36- إجمامُ النفْسِ :
1- يجب أن نعلم أن إجمام النفس وإعطاءها شيئا من الراحة حتى تنشط في المستقبل وحتى تستريح بعض الراحة ، والنفس إذا جعلتها دائما في جد لا بد أن تمل وتسأم ، و هذا من الأمور الشرعية التي دل عليها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه). وهذا الحديث هو الميزان الحقيقي الذي تطمئن إليه النفس لا ما روي عن عمر ولا عن علي وغيرهما.
2- الحكمة الحقيقية من النهي عن التطوع المطلق في بعض الأوقات ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام : أن الشمس إذا طلعت فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار وكذلك إذا غربت يسجدون لها. فهم يسجدون لها استقبالا ، ويسجدون لها وداعا ، أما وقت الزوال فإنّ الحكمة فيه : أنه الوقت التي تسجر فيه جهنم فيلحق النفس من التعب في الحر لا سيما في أيام الصيف ما ينهى أن يصلي الإنسان فيه. وليس هذا القيل الذي قيل معارضا للحديث لكنه من جملة الحكمة ، والله أعلم.
37 – قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
1- لا بد إتقان العلم وضبطه ومحاولة الرسوخ في القلب ، لأن ذلك هو العلم ، ولا بد أن يكون على شيخ متقن والإتقان يكون في كل فن بحسبه ، قد نجد رجلا متقنا في الفرائض مثلا غير متقن في أحكام الصلاة ، ونجد رجلا متقنا في علوم العربية غير عارف بالعلوم الشرعية وآخر بالعكس ، فخذ من كل عالم ما يكون متقنا فيه ما لم يتضمن ذلك ضررا .
2- فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ، كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، و(صحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ،وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ ، وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
38- جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
1- جرد المطولات قد يكون فيه مصلحة للطالب وقد يكون فيه مضرة :
- فإذا كان الطالب مبتدئا ، فإن جرد المطولات له هلكة ، كرجل لا يحسن السباحة يرمي نفسه في البحر ، لو أن رجلا بدأ بالعلم من الآن ونقول له اذهب راجع المغني وراجع شرح المهذب وراجع الحاوي الكبير... وراجع كذا وعددت له من الكتب الموسعة. هذا معناه أنك أهلكته ، رميته في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج.
- وإن كان عند الإنسان العلم وأراد أن يتبحر ويتوسع فهنا نقول: عليك بالمطولات ، و من أجل أن يكسب فوق علمه الذي عنده ، فهذا قد يكون حسن.
2- أما كتابة «بلغ» فهذا طيب إنك إذا راجعت كتابا فاكتب عند المنتهى «بلغ» لتستفيد فائدتين:
الأولى : ألا تنسى ما قرأت ، لأن الإنسان ربما ينسى فلا يدري هل بلغ هذه الصفحة أم لا؟ وربما يفوته بعض الصفحات إذا ظن أنه قد تقدم في المطالعة.
والثانية : أن يعلم الآتي بعدك الذي يقرأ هذا الكتاب أنك قد أحصيته وأكملته فيثق به أكثر.
39- حسن السؤال :
1- من آداب طالب العلم :
أولا : أن يكون عنده حسن سؤال، حسن إلقاء مثل أن يقول : أحسن الله إليك ما تقول في كذا ، وإن لم يقل هذه العبارة فليكن قوله رقيقا بأدب.
الثاني : حسن الاستماع ، أما أن تقول : يا شيخ أحسن الله إليك ماذا تقول في كذا وكذا.. وانتظر.
الثالث : صحة الفهم للجواب ، وهذا أيضا يفوت بعض الطلبة ، تجده إذا سأل وأُجِيب يستحيي أن يقول ما فهمت.
2- من سوء أدب بعض الناس بعدما يستمع للجواب يقول : لكن قال الشيخ الفلاني كذا وكذا.. في وسط الحلقة. هذا ، معنى هذا أنك لم تقتنع بجوابه ، ومعنى هذا إثارة البلبلة بين العلماء.
وإن كان لا بد فيقول : قال قائل... ثم يورد ما قاله الشيخ فلان لأن أحدا لا يفهم إذا قال إن قال قائل أنه أراد بذلك جواب شيخ آخر.
أحسن منه أن تقول (فإن قال قائل) ، لأنك إذا قلت : ما رأيك في الفتوى بكذا- وهي خلاف ما أفتاك به- فيعني إنك تريد أن تعارض فتواه بفتوى آخر ، لكن هي أحسن من قولك : قال الشيخ الفلاني كذا.
3- وللعلم ست مراتب :
الأول : حسن السؤال ، إذا دعت الحاجة إليه أما إذا لم تدع الحاجة إليه فلا تلق السؤال، أو ظن أن غيره يحتاج إلى السؤال قد يكون مثلا هو فاهم الدرس ، ولكن فيه مسائل صعبة يحتاج إلى بيانها إلى بقية الطلبة ، بل من أجل حاجة غيره ، والسائل من أجل حاجة غيره كالمعلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. قال : «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».
الثاني : حسن الاتصال الانصات للاستماع.
الثالث : حسن الفهم.
الرابع : الحفظ ، وهذا الحفظ ينقسم إلى قسمين: قسم غريزي يهبه الله لمن يشاء ، فتجد الإنسان يمر عليه المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه ، وقسم آخر كسبي ، بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على الحفظ ويتذكر ما حفظ ، فإذا عود نفسه تذكر ما حفظ ، سهل عليه الحفظ.
الخامسة : التعليم ، والذي أرى أن تكون هي السادسة وأن العمل بالعلم قبل السادسة ، فيعمل بالعلم ليصلح نفسه قبل أن يبدأ بإصلاح غيره ثم بعد ذلك يعلم الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم :«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول». فالعمل به قبل تعليمه ، بلى قد تقول أن تعليمه من العمل به ، لأن من جملة العمل بالعلم أن تفعل ما أوجب الله عليك فيه من بثه ونشره.
40- المناظرة بلا مماراة :
1- المناظرة والمناقشة تشحذ الفهم وتعطي الإنسان قدرة على المجادلة. والمجادلة في الحق مأمور بها كما قال الله تعالى : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (سورة النحل: 125) ، فإذا تمرن الإنسان على المناظرة والمجادلة حصل على خير كثير ، وكم من إنسان جادل بالباطل فغلب صاحب الحق لعدم قدرته على المجادلة.
2- و المجادلة نوعان :
الأولى : مجادلة المماراة ، يماري بذلك السفهاء ويجادل الفقهاء ويريد أن ينتصر قولُه فهذه مذمومة ، ولهذا عندما سأل أهل العراق ابن عمر رضي الله عنهما عن دم البعوضة. وهل يجوز قتل البعوضة؟! قال : سبحان الله !! أهل العراق يقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتون يسألون عن دم البعوضة!! هذه مجادلة ولا شك ، فالمجادل الذي يريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان الحق ، وكان ظاهر الحق مع خصمه يورد إيرادات ، ومثل هذا عليه خطر أن لا يقبل قلبه الحق ، لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر ، لكن حتى في خلوته ، ربما يورد لشيطان عليه هذه الإيرادات.قال الله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) (سورة الأنعام:110).
والثاني : لإثبات الحق وإن كان عليه ، فهذه محمودة مأمور بها. وعلامة المجادلة الحقة أن الإنسان إذا بلغه الحق اقتنع وأعلن الرجوع إليه .