دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الصلاة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #7  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 07:02 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
الحديث الأول يتعلق بقضاء الفوائت، في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر بعدما دخل وقت المغرب، أي بعدما غربت الشمس، ويعتبر هذا قضاء، حيث قد خرج وقتها. وقد تقدم الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم:((ملأ الله قبورهم..أو بيوتهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى- صلاة العصر - حتى غابت الشمس))، وكان ذلك في غزوة الخندق عندما جاء المشركون وحاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة، وكانوا قد حفروا حولهم خندقًا، وهو حفر متسع لا يستطيع المشركون أن يتجاوزوه بخيولهم ولا برجالهم، قد أحاط بأهل المدينة وصاروا في وسطه، فلا يستطيع المشركون أن يصلوا إليهم، وإنما يتناولونهم بالسلاح من بعيد برمي أو نحوه.
وكان الذي أشار عليهم بهذا الخندق هو سلمان الفارسي، فسميت الوقعة أو الغزوة بغزوة الخندق، أو يوم الخندق، وفي هذا أنهم أخروا الصلاة لاشتغالهم بالقتال، وكان ذلك قبل أن يؤذن لهم في صلاة الخوف، ويمكن أن يكونوا لم يتفرغوا للصلاة واعتقدوا أن القتال سيتوقف قبل خروج الوقت فاستمروا في القتال، وإلا فقد رخص الله لهم في أن يصلوا صلاة الخوف في قوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} إلى آخر الآية، وسيأتي بعض صفتها. ورخص لهم بالصلاة رجالاً وركبانًا قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} يعني فصلوا على أرجلكم أو صلوا على ركائبكم، تومئون إيماء بالركوع وبالسجود، ولكن قد لا يتمكنوا، قد ينشغلون انشغالاً كليًا ويؤملون أن القتال ينفصل.
ففي هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه أخروا صلاة العصر حتى غربت الشمس، أما عمر رضي الله عنه فإنه صلاها قبيل الغروب، ولهذا جعل يسب الكفار، يسب المشركين ويقول في سبب سبهم:إنهم الذين انشغلنا بهم، فلم أصل العصر إلا بعد ما كادت الشمس تغرب، أي: قرب الغروب.
النبي صلى الله عليه وسلم أقسم بأنه ما صلاها قال:(( والله ما صليتها)) يعني إلى الآن، فتوضأ الصحابة في موضع يقالله: بطحان، من المدينة، وتوضئوا معه.. وتوضأ معهم وصلى العصر بعد الغروب أربع ركعات، صلاة عادية، وصلى المغرب بعدها.
وفي هذا دليل على تقديم الفائتة على الحاضرة، إذا كان الوقت متسعا، يقول العلماء: يجب الترتيب إلا إذا خشي فوت الوقت الحاضر، أما إذا كان الوقت واسعًا فإنها تقدم، تقدمالفائتة، فمثلاً لو فاتتك صلاة العشاء وصلاة الفجر وقمت قبل طلوع الشمس، بقي على طلوع الشمس قدر صلاة ركعتين، هل تقدم صلاة العشاء أو الفجر؟، تقدم الفجر؛ لأنك لو اشتغلت بصلاة العشاء طلعت الشمس، فقدم صلاة الفجر؛ لأنها الوقت وقتها، الوقت هو وقتها فقدمها ثم صل العشاء التي قد خرج وقتها بعد الطلوع؛ لأنها تعتبر قضاءً، سواء صليتها قبل طلوع الشمس أو بعدها، فهي مقضية. أما إذا كان في الإمكان أن تصلي الثنتين قبل الطلوع فقدم العشاء ؛ لأنها أقدم.
ومثل ذلك لو فاتتك الفجر والظهر والعصر، فاتتك الثلاث، وانتبهت لها قبيل غروب الشمس، إذا صليت الثلاث غربت الشمس قبل أن تكملها، فقدم صلاتي الجمع، قدم الظهر والعصر وصلهما، والفجر قد فات وقتها فتصليها قضاء.
أما في هذه الحالة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم العصر؛ لأن الوقت متسع، ثم صلى بعدها المغرب؛ لأنها لا تفوت، فرتب وجعل ذلك من باب التعليل لأمته في كيفية قضاء الصلاة، إذا فاتت أن الوقت يتسع للمَقضية وللحاضرة.
أما الحديث بعده فيتعلق بفضل صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة:هي الاجتماع في المساجد لأداء الصلوات المكتوبة التي هي الصلوات الخمس، وقد دل على ذلك أدلة من القرآن كقوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}، فإن هذا دليل على أن المعية تحصل لجماعة يصلون هذه الصلاة، يركعون لها ويسجدون. ومن الأدلة النداء لها في قوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}، فإنه دليل على أن النداء دعاء للناس أن هلموا إلى الصلاة.
ولهذا المؤذن يقول في صوته: حي على الصلاة، يعني هلموا، تعالوا إلى فعل الصلاة في هذا المكان، كذلك توعد الله الذين يدعون ولا يأتون في قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} قد كانوا يدعون يعني في الدنيا إلى السجود وهم سالمون، عوقبوا بأنهم أرادوا السجود في يوم القيامة فلم يستطيعوا، حيل بينهم وبينه، فهذا دليل على شرعية أداء هذه الصلوات في هذه المساجد.
وقد ذكر العلماء لهما حكمًا ومصالح، ولو لم يكن فيها اجتماع المصلين على الصلوات إلا التعارف وتفقد الأحوال، فأهل الحي يجتمعون في كل يوم خمس مرات، يرى بعضهم بعضًا ويسلم بعضهم على بعض، يسأل بعضهم عن حال الآخر، يتفقدون أحوال من افتقدوه ويعرفون من هو تقي ومن هو محافظ على العبادة، ومن ليس كذلك، فيعرفون أهل الخير ويشهدون لهم بالصلاح ويقولون: فلان صاحب عبادة، لا يفتقد من المساجد، يرى أن دائمًا مواظبًا على هذه الصلاة. نشهد له بالصلاح وبالخير.
هذا الاجتماع الذي يجتمعونه في كل يوم خمس مرات لأداء هذه الصلاة فيه هذا التعارف.
وفيه فائدة ثانية وهي النشاط في العبادة، وذلك بأن يؤديها بنشاط وبقوة لا بكسل وخمول، العادة أن الذي يصلي وحده يقوم إلى الصلاة كسل يتثاءب يتثاقل، لا يقوم إليها إلا بدفع كأنما يدفع إليها دفعًا، وكأنما أكره عليها، بخلاف ما إذا جاء إلى المسجد، فإنه يجد انشراحًا وقوة وانبساطًا ونشاطًا في البدن، ونشاطًا في القلب.
وفيها أيضًا مصلحة ثالثة وهي تعلم الجاهل، فإن هذا الإنسان قد يكون جاهلاً بأحكام الصلاة فيتعلمها بالفعل، وهو أبلغ من التعلم بالقول، التعلم بالقول الذي هو أن تقول: صفة الصلاة كذا: إذا قمت فكبر واجعل ركوعك أخفض من سجودك، واسجد على سبعة أعظم، هذا قد يعلمه الإنسان، ولكن يبقى عليه التصور، فإذا تعلم بالفعل بأن كبرَ مع الإمام وركع معه ورفع معه وسجد وجلس وتشهد أخذ التعلم فعلاً، فكان أبلغ.
وفيه أيضًا فائدة رابعة وهي سماعه لكلام الله وسماعه لما يؤتى به في هذه الصلاة، فإنه يسمع القرآن يتلى عليه في الصلوات الجهرية، ويسمع التكبير ويسمع التحميد ويسمع التسميع والتسليم، فيستفيد من هذا ويعرف الحكمة في شرعية هذهالأشياء، فيزداد بذلك معلومات وثقافات.
أما الفوائد الأخروية فهي كثيرة، منها كتابة خطواته، ثبت في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((وبكل خطوة إلى الصلاة صدقة)) وقوله: ((لم يخطُ خطوة إلا كتب اللهله بها حسنة أو حط بها عنه خطيئة أو رفع له بها درجة)) وهذا خير كثير يحرمه الذي يصلي وحده في بيته.
وفائدة أخرى وهي اكتساب الأعمال؛ وذلك لأنه إذا جاء إلى المسجد أدى راتبة أو تحية مسجد وهذا عمل خير، كذلك قرأ فيالقرآن إذا لم تكن الصلاة قد أقيمت، وهذا عمل خير، ويستفاد وسمع الفائدة وهذا عمل خير، فيؤجر على ذلك.
وفيه أيضًا فائدة ثالثة وهي أنه يحظى باستغفار الملائكة له، ثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم:((الملائكة تستغفر لأحدكم ما دام في مصلاه ما كانت الصلاة تحبسه،لا يمنعه أن ينصرف إلا الصلاة،تقول: اللهم اغفر له،اللهم ارحمه،اللهم صلِ عليه ))،وهذا الأجر كله يفوت الذي يصلي وحده، الذي يصلي في بيته لا يحظى بشيء من هذا الأجر.
الوجـه الثانـي
أما المضاعفة فسمعنا هذا الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) سبع وعشرون درجة، معناه أن الذي يصلي فذا يحصل له درجة واحدة، والذي يصلي مع الجماعة يحصل له سبع وعشرون أو ثمان وعشرون، يعني الدرجة التي يحصل عليها وزيادة سبع وعشرين، هذا خير كثير يحرمه الذي يصلي وحده، هذه الدرجات، لو أن إنسانًا مثلاً اشترى سلعة بثمانية وعشرين ثم باعها بدرهم واحد، يعني خسر فيها سبعة وعشرين، ماذا تكون حالته؟ يأكل يديه لهفا على أنه كيف خسر هذه الخسارة الفادحة، من ثمانية وعشرين إلى أن لم يحصل له إلا درهم واحد أو ريال واحد، خسارة فادحة، فكيف يفوت عليه هذا الخير الكثير؟! الأجر العظيم الذي رتبه النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته مع الجماعة؟!
قد استدل بهذا من صحح صلاته وحده، ولكن معلوم أنه حتى لو قلنا إن صلاته في بيته مجزئة أو مسقطة للفرض لكن أين هذه الأرباح؟ وأين هذه الفوائد؟ وأين هذه الخيرات التي يحصل عليها: المصالح الدنيوية والمصالح الأخروية، والأجر الذي يفوته والدرجات التي يحرمها. ولعله يأتينا بعد هذا في الدرس القادم إن شاء الله تكميل لهذا الموضوع. ونستمع إلى الأسئلة.
القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
ومما قاله المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه في: باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في الجماعة تضاعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)).
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
قد ذكرنا شيئًا من المصالح التي شرعت لأجلها صلاة الجماعة، وذلك أن هذه العبادة التي هي الصلاة أجل العبادات البدنية؛ لأنها صلة بين العبد وبين ربه، ومن حكمة الله أن أمر بها علنا، فشرع لها الأذان برفع الصوت الذي يطبق البلاد ويدوي في أطراف القرى ذكراً لله وتشهداً ونداء إلى الصلاة وإلى الفلاح وتهليلاً وتكبيرًا، وشرع لها الاجتماع، وشرع لها الجماعة التي تؤدى، تؤدى بحركات متوافقة بحيث تكون حركات الإمام تتبعها حركة المأمومين، وبحيث يجتمع أهل الحي في مسجد واحد موجهة قبلته إلى البيت الحرام، عليه العلامات التي يعرف بها، كالمحاريب والمنار ونحوها مما يكون علامة على الإسلام، وأن البلاد بلاد إسلامية، وأن هذه شعائر الإسلام، زيادة على أن في الاجتماع قوة ونشاط، وفي التخلف تكاسل وتثبط.
دليل ذلك، هذا الحديث في قوله عليه الصلاة والسلام: ((صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل في بيته وفي سوقه خمس وعشرين ضعفًا)) تقدم في الحديث الأول أنها تفضل بسبع وعشرين درجة، قد تكون الدرجة هي المنزلة التي هي رتب يصعد بها، المعنى أن الذي يصلي في بيته لا يصعد إلا درجة، والذي يصلي في المسجد مع الجماعة يصعد سبعًا وعشرين أو ثمانيًا وعشرين درجة، وذلك فضل كبير.
وأما المضاعفة فإنه أخبر بأنها تزيد عليها خمسًا وعشرين ضعفًا، أي صلاة الرجل مع الجماعة تزيد على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، يعني كأنه صلى ست وعشرين صلاة، والذي صلى وحده صلى صلاة واحدة، ومع ذلك فإنه لو أعادها لم يبلغ درجة الصلاة مع الجماعة التي ذكر فضلها.
قرأت في بعض الكتب أن رجلاً من الصالحين محافظ على الصلاة، لم تفته صلاة الجماعة في وقت من الأوقات، إلا أنه مرة نعس بعد المغرب ففاتته صلاة العشاء فانتبه وقد صلوا، فجاء إلى المسجد خاشعًا باكيًا خائفًا فصلى العشاء أربعًا ثم صلاها أربعًا، ثم أربعًا ثم أربعًا، حتى صلاها خمسًا وعشرين مرة، يريد بذلك أن يحصل له الأجر.
أخبر بعض العلماء فقال: فاتتك الدرجات وفاتتك الاستغفار الملائكة، وما أشبه ذلك بمعنى أنك ولو صليتها وكررتها لم تبلغ الدرجات التي يحصل بها من صلاها مع الجماعة، هذا دليل على حرص السلف أنه صلاها خمسًا وعشرين مرة في ليلة واحدة، من الذي يصبر على هذا كله، يعني أن يصلي العشاء التي هي أربع ركعات هذا العدد، يمكن أنه لم يفرغ إلا قرب صلاة الصبح، فالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث ذكر الأسباب: السبب الأول: الخروج من المنزل بنية صالحة، وهو قوله: ((لا يخرجه))، وفي رواية: ((لا ينهزه إلا الصلاة)) يعني إنما حركه إلى المسجد أداء هذه الصلاة، فهذا مميز وهو حسن النية، ما نهزه ولا دفعه ولا أخرجه إلى المسجد إلا الصلاة، ترك أشياء يلتذ بها، قد يكون البيت مثلاً دافئاً دفئاً، والطريق باردًا أو حارًا مثلاً، قد يكون مع أهله فيترك الأنس بأهله، قد يكون على فراش وطيء فيترك ذلك الفراش الوطيء ويذهب إلى المسجد؛ محبة للصلاة، قد يكون هذا المسجد بعيدًا فيصبر على البعد والمشقة، هذه ليست كأنها من الأسباب التي يضاعف بها.
السبب الثاني: الخطوات، الخطوات هذه مكتوبة مع حسن نية.
في هذا الحديث ((لم يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة))، ومن أجل هذا يستحب بعض العلماء أنك إذا ذهبت إلى المسجد تقارب الخطى؛ حتى تكثر، فلا تسرع ولا تمد الخطوات، بل تمشي بتؤدة وتأن، حتى قال في الحديث: ((إذا سمعتم النداء للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار))، أمر بأن يمشي الماشي متوجها إلى المسجد، وألا يركب وألا يسرع في مسيره، ولا يركض بل يمشي بتؤده وبسكينة وبوقار.
ولا شك أن هذا مما يسبب أو يدل على احترامه لهذه الصلاة وعظمتها في قلبه، وما ذاك إلا أنه يأتي إلى عبادة يجد فيها اللذة ويجد فيها الانبساط والسرور والبهجة، يأتي إلى عبادة يجد فيها أنه يريح قلبه ويريح بدنه، كما في الحديث: ((أرحنا بالصلاة))، ((جعلت قرة عيني في الصلاة)). فإذا كان كذلك أتى إليها بطمأنينة وبسكينة وبهيئة تدل على الاحترام وتدل على المحبة والهيبة لهذه العبادة.
وردت أدلة كثيرة في الخطوات، منها قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}يعني: ونكتب آثارهم ذهابا وإيابًا، ورد أيضًا في حديث عن جابر قال: كان رجل منزله بعيد لا أعلم أحداً أبعد منه، وكانت لا تخطئه صلاة، فقيل له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الرمضاء وفي الشتاء، فقال: ما أحب أن بيتي إلى جانب المسجد، إني أريد أن يكتب لي مجيئي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد كتب لك ذلك كله)).
فهذا يأتي راجلاً من مكان بعيد ويرجع راجلاً، امتنع أن يركب حمارًا واحتسب خطواته، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنك تكتب لك خطواتك إذا أتيت إلى المسجد، وتكتب لك خطواتك إذا رجعت إلى منزلك؛ لأنك أتيت لأجل عبادة ورجعت لأجل عبادة أو فارغًا من عبادة.
ولما أن بعض الصحابة احتقروا أعمالهم بالنسبة إلى أعمال الأغنياء أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمال تقوم مقام العتق وتقوم مقام الصدقات والتبرعات ونحوها، فقال لهم: ((إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وبكل خطوة إلى المسجد صدقة)) بكل خطوة، جعل في الخطوة صدقة، فهذه أدلة تدل على أن خطواتك إلى المسجد تكتب حسنات، هذا مما تضاعف به صلاتك في الجماعة على صلاتك وحدك.
السبب الثالث: أنك إذا صليت وبقيت في مصلاك بعدما تفرغ مشتغلاً بالذكر حظيت بشيء آخر، وهو دعاء الملائكة، الملائكة تصلي عليك: اللهم صل عليه، يعني اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وصلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. ودعاء الملائكة واستغفارهم خاص بأهل الإيمان، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
إذن إذا استغفرت لك الملائكة بقولهم: اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فأنت من المؤمنين على نص هذه الآية {ويستغفرون للذين آمنوا} فهذا سبب.
السبب الرابع: أن المصلي في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، فلو تقدم قبل الأذان مثلاً بساعة أو نحوها وجلس ينتظر الصلاة فهو في حكم المصلي، وكذلك إذا أتى بعد الأذان واشتغل بعبادة فإنه يكتب كأنه يصلي، حتى في طريقه ورد في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((إذا أتى أحدكم إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه؛ فإنه في صلاة))، فجعله في حكم المصلي، ما دام أن ما جاء به ولا دفعه إلا الصلاة، فهذا دليل واضح على أن هذه الأعمال تكون سببًا في مضاعفة العمل من واحد إلى خمس وعشرين ضعفًا، هذه أسباب مضاعفة صلاة الجماعة.
أما الحديث بعده فيتعلق أيضًا بصلاة الجماعة، قال صلى الله عليه وسلم: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا)).
المنافق: هوالذي هو الذي يخالط المسلمين وهو ليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن، قلبه يضمر الكفر ويبغض الإيمان، أو هو مؤمن في الظاهر وليس بمؤمن في الباطن.
المنافقون هم الذين إذا لقوا المؤمنين ادعوا أنهم معهم، ولكنهم أعداء لهم في الباطن، وهم الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}، في آيات كثيرة يذكر فيها الله تعالى مساوئهم وأعمالهم السيئة، فهؤلاء المنافقون تثقل عليهم الصلوات، يصلون مع الناس ولكن رياء وسمعة، ليس الدافع لهم الإيمان، ليس الدافع لهم طلب الثواب ولا طلب الأجر في الآخرة، ليسوا مصدقين في الحقيقة إلا بالجزاء الأوفى، إنما يصلون.. إنما يظهرون الإيمان ليحقنوا بذلك دماءهم ويحفظوا بذلك أموالهم؛ لأنهم لو أظهروا الكفر لقتلوا، فلذلك ثقلت عليهم الصلوات الثقيلة التي تثقل على النفوس.
فصلاة الليل كصلاة العشاء وصلاة الفجر تقع في ليل وتقع في ظلمة وتقع في وقت راحة، فهي ثقيلة عليهم، فلا يأتونها إلا كسالا، وربما لا يأتونها، يأتون الصلوات جنس الصلوات كسالا كما في قوله تعالى: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالاَ}.
أما صلاة العشاء فإنها ثقيلة عليهم؛ لكونها تقع في ظلمة، كذلك صلاة الفجر أيضا تقع في وقت نوم وفي وقت راحة، فهي ثقيلة عليهم، ولكنها ليست ثقيلة على المؤمنين بل هي كلها محبوبة وخفيفة عليهم (بقية الكلام بعد الأذان).
ويخبر في هذا الحديث أنهم لو يعلمون ما فيهما، أي من الأجر، لأتوهما ولو حبوا، أي ولو حبوا على الركب والأيدي، لأتوهما يحبون كما يحبو الطفل، ولا شك أن فضلهما والأجر المرتب عليهما أجر عظيم، وكذلك بقية الصلوات، لا شك أن الصلوات كلها فيها أجر وفي المحافظة عليها، ولكن في هاتين الصلاتين العشاء والفجر زيادة فضل وزيادة أجر، حيث أن فعلهما فيه مشقة على النفس، والعمل كلما كان شاقًا كان الأجر عليه أعظم.
في هذه الأزمنة ابتلي الناس بالتأخر عن بعض الصلوات، وبالأخص صلاة الصبح، كثير من الناس يحافظون على الصلوات الخمس ولكن صلاة الفجر يتأخرون عنها، بحيث أن المسجد الذي يصلي فيه أربعة صفوف لا يحضر في الفجر إلا صفا أو صفان، لا شك أن هذا عدم احتساب لهذه الصلاة وقلة معرفة بقدرها وبأجرها، وبما فيها من الثواب، أو تقديم لشهوات النفس على العبادات التي هي حق الله تعالى، قد يتعللون بالنوم أو بعدم الانتباه أو نحو ذلك.
ونحن نقول: عليك أولاً ألا تسهر طوال ليلك أو أكثر ليلك، بل تنام مبكرًا بعدما تصلي العشاء أو بعد العشاء بساعة أو نحوها، أدي هذه السنة ثم بعد ذلك تنام مبكرًا وتستيقظ مبكرًا؛ حتى تصلي وردك آخر الليل أو على الأقل حتى تؤدي صلاة الفجر مع الجماعة.
عليك ثانيا: أن تكون منتبها للصلاة ومهتما بها ومشتغلاً بها قلبك، الإنسان كلما اهتم من شيء فإنه يستعد له أتم استعداد، فإنه إذا أعطى موعدًا محددًا لم يستطع التأخر عنه سواء زيارة أو استزارة أو نحو ذلك. نشاهد مثلا في هذه الأيام أن الناس صاروا ينتبهون مبكرين لأجل الدراسة ولأجل تدريس أولادهم ونحو ذلك، ونشاهد أنهم يكثرون عند بائعي الخبوز أو نحوها، ويشاهد أو يرى كثير من الذين لم يحضروا الصلاة مع الجماعة، ومع ذلك يوجدون مبكرين عند بائعي الخبوز أو في البقالات ونحوها. لا شك أن هذا لأن الذي دفعهم إلى الاستيقاظ والانتباه هو الدراسة أو مقدماتها، وما أشبه ذلك.
إذن فالإنسان إذا اهتم بالصلاة استطاع أن ينتبه لها وأن يستيقظ في وقتها المحدد لها، أما إذا لم يكن مهتمًا ولم يكن ولم يكن منتبها ولم في قلبه دافع فإن النوم يغلبه، ولو نام عشر ساعات أو ثماني ساعات.
وهناك سبب ثالث قد يكون أيضًا معينًا لك، وهو أن توكل من ينبهك إما أهلك وإما جيرانك ونحوهم، يقرع عليك بابا أو يضرب عليك جرسًا أو يتصل بك هاتفيًا أو نحو ذلك، أو تجعل عندك ساعة منبهة ذات جرس، أو نحو ذلك.
فلا شك أن هذه مساعدات، ولو أن الناس استعملوها وعملوا بها لما فاتتهم هذه الصلاة، لما حصل عندهم هذا التأخر والتكاسل.
في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد المتخلفين، سواء في صلاة الصبح أو في غيرها، توعدهم بـأن يحرقهم بالنار في قوله في هذا الحديث: ((ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى أناس لا يشهدون الصلاة))، في رواية أبي داود: ((يصلون في بيوتهم، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))، همّ بالإحراق، أليس الإحراق تعذيبًا؟ أليس الإحراق قتلاً؟ لا شك أنه سيقتلهم بذلك، ما السبب الذي دفعه إلى أن يذهب إليهم بهذه الحزم من الحطب ويحرق عليهم بيوتهم؟ لم يذكر لهم ذنبًا إلا أنهم يصلون في بيوتهم، أو أنهم لا يصلون معنا، لا يصلون في الجماعة، إذن فهم مستحقون لهذا.
في بعض الروايات أنه ذكر المانع فقال: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأحرقتها عليهم)) اعتذر عن الفعل بأن في البيوت من لا تجب عليهم الجماعة، في البيوت أطفال لم يكلفوا، في البيوت نساء ليس عليهن صلاة جماعة، فإحراقهم قد يكون إحراقًا لمن لا يستحق هذا الإحراق، أو إحراقًا للمتاع وللمال الذي لا ذنب له، فمنعه ذلك، ولم يقتلهم ولم يقاتلهم لأجل أنهم لم يعملوا عملاً ظاهرًا، أو لا يفعل ذلك بهم لكون عملهم قد يكون خفيًا، فهمّ بأن يحرق عليهم بيوتهم وقت الصلاة، الوقت الذي يشتغل فيه المصلون يحرقه عليهم، فإذا قالوا: لماذا السبب؟ قال: لأنكم لم تصلوا، الجماعة يصلون في المساجد وأنتم جالسون في بيوتكم، تستحقون أن تحرق عليكم، ما منعه إلا أن في البيوت من لا يستحق الإحراق.
لا شك أن هذا الفعل دليل على أهمية هذه الصلاة، ودليل على وجوب أداء الجماعة، أداء الصلاة مع الجماعة، ولو كان فعلها في البيوت كافيًا لما هم بالإحراق، ولا يهمّ عليه الصلاة والسلام إلا بشيء هو حق، لا يهم بأمر إلا وهو حق، لا يهم بباطل.
... لا شك أن هذا الفعل دليل على أهمية هذه الصلاة، ودليل على وجوب أداء الصلاة مع الجماعة، ولو كان فعلها في البيوت كافياً لما هم بالإحراق، ولا يهم عليه الصلاة والسلام إلا بشيء هو حق، لا يهم بأمر إلا وهو حق، لا يهم بباطل، فلأجل هذا الحديث ذهب العلماء -يعني الموثقون- إلى أن صلاة الجماعة فرض على كل مكلف، على الرجال المكلفين، ويستثنى من ذلك النساء والصبيان، فلا تجب عليهم صلاة الجماعة.
ويعرف من ذلك أن من تركها أو تخلى عنها فإنه مذنب، يعتبر قد ارتكب ذنبًا، ولو أنه مثلاً ولو أنه أسقط الواجب، ولكن لا يمنع أن يكون الفعل واجبًا، وأن يثاب على فعله حيناً ويعاقب على فعله، فتكون صلاته في بيته يحصل منها على درجة أو على ضعف الواحد وتفوته المضاعفات الكثيرة، ويحصل على العقاب، يستحق العقاب على تركه لصلاة الجماعة، فيثاب من جهة ويعاقب من جهة.هذا هو السبب في أنه عليه الصلاة والسلام هم بتحريقهم لأجل هذا الأمر.
وبكل حال فإن صلاة الجماعة عند جمهور العلماء أو المحققين منهم فرض على الأعيان، كل من ليسله عذر، ودليل ذلك الحديث الصحيح الذي يقول فيه: ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر))، وفسر العذر بأنه خوف أو مطر أو مرض، يعني الأعذار العائقة المانعة عن الإتيان إلى المساجد، فإذا لم يكن للإنسان عذر وصلى في بيته فإنه وإن أسقطت تلك الصلاة عنه فرض الصلاة، ولكن يستحق العقاب على التخلف، حيث ترك ما هو مأمور به ، وترك المحافظة على هذه الصلاة ، زيادة على ما يفوته ، على ما يفوته من الحسنات ومن المضاعفات ونحو ذلك، زيادة على ما يفوته من الحكم والمصالح التي شرعت لأجلها الجماعة.
فنحث كل مسلم على أن يكون مهتمًا بأداء الصلاة في المساجد حيث ينادى لها، كما حث على ذلك ابن مسعود رضي الله عنه في قول علي رضي الله عنه: "إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى - يعني هذه الصلوات حيث ينادى لها - ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنةنبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، وإنه ليؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" هذه حالة الصحابة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، أنه لا يتخلف عنها إلا المنافق الذي عرفوا أنه منافق، وأن المريض يتكلف، يؤتى به يعضد له بين رجلين، كل ذلك محبة لأداء الصلاة مع الجماعة. فعلى كل مسلم أن يكون مهتمًا بأداء هذه الجماعة، وأن يحرض أولاده وإخوته وجيرانه على أداء صلاة الجماعة؛ ليحصل على الفضل ويسلم من الإثم.
القارئ: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن، فقال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبًا ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن. وفي لفظ: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء.
وفي لفظ: فأما المغرب والعشاء والفجر والجمعة ففي بيته.
وفي لفظ أن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر.
وفي لفظ لمسلم: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها.
الشيخ: الحديث الأول يتعلق بصلاة النساء في المساجد، وكان نساء ٌيصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم حرصًا على الاقتداء به، وحرصًا على مضاعفة الصلاة، وحرصًا على الصلاة في المسجد، ولكن كن محتشمات في غاية التستر، ذكرت عائشة قالت: كان نساء يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم متلففات بمروطهن، فينصرفن لا يعرفهن أحد من الغلس. وكونها متلففة أي مرتدية بردائها، بحيث أنها تخرج متسترة غاية التستر.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإذن لها في هذا الحديث: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها))، وفي الرواية الثانية: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) إماء الله: جمع أمة،الأمة: المملوكة، أي أنهن ملك لله كما أنكم ملكه، أنتم عبيد الله وهن إماء الله، كما أنكم تعبدون الله وأنتم مماليك له فكذلك نساؤكم يعبدن الله وهن مماليك له، وكما أنكم ترغبون في الخير وتحبون مضاعفة الأجر فهن كذلك يرغبن مضاعفته.
وقد كان نساء يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تحضر المرأة ومعها طفلها، فثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إني لأكبر في الصلاة أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأوجز في صلاتي كراهة أن أشق على أمه)).
يدل على أن أمه قد كبرت في الصلاة، وأنها لا تتفرغ له حتى تقضي من صلاتها، ولو بكى ولو صرخ فهو عليه الصلاة والسلام يراعي شفقتها ويخفف الصلاة التي كان يريد إطالتها، ولكن ثبت أيضًا أنه حث النساء على البعد من الرجال، والرجال على البعد من النساء في قوله عليه الصلاة السلام: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها))، يعني أن آخرها أقرب إلى النساء، فهو شرها((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) لما كان أولها قريبًا من الرجال، قد يتصل بصفوف الرجال، أو قد يراه المتأخرون من الرجال كان شرها، وكان خيرها آخرها لكونه بعيدًا عن الرجال.
وقد ذكرنا أنه هذا فيما إذا كان النساء متصلة صفوفهن بصفوف الرجال، يعني ليس بينهن شيء من الحواجز، فمثل هذا يكون صفوف النساء آخرها خيرها، أما إذا كان بينهن حاجز منيع كما في هذه الأزمنة ويستمعن الصلاة بواسطة المكبر ولو كن بعيدًا، فنرى أن صفوفهن كصفوف الرجال، يعني أن أولها خيرها لعدم الاختلاط.
في هذا الحديث أن ولد عبد الله بن عمر كأنه حملته الغيرة على نسائه، فهم بأن يمنع امرأته أو يمنع نسائه عن المسجد، وكأنه رأى أن خروج النساء فتنة فقال: والله لنمعنهن. ولما تكلم كلامًا بدون تأدب يظهر منه الاعتراض على الحديث، غضب والده وسبه على هذا الاعتراض، كيف يعترض على قول النبي صلى الله عليه وسلم اعتراضًا بدون مقدمات، معلوم أنه رحمه الله إنما حملته الغيرة.
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت بنو إسرائيل". كما منعت نساء بني إسرائيل، ذكرت عائشة أن النساء في زمنها أحدثن أشياء تستحق المرأة أن تمنع، وكأنها رأت شيئًا من التجمل ومن اللباس ومن التعطر الذي قد يخشى منه الفتنة؛ وذلك لأن من النساء خروجهن فتنة، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:((إنكن تفتن الحي وتؤذين الميت)) فخروجها إذا كان في زمن قد استتب فيه الأمن وقد عرف الناس فيه الحق وعملوا به، ولم يكن هناك شيء من الخوف، وكان الناس على جانب متين من الديانة، وكان الرجال معهم الورع ومعهم الخوف من الله تعالى، والنساء معهن الاحتشام والتستر والبعد عن الاحتكاك بالرجال، والبعد عن الفتنة وأسباب الفتنة من التعطر والتجمل والتكشف والتطيب وما أشبه ذلك، إذا كان ذلك كذلك فإنها تخرج.
فأما إذا تغيرت الحال كما ذكرت عائشة فإن الأولى أن تجلس في بيتها، كما نص على ذلك العلماء، وكما ورد في بعض الأحاديث، في حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال:((صلاة المرأة في سوقها أفضل من صلاتها في مسجد)) أو قال:((صلاتها في مسجد حيها أفضل من صلاتها في المسجد الكبير الجامع، وصلاتها في سوقها أفضل من صلاتها في مسجد حيها, وصلاتها في رحبة دارها أفضل من صلاتها في مسجد الحي، وصلاتها في أقصى حجرتها أفضل من صلاتها في رحبة بيتها)).
فكانت تلك المرأة تتحرى أظلم مكان في بيتها فتصلي فيه، ولو أنها متسترة. ولما أنه عليه الصلاة والسلام أذن للنساء في الخروج في المسجد اشترط التبذل فقال: ((وليخرجن تفلات))، إذا خرجن إلى المساجد فليخرجن تفلات، والتفلة هي غير المتبرجة، يعني تخرج بثياب بذلة لا بثياب زينة ولا بثياب جمال ولا بشيء يلفت الأنظار، ولا تتعطر ولا تتخضب ولا تتطيب، ولا يكون معها شيء مما يكون لافتًا للأنظار، لأنظار الناس إليها، وألا تكون مثلاً شابة في غاية الشباب، مما يفتتن به الرجال، وألا تقترب من صفوف أو من مزاحم الرجال.
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا انصرف من الصلاة مكث قليلاً قبل الانصراف بوجهه حتى لا ينصرف الرجال مع النساء، بل يمهل حتى يخرج النساء ويتمادين في المسير، ولا يحصل بذلك احتكاك ولا ازدحام عند الأبواب، هذا هو السبب.
فعرفنا بذلك أن ابن عمر رضي الله عنه روى الحديث على ظاهره، وأن ولده بلالاً لم يعترض إلا لمارأى من المخاوف،أو لما خافه من المفسدة وإلا فهو أجلمن أن يعترض على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد روي أن عمر رضي الله عنه كان له امرأة محتشمة، وكانت تحب أن تصلي في المسجد فطلبت منه أن يأذن لها, ولكنه نصحها وقال: صلاتك في بيتك أفضل فقالت: أحب الصلاة في المسجد ومع الجماعة، فلم يستطع أن يمنعها وقد سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)).
ثم إنه احتال حيلة تسبب توقفها، فلما علم أنها ستخرج في وقت العشاء وقف لها في الطريق في مكان مظلم مختفيًا في زاوية من الزوايا، فلما مرت به وعرفها جاءها من خلفها وضربها بيده على عجيزتها، وهرب كأنه يريد السوء ، فلما فعل ذلك وهي لم تعرفه رجعت إلى بيتها وبقيت، سألها بعد ذلك وقال: لماذا لا تخرجين إلى المسجد؟ فقالت:كنا نخرج والناس ناس، فأما الآن فإن في الناس ذئاب، أو كما قال.
فهذه حيلة منه رضي الله عنه، دليل على أنه هو صاحب الغيرة، يخشى أنها قد تعترض وإن كانت عفيفة لبعض الفتن، إما أنتفتتن وإما أن يفتتن بها، وإن كان ذلك مأمونًا في ذلك الزمان.
وبكل حال فإن خروج النساء إلى المساجد إذا كن في غاية من التستر والتبذل والاحتشام فلا بأس بذلك، ولكن بيوتهن خير لهن سيما في الأزمنة المتأخرة، سيما والنساء قد أحدثنَ أكثر مما ذكرت عائشة في قولها:"لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل".
ننتقل إلى الحديث الذي بعده، يتعلق بالسنن الرواتب، وتسمى أيضًا صلاة التطوع، في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على عشر ركعات تسمى الرواتب، قبلية وبعدية، ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، هذه الرواتب كان يحافظ عليها طوال وقته، إلا إذا سافر فإنه كان يترخص بتركها، إلا سنة الفجر.
لا شك أن هذه السنن أنها نوافل وعبادة من جنس الصلاة، والصلاة من أفضل ما يتقرب به العبد، من أفضل ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، فلما كانت من أفضل القربات شرع أن يتنفل، شرع أن يأتي بزيادة على الفرائض، وأهم ذلك وأفضله ما كان قبل الفريضة أو بعدها، في وقتها أو في موضعها، فإن ذلك مما يسهل ومما يهون، حيث أنك تتوضأ للظهر وتصلي سنتها القبلية وتصلي سنتها البعدية بذلك الوضوء،ولا يكون عليك مشقة،وهكذا تصلي سنة المغرب بعده وسنة العشاء بعده ولا يكون عليك بذلك مشقة، وهكذا أيضًا سنة الفجر تصليها بوضوئه، وضوء واحديكفي لذلك، فلا يكون عليك مشقة.
وقد روي في الحكمة فيها أنها جبر للنقص الذي يحصل في الفرائض، في بعض الأحاديث أن أول ما ينظر فيه من أعمال العبد صلاته، فإذا لم يكملها قال الله: ((انظروا هل لعبدي من تطوع، فتكمل به الفريضة)) فإذا كان الفريضة فيها شيء من النقص وفيها شيء من الخلل فإن الله يكملها بهذه السنن التي أنت تتطوع بها، وإذا كانت الفريضة كاملة فإن هذه السنن تكون قربات،قربات يرفع الله بها العبد درجات ويثيبه عليها حسنات، وما أعظم ذلك من أ جر، فعلى المسلم ألا يحرم نفسه هذا الأجر، عليه أن يكثر من النوافل، من صلاة هذه العبادات.
أهم هذه الصلوات التي تسمى الرواتب، أهمها سنة الفجر، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها ويتعاهدها في سفره وفي حضره كما في حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم: ((لم يكن على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على سنة الفجر)) أو على ركعتي الفجر، يعني أنه يحافظ عليها أشد المحافظة.
وقد روي عنه عليه السلام أنه قال: ((صلوهما ولو طردتكم الخيل)) يعني ولو كنتم في حال المسايفة، ولو كنتم في حال القتال، لا تفوتوا هاتين الركعتين اللتين هما سنة الفجر، ولعل سبب المحافظة أن صلاة الفجر إنما هي ركعتان، فلما كان عددها قليلاً تأكد أن يضاف إليها ركعتان قبلها كسنة ليكون ذلك جبرًا لنقصها، هكذا قالوا، وقيل: لأنها بعيدة عن الصلوات قبلها، مثلاً تسع ساعات لا صلاة فيها، وبعدها ثمان أو سبع ساعات لا صلاة فيها، يعني ما بينها وبين الظهر وما بينها وبين العشاء، فكان من المؤكد أن يصلي معها نافلة؛ ليكون عمل في هذا الوقت صلاة تطوعًا وصلاة فرض.
ومن فضلها هذا الحديث الذي يقول فيه: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) أي ثوابها خير من أن تحصل لك الدنيا بحذافيرها، معلوم أن الدنيا وما فيها متاع قليل يذهب عنه الإنسان ويبقى عليه حسابه، وأما عمل الآخرة فإنه يثاب عليه، فذرة من ذرات الآخرة خير من متاع الدنيا بأكمله.
وبكل حال فإنه عليه الصلاة والسلام حافظ عليها في سفره ولم يتركها، فضلاً عن الحضر، فدل ذلك على آكديتها.
وهاتان الركعتان لهما أحكام كثيرة قد أفردت بالتأليف، أفردها بعض المؤلفين في كتاب مستقل مما يدل على كثرة الأحكام التي تتعلق بها، في كيفيتها وفي تخفيفها والحكمة في ذلك، وفي قضائها، متى تقضى إذا فاتت؟ وما أشبه ذلك مما هو معروف مشهور.
أما بقية النوافل التي هي الرواتب فيسن أيضًا المحافظة عليها، وورد أيضًا أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي أربعًا قبل الظهر، فعلى هذا تكون ثنتي عشرة: أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر، فتكون ثنتاعشرة، هاتان ثنتاعشرة، يضاف إليهما أنه عليه والسلام كان يوتر بإحدى عشرة، إحدى عشرة وثنتى عشرة هذه ثلاث وعشرون، يضاف إليها سبعة عشر التي هي الفرائض، فتكون أربعين، ورد في بعض الآثار: من ضرب الباب أربعين مرة يوشك أن يفتحله، إذا كنت تحافظ كل يوم على أربعين ركعة فإن ذلك حري أن تقبل منك، كل يوم يصعد لك أربعون ركعة. الوتر الذي كان يوتره عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة ركعة، يعني تهجده بالليل، فيضاف إلى ذلك بقية الصلوات، فيتم العدد أربعين ركعة.
وإذا صعب عليك قيام التهجد وزدت في الركعات بقدر ما يتمه، يعني صليت مثلاً قبل الظهر أربعًا وبعدها أربعة وقبل العصر أربع ركعات، وقبل المغرب ركعتين، وقبل العشاء ركعتين تم بذلك قريب من الأربعين، مع الوتر ثلاث، فتكون بذلك قد أضفت زيادات، وذلك خير كثير، وقد كان كثيرمن العلماء ومن العباد يضيفون إلى ذلك عشرين ركعة زيادة على ثنتي عشرة.
وكل ذلك من العمل المبرور، فالإنسان عليه ألا يمل من الخير، فإن العبادة محبوبة عند الله وإن أفضل العبادة الصلاة, وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام أوصى بعض أصحابه بقوله لما قال: أسألك مرافقتك قي الجنة فقال: ((أو غير ذلك؟)) قال: هو ذاك قال:((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) يعني بكثرة الصلوات التي هي من التطوعات.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, فضل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir