل الفاحشة؟
قلنا: كان حزنها لمجموع الأمرين هو ما ذكرتم، وجدب مكانها الذي ولدت فيه، فإنه لم يكن فيه طعام ولا شراب ولا ماء يتطهر به، فكان إجراء النهر في المكان اليابس الذي لم يعهد فيه ماء، وإخراج الرطب من الشجرة اليابسة دافع لجهتي الحزن، أما دفع الجذب فظاهر، وأما دفع حزن التهمة فمن حيث إنهما معجزتان تدلان قومها على عصمتها وبراءتهًا من السوء، وإن الله تعالى خصها بأمور إلهية خارجة عن العادة خارقة لها، فيتبين لهم أن ولادتها من غير فحل ليس ببدع من شأنها، ولا بعيد في قدرة الله تعالى المخرج في لحظة واحدة الرطب الجنى من النخلة اليابسة، (والمجرى للماء) بغتة في مكان لم يعهد فيه.
فإن قيل: كيف أمرها جبريل عليه الصلاة والسلام إذا رأت إنسانًا أن
[أنموذج جليل: 314]
تكلمه بعد النذر بالسكوت بقول: (فإمّا ترينّ من البشر أحدًا... الآية) وذلك خلف في النذر؟
قلنا: إنما أمرها بذلك لأنه تمام نذرها، فإنها لم تكن مأمورة بنذر مطلق السكوت حتى يندرج فيه الكف عن الذكر والتسبيح والدعاء ونحوها، بل بنذر السكوت عن تكليم الإنسي، وإذا كان تمام نذرها بقولها: (فلن أكلّم اليوم إنسيًّا) لا تكون مكلمة للإنسي بعد تمام النذر.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (نكلّم من كان في المهد صبيًّا) وكل واحد كان في المهد صبيًا؟
قلنا: كان هنا زائدة وصبيًا منصوب على الحال، لا على أنه خبر كان، تقديره كيف نكلم من في المهد في حال صباه، وقيل: كان بمعنى وقع ووجد (صبيًا) منصوبًا على الوجه الذي مر.
فإن قيل: خطاب التكليف في جميع الشرائع إنما يكون بعد البلوغ أو بعد التمييز والقدرة على فعل المأمور به، وعيسى عليه الصلاة والسلام كان رضيعًا في المهد، فكيف خوطب بالصلاة والزكاة حتى قال: (وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيًّا)؟
قلنا: تأخير الخطاب إلى غاية البلوغ وغيرها إنما كان ليحصل العقل والتمييز، وعيسى عليه الصلاة والسلام كان واجدًا للعقل والتمييز التام في تلك الحالة فتوجه نحوه الخطاب أن يفعلهما إذ قدر على
[أنموذج جليل: 315]
ذلك، ولهذا قيل: إنه أعطى النبوة في صباه أيضًا.
فإن قيل: الزكاة إنما تجب على الأغنياء، وعيسى عليه الصلاة والسلام لم يزل فقيرًا لابس كساء مدة بقائه في الأرض، وعلم الله
تعالى ذلك من حاله، فكيف أوصاه بالزكاة؟
قلنا: المراد بالزكاة هنا تزكية النفس وتطهيرها من المعاصي لا زكاة المال.
فإن قيل: كيف جاء السلام في قصة يحيى عليه السلام منكرًا، وفي قصة عيسى عليه الصلاة والسلام معرفًا؟
قلنا: قد قيل إن النكرة والمعرفة في مثل هذا سواء لا فرق بينهما في المعنى، الثاني: أنه سبق ذكره في قصة يحيى عليه الصلاة والسلام مرة، فلما أعيد ذكره أعيد معرفًا كقوله تعالى: (فعصى فرعون الرّسول) كأنه قال ذلك
السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلى.
فإن قيل: كيف تكون الألف واللام في السلام للعهد، والأول سلام من الله تعالى على يحيى عليه الصلاة والسلام، والثاني: سلام على عيسى عليه الصلاة والسلام على نفسه؟
قلنا: التعريف راجع إلى ماهية السلام ومواطنه لا إلى كونه واردا من عند الله تعالى.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: (واذكر في الكتاب إبراهيم)
وما أشبهه ومثل هذا إنما يستعمل إذا كان المأمور مختارًا في الذكر وعدمه، كما تقول لصاحبك وهو يكتب كتابًا اذكرني في الكتاب أو
[أنموذج جليل: 316]
اذكر فلانًا في الكتاب، والنبي عليه الصلاة والسلام ما كان بسبيل الزيادة أو النقصان في الكتاب ليوصى بمثل ذلك؟
قلنا: هذا على طريق التأكيد في الأمر بالإبلاغ، كتأكيد الملك على رسوله بإعادة بعض فصول الرسالة وتخصيصها بالأمر بالإبلاغ.
فإن قيل: الاستغفار للكافرين لا يجوز، فكيف وعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه بالاستغفار له بقوله: (سأستغفر لك ربّي)؟
قلنا: معناه سأسأل الله لك توبة بها مغفرة، يعنى الإسلام والاستغفار والاستسلام والاستغفار للكافر بهذا الطريق جائز وهو أن يقال اللهم وفقه للإسلام، أو اللهم تب عليه، وأهده وأرشده وما أشبه ذلك، الثاني، أنه وعده ذلك بناء على أنه يسلم فيستغفر له بعد الإسلام، الثالث: أنه وعده ذلك قبل تحريم الاستغفار للكافر، فإن تحريم ذلك قضية شرعية إنما تعرف بالسمع لا عقلية، فإن العقل لا يمنع من ذلك.
فإن قيل: الطور وهو الجبل ليس له يمين ولا شمال، فكيف قوله تعالى: (من جانب الطّور الأيمن)؟
قلنا: خاطب الله تعالى العرب بما هو معروف في استعمالهم، فإنهم يقولون عن يمين القبلة وشمالها، يعنون ما يلي يمين المستقبل لها وشماله، لأن القبلة لا يدلها ليكون لها يمين وشمال، وفى هذا اتساع منهم في الكلام لعدم اللبس، فالمراد بالأيمن هنا ما عن يمين موسى عليه الصلاة والسلام من الطور لأن النداء جاء من قبل يمينه، هذا إن
[أنموذج جليل: 317]
كان الأيمن ضد الأيسر من اليمين، وإن كان من اليمن وهو البركة من قولهم: يمن فلان قومه فهو يأمن أي كان مباركًا عليهم، فلا إشكال لأنه يصير معناه من جانب الطور المبارك.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيًّا) وهارون كان أكبر من موسى عليهما الصلاة والسلام فما معنى هبته له؟
قلنا: معناه أن الله تعالى أنعم على موسى عليه الصلاة والسلام بإجابته دعوته فيه، حيث قال: (واجعل لي وزيرًا من أهلي (29) هارون أخي..... الآية) فقال: (سنشدّ عضدك بأخيك) فالمراد بالهبة جعله عضدًا له وناصرًا ومعينًا، كذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما.
فإن قيل: كيف (وصف) الله تعالى النبيين المذكورين في قوله تعالى: (أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم.... الآية) بقوله تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدًا وبكيًّا) فالمراد بآيات الرحمن القرآن، والقرآن لم يتل على أحد من الأنبياء المذكورين؟
قلنا: آيات الرحمن غير مخصوصة بالقرآن، بل كل كتاب أنزله الله
[أنموذج جليل: 318]
تعالى ففيه آياته، ولو سلمنا أن المراد بها القرآن فنقول: إن المراد بقول تعالى: (وممّن هدينا واجتبينا) محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
فإن قيل: قوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيًّا (59) إلّا من تاب وآمن) يدل على أن ترك الصلاة وإضاعتها كفر، لأنه شرط في توبة مضيعها الإيمان؟
قلنا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بهؤلاء الخلف هنا اليهود تركوا الصلاة المفروضة، وشربوا الخمر، واستحلوا إنكاح الأخت من الأب.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (إنّه كان وعده مأتيًّا) ولم يقل آتيا كما قال تعالى: (إنّ ما توعدون لآتٍ)؟
قلنا: المراد بوعده موعوده وهي الجنة، وهي مأتية يأتيها أولياؤه، الثاني: أن مفعولا هنا بمعنى فاعل كما في قوله تعالى: (حجابًا مستورًا) أي ساترًا.
فإن قيل: قوله تعالى: (تلك الجنّة الّتي نورث من عبادنا من كان تقيًّا) وقوله تعالى: (وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين)
[أنموذج جليل: 319]
يدل من حيث المفهوم أن غير المتقين لا يدخلون الجنة؟
قلنا: المراد بالتقوى هنا التقوى من الشرك، وكل المؤمنين سواء في ذلك.
فإن قيل: ما معنى انفطار السموات وانشقاق الأرض وخرور الجبال من دعوتهم الولد لله تعالى، ومن أين تؤثر هذه الكلمة في الجمادات؟
قلنا: معناه أن الله تعالى يقول: كدت أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضبًا على قائلها لولا حلمي وإمهالي.
فإني لا أعجل بالعقوبة كما قال الله عز وجل: (إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا) يعنى أن تخر على المشركين وتنشق الأرض بهم، ويدل على هذا قوله تعالى في آخر الآية: (إنّه كان حليمًا غفورً)، الثاني: أن يكون استعظامًا لقبح هذه الكلمة وتصويرًا لأثرها في الدين، وهدمها لأركانه وقواعده، وأن مثال ذلك الأثر في المحسوسات أن يصيب هذه الأجسام العظيمة التي هي قوام العالم ما تنفطر منه وتنشق وتخر.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا في صفة الشرك: (كاد السّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدًّا) وهذا يدل على قوة كلمة الشرك وشدتها، وقال تعالى في سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في صفة كلمة الشرك: (ومثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرارٍ)
[أنموذج جليل: 320]
والمراد بالكلمة الخبثة كلمة الشرك، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: وبالشجرة الخبيثة شجرة الحنظل، كذا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على ضعف كلمة الشرك وتلاشيها واضمحلالها، فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا: وصفت كلمة الشرك في سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالضعف، وهنا بالقبح والفظاعة فلا تنافى بينهما.
فإن قيل: كيف قال الله تعالى: (لقد أحصاهم وعدّهم عدًّا) والإحصاء العد على ما نقله الجوهري، أو الحصر على ما نقله بعض أئمة التفسير، كما سبق ذكره في سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها) فإن كان الإحصاء العد فهو تكرار وإن كان الحصر فذكره مغن ذكر العدد، لأن الحصر لا يكون إلا بعد معرفة العدد؟
قلنا: الإحصاء قد جاء بمعنى العلم أيضا، ومنه قوله تعالى: (وأحصى كلّ شيءٍ عددًا) أي علم عدد كل شيء وقال الشاعر:
وكن للذي لم تحصه متعلما *** وأما الذي أحصيت منه فعلم
وهو المراد هنا، فيصير المعنى لقد علمهم أي علم أفعالهم وأقوالهم
[أنموذج جليل: 321]
وكل ما يتعلق بذواتهم وصفاتهم وعددهم فلا تكرار، ولا استغناء عن ذكر العدد.
[أنموذج جليل: 322]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مريم, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir