تلخيص الدرس السابع عشر:
· وتلخيص ذلك أن الفرق بين الرسول والنبي يتضح ببيان أمرين:
· الأمر الأول: أن النبوة منزلة، والرسالة منزلة أخص منها، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول، وهذا الأمر عليه قول جماهير العلماء ولا أعرف إماماً معروفاً بالعلم والإمامة في الدين يخالف في هذا القول.
لدلالة قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ...﴾
ولدلالة حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في حديث الشفاعة الطويل وفيه أن الناس يأتون نوحاً فيقولون له: (أنت نوح أول الرسل إلى أهل الأرض). وقد علم بنص الحديث أن آدم عليه السلام نبي مكلم.
· الأمر الثاني: بيان الفرق بين مطلق الإرسال ومنزلة الرسالة؛ فمطلق الإرسال حاصل للأنبياء كلهم كما دل عليه قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: 52].
· فالرسول مرسل، والنبي مرسل، لكن رسالة الرسول أخص من رسالة النبي ومنزلة الرسالة أخص وأعلى من منزلة النبوة ولذلك قدم ذكر الرسول على ذكر النبي في هذه الآية.
قال الخطابي: والفرق بين النبي والرسول: أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به، والنبي هو المخبَر ولم يؤمر بالتبليغ، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا).
قال مجاهد قوله تعالى: ﴿رسولاً نبياً﴾: (النبي هو الذي يُكَلَّم ويُنْزَلُ عليه ولا يُرْسَلُ، والرسولُ هو الذي يُرسَل).
قول هؤلاء العلماء: (وأمر بتبليغه) هو معنى قول من تقدم (وأرسل) لأن الأمر بالتبليغ هو مقتضى الإرسال.
· فليس مرادهم من قولهم: (ولم يؤمر بتبليغه) نفي مطلق الإرسال والتبليغ، وإنما المراد نفي مقتضى ما تختص به منزلة الرسالة عن منزلة النبوة؛ فإن منزلة الرسالة تقتضي تميز (الرسول) برسالة لا يشترك معه فيها (النبي)، وهذا هو القدر المنفي عن النبي في قول العلماء، ولم يريدوا نفي الإرسال عنه جملة.
أقوال العلماء في مسألة الفرق بين الرسول والنبي:
· ولأهل العلم في التفريق بين الرسول والنبي أقوال، أشهرها خمسة أقوال:
· القول الأول: هو المتقدم ذكره، وهو أشهر الأقوال، وقد بيَّنت ما فيه من الإشكال وجوابه.
· القول الثاني: أن الرسول هو الذي يأتيه جبرئيل بالوحي عياناً وشفاهاً، والنبي هو الذي تكون نبوّته إلهاماً أو مناماً- وهذا القول في التفريق لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نبئ بنزول: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[العلق: 1]؛ وأما قول عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح).
- فالمراد به مقدمات النبوة، لا النبوة نفسها، فإن بدء النبوة كان بنزول قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].
القول الثالث: أن الرسول من أنزل معه كتاب، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله، وهذا قول الزمخشري في تفسيره، واختاره النسفي.
· القول الرابع: الرسول من أرسل إلى قوم مخالفين ليبلغهم رسالة الله، والنبي من كان يعمل بشريعة من قبله، ولم يرسل إلى أحد ليبلغه رسالة الله، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية، نص عليه في رسالة النبوات.
القول الخامس: الرسول من أوحي إليه بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، والنبي من بعث لتقرير شرع سابق، وهذا القول ذكره عبد القاهر بن طاهر البغدادي حكاية عن اعتقاد الأشاعرة، واختاره البيضاوي وأبو السعود، وقد حكاه قولاً أبو المظفر السمعاني وأبو حيان،لكن البغدادي ذكر أن آدم عليه السلام هو أول الرسل.
والبيضاوي أيضاً خالف هذا القول في موضع آخر من تفسيره كما نبَّه إليه العاملي في الكشكول، حيث قال في تفسير سورة مريم في شأن إسماعيل عليه السلام:(﴿وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا﴾[مريم: 51] يدل على أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة، فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته).
· والقول الصحيح هو القول المأثور عن مجاهد رحمه الله، وهو ما قاله الفراء وابن جرير وعليه جمهور أهل العلم لولا ما أثير من الإشكال حول ذلك التعبير الشائع، وقد علمت جوابه.
قوله: (وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) ﴾[المدثر:1-7]).
· هذه الآيات هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي الأولى، كما تقدم بيانه.
· والمدَّثر: أصله: (المتدثّر) ثم أدغمت التاء في الدال وشدِّدَت.
· والمدثر هو المتغطي بالدِّثَار وهو لباس يكون فوق الشعار؛ فالشعار هو اللباس الذي يلي الجسد، والدّثار لباس فوقه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( الأنصار شعار والناس دثار)) متفق عليه من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
· قال الفراء وأبو معمر وابن قتيبة وابن جرير وغيرهم: المدثر هو المتدثر بثيابه إذا نام.
· وقال إبراهيم النخعي: كان متدثراً بقطيفة.
قوله: (وَمَعْنَى: ﴿قمْ فَأَنْذِرْ﴾ يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلى التَّوْحِيدِ).
· قال ابن جرير: (وقوله: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذابَ الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره).
· والإنذار يكون من العذاب وسببه؛ فالشرك سبب للعذاب، والنار وما يعاقب الله به المشكرين عذاب، ويقع الإنذار من هذا وهذا.
قوله: (﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ).
· قال ابن جرير: (﴿وَرَبَّكَ﴾ يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد).
· فالتكبير هو التعظيم كما قال الله تعالى: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾[الإسراء: 111].
· قال الشنقيطي: (﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾[الإسراء: 111] أي: عظمه تعظيماً شديداً، ويظهر تعظيم الله في شدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه، والمسارعة إلى كل ما يرضيه: كقوله تعالى:﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾[الحج: 37]، ونحوها من الآيات).
قوله: (﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ).
· هذا أحد الأقوال في تفسير هذه الآية، أن الطهارة فيه معنوية
· والرّجز: الأوثان، تضم الراء وتكسر، وهما قراءتان.
· وقد قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30].
· قال ابن المبارك اليزيدي: (الرجز والرجس واحد).
· وقد قيل في اشتقاق هذه العبارة أن هذا الأصل الذي هو الـراء والجيم والزاي (ر ج ز) يفيد الاضطراب, ويفيد المهانة أيضا, فيه معنى الاضطراب وفيه معنى الامتهان, لأن أصل الرجز في اللغة هو داءٌ يصيب أعجاز الإبل فتضطرب منه أي: تتحرك حركة مضطربة.
تأريخ فرض الصلوات الخمس مختلف فيه بين أهل العلم حتى ذكر ابن حجر أن في هذه المسألة نحو عشرة أقوال لأهل العلم، لكن أشهرها ثلاثة أقوال:
- القول الأول: أنه قبل الهجرة بنحو سنة، وهذا قول ابن سعد في الطبقات وقول إبراهيم الحربي وابن حزم وجماعة من أهل العلم، ومنهم من يزيد أشهراً وينقص أشهراً.
- القول الثاني: أنه قبل الهجرة بثلاث سنين، وهذا القول حكاه ابن حجر عن ابن الأثير، وقال به ابن قدامة في المغني، قال ابن رجب: (وهو أشهَر).
- القول الثالث: أنه بعد البعثة بخمس سنين، وهو قول الزهري، ورجحه النووي.