دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 رمضان 1438هـ/28-05-2017م, 04:45 AM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, محمد بن عبدالله, سيد المرسلين وخاتم النيين, فإن خير الكلام كلام الله جل وعلا, وخير الهدى هدي نبيه محمد عليه الصلاة والسلام, أما بعد:
فهذه محاولة لاستخراج ما ظهر لي من فوائد وهدايات في قوله تعالى:" أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"1 , عسى الله أن ينفعني بها ويجعل ما كتبته حجة لي لا علي.

- فمن هذه الفوائد: كمال ربوبيته سبحانه وتعالى على جميع خلقه, فهو الذي يجيب المضطر السائل, الذي يرفع يديه بالدعاء, سواء كان مؤمنا أو كافرا, لذا جاء قوله"المضطر" مقرونا ب"أل" الإستغراقية التي تعم كل من التجأ إلى ربه مضطرا إليه, مخلصا له, فهو سبحانه "رب العالمين"2, وهذا يدخل في الربوبية العامة لا الخاصة.
- ومنها: كمال أسمائه سبحانه, وكمال صفاته, وكمال أفعاله, فإجابته لدعاء المضطر, وكشفه السوء, وجعل خلقه يخلف بعضهم بعضا, فهذه أفعال يستلزم منها اتصافه سبحانه بما كمل من صفات الجلال والجمال, مثل: الحياة, والعلم, والسمع, والبصر, وتمام القدرة, والرحمة, الحكمة...
- ومنها: كمال ألوهيته على عبيده سبحانه وتعالى, واستحقاقه وحده العبادة, وبطلان ما عُبد من دونه من طواغيت, لأن توحيده في ربوبيته يستلزم توحيده في ألوهيته, وتوحيده في أسمائه وصفاته يستلزم توحيده في ألوهيته.
- ومنها: أن نقص الإنسان وضعفه وفقره ذاتي لا ينفك عنه, فكل ما يحوزه في هذه الدنيا من مال وجاه ومنصب, لا يغنيه عن ربه طرفة عين, علم ذلك ام لم يعلمه, كما قال تعالى:"يا ايها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد"3.
- قبح الشرك وأهله, فهو أعظم الظلم, وأكبر الذنوب, كما قال تعالى عنه في سورة لقمان:"إن الشرك لظلم عظيم"4.
- ومنها: فضيلة الإخلاص, وحب الله تعالى له, فهو يجيب من لجأ إليه مضطرا مخلصا, فيجيبه سبحانه في حال كونه مخلصا له ولو أشرك به بعد كشف الكربة.
- ومنها: فضيلة الدعاء, وإنه من أحب العبادات إلى الله, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:"الدعاء هو العبادة"5, فيحرص العبد على سؤال ربه في جميع أمره.
- ومنها: حب الله تعالى لتذلل عباده إليه, وبغضه للمتكبرين منهم, المستغنين عن ربهم, كما قال تعالى:"كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"6.
- ومنها: رحمة الله الواسعة بعبيده, فهو أرحم بنا من رحمة الأم بصغيرها, ومعرفة هذا حري بأن يطرد أي يأس يتسلل إلى قلب المؤمن, ولو كان ما تمناه وأراده مازال غائبا عنه, فلله الحكمة البالغة.
- ومنها: تعرف العبد إلى ربه في الرخاء يسهل أموره في الشدة والكرب, ويعينه على سرعة الدعاء والتوجه لخالقه, كما قال عليه الصلاة والسلام:"من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب, فليكثر الدعاء في الرخاء"7.
- ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى التامة, ولو جهلنا موطنها, فهو سبحانه جعل الخلق يخلف بعضهم بعضا, فخلق الموت وقدره عليهم, ولولا هذا لضاقت عليهم الأرض, ولقتل بعضهم بعضا من أجل الرزق, ومن هذا يظهر تمام قدرته وتدبيره وملكوته على خلقه.
- ومنها: تنوع الخطاب القرآني, فكان تقرير الحقائق المعلومة في الآية على شكل استفهام, حتى تتشوف النفوس وتقبل على السماع والعلم, فتحصل الفائدة المرجوة للقلوب.
- ومنها: تنبيه المؤمن على تخليص قلبه من العلائق وشتى أنواع الشرك, فإن كان الرب المجيب هو الله وحده, فلماذا يشتت العبد قلبه ويفرقه في أودية تشقيه ولا تغنيه في الدنيا, وقد تودي به إلى جهنم في الآخرة.
- ومنها: إن اليسر يأتي بعد العسر, كما قال تعالى:"إن مع العسر يسرا" 8, فالبلاء لا يدوم, إما أن ترحل عنه أو يرحل عنك, ومن صبر واحتسب فاز بأجر المصيبة وأجر الصبر معا.
- ومنها: التدبر في أحوال من سبق من الأمم, والتفكر في ما آلوا إليه, لأخذ العيرة والعظة, ولتستيقظ القلوب فتعرف حقيقة الدنيا فيزهد فيها القلب, ويعرف الإنان حقيقة نفسه فيستقيم كما أمره ربه, فيكثر من الباقيات الصالحات.
- ومنها: عظم غفلة الإنسان التي هي من طبعه, فإن علم هذا, فعليه الحرص على فعل كل ما يزيلها, ومما جاء فيما يزيل الغفلة:
1- العلم عن الله سبحانه وتعالى, ومعرفة حقيقة الدنيا, ومعرفة حقيقة العبد نفسه.
2- دوام ذكر الله تعالى على كل حال, كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام, ومن أهم الذكر: قراءة القرآن.
3- حضور مجالس الذكر.
4- التوبة والرجوع إلى الله تعالى, والعناية بالإكثار من الأعمال الصالحة.
5- تذكر الموت, كما قال عليه الصلاة والسلام:"أكثوا من ذكر هادم اللذات"9, ويحصل هذا بأمور منها: زيارة القبور فإنها تذكر الاخرة.
6- الصحبة الصالحة, فلا يعدم العبد منها خيرا, كما قال تعالى:"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه"10.
--------------------------------------------------------------------------------------
1- 62\النمل
2- الفاتحة\2
3- فاطر\15
4- لقمان\13
5- رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم
6- الفجر\6-7
7- رواه الترمذي والحاكم.
8- العصر\6
9- أخرجه ابن حبان في صحيحه, وضعفه ابن الجوزي.
10- الكهف\28

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 رمضان 1438هـ/28-05-2017م, 10:27 AM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين مشاهدة المشاركة
"بسم الله, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, محمد بن عبدالله, سيد المرسلين وخاتم النيين, فإن خير الكلام كلام الله جل وعلا, وخير الهدى هدي نبيه محمد عليه الصلاة والسلام, أما بعد:
فهذه محاولة لاستخراج ما ظهر لي من فوائد وهدايات في قوله تعالى:" أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"1 , عسى الله أن ينفعني بها ويجعل ما كتبته حجة لي لا علي.

- فمن هذه الفوائد: كمال ربوبيته سبحانه وتعالى على جميع خلقه, فهو الذي يجيب المضطر السائل, الذي يرفع يديه بالدعاء, سواء كان مؤمنا أو كافرا, لذا جاء قوله"المضطر" مقرونا ب"أل" الإستغراقية التي تعم كل من التجأ إلى ربه مضطرا إليه, مخلصا له, فهو سبحانه "رب العالمين"2, وهذا يدخل في الربوبية العامة لا الخاصة.
- ومنها: كمال أسمائه سبحانه, وكمال صفاته, وكمال أفعاله, فإجابته لدعاء المضطر, وكشفه السوء, وجعل خلقه يخلف بعضهم بعضا, فهذه أفعال يستلزم منها اتصافه سبحانه بما كمل من صفات الجلال والجمال, مثل: الحياة, والعلم, والسمع, والبصر, وتمام القدرة, والرحمة, الحكمة...
- ومنها: كمال ألوهيته على عبيده سبحانه وتعالى, واستحقاقه وحده العبادة, وبطلان ما عُبد من دونه من طواغيت, لأن توحيده في ربوبيته يستلزم توحيده في ألوهيته, وتوحيده في أسمائه وصفاته يستلزم توحيده في ألوهيته.
- ومنها: أن نقص الإنسان وضعفه وفقره ذاتي لا ينفك عنه, فكل ما يحوزه في هذه الدنيا من مال وجاه ومنصب, لا يغنيه عن ربه طرفة عين, علم ذلك ام لم يعلمه, كما قال تعالى:"يا ايها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد"3.
- قبح الشرك وأهله, فهو أعظم الظلم, وأكبر الذنوب, كما قال تعالى عنه في سورة لقمان:"إن الشرك لظلم عظيم"4.
- ومنها: فضيلة الإخلاص, وحب الله تعالى له, فهو يجيب من لجأ إليه مضطرا مخلصا, فيجيبه سبحانه في حال كونه مخلصا له ولو أشرك به بعد كشف الكربة.
- ومنها: فضيلة الدعاء, وإنه من أحب العبادات إلى الله, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:"الدعاء هو العبادة"5, فيحرص العبد على سؤال ربه في جميع أمره.
- ومنها: حب الله تعالى لتذلل عباده إليه, وبغضه للمتكبرين منهم, المستغنين عن ربهم, كما قال تعالى:"كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"6.
- ومنها: رحمة الله الواسعة بعبيده, فهو أرحم بنا من رحمة الأم بصغيرها, ومعرفة هذا حري بأن يطرد أي يأس يتسلل إلى قلب المؤمن, ولو كان ما تمناه وأراده مازال غائبا عنه, فلله الحكمة البالغة.
- ومنها: تعرف العبد إلى ربه في الرخاء يسهل أموره في الشدة والكرب, ويعينه على سرعة الدعاء والتوجه لخالقه, كما قال عليه الصلاة والسلام:"من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب, فليكثر الدعاء في الرخاء"7.
- ومنها: حكمة الله سبحانه وتعالى التامة, ولو جهلنا موطنها, فهو سبحانه جعل الخلق يخلف بعضهم بعضا, فخلق الموت وقدره عليهم, ولولا هذا لضاقت عليهم الأرض, ولقتل بعضهم بعضا من أجل الرزق, ومن هذا يظهر تمام قدرته وتدبيره وملكوته على خلقه.
- ومنها: تنوع الخطاب القرآني, فكان تقرير الحقائق المعلومة في الآية على شكل استفهام, حتى تتشوف النفوس وتقبل على السماع والعلم, فتحصل الفائدة المرجوة للقلوب.
- ومنها: تنبيه المؤمن على تخليص قلبه من العلائق وشتى أنواع الشرك, فإن كان الرب المجيب هو الله وحده, فلماذا يشتت العبد قلبه ويفرقه في أودية تشقيه ولا تغنيه في الدنيا, وقد تودي به إلى جهنم في الآخرة.
- ومنها: إن اليسر يأتي بعد العسر, كما قال تعالى:"إن مع العسر يسرا" 8, فالبلاء لا يدوم, إما أن ترحل عنه أو يرحل عنك, ومن صبر واحتسب فاز بأجر المصيبة وأجر الصبر معا.
- ومنها: التدبر في أحوال من سبق من الأمم, والتفكر في ما آلوا إليه, لأخذ العيرة والعظة, ولتستيقظ القلوب فتعرف حقيقة الدنيا فيزهد فيها القلب, ويعرف الإنان حقيقة نفسه فيستقيم كما أمره ربه, فيكثر من الباقيات الصالحات.
- ومنها: عظم غفلة الإنسان التي هي من طبعه, فإن علم هذا, فعليه الحرص على فعل كل ما يزيلها, ومما جاء فيما يزيل الغفلة:
1- العلم عن الله سبحانه وتعالى, ومعرفة حقيقة الدنيا, ومعرفة حقيقة العبد نفسه.
2- دوام ذكر الله تعالى على كل حال, كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام, ومن أهم الذكر: قراءة القرآن.
3- حضور مجالس الذكر.
4- التوبة والرجوع إلى الله تعالى, والعناية بالإكثار من الأعمال الصالحة.
5- تذكر الموت, كما قال عليه الصلاة والسلام:"أكثوا من ذكر هادم اللذات"9, ويحصل هذا بأمور منها: زيارة القبور فإنها تذكر الاخرة.
6- الصحبة الصالحة, فلا يعدم العبد منها خيرا, كما قال تعالى:"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه"10.
-------------------------------------------------------------------------------
1- 62\النمل
2- الفاتحة\2
3- فاطر\15
4- لقمان\13
5- رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم
6- الفجر\6-7
7- رواه الترمذي والحاكم.
8- العصر\6
9- أخرجه ابن حبان في صحيحه, وضعفه ابن الجوزي.
10- الكهف\28
المصلدر:
- تفسير القرآن العظيم, لأبي الفداء إسماعيل ابن كثير.


ملاحظة:
نهبهتني أحد الأخوات-جزاها الله خيرا- لضرورة إرفاق المصادر, حيث جهلت هذا لتغيبي عما سبق من الدروس, وعدم اتساع الوقت للاطلاع عليها للآن.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 رمضان 1438هـ/2-06-2017م, 05:02 PM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تطبيقية تفسيرية على الأسلوب الاستنتاجي

رسالة تفسيرية في قولة تعالى : {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى وصحبه أجمعين...أما بعد ..
فهذه تأملات في قوله تعالى { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شئ عليم } ، هذه الآية العظيمة التي ورد ذكرها في سورة التغابن فيها من الهدايات والفوائد الكثير الذي أسأل الله تعالى أن يوفقني لذكر بعضها وهو قليل من كثير وأن يفتح لنا بالحق وهو الفتاح العليم....نقول وبالله التوفيق :


من هذه الفوائد : أسلوب الاستثناء في بداية الآية " ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله" يفيد التخصيص والحصر أي أنه ما من مصيبة تصيب العبد إلا بإذن من الله وأمره وهي من قضائه وبقدره.


ومنها: أن كل مايصيب العبد خيرا كان أم شرا هو بإذن الله ولكن جاء التنصيص على المصائب لأن النفس جُبلت على كراهيتها وتوقِّيها ومع ذلك تصيبه وليس في مقدوره دفعها بخلاف الخير، قد يدَّعي أنّه حصله باجتهاد منه كما قال قارون:{ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ }.


ومنها : أن قوله { إلا بإذن الله} فيها دلالة على ركن الإيمان بالقضاء والقدر وعلى بعض مراتبه ومنها العلم والكتابة والمشيئة ؛ فجميع ما أصاب العباد فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله تعالى، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته.


ومنها: تنكير كلمة " مصيبة" تدل على العموم والشمول لجميع المصائب التي قد تُصيب العبد في النفس والمال والولد والأحباب كما قال تعالى : :{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }.


ومنها: لما كان العبد لا يستطيع دفع المقدور فيجب أن يقوم بالواجب عليه فيه وهو ما جاء في الشِق الثاني من الآية { ومن يؤمن بالله يهد قلبه} وهذا من رحمة الله تعالى بعباده أن دلهم على الطريق الذي يوصلهم في كل ما يقدره عليهم من مقادير وأحوال خيرا كانت أم شرا فلله الحمد والمنة.


ومنها: أن قوله تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } يُراد بها مقامين عام وخاص فأما الخاص فهو مقام المصائب التي تُصيب العبد وأما العام فهو ما يتعلق بالعموم اللفظي للآية كما قال الشيخ السعدي رحمه الله .


ومنها : أن المراد بالمقام الخاص وهو مقام المصائب التي تصيب العبد في نفسه وماله وولده ؛ فالواجب على العبد فيها أن يُصدق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله ويُسلم لأمره ويرضى بقضائه ؛ فينال بذلك هداية الله لقلبه باليقين والصبر والرضا ؛ فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.


ومنها : أن متعلق هداية القلب لم يُذكر وذلك للعموم أي أن أنه يهد قلبه :
· لليقين كما ذكرنا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من قبل الله تعالى، فيسلم، ويرضى.
· للاسترجاع وهو أن يقول: إنا لله، وإنا إليه راجعون قاله مقاتل.
· أنه إذا ابتُلي صبر، وإذا أُنعم عليه شكر، وإذا ظُلم غفر، قاله ابن السائب، وابن قتيبة.
· يهد قلبه، أي: يجعله مهتدياً، قاله الزجاج.
· يهد وليَّه بالصبر والرضى، قاله أبو بكر الورَّاق.
· يهد قلبه لاتباع السنة إِذا صح إيمانه، قاله أبو عثمان الحيري ،كل هذه الأقوال السته ذكرها ابن الجوزي في تفسيره ،
ولعل هذا المعنى الأخير هو المُراد بالعموم اللفظي للآية وهو ما أشار إليه الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره حيث قال : " فإن الله أخبر أن كل من آمن أي: الإيمان المأمور به من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصدق إيمانه بما يقتضيه الإيمان من القيام بلوازمه وواجباته، أن هذا السبب الذي قام به العبد أكبر سبب لهداية الله له في أحواله وأقواله وأفعاله، وفي علمه وعمله. وهذا أفضل جزاء يعطيه الله لأهل الإيمان، كما قال تعالى في الأخبار: أن المؤمنين يثبتهم الله في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وأصل الثبات: ثبات القلب وصبره، ويقينه عند ورود كل فتنة، فقال:
{يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ }".


ومنها : أنه يُمكن الجمع بين المقامين المُرادَين من الآية أنه من حقق الإيمان الواجب بلوازمه استحق هداية الله تعالى له في كل أحواله وأعماله فتكون كلها على هدي النبي صلى الله عليه وسلم متبعا فيها سنته عليه الصلاة والسلام ومن هذه الأحوال ما يقع له من المصائب فيقوم بالواجب عليه فيها من الرضا واليقين والصبر فيطمئن قلبه بهذا ولا يجزع وهذا من خصائص المؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم " عجباً لأمر المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له حتى الشوكة يشاكها في قدمه " ، وهو ما أشار إليه الشيخ السعدي فيما أوردناه في الفائدة السابقة.


ومنها: أن من تمام هداية الله تعالى ورحمته لعبده عند ورود المصائب ما جعله لقلب العبد من الطمأنينة والسكون والهدوء الذي دلت عليه قراءة مالك بن دينار، وعمرو بن دينار، وعكرمة: (يهدأ) بهمزة ساكنة، ورفع "قلبه"، أي: يطمئن ويسكن ودل على ذلك قول الله تعالى في سورة القصص في أم موسى : {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} .

ومنها : أن نسبة الهداية إلى القلب بيان لقضية الهداية العامة والخاصة كما أشار إلى ذلك الشيخ الشنقيطي في تفسيره ؛ فالهداية العامة ما جاءت في قوله تعالى في حق النبي صلى الله عليه وسلم : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } والمراد منها هداية الإرشاد والدلالة كما قال تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ }
، وأما الهداية الخاص كما جاء في الآية : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم عندما لم يستطيع هداية عمه أبو طالب للنطق بكلمة التوحيد قبل موته مع قربه منه ونصرته له ؛ والمراد منها هداية التوفيق وهي خاصة بالله تعالى دون غيره.


ومنها : أنه لما كان تسليم العبد ورضاه بما قدّره الله عليه وصبره على ما أصابه من المصائب والمزعجات و المقلقات كُلها أمور قلبية لا يعلمها إلا الله ختم سبحانه هذه الآية العظيمة بقوله تعالى : { وَاللَّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَليمٌ } أي لا يخفى عليه تسليم مَن انقاد وَسلَّم لأمره، ولا كراهة من كرهه.


ومنها : لما علِم العبد ما في هذه الآية العظيمة من الفضائل الجليلة والجزاءات العظيمة التي يُعطيها الله للعبد المؤمن - لِما معه من الإيمان - بمحض كرمه ومنته وفضله ؛ فحريُّ به أن يُفتش في إيمانه فيجبر تقصيره ويَسُد خلله ويُكمل نقصه ويقوم بما يقتضيه إيمانه من اللوازم والواجبات ولهذا جاء بعد هذه الآية قوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [التغابن: 12].

- ولله الحمد والمنه فما كان من توفيق فمن الله وما كان من تقصير فمني ومن الشيطان
وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.










رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir