الكلامُ على الراءِ وأحكامِها
أما الراءُ فإما أن تكونَ متحرِّكةً في الوصْلِ والوقفِ، وإما أن تكونَ ساكنةً في الوصلِ والوقفِ، وإما أن تكونَ متحرِّكةً في الوصْلِ ساكنةً في الوقْفِ ولكلٍّ حكْمٌ خاصٌّ، نوضِّحُه فيما يلي:
حكمُ الراءِ المتحرِّكةِ في الوصلِ والوقفِ:
وهذه الراءُ تقعُ أوَّلاً ووسَطاً، وتكونُ مفتوحةً ومضمومةً ومكسورةً، فإن كانت مفتوحةً أو مضمومةً فلا خلافَ في تفخيمِها مخفَّفةً أو مشدَّدةً فمثال المضمومةِ: {كُلَّمَا رُزِقُوا} (البقرة: آية 25)، {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (الحج: آية 26)، {وَعِشْرُونَ صَابِرُونَ} (الأنفال: آية 65)، ومثالُ الراءِ المفتوحةِ، نحوَ: {رَأَوْ}، و {مِرَاءً ظَاهِراً} (الكهف: آية 22)، و {مُبَشِّراً وَنَذِيراً} (الأحزاب: آية 45)، وإن كانت مكسورةً فلا خلافَ في ترقيقِها لجميعِ القرَّاءِ سواءً كانت مخفَّفةً أو مشدَّدةً، وذلك نحوَ: {وَفِي الرِّقَابِ} (التوبة: آية 60) {رِجَالٌ}، و{رِئَاءَ النَّاسِ} (البقرة: آية 264)، {وَالصَّابِرِينَ} وما إلى ذلك، قالَ الناظمُ:
41- ورقِّق الراءَ إذا ما كُسرتْ = كَذاكَ بعدَ الكسرِ حيثُ سَكَنَتْ
حكمُ الراءِ الساكنةِ في الوصْلِ والوقفِ وهذه الراءُ تقعُ متوسِّطةً ومتطرِّفةً.
فالمتوسِّطةُ نحوَ: {شِرْعَةً} (المائدة: آية 48)، و {فِرْقَةً} (التوبة: آية 122)، والمتطرِّفةُ، نحوَ: {قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرِ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ*} (المدثر: الآيات 2-5)
ولكلٍّ من الراءِ الساكنةِ المتوسِّطةِ والمتطرِّفةِ شروطٌ للتفخيمِ والترقيقِ نذكرُها فيما يلي:
شروطُ الترقيقِ للراءِ الساكنةِ المتوسِّطةِ:
تُرقَّقُ الراءُ المتوسِّطةُ الساكنةُ في الحالَيْن لجميعِ القرَّاءِ بأربعةِ شروطٍ ولابدَّ من اجتماعِها كلِّها في آنٍ واحدٍ، فإن تخلَّفَ شرطٌ منها وَجَبَ تفخيمُها.
فالشرطُ الأوَّلُ: أن يكونَ قبلَ الراءِ كسرةٌ
والشرطُ الثاني: أن تكونَ هذه الكسرةُ أصليَّةً.
والشرطُ الثالثُ: أن تكونَ الكسرةُ والراءُ في كلمةٍ واحدةٍ.
والشرطُ الرابعُ: أن لا يكونَ بعد الراءِ حرفُ استعلاءٍ نحو: {مِرْيَةٍ}، و {فِرْعَوْنَ}، و{الفِرْدَوْس}، وهنا اجتمعتْ شروطُ الترقيقِ الأربعةُ في كلِّ كلمةٍ من هذه الكلماتِ، وتُدركُ بأدنى تأمُّلٍ.
شروطُ التفخيمِ للراءِ الساكنةِ المتوسِّطةِ:
يُشترطُ في تفخيمِ الراءِ الساكنةِ المتوسِّطةِ أربعةٌ أيضاً:
الشرطُ الأوَّلُ: أن يكونَ قبلَ الراءِ فتحةٌ أو ضمَّةٌ، نحوَ: {لاَ تَرْفَعُوا} (الحجرات:آية 2)، {يرزقون} (آل عمران: آية 169).
الشرطُ الثاني: أن يكونَ قبلَ الراءِ كسرةٌ عارضةٌ، سواءً كانت مع الراءِ في كلمةٍ واحدةٍ نحوَ: {ارْجِعُونِ} (المؤمنون: آية 99)، أم كانت منفصِلةً عنها، نحو: {أَمِ ارْتَابُوا} (النور: آية 50).
الشرطُ الثالثُ: أن يكونَ قبلَ الراءِ كسرةٌ أصليَّةٌ منفصِلةٌ عنها، نحوَ {الَّذِى ارْتَضَى} (النور: آيه55).
الشرطُ الرابعُ: أن يكونَ بعدَ الراءِ حرفٌ من حروفِ الاستعلاءِ السبعةِ نحوَ: {فِرْقَة} (التوبة: آية 122). هذا، ويُشترطُ لوجودِ حرفِ الاستعلاءِ بعدَ الراءِ لأجلِ تفخيمِها شرطان:
الأوَّلُ: أن يكونَ - أيْ حرفُ الاستعلاءِ - مع الراءِ في كلمتِها.
الثاني: أن يكونَ غيرَ مكسورٍ، ووُجدَ من ذلك أيْ: من حروفِ الاستعلاءِ غيرِ المكسورةِ مع الراءِ في كلمتِها ثلاثةُ أحرُفٍ وهي الطاءُ، في {قِرْطَاسٍ} (الأنعام: آية7) والصادُ في {وَإِرْصَاداً} (التوبة:آية 107)، و {مِرْصَاداً} (النبأ: آية 21) و {لَبِالْمِرْصَادِ} (الفجر: آية 14) والقافُ في {فِرْقَة} (التوبة: آية 122).
فإن انفصَلَ حرفُ الاستعلاءِ عن الراءِ بأن كانت الراءُ في كلمةٍ وحرفُ الاستعلاءِ في أوَّلِ الكلمةِ الثانيةِ فلا خلافَ في ترقيقِها لجميعِ القرَّاءِ, والواردُ من ذلك في القرآنِ الكريمِ ثلاثةُ مواضعَ، {أَنْذِرْ قَوْمَكَ} (نوح: آية 1) {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ} (لقمان: آية 18)، {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} (المعارج: آية 5)، أما إذا كان حرفُ الاستعلاءِ الذي بعدَ الراءِ مكسوراً ففي الراءِ خلافٌ بينَ أهلِ الأداءِ، فقالَ الجمهورُ بالترقيقِ، وقالَ البعضُ الآخرُ بالتفخيمِ، وهذا في كلمةِ (فِرق) في قولِه تعالى: {فَكَانَ كلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} (الشعراء: آية 63)، فمن فخَّمَ نظرَ إلى وُجودِ حرْفِ الاستعلاءِ بعدَ الراءِ على القاعدةِ السابقةِ، ومن رقَّقَ نظرَ إلى كسرِ حرفِ الاستعلاءِ؛ لأنه لما انكسرَ ضَعُفتْ قوَّتُه وصارت الراءُ متوسِّطةً بينَ كسرتين وإلى هذا الخلافِ أشارَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ.
والخُلفُ فى فِرْقٍ لكسرٍ يُوجدُ = وأخْفِ تكريراً إذا تُشدَّدُ
والوجهان صحيحان مقروءٌ بهما لكلِّ القرَّاءِ والمقدَّمُ في الأداءِ الترقيقُ لكثرةِ نَقْلَتِه كما في النشْرِ.
تنبيهٌ: الشروطُ الأربعةُ للراءِ في ترقيقِها السابقةُ لابدَّ وأن تكونَ كلُّها موجودةً في آنٍ واحدٍ كما سبقَ، بخلافِ شروطِ التفخيمِ الأربعةِ للراءِ ذاتِها فليست كذلك بل يَكفي وجودُ شرطٍ واحدٍ منها ويكونُ مُسَوِّغاً للتفخيمِ فتأمَّلْ.
وقولُه " وأَخْفِ تكريراً" يعني أخْفِ تكريرَ الراءِ إذا تَشدَّدَ، قالَ مَكيُّ بنُ أبي طالبٍ القَيْسِيُّ: يجبُ على القارئِ إخفاءُ تكريرِ الراءِ فمتى أظهرَه فقد حَصَلَ من الحرفِ المشدَّدِ حروفاً ومن المخفَّفِ حرفَيْن.
الكلامُ على الراءِ المتطرِّفةِ الساكنةِ في الوصلِ والوقفِ:
نحوَ: قولِهِ تعالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (غافر:آية55)، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ} (طه: آية 132) وهذه الراءُ تُرقَّقُ بشرطٍ واحدٍ وهو وقوعُها بعدَ كسرةٍ نحوَ: {قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر: الآيات 2-4) ولا يَضرُّ وجودُ حرفِ الاستعلاءِ بعد الراءِ في هذا النوعِ؛ لأنه أصبحَ مفصولاً عنها كما تَقدَّمَ، نحو: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} (المعارج: آيه 5) وتُفخَّمُ هذه الراءُ بشرطَيْن:
أوَّلُها: أن يقعَ قبلَها فتحةٌ، نحو: {فَلاَ تَقْهَرْ} (الضحى: آية 5)، أو ضمَّةٌ نحوَ: {بِالنُّذُرِ} (القمر: آية 23).
ثانيهُما: أن يقعَ قبلَها ضمَّةٌ، {فَانْظُرْ كَيْفَ}، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.
ولا يُشترطُ في هذه الكسرةِ أن تكونَ مع الراءِ في كلمتِها؛ لأنه لا تُوجدُ كلمةٌ على حرفٍ واحدٍ هو الراءُ، حتى تَنفصلَ الكسرةُ عنها.
حُكْمُ الراءِ الساكنةِ في الوقْفِ المتحرِّكةِ في الوصلِ:
وهذه الراءُ لا تكونُ إلاَّ متطرِّفةً كما هو معلومٌ نحوَ: (قُدِرَ)، (كُفِرَ)، (وَدُسِرَ) (والفجرِ) وما إلى ذلك، ولكلٍّ من الترقيقِ والتفخيمِ في هذه الراءِ شروطٌ نوضِّحُها فيما يلي:
شــروطُ الـتــرقيــــقِ
شروطُ الترقيقِ لهذهِ الراءِ ثلاثةٌ وهي كالآتي:
الأوَّلُ: أن تَسبقَ الراءَ كسرةٌ نحو: (قُدِرَ)، (وكُفِرَ)، (والأَشِرُ) وإذا تخلَّلَ بينَ الكسرةِ والراءِ ساكنٌ بِشرطِ أن لا يكونَ حرفَ استعلاءٍ فلا يَضرُّ وجودُه في هذه الحالةِ، وذلك نحوَ: (للذِّكْرِ)، (والسِّحْر) (وحِجْر).
أما إذا كان الساكنُ حرفَ استعلاءٍ وهو المعبَّرُ عنه بالساكنِ الحَصِينِ نحوَ: (مِصْرَ)، و (القِطْرِ)، فسيأتي الكلامُ عليهما.
الثاني: أن تَسبقَ الراءَ ياءٌ ساكنةٌ سواءً كانت حرفَ مَدٍّ ولِينٍ، نحوَ: (بصيرٌ)، و (خبيرٌ)، أو حرفُ لِينٍ فقط نحوَ: (السَّيْر)، و (الخير)، و (لا ضَيْر) وهذان الشرطان باتِّفاقِ جميعِ القرَّاءِ.
الثالثُ: أن يَسبقَ الراءَ حرفٌ ممالٌ عندَ من يقولُ بالإمالةِ نحوَ: (ذاتِ قرارٍ)، و (الأشرارِ)، (عُقْبى الدارِ) بشرطِ كسرِ الراءِ المتطرِّفةِ كما هو مقرَّرٌ في محلِّه، أما إذا كانت الراءُ منصوبةً مثلَ (جَاهِدِ الكُفَّارَ) أو مرفوعةً نحوَ: (هذه النارُ)، و (بِئْسَ القرارُ) فلا خلافَ في تفخيمِها للكلِّ كما سيأتي لعدمِ إمالةِ الألِفِ التي قبلَ الراءِ المرفوعةِ والمنصوبةِ باتفاقٍ.
زاد ابنُ الجَزْرِيِّ في طيِّبَتِه ونشْرِه، أن تكونَ الراءُ مسبوقةً براءٍ مرقَّقةٍ وذلك نحوَ: (بِشَرَرٍ)، فالراءُ الأولى يُرقِّقُها وَرْشٌ فتُرقَّقُ المتطرِّفةُ من أجْلِ ترقيقِ الأُولى قالَ في الطيِّبةِ: ورَقِّقَنْ بشَرَرٍ للأكثرِ
تنبيهٌ: الإمالةُ سببٌ من أسبابِ الترقيقِ وقد قرأَ حفصٌ