التلَقِّي عن الْمُبْتَدِعِ:
احْذَرْ أبا الْجَهْلِ[1] المبْتَدِعَ الذي مَسَّهُ زَيْغُ العَقيدةِ ؛ وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الْخُرافةِ ؛ يُحَكِّمُ الْهَوَى ويُسَمِّيهِ العَقْلَ[2] ، ويَعْدِلُ عن النَّصِّ[3] ، وهل العَقْلُ إلا في النصِّ ويَستمْسِكُ بالضعيفِ ويَبْعُدُ عن الصحيحِ[4] ويُقالُ لهم أيضًا أهلُ الشُّبُهَاتِ وأهلُ الأهواءِ ولذا كان ابنُ المبارَكِ رَحِمَه اللهُ تعالى يُسَمِّي المبتَدِعَةَ الأصاغِرَ فيا أيُّها الطالِبُ ! إذا كنتَ في السَّعةِ والاختيارِ ؛ فلا تَأْخُذْ عن مُبْتَدِعٍ[5] وكان من السلَفِ مَن لا يُصَلِّي على جَنازةِ مُبْتَدِعٍ[6] وقال أبي عثمانَ إسماعيلَ بنِ عبدِ الرحمنِ الصابونيِّ ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه[7] ومُعاشَرَةِ السُّنِّيِّ للمُبتدِعِ تَزكيةً له لدَى الْمُبْتَدِئِ والعامِّيِّ [8] والعامِّيُّ مُشْتَقٌّ من العَمَى ، فهو بِيَدِ مَن يَقودُه غالبًا[9] أمَّا الأَخْذُ عن عُلماءِ السنَّةِ فالْعَق العَسَلَ ولا تَسَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أبا الجهل يعني صاحب الجهل
[2] عقل لكنه عَقَلَهُم عن الهدى إلى اتباع الهوى
[3] لا يمكن لأي عقل صريح أي خالٍ من الشبهات والشهوات يخالف النقل الصريح , أبداً لكن العلة إما من النقل بحيث يكون غير صحيح , وإما من العقل بحيث يكون غير صريح أما مع صراحة العقل وصحة النقل فلا يمكن أن يوجد تعارض إطلاقا ولهذا ينعى الله سبحانه وتعالى عن المخالفين للرسل ينعى عليهم عقولهم , يقول : {أفلا يعقلون} {أفلا تعقلون} {لا يفقهون} وما أشبه ذلك
[4] وأكثر ما يكون هذا في الوعاظ والقصاص من أجل تهييج الناس ترغيبا أو ترهيبا
[5] لأن ذلك يوجب مفسدتين :
المفسدة الأولى :اغتراره بنفسه فيحسب أنه على حق .
والمفسدة الثانية :اغترار الناس به حيث يتوارد عليه طلاب العلم ويتلقون منه
[6] هذه على كل حال إذا كانت البدعة مكفرة فلا شك أن الصلاة عليه لا تجوز لقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنافقين : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا }فهذا لا يصلى عليه أما إذا كانت غير مكفرة , فهذا ينظر فيما يترتب على ترك الصلاة عليه من المفسدة أو عدمها فإذا كان أهل السنة أقوياء وكان أهل البدعة في عنفوان دعوتهم فلا شك أن ترك الصلاة عليهم أولى , لأنه أهل السنة أقوى منهم وهؤلاء في عنفوان دعوتهم ربما إذا تركنا الصلاة عليهم يحصل بذلك ردع عظيم لهم .
[7] لا شك أن هذا أمر واجب، على كل مسلم أن يبغض من أحدث في دين الله ما ليس منه , لكن إذا كانت بدعته غير مكفرة فإنه يبغض من وجه ويحب من وجه آخر , لكن بدعته تبغض بكل حال
[8] البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع وبغير ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه من عقيدة أو قول أو فعل ولا يضلل حتى تقوم عليه الحجة , ويبين له أن هذه بدعة , فإن أصر حينئذ قلنا إن الرجل فاسق أو كافر حسب ما تقتضيه هذه البدعة
[9] فالظاهر هذا أنها من العموم، ويدل على هذا أنها تقرن في بعض الأحيان بالخاصة هم الذين ينفون القدر أنهم جعلوا للحوادث محدثين الحوادث الكونية التي من فعل الله أحدثها الله عز وجل والحوادث التي تكون من فعل العبد استقل بها العبد ولهذا سموا مجوسا لأنهم كالمجوس الذين يقولون: إن للحوادث خالقين , النور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر