بابُ التَّعْصِيبِ(1)
وَحُقَّ أنْ نَشْرَعَ فِي التَّعْصِـيبِ(2) = بِكُلِّ قَـوْلٍ مُوجَـزٍ مُصِيبِ(3)
فَكُلُّ مَنْ أحْــرَزَ كُلَّ الْمَـالِ(4) = مِنَ الْقَـرَاباتِ أوِ الْمَـوَالِي(5)
أوْ كانَ ما يَفْضُلُ بَعْدَ الفَرْضِ لَهْ(6) = فَهُوَ أَخُو العُصُــوبَةِ الْمُفَضَّلَهْ(7)
كالأَبِ والْجَـدِّ وَجَـدِّ الْجَـدِّ(8) = والابْنِ عِنْدَ قُـرْبِهِ والْبُعْــدِ(9)
والأَخِ وَابْنِ الأَخِ والأَعْمَــامِ(10) = والسَّيِّدِ الْمُعْتِــقِ ذِي الإنْعامِ(11)
وهَكَــذا بَنُوهُـمُ جَمِيعَـا(12) = فكُنْ لِما أَذْكُـرُهُ سَمِيعَــا(13)
ومَا لِذِي البُعْدَى مَعَ القَــرِيبِ = فِي الإرْثِ مِنْ حَظٍّ وَلا نَصِيبِ(14)
والأخُ والعَـــــمُّ لأُمٍّ وَأبِ = أَوْلى مِنَ الْمُدْلِي بِشَطْرِ النَّسَبِ(15)
والابـْنُ والأَخُ مَعَ الإِنَــاثِ(16) = يُعَصِّبَانِهِـنَّ فِي الْمِــيراثِ(17)
والأَخَــواتُ إنْ تَكُنْ بَنــَاتُ = فَهُنَّ مَعْهُــنَّ مُعَصَّبَــاتُ(18)
وَلَيْسَ فِي النِّساءِ طُرًّا عَصَبَهْ(19) = إلا الَّتِي مَنَّتْ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ(20)
(1) أي: بيانُ ذَوِي التعصيبِ، وأقسامِه؛ والتعصيبُ: مصدرُ، عَصَّبَ، يُعَصِّبُ، تعصيباً، فهو عاصِبٌ، ويُجمَعُ العاصِبُ على عَصَبَةٌ، وتُجمَعُ العَصَبَةُ على عَصَبَاتٍ، ويُسمَّى بالعَصبَةِ الواحدُ، وغيرُه.
والعصَبةُ لغةً: بنو الرجلِ، وقرابتُه لأبيه؛ سُمُّوا بذلك؛ لأنهم عَصَبوا به، أي: أَحاطوا به؛ وقيلَ: لتَقَوِّي بعضِهم ببعضٍ، من العَصَبِ وهو الشدُّ، واصطلاحاً: مَن يَرِثُ بلا تقديرٍ؛ والتعصيبُ، هو: النوعُ الثاني من نَوْعَي الإرْثِ.
(2) أي: في بيانِ الإرثِ به.
(3) مُوجَزٌ، أي: مختَصَرٌ، مُصيبٌ من الصوابِ، ضِدِّ الخطأِ.
(4) أي: عندَ الانفرادِ.
(5) القَراباتُ: جمْعُ قَرابةٍ، أي: الأقاربُ؛ والموالي، أي: المُعْتِقِين، وعَصَبَتِهم إجماعاً؛ لقولِه تعالى: (وَهُوَ يَرِثهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ) وغيرُ الأخِ، كالأخِ.
(6) إجماعاً؛ لقولِه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأَهْلِها، فَما بَقِي فلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)).
(7) على غيرِها من أنواعِ العُصُوبةِ، والمرادُ: العُصوبةُ بالنفسِ؛ وأما العاصبُ بغيرِه، أو مع غيرِه، فهو كالعاصبِ بالنفسِ.
(8) أي: كالأبِ، وأبِ الأبِ، وأبِ أبيه، وإنْ علا.
(9) أي: والابنِ، وهو ولدُ الصُّلْبِ، وابنِه، وابنِ ابنِه، وإن سَفَلَ، بمحْضِ الذكورِ.
(10) أي: والأخِ لأبوَيْن، أو لأبٍ، لا لأمٍّ؛ وابنِ الأخِ لأبوين، أو لأبٍ، وإن سَفَلَ؛ والأعمامِ لأبوين، أو لأبٍ، وإن عَلَوْا.
(11) أي: بالعِتْقِ، وكذا المُعتِقَةُ.
(12) أي: وبنو الأعمامِ، وبنو المعتِقين، وإن نَزَلوا بمحْضِ الذكورِ.
(13) أي: فكُنْ للذي أذْكُرُه لك من الأحكامِ، سامِعاً، سمْعَ تَفَهُّمٍ وإذعانٍ.
(14) أي: ليس لصاحبِ الدرجةِ أو الجِهةِ البُعدَى وإن كانت قويًّا مع القريبِ إذا كانا من جهةٍ واحدةٍ فى الميراثِ من حظٍّ ولا نصيبٍ لحَجْبِه بالأقربِمنه درجةً كابنِ الأخِ لأبٍ وابنِ ابنِ أخٍ شقيقٍ فلا شيءَ للثانى مع الأوَّلِ إجماعاً, والحظُّ والنصيبُ بمعنًى واحدٍ.
(15) أي: والأخُ لأمٍّ وأبٍ، والعمُّ لأمٍّ وأبٍ، وابنُ الأخِ لأمٍّ وأبٍ، وابنُ العمِّ لأمٍّ وأبٍ، أَوْلَى من الْمُدْلِي بشَطْرِ النسَبِ، أي: بعضِه؛ وهو الْمُدْلِي بالأبِ فقط، فإذا كان معه في درجتِه، من أَدْلَى بِشَطْرَي النسَبِ، الأمِّ، والأبِ، حَجَبَه؛ لأنه أَقْوَى منه.
(16) أي: والابنُ، ومثلَه ابنُ الابنِ، والأخُ، شقيقاً كان، أو لأبٍ، مع الإناثِ، واحدةً كانت، أو أكثرَ، مع التساوي في الدرجةِ، والقوَّةِ.
(17) وتكونُ الأنثى منهن، مع الذكَرِ، عَصَبَةً بالغيرِ، وهُنَّ: البنتُ، وبنتُ الابنِ، والأختُ الشقيقةُ، والأختُ لأبٍ، كلُّ واحدةٍ عَصَبَةٌ لأخيها، وتَزيدُ بنتُ الابنِ: أن ابنَ الابنِ، يُعَصِّبُها في درجتِها مُطلَقاً، أو أَنْزَلَ منها، إذا لم يكنْ لها حظٌّ في الثلثين، والشقيقةُ، أو لأبٍ، يُعَصِّبُها الجَدُّ، على ما فيه من الخلافِ.
(18) أي: والأخواتُ الشقيقاتُ، أو لأبٍ، الواحدةُ فأكثرُ؛ إن تُوجَدْ بناتٌ، فهُنَّ، أي: الأخواتُ، مع البناتِ، عَصَبَاتٌ؛ فإن كانت الأختُ مع أخيها، فهي عَصَبَةٌ بالغيرِ.
(19) أي: وليس في النساءِ كلِّهنِّ، طَرًّا، بالفتحِ، أي: قَطْعاً، وبالضمِّ أي: جميعاً، عَصَبَةٌ بالنفسِ.
(20) أي: إلا التي من النساءِ، أَنْعَمَتْ بعِتقِ الرقَبةِ، الرقيقةِ، من ذَكَرٍ، أو أنثى، فهي عَصَبةٌ للعتيقِ، ولِمَن انْتَمَى إليه بنَسبٍ، أو ولاءٍ، وعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وأحكامُهم، وجِهاتُهم، كعَصَبَةِ النَّسَبِ.
والعَصَبةُ ثلاثةُ أقسامٍ: عَصَبةٌ بالنفسِ؛ وعَصَبةٌ بالغيرِ؛ وعَصَبةٌ مع الغيرِ؛ فالعَصَبةُ بالنفسِ، أربعةَ عشرَ: الابنُ وابنُ الابنِ وإن نَزَلَ؛ والأبُ والجَدُّ له، وإن عَلا؛ والأخُ الشقيقُ، والأخُ لأبٍ، وابنُ الأخِ الشقيقِ، وابنُ الأخِ لأبٍ، وإن نَزَلاَ، والعمُّ الشقيقُ، والعمُّ لأبٍ، وإن عَلَيَا؛ وابنُ العمِّ الشقيقُ، وابنُ العمِّ لأبٍ، وإن نَزَلاَ، والْمُعْتِقُ، والمُعتِقَةُ.
وأحكامُ العَصَبةِ بالنفسِ ثلاثةٌ؛ الأوَّلُ: أن من انْفَرَدَ منهم حازَ جميعَ المالِ؛ الثاني: أنه يَأخُذُ ما أَبْقَت الفروضُ؛ الثالثُ: أنه يَسقُطُ إذا استغرَقَت الفروضُ، إلا الابنَ، والأبَ، والجَدَّ.
وجِهاتُ العَصَبةِ بالنفسِ، ستٌّ: بُنوَّةٌ، ثم أُبوَّةٌ، ثم جُدودةٌ، وأُخوَّةٍ، ثم بنو أُخُوَّةٌ، ثم عمومةٌ، وبنوهم، ثم ولاءٌ؛ ومع اتِّحادِ الجهةِ، يُعتبَرُ التقديمُ بالقُرْبِ؛ ومع الاستواءِ في الدرجةِ والقرْبِ، تُعتَبَرُ القوَّةُ، كما قال الْجَعْبَرِيُّ:
فبالجـهةِ التقديـمُ ثـم بقُرْبِهِ وبعدَهما التقديمُ بالقوَّةِ اجْعَلاَ
وهنا ثلاثُ قَوَاعدَ؛ الأُولى: لا ميراثَ لعَصَبةِ عَصَباتِ المعتِقِ، إلا أن يكونوا عَصَبةً للمعتِقِ، الثانيةُ: لا ميراثَ لمعتِقِ عَصَباتِ الْمُعْتِقِ، إلا من أَعْتَقَ أباه، أو جَدَّه، الثالثةُ: لا يَرِثُ النساءُ بالولاءِ، إلا من أَعتَقْنَ، أو أَعتَقَه من أَعْتَقْنَ.
القِسمُ الثاني من العَصَبةِ: العَصَبةُ بالغيرِ، وهم أربعةُ أصنافٍ: البنتُ فأكثرَ، بالابنِ فأكثرُ؛ وبنتُ الابنِ فأكثرُ، بابنِ الابنِ فأكثرَ، الذي في درجتِها، سواءٌ كان أخاها، أو ابنَ عمِّها، أو بابنِ الابنِ الذي أَنْزَلَ منها، إن احتاجَتْ إليه؛ والأختُ الشقيقةُ فأكثرُ، بالأخِ الشقيقِ فأكثرَ، والأختُ لأبٍ فأكثرُ، بالأخِ لأبٍ فأكثرَ.
الثالثُ من العَصَبةِ: العَصَبةُ مع الغيرِ، وهم صِنفان: الأختُ الشقيقةُ فأكثرُ، والأختُ لأبٍ فأكثرُ، مع البنتِ فأكثرَ، أو بنتُ الابنِ فأكثرُ.
مسألةٌ: إذا هَلَكَ هَالِكٌ، عن أبٍ مُعْتِقٍ، وعن مُعْتِقِ أبٍ: المالُ لأبِ المعْتِقِ.
مسألةٌ: إذا اشترى ابنٌ وأختُه: أباهما، فعتَقَ عليهما، ثم مَلَكَ الأبُ قِناًّ، فأَعتَقَه، ثم ماتَ الأبُ، فوَرِثَاه بالنَّسَبِ، ثم ماتَ العتيقُ، فميراثُه للابنِ، دونَ أختِه؛ وتُسمَّى مسألةَ القُضاةِ.
فائدةٌ: إذا اجْتَمَعَ في شخصٍ، جِهَتا تعصيبٍ فأكثرُ، وَرِثَ بالجهةِ المقدَّمةِ؛ كابنٍ، هو معتِقٌ، يَرِثُ بكونِه ابناً.
الثانيةُ: إذا اجتَمَعَ في شخصٍ، جهةُ فرْضٍ، وجهةُ تعصيبٍ، وَرِثَ بهما؛ كزوجٍ، هو ابنُ عمٍّ؛ وأخٌ لأمٍّ، هو ابنُ عمٍّ.
الثالثةُ: إذا اجتمعَ في شخصٍ، جهتا فرْضٍ، وَرِثَ بهما كما تَقدَّمَ، ويُتَصَوَّرُ أيضاً في: مَجُوسيٍّ، تَزوَّجَ أمَّه، فأَتَتْ ببنتٍ؛ أو رجلٍ، وَطِئَ أمَّه بشُبهَةٍ.