الفصل السادس (التَحَلِّي بالعَمَلِ)
تلخيص وترتيب الدرس الثامن والأربعين (ما يختص بالكتب من توجيهات)
1- غرام الكتب
شرف العلم معلوم، لعموم نفعه، وشدة الحاجة إليه كحاجة البدن إلى الأنفاس، وظهور النقص بقدر نقصه، وحصول اللذة والسرور بقدر تحصيله، ولهذا اشتد غرام الطلاب بالطلب، والغرام بجمع الكتب مع الانتقاء، ولهم أخبار في هذا تطول، وفيه مقيدات في «خبر الكتاب» يسر الله إتمامه وطبعه.
وعليه، فأحرز الأصول من الكتب، واعلم أنه لا يغني منها كتاب عن كتاب، ولا تحشر مكتبتك وتشوش على فكرك بالكتب الغثائية، لا سيما كتب المبتدعة، فإنها سم ناقع.
جمع الكتب مما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم. فإذا كان الإنسان قليل الراتب فليس من الخير ولا من الحكمة أن يشتري كتبا كثيرة يلزم نفسه بغرامة قيمتها، فإن هذا من سوء التصرف.
- ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي أراد أن يزوجه ولم يجد شيئا، أن يقترض ويستدين.
واحرص على كتب الأمهات، الأصول، دون المؤلفات الحديثة لأن بعض المؤلفين حديثا ليس عنده علم راسخ، ولهذا إذا قرأت كتابا ما تجد أنه سطحي، قد ينقل الشيء بلفظه، وقد يحرفه إلى عبارة طويلة، لكنها غثاء.
فعليك بالأمهات، عليك بالأصل ككتب السلف، فإنها خير وأبرك بكثير من كتب الخلف.
* ثم احذر أن تضم مكتبتك الكتب التي ليس فيها خير، لا أقول التي فيها ضرر، بل أقول التي ليس فيها خير
-لأن الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولا خير ولاشر.
هناك كتب يقال أنها كتب أدب، لكنها تقطع الوقت وتقتله من غير فائدة، هناك كتب غامضة ذات أفكار معينة ومنهج معين، فهذه أيضا لا تدخل مكتبتك.
_________________________________________________________
2- قوام مكتبتك
عليك بالكتب المنسوجة على طريقة الاستدلال، والتفقه في علل الأحكام، والغوص على أسرار المسائل،ومن أجلها كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتلميذه ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.
هذا أيضا منهم، أن يختار الإنسان في مكتبته الكتب الأصيلة القديمة، لأن غالب المتأخرين قليلة المعاني، كثيرة المباني، تقرأ صفحة كاملة يمكن أن تلخصها في سطر أو سطرين مع التعريج والمطآب والتغريزات في بعض الكلمات التي لا تفهم إلا بعد افتراض، لكن كتب السلف تجدها سهلة لينة رصينة، لا تجد كلمة واحدة ليس لها معنى.
_________________________________________________________
3- التعامل مع الكتاب
لن تستفد من كتاب حتى تعرف اصطلاح مؤلفه فيه، وكثيرا ما تكون المقدمة كاشفة عن ذلك، فابدأ من الكتاب بقراءة مقدمته.
التعامل مع الكتاب يكون بأمور:
-الأول: معرفة موضوعه، حتى يستفيد الإنسان منه لأنه يحتاج إلى التخصص.
-الثاني: أن تعرف مصطلحاته، وهذا في الغالب يكون في المقدمة، لأن معرفة المصطلحات يحصل بها في الواقع أنك تحفظ أوقات كثيرة، وهذا يفعله الناس في مقدمات الكتب
- فمثلا نعرف أن صاحب بلوغ المرام إذا قال: متفق عليه، يعني رواه البخاري ومسلم. لكن صاحب المنتقى إذا قال: متفق عليه في الحديث يعني أنه رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم
- كذلك أيضا كتب الفقه يفرق بين القولين، الوجهين،الروايتين، والاحتمالين، كما يعرف الناس من تتبع كتب الفقهاء. الروايتين عن الإمام، والوجهين عن أصحابه، لكن أصحاب المذهب الكبار أهل التوجيه، والاحتمالين للتردد بين قولين: والقولين أعم من ذلك كله.
- كذلك يحتاج أن تعرف إذا قال المؤلف: إجماعا أو إذا قال: وفاقا. إذا قال: إجماعا يعني بين الأمة، وفاقا مع الأئمة الثلاثة كما هو اصطلاح صاحب الفروع في فقه الحنابلة.
- الثالث: معرفة أسلوبه وعباراته، ولهذا تجد أنك إذا قرأت الكتاب أول ما تقرأ لا سيما من الكتب العلمية المملوءة علما، تجد أنك تمر بك العبارات تحتاج إلى تأمل وتفكير في معناها،لأنك لم تألفها فإذا كررت هذا الكتاب ألفته، وانظر مثلا إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، الإنسان الذي لا يتمرن على كتبه يصعب أن يفهمها لأول مرة، لكن إذا تمرن عرفها بيسر وسهولة.
-أما ما يتعلق بأمر خارجي عن التعامل مع الكتاب، وهو التعليق بالهوامش أو بالحواشي، فهذا أيضا مما يجب لطالب العلم أن يغتنمه، وإذا مرت به مسألة تحتاج الىشرح أو دليل أو إلى تعليق ويخشى أن ينساها فإنه يعلقها، إما بالهامش وهو الذي على يمينه أو يساره وإما بالحاشية، وهي التي تكون بأسفل.
-وكذلك أيضا إذا كان الكتاب فيه فقه مذهب من المذاهب ورأيت أنه يخالف المذهب في حكم هذه المسألة، فإنه من المستحسن أن تقيد المذهب في الهامش أو الحاشية حتى تعرف أن الكتاب خرج عن المذهب، ولا سيما إذا كان المذهب أقوى مما ذهب إليه صاحب الكتاب.
_________________________________________________________
4- ومنه
إذا حزت كتابا، فلا تدخله في مكتبتك إلا بعد أن تمر عليه جردا، أو قراءة لمقدمته، وفهرسه، ومواضع منه، أما إن جعلته مع فنه في المكتبة، فربما مر زمان وفات العمر دون النظر فيه، وهذا مجرب، والله الموفق.
أكثر مايكون في حال الإنسان إذا جاءه كتاب جديد بتصفحه، أو إذا كان كثيرا يقرأ الفهرس.
قل أن تجد شخصا- مثلا- أو مر بك حال من حين يأتيك الكتاب أن تقرأه. هذا قليل.
وإنما قال الشيخ هذا، لأجل إن احتجت إلى مراجعته عرفت أنه يتضمن حكم الذي تريد، أما إذا لم تجرده مراجعة ولو مرورًا فإنك لا تدري ما فيه من الفوائد والمسائل، فيفوتك شيء كثير موجود في هذا الكتاب الذي عندك في الرف.