إن الله سبحانه وتعالى قد شرع التطهر للصلاة من الحدثين الأصغر والأكبر بالماء الذي أنزله الله لنا طهورًا، وهذا واجب لابد منه مع الإمكان، لكن قد تعرض حالات يكون الماء فيها معدوما، أو في حكم المعدوم، أو موجودًا، لكن يتعذر استعماله لعذر من الأعذار الشرعية، وهنا قد جعل الله ما ينوب عنه، وهو التيمم بالتراب؛ تيسيرًا على الخلق، ورفعا للحرج.
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
والتيمم في اللغة: القصد.
والتيمم في الشرع: هو مسح الوجه واليدين بصعيد على وجه مخصوص.
وكما هو ثابت في القرآن الكريم؛ فهو ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة، وهو فضيلة لهذه الأمة المحمدية، اختصها الله به، ولم يجعله طهورًا لغيرها؛ توسعة عليها، وإحسانا منه إليها.
ففي "الصحيحين" وغيرهما: قال صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة؛ فليصل"، وفي لفظ: "فعنده مسجده وطهوره" .
فالتيمم بدل طهارة الماء عند العجز عنه شرعا، يفعل بالتطهر به كل ما يفعل بالتطهر بالماء من الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغير ذلك، فإن الله جعل التيمم مطهرًا كما جعل الماء مطهرًا، قال عليه الصلاة والسلام: "وجعلت تربتها" يعني: الأرض "لنا طهورًا...".
وينوب التيمم عن الماء في أحوال هي:
أولاً: إذا عدم الماء: لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، سواء عدمه في الحضر أو السفر، وطلبه، ولم يجده.
ثانيا: إذا كان معه ماء يحتاجه لشرب وطبخ، فلو تطهر منه؛ لأضر حاجته؛ بحيث يخاف العطش على نفسه، أو عطش غيره من آدمي أو بهيمة محترمين.
ثالثا: إذا خاف باستعمال الماء الضرر في بدنه بمرض أو تأخر برء؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} الآية.
رابعا: إذا عجز عن استعمال الماء، لمرض لا يستطيع معه الحركة، وليس عنده من يوضئه، وخاف خروج الوقت.
خامسا: إذا خاف بردًا باستعمال الماء ولم يجد ما يسخنه به؛ تيمم وصلى؛ لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم}؛ ففي تلك الأحوال يتيمم ويصلي.
وإن وجد ماء يكفي بعض طهره؛ استعمله فيما يمكنه من أعضائه أو بدنه، وتيمم عن الباقي الذي قصر عنه الماء؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}.
وإن كان به جرح يتضرر بغسله أو مسحه بالماء؛ تيمم له، وغسل الباقي لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم}.
وإن كان جرحه لا يتضرر بالمسح؛ مسح الضماد الذي فوقه بالماء، وكفاه المسح عن التيمم.
ويجوز التيمم بما على وجه الأرض من تراب وسبخه ورمل وغيره، هذا هو الصحيح من قولي العلماء؛ لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}، وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أدركتهم الصلاة؛ تيمموا بالأرض التي يصلون عليها، ترابا أو غيره، ولم يكونوا يحملون معهم التراب.
وصفة التيمم:
أن يضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع، ثم يمسح وجهه بباطن أصابعه، ويمسح كفيه براحتيه، ويعمم الوجه والكفين بالمسح، وإن مسح بضربتين إحداهما يمسح بها وجهه والثانية يمسح بها بدنه؛ جاز، لكن الصفة الأولى هي الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويبطل التيمم عن حدث أصغر بمبطلات الوضوء وعن حدث أكبر بموجبات الغسل من جنابة وحيض ونفاس؛ لأن البدل له حكم المبدل، ويبطل التيمم أيضا بوجود الماء إن كان التيمم لعدمه، وبزوال العذر الذي من أجله شرع التيمم من مرض ونحوه.
ومن عدم الماء والتراب أو وصل إلى حال لا يستطيع معه لمس البشرة بماء ولا تراب؛ فإنه يصلي على حسب حاله؛ بلا وضوء ولا تيمم؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يعيد هذه الصلاة؛ لأنه أتى بما أمر به؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر؛ فأتوا منه ما استطعتم" .
هذه جملة من أحكام التيمم سقناها لك، فإن أشكل عليك شيء منها أو من غيرها؛ فعليك أن تسأل أهل العلم، ولا تتساهل في أمر دينك، لا سيما أمر الصلاة التي هي عمود الإسلام؛ فإن الأمر مهم جدًا.
وفقنا الله جميعا للصواب والسداد في القول والعمل، وأن يكون عملنا خالصا لوجهه الكريم، إنه سميع مجيب الدعاء.
[الملخص الفقهي: 1/ 69-73]