دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > البرهان في علوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 شوال 1430هـ/13-10-2009م, 01:33 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي النوع الثاني: معرفة المناسبات بين الآيات

النوع الثاني: معرفة المناسبات بين الآيات.
وقد أفرده بالتصنيف الأستاذ أبو جعفر بن الزبير شيخ الشيخ أبي حيان وتفسير الإمام فخر الدين فيه شيء كثير من ذلك.
واعلم أن المناسبة علم شريف تحزر به العقول ويعرف به قدر القائل فيما يقول والمناسبة في اللغة المقاربة وفلان يناسب فلانا أي يقرب منه ويشاكله ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل كالأخوين وابن العم ونحوه وإن كانا متناسبين بمعنى رابط بينهما وهو القرابة ومنه المناسبة في العلة في باب القياس الوصف المقارب للحكم لأنه إذا حصلت مقاربته له ظن عند وجود ذلك الوصف وجود الحكم ولهذا قيل المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول وكذلك المناسبة في فواتح الآي وخواتمها ومرجعها والله أعلم إلى معنى ما رابط بينهما عام أو خاص عقلي أو حسي أو خيالي وغير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهي كالسبب والمسبب والعلة والمعلول والنظيرين والضدين ونحوه أو التلازم الخارجي كالمرتب على ترتيب الوجود الواقع في باب الخبر وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء
وقد قل اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي وقال في تفسيره أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط وقال بعض الأئمة من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض لئلا يكون منقطعا وهذا النوع يهمله بعض المفسرين أو كثير منهم وفوائده غزيرة قال القاضي أبو بكر بن العربي في سراج المريدين ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة ثم فتح الله عز وجل لنا فيه فلما لم نجد له حملة ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه.
وقال الشيخ أبو الحسن الشهراباني: أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نكن سمعناه من غيره هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه الآية لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة انتهى.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: المناسبة علم حسن ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر قال: ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا برباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض إذ لا يحسن أن يرتبط تصرف الإله في خلقه وأحكامه بعضها ببعض مع اختلاف العلل والأسباب كتصرف الملوك والحكام والمفتين وتصرف الإنسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة ومتضادة وليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض مع اختلافها في نفسها واختلاف أوقاتها انتهى
قال بعض مشايخنا المحققين: قد وهم من قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا وعلى حسب الحكمة ترتيبا فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف وحافظ القرآن العظيم لو استفتي في أحكام متعددة أو ناظر فيها أو أملاها لذكر آية كل حكم على ما سئل وإذا رجع إلى التلاوة لم يتل كما أفتى ولا كما نزل مفرقا بل كما أنزل جملة إلى بيت العزة ومن المعجز البين أسلوبه ونظمه الباهر فإنه {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}. قال: والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها؟ففي ذلك علم جم وهكذا في السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له قلت وهو مبني على أن ترتيب السور توقيفي وهذا الراجح كما سيأتي وإذا اعتبرت افتتاح كل سوره وجدته فى غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ثم هو يخفى تارة ويظهر أخرى كافتتاح سورة الأنعام بالحمد فإنه مناسب لختام سورة المائدة من فصل القضاء كما قال سبحانه: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وكافتتاح سورة فاطر بـ {الحمد} أيضا فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} وكما قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح فإنه مناسب لختام سورة الواقعة من الأمر به وكافتتاح البقرة بقوله: {آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} إشارة إلى {الصِّرَاطَ} في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب.
وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة وهو يرد سؤال الزمخشري في ذلك
وتأمل ارتباط سورة {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} بسورة الفيل حتى قال الأخفش: اتصالها بها من باب قوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}.
ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها لأن السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة البخل وترك الصلاة والرياء فيها ومنع الزكاة فذكر هنا في مقابلة البخل {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي الكثير وفى مقابلة ترك الصلاة {فَصَلِّ} أي دم عليها وفى مقابلة الرياء {لِرَبِّكَ} أي لرضاه لا للناس وفى مقابلة منع الماعون {وَانْحَرْ} وأراد به التصدق بلحم الأضاحي فاعتبر هذه المناسبة العجيبة وكذلك مناسبة فاتحة سورة الإسراء بالتسبيح وسورة الكهف بالتحميد لأن التسبيح حيث جاء مقدم على التحميد يقال سبحان الله والحمد الله.
وذكر الشيخ كمال الدين الزملكاني: في بعض دروسه مناسبة استفتاحها بذلك ما ملخصه إن سورة بني إسرائيل افتتحت بحديث الإسراء وهو من الخوارق الدالة على صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه رسول من عند الله والمشركون كذبوا ذلك وقالوا كيف يسير في ليلة من مكة إلى بيت المقدس وعادوا وتعنتوا وقالوا صف لنا بيت المقدس فرفع له حتى وصفه لهم والسبب في الإسراء أولا لبيت المقدس ليكون ذلك دليلا على صحة قوله بصعود السموات فافتتحت بالتسبيح تصديقا لنبيه فيما ادعاه لأن تكذيبهم له تكذيب عناد فنزه نفسه قبل الإخبار بهذا الذي كذبوه.
أما الكهف فإنه لما احتبس الوحي وأرجف الكفار بسبب ذلك أنزلها الله ردا عليهم وأنه لم يقطع نعمه عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل أتم عليه بإنزال الكتاب فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة وإذا ثبت هذا بالنسبة إلى السور فما ظنك بالآيات وتعلق بعضها ببعض بل عند التأمل يظهر أن القرآن كله كالكلمة الواحدة.

أنواع ارتباط الآي بعضها ببعض:
عدنا إلى ذكر ارتباط الآي بعضها ببعض فنقول ذكر الآية بعد الأخرى إما أن يظهر الارتباط بينهما لتعلق الكلام بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح وكذلك إذا كانت الثانية للأولى على جهة التأكيد والتفسير أو الاعتراض والتشديد وهذا القسم لا كلام فيه وإما ألا يظهر الارتباط بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى وأنها خلاف النوع المبدوء به فإما أن تكون معطوفة على ما قبلها بحرف من حروف العطف المشترك في الحكم أولا:
القسم الأول: أن تكون معطوفة ولا بد أن تكون بينهما جهة جامعة على ما سبق تقسيمه كقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وقوله: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وفائدة العطف جعلهما كالنظيرين والشريكين
وقد تكون العلاقة بينهما المضادة وهذا كمناسبة ذكر الرحمة بعد ذكر العذاب والرغبة بعد الرهبة وعادة القرآن العظيم إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا ووعيدا ليكون ذلك باعثا على العمل بما سبق ثم يذكر آيات التوحيد والتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي وتأمل سورة البقرة والنساء والمائدة وغيرها تجده كذلك وقد تأتي الجملة معطوفة على ما قبلها ويشكل وجه الارتباط فتحتاج إلى شرح ونذكر من ذلك صورا يلتحق بها ما هو في معناها:
فمنها قوله تعالى يسألونك {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية.
فقد يقال أي رابط بين أحكام الأهلة وبين حكم إتيان البيوت والجواب من وجوه:
أحدها: كأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الحكمة في تمام الأهلة ونقصانها معلوم أن كل ما يفعله الله فيه حكمة ظاهرة ومصلحة لعباده فدعوا السؤال عنه وانظروا في واحدة تفعلونها أنتم مما ليس من البر في شيء وأنتم تحسبونها برا.
الثاني: أنه من باب الاستطراد لما ذكر أنها مواقيت للحج وكان هذا من أفعالهم في الحج ففي الحديث أن ناسا من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا ولا دارا ولا فسطاطا من باب فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج أو يتخذ سلما يصعد به وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء فقيل لهم ليس البر بتحرجكم من دخول الباب لكن البر بر من اتقى ما حرم الله وكان من حقهم السؤال عن هذا وتركهم السؤال عن الأهلة ونظيره في الزيادة على الجواب قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن المتوضئ بماء البحر فقال: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)).
الثالث: أنه من قبيل التمثيل لما هم عليه من تعكيسهم في سؤالهم وأن مثلهم كمثل من يترك بابا ويدخل من ظهر البيت فقيل لهم ليس البر ما أنتم عليه من تعكيس الأسئلة ولكن البر من اتقى ذلك ثم قال الله سبحانه: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} أي باشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها ولا تعكسوا والمراد أن يصمم القلب على أن جميع أفعال الله حكمة منه وأنه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فإن في السؤال اتهاما.
ومنها قوله سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} إلى أن قال {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} فإنه قد يقال: أي رابط بين الإسراء و{وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} ؟ ووجه اتصالها بما قبلها أن التقدير: أطلعناه على الغيب عيانا وأخبرناه بوقائع من سلف بيانا لتقوم أخباره على معجزته برهانا أي سبحان الذي أطلعك على بعض آياته لتقصها ذكرا وأخبرك بما جرى لموسى وقومه في الكرتين لتكون قصتهما آية أخرى أو أنه أسرى بمحمد إلى ربه كما أسرى بموسى من مصر حين خرج منها خائفا يترقب ثم ذكر بعده {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} ليتذكر بنو إسرائيل نعمة الله عليهم قديما حيث نجاهم من الغرق إذ لو لم ينج أباهم من أبناء نوح لما وجدوا وأخبرهم أن نوحا كان عبدا شكورا وهم ذريته والولد سر أبيه فيجب أن يكونوا شاكرين كأبيهم لأنه يجب أن يسيروا سيرته فيشكروا.
وتأمل كيف أثنى عليه وكيف تليق صفته بالفاصلة ويتم النظم بها مع خروجها مخرج المرور عن الكلام الأول إلى ذكره ومدحه بشكره وأن يعتقدوا تعظيم تخليصه إياهم من الطوفان بما حملهم عليه ونجاهم منه حين أهلك من عداهم وقد عرفهم أنه إنما يؤاخذهم بذنوبهم وفسادهم فيما سلط عليهم من قتلهم ثم عاد عليهم بالإحسان والإفضال كي يتذكروا ويعرفوا قدر نعمة الله عليهم وعلى نوح الذي ولدهم وهم ذريته فلما صاروا إلى جهالتهم وتمردوا عاد عليهم التعذيب.
ثم ذكر تعالى في ثلاث آيات بعد ذلك معنى هذه القصة بكلمات قليلة العدد كثيرة الفوائد لا يمكن شرحها إلا بالتفصيل الكثير والكلام الطويل مع ما اشتمل عليه من التدريج العجيب والموعظة العظيمة بقوله: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} ولم ينقطع بذلك نظام الكلام إلى أن خرج إلى قوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} يعنى إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى العفو ثم خرج خروجا آخر إلى حكمة القرآن لأنه الآية الكبرى وعلى هذا فقس الانتقال من مقام إلى مقام حتى ينقطع الكلام.
وبهذا يظهر لك اشتمال القرآن العظيم على النوع المسمى بالتخلص وقد أنكره أبو العلاء محمد بن غانم المعروف بالغانمي وقال ليس في القرآن الكريم منه شيء لما فيه من التكلف وليس كما قال ومن أحسن أمثلته قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية فإن فيها خمس تخلصات وذلك أنه جاء بصفة النور وتمثيله ثم تخلص منه إلى ذكر الزجاجة وصفاتها ثم رجع إلى ذكر النور والزيت يستمد منه ثم التخلص منه إلى ذكر الشجرة ثم تخلص من ذكرها إلى صفة الزيت ثم تخلص من صفة الزيت إلى صفة النور وتضاعفه ثم تخلص منه إلى نعم الله بالهدى على من يشاء ومنه قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} الآية فإنه سبحانه ذكر أولا عذاب الكفار وأن لا دافع له من الله ثم تخلص إلى قوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} بوصف {اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} منه قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} إلى قوله: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فهذا تخلص من قصة إبراهيم وقومه إلى قوله هكذا وتمني الكفار في الدار الآخرة الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا بالرسل وهذا تخلص عجيب وقوله: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} وذلك أنه لما أراد الانتقال من أحوال أصنامهم إلى ذكر صفات الله قال إن أولئك لي أعداء إلا الله فانتقل بطريق الاستثناء المنفصل.
وقوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ َلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.
وقوله تعالى: في سورة الصافات {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} وهذا من بديع التخلص فإنه سبحانه خلص من وصف المخلصين وما أعد لهم إلى وصف الظالمين وما أعد لهم
ومنه أنه تعالى في سورة الأعراف ذكر الأمم الخالية والأنبياء الماضين من آدم عليه السلام إلى أن انتهى إلى قصة موسى عليه السلام فقال في آخرها {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} إلى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل} وهو من بديع التخلص واعلم أنه حيث قصد التخلص فلا بد من التوطئة له ومن بديعه قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} يشير إلى قصة يوسف عليه السلام فوطأ بهذه الجملة إلى ذكر القصة يشير إليها بهذه النكتة من باب الوحي والرمز وكقوله سبحانه موطئا للتخلص إلى ذكر مبتدأ خلق المسيح عليه السلام {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً} الآية ومنها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} فإنه قد يقال ما وجه اتصاله بما قبله وهو قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} الآية.
قال الشيخ أبو محمد الجويني: في تفسيره سمعت أبا الحسين الدهان يقول وجه اتصالها هو أن ذكر تخريب بيت المقدس قد سبق أي فلا يجرمنكم ذلك واستقبلوها فإن لله المشرق والمغرب.
ومنها قوله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} الآية فإنه يقال ما وجه الجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في هذه الآية والجواب أنه جمع بينهما على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر فإن كل انتفاعهم في معايشهم من الإبل فتكون عنايتهم مصروفة إليها ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك بنزول المطر وهو سبب تقلب وجوههم في السماء ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم وحصن يتحصنون به ولا شيء في ذلك كالجبال ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها فإذا نظر البدوي في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور.
ومنها قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ} فيقال: أي ارتباط بينهما؟وجوابه أن المبتدأ وهو {مَنْ} خبره محذوف أي أفمن هو قائم على كل نفس تترك عبادته أو معادل الهمزة تقديره أفمن هو قائم على كل نفس كمن ليس بقائم ووجه العطف على التقديرين واضح أما الأول فالمعنى أتترك عبادة من هو قائم على كل نفس ولم يكف الترك حتى جعلوا له شركاء وأما على الثاني فالمعنى إذا انتفت المساواة بينهما فكيف تجعلون لغير المساوي حكم المساوي!
ومنها قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ} إلى قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} عطف قصة على قصة مع أن شرط العطف المشاكلة فلا يحسن في نظير الآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} {أَوْ كَالَّذِي} ووجه ما بينهما من المشابهة أن {أَلَمْ تَرَ} بمنزلة هل رأيت كالذي حاج إبراهيم وإنما كانت بمنزلتها لأن {أَلَمْ تَرَ} مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي ولذلك يجاب ببلى والاستفهام يعطي النفي إذ حقيقة المستفهم عنه غير ثابتة عند المستفهم ومن ثم جاء حرف الاستفهام مكان حرف النفي ونفي النفي إيجاب فصار بمثابة رأيت غير أنه مقصود به الاستفهام ولم يمكن أن يؤتى بحرفه لوجوده في اللفظ فلذلك أعطى معنى هل رأيت فإن قلت من أين جاءت إلى ورأيت يتعدى بنفسه؟أجيب لتضمنه معنى تنظر
القسم الثاني: ألا تكون معطوفة فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام وهى قرائن معنوية مؤذنة بالربط والأول مزج لفظي وهذا مزج معنوي تنزل الثانية من الأولى منزلة جزئها الثاني وله أسباب:
أحدها: التنظير فإن إلحاق النظير بالنظير من دأب العقلاء ومن أمثلته قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ } عقب قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فإن الله سبحانه أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون وذلك أنهم اختلفوا في القتال يوم بدر في الأنفال وحاجوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجادلوه فكره كثير منهم ما كان من فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النفل فأنزل الله هذه الآية وأنفذ أمره بها وأمرهم أن يتقوا الله ويطيعوه ولا يعترضوا عليه فيما يفعله من شيء ما، بعد أن كانوا مؤمنين ووصف المؤمنين ثم قال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} يريد أن كراهتهم لما فعلته من الغنائم ككراهتهم للخروج معك.
وقيل: معناه أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق كقوله تعالى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}.
وقيل: الكاف صفة لفعل مضمر وتأويله: افعل في الأنفال كما فعلت في الخروج إلى بدر وإن كره القوم ذلك ونظيره قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ} معناه: كما أنعمنا عليكم بإرسال رسول من أنفسكم فكذلك أتم نعمتي عليكم فشبه كراهتهم ما جرى من أمر الأنفال وقسمتها بالكراهة في مخرجه من بيته وكل ما لا يتم الكلام إلا به من صفة وصلة فهو من نفس الكلام.
وأما قوله تعالى: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} بعد قوله: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} فإن فيه محذوفا كأنه قال أنا النذير المبين عقوبة أو عذابا مثل ما أنزلنا على المقتسمين.
