س: بيّن فضل التابعين مع الاستدلال
للتابعين رحمهم فضل له أصل في كتاب الله حيث أثنى تعالى على صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم واشترط شرطاً على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، ومن الاحسان هو اتباع الصحابة بصدق وقبول وأن يسيروا على طريقهم ومنهجهم ، فكان الصحابة أئمتهم ودليلهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن شُهد لهم بحسن الاتباع للائمة المهديين الصحابة رضوان الله عليهم ، فيقبل قولهم ويُتأسى بهم ، ولقولهم في التفسير نظر واعتبار .
-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) متفق عليه.
- عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصَاحَبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصَاحَب مَن صَاحَبَني)
س: التابعون على صنفين في عنايتهم بالتفسير اذكرهما؟
الصنف الأول : مفسّرون يفسّرون القرآن بما تعلموه من طرق تفسير القرآن، فيجمعون بين الاجتهاد ولهم أقوال ، وبين النقل عمن تقدم ، ومنهم :أبو العالية الرياحي، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، وزيد بن أسلم، والضحاك بن مزاحم، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم كثير.
ولهم أقوال في التفسير معتمدة عند أصحاب كتب التفسير المسندة..
والصنف الثاني: هم نقلة للتفسير عم تقدم ؛ فأصل عنايتهم بالتفسير على رواية أحاديث التفسير، ونقل تفاسير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وليس لهم اجتهاد يذكر في تفاسيرهم ، ولكنهم حفظوا للأمة علما كثيرا مما نقلوه .. .
وهم في النقل على ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: نقلة ثقات..
والطبقة الثانية: نقلة متكلّم فيهم من جهة ضعف الضبط أو لاختلاف النقاد في أحوالهم، وهم على درجات متفاوتة.
والطبقة الثالثة: رواة ضعفاء متروكي الحديث..
س: تحدّث باختصار عن طبقات المفسّرين اللغويين
طبقات المفسرين الذين لهم عناية بالتفسير اللغوي :
-طبقة الصحابة رضي الله عنهم
وهم أعلم الناس باللغة وأساليبها ومفرداتها وأبعدهم عن العجمة ، وكان منهم من له مزيد عناية ومعرفة بفنون اللغة وأساليبها .
طبقة كبار التابعين، وعامّتهم من أهل عصر الاحتجاج، وكان منهم من له مزيد عناية بالتفسير اللغوي.
الذين أخذوا عن أبي الأسود الدؤلي – وهو من الطبقة الثانية أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه وأوكل إليه علي رضي الله عنه أن يدون النحو -، وهم جماعة من المعتنين بالعربية في عداد التابعين.
من أخذ عن أصحاب أبي الأسود، وعامّتهم من صغار التابعين، وهم جماعة من علماء اللغة المتقدّمين الذين شافهوا الأعراب، وكانت لهم عناية بتأسيس علوم العربية وتدوينها.
وهؤلاء في عداد تلاميذ الطبقة الرابعة، ومنهم من شافه الأعراب وأخذ عنهم
وهم من أعلام اللغة الكبار، ولهم مصنّفات كثيرة، وفي مصنّفاتهم بيان لمعاني بعض الآيات وما يتصل بها من مسائل لغوية.
ومنهم من صنّف في التفسير ومعاني القرآن كالكسائي، ويحيى بن سلام البصري، والفراء، وأبي عبيدة، والأخفش الأوسط.
وعامّتهم من تلاميذ الطبقة الخامسة، ومنهم من تتلمذ على بعض أصحاب الطبقة الرابعة.
-الطبقة السابعة :وهم القرن الثالث الهجري
والطبقة الثامنة: منتصف القرن الثالث
والطبقة التاسعة: طبقة أبي سعيد الحسن بن الحسينِ السُّكَّري اواخر القرن الثالث
والطبقة العاشرة: بداية القرن الرابع
والطبقة الحادية عشرة: إلى منتصف القرن الرابع
والطبقة الثانية عشرة: إلى نهاية القرن الرابع
ومن هؤلاء الأعلام أخذ من بعدهم علوم العربية ، وكانوا على تفاوت واختلاف في أوجه العناية باللغة : فمنهم من يغلب عليه العناية بالنحو والإعراب، ومنهم المشتهر بالقراءات وتوجيهها، ومنهم من اعتنى بمعاني المفردات والأساليب، ومنهم اشتغل بالتصريف والاشتقاق، وغير ذلك ..
ومنهم من أفرد مصنّفات مفردة لتفسير القرآن ، ومنهم تعرض له في كتبه اللغوية ..
وهم على هذا على درجات متفاوتة في إتقان العلوم، وحسن الأثر، ولزوم السنة، بل منهم من رمي بالاعتزال والاشتغال بعلم الكلام؛ فيُقبل من كلامهم ما أحسنوا فيه وأجادوا، ويردّ منه ما غلطوا فيه مما نصروا به بدعهم، أو ردّوا به شيئاً من الحقّ عامدين أو متأوّلين.
ثم كان خلف لهم من كل قرن وقفوا على آثارهم واستفادوا منها بالشرح والتحليل والتبسيط والتوضيح .
س: اذكر بإيجاز أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية عند العلماء
كان للعلماء أنواع متعددة للعناية بالألفاظ القرآنية عند العلماء :
-النوع الأول : وهو الأشهر والأكثر صلة بالتفسير ،العناية ببيان معاني المفردات والأساليب القرآنية. وهو الكشف عن معنى اللفظ، ومعرفة مقاصد الأساليب ، ومن مسائل هذا النوع ما يتّفق عليه العلماء، ومنها ما يختلفون فيه، ويكون للاختلاف أسبابه وآثاره؛ فقد يكون بسبب أن اللفظة من المشترك اللفظي فيفسّرها بعضهم بمعنى من معانيها، ويفسّرها آخرون بمعنى آخر، ومنهم من يجمع بين المعاني ، ومنهم من يرجح حسب السياق .والجمع – إذا أمكن- أولى من الترجيح ما لم يكن لاختيار أحد المعاني قرينة ظاهرة، أو مناسبة بيّنة.
بيان معاني الحروف، وهو من الأهمية بمكان في التفسير اللغوي .
والغفلة عنه قد توقع في خطأ في فهم معنى الآية وإن كان من كبار المفسرين..
قال مالك بن دينار: كنا نعرض المصاحف أنا والحسن وأبو العالية الرياحي ونصر بن عاصم الليثي وعاصم الجحدري، قال: سأل رجل أبا العالية عن قول الله عز وجل {الذين هم عن صلاتهم ساهون} ما هو؟
فقال أبو العالية: «هو الذي لا يدري عن كم انصرف؟ عن شفع أو عن وتر»
فقال الحسن: مَهْ! ليس كذلك، {الذين هم عن صلاتهم ساهون}: «الذي يسهو عن ميقاتها حتى تفوت».
قال الزركشي: (لو كان المراد ما فهم أبو العالية لقال: "في صلاتهم" فلما قال "عن صلاتهم" دل على أن المراد به الذهاب عن الوقت)ا.هـ.
وأما مجرّد السهو في الصلاة فليس مما يتناول الوعيد في الآية.
الإعراب، وهو من أكثر ما يُعنى به النحويون للكشف عن المعاني ومعرفة العلل في القوال والترجيح بينها .
ومن مسائل الإعراب مسائل واضحة لا يختلفون فيها، ومنها مسائل فيها اشكال يختلف فيه كبار النحاة .
-خلاف لا أثر له في المعنى إنما اختلافهم على أصول نحوية
: توجيه القراءات، ودلالة كل قراءة على معنى وهو علم شريف نافع عُني به جماعة من المفسّرين.
التفسير البياني، وهو التفسير في بيان حسن نظم القرآن القرآن، ولطائف عباراته، وحِكَم اختيار بعض الألفاظ على بعض، وانتقاء الاساليب العربية وغير ذلك ... وكلام العلماء فيه كثير والاحاطة به غير ممكنة وفيه يتفاوت العلماء .
وقد قال ابن عطية رحمه الله في مقدّمة تفسيره: (كتاب الله لو نُزِعَت منه لفظة، ثم أُديرَ لسانُ العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد)ا.ه
الوقف والابتداء :ويسمّى علم الوقوف، وعلم التمام، والقطع والائتناف، والمقاطع والمبادي ، وله ، صلة وثيقة بالتفسير لتعلّقه ببيان المعنى ، ومن يتقنه تكون تلاوته مفسرة للقرآن .وكانت عناية علماء اللغة بالوقف والابتداء لافادة القارئ بما يُحسن به أداءَ المعنى عند قراءته، وفهم المراد من الآية ، ولأنّه إذا أخطأ في الوقف أو الوصل أو الابتداء أوهمَ معنى غير مقصود .
قال علم الدين السخاوي رحمه الله: (ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دوَّنه العلماء تبيينُ معاني القرآن العظيم، وتعريفُ مقاصده، وإظهارُ فوائدِه، وبه يتهيَّأ الغوصُ على دُرره وفرائده)ا.هـ
النوع العاشر: تناسب الألفاظ والمعاني.
س: بيّن مع التمثيل أثر الاختلاف في الوقف والابتداء على التفسير
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً الوقف في قوله تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} .
فمن وقف على {اليوم} كان الابتداء بما بعدها دعاء من يوسف عليه السلام لإخوته، وهو أرجح الوجهين في التفسير.
قال الأخفش: (وقال: {لا تثريب عليكم اليوم} (اليوم) وقفٌ ثم استأنف فقال: {يغفر اللّه لكم} فدعا لهم بالمغفرة مستأنفاً)ا.هـ.
ومن وقف على {عليكم} ثمّ ابتدأ {اليوم يغفر الله لكم..} كان المعنى خبرٌ من يوسف عليه السلام – وهو نبيّ يوحى إليه – بمغفرة الله تعالى لهم في ذلك اليوم
س: تحدّث بإيجاز عن موارد الاجتهاد في التفسير
فمنه ما يكون ظاهر الدلالة ومنه من يحتاج إلى نظر واجتهاد ..
ويدخل الاجتهاد في عامّة أنواع تفسير القرآن بالقرآن، وهو أن يستخرج المجتهد دلالة تفسير آية من آية أخرى ، بينهما اتصال ..
ولهذا الاجتهاد موارد ومداخل منها:
أ: الاجتهاد في ثبوت أسانيد بعض القراءات التي يستفاد منها في التفسير وإن لم يكن يُقرأ بها.
ب: والاجتهاد في تفسير لفظة بلفظة أخرى كما تقدّم من تفسير السجّيل بالطين.
ج: والاجتهاد في بيان الإجمال وتقييد المطلق وتخصيص العام باستخراج ما يدلّ على ذلك من آيات أخرى، ولذلك أمثلة كثيرة تقدّم ذكر بعضها.
د: والاجتهاد في الجمع بين آيتين لاستخراج حكم شرعي؛ كما فعل عليّ وابن عباس في مسألة أقلّ مدّة الحمل.
هـ: والاجتهاد في تفصيل أمر مذكور في آية بذكر ما يتعلّق به من آية أخرى ليُستعان به على بيان بعض أوجه التفسير أو الترجيح بين الأقوال المأثورة في تفسيرها.
و: والاجتهاد في الاستدلال لبعض الأقوال التفسيرية بما يقوّيها بدلالة من آية أخرى,
ز: والاجتهاد في إعلال بعض الأقوال التفسيرية المحكيّة في آية بما يبيّن ضعفها من الدلالات المستخرجة من آيات أخرى، وهو باب واسع يحتاج فيه المجتهد إلى حسن الاستحضار وقوّة الاستنباط.
أ: الاجتهاد في ثبوت التفسير النبوي إسناداً ومتناً؛ بالتحقق من صحّة الإسناد، وسلامة المتن من العلّة القادحة.
ب: والاجتهاد في استخراج دلالة صحيحة بين آية وحديث نبويّ يفسّر تلك الآية أو يبيّن بعض معناها، أو يعين على معرفة تفسيرها.
ج: والاجتهاد في معرفة أسباب النزول وأحواله.
د: والاجتهاد في الاستدلال لبعض الأقوال المأثورة بما صحّ من الأحاديث.
هـ: والاجتهاد في إعلال بعض الأقوال التفسيرية بما صحّ من الأحاديث النبوية؛ فإنّ من المفسّرين من يجتهد في تفسير آية فيخرج بقول يعارض حديثاً صحيحاً وهو لا يعلم ، وهذا باب واسع يحتاج المجتهد للتوسع فيه .وفيه الذب والدفاع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان ما صح منها .
. تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
وأما تفسير القرآن بأقوال الصحابة ففيه اجتهاد من أبوب ::
أ: منها الاجتهاد في معرفة أقوال الصحابة في التفسير وهو باب واسع؛ وحاولة جمع واستخراج أقوالهم من التفاسير المسندة .ً.
ب: ومنها الاجتهاد في التحقق من ثبوت صحة الأسانيد المروية إلى الصحابة.
ج: ومنها الاجتهاد في فهم أقوال الصحابة، ومعرفة مآخذها، وتخريجها على أصول التفسير، وهذا باب واسع عظيم النفع للمفسّر.
د: الاجتهاد في التمييز بين ما يُحمل على الرفع من أقوال الصحابة وما لا يُحمل على الرفع مما أخذه بعض الصحابة عمّن قرأ كتب أهل الكتاب.
هـ: الاجتهاد في تحرير أقوال الصحابة في نزول الآيات وتمييز ما يحمل على بيان سبب النزول مما يُحمل على التفسير.
و: الاجتهاد في معرفة علل الأقوال الضعيفة المنسوبة إلى بعض الصحابة نصّاً أو استخراجاً.
ز: الاجتهاد في الجمع والترجيح بين أقوال الصحابة.
. تفسير القرآن بأقوال التابعين:
ففيه الاجتهاد أكثر من الأقسام السابقة ،إلا أنّ أقوال الصحابة التي تُحمل على الرفع يُحمل نظيرها في أقوال التابعين على الإرسال.
ويزيد عليها الاجتهاد في البحث عن أحوال التابعين في العدالة والضبط.
ومن أبواب الاجتهاد في تفسير الصحابة والتابعين الاجتهاد في تقرير مسائل الإجماع، وتصنيف مسائل الخلاف، والتمييز بين الخلاف المعتبر وغير المعتبر، وخلاف التنوّع وخلاف التضاد، والتعرّف على الأقوال وأنواعها، وجوامعها وفوارقها ومآخذها وعللها، وللاجتهاد في هذه الأبواب مجال فسيح واسع لا يحيط به علم المجتهد الفرد.
: -الاجتهاد في ثبوت السماع عن العرب من عدمه، لأن لإثبات السماع طرق ومراتب منها ما هو محلّ اتّفاق، ومنها ما اختُلف فيه، وللنقل علل وآفات يقع الاجتهاد في اكتشافها وقبولها وردّها..
:-الاجتهاد في صحة القياس اللغوي؛ وهو من مواضع الاجتهاد اللغوي.
: -توجيه القراءات، وهو من الموارد التي كثر اجتهاد المجتهدين اللغويين فيها.
:-الإعراب، واجتهادهم فيه كثير معروف، وأثره على المعنى وترتّبه عليه ظاهر بيّن.
:-تلمّس العلل البيانية، وهو أمر يختلف فيه اجتهاد المجتهدين، ويتفاوتون في مراتبه تفاوتا كبيراً.
-الاجتهاد في الاستدلال لصحّة بعض الأقوال التفسيرية وإعلال بعضها.
-الاجتهاد في الجمع بين بعض الأقوال المأثورة بجامع لغوي يُعبّر عنه المجتهد عبارة حسنة تدلّ على مآخذ الأقوال المندرجة تحت تلك العبارة.
-الاجتهاد في معرفة التخريج اللغوي لأقوال المفسّرين، وهو باب واسع للاجتهاد، وله أمثلة كثيرة نافعة
س: أيهما أولى التعبير بمصطلح التفسير بالرأي أو التفسير بالاجتهاد؟ وضّح إجابتك
هناك من يرى أنه التفسير بالرأي ويقسمه إلى قسمين :
الرأ ي المحمود : ويعنون به الاجتهاد المشروع من موارده
الرأي المذموم : وهو تفسير أهل البدع
ولكن الأصل أن يطلق عليه التفسير بالاجتهاد لأن التحذير الذي جاء عن السلف هو التفسير بالرأي ولا يعنون بذلك الاجتهاد الصحيح من موارده ، وإنما عنوا به الرأي المجرد التابع للهوى .