السؤال الأول: إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان. بيّن ذلك.
لأنه بالعلم يعرف هدى الله عز وجل وبالإيمان يتبع هذا الهدى؛ فإذا تحققا كانت العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة, وترتبت الثمار العظيمة الكريمة عليهما من العزة والنصر والرفعة والعلو والظهور والتمكين .
قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) فهذه الآية تدل على أن الرفعة لا تكون إلا لمن حقق العلم والإيمان, وبحسب تحقيق هذين الأمرين تكون الرفعة في الدنيا والآخرة.
وقال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فالمؤمن له من العزة بحسب ما له من الإيمان.
وقال تعالى: (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) شرَط الله للعلو في الدين الإيمانَ؛ فإن تخلف الإيمان تخلف العلو.
وإذا أقام المرء دينه بالعلم والإيمان كان له من الله الهداية والنصر وإن خالفه من خالفه, أو خذله من خذله, قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) وقال صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَزَالُ مِنْ أمتي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِك).
فقد استحقوا الثبات على الهداية وزيادتها, والنصر والظفر؛ بما حققوا من العلم والإيمان, وإقامة أمر الله تعالى.
أما الذين لم يقيموا أمر الله فليس لهم عند الله عهد ولا ضمان ولا شرط بالنصر ولا عاقبة حميدة, قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ولذا لم يكن يرى الإمام سفيان ابن عيينة أشد عليه من هذه الآية في كتاب الله عز وجل !
وما ظهرت الفرق الضالة, والتيارات المنحرفة, وما فشت المعاصي والذنوب إلا من ضعف العلم والإيمان وضعف القائمين بهما.
والعلم والإيمان مطلوب تحقيقهما على مستوى الفرد والمجتمع, وقد أمر بإقامة الدين فقال سبحانه: (أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه), وأهل العلم والإيمان هم أئمة المسلمين في الدنيا, ولهم من الرفعة والشرف والفضل ما الله به عليم.
السؤال الثاني: ما يعتري طالب العلم من الفتور على نوعين؛ بيّنهما.
النوع الأول: فتور طبيعي من جبلة الإنسان وخلقته, ولا يؤاخذ به العبد, وينبغي إحسان المعاملة معه؛ ليعود بعد الفتور إلى حال أفضل مما كان عليه من قبل.
دل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَتِي فَقَدْ اهْتَدَى ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ))
وينبغي على طالب العلم أن يوطن نفسه على هذا النوع من الفتور, وأن لا يحمل نفسه فوق ما لا تطيق؛ بل يجمها ويريحها بما لا يخالف الشرع, ويستغل هذا الفتور بما يعين على طلب العلم كما كان يفعل بعض العلماء إذ يبرون الأقلام, ويهيئون الدفاتر, ويتشاغلون بمطالعة الطرائف والأوابد, وإنشاد الشعر حتى يزول عنهم هذا العارض, ويرجعوا إلى ما كانوا عليه من الجد والاجتهاد والبذل والعطاء.
النوع الثاني: فتور ناتج عن علل وأدواء وأسقام, وأهمها: ضعف اليقين وضعف الصبر؛ فهما أساس هذا النوع من الفتور, وهذا النوع هو الذي يؤاخذ طالب العلم عليه, وينبغي عليه استدراك نفسه قبل فوات الأوان, والتخلص من أسبابه وأدوائه بأسرع وقت قبل أن يهجم عليه كيد الشيطان, وعلل النفس, عواقب الذنوب.
السؤال الثالث: وجّه رسالة في سبعة أسطر لطالب علم افتتن بأمور تثبّطه عن طلب العلم وتصرفه إلى الدنيا وملذاتها.
أُخيَّ طالب العلم ماذا دهاك ؟! وأي شيء أصابك بعد أن كنت ترفل بنعيم العلم وتلتذ بجنان الطلب ؟! أبربك –أيها الحبيب- وجدت في الدنيا الدنيئة, وملذاتها الفانية, وحظوظها الزائلة ما يصرفك عن آخرة باقية, ذات ملذات دائمة, وحظوظ ثابتة ؟!
أما علمت أن الدنيا بزخرفها وزينتها وملذاتها وروحها وريحانها وجمالها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ؟!
أم أنك نسيت ذاك الخبر النبوي الصادق الذي يصف أنعم رجل في الدنيا عندما يغمس في النار غمسة واحدة ثم يسأله ربه: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا، والله يا ربّ ؟!
أُخيَّ طالب العلم استذكر مجددا ما جعله الله لأهل العلم والإيمان من الفضائل والحسنات والبركات والخيرات لعلك ترجع إلى سالف عهدك, وتنثني عما
أنت فيه ..
أُخيَّ الغالي قد تحتج بهون العزيمة, وقلة الحيلة, وفتور النفس عن الطلب, ولكني أحتج عليه بضرورة التضرع إلى الله سبحانه وتعالى, والافتقار إليه, والانكسار على بابه, وإدمان قرع الباب, وهو أعظم مسؤول, وأكرم معط سبحانه وتعالى, ولا تيأس أو تستبطء فــــ(إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
هذه نصيحتي لك قد أسديتها, وأرجو أن تلاقي منك أذنا صاغية, وقلبا واعيا, والسلام.
السؤال الرابع: اذكر سبعة أسباب للفتور مع التوضيح الموجز لكل سبب.
1- ضعف اليقين: لأن طالب العلم إذا ضعف يقينه بما له عند الله تعالى من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة على طلب العلم ضعف إقباله على العلم, وانصرف إلى القريب العاجل؛ إذ العلم كسائر الفضائل لا تتحصل بسهولة, ولا تظهر ثمارها بسرعة.
2- ضعف الصبر: لأن طلب العلم يتضمن مشقة وتعبا ونصبا ومكابدة وسهرا وإنفاقا, وهذا كله محتاج إلى صبر ومصابرة, وبضعفه يحصل الفتور.
3- العجب: وهو من أخطر الأدواء, وأكبر البلاء الذي يحيق بطالب العلم, وذلك أن العجب آفة خطيرة تمحق بركة العلم, وتتسبب بحرمانه.
4- عواقب الذنوب: للذنوب أثر كبير في فتور طالب العلم؛ لأن العلم طاعة, وعمل صالح, والذنوب بضده تثقله وتقعده عن الطاعات والصالحات, وتذهب بهاء العلم ونوره, وتحرم بركته, وتدخل على قلبه الظلمة, وعلى نفسه التعب والكآبة, وكل ذلك يجعل الطالب في فتور عن العلم.
5- تحميل النفس ما لا تطيق: فمن حمل نفسه ما لا تطيق فقد عرضها للانقطاع, وكما في الخبر المروي: (إن هذا الدين متين, فأوغلوا فيه برفق, فإن المنبت لا أرضا قطع, ولا ظهرا أبقى)!
6- الرفقة السيئة: لأنهم يأتونه من المواضع التي يضعف فيها, ويزينون له ترك الفضائل, والانشغال بالمباحات حتى يقع في المكروهات, والمحرمات, وأقل ما يصيبه منهم أنهم يلهونه عن طلب العلم, ويشغلونه بالمفضول عن الفاضل.
7- العوائد الخاطئة في طلب العلم: لأن هذه العوائد تطيل الطريق على الطالب, وتوجب له التعب الكثير, والجهد الكبير, وهذا مدعاة إلى الفتور والإعراض عن التحصيل !
السؤال الخامس: اذكر سبع وصايا لعلاج الفتور، مع التوضيح الموجز لكل وصية.
1- تحصيل اليقين : وهو رأس الأمر, وسيد الفضائل, وليس شيء أفضل للعبد بعد العافية من اليقين كما نبه على ذلك صديق الأمة, وبه تقبل النفس منشرحة الصدر على طلب العلم لأن الجزاء الغيبي بالنسبة لها كالشيء المشاهد المبصر.
2- تحصيل الصبر: ويكون كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بالتصبر, وكما قال تعالى: (اصبروا وصابروا), وذلك لأن العلم ثقيل, ولأن العلم لا يستطاع براحة الجسد؛ بل بنفي الاعتماد والسير في البلاد, وصبر كصبر الجماد, وبكور كبكور الغراب.
3- الفرح بفضل الله, وشكر نعمته: وهما فرع عن اليقين, ولكن خصتا للأهمية البالغة, وذلك بأن يجد العبد من نفسه فرحا وسرورا وغبطة بكل حرف يتعلمه من العلم الشرعي, وأن يرى أن ذلك أعظم من الدنيا وما فيها, وأنه محض فضل الله تعالى عليه؛ فيشكر ربه على هذه النعمة الكبيرة التي لا يقادر قدرها, وبالشكر تدوم النعم, وتزداد, (لإن شكرتم لأزيدنكم)
4- تنظيم الوقت: لأن ذلك يساعد على الإنجاز, وملاحظة الإنجاز تنشط النفس وتحدوها لمتابعة المسير في الطلب, وقد كان العلماء ينظمون وقتهم, ويجعلون حدا أدنى لا يفوتونه أبدا, وبذلك كثرت أعمالهم, وتعدد كتاباتهم, وبورك في علمهم.
5- تذكير النفس بفضل العلم وشرفه: فالنفس عندما تُذَكر بفضل العلم وشرفه تتحفز ويعظم إقبالها, ولأن كثرة التذكير توجب رسوخ العلم بالفضائل, واستحضارها بشكل دائم.
6- قراءة سير الأئمة والعلماء: لأنها تشحذ الهمم, وتقوي العزائم, وتدفع نحو المعالي والقمم.
7- الإعراض عن اللغو: إذ هو الشيء الذي امتدح الله به المؤمنين المفلحين بعد الخشوع في الصلاة, وذلك لعظم أهميته؛ فلا يستقيم تحصيل العلم إلا بالإعراض عن اللغو, وكثير من الآفات تتسلط بسبب عدم الإعراض عن اللغو كفضول الكلام والخلطة وغير ذلك.