وأما قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} وقد اكتنفه من جانبيه قوله: {بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} وقوله: {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} فهذا من باب قولك للرجل وأنت تحدثه بحديث فينتقل عنك ويقبل على شيء آخر: أقبل علي واسمع ما أقول وافهم عني ونحو هذا الكلام ثم تصل حديثك فلا يكون بذلك خارجا عن الكلام الأول قاطعا له وإنما يكون به مشوقا للكلام وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان إذا نزل عليه الوحي وسمع القرآن حرك لسانه بذكر الله فقيل له تدبر ما يوحى إليك ولا تتلقفه بلسانك فإنما نجمعه لك ونحفظه عليك ونظيره قوله: في سورة المائدة {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} إلى قوله: {الْأِسْلامَ دِيناً} فإن الكلام بعد ذلك متصل بقوله أولا {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} ووسط هذه الجملة بين الكلامين ترغيبا في قبول هذه الأحكام والعمل بها والحث على مخالفة الكفار وموت كلمتهم وإكمال الدين ويدل على اتصال فمن اضطر بقوله: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} آية الأنعام {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ}.
الثاني: المضادة ومن أمثلته قوله تعالى: في سورة البقرة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} الآية فإنه أول السورة كان حديثا عن القرآن الكريم وأن من شأنه كيت وكيت وأنه لا يهدي القوم الذين من صفاتهم كيت وكيت فرجع إلى الحديث عن المؤمنين فلما أكمله عقب بما هو حديث عن الكفار فبينهما جامع وهمي بالتضاد من هذا الوجه وحكمته التشويق والثبوت على الأول كما قيل:
وبضدها تتبين الأشياء
فإن قيل: هذا جامع بعيد لأن كونه حديثا عن المؤمنين بالعرض لا بالذات والمقصود بالذات الذي هو مساق الكلام إنما هو الحديث عن الكتاب لأنه مفتتح القول قلنا لا يشترط في الجامع ذلك بل يكفي التعلق على أي وجه كان ويكفي في وجه الربط ما ذكرنا لأن القصد تأكيد أمر القرآن والعمل به والحث على الإيمان به ولهذا لما فرغ من ذلك قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} الآية فرجع إلى الأول.
الثالث: الاستطراد كقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
قال الزمخشري: هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق الله من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى وجعل القاضي أبو بكر في كتاب إعجاز القرآن من الاستطراد قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} وقال: كأن المراد أن يجري بالقول الأول إلى الإخبار عن أن كل شيء يسجد لله عز وجل وإن كان ابتداء الكلام في أمر خاص انتهى وفيه نظر
ومنه الانتقال من حديث إلى آخر تنشيطا للسامع كقوله تعالى: في سورة ص بعد ذكر الأنبياء {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} فإن هذا القرآن نوع من الذكر لما انتهى ذكر الأنبياء وهو نوع من التنزيل أراد أن يذكر نوعا آخر وهو ذكر الجنة وأهلها فقال: {هَذَا ذِكْرٌ} فأكد تلك الإخباريات باسم الإشارة تقول أشير عليك بكذا ثم تقول بعده هذا الذي عندي والأمر إليك وقال: {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} كما يقول المصنف هذا باب يشرع في باب آخر ولذلك لما فرغ من ذكر أهل الجنة قال {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} فصل في اتصال اللفظ والمعنى على خلاف وقد يكون اللفظ متصلا بالآخر والمعنى على خلافه كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} فقوله: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} منظوم بقوله: {قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ} لأنه موضع الشماتة وقوله: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} فإنه متصل بقوله: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ} وقوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} جواب الشرط قوله تعالى: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} وقوله: {قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} داخل في الشرط وقوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} إلى قوله: {إِلاَّ قَلِيلا}ً فقوله: {إِلاَّ قَلِيلاً} متصل بقوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ومثل بقوله: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} على تأويل: ولولا فضل الله عليكم ورحمته إلا قليلا ممن لم يدخله في رحمته واتبعوا الشيطان لاتبعتم الشيطان ومما يحتمل الاتصال والانقطاع قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} يحتمل أن يكون متصلا بقوله: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} أي المصباح في بيوت ويكون تمامه على قوله: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} و(يسبح له فيها رجال) صفة للبيوت ويحتمل أن يكون منقطعا خبرا لقوله: و{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ} ومما يتعين أن يكون منقطعا قوله: {وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} مستأنف لأنه لو جعل متصلا بيعزب لاختل المعنى إذ يصير على حد قولك ما يعزب عن ذهني إلا في كتاب أي استدراكه وقوله: {فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} منهم من قضى باستئنافه على أنه مبتدأ وخبر ومنهم من قضى بجعل {فِيهِ} خبر {لا} و{هُدىً} نصب على الحال فى تقدير هاديا ولا يخفى انقطاع: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} عن قوله: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}
وكذا: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} عن قوله سبحانه: {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} وكذلك قوله: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} عن قوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ}.



[البرهان في علوم القرآن:1/13-16]



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir