دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ > الناسخ والمنسوخ للنحاس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 رجب 1432هـ/1-07-2011م, 10:58 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي سورة براءة

سورة براءة

قال أبو جعفرٍ: لا أعلم خلافًا أنّها من آخر ما نزل بالمدينة ولذلك قلّ المنسوخ فيها ويدلّك على ذلك
ما حدّثنا به، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، قال: حدّثنا محمّد بن المثنّى، وعمرٌو بن عليٍّ، قالا حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عوفٌ الأعرابيّ، عن يزيد الفارسيّ، قال: حدّثنا ابن عبّاسٍ، قال: قلنا لعثمان بن عفّان
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/396]
رضي اللّه عنه ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ووضعتهما في السّبع الطّوال ما حملكم على هذا؟ فقال: «كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم تنزل عليه السّور ذوات العدد فإذا نزلت عليه الآية قال اجعلوها في سورة كذا وكذا وكانت الأنفال من أوّل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر ما نزل وكانت قصّتها تشبه قصّتها ولم يبيّن لنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك شيئًا فلذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم اللّه الرّحمن الرّحيم»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/397]
قال وقرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا عوفٌ، وذكر بإسناده نحوه غير أنّه زاد فيه قال عثمان فظننت أنّها منها قال: وكانتا تدعيان في زمان رسول اللّه صلّى الله
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/398]
عليه وسلّم القرينتين فلذلك جعلتهما في السّبع الطّوال
قال أبو جعفرٍ: ففي هذا الحديث ظنّ عثمان أنّ الأنفال من براءة وتحقيق ابن عبّاسٍ أنّها ليست منها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/399]
وفيه البيان أنّ تأليف القرآن عن اللّه جلّ وعزّ ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا مدخل لأحدٍ فيه ولو لم يكن في ذلك إلّا الأحاديث المتواترة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ذكر البقرة وآل عمران وسائر السّور وأنّه كان يقرأ في صلاة كذا بكذا وأنّه قرأ في ركعةٍ بالبقرة وآل عمران وأنّه قال صلّى الله عليه وسلّم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/400]
«تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان أو غيايتان»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/401]
وصحّ أنّ أربعةً من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كانوا يحفظون القرآن في وقته ولا يجوز أن يحفظوا ما ليس مؤلّفًا
كما حدّثنا أبو عليٍّ محمّد بن جعفر بن محمّدٍ الأنباريّ، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: «جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أربعةٌ أبيّ بن كعبٍ، وزيد بن ثابتٍ، وأبو زيدٍ، ومعاذ بن جبلٍ» قال قتادة: قلت لأنسٍ من أبو زيدٍ؟ قال: أحد عمومتي
قال أبو جعفرٍ: وهؤلاء الأربعة من الأنصار هم الّذين كانوا يقرءون وأبو زيدٍ سعد بن عبيدٍ من بني عمرو بن عوفٍ من الأنصار
وقال الشّعبيّ، وأبو الدّرداء: «حفظ القرآن على عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومجمّع بن جارية بقيت عليه سورتان أو ثلاثٌ قال ولم يحفظ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/402]
القرآن أحدٌ من الخلفاء إلّا عثمان، وسالمٌ مولى أبي حذيفة بقي عليه منه شيءٌ»
فإن قيل فقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأخذ القرآن عنه قيل ليس في هذا دليلٌ على حفظه إيّاه كلّه ولكن فيه دليلٌ على أمانته
وممّا يدلّك على أنّ القرآن كان مؤلّفًا في عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
ما حدّثناه أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا يزيد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا عمران القطّان، عن قتادة، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن أبي رافعٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أعطيت السّبع مكان التّوراة وأعطيت المئين مكان الزّبور وأعطيت المثاني مكان الإنجيل وفضّلت بالمفصّل»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/403]
قال أبو جعفرٍ: فهذا التّأليف من لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهذا أصلٌ من أصول المسلمين لا يسعهم جهله لأنّ تأليف القرآن من إعجازه ولو كان التّأليف عن غير اللّه جلّ وعزّ ورسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لسوعد بعض الملحدين على طعنهم
وقد أشكل على بعض أصحاب الحديث ما طعن به بعض أهل الأهواء بالحديث أنّ عثمان أمر زيد بن ثابتٍ أن يجمع القرآن وضمّ إليه جماعةً
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/404]
فتوهّم أنّ هذا هو التّأليف وهذا غلطٌ عظيمٌ وقد تكلّم العلماء في معنى هذا بأجوبةٍ فمنهم من قال إنّما أمر بجمعه وإن كان مجموعًا لأنّهم كانوا يقرءونه على سبعة أحرفٍ فوقع بينهم الشّرّ والخلاف فأراد عثمان رحمه اللّه أن يختار من السّبعة حرفًا واحدًا هو أفصحها ويزيل السّتّة وهذا من أصحّ ما قيل فيه لأنّه مرويٌّ عن زيد بن ثابتٍ أنّه قال هذا ويدلّك على صحّته أنّ زيد بن ثابتٍ كان يحفظ القرآن فلا معنى لجمعه إيّاه إلّا على هذا أو ما أشبهه وقد قيل إنّما جمعه وإن كان يحفظه لتقوم حجّته عند أمير المؤمنين عثمان أنّه لم يستبدّ برأيه
وقد عارض بعض النّاس في هذا فقال: لم خصّ زيد بن ثابتٍ بهذا وفي الصّحابة من هو أكبر منه منهم عبد اللّه بن مسعودٍ، وأبو موسى الأشعريّ وغيرهما واحتجّ
بما حدّثناه إبراهيم بن محمّد بن عرفة، قال: حدّثنا شعيب بن أيّوب، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، أنّ أبا بكرٍ، وعمر، رضي اللّه عنهما بشّراه بأنّ رسول اللّه صلّى الله
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/405]
عليه وسلّم قال: «من أراد أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أمّ عبدٍ»
قال أبو جعفرٍ: والجواب عن هذا أنّ زيد بن ثابتٍ قدّم لأشياء لم تجتمع لغيره منها أنّه كان يكتب الوحي لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومنها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/406]
أنّه كان يحفظ القرآن في عهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومنها أنّ قراءته كانت على آخر عرضةٍ عرضها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على جبريل عليه السّلام وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبد اللّه بن مسعودٍ ما قال قد تأوّله هذا المعارض على غير تأويله وليس التّأويل على ما ذهب إليه ولو كان على ما ذهب إليه ما وسع أحدًا أن يقرأ إلّا بحرف عبد اللّه
والتّأويل عند أهل العلم منهم الحسين بن عليٍّ الجعفيّ أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ كان يرتّل القرآن فحضّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على ترتيلٍ مثل ترتيله لا غير ويدلّك على ذلك الحديث
أنّه سئل عن طسم، فقال: لا أحفظها سل خبّابًا عنها
فإن قيل فقد حضر ابن مسعودٍ العرضة الآخرة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/407]
قيل قد ذكرنا ما لزيد بن ثابتٍ سوى هذا على أنّ حرف عبد اللّه الصّحيح أنّه موافقٌ لمصحفنا يدلّك على ذلك
أنّ أبا بكر بن عيّاشٍ قال: قرأت على عاصمٍ وقرأ عاصمٌ على زرٍّ وقرأ زرٌّ على عبد اللّه
وقرئ على أحمد بن شعيب بن عليٍّ، عن محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازبٍ، يقول: «آخر آيةٍ نزلت آية الكلالة وآخر سورةٍ نزلت براءة» قال أبو جعفرٍ: وقد
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/408]
ذكرنا أنّه لا يكاد يوجد فيها منسوخٌ لهذا فأمّا النّاسخ فيها فكثيرٌ، وقد اختلف في الآية الأولى منها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/409]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30 رجب 1432هـ/1-07-2011م, 11:00 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الأولى

منها قال جلّ وعزّ: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ} [التوبة: 2]
للعلماء في هذه الآية سبعة أقوالٍ
منها ما حدّثناه عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان لقومٍ عهودٌ فأمر اللّه تعالى النّبيّ عليه السّلام بأن يؤجّلهم أربعة أشهرٍ يسيحون فيها فلا عهد لهم بعدها وأبطل ما بعدها وكان قومٌ لا عهود لهم فأجّلهم خمسين يومًا عشرين من ذي الحجّة والمحرّم كلّه، وذلك قوله تعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] " فهذا قولٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/410]
والقول الثّاني رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ،: «أجل من له عهدٌ أربعة أشهرٍ»، ولم يقل فيه أكثر وبهذه الرّواية فيمن لا عهد له كالأولى والقول الثّالث: إنّهم صنفان صنفٌ عاهده النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقلّ من أربعة أشهرٍ وصنفٌ عاهده إلى غير أجلٍ فردّ الجميع إلى أربعة أشهرٍ
والقول الرّابع: إنّهما صنفان أيضًا صنفٌ عوهد إلى أقلّ من أربعة أشهرٍ فأتمّت له أربعةً وصنفٌ عوهد إلى أكثر من أربعة أشهرٍ فأمر بالوفاء له قال تعالى: {فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم} [التوبة: 4]
والقول الخامس: إنّه ردّ الجميع إلى أربعة أشهرٍ من عوهد إلى أقلّ منها أو أكثر
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول مجاهدٍ، والسّدّيّ قالا:
«وأوّل هذه الأشهر الّتي هي أشهر السّياحة يوم الحجّ الأكبر إلى عشرٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/411]
يخلونّ من شهر ربيعٍ الآخر» وسمّيت الحرم لأنّ القتال كان فيها محرّمًا
قال أبو جعفرٍ وحدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، {فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ} [التوبة: 2] قال: «شوّالٌ وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم»
قال أبو جعفرٍ: ولا أعلم أحدًا قال هذا إلّا الزّهريّ والدّليل على غير قوله صحّة الرّواية أنّ عليّ بن أبي
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/412]
طالبٍ رضي اللّه عنه إنّما قرأ عليهم هذا ونبذ العهد إليهم بأمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في ذي الحجّة يوم الحجّ الأكبر فيجب أن يكون هذا أوّل الشّهور وقال من احتجّ للزّهريّ إنّما حمل هذا على نزول براءة
قال أبو جعفرٍ: وهذا غلطٌ كيف ينبذ العهد إليهم وهم لا يعلمون وأيضًا فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجّه أبا بكرٍ رضي اللّه عنه يحجّ بالنّاس سنة تسعٍ ثمّ اتّبعه عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه بهذه الآيات ليقرأها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/413]
في الموسم ودلّ هذا على أنّه قد نسخ بها ما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقرّ المشركين عليه من حجّهم البيت وطوافهم به عراةً وسنذكر الحديث بهذا
والقول السّابع إنّ الّذين نبذ إليهم العهد وأجّلّوا أربعة أشهرٍ هم الّذين نقضوا العهد الّذي كان بينهم وبين رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأمر بنبذ العهد إليهم وتأجيلهم أربعة أشهرٍ فأمّا من لم ينقض العهد فكان مقيمًا على عهده وقال جلّ وعزّ فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ومن لم يكن له عهدٌ أجل خمسين يومًا كما قال ابن عبّاسٍ وهذا أحسن ما قيل في الآية
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/414]
وهو معنى قول قتادة
والدّليل على صحّته
ما حدّثناه أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن زيد بن يثيعٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه قال أمرني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بأربعٍ لا يحجّ البيت مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عريانٌ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفسٌ مؤمنةٌ، وأن يتمّ لكلّ ذي عهدٍ عهده "
قال أبو جعفرٍ: فإن قيل: فقد
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/415]
روي في الرّابعة:
«وأن ينبذ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده» فالجواب: أنّه يجوز أن يكون هذا لمن نقض العهد، على أنّ الرّواية الأولى أولى وأكثر وأشبه، واللّه تعالى أعلم
وقد حدّثنا عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «لم يعاهد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية أحدًا»
وقال السّدّيّ: «لم يعاهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد هذا إلّا من كان له عهدٌ قبل»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/416]
قال أبو جعفرٍ: هذا وإن كان قد روي فالصّحيح غيره قد عاهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد الآية جماعةً منهم أهل نجران
قال الواقديّ «عاهدهم وكتب لهم ستّة عشر قبل وفاته صلّى الله عليه وسلّم بيسيرٍ»
وقد اعترض قومٌ من أهل الأهواء فقالوا قد أجلى عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه أهل نجران إلى الشّام بعد أن أمّنهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وكتب لهم كتابًا ألّا يحشروا فأرادوا بهذا الطّعن على عمر رضي اللّه عنه وهذا جهلٌ ممّن قاله أو عنادٌ لأنّ الأعمش روى عن سالم بن أبي الجعد قال:
أمّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أهل نجران وكتب لهم أن لا يحشروا ثمّ كتب لهم بذلك أبو بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه بعد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ثمّ كتب لهم بذلك عمر رضي اللّه عنه فكثروا حتّى صاروا أربعين ألف مقاتلٍ فكره عمر أن يميلوا على المسلمين فيفرّقوا بينهم وقالوا لعمر نريد أن نتفرّق ونخرج إلى الشّام فاغتنم ذلك منهم وقال
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/417]
نعم ثمّ ندموا فلم يقلهم فلمّا ولّي عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه أتوه فقالوا كتابك بيمينك وشفاعتك بلسانك فقال: إنّ عمر رضي اللّه عنه كان رشيدًا
وفي غير رواية سالمٍ فقال لهم عليٌّ إنّي ما قعدت هذا المقعد لأحلّ عقدًا عقده عمر إنّ عمر كان رجلًا موفّقًا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/418]
وقرئ على عمران بن موسى يعرف بابن الطّبيب، عن أبي يعقوب، إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن ميمونٍ، قال: حدّثنا أبو داود الحفريّ، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، قال قال عبد اللّه بن مسعودٍ، «لو وضع علم عمر في كفّةٍ ووضع علم أحياء العرب في كفّةٍ لرجح علم عمر، ولقد كنّا نقول ذهب عمر بتسعة أعشار العلم»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/419]
وقرئ على عمران بن موسى، عن إسحاق، قال: حدّثنا الهيثم بن جميلٍ، قال: حدّثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبي حسينٍ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «كنت فيمن يزدحم على عمر رحمه اللّه حين وضع على سريره فجاء رجلٌ من خلفي فوضع يده على منكبي فترحّم عليه وقال ما من أحدٍ ألقى اللّه تعالى بعمله أحبّ إليّ من هذا إن كنت أظنّ ليجمعنّه اللّه مع صاحبيه كنت أسمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول كنت أنا وأبو بكرٍ، وعمر وقلت أنا وأبو بكرٍ، وعمر وكنت
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/420]
أظنّ ليجمعنّك اللّه جلّ وعزّ معهما فالتفت فإذا هوعليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه» فهذا قول عليٍّ فيه بالأسانيد الصّحاح فلا مطعن لمن طعن على شيءٍ لم يغيّره من ينتحل محبّته
وقد قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن عمرو بن منصورٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلمة، قال: حدّثنا نافعٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه تعالى جعل الحقّ على لسان عمر وقلبه»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/421]
والرّوايات بمثل هذا كثيرةٌ ولم نقصد جمعها وإنّما قصدنا بعضها لأنّ فيه كفايةً وبيانًا عمّا أردناه
وقد اختلف العلماء في الآية الثّانية من هذه السّورة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/422]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30 رجب 1432هـ/1-07-2011م, 11:05 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الثّانية

قال جلّ وعزّ: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] الآية
للعلماء في هذه الآية ثلاثة أقوالٍ
فمنهم من قال: هي منسوخةٌ وقال لا يحلّ قتل أسيرٍ صبرًا وإنّما يمنّ عليه أو يفادى وقالوا النّاسخ لها قوله {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} [محمد: 4] فممّن قال هذا الحسن
رواه عنه أشعث أنّه: " كان يكره قتل الأسير صبرًا وقال {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} [محمد: 4] "
وهذا قول الضّحّاك، والسّدّيّ قالا: " نسخ {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] قوله {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} [محمد: 4] "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/423]
وهو قول عطاءٍ كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان قال: حدّثني ابن وهبٍ قال: أخبرني ابن جريجٍ عن عطاءٍ في قوله {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} [محمد: 4] قال: «هذا في الأسارى إمّا المنّ وإمّا الفداء وكان ينكر القتل صبرًا»
قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
ومن العلماء من قال لا يجوز في الأسارى من المشركين إلّا القتل ولا يجوز أن يؤخذ منهم فداءً ولا يمنّ عليهم وجعلوا قوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] ناسخًا لقوله تعالى {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} [محمد: 4] وهذا قول قتادة ومرويٌّ عن مجاهدٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/424]
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال سمعت ليثًا، يحدّث عن مجاهدٍ، قال: " نسخت هذه الآية {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] قوله تعالى {فإمّا منّا بعد وإمّا فداءً} [محمد: 4] فإمّا السّيف والقتل وإمّا الإسلام "
والقول الثّالث: إنّ الآيتين جميعًا محكمتان وهو قول ابن زيدٍ وهو قولٌ صحيحٌ بيّنٌ لأنّ إحداهما لا تنفي الأخرى، قال جلّ وعزّ {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} [التوبة: 5] أي وخذوهم أسرى للقتل أو المنّ أو الفداء، فيكون الإمام ينظر في أمور الأسارى على ما فيه الصّلاح من القتل أو المنّ أو الفداء
وقد فعل هذا كلّه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في حروبه فقتل عقبة بن أبي معيطٍ والنّضر بن الحارث أسيرين يوم بدرٍ ومنّ على قومٍ وفادى بقومٍ قال
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/425]
وحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا قتيبة، قال: أخبرنا مالك بن أنسٍ، عن ابن شهابٍ، عن أنسٍ: " أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم دخل مكّة وعليه المغفر فقيل له إنّ ابن خطلٍ متعلّقٌ بأستار الكعبة فقال: «اقتلوه»
قال أبو جعفرٍ: وهذا في عداد الأسارى وقد أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقتله
وحدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا فهد بن سليمان، قال: حدّثنا يوسف بن بهلولٍ قال حدّثنا عبد اللّه بن إدريس قال حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: قال الزّهريّ: حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ العبّاس بن عبد المطّلب، حمل أبا سفيان على عجز بغلته في اللّيلة الّتي كان في صبيحتها ما كان من دخول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مكّة قال العبّاس: " فكنت إذا مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا نظروا قالوا: عمّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حتّى مررت بنار عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه فقال: من هذا؟ وقام إليّ ورآه في عجز
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/426]
البغلة فقال أبو سفيان: عدوّ اللّه قد أمكن اللّه منك ومرّ يشتدّ إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فركضت البغلة فسبقت كما تسبق الدّابّة البطيء الرّجل البطيء ثمّ اقتحمت فدخلت على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ثمّ جاء عمر فدخل فقال: يا رسول اللّه هذا أبو سفيان قد أمكن اللّه منه بلا عهدٍ ولا ميثاقٍ فدعني فأضرب عنقه فقلت: يا رسول اللّه إنّي قد أمّنته
قال أبو جعفرٍ: فهذا عمر بن الخطّاب أراد قتل أبي سفيان وهو أسيرٌ فلم يقل له رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا يجوز قتل الأسير ولا أنكر عليه ما قاله من همّه بقتله ففي هذا بيان أنّ الآية محكمةٌ
وقد أدخلت الآية الثّالثة في النّاسخ والمنسوخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/427]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 04:56 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الثّالثة

قال تعالى: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]
فكانت هذه الآية ناسخةً لما كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم صالح عليه المشركين أن لا يمنع من البيت أحدٌ وقد قال تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} [البقرة: 191] ومعنى فلا يقربوا المسجد الحرام امنعوهم من دخوله فإنّهم إذا دخلوه فقد قربوه والمسجد الحرام الحرم كلّه
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا عبد الملك بن مروان الرّقّيّ، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: " قوله تعالى {فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: 28] يريد الحرم كلّه "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/428]
قال أبو جعفرٍ: {بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] يعني سنة تسعٍ {وإن خفتم عيلةً} [التوبة: 28]
قال ابن عبّاسٍ: " قالوا: إذا لم يحجّ الكفّار خفنا الفقر إذا قلّ من نبايعه "
واختلف العلماء في حكم هذه الآية وفي دخول المشركين الحرم وسائر المساجد
فقال عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنسٍ يمنع المشركون كلّهم من أهل الكتاب وغيرهم من دخول الحرم ومن دخول كلّ المساجد وهو قول قتادة قال:
لأنّهم نجسٌ قال: «وقيل لهم نجسٌ لأنّهم لا يستحمّون من جنابةٍ وكذا لا يدخل المسجد جنبٌ» فهذا قولٌ
وقال الشّافعيّ: «يمنع المشركون جميعًا من دخول الحرم ولا يمنعون من دخول سائر المساجد»
وقال أبو حنيفة، ويعقوب، ومحمّدٌ، وزفر «لا يمنع اليهود ولا النّصارى من
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/429]
دخول المسجد الحرام ولا من سائر المساجد؛ لأنّ المشركين هم أهل الأوثان» فجعلوا قول اللّه تعالى {إنّما المشركون نجسٌ} [التوبة: 28] مخصوصًا به من لا كتاب له
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول في كتاب اللّه تعالى نصًّا ما يدلّ على خلافه قال تعالى: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ...} [التوبة: 29] إلى قوله تعالى: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلّا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون} [التوبة: 31] فهذا شيءٌ قاطعٌ
فإن أشكل على أحدٍ أنّهم لم يجعلوا للّه شريكًا فكيف يقال لهم مشركون؟ قيل له لهذا نظائر في أصول الدّين يعرفها أهل اللّغة ويحتاج النّاس جميعًا إلى معرفتها وهي الأسماء الدّيانيّة وذلك أنّه يقال آمن بكذا إذا صدّق ثمّ قيل مؤمنٌ لمن صدّق بمحمّدٍ رسول اللّه وهو اسمٌ ديانيٌّ وكذا منافقٌ اسمٌ وقع بعد الإسلام وكذا لكلّ ما أسكر كثيره خمرٌ اسمٌ إسلاميٌّ كما صحّ عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/430]
«كلّ مسكرٍ خمرٌ»
وكذا كلّ من كفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم مشركٌ، وفي هذا قولٌ آخر كان أبو إسحاق الزّجاج يخرّجه على أصول الاشتقاق المعروفة قال: لمّا كان محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم قد جاء من البراهين بما لا يكون إلّا من عند اللّه تعالى وكان من كفر به قد نسب ما لا يكون إلّا من عند اللّه تعالى إلى غير اللّه تعالى كان مشركًا
وقد أدخلت الآية الرّابعة في النّاسخ والمنسوخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/431]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 04:58 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الرّابعة

قال جلّ ذكره: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] الآية
فمن العلماء من يقول هذه الآية ناسخةٌ للعفو عن المشركين لأنّه كان قتالهم ممنوعًا منه فنسخ اللّه تعالى ذلك
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " وقوله تعالى: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] فنسخ بهذا العفو عن المشركين "
وقيل هذا ناسخٌ لقوله تعالى {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5]
وقيل بل هو تبيينٌ لما قال تعالى {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] وأمر في أهل الكتاب بأخذ الجزية، علم أنّه يراد بالمشركين غير أهل الكتاب وقيل لمّا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/432]
قال تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] وجب قتل كلّ مشركٍ إلّا من نصّ اللّه عليه من أهل الكتاب ومن قامت بترك قتله الحجّة من النّساء والصّبيان ومن قامت بأخذ الجزية منه الحجّة وهم المجوس
وقائل هذا يقول يقتل الرّهبان إذا لم يؤدّوا الجزية لقول اللّه {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] ولم تقم الحجّة بتركهم إلّا بعد أداء الجزية بالآية الأخرى
ومن الفقهاء من يقول لا يقتل الرّهبان إن لم يؤدّوا الجزية لأنّ في نصّ القرآن ما يدلّ على ذلك يعرفه أهل اللّسان الّذين نزل القرآن بلغتهم قال اللّه: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] وقاتلوا في اللّغة لا تكون إلّا من اثنين فخرج من هذا الرّهبان والنّساء والصّبيان لأنّهم ليست سبيلهم أن يقاتلوا ومعنى لا يؤمنون باللّه لا يؤمنون بأنّه لا معبود إلّا اللّه
وقال سيبويه: الأصل إلهٌ، وقال الفرّاء: الأصل الإله ثمّ ألقيت حركة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/433]
الهمزة على اللّام ثمّ أدغم فالتّقدير قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالإله الّذي لا تصلح الألوهة إلّا له؛ لأنّه ابتدع الأشياء {ولا باليوم الآخر} [النساء: 38] لأنّهم لا يقرّون بنعيم أهل الجنّة ولا بالنّار لمن أعدّها اللّه له {حتّى يعطوا الجزية} [التوبة: 29] وهي فعلةٌ من جزى فلانٌ فلانًا يجزيه إذا قضاه أي لا يؤدّون ما عليهم ممّا يحفظ رقابهم ويذلّون به
عن يدٍ وقد تكلّم العلماء في معناه فما حفظ فيه عن صحابيٍّ أنّ معنى {عن يدٍ} [التوبة: 29] أن يؤدّيها وهو قائمٌ والآخذ منه قاعدٌ هذا عن المغيرة بن شعبة وهو قول عكرمة وقيل عن يدٍ عن إنعامٍ عليهم وقيل عن يدٍ أي يؤدّيها بيده ولا يوجّه بها مع رسول
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/434]
قال أبو جعفرٍ: ومعنى عن يدٍ في كلام العرب وهو ذليلٌ يقال أدّى ذلك عن يده وعن يدٍ وحكى سيبويه بايعته يدًا بيدٍ {وهم صاغرون} [التوبة: 29]
قال عكرمة «إعطاؤه إيّاها صغارٌ له»
وقال غيره وأحكام المسلمين جاريةٌ عليهم
وقد أدخلت الآية الخامسة في النّاسخ والمنسوخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/435]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 04:59 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الخامسة

قال جلّ وعزّ: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا} [التوبة: 39]
حدّثنا عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، {إلّا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا} [التوبة: 39] قال: " نسختها {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} [التوبة: 122] الآية " وكذا قال الحسن، وعكرمة
وقال غيرهم الآيتان محكمتان لأنّ قوله تعالى: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا} [التوبة: 39] معناه إذا احتيج إليكم وإذا استنفرتم فهذا ممّا لا ينسخ لأنّه خبرٌ ووعيدٌ، وقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} [التوبة: 122] محكمٌ لأنّه لا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/436]
بدّ من أن يبقى بعض المؤمنين لئلّا تخلو دار الإسلام من المؤمنين فتلحقهم مكيدةٌ وهذا قول جماعةٍ من الصّحابة ومن التّابعين
وقد أدخلت الآية السّادسة في النّاسخ والمنسوخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/437]

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 05:02 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية السّادسة من هذه السّورة

قال أبو جعفرٍ حدّثنا عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ،: {عفا اللّه عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الأخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليمٌ بالمتّقين إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون}: " نسخ هذه الآيات الثّلاث {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62]
«قال الحسن، وعكرمة» {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر} [التوبة: 44] نسخت الآية الّتي في سورة النّور {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62] "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/438]
قال أبو جعفرٍ وحدّثني جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة: {لا يستأذنك الّذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} [التوبة: 44] " ثمّ نزل في النّور {فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62] " ومن العلماء من يقول: هذه الآيات كلّها محكماتٌ قال
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله {إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر} [التوبة: 45] " فهذا تعييرٌ للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذرٍ وعذر اللّه تعالى المؤمنين فقال: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62] "
قال أبو جعفرٍ: وهذا من أحسن ما قيل في الآيات لأنّ قوله تعالى: {إنّما يستأذنك الّذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر} [التوبة: 45] صفات المنافقين لأنّهم لا يؤمنون بوحدانيّة اللّه ولا بعقابه أهل معصيته ولا بثوابه أهل طاعته ثمّ قال تعالى: {وارتابت قلوبهم} [التوبة: 45] أي شكّكوا لأنّهم على غير بصيرةٍ من دينهم فهم في ريبهم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/439]
يتردّدون متحيّرين لا يعملون على حقيقةٍ
وقد أدخلت الآية السّابعة في النّاسخ والمنسوخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/440]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 10:54 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية السّابعة

قال جلّ وعزّ: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60]
أدخلت في النّاسخ والمنسوخ لأنّها نسخت كلّ صدقةٍ في القرآن
كما حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، قال: حدّثنا عليّ بن مسلمٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن سفيان، عن جابرٍ، عن عكرمة،: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60] قال: «نسخت هذه كلّ صدقةٍ في القرآن»
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية الناسخة ما هو مختلفٌ فيه وما هو
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/441]
مجتمعٌ عليه فممّا اختلف فيه منها الفرق بين الفقراء والمساكين
اختلف في ذلك أهل التّأويل والفقهاء وأهل اللّغة وأهل النّظر فقالوا في ذلك أحد عشر قولًا
فحدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة،: {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60] قال: «الفقراء الّذين بهم زمانةٌ والمساكين الأصحّاء المحتاجون» فهذا قولٌ في الفرق بين الفقير والمسكين
وقال الضّحّاك: «الفقراء فقراء المهاجرين والمساكين من لم يهاجر»
وقال عكرمة: «الفقراء من اليهود والنّصارى والمساكين من المسلمين»
وقال عبيد اللّه بن الحسن: «المساكين الّذين عليهم الذّلّة والخضوع والفقراء الّذين يتجمّلون ويأخذون في السّرّ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/442]
قال محمّد بن مسلمة: «المسكين الّذي لا شيء له والفقير الّذي له المسكن والخادم» فهذه خمسة أقوالٍ
وعن جماعةٍ من الفقهاء قالوا: المسكين الّذي له شيء والفقير الّذي لا شيء له
قال الشّافعيّ: «الفقراء واللّه أعلم من لا مالٌ لهم ولا حرفة تقع منه موقعًا زمنًا كان أو غير زمنٍ سائلًا كان أو متعفّفًا، والمساكين من له مالٌ أو حرفةٌ لا تقع منه موقعًا ولا تغنيه سائلًا كان أو غير سائلٍ» فهذه ستّة أقوالٍ
وقال أبو ثورٍ: الفقير الّذي له شيءٌ والمسكين الّذي لا يصيب من كسبه ما يقوته
وقال أهل اللّغة منهم يعقوب بن إسحاق في جماعةٍ معه المسكين الّذي لا شيء له والفقير الّذي له شيءٌ لا يكفيه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/443]
قال يونس: قلت لأعرابيٍّ أفقيرٌ أنت؟ فقال: لا بل مسكينٌ وأنشد أهل اللّغة: [البحر البسيط]
أمّا الفقير الّذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
ومن أجل ما روي فيه، ما رواه ابن أبي طلحة عن، ابن عبّاسٍ، قال: «المساكين الطّوّافون والفقراء فقراء المسلمين» وأكثر أهل التّأويل على هذا القول
قال مجاهدٌ، والحسن، والزّهريّ، وجابر بن زيدٍ، وعكرمة، والضّحّاك في اختلافٍ عنهما: المسكين السّائل والفقير الّذي لا يسأل فهذه تسعة أقوالٍ،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/444]
ومن أهل النّظر من يقول الفقير هو الفقير إلى الشّيء وإن كان يملك مالًا فقد يكون غائبًا عنه ويكون فقيرًا إلى أخذ الصّدقة والمسكين الّذي عليه الخضوع والذّلّة
والقول الحادي عشر: أنّ الفقير هو الّذي يعطى لفقره فقط والمسكين الّذي يكون عليه مع فقره خضوع وذلّة السّؤال
وكان محمّد بن جريرٍ يذهب إلى هذا القول وإن كان لم يذكر كثيرًا ممّا ذكرناه وهو قولٌ حسنٌ وهو مستخرجٌ من قول ابن عبّاسٍ والجماعة الّذين ذكرناهم معه لأنّ المسكين مشتقٌّ من المسكنة وهي الخضوع والذّلّة، قال اللّه تعالى: {وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة} [البقرة: 61]
قال أبو جعفرٍ: هذه الأقوال وإن كثرت فإذا جمعت بعضها إلى بعضٍ ونظرت فيها قرب بعضها من بعضٍ وذلك أنّ قول من قال المسكين كذا والفقير كذا لم يقل إنّه لا يقال لغيره مسكينٌ ولا فقيرٌ وقد قال الشّافعيّ فيما روي عنه «إذا أوصى رجلٌ بشيءٍ للفقراء جاز أن يدفع إلى المساكين وإذا أوصى بشيءٍ إلى المساكين جاز أن يدفع إلى الفقراء وإذا أوصى للفقراء
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/445]
والمساكين لم يجز أن يدفع إلى أحدهما»
قال أبو جعفرٍ: فلمّا اجتمعت هذه الأقوال وقد قلنا إنّ بعضها يقرب من بعضٍ وجب أن يرجع إلى ما هو أجمعها وهو أنّ المسكين هو الّذي يسأل النّاس والفقير الّذي لا يسأل ولا سيّما وهذا قول ابن عبّاسٍ ولا يعرف له مخالفٌ من الصّحابة فيه ثمّ تابعه على ذلك أهل التّأويل الّذين يرجع إلى قولهم في تفسير كتاب اللّه تعالى وأيضًا فإنّ الأسماء إنّما يرجع فيها إلى التّعارف، والتّعارف بين النّاس إذا قيل ادفع هذا إلى المساكين أنّهم الّذين يسألون وإذا قيل ادفع هذا إلى الفقراء فهم الّذين لا يسألون وقد دلّ على هذا كتاب اللّه قال اللّه عزّ وجلّ: {لا يسألون النّاس إلحافًا}
قال أبو جعفرٍ: وسمعت عليّ بن سليمان يقول محتجًّا لأهل اللّغة لأنّهم أعلم بالأسماء وبموضوعاتها، وقد أجمعوا على أنّ المسكين الّذي لا شيء له قال وهو مشتقٌّ من السّكون والسّكون ذهاب الحركة حتّى لا يبقى منها شيءٌ وهذه صفة من لا يملك شيئًا قال: والدّليل على أنّ الفقير هو الّذي يملك شيئًا أنّه مشتقٌّ من قولهم فقرته أي كسرت فقاره فهذا قد بقي له شيءٌ
قال أبو جعفرٍ فأمّا قول اللّه تعالى {فكانت لمساكين يعملون في
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/446]
البحر} [الكهف: 79] فإذا صحّ أنّ المسكين هو الّذي لا شيء له فالكلام على هذا سهلٌ لأنّه يجوز أن ينسب إليهم لأنّهم كانوا يعملون فيها كما يقال قصدت فلانًا في داره وإن كان مكتريًا لها وكما يقال سرج الدّابّة
وقد يجوز أن يكون نسبوا إلى المسكنة وهي الخضوع كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«يا مسكينة عليك السّكينة»
وقال عليه السّلام: «مسكينٌ مسكينٌ من لا امرأة له ومسكينةٌ مسكينةٌ من لا زوج لها»
فإن قيل فما معنى حديث أبي هريرة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/447]
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين الّذي تردّه اللّقمة واللّقمتان والتّمرة والتّمرتان» قالوا: يا رسول اللّه فمن المسكين؟ قال: «الّذي لا يجد غنًى يغنيه ولا يفطن له فيعطى ولا يقوم فيسأل النّاس»
فقيل: معنى هذا أنّ الّذي يسأل يجيئه الشّيء بعد الشّيء وقيل المعنى ليس المسكين الّذي في نهاية المسكنة
على أنّ هذا الحديث يدلّ على القول الّذي اخترناه من أنّ المسكين السّائل ويكون المعنى ليس المسكين الّذي تعدّونه فيكم مسكينًا هذا
كما قال عليه السّلام: «ليس الغنى عن كثرة العرض إنّما الغنى غنى النّفس» ولهذا نظائر منها:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/448]
قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إنّما المحروب من حرب دينه» أي المحروب على الحقيقة هو هذا وقال عليه السّلام:
«ما تعدّون الرّقوب فيكم؟» قالوا: الّذي لا يعيش له ولدٌ، قال: «بل الرّقوب الّذي لم يمت له ولدٌ» أي هذا الّذي لم يمت له ولدٌ هو أولى بهذا الاسم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/449]
أي أولى بأن يكون قد لحقته المصيبة
واختلفوا من هذه الآية في قسم الزّكوات
فمنهم من قال: في أيّ صنفٍ قسّمتها من هذه الأصناف الثّمانية جزى عنك ومنهم من قال: بل يقسم في الأصناف الثّمانية كما سمّاها اللّه ومنهم من قال يقسم على ستّةٍ يسقط منها سهم المؤلّفة قلوبهم لأنّهم إنّما كانوا في وقت النّبيّ عليه السّلام وسهم العاملين إذا فرّق الإنسان زكاته
قال أبو جعفرٍ: فالقول الأوّل يروى عن ثلاثةٍ من الصّحابة عمر
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/450]
وحذيفة وابن عبّاسٍ إنّ الصّدقات جائزٌ أن تدفع إلى بعض هذه الأصناف دون بعضٍ
ولا يعرف عن أحدٍ من الصّحابة خلافٌ لهذا وهو مع ذلك قول سعيد بن جبيرٍ، وعطاءٍ، وإبراهيم، وأبي العالية، وميمون بن مهران، ومالك بن أنسٍ، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمّدٍ والقول بأنّها تقسم فيمن سمّى اللّه تعالى قول الشّافعيّ وحجّته ظاهر الآية وأنّ ذلك بمنزلة الوصيّة إذا أوصى رجلٌ لجماعةٍ لم يخرج منهم أحدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/451]
وحجّة من ذكرنا غيره أنّ هذا مخالفٌ للوصيّة لأنّ الوصيّة لا يجوز أن تقسم إلّا فيمن سمّيت له فإن فقد بعضهم لم يرجع سهمه إلى من بقي، وقد أجمع الجميع على أنّه إذا فقد من ذكر في الآية رجع سهمه إلى من بقي وأيضًا فإنّه لا يجوز ولا يوصل إلى أن يعمّ كلّ من ذكر في الآية لأنّ الفقراء والمساكين لا يحاط بهم
واحتجّوا بحديث النّبيّ عليه السّلام حين قال لسلمة بن صخرٍ حين وطئ في شهر رمضان نهارًا:
«أطعم ستّين مسكينًا، فقال ما بتنا ليلتنا إلّا وحشًا لا نصل إلى شيءٍ، فقال امض إلى بني زريقٍ فخذ صدقتهم فتصدّق بوسقٍ على ستّين مسكينًا وكل أنت وعيالك ما بقي» فأعطاه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/452]
صدقة هذه القبيلة ولم يقسمها على ثمانيةٍ "، فلمّا احتمل قوله {إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60] الآية أن يقسم على هذا واحتمل أن يكون المعنى يقسم في هذا الجنس ولا يخرج عنهم ثمّ جاء عن ثلاثةٍ من الصّحابة أحد المعنيّين كان أولى مع حجّة من ذكرناه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/454]
وأمّا {العاملين عليها} [التوبة: 60] قال الزّهريّ: «هم السّعاة»
قال الحسن «يعطون بمقدار عملهم»
وقال مجاهدٌ، والضّحّاك «لهم الثّمن»
فأمّا والمؤلّفة قلوبهم فهم عند الشّافعيّ على ضربين
أحدهما أنّهم قومٌ أسلموا ولم يكن إسلامهم قويًّا فللإمام أن يستميلهم ويعطيهم من الصّدقات وإن كانوا أغنياء
والضّرب الآخر قومٌ في ناحيتهم عدوٌّ قد كفوا المسلمين مؤونته فيعانون على ذلك وإن كانوا أغنياء
وأمّا {وفي الرّقاب} [التوبة: 60] فأكثر العلماء على أنّهم المكاتبون وهو قول أبي موسى الأشعريّ، والحسن، وابن زيدٍ، والشّافعيّ
ومن العلماء من يقول يجوز أن يعتق من الزّكاة لعموم الآية
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/455]
وهو قول مالكٍ
وأمّا {والغارمين} [التوبة: 60] فهم على ضربين عند الشّافعيّ
أحدهما أن يدان الرّجل في مصلحة نفسه من غير معصيةٍ فيقضى دينه والآخر أن يدان الرّجل في حمّالاتٍ وفي معروفٍ وفيما فيه صلاحٌ للمسلمين فيقضى دينه
وأمّا وفي سبيل اللّه فأكثر الفقهاء يقول للغزاة
ومنهم من يجيز أن يعطى في الحجّ وهو قول الكوفيّين وأمّا {وابن السّبيل} [البقرة: 177] فهو المنقطع به الّذي ليس ببلده يعطى ما يتحمّل به وإن كان له في بلده مالٌ ولا قضاء عليه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/456]
وفي هذه، الآية أيضًا ما قد اختلفوا فيه وهو من سبيله أن يعطى من الزّكاة
فمن ذلك ما حدّثنا الحسن بن غليبٍ، قال: حدّثنا مهديّ بن جعفرٍ، قال: حدّثنا زيد بن أبي الزّرقاء، عن سفيان الثّوريّ، قال: «إذا كان لرجلٍ خمسون درهمًا فلا يدفع إليه من الزّكاة شيءٌ ولا يدفع إلى أحدٍ أكثر من خمسين درهمًا»
قال أبو جعفرٍ: فهذا القول يروى عن عليّ بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ وهو قول الحسن بن صالحٍ، وعبد اللّه بن المبارك،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/457]
وعبيد اللّه بن الحسن، وأحمد بن محمّد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب الحديث لأنّ فيه حديثًا يروى عن النّبيّ عليه السّلام
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن أحمد بن سليمان، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن حكيم بن جبيرٍ، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «من سأل وله ما يغنيه جاءت يعني مسألته في وجهه يوم القيامة خموشًا، أو كدوحًا» قالوا: يا رسول اللّه: وماذا يغنيه أو ماذا غناه؟ قال: «خمسون درهمًا أو حسابها من الذّهب» قال يحيى بن أدم قال سفيان
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/458]
وحدّثنا زبيدٌ عن محمّد بن عبد الرّحمن بن يزيد
قال أبو عبد الرّحمن، حكيم بن جبيرٍ ضعيفٌ في الحديث، وإنّما ذكرناه لقول سفيان حدّثنا زبيدٌ هذا قولٌ
وقال قومٌ: لا يحلّ لمن يملك أربعين درهمًا أن يأخذ من الزّكاة شيئًا
واحتجّوا بحديث عطاء بن يسارٍ عن رجلٍ من بني أسدٍ سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«من سأل وله أربعون درهمًا قد سأل إلحافًا»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/459]
وهذا قول الحسن «لا يحلّ لمن معه أربعون درهمًا أن يأخذ من الزّكاة شيئًا»
وهو قول أبي عبيدٍ القاسم بن سلّامٍ قال: «وهذان الحديثان أصلان فيمن يحلّ له أخذ الزّكاة»
وقد روي عن مالك بن أنسٍ القول بهذا الحديث غير أنّ الصّحيح عنه أنّه لم يحدّ في ذلك حدًّا وقال على مقدار الحاجة
ومذهب الشّافعيّ قريبٌ من هذا أنّه قد يكون للرّجل الجملة من الدّنانير
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/460]
والدّراهم وعليه عيالٌ وهو محتاجٌ إلى أكثر منها فله أن يأخذ من الزّكاة
ومن الفقهاء من يقول من كانت معه عشرون دينارًا أو مائتا درهمٍ لم يحلّ له أن يأخذ من الزّكاة شيئًا وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمّدٍ وحجّتهم قول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمعاذٍ:
«عرّفهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم وتجعل في فقرائهم» فقد صار من تجب عليه الزّكاة غنيًّا من المال على لسان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
وفي الحديث الّذي ذكرناه فيه الخموش تفسير ما فيه من الغريب وغيره، الخموش الخدوش واحدها خمشٌ وقد خمش وجهه يخمشه ويخمشه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/461]
خمشًا وخموشًا، والكدوح الآثار من الخدش والعضّ ومنه حمارٌ مكدّحٌ أي معضّضٌ
وقال أبو عبد الرّحمن: «لم يقل أحدٌ عن سفيان حدّثنا زبيدٌ إلّا يحيى بن آدم» وقال غيره لمّا قال سفيان حدّثنا زبيدٌ عن محمّد بن عبد الرّحمن لم يصل الحديث فقال من يردّ عليه لم يحتج أن يصله لأنّه قد ذكره بدءًا وقد غمز يحيى بن معينٍ على يحيى بن آدم فقال: قرأت على وكيعٍ حديث يحيى بن آدم عن سفيان فقال ليس هذا ثوريّنا الّذي نعرفه فأمّا غير يحيى بن معينٍ فمقدّمٌ ليحيى بن آدم حتّى قال سفيان بن عيينة:
«بلغني أنّه يخرج في كلّ مائة سنةٍ بعد موت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رجلٌ من العلماء يقوّي اللّه به الدّين وإنّ يحيى بن آدم عندي منهم»
واختلفوا في الآية الثّامنة فقالوا فيها قولين
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/462]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 10:55 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية الثّامنة

قال اللّه جلّ وعزّ: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم} [التوبة: 80] من العلماء من قال: هي منسوخةٌ بقوله تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] الآية
وفي رواية جويبرٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّةً فلن يغفر اللّه لهم} [التوبة: 80] فقال: " لأزيدنّ على السّبعين فنسختها: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} [المنافقون: 6] "
فهذا قولٌ:
ومن العلماء من قال: ليست بمنسوخةٍ وإنّما هذا على التّهديد لهم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/463]
أي لو استغفر لكم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ما غفر لكم فقال قائلٌ: هذا القول لا يجوز أن يستغفر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمنافقٍ لأنّ المنافق كافرٌ بنصّ كتاب اللّه قال جلّ ثناؤه: {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: 1] إلى قوله {ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا} [المنافقون: 3]، وقال من احتجّ بأنّها منسوخةٌ الآثار تدلّ على ذلك
كما روى الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن عمر بن الخطّاب، {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] قال: " لمّا مات عبد اللّه بن أبيّ ابن سلولٍ أتى ابنه وقومه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فكلّموه أن يصلّي عليه ويقوم على قبره فجاء رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ليصلّي عليه قال عمر رضي اللّه عنه فقمت بينه وبين الجنازة فقلت: يا رسول اللّه تصلّي عليه وهو الفاعل كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو الرّاجع بثلث النّاس يوم أحدٍ وهو القائل يوم كذا وكذا كذا وهو الّذي يقول لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا؟ فجعل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أخّر عنّي يا عمر وجعل عمر يردّد قوله فقال رسول اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/464]
صلّى الله عليه وسلّم: «أخّر عنّي يا عمر فلو أنّي أعلم أنّي لو استغفرت لهم أكثر من سبعين مرّةً غفر لهم لاستغفرت لهم» فصلّى عليه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ووقف على قبره حتّى دفن فما لبثنا إلّا ليالي حتّى نزلت هذه الآية {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره إنّهم كفروا باللّه ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنّما يريد اللّه أن يعذّبهم بها في الدّنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} [التوبة: 85] قال فكان عمر يعجب من جرأته على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك اليوم وما أنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من القرآن
قال أبو جعفرٍ: فقالوا في هذا الحديث إنّه صلّى عليه بعد كلام عمر إيّاه وإن كان كلام عمر قد أحمد منه بعد ذلك حتّى قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم:
«ما بعث اللّه قطّ نبيًّا إلّا وفي أمّته محدّثٌ فإن يكن في أمّتي فهو عمر رضي اللّه عنه»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/465]
فقيل معنى محدّثٍ ينطق على لسانه بالحقّ
وفي حديث عبيد اللّه بن عمر عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر ذلك اليوم إنّ اللّه تعالى لم ينهني عن الصّلاة عليهم وإنّما خيّرني
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/466]
قال أبو جعفرٍ: ففي هذا الحديث التّوقيف من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ أو هاهنا للتّخيير أعني من قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} [التوبة: 80] فإن قيل فكيف يجوز أن يستغفر عليه السّلام لمنافقٍ؟ فالجواب عن هذا أن يستغفر له على ظاهره على أنّه مسلمٌ، وباطنه إلى اللّه تعالى
وقد قيل ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا ناسخٌ لفعله عليه السّلام لا للآية الأخرى
وقد توهّم بعض النّاس أنّ قوله تعالى {ولا تصلّ على أحدٍ منهم} [التوبة: 84] ناسخٌ لقوله تعالى {وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم} [التوبة: 103] قال أبو جعفرٍ: وهذا غلطٌ عظيمٌ ولهذا كره العلماء أن يجترئ أحدٌ على تفسير كتاب اللّه تعالى حتّى يكون عالمًا بأشياء منها الآثار
ولا اختلاف بين أهل الآثار أنّ قوله تعالى {وصلّ عليهم} [التوبة: 103] ليس هم الّذين قيل فيهم {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] ويدلّك على ذلك أنّ بعد {وصلّ عليهم} [التوبة: 103] {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده} [التوبة: 104] فكيف لا يصلّى على من تاب؟
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/467]
وأهل التّأويل يقولون نزلت {وصلّ عليهم} [التوبة: 103] في أبي لبابة وجماعةٍ معه ربطوا أنفسهم في السّواري لأنّهم تخلّفوا عن غزوة تبوك إلى أن تاب اللّه جلّ وعزّ عليهم
وقد ذكرت الآية التّاسعة في النّاسخ والمنسوخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/468]

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 10:56 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

باب ذكر الآية التّاسعة

قال اللّه جلّ وعزّ: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} [التوبة: 120]
مذهب ابن زيدٍ أنّه نسخها {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً}
ومذهب غيره أنّه ليس هاهنا ناسخٌ ولا منسوخٌ وأنّ الآية الأولى توجب إذا نفر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو احتيج إلى المسلمين فاستنفروا لم يسع أحدًا التّخلّف وإذا بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سريّةً تخلّفت طائفةٌ، وهذا مذهب ابن عبّاسٍ والضّحّاك، وقتادة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/469]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
براءة, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir