وأما أنواع المعتدات: فهن على سبيل الإجمال ست:
الحامل. والمتوفى عنها زوجها من غير حمل منه. والحائل التي تحيض وقد فورقت في الحياة. والحائل التي لا تحيض لصغر أو إياس وهي مفارقة في
الحياة. ومن ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه. وامرأة المفقود.
وهاك بيان ذلك على التفصيل.
فالحامل تعتد بوضع الحمل؛ سواء كانت مفارقة في الحياة أو بالموت؛ لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُن}؛ فدلت الآية الكريمة على أن عدة الحامل تنتهي بوضع حملها، سواء كانت متوفى عنها أو مفارقة في الحياة، وذهب بعض السلف إلى أن الحامل المتوفى عنها تعتد بأبعد الأجلين، لكن حصل الاتفاق بعد ذلك على انقضاء عدتها بوضع الحمل.
لكن ليس كل حمل تنقضي بوضعه العدة، وإنما المراد الحمل الذي قد تبين فيه خلق إنسان، فأما لو ألقت مضغة لم تتبين فيها الخلقة؛ فإنها لا تنقضي بها العدة.
وكذلك يشترط لانقضاء العدة بوضع الحمل أن يلحق هذا الحمل بالزوج المفارق، فإن لم يلحق هذا الحمل بالزوج المفارق؛ لكون هذا الزوج لا يولد لمثله لصغره أو لمانع خلقي، أو تكون قد ولدته لدون ستة أشهر منذ عقد عليها وأمكن اجتماعه بها وعاش هذا المولود؛ فإنها لا تنقضي عدتها به منه؛ لعدم لحوقه به.
وأقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً}، مع قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، فإذا أسقطنا مدة الرضاع وهي: حولان، أي: أربعة وعشرون شهرًا من ثلاثين شهراً؛ يبقى ستة أشهر، وهي أقل مدة الحمل، وما دونها لم يوجد من يعيش لدونها.
وأما أكثر مدة الحمل؛ فموضع خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه يرجع فيه إلى الوجود؛ قال الموفق ابن قدامة: "ما لا نص فيه، يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد لخمس سنين وأكثر".
وغالب مدة الحمل تسعة أشهر؛ لأن غالب النساء يلدن فيها؛ فاعتبر ذلك.
هذا وللحمل حرمة في الشريعة الإسلامية؛ فلا يجوز الاعتداء عليه والإضرار به وإذا سقط ميتا بعدما نفخت فيه الروح بسبب الجناية عليه؛ وجبت فيه الدية والكفارة وإذا وجب على الحامل حد شرعي من جلد أو رجم؛ أخر تنفيذ الحد على أمه حتى تلد، ولا يجوز لأمه أن تسقطه بشرب دواء ونحوه.
كل ذلك مما يدل على شمول هذه الشريعة، وأنها تراعي حتى الأجنة في البطون، وتجعل لهم حرمة؛ فالحمد لله رب العالمين على هذه الشريعة الكاملة العادلة، ونسأله أن يرزقنا التمسك بها والعمل بأحكامها؛ مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
[الملخص الفقهي:420-421]