دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 01:03 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب إزالة النجاسة

بابُ إزالةِ النجاسةِ
يُجْزِئُ في غَسْلِ النجاساتِ كلِّها إذا كانت على الأرضِ غَسلةٌ واحدةٌ تَذْهَبُ بعينِ النجاسةِ، وعلى غيرِها سَبْعٌ إحداها بتُرابٍ في نجاسةِ كلبٍ وخِنزيرٍ ويُجزئُ عن الترابِ أُشنانٌ ونَحْوُه، وفي نجاسةِ غيرِهما سبعٌ بلا تُرابٍ، ولا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بشَمْسٍ، ولا ريحٍ، ولا دَلْكٍ ولا استحالةٍ غيرَ الخَمْرَةِ، فإنْ خُلِّلَتْ أو تَنَجَّسَ دُهْنٌ مائعٌ لم يَطْهُرْ.
وإن خَفِي مَوْضِعُ نجاسةِ غُسِلَ حتى يُجْزَمَ بزَوالِه.
ويَطْهُرُ بولُ غلامٍ لم يَأْكُل الطعامَ بنَضْحِه.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 04:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

......................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 04:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

بابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الحُكْمِيَّةِ

أي: تَطْهِيرِ مَوَارِدِهَا (يُجْزِئُ في غَسْلِ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا) ولو مِن كَلْبٍ أو مِن خِنْزِيرٍ .
(إذَا كَانَت على الأرضِ) وما اتَّصَلَ بها مِن الحِيطانِ والأَحْوَاضِ والصُّخُورِ.
(غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بعَيْنِ النَّجَاسَةِ) ويَذْهَبُ لَوْنُهَا ورِيحُهَا، فإنْ لم يَذْهَبَا لم تَطْهُرْ ما لم يَعْجَزْ، وكذا إذا غُمِرَت بمَاءِ المَطَرِ والسُّيُولِ لعَدَمِ اعتِبَارِ النِّيَّةِ لإزَالَتِهَا.
وإنَّمَا اكتُفِيَ بالمَرَّةِ دَفْعاً للحَرَجِ والمَشَقَّةِ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ:
((أَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ)) مُتَّفَقٌ علَيْهِ.
فإِنْ كانَت النَّجَاسَةُ ذَاتَ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ كالرِّمَمِ والدَّمِ الجَافِّ والرَّوْثِ واختَلَطَت بأَجْزَاءِ الأَرْضِ لم تَطْهُرْ بالغَسْلِ بل بإِزَالَةِ أَجْزَاءِ المَكَانِ بحَيْثُ يَتَيَقَّنُ زَوَالَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ.
(و) يُجْزِئُ في نَجَاسَةٍ (على غَيْرِهَا)؛ أي: غَيْرِ أَرْضٍ (سَبْعُ) غَسْلاتٍ .
ِحْدَاهَا)؛ أي: إِحْدَى الغَسْلاتِ، والأُولَى أَوْلَى (بتُرَابٍ) طَهُورٍ.
(في نَجَاسَةِ كَلْبٍ وخِنْزِيرٍ) وما تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أو مِن أَحَدِهِمَا لحَدِيثِ :
((إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعاً أُولاَهُنَّ بالتُّرَابِ)) رواهُ مُسْلِمٌ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً.
ويُعْتَبَرُ مَا يُوصِلُ التُّرَابَ إلى المَحَلِّ ويَسْتَوْعِبُه به إلا فيما يَضُرُّ فيَكْفِي مُسَمَّاهُ.
(ويَجْزِي عَن التُّرَابِ أَشْنَانٌ ونَحْوُه) كالصَّابُونِ والنُّخَالَةِ ويَحْرُمُ استِعْمَالُ مَطْعُومٍ في إِزَالَتِهَا.
(و) يُجْزِئُ (في نَجَاسَةِ غَيْرِهِمَا)؛ أي: غَيْرِ الكَلْبِ والخِنْزِيرِ أو ما تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أو مِن أَحَدِهِمَا (سَبْعُ) غَسْلاتٍ بمَاءٍ طَهُورٍ ولو غَيْرِ مُبَاحٍ إن أَنْقَت، وإلاَّ فحَتَّى تُنْقِيَ معَ حَتٍّ وقَرْصٍ لحَاجَةٍ وعُسْرٍ معَ إِمْكَانِ كُلِّ مَرَّةٍ خَارِجَ المَاءِ، فإِنْ لم يَكُنْ عَصْرُه فبدَقِّهِ وتَقْلِيبِه أو تَثْقِيلِه كُلَّ غَسْلَةٍ حتَّى يَذْهَبَ أَكْثَرُ ما فيه مِن المَاءِ، ولا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أو رِيحٍ عَجْزاً (بِلا تُرَابٍ) لقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: (أُمِرْنَا بغَسْلِ الأَنْجَاسِ سَبْعاً) فيَنْصَرِفُ إلى أَمْرِه صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ، قالَهُ في (المُبْدِعِ) وغَيْرِه، وما تَنَجَّسَ بغَسْلِه يُغْسَلُ عَدَدَ مَا بَقِيَ بَعْدَهَا معَ تُرَابٍ في نَحْوِ نَجَاسَةِ كَلْبٍ إن لم يَكُن استُعْمِلَ.
(ولا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ) ولو أَرْضاً (بشَمْسٍ ولا رِيحٍ ولا دَلْكٍ) ولو أَسْفَلَ خُفٍّ أو حِذَاءٍ أو ذَيْلِ امرَأَةٍ، ولا صَقِيلٍ بمَسْحٍ.
(ولا) يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بـ (استِحَالَةٍ) فرَمَادُ النَّجَاسَةِ ودُخَانُهَا وغُبَارُهَا وبُخَارُهَا وَدُودُ جُرْحٍ وصَرَاصِرُ كُنُفٍ وكَلْبٌ وَقَعَ في مَلاَّحَةٍ فصَارَ مِلْحاً، ونَحْوُ ذلك نَجِسٌ. (غَيْرُ الخَمْرَةِ) إذا انقَلَبَت بنَفْسِهَا خَلاًّ أو بنَقْلٍ لا لقَصْدِ تَخْلِيلٍ، ودَنُّهَا مِثْلُهَا؛ لأنَّ نجَاسَتَهَا لشِدَّتِهَا المُسْكِرَةِ، وقد زَالَت كالمَاءِ الكَثِيرِ إذا زالَ تَغَيُّرُه بنَفْسِه، والعَلَقَةُ إذا صَارَت حَيَواناً طَاهِراً.
(فإِنْ خُلِّلَت) أو نُقِلَت لقَصْدِ التَّخْلِيلِ لم تَطْهُرْ، والخَلُّ المُبَاحُ: أنْ يُصَبَّ على العِنَبِ أو العَصِيرِ خَلٌّ قَبْلَ غَلَيَانِه حتَّى لا يَغْلِيَ، ويُمْنَعُ غَيْرُ خَلاَّلٍ مِن إِمْسَاكِ الخَمْرَةِ لتَتَخَلَّلَ.
(أو تَنَجَّسَ دُهْنٌ مَائِعٌ) أو عَجِينٌ أو بَاطِنُ حَبٍّ أو إِنَاءٍ تَشَرَّبَ النَّجَاسَةَ أو سِكِّينٌ سُقِيَتْهَا (لم يَطْهُرْ)؛ لأنَّهُ لا يَتَحَقَّقُ وُصُولُ المَاءِ إلى جَمِيعِ أَجْزَائِه.
وإنْ كانَ الدُّهْنُ جَامِداً ووَقَعَت فيه نجَاسَةٌ؛ أُلْقِيَت وما حَوْلَهَا، والباقِي طَاهِرٌ، فإِن اختَلَطَ ولم يَنْضَبِطْ حُرِّمَ.
(وإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ نجَاسَةٍ) في بَدَنٍ أو ثَوْبٍ أو بُقْعَةٍ ضَيِّقَةٍ وأَرَادَ الصَّلاةَ .
(غَسَلَ) وُجُوباً (حتَّى يَجْزِمَ بزَوَالِه)؛ أي: زَوَالِ النَّجَسِ؛ لأنَّهُ مُتَيَقَّنٌ فلا يَزُولُ إلا بيَقِينِ الطَّهَارَةِ، فإنْ لمْ يَعْلَمْ جِهَتَهَا مِن الثَّوْبِ غَسَلَهُ كُلَّهُ، وإنْ عَلِمَهَا في أَحَدِ كُمَّيْهِ ولا يَعْرِفُه غَسَلَهُمَا، ويُصَلِّي في فَضَاءٍ وَاسِعٍ حيثُ شَاءَ بلا تَحَرٍّ.
(ويَطْهُرُ بَوْلُ) وقَيْءُ (غُلامٍ لم يَأْكُلِ الطَّعَامَ) لشَهْوَةٍ (بنَضْحِهِ)؛ أي:
غَمْرِه بالمَاءِ، ولا يَحْتَاجُ لمَرْسٍ وعَصْرٍ، فإنْ أَكَلَ الطَّعَامَ غُسِلَ كغَائِطِه وكبَوْلِ الأُنْثَى والخُنْثَى فيُغْسَلُ كسَائِرِ النَّجَاسَاتِ.
قالَ الشَّافِعِيُّ: لم يَتَبَيَّنْ لِي فَرْقٌ مِنَ السُّنَّةِ بَيْنَهُمَا. وذَكَرَ بَعْضُهُم أنَّ الغُلامَ أَصْلُه مِن المَاءِ والتُّرَابِ والجَارِيَةَ أَصْلُهَا مِنَ اللَّحْمِ والدَّمِ.
وقدْ أَفَادَهُ ابنُ مَاجَهْ في (سُنَنِه) وهو غَرِيبٌ، قالَهُ في (المُبْدِعِ)، ولُعَابُهُمَا طَاهِر.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب إزالة النجاسة([1])


الحكمية([2]) أي تطهير مواردها([3]).
(يجزئ في غسل النجاسات كلها)([4]) ولو من كلب أو خنزير([5]) (إذا كانت على الأرض) وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور([6]) (غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة)([7]).

ويذهب لونها وريحها([8]) فإن لم يذهبا لم تطهر، ما لم يعجز([9]) وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول([10]) لعدم اعتبار النية لإزالتها([11]) وإنما اكتفي بالمرة دفعا للحرج والمشقة([12]).

لقوله صلى الله عليه وسلم «أريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء» متفق عليه([13]) فإن كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرمم والدم الجاف والروث([14]) واختلطت بأجزاء الأرض لم تطهر بالغسل([15]) بل بإزالة أجزاء المكان([16]) بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة([17]) (و) يجزئ في نجاسة (على غيرها) أي غير أرض([18]) (سبع) غسلات([19]).

(إحداها) أي إحدى الغسلات، والأولى أولى([20]).
(بتراب) طهور([21]) (في نجاسة كلب وخنزير) وما تولد منهما أو من أحدهما([22]) لحديث: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب»، رواه مسلم، عن أبي هريرة مرفوعا([23]).
ويعتبر ما يوصل التراب إلى المحل([24]) ويستوعبه به([25]) إلا فيما يضر فيكفي مسماه([26]) (ويجزئ عن التراب أشنان([27]) ونحوه) كالصابون والنخالة([28]).
ويحرم استعمال مطعوم في إزالتها([29]).
(و) يجزئ (في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما([30]) (سبع) غسلات([31]) بماء طهور([32]) ولو غير مباح([33]) إن أنقت، إلا فحتى تنقي([34]) مع حت وقرص لحاجة([35]).
وعصر مع إمكان كل مرة خارج الماء([36]) فإن لم يمكن عصره فبدقه وتقليبه([37]) أو تثقيله كل غسلة([38]) حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء([39]).

ولا يضر بقاء لون أو ريح أو لهما عجزا([40]) (بلا تراب) لقول ابن عمر: أمرنا بغسل الأنجاس سبعا([41]) فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم قاله في المبدع وغيره([42]).
وما تنجس بغسلة يغسل بعدد ما بقي بعدها([43]) مع تراب في نحو نجاسة كلب إن لم يكن استعمل([44]) (ولا يطهر متنجس) ولو أرضا (بشمس ولا ريح)([45]).
ولا دلك) ولو أسفل خف أو حذاء([46]) أو ذيل امرأة([47]) ولا صقيل بمسح([48]).
(ولا) يطهر متنجس بـ (استحالة)([49]) فرماد النجاسة ودخانها وغبارها وبخارها([50]).
ودود جرح([51]) وصراصر كنف([52]) وكلب وقع في ملاحة فصار ملحا([53]) ونحو ذلك نجس([54]).
(غير الخمرة) إذا انقلبت بنفسها خلا([55]).
أو بنقل لا لقصد تخليل([56]) ودنها مثلها([57]) لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت([58]) كالماء الكثير إذا زال تغيره بنفسه([59]) والعلقة إذا صارت حيوانا طاهرا([60]).

(فإن خللت) أو نقلت لقصد التخليل لم تطهر([61]) والخل المباح أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي([62]) ويمنع غير خلال من إمساك الخمرة لتخلل([63]).
(أو تنجس دهن مائع)([64]) أو عجين([65]).
أو باطن حب([66]) أو إناء تشرب النجاسة([67]) أو سكين سقيتها (لم يطهر)([68]) لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه([69]).
وإن كان الدهن جامدًا ووقعت فيه نجاسة ألقيت وما حولها والباقي طاهر([70]).
فإن اختلط ولم ينضبط حرم([71]).
(وإن خفي موضع نجاسة) في بدن أو ثوب أو بقعة ضيقة([72]) وأراد الصلاة (غسل) وجوبا([73]) (حتى يجزم بزواله) أي زوال النجس لأنه متيقن، فلا يزول إلا بيقين الطهارة([74]).
فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله، وإن علمها في أحد كميه ولا يعرفه غسلهما([75]) ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر([76]) (ويطهر بول) وقيء (غلام لم يأكل الطعام) لشهوة (بنضحه) أي غمره بالماء([77]).
ولا يحتاج لمرس وعصر([78]) فإن أكل الطعام غسل كغائطه وكبول الأنثى والخنثى، فيغسل كسائر النجاسات([79]) قال الشافعي: لم يتبين لي فرق من السنة بينهما وذكر بعضهم أن الغلام أصله من الماء والتراب، والجارية أصلها من اللحم والدم.
وقد أفاده ابن ماجه، وهو غريب قاله في المبدع([80]) ولعابهما طاهر([81])



([1]) أي باب بيانها وبيان أحكامها، وتطهير محالها، وما يعفى عنه منها، وما يتعلق بذلك،والإزالة التنحية يقال: أزلت الشيء إزالة، زلته وزيلته زيالا، بمعنى، والنجاسة اسم مصدر،وجمعها أنجاس والنجس هو المستقذر المستخبث و(ننجس ينجس) صار قذرا خلاف طهر، وشرعا: قذر مخصوص، وهو ما يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم والخمر، وفي الاصطلاح كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمتها ولا استقذارها، ولا لضرر في بدن أو عقل، وحيث كانت النجاسة لغة تعم الحقيقة والحكمية، وعرفا تختص بالأولى، فسرها الشارح بالحكمية وقدموا (باب إزالة النجاسة) على (باب الحيض والنفاس) مع أنهما من موجبات الغسل فلهما تعلق بما قبل من طهارة الحدث، وهم لا يقطعون النظير عن نظيره إلا لنكتة لأن إزالة النجاسة واجبة على الذكر والأنثى، والطهارة من الحيض والنفاس خاصة بالأنثى وما كان مشتركا بينهما فالاعتناء به أشد مما هو مختص بالأنثى.

([2]) أي الطارئة على عين طاهرة، وهي التي يمكن تطهيرها، احترازا عن العينية، وهي كل عين جامدة يابسة أو رطبة أو مائعة فإنها لا تطهر بحال، وإنما شرع تطهير ما طرأ عليها وسميت عينيه لأنها تدرك بحاسة البصر، وإن لم تكن مختصة به، تطلق على الإدراك بالشم والذوق، وهي منحصرة في الحيوان وما تولد من فضلاته وميتته وسميت الحكمية حكمية لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس، فلا يشاهد لها عين، ولا يدرك لها طعم ولا رائحة، مع وجود ذلك فيها تحقيقا أو تقديرا.

([3]) أي موارد النجاسة على عين طاهرة، ولا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء
على المذهب قال الخطابي: إنما تزال النجاسة بالماء دون غيره من المائعات، وهو قول الجمهور اهـ وإزالتها بالماء هو الأصل في التطهير، لوصفه به في الكتاب والسنة، فتزول بالماء حسا وشرعا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين وبالنص والإجماع، وأما القول بتعيينه وعدم الاجتزاء بغيره، فيرده حديث مسح النعل وغيره، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير بالماء، وعنه: تزال بكل مائع طاهر مزيل للعين والأثر، أشبه الماء كالخل وماء الورد، اختاره ابن عقيل والشيخ صاحب الفائق، وفاقا لأبي حنيفة، وأما ما لا يزيل كاللبن والدهن فلا خلاف أن النجاسة لا تزال به.

([4]) أي الحكمية مائعة كانت أو ذات جرم، لإمكان تطهيرها، لا العينية وقال الشافعي: إزالة النجاسة فرض، ما عدا ما يعفى عنه منها، وقال مالك: ليس بفرض، والأحاديث حجة عليه، كحديث صاحبي القبرين، والأمر بالاستجمار.

([5]) وهو حيوان سمج الشكل خبيث قذر في الغاية: قيل: إنه حرم على لسان كل نبي.

([6]) أي بالأرض من الحيطان جمع حائط اسم فاعل، سمي به لأنه يحوط ما فيه، والأحواض جمع حوض مجمع الماء، والصخور جمع صخر الحجر الصلب، ومنها الأجرنة الصغار المبنية أو الكبار مطلقا، والأجرنة جمع جرن بالضم منقورة يتوضأ منها.

([7]) بماء طهور لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي، وغير ذلك، ولم يشترط لتطهيرها عدد لأنها مصاب الفضلات.

([8]) بمكاثرتها بالماء وعليها، ولو لم ينفصل الماء الذي غسلت به، لأنه عليه الصلاةوالسلام لم يأمر بإزالة الماء عنها.

([9]) أي فإن لم يذهب لون النجاسة وريحها لم تطهر ما لم يعجز عن إزالتهما أو إزالة أحدهما، فتطهر كغير الأرض، لحديث أبي هريرة أن خولة قالت يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، قال: إذا تطهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره، قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره، رواه أحمد وغيره، قال في المبدع: وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة سقط كالثوب.

([10]) أي غمرت النجاسة التي على الأرض وما اتصل بها بذلك، وبالثلوج ونحو ذلك، من غمره الماء يغمره غمرا، علاه وغطاه.

([11]) أي النجاسة، وحكى البغوي وغيره إجماع المسلمين على أن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية، وقال الشيخ: طهارة الخبث، من باب التروك، لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل حصل المقصود، كما ذهب إليه أئمة المذاهب الأربعة المتبعة وغيرهم، بل لو زال الخبث بأي طريق كان حصل المقصود، فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، لكن إذا زال الخبث بفعل العبد ونيته أثيب على ذلك.

([12]) أي بالغسلة الواحدة من غير اعتبار عدد، دفعا للحرج، أي الضيق، والمشقة أي الصعوبة والعناء والجهد.

([13]) من حديث أنس قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فقال: دعوه وأريقوا: أي صبوا وفي لفظ: أهريقوا، وفي لفظ: هريقوا على بوله سجلا، بفتح المهملة وسكون الجيم الدلو لملآي، ويجمع على سجال، أو ذنوبا من ماء، والذنوب الدلو العظيمة المملوءة ماء، قال الحافظ: على الترادف أو الشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير والأول أظهر وفي الصحاح: السجل الدلو إذا كان فيه الماء وإن ملئت فهو ذنوب، ودلو بدونهما.

([14]) أي النجس، والرمم جمع رمة بالضم والكسر، واقصر عليه الجوهري العظام البالية إذا كانت تجسة.

([15]) لأن عين النجاسة لا تنقلب.

([16]) أي الذي أصابته النجاسة.

([17]) وذلك لا يحصل إلا بزوال عينها، وإن بادر البول، ونحوه وهو رطب فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر، وإن جف فأزال ما عليه الأثر من التراب فلا، إلا أن يقلع ما يتيقن به زوال ما أصابه البول ونحوه.

([18]) ونحوها كصخر وحيطان.

([19]) منقية وإلا فيزيد حتى ينقي النجاسة.

([20]) أي بأن يجعل التراب فيها، لكثرة رواتها وحفظهم، وليأتي الماء بعده فينظفه جزم به في المغني والشرح وغيرهما، وصوبه، في الإنصاف.

([21]) لا طاهر قياسا منهم له على الماء، وتقدم في قوله: طيبا أي طاهر ضد النجس.

([22]) أو شيء من أجزائهما أو أجزاء ما تولد منهما، وهما نجسان وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، وحكى ابن المنذر وغيره الإجماع على نجاسة الخنزير اهـ وما تولد منهما نجس، وسؤرهما وسؤر ما تولد منهما نجس، وعرقه وكل ما خرج منه، لا يختلف المذهب فيه، قاله الشارح، وقال الزركشي: جميع فضلاته نجسة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، ورجح الشيخ طهارة شعورهما، قال: فإذا كان رطبا وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين وفي النكت للنووي على التنبيه على قوله: وماتولد منهما قال: فقال بعض الناس، لو قال: وما تولد من أحدهما كان أصوب وأعم، وليس المراد كما توهم القائل، بل معنى قوله: وما تولد منهما، على سبيل البدل، تارة يتولد من الكلب وحيوان آخر أي حيوان كان وتارة يتولد من الخنزير وحيوان آخر أي حيوان كان، لا أن المراد بالمتولد منهما أن يكون منحصرا في ولد الكلب من الخنزير أو بالعكس اهـ وعليه فلا حاجة لقوله: أو من أحدهما.

([23]) ورواه البخاري وغيره. وفي رواية لمسلم ثم ليغسله سبع مرات، وله
أيضا طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب قال الحافظ: ولغ يلغ بالفتح إذا شرب بطرف لسانه فحركه، وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء أو غيره من كل مائع فيحركه، وقاله ابن الأعرابي وغيره، وقال صاحب المطالع: الشرب أعم من الولوغ، فكل ولوغ شرب ولا عكس، وقال أبو زيد: ولغ الكلب بشرابنا ومن شرابنا: وقال الشيخ: يلغ بلسانه شيئا فشيئا فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه فيكون محمولا، والماء يسيرا فيراق لأجل كون الخبث محمولا، ويغسل الإناء الذي لاقى ذلك الخبث، قال النووي: ومذهب الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه، ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره، ولا بين الكلب البدوي والحضري، والخنزير حكمه حكم الكلب في هذا كله، عند جماهير العلماء، إلا أنه لا يفتقر إلى غسله سبعا، وهو قوي في الدليل اهـ وأصل الغسل معقول المعنى، وهو غسل النجاسة، وظاهر الخبر وغيره العموم في الآنية ونحوها كالثياب والفرش، لا الأرض وما اتصل بها فتكاثر، وقال العراقي: خرج مخرج الغالب لا للتقييد اهـ، وفيه دلالة ظاهرة على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب، وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين، إلا أبا حنيفة وأصحابه، فحملوا السبع على الندب، وأما الخنزير فهو شر من الكلب لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه وتقدم أنه خبيث قذر حرم على لسان كل نبي، فالحكم فيه من طريق التنبيه، وإنما لم ينص الشارع عليه والله أعلم، لأن العرب لم يكونوا يعتادونه، بخلاف الكلب، ومن منع قياسه على الكلب فلعدم ثبوت العلة، فالوقوف مع النص أولى، وفي نجاسة ولوغ الكلب من اللزوجة ما لا يوجد في غيره، وقال النووي: الراجح من حيث الدليل أنه يكفي في الخنزير غسلة واحدة بلا تراب، وبهذا قال أكثر العلماء، وهو المختار، لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع، ومالك يقول بطهارته حيا، وليس لنا دليل على نجاسته في حال حياته، وقال أبو حنيفة: يغسل كسائر النجاسات.

([24]) وفي بعض النسخ: مائع والمراد الماء كما نبه عليه الحجاوي، وعبارة الإقناع، ويعتبر مزجه بماء يوصله إليه، فلا يكفي مائع غير الماء اهـ، ولا يكفي ذر التراب، وفي الفروع، يحتمل أن يكفي ذره، ويتبعه الماء،وهو ظاهر كلام جماعة، قال: وهو أظهر، وصوبه في الإنصاف، ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب، أو التراب على الماء، أو يؤخذ الماء الكدر فيغسل به، فالمراد خلط التراب بالماء حتى يتكدر.

([25]) أي ويعم المحل به بأن يمر التراب مع الماء على جميع أجزاء المحل المتنجس صرح به أبو الخطاب.

([26]) أي أقل شيء يسمى ترابا يوضع في ماء إحدى الغسلات، وتقدم أن الأولى أولى.

([27]) بضم الهمزة وكسرها، فارسي معرب، وهمزته أصلية، وهو بالعربية حرض، تغسل به الأيدي على إثر الطعام، وقال أبو زياد: هو دقاق الأطراف، وشجرته ضخمة وهو الذي يغسل الناس به الثياب، قال: ولم نر أنقى وأشد بياضا من حرض ينبت باليمامة.

([28]) الصابون معرب سابون بالفارسية، مطبوخ مركب من الزيت والقلي، يغسل به القطعة منه صابونة والنخالة هي ما بقي في المنخل مما ينخل من شعير وبر وغيرهما، وهي قشرة لابسة للحبوب، تستخرج بالقشر والطحن، وليست من المطعوم إلا للبهائم، فيجوز استعمالها في غسل نحو الأيدي، وكذا استعمال ملح، وبطيخ، وباقلا وغيرها مما لو قوة الجلاء، واختاره الشيخ وغيره، لحديث الغفارية وغيره، وقال الخطابي وغيره، فيه جواز استعمال الملح وهو مطعوم، فيجوز غسل الثوب بالعسل والخل اهـ ولأن الصابون والنخالة ونحوهما أبلغ في الإزالة من التراب، جزم به وصححه غير واحد، قال الشيخ: وهو أقوى لوجوه، والنص على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه.

([29]) كدقيق لأن فيه إفسادا للطعام المحتاج إليه، قاله الشيخ، قال في الفروع: ويؤخذ من كلام غيره معناه، وقاله أبو البقاء وغيره، وفي المستوعب: يكره أن يغسل جسمه بشيء من الأطعمة، مثل دقيق الحمص والعدس والباقلا ونحوه.

([30]) وغير أجزائهما وأجزاء ما تولد منهما.

([31]) هذا المشهور وعنه ثلاث وعنه تكاثر بالماء حتى تذهب عينها ولونها، من غير عدد وفاقا، لقوله صلى الله عليه وسلم اغسليه بالماء، ولم يذكر عددا وقال في دم الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء، ولم يذكر عددا واختاره الشيخ، وحكاه هو وغيره عن جمهور العلماء.

([32]) لأنها طهارة مشترطة فأشبهت طهارة الحدث، وتقدم قول الشيخ: إن الخبث إذا زال بأي طريق كان حصل المقصود.

([33]) أي ولو كان الماء الذي يزال به النجاسة مغصوبا، لأن إزالتها من التروك التي لا تحتاج إلى نية.

([34]) أي إن أنقت المحل المتنجس، فإن لم تنق المحل المتنجس زاد حتى تنقي المحل في كل النجاسات.

([35]) إلى ذلك ولو في كل مرة، إن لم يتضرر المحل بالحت أو القرص فيسقط
والحت أن يحك بعود أو حجر، والحت والحك والقشر سواء، والقرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار، دلكا شديدا، ليتحلل بذلك، ويخرج به ما تشرب الثوب ونحوه منه، مع صب الماء عليه، حتى تزول عينه وأثره، وبابهما قتل، وقال النووي: اقرصيه قطعيه واقلعيه بظفرك.

([36]) أي ومع عصر لاستخراج ما فيه، مع إمكان العصر كل مرة من الغسلات يعصره خارج الماء ليحصل انفصال الماء عنه، وعصر الثوب: استخرج ماءه بليه، وإلا فغسله واحدة يتمم عليها ما بقي، ويطهر وفاقا، وقيل: يطهر وإن عصره داخل الماء، وصوبه في تصحيح الفروع.

([37]) فيما يمكن تقليبه ولا يمكن عصره، كجلد بعير، أو يضره العصر كحرير، فبرفعه من الماء مع إمرار اليد عليه.

([38]) مما يفصل الماء عنه، فالمغسولات على ثلاثة أنحاء: ما يمكن عصره فلا بد من عصره، والثاني ما لا يمكن عصره ويمكن تقليبه فلا بد من تقليبه، والثالث ما لا يمكن عصره ولا تقليبه فلا بد من دقه وتثقيله، وعصر كل ثوب ونحوه على قدر الإمكان، بحيث لا يخاف عليه الفساد، وما يمكن عصره إذا غسل في غدير أو صب عليه ماء كثير أو جرى عليه الماء طهر مطلقا بلا شرط عصر.

([39]) دفعا للحرج والمشقة، ولقيامه مقام العصر لتعذره، ولا يكفي تجفيفه بدل العصر، ولا يعتبر في العدد تحريكه في الماء وخضخضته على القول بالعدد والعصر، ويكفي على القول بالاجتزاء بأي طريق زال به الخبث، سواء كان بتحريكه أو خضخضته أو تمر عليه الجرية، ونحو ذلك مما تزول به النجاسة، لحصول المقصود.

([40]) أي عن إزالتهما للمشقة، ويحكم بطهارة المحل على الصحيح من المذهب وفاقا، لقوله ولايضرك أثره، وذكر الشيخ وغيره: أو يغير المحل، ويضر بقاء الطعم، لدلالته على بقاء العين، ولسهولة إزالته، ومن صور بقاء اللون المعجوز عن إزالته ما لو صبغ الثوب في نجاسة ثم غسل، فإنه يطهر ولا يضر بقاء اللون، لأنه عرض والنجاسة لا تخالط العرض، والماء يخالط العين، فإذا زالت العين التي هي محل النجاسة زالت النجاسة بزوالها، جزم به في الفصول وغيره.

([41]) كذا ذكره صاحب المبدع وغيره، وذكر القاضي أنه رواه أبو موسى عنه.

([42]) لو صح لأن هذه الصيغة في اصطلاح أهل الحديث من الصيغ التي لها حكم الرفع على الصحيح، قاله الحافظ وغيره، وصاحب المبدع هو برهان الدين إبراهيم بن محمد الأكمل المتوفى سنة 884 هـ.
والمبدع من أنفع شروح المقنع للمتوسطين، وعن أحمد: لا يجب فيه عدد، اختاره الموفق وغيره اعتمادا على أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لا من قوله ولا من فعله، وأخرج أبو داود وغيره عن ابن عمر: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل الثوب من البول سبع مرار، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى كانت
الصلاة خمسا، والغسل من الجنابة وغسل الثوب من البول مرة، وإطلاق الأحاديث الصحيحة المشهورة كغسل دم الحيض، وقوله: صبوا عليه ذنوبا، وغير ذلك مشهور، وقال النووي وغيره: الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من العلماء، وأما فعل كثير من الفقهاء ذلك، واعتمادهم عليه، فليس بصواب، بل قبيح جدا، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به، ولعل نقلهم هذا الخبر ونحوه على هذه الصفة سهو، وإلا فهو نص على الاجتزاء بالمرة الواحدة.

([43]) أي ما تنجس بإصابة ماء غسلة، يغسل بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة، لأنها نجاسة تطهر في محلها من الغسلات، فطهرت به في مثله، فما تنجس برابعة مثلا غسلها ثلاثا، وهكذا.

([44]) أي التراب قبل تنجس الثاني، فإن كان استعمل لم يعد في نحو نجاسة كلب وخنزير وما تولد منهما.

([45]) بل بغسل لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بغسل بول الأعرابي، ولو كان ذلك يطهر لاكتفى به، و(لو) إشارة إلى أنه محل خلاف، وعنه: تطهر إذا لم يبق أثر النجاسة بها وفاقا، لأبي حنيفة وغيره، واختاره المجد وغيره.
قال الشيخ: وهو الصواب، ويجوز التيمم عليها، بل تجوز الصلاة عليها بعد ذلك، ولو لم تغسل، ويطهر غيرها بالشمس والريح أيضا نص عليه، والأمر بالصب على بول الأعرابي يحصل به تعجيل تطهير الأرض، فإذا لم يصب الماء عليها فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل وفي الصحيح أن الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك، كذا أثبته الشيخ في رسائله، وذكره التركماني في بعض نسخ البخاري.
وقيل: ليس في الصحيح وتبول، ولو كانت النجاسة باقية لوجب غسله، فحيث استحالت لم تحتج إلى غسل، وحديث غسل بول الأعرابي عقب بوله، والنجاسة ظاهرة، فإذا ذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة فمذهب
الأكثر طهارة الأرض، وجواز الصلاة عليها، هذا مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، والقول القديم للشافعي، وهذا القول أظهر، جزم به الشيخ وغيره، ولم يرد نص بغسل كل ما قد كان تنجس على سبيل التعبد.

([46]) الدلك المرس والدعك، ودلك الشيء: مرسه ودعكه، والنعل بالأرض مسحها، والخف واحد الخفاف معروف والحذاء بكسر الحاء المهملة والمد، وبالذال المعجمة النعل، أي لا يطهر ذلك بالدلك هذا المشهور من المذهب، وعنه: يطهر بالدلك وفاقا لأبي حنيفةوغيره، واختاره الموفق والشارح والشيخ وجماعة، للأخبار، قال في الفروع: وهي أظهر، وفي السنن وغيرها من أوجه فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور وتباح الصلاة فيه قولا واحدا بل هو سنة، ومن وطئ رطوبة بليل لم يلزمه غسلها، ولا شمها صرح به ابن القيم وغيره، ويعفى عن يسير النجاسة على أسفل الخف أو الحذاء بعد الدلك، على القول بنجاسته قطع به الأصحاب.

([47]) ذيل كل شيء آخره، وذيل المرأة كل ثوب تلبسه إذا جرته على الأرض من خلفها، أي لا يطهر وهو المذهب وفاقا للشافعي، وعنه يطهر وفاقا لأبي حنيفة ورواية عن مالك، لحديث يطهره ما بعده رواه أهل السنن وغيرهم، وقال شيخ الإسلام: هو كالخف والحذاء، والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله: اغسليه بالماء وقوله: صبوا على بوله، فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة، ولم يأمر أمرا عاما بأن تزال النجاسة بالماء، وقد أذن بإزالتها بغير الماء في مواضع: منها الاستجمار، ومنها قوله في النعلين: ثم ليدلكها بالتراب فإن التراب لهما طهور، ومنها قوله في الذيل، يطهره ما بعده، وهذا القول هو الصواب، وجوده الزركشي وغيره.

([48]) أي لا يطهر به صقيل كسيف ومرآة وزجاج وسكين بدون غسل # فلوقطع به قبل غسل ما فيه بلل كبطيخ نجسه، ورطبا بلا بلل فيه كجبن فلا بأس، وقال الشيخ: تطهر الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة ونحوهما إذا تنجست بالمسح واختاره أبو الخطاب وغيره، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ونقل عن أحمد مثله في السكين من دم الذبيحة.

([49]) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل الجلالة وألبانها لأكلها النجاسة، وعنه يطهر وفاقا للجمهور أبي حنيفة وأهل الظاهر، وأحد القولين في مذهب مالك، ووجه في مذهب الشافعي، قال الشيخ: والرواية صريحة في التطهير بالاستحالة، وهو الصحيح في الدليل، ولا يدخل في نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى، ولا ينبغي أن يعبد بأن النجاسة طهرت بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر لكن استحال وهذا الطاهر ليس هو ذلك النجس، وإن كان مستحيلا منه، كما أن الماء ليس هو الزرع، والاستحالة استفعال من حال الشيء عما كان عليه زال، وذلك مثل أن تغير العين النجسة ونحو ذلك، وقال: قول من قال: الاستحالة لا تطهر، فتوى عريضة مخالفة لإجماع المسلمين.

([50]) نجس، فالرماد من الروث النجس نجس، والصابون عمل بزيت نجس نجس، وتراب جبل بروث حمار ونحوه نجس، ولو احترق كالخزف، وعنه طاهر وفاقا لأبي حنيفة وغيره، وإحدى الروايتين عن مالك، قال الشيخ: والصواب الطهارة في الجميع، فإن التنجيس والتحريم يتبع الاسم والمعنى الذي هو الخبث وكلاهما منتف، وليس في هذه من النجاسة شيء، وقال: وأما دخان النجاسة فمبني على أصل، وهو أنه هل تطهر العين النجسة إذا استحالت؟ وفيه قولان للعلماء أحدهما لا تطهر، كقول الشافعي، والآخر تطهر، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين، وإحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب أهل الظاهر وغيرهم
وهو الصواب المقطوع به، فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى، فهي من الطيبات، والنص والقياس يقتضي تحليلها، فليست محرمة، وعلى أصح القولين فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر، لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية، وليست في شيء من وصف الخبث.

([51]) نجس لاستحالته عن الدم والدودة دويبة صغيرة مستطيلة كدودة القز.

([52]) نجس لاستحالته عن النجاسة، والصراصر جمع صرار، دويبة تنشأ من الكنف ونحوها.

([53]) أي وقع في الملاحة بالتشديد فاستحال ملحا نجس.

([54]) أي نحو ما تقدم كالدم يستحيل قيحا فنجس، وعنه طاهر، وقال الشيخ: الصواب أن ذلك كله طاهر إذا لم يبق شيء من أثر النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها فإذا كانت العين ملحا أو خلا دخلت في الطيبات التي أباحها الله، وما سقي أو سمد بنجس من زرع وغيره طاهر مباح اهـ وجزم به في التبصرة، ولا يسع الناس العمل بغيره، قال غير واحد، وعليه عمل الناس قديما وحديثا، وفاقا للأئمة الثلاثة، قال الشيخ: ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي وأومأ إليه أحمد.

([55]) من غير معالجة فتطهر قال الموفق والشيخ وغيرهما: بإجماع المسلمين لأنه لا يريد تخليلها وإذا جعلها الله خلا كان معاقبة له بنقيض قصده فلا يكون في حلها مفسدة اهـ والخمر يذكر ويؤنث، اسم لكل مسكر خامر العقل، وخمرة وخمر وخمور، كتمرة وتمر وتمور، وسميت خمرة لأنها تركت فاختمرت
واختمارها تغيرها وقيل لأنها تخمر العقل وتستره، أو لأنها تخامره أي تخالطه، وهي رجس كما في الآية، وحكى أبو حامد وصاحب المبدع وغيرهما الإجماع على نجاستها، لكن خالف الليث وربيعة وداود، وقال ابن رشد: اتفق المسلمون على نجاسة الخمر إلا خلاف شاذ اهـ وخللت تخليلا حمضت وفسدت، وخلل شراب فلان إذا فسد وصار خلا.

([56]) أي انقلبت خلا بنقل من دن إلى آخر، أو من ظل إلى شمس فتطهر كما لو انقلبت بنفسها، لا إن نقلت لقصد التخليل، للخبر الآتي وغيره، وأصل التخليل من إدخال الشيء في خلال الشيء، وتخليل الخمر معالجتها بطرح شيء فيها كالملح.

([57]) أي دن الخمرة بفتح الدال جمعه دنان، كسهم وسهام، كهيئة الحب، وهو وعاؤها مثلها في الحكم، طهارة ونجاسة، إذا كان مستجنسا بها، لا قبل، وكمحتفر في أرض فيه ماء كثير تغير بنجاسة ثم زال تغيره بنفسه فيطهر هو ومحله.

([58]) أي لأن علة النجاسة لأجل شدتها المسكرة الحادثة وقد زالت، وهي غير نجاسة خلقة فطهرت بزوال تلك النجاسة الحادثة إلى الطهارة.

([59]) فطهر هو ومحله،والخمر نجاستها لأمر زال بالانقلاب فطهرت بزوال ذلك، بخلاف النجاسات العينية.

([60]) أي وغير العلقة إذا خلق منها آدمي، أو حيوان طاهر فإنها تصير طاهرة بعد أن كانت نجسة، وهي أولى بالعفو من غيرها، والتحقيق ما تقدم في قول الشيخ: أن كل ما استحال إلى الطيبات طهر، والعلق الدم الغليظ، والقطعة منه علقة.

([61]) بالغسل وفاقا للشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الخمر تتخذ خلا قال: (لا) رواه مسلم وغيره عن أنس، وقال عمر، لا تأكلوا خل خمر إلا خمرا بدأ الله بفسادها، وثبت عن طائفة من الصحابة، قال ابن القيم، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف اهـ.
وذلك لأن اقتناء الخمر محرم، فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرما، فلا يكون سببا للحل،وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها داء وليست بدواء، إبعادا عن اصطناعها الداعي إلى شربها، وخصها دون غيرها من المطاعم بالحد، لقوة محبة الأنفس لها.

([62]) نقله الجماعة، وقيل له: فإن صب عليه خل فغلى؟ قال: يهراق اهـ وقيل أن تمضي عليه ثلاثة أيام حتى لا يستحيل أولا خمرا، وكذا إذا عصر على العنب أترج أو خل منعه من الغليان، وكذا اللبن الحامض جدا، والخل مصدر، وما حمض من عصير العنب وغيره، وأجوده خل الخمر، تركب من جوهرين حار وبارد، نافع للمعدة واللثة والقروح والحكة وغيرها، وفي الحديث نعم الإدام الخل، وسمي خلا لأنه اختل من طعم الحلاوة.

([63]) أي يمنع غير صانع الخل وبائعه،ويراق خمره في الحال، فإن خالف وأمسك فصار خلا بنفسه طهر، وأما الخلال فلا يمنع لئلا يضيع عليه ماله، والقول الثاني يراق كغيره، وقال شيخ الإسلام: أظهرهما وجوب إراقته، فإنه ليس في الشريعة خمرة محترمة، لأمره صلى الله عليه وسلم بإراقة خمر اليتامى اهـ وإنما حرم إمساكها للتخليل، لئلا يتخذ ذريعة إلى إمساكها للشرب وعن شرب العصير بعد ثلاث وعن الإنتباذ في الأوعية التي قد يتخذ النبيذ فيها ولا يعلم به حسما لمادة
قربان المسكر، ومتابعة للسنة المأثورة لأنها مظنة ظهور الشدة غالبا، وقد صرح الشارع بالعلة في تحريم القليل، فقال: لو رخصت لكم في هذه لأوشك أن تجعلوها مثل هذه، والعلة في تحريمها: المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل، وقد تواتر تحريمها فلا يرده إلا كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل.

([64]) لم يطهر بالغسل ولو كثر، وحد المائع بحيث يسيل لو فتح فم الزق، وقيل: بحيث لا تسري فيه النجاسة، وعنه: أن المائع كالماء لا ينجس إلا بالتغير، قال الشيخ: بل أولى بعدم التنجيس من الماء، وهو الأظهر في الأدلة الشرعية بل لو نجس القليل من الماء لم يلزم تنجيس الأشربة والأطعمة، ولذا لم يأمر مالك بإراقة ما ولغ فيه الكلب من الأطعمة والأشربة، وفي تنجيسها من الحرج والضيق ما لا يخفى، والفقهاء يعتبرون رفع الحرج في هذا الباب، وإذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير، فكذلك الصواب في المائعات، ومن تدبر الأصول المجمع عليها، والمعاني الشرعية المعتبرة تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال، فإن نجاسة الماء والمائعات بدون التغير بعيد عن ظواهر النصوص والأقيسة، وقال وبالجملة فلم أعلم إلى ساعتي هذه لمن ينجس المائعات الكثيرة بوقوع النجاسة فيها إذا لم يتغير حجة يعتمد عليها المفتي فيما بينه وبين الله عز وجل، وقال ابن القيم: إذا لم تتغير بالنجاسة لم تنجس، وهو الصواب الذي تدل عليه الأصول والنصوص والمعقول، فإن الله أباح الطيبات وحرم الخبائث، والطيب والخبيث يثبت للمحل باعتبار صفات قائمة به، فما دامت تلك الصفة فالحكم تابع لها، فإذا زالت وخلفتها الصفة الأخرى زال الحكم، وخلفه ضده، فهذا هو محض القياس والمعقول، فإذا زال التغير عاد طيبا،والدليل على أنه طيب الحس والشرع.

([65]) أي أو تنجس عجين لم يطهر بالغسل، لأنه لا يمكن غسله، والعجين ما يعجن من الدقيق بالماء، فعيل بمعنى مفعول، من: عجن الدقيق ونحوه يعجنه عجنا
اعتمد عليه بجميع كفه يغمزه، وقال الشيخ وغيره: يطهر السمن الجامد والعجين بقلع وجهه، والتمر بالغسل، وذكر أن طائفة من أصحاب الأئمة رأوا غسل الدهن النجس، وهو خلاف قول الأئمة الأربعة.

([66]) أي أو تنجس باطن حب تشرب نجاسة من أي أنواع الحبوب لم يطهر بالغسل، لأنه لا يستأصل أجزاء النجاسة مما ذكر، وما لم يتشرب النجاسة يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله.

([67]) أي أو تنجس إناء تشرب النجاسة لم يطهر بالغسل.

([68]) أي أو تنجست سكين سقيت النجاسة وهو بأن تعالج بأدوية وتغمس في الماء النجس وأما إحماؤها في النار، ثم غمسها في ماء نجس ونحوه فإطفاء لها، فتطهر بالغسل، فإن غمست أو طبخ لحم بماء نجس كفى غسلهما ولم يحتج إلى غسل السكين وإغلاء اللحم مع عصره، وقال الشيخ في سكين القصاب: لا تحتاج إلى غسل، فإن غسل التي يذبح بها بدعة.

([69]) أي أجزاء ما تنجس مما ذكر.

([70]) لحديث أبي هريرة ألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان مائعا فلا تقربوه، رواه أبو داود، والجامد هو القائم اليابس ضد الذائب، أو هو الذي إذا أخذ منه قطعة لا يتراد من الباقي، ما يملأ محلها عن قرب، والمائع بخلافه، قال شيخ الإسلام: عمل بهذا اللفظ بعض العلماء لظنهم صحته، وهو باطل، ولو اطلع الإمام أحمد على العلة القادحة فيه لم يقل به لأنه من رواية معمر، وهو كثير الغلط باتفاق أهل العلم وقوله: «فلا تقربوه» متروك عند السلف والخلف من الصحابة والتابعين: وقال البخاري وغيره: خطأ وقال ابن القيم: غلط من معمر من عدة وجوه: ويكفي أن الزهري قد روى عنه الناس كلهم خلاف ما روى عنه معمر، وسأل عن هذه المسألة فأفتى بأنها يلقى ما حولها ويؤكل الباقي في الجامد والمائع والقليل والكثير، واستدل بالحديث، فهذه فتياه وهذا استدلاله وهذه رواية الأمة عنه، فقد اتفق على ذلك النص والقياس، ولا يصلح للناس سواه، وما سواه من الأقوال فمتناقض لا يمكن صاحبه طرده اهـ وفي الصحيح وغيره عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فقال: ألقوها وما حولها وكلوه، قال شيخ الإسلام: إذا وقعت فأرة في دهن مائع ولم يتغير بها ألقيت وما قرب منها، ويؤكل ويباع في أظهر قولي العلماء.

([71]) أي فإن اختلط النجس بالطاهر، ولم ينضبط النجس حرم الأكل، تغليبا لجانب الحظر، وإن وقع في مائع سنور أو فأرة ونحوهما مما ينضم دبره إذا وقع فخرج حيا فطاهر، وكذا في جامد، وإن مات فيه، أو حصلت منه رطوبة ألقي وما حوله.

([72]) كمصلى صغير أو بيت صغير.

([73]) يعني ما احتمل أن النجاسة أصابته.

([74]) ولأنه اشتبه الطاهر بالنجس فوجب عليه اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة
بالغسل ولا يكفي الظن، وعند الشيخ يكفي الظن في غسل المذي وغيره من سائر النجاسات، وفي القواعد الأصولية: يحتمل أن تخرج رواية في بقية النجاسات، من الرواية التي في المذي، وفي النكت: وعنه ما يدل على جواز التحري في غير صحراء.

([75]) أو علمها في أحدهما ونسيه غسلهما، وإن علمها فيما يدركه بصره من بدنه أو ثوبه غسل ما يدركه منها،وما لا يدركها أي لا يشاهدها بالعين لقلتها بحيث لو كانت مخالفة للون ثوب ونحوه، ووقعت عليه لم تر لقلتها، وتعبير بعضهم بما لا يدركه الطرف فيه نظر، والأحاديث الصحيحة صريحة فيما يظهر من القذر، واختار ابن عقيل وابن المنا وصاحب الفائق والشيخ وغيرهم أنه لا ينجس.

([76]) ولا غسل كصحراء وحوش واسع خفي موضع النجاسة فيه، لأنه يفضي إلى الحرج والمشقة، ولحديث كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم.

([77]) قال صاحب الإنصاف وغيره: بلا نزاع، وإن لم يقطر منه شيء، والنضح في الأصل الرش والبل، فالذي أصابه البول يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره وفي الكافي: أن يغمره بالماء وإن لم ينزل عنه، وهو نجس، صرح به الجمهور، هذا إذا لم يأكل الطعام لشهوة أو اختيار، فإنه قد يلعق العسل ساعة يولد ويناول السفوف ونحوه، والنبي صلى الله عليه وسلم حنك بالتمر، قال شيخنا وغيره: ليس المراد امتصاصه ما يوضع في فمه وابتلاعه، بل إذا كان
يريد الطعام ويتناوله ويشرئب أو يصيع أو يشير إليه فهذا هو الذي يطلق
عليه أنه يأكل الطعام اهـ فإن أكله لشهوة واختيار غسل والغلام يطلق على الصبي من حين يولد على اختلاف حالاته إلى بلوغه، وفي لفظ بول الغلام الرضيع.

([78]) لحديث أم قيس أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه، ونضح بول الغلام، وغسل بول الجارية متواتر لا شيء يدفعه.

([79]) لقول علي يرفعه: يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر، قال قتادة: إذا لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعا.

([80]) والحكمة والله أعلم أن بول الغلام يخرج بقوة فينتشر أو أنه يكثر حمله فتعظم المشقة بغسله، أو أن مزاجه حار فبوله رقيق، بخلاف الأنثى فبولها أنتن وأخبث لرطوبتها، فتكون هذه المعاني مؤثرة في الفرق.

([81]) أي لعاب الذكر والأنثى طاهر ولو بعد قيء.


  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 07:57 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

يُجزِئ في غَسْلِ النجاسات كلِّها إذا كانت على الأرض غَسْلةٌ واحدةٌ تَذْهَبُ بعَيْنِ النجاسةِ وعلى غَيْرِها سَبْعٌ إِحْدَاها بتُرابٍ في نجاسةِ كَلْبٍ، وخِنْزيرٍ، .........
قوله: «يُجزِئ في غَسْلِ النَّجاسات كلِّها إِذا كانت على الأرض غَسْلةٌ واحدةٌ تَذْهَبُ بعَيْنِ النجاسةِ» ،
هذا تخفيف باعتبار الموضع، فإِذا طرأت النَّجاسة على أرض؛ فإِنه يُشترَط لطِهَارتها أن تزول عَينُ النَّجاسة ـ أيًّا كانت ـ بغَسْلَة واحدة، فإِن لم تَزُلْ إِلا بغَسْلَتين، فَغَسْلَتان، وبثلاث فثلاث.
والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لما بال الأعرابيُّ في المسجد: «أريقوا على بوله ذَنُوباً من ماء»[(772)]، ولم يأمُرْ بعدد.
وإِن كانت النَّجاسة ذات جِرْمٍ، فلا بُدَّ أولاً من إِزالة الجِرْمِ، كما لو كانت عَذِرَة، أو دَمَاً جَفَّ، ثم يُتبع بالماء.
فإِن أزيلت بكلِّ ما حولها من رطوبة، كما لو اجتُثَّتِ اجْتِثاثاً، فإِنه لا يحتاج إِلى غَسْل؛ لأن الذي تلوَّث بالنَّجاسة قد أُزيل.
قوله: «وعلى غَيْرِها سَبْعٌ» ،
أي: يُجزئ في غَسْل النَّجاسات على غير الأرض سَبْعُ غَسْلات، فلا بُدَّ من سَبْع، كلُّ غَسْلَة منفصلة عن الأخرى، فيُغسَلُ أولاً، ثم يُعصَر، وثانياً ثم يُعصَر، وهكذا إِلى سَبْع.
قوله: «إِحْدَاها بترابٍ في نجاسةِ كَلْبٍ وخِنْزيرٍ» ،
أي: إِحدى الغَسْلات السَّبْعِ بتراب.
والدَّليل على ذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم في حديث أبي هريرة، وعبد الله بن مُغَفَّل: «أمَر إِذا وَلَغَ الكَلْب في الإِناء أن يُغْسَل سَبْع مرَّات»[(773)]، «إِحداهنَّ بالتُّراب»[(774)]، وفي رواية: «أولاهنَّ بالتُّراب»[(775)]. وهذه الرِّواية أخصُّ من الأُولى، لأن «إِحداهنَّ» يَشْمل الأُولى إِلى السابعة، بخلاف «أولاهنَّ» فإِنه يخصِّصه بالأولى، فيكون أَوْلى بالاعتبار، ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى: الأَوْلَى أن يكون التُّراب في الأُولى[(776)] لما يلي:
1- ورود النَّصِّ بذلك.
2- أنه إِذا جُعل التُّراب في أوَّل غَسْلة خفَّت النَّجاسة، فتكون بعد أوَّل غَسْلة من النَّجاسات المتوسِّطة.
3- أنه لو أصاب الماء في الغَسْلة الثَّانية بعد التُّراب مَحلًّا آخرَ غُسِل سِتًّا بلا تراب، ولو جعل التُّراب في الأخيرة، وأصابت الغَسْلة الثانية محلًّا آخر غُسِل سِتًّا إِحداها بالتُّراب.
وقوله: «كَلْب» يشمل الأسودَ، والمُعلَّم وغيرهما، وما يُباح اقتناؤه وغيره، والصَّغير، والكبير.
ويشمل أيضاً لما تنجَّس بالولُوغ، أو البَول، أو الرَّوث، أو الرِّيق، أو العَرَق.
والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِذا وَلَغَ الكَلْبُ»، و«أل» هنا لحقيقة الجِنْس، أو لِعُموم الجِنْس، وعلى كلٍّ هي دالَّة على العموم.
فإِن قيل: ألا يكون في هذا مَشقَّة بالنِّسبة لما يُباح اقتناؤه؟
أجيب:
بلى، ولكن تزول هذه المشقَّة بإِبعاد الكلب عن الأواني المستعمَلة، بأن يُخصَّص له أواني لطعامه وشرابه، ولا نخرجه عن العموم، إِذ لو أخرجناه لأخرجنا أكثر ما دلَّ عليه اللفظ، وهذا غير سديد في الاستدلال.
وقال بعض الظَّاهريَّة: إِنَّ هذا الحُكم فيما إِذا وَلَغَ الكلب، أما بَوْله، ورَوْثه فكسائر النَّجاسات[(777)]، لأنهم لا يَرَوْن القياس.
وجمهور الفقهاء قالوا: إِن رَوْثَهُ، وبوله كوُلُوغه، بل هو أخبث[(778)]، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم نَصَّ على الوُلُوغ، لأن هذا هو الغالب، إِذ إِن الكلب لا يبول ويروث في الأواني غالباً، بل يَلِغُ فيها فقط، وما كان من باب الغالب فلا مفهوم له، ولا يُخَصُّ به الحكم.
ورجَّحَ بعض المتأخِّرين مذهب الظَّاهريَّة[(779)]،
لا من أجل الأخذ بالظَّاهر؛ ولكن من أجل امتناع القياس، لأن من شَرْط القياس مساواة الفرع للأصل في العِلَّة حتى يساويه في الحُكم، لأن الحكم مرتَّبٌ على العِلَّة، فإِذا اشتركا في العِلَّة اشتركا في الحكم، وإِلا فلا.
والفرق على قولهم:
أَن لُعاب الكلب فيه دودة شريطيَّة ضارَّة بالإِنسان، وإِذا وَلَغَ انفصلت من لُعابه في الإِناء، فإِذا استعمله أحد بعد ذلك فإِنها تتعلَّق بمعدة الإِنسان وتخرقها، ولا يُتلفها إِلا التُّراب.
ولكن هذه العِلَّة إِذا ثبتت طبيًّا، فهل هي منتفية عن بوله، وروثه؟ يجب النَّظر في هذا، فإِذا ثبت أنها منتفية، فيكون لهذا القول وجه من النَّظر، وإِلا فالأحْوَط ما ذهب إِليه عامَّة الفقهاء، لأنك لو طهَّرته سبعاً إِحداها بالتُّراب لم يَقُل أحد أخطأت، ولكن لو لم تطهِّره سَبْع غسلات إِحداها بالتُّراب، فهناك من يقول: أخطأت، والإِناء لم يطهُر.

وقوله: «وخِنْزير»،
الخنزير: حيوان معروف بفَقْدِ الغيرة، والخُبث، وأكلِ العَذِرة، وفي لحمه جراثيم ضارَّة، قيل: إِن النَّار لا تؤثِّر في قتلها، ولذا حَرَّمه الشَّارع.
والفقهاء ـ رحمهم الله ـ ألحقوا نجاسته بنجاسة الكلب؛ لأنه أخبث من الكلب، فيكون أوْلى بالحكْم منه.
وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يَرِدْ إِلحاقه بالكلب.
فالصَّحيح: أن نجاسته كنجاسة غيره، فتُغسل كما تُغسل بقية النَّجاسات.

ويُجْزِئ عن التراب أشنانٌ، ونحوه.
قوله: «ويُجْزِئ عن التُّراب أشنانٌ ونحوه» ، الأشنان: شجر يُدَقُّ ويكون حبيبات كحبيبات السُّكَّر أو أصغر، تغسل به الثِّياب سابقاً، وهو خشن كخشونة التُّراب، ومنظِّف، ومزيل، ولهذا قال المؤلِّف: «يجزئ عن التُّراب» في نجاسة الكلب.
وهذا فيه نظر لما يلي:
1- أن الشارع نَصَّ على التُّراب، فالواجب اتِّباع النَّصِّ.
2- أن السِّدْر والأشنان كانت موجودة في عهد النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يُشرْ إِليهما.
3- لعل في التُّراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لُعاب الكلب.
4- أن التُّراب أحد الطهورين، لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمُّم إِذا عُدِم. قال صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً»[(780)]،
فرُبَّما كان للشَّارع ملاحظات في التُّراب فاختاره على غيره؛ لكونه أحد الطَّهورين، وليس كذلك الأشنان وغيره.
فالصَّحيح: أنه لا يجزئ عن التُّراب، لكن لو فُرض عدم وجود التُّراب ـ وهذا احتمال بعيد ـ فإِن استعمال الأشنان، أو الصَّابون خير من عَدَمه.
وظاهر كلام المؤلِّف:
أنَّ الكلب إِذا صادَ، أو أمسك الصَّيدَ بفمه، فلا بُدَّ من غسْل اللحم الذي أصابه فَمُهُ سبع مرَّات إِحداها بالتُّراب، أو الأشنان، أو الصَّابون، وهذا هو المذهب.
وقال شيخ الإِسلام: إِن هذا مما عَفَا عنه الشَّارع؛ لأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه أمر بغَسْل ما أصابه فَمُ الكلب من الصَّيد الذي صاده[(781)].
وأيضاً: الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذا وَلَغَ»[(782)]، ولم يقل: «إِذا عَضَّ»، فقد يخرج من معدته عند الشرب أشياء لا تخرج عند العضِّ. ولا شَكَّ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يغسلون اللحم سبع مرات إِحداها بالتُّراب، ومقتضى ذلك أنه معفوٌّ عنه، فالله سبحانه هو القادر وهو الخالق وهو المشرِّع، وإِذا كان معفوًّا عنه شرعاً زال ضرره قدراً، فمثلاً الميتة نجسة، ومحرَّمة، وإِذا اضطُرَّ الإِنسان إِلى أكلها صارت حلالاً لا ضرر فيها على المضطرِّ.
والحمار قبل أن يُحرَّم طيِّب حلالُ الأكل، ولما حُرِّمَ صار خبيثاً نجساً.
فالصَّحيح:
أنه لا يجب غسل ما أصابه فَمُ الكلب عند صيده لما تقدَّم، لأن صيد الكلب مبنيٌّ على التَّيسير في أصله؛ وإِلا لجاز أن يُكلِّفَ الله عزّ وجل العباد أن يصيدوها بأنفسهم؛ لا بالكلاب المعلَّمة، فالتيسير يشمل حتى هذه الصُّورة، وهو أنه لا يجب غَسْل ما أصابه فَمُ الكلب، وأن يكون مما عَفَا الله تعالى عنه.

وفي نجاسةِ غَيْرهما سَبْعٌ بلا تُرابٍ،...................
قوله: «وفي نجاسةِ غَيْرهما سَبْعٌ بلا تُرابٍ» ،
أي: يجزئ في نجاسة غير الكلب والخنزير سبع غسلات بلا تُراب، فلا بُدَّ من سبع، بأن تُغسل أولاً، ثم تُعصر، ثم تغسل ثانياً، ثم تُعصر، وهكذا إِلى سبع غسلات، وإِن احتاج إِلى الدَّلك فلا بُدَّ من الدَّلك، وإِذا زالت النَّجَاسة بأوَّل غسلة، وبقي المحلُّ نظيفاً، لا رائحة فيه، ولا لون فلا يطهر إِلا بإِكمال السَّبع، وهذا هو المذهب.
واستدلُّوا: بما رُوي عن ابن عمر أنه قال: «أُمِرْنا بِغَسْل الأنجاس سَبْعاً»[(783)]، وإِذا قال الصَّحابي أُمِرنا فالآمر هو النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فيكون من المرفوع حُكماً.
وقال بعض العلماء: إِنه لا بدَّ من ثلاث غسلات[(784)].
واستدلُّوا: بأن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكرِّرُ الأشياء ثلاثاً، حتى في الوُضُوء أعلاه ثلاث مرات[(785)]، ولأن النَّجاسة لا تزول بدونها غالباً.
وقال آخرون:
تكفي غَسْلة واحدة تزول بها عَيْن النَّجاسة، ويطهر بها المحلُّ[(786)].
واستدلُّوا على ذلك بما يلي:
1- قوله صلّى الله عليه وسلّم في دَمِ الحيض يُصيب الثَّوب: «تحتُّهُ ثم تَقْرُصُه بالماء، ثم تَنْضِحُهُ، ثم تُصَلِّي فيه»[(787)] ولم يذكر عدداً، والمقام مقامُ بيانٍ؛ لأنه جواب عن سؤال، فلو كان هناك عدد معتَبَر لَبيَّنَه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا لمَّا كان الدَّمُ جافًّا، قال: تحتُّه أولاً، ولم يقُلْ تغسِلُه، مع أنه مع تكرار الغَسْل يمكن أن يزول، ولو كان جافًّا، لكن بدأ بالأسهل.
2- أن النَّجاسة عين خبيثة متى زالت زال حُكمها، وهذا دليل عقليٌّ واضح جداً، وعلى هذا فلا يُعتبر في إِزالة النَّجاسة عددٌ؛ ما عدا نجاسة الكلب فلا بُدَّ لإِزالتها من سبع غسلات إِحداها بالتُّراب للنَّصِّ عليه.
وأجيب عن حديث ابن عمر بجوابين:
1- أنَّه ضعيف، لا أصل له.
2- على تقدير صحَّته؛
فقد روى الإِمام أحمد رحمه الله حديثاً ـ وإِن كان فيه نظر ـ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أُمِر بغسل الأنجاس سبعاً، ثم سأل الله التَّخفيف، فأُمِرَ بغسلها مرَّة واحدة[(788)]، فيُحمل حديث ابن عمر ـ إِن صحَّ ـ على أنه قَبْل النَّسْخ، فيَسقط الاستدلال به.
والصَّحيح: أنه يكفي غسلة واحدة تذهب بعين النَّجاسة، ويطهُر المحلُّ، ما عدا الكلب فعلى ما تَقدَّم.
فإِن لم تَزُلِ النَّجاسة بغسلةٍ زاد ثانية، وثالثة وهكذا، ولو عشر مرَّات حتى يطهُر المحلُّ، والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم للاَّتي غسَّلن ابنته: «اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر؛ إِن رأيتنَّ ذلك»[(789)].
مع أن تطهير الميْت ليس عن نجاسة في الغالب، فإِذا كان كذلك ـ أي: التطهير الذي ليس عن نجاسة يُزاد فيه على السَّبع إِذا رأى الغاسل ذلك ـ فما كان عن نجاسة من باب أَوْلَى، بل يجب أن يُغسل حتى تطهُرَ النَّجاسة.

ولا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بشمسٍ،..................................
قوله: «ولا يَطْهُرُ مُتَنَجِّسٌ بشمسٍ» ، المتنجِّس ما أصابته النَّجاسة.
وهو هنا نكِرة في سِيَاق النَّفي، فتعمُّ كلَّ متنجِّس، سواء كان أرضاً، أو ثوباً، أو فراشاً، أو جداراً، أو غير ذلك، فلا يطهُر بالشَّمس، يعني بذهاب نجاسته بالشمس، والدليل على ذلك:
1- قوله تعالى: {{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}} [الأنفال: 11] ، فجعل الله الماء آلة التَّطهير.
2- قوله صلّى الله عليه وسلّم في البحر: «هو الطَّهور ماؤه»[(790)].
3- قوله صلّى الله عليه وسلّم في الماء يُفطر عليه الصَّائم: «فإِنَّه طَهور»[(791)]، أي: تحصُل به الطَّهارة، فلم يذكر الله عزّ وجل ولا النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم شيئاً تحصُل به الطَّهارة سوى الماء.
4- حديث أنس رضي الله عنه: «أنَّ أعرابيًّا دخل المسجد، فبالَ في طائفة منه، فزجره النَّاس، فنهاهم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، فلما قضى بوله، أمر بذَنوب من ماء فأُريق عليه»[(792)]، فلم يتركه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم للشَّمس حتى تطهِّره.
وهذا هو المشهور من المذهب، أنَّ الماء يُشْتَرَط لإِزالة النَّجاسة، فلو كان هناك شيء مُتنجِّس بادٍ للشمس كالبول على الأرض، ومع طول الأيام، ومرور الشمس عليه زال بالكلِّية، وزال تغيُّرُه فلا يطهُر، بل لا بُدَّ من الماء.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إِلى أن الشمس تُطَهِّرُ المتنجِّس، إِذا زال أثر النَّجاسة بها، وأنَّ عين النَّجاسة إِذا زالت بأيِّ مزيل طَهُر المحلُّ[(793)]،
وهذا هو الصَّواب لما يلي:
1- أن النَّجاسةَ عينٌ خبيثة نجاستُها بذاتها، فإِذا زالت عاد الشيء إِلى طهارته.
2- أن إِزالة النَّجاسة ليست من باب المأمور، بل من باب اجتناب المحظور، فإِذا حصل بأيِّ سبب كان ثَبَتَ الحُكم، ولهذا لا يُشترط لإِزالة النّجاسة نيَّة، فلو نزل المطر على الأرض المتنجِّسة وزالت النَّجاسة طَهُرت، ولو توضَّأ إِنسان وقد أصابت ذراعَه نجاسةٌ ثم بعد أن فرغ من الوُضُوء ذكرها فوجدها قد زالت بماءِ الوُضُوء فإِن يده تطهر، إِلا على المذهب؛ لأنهم يشترطون سبع غسلات، والوُضُوء لا يكون بسبع.

والجواب عما استدلَّ به الحنابلة:
أنه لا ينكر أن الماء مطهِّر، وأنه أيسر شيء تطُهَّر به الأشياء، لكن إِثبات كونه مطهِّراً، لا يمنع أن يكون غيره مطهراً،
لأن لدينا قاعدة وهي:
أن عدم السبب المعيَّن لا يقتضي انتفاء المسَبَّب المعين، لأن المؤثِّر قد يكون شيئاً آخر. وهذا الواقع بالنسبة للنجاسة.
وعبَّر بعضهم عن مضمون هذه القاعدة بقوله: انتفاء الدَّليل المعيَّن لا يَستلزِم انتفاء المدلول؛ لأنَّه قد يَثْبُتُ بدليل آخر.
وأما بالنسبة لحديث أنس، وأَمْرِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بأن يُصَبَّ عليه الماء[(794)]، فإِنَّ ذلك لأجل المبادرة بتطهيره، لأن الشَّمس لا تأتي عليه مباشرة حتى تُطهِّره بل يحتاج ذلك إِلى أيام، والماء يُطهِّره في الحال، والمسجد يحتاج إِلى المبادرة بتطهيره؛ لأنه مُصلَّى النَّاس.
ولهذا ينبغي للإِنسان أن يُبادر بإِزالة النَّجاسة عن مسجده، وثوبه، وبَدَنِه، ومصلاَّه لما يلي:
1- أن هذا هو هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم.
2- أنَّه تخلُّص من هذا القَذَر.
3- لئلا يَرِدَ على الإِنسان نسيان، أو جهالة بمكان النَّجاسة فيُصلِّي مع النَّجاسة.

ولا رِيْحٍ، ولا دَلْكٍ، ولا استحالةٍ،.................................
قوله: «ولا ريح» ، أي لا يطهُر المتنجِّس بالرِّيح، يعني الهواء. هذا هو المشهور من المذهب.
والدَّليل: ما سبق أنَّه لا يُطَهِّر إِلا الماء.
والقول الثَّاني:
أنه يطهُر المتنجِّس بالريح[(795)]، لكن مجرد اليُبْس ليس تطهيراً، بل لا بدَّ أن يمضي عليه زمن بحيث تزول عين النَّجاسة وأثرها،
لكن يُستثنى من ذلك: لو كان المتنجِّس أرضاً رمليَّة؛ فحملت الرِّيح النَّجاسة وما تلوَّث بها، فزالت وزال أثرها؛ فإِنها تطهر.
قوله: «ولا دَلْكٍ» ،
أي: لا يطهُر المتنجِّس بالدَّلكِ مطلقاً؛ سواء كان صقيلاً تذهبُ عينُ النَّجاسة بدلكه كالمرآة، أم غير صقيل، هذا هو المذهب.
والقول الثَّاني: أن المتنجِّس ينقسم إِلى قسمين:
الأول: ما يمكن إِزالة النَّجاسة بِدَلْكِه، وذلك إِذا كان صقيلاً كالمرآة والسَّيف، ومثل هذا لا يتشرَّب النَّجاسة، فالصَّحيح أنه يطهُر بالدَّلْكِ، فلو تنجَّست مرآة، ثم دَلَكْتَها حتى أصبحت واضحة لا دَنَسَ فيها فإِنها تطهُر.
الثاني: ما لا يمكن إِزالة النَّجاسة بِدَلْكِه؛ لكونه خشناً، فهذا لا يطهُر بالدَّلك، لأن أجزاءً من النَّجاسة تبقى في خلاله[(796)].
قوله: «ولا استحالةٍ» ، استحال أي: تحوَّل من حالٍ إِلى حال.
أي: أن النَّجاسة لا تطهر بالاستحالة؛ لأنَّ عينها باقية.
مثاله:
رَوْثُ حمار أُوقِدَ به فصار رماداً؛ فلا يطهُر؛ لأن هذه هي عين النَّجاسة، وقد سبق أن النَّجاسة العينيَّة لا تطهُر أبداً[(797)]، والدُّخَان المتصاعد من هذه النَّجاسة نَجِسٌ على مقتضى كلام المؤلِّف؛ لأنه متولِّد من هذه النَّجاسة، فلو تلوَّث ثوب إِنسان، أو جسمه بالدُّخان وهو رطب، فلا بُدَّ من غَسْله.
مثال آخر:
لو سقط كلبٌ في مَمْلَحَة «أرض ملح» واستحال، وصار مِلْحاً، فإِنه لا يطهُر، ونجاسته مغلَّظة.
ويَستَثنون من ذلك ما يلي:
1- الخَمْرَة تتخلَّل بنفسها[(798)].
2- العَلَقَة تتحول إِلى حيوان طاهر.
والصَّحيح:
أنه لا حاجة لهذا الاستثناء، لأن الخَمْرة على القول الرَّاجح ليست نَجِسة كما سيأتي[(799)].
وأما بالنسبة للعَلَقة فلا حاجة لاستثنائها؛ لأنها وهي في معدنها الذي هو الرَّحم لا يُحكم بنجاستها، وإِن كانت نجسة لو خرجت.
ولذلك كان بول الإِنسان وعَذِرَتُه في بطنه طاهرين، وإِذا خرجا صارا نجسَين، ولأن المصلِّي لو حمل شخصاً في صلاته لَصحَّت صلاته؛ بدليل أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم حَمَلَ أُمامة بنت ابنته زينب، وهو يُصلِّي[(800)]، ولو حمل المُصلِّي قارورة فيها بول أو غائط لَبَطلت صلاتُه.

غَيْرَ الخَمْرَةِ .............................................
قوله: «غَيْرَ الخَمْرَة» ، الخَمْرُ: اسم لكل مُسكِر. هكذا فسَّره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم[(801)].
والعجبُ ممن قال: إِنَّ الخمر لا يكون إِلا من نبيذ العنب، وقد قال أفصح العرب وأعلمهم: «كلُّ مسكرٍ خَمْر، وكلُّ مُسْكرٍ حرام» (801) ، مع أنَّه لو وُجِدَ ذلك في «القاموس المحيط» مثلاً ومؤلِّفه فارسيٌّ لسُلِّمَ به.
والخمر حرام بالكتاب، والسُّنَّة، وإِجماع المسلمين. ولهذا قال العلماء: مَن أنكر تحريمه وهو ممن لا يجهل ذلك كَفَرَ، ويُستتاب؛ فإِن تاب وإِلاَّ قُتِل؛ سواءٌ كانت من العنب، أم الشَّعير، أم البُرِّ، أم التَّمر، أم غير ذلك.
مسألة: نجاسة الخمر:
جمهور العلماء ـ ومنهم الأئمَّة الأربعة، واختاره شيخ الإِسلام ـ أنَّها نجسة[(802)]، واستدلُّوا بقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}} [المائدة: 90] . والرِّجس: النَّجَس؛ بدليل قوله تعالى: {{قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}} [الأنعام: 145] ، ولا مانع من أن تكون في الأصل طيِّبة؛ ثم تنقلب إِلى نجسة بعلَّة الإِسكار؛ كما أن الإِنسان يأكل الطَّعام وهو طيِّب طاهر ثم يخرج خبيثاً نجساً.
واستدلُّوا أيضاً بقوله تعالى: {{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}} [الإِنسان: 21] يعني في الجَنَّة، فدلّ على أنه ليس كذلك في الدُّنيا.
والصَّحيح: أنها ليست نجسة، والدَّليل على ذلك ما يلي:
1- حديث أنس رضي الله عنه: «أنَّ الخمرَ لمَّا حُرِّمت خرج النَّاس، وأراقوها في السِّكك»[(803)]، وطُرقات المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً لإِراقة النَّجاسة، ولهذا يَحرُم على الإِنسان أن يبولَ في الطَّريق؛ أو يصبَّ فيه النَّجاسة، ولا فرق في ذلك بين أن تكون واسعة أو ضيِّقة كما جاء في الحديث: «اتقوا اللعَّانَين»، قالوا: وما اللعَّانَان يا رسول الله؟ قال: «الذي يَتَخَلَّى في طريق النَّاس أو في ظلِّهم[(804)]».

فقوله: «في طريق النَّاس» يعمُّ ما كان واسعاً وضَيِّقاً، على أنَّه يُقال: إِنَّ طُرقات المدينة لم تكن كلُّها واسعة، بل قد قال العلماء رحمهم الله: إِن أوسع ما تكون الطُّرقات سبعة أذرع، يعني عند التَّنازع[(805)].
فإِن قيل: هل عَلِم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بإِراقتها؟
أجيب: إِنْ عَلِمَ فهو إِقرار منه صلّى الله عليه وسلّم ويكون مرفوعاً صريحاً، وإِن لم يَعْلَم فالله تعالى عَلِمَ، ولا يقرُّ عبادَه على مُنكَر، وهذا مرفوع حُكماً.
2- أنَّه لما حُرِّمت الخمر لم يؤمروا بِغَسْل الأواني بعد إِراقتها، ولو كانت نجسة لأُمروا بِغَسْلها، كما أُمروا بِغَسْل الأواني من لحوم الحُمُر الأهليَّة حين حُرِّمت في غزوة خيبر[(806)].
فإِن قيل: إِنَّ الخمر كانت في الأواني قبل التَّحريم، ولم تكن نجاستها قد ثبتت.
أُجيب: أنَّها لما حُرِّمت صارت نجسة قبل أن تُراق.
3- ما رواه مسلم أن رجلاً جاء براوية خمر فأهداها للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أما علمتَ أنَّها حُرِّمت؟» فَسَارَّةُ رجلٌ أنْ بِعْها، فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «بِمَ سارَرْتَهُ؟»، قال: أمَرْتُهُ ببيعِهَا، فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إِن الذي حَرَّمَ شُرْبَها حَرَّمَ بَيْعَها»، ففتح الرجلُ المزادة حتى ذهب ما فيها[(807)]. وهذا بحضرة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يَقُلْ له: اغْسلِها، وهذا بعد التَّحريم بلا ريب.
4- أنَّ الأصل الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا دليل هنا. ولا يلزم من التحريم النجاسة؛ بدليل أن السُمَّ حرام وليس بنجس.
والجواب عن الآية: أنَّه يُراد بالنَّجاسةِ النَّجاسةُ المعنويَّة، لا الحسِّيَّة لوجهين:
الأول: أنها قُرِنَت بالأنصاب والأزلام والميسر، ونجاسة هذه معنويَّة.
الثاني: أن الرِّجس هنا قُيِّد بقوله: {{مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}} فهو رجسٌ عمليٌّ، وليس رجساً عينيّاً تكون به هذه الأشياء نجسة.
وأما قوله تعالى: {{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}} [الإِنسان: 21] ، فإِننا لا نقول بمفهوم شيء من نعيم الآخرة؛ لأننا نتكلَّم عن أحكام الدُّنيا.
وأيضاً: فكلُّ ما في الجنَّة طَهُور فليس هناك شيء نجس.
ثم إِن المراد بالطَّهور هنا الطَّهورُ المعنويُّ الذي قال الله فيه: {{لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزِفُونَ *}} [الصافات] وهذا متعيِّن؛ لأن لدينا سُنَّة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بِعَدَمِ النَّجاسة.
ثم إِن شراب أهل الجنَّة ليس مقصوراً على الخمر، بل فيها أنهار من ماء ولَبَن وعسل، وكلُّها يُشرب منها، فهل يمكن أن يُقال: إِنَّ ماء الدنيا ولَبَنَها وعسَلَها نَجِس بمفهوم هذه الآية؟.
فإِن قيل: كيف تخالف الجمهور؟.
فالجواب: أن الله تعالى أمر عند التَّنازع بالرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة، دون اعتبار الكثرة من أحد الجانبين، وبالرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة يتبيَّن للمتأمِّل أنه لا دليل فيهما على نجاسة الخمر نجاسة حسيَّة، وإِذا لم يَقُم دليل على ذلك فالأصل الطَّهارة، على أننا بيَّنَّا من الأدلَّة ما يَدُلُّ على طهارته الطَّهارة الحسيَّة.

فَإِنْ خُلِّلَتْ أَوْ تَنَجَّسَ دُهْنٌ مائعٌ لم يَطْهُر،..............
قوله: «فإِن خُلِّلَتْ» ، الضَّمير يعود إِلى الخمرة، وتخليلها أن يُضاف إِليها ما يُذهِب شدَّتها المسْكِرة من نبيذ أو غيره، أو يصنع بها ما يذهب شدَّتها المسْكِرة.
والمشهور من المذهب: أنها إِذا خُلِّلَتْ لا تطهُر، ولو زالت شدَّتُها المسكرة، ولا فرق بين أن تكون خمرة خلاَّل، أو غيره؛ لأن بعض العلماء استثنى خمرة الخلاَّل وقال: إِنه يجوز تخليلُها[(808)]؛ لأن هذه هي كلُّ ماله، فإِذا منعناه من التَّخليل أفسدنا عليه ماله. ولكن الصَّحيح أنَّه لا فرق، وأن الخمر متى تخمَّرت أريقت؛ ولا يجوز أن تُتَّخذ للتَّخليل بخلاف ما إِذا تخلَّلت بنفسها فإِنها تطهُر وتحِلُّ.
واستدلُّوا:
بأن زوال الإِسكار كان بفعل شيء محرَّم، فلم يترتَّب عليه أثره، إِذ التَّخليل لا يجوز؛ بدليل ما رواه أنس أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِل عن الخمر تُتَّخذ خَلًّا؟ ـ أي: تُحَوَّلُ خلًّا ـ قال: «لا»[(809)].
ولأن التَّخليل عمل ليس عليه أمْر الله، ولا رسوله، فيكون باطلاً مردوداً، فلا يترتَّبُ عليه أثرٌ كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ»[(810)].
وقال بعض العلماء: إِنها تطهُر، وتحلُّ بذلك، مع كون الفعل حراماً[(811)].
وعلّلوا: أنَّ عِلَّة النَّجاسة الإسكار، والإِسكار قد زال، فتكون حلالاً.
وقال آخرون:
إِنْ خلَّلها مَنْ يعتقدُ حِلَّ الخمر كأهل الكتاب؛ اليهود والنَّصارى، حَلَّت، وصارت طاهرة. وإِن خلَّلها مَنْ لا تَحِلُّ له فهي حرام نجسة [(811)] ، وهو أقرب الأقوال. وعلى هذا يكون الخلُّ الآتي من اليهود والنَّصارى حلالاً طاهراً، لأنهم فعلوا ذلك على وجه يعتقدون حِلَّه، ولذا لا يُمنعون من شرب الخمر.

قوله: «أَوْ تَنَجَّسَ دُهْنٌ مائعٌ لم يَطْهُر» ،
الدُّهن تارة يكون مائعاً، وتارة يكون جامداً،
والمائع قيل: هو الذي يتسرَّب أو يجري إِذا فُكَّ وعاؤه، فإِن لم يتسرَّب فهو جامد. وقيل: هو الذي لا يمنع سريان النَّجاسة[(812)].
فإِذا كان جامداً، وتنجَّس، فإِنها تزال النَّجاسة، وما حولها.
مثاله:
سقطت فأرة في وَدَكٍ جامد فماتت، فالطَّريق إِلى طهارته أن تأخذ الفأرة، ثم تقوِّر مكانها الذي سقطت فيه، ويكون الباقي طاهراً حلالاً.
وإِن كان مائعاً، فالمشهور من المذهب أنَّه لا يطهرُ، سواء كانت النجَّاسة قليلة أم كثيرة، وسواء كان الدُّهن قليلاً أم كثيراً، وسواء تغيَّر أم لم يتغيَّر، فمثلاً: إِذا سقطت شعرة فأرة في «دَبَّةٍ»[(813)] كبيرة مملوءة من الدُّهن المائع، فينجُس هذا الدُّهن ويفسد.
والصَّواب: أن الدُّهن المائع كالجامد؛ فتلقي النجاسة وما حولها، والباقي طاهر.
والدَّليل على ذلك ما يلي:
1- أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِل عن فأرة، وقعت في سَمْنٍ فقال: «ألقوها، وما حولها فاطْرَحُوهُ، وكُلُوا سمنَكم»[(814)]، ولم يفصِّلْ.
أما رواية: «إِذا كان جامداً، فألقوها وما حولها، وإِذا كان مائعاً، فلا تقربوه»[(815)]، فضعيفة كما ذكر ذلك شيخ الإِسلام[(816)].
2- أن الدُّهن لا تسري فيه النَّجاسة، سواء كان جامداً أم مائعاً، بخلاف الماء، فتنفذ فيه الأشياء.
لكن إِنْ كانت النَّجاسة قويَّة وكثيرة، والسَّمن قليل، وأثَّرت فيه فهل يمكن تطهيره؟.
قال بعض العلماء: لا يمكن؛ لأنَّ الأشياء لا تنفذ في الدُّهن[(817)]، فلو جئنا بماء، وصببناه فإِنه لا يدخل في الدُّهن، بل يبقى معزولاً.
وقال آخرون:
يمكن تطهيره بأن يُغلى بماء حتى تزول رائحةُ النَّجاسة وطعمُها بعد إِزالة عين النَّجاسة (817) .
وهذا القول يَنْبَنِي على ما سبق وهو أن النَّجاسة عين خبيثة متى زالت زال حُكْمُها.

وإن خَفِي مَوْضِعُ نجاسةٍ غَسَل حَتَّى يَجْزِمَ بِزَوَالِهِ، .......
قوله: «وإِن خَفِيَ مَوْضِعُ نجاسةٍ غَسَل حَتَّى يَجْزِمَ بزَوالِهِ» ،
يعني: إذا أصابت النَّجاسة شيئاً، وخفي مكانها، وجب غسل ما أصابته حتى يتيقَّن زوالها.
واعْلَم أنَّ ما أصابته النَّجاسة لا يخلو من أمرين:
إِما أن يكون ضيِّقاً، وإِمَّا أن يكون واسعاً.
فإِن كان واسعاً فإِنه يتحرَّى، ويغسل ما غلب على ظنِّه أنَّ النَّجاسة أصابته، لأن غسْل جميع المكان الواسع فيه صُعوبة.
وإِن كان ضيِّقاً، فإِنَّه يجب أن يَغسِل حتى يَجزِم بزوالها.
مثال ذلك:
أصابت النَّجاسة أَحَدَ كُمَّي الثَّوب، ولم تعرف أيَّ الكُمَّين أصابته، فيجب غسل الكُمَّين جميعاً، لأنه لا يجزم بزوالها إِلا بذلك.
وكذا لو علمتَ أحدهما، ثم نسيتَ فيجب غسلهما جميعاً.
وكلامه رحمه الله يدلُّ على أنه لا يجوز التَّحرِّي ولو أمكن؛ لأنه لا بُدَّ من الجزم واليقين.
والصَّحيح: أنه يجوز التَّحرِّي، لقوله صلّى الله عليه وسلّم في الشَّكِّ في الصَّلاة: «فليتحرَّ الصَّواب، ثم ليتمَّ عليه»[(818)].
وعليه؛ إِذا كان للتَّحرِّي مجال، فتتحرَّى أيَّ الكُمَّين أصابته النَّجاسة، ثم تغسله.
مثال ذلك:
لو مرَرْتَ بالنَّجاسة عن يمينك، وأصابك منها، ولا تدري في أيِّ الكُمَّين، فهنا الذي يغلب على الظَّن أنَّه الأيمن، فيجب عليك غسله دون الأيسر.
أما إِذا لم يكن هناك مجال للتَّحرِّي، فتغسل الكُمَّين جميعاً؛ لأنك لا تجزم بزوال النَّجاسة إِلا بذلك،
فالأحوال أربع:
الأولى: أن تجزم بإِصابة النَّجاسة للموضعَين؛ فتغسِلهما جميعاً.
الثانية: أن تجزم أنَّها أصابت أحدهما بعينه؛ فتغسِله وحده.
الثالثة: أن يغلب على ظنِّك أنها أصابت أحدهما؛ فتغسله وحده على القول الرَّاجح.
الرَّابعة: أن يكون الاحتمالان عندك سواء؛ فتغسلهما جميعاً.
والمذهب: أن الثَّالثة كالرابعة؛ فتغسلهما جميعاً.

ويَطْهُرُ بَوْلُ غلامٍ لم يأكُل الطَّعامَ بنضْحِه،.............
قوله: «ويَطْهُرُ بَولُ غلامٍ» ، «بول»: خرج به الغائط.
«غلام»: خرج به الجارية.
قوله: «لم يأكُل الطَّعامَ بنضْحِه» ، خرج من يأكل الطَّعامَ، أي: يتغذَّى به.
والنَّضح: أن تُتْبِعَهُ الماء دون فَرْكٍ، أو عَصْرٍ حتى يشمله كلَّه، والدَّليل على ذلك: حديث عائشة[(819)] وأُمِّ قيس بنت محصن الأسديَّة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أُتِيَ بغلامٍ، فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فأتْبَعَهُ بَولَه؛ ولم يغسِلْه[(820)].
فإِن قيل:
ما الحكمة أنَّ بَول الغلام الذي لم يَطْعَمْ يُنضح، ولا يُغسل كَبَول الجارية؟.
أُجيب: أنَّ الحكمة أن السُّنَّة جاءت بذلك، وكفى بها حكمة، ولهذا لما سُئِلَت عائشة رضي الله عنها: ما بَالُ الحائض تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟
فقالت: «كان يُصيبنا ذلك على عهد الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم فنُؤْمَر بقضاء الصَّوم، ولا نُؤْمَر بقضاء الصَّلاة»[(821)].
ومع ذلك التمس بعض العلماء الحكمة في ذلك[(822)]:
فقال بعضهم:
الحكمة في ذلك التيسير على المكلَّف، لأن العادة أن الذَّكر يُحْمَل كثيراً، ويُفرح به، ويُحَبُّ أكثر من الأُنثى، وبوله يخرج من ثقب ضيِّق، فإِذا بال انتشر، فمع كثرة حمله، ورشاش بوله يكون فيه مشقَّة؛ فخُفِّفَ فيه.
وقالوا أيضاً:
غذاؤه الذي هو اللبَن لطيف، ولهذا إذا كان يأكل الطَّعام فلا بُدَّ من غسل بوله، وقوَّته على تلطيف الغذاء أكبر من قوَّة الجارية.
وظاهر كلام أصحابنا أن التفريق بين بول الغلام والجارية أَمْرٌ تعبُّدي[(823)].
وغائط هذا الصبي كغيره لا بُدَّ فيه من الغَسْل.
وبَول الجارية والغلام الذي يأكل الطَّعام كغيرهما، لا بُدَّ فيهما من الغَسْل.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, إزالة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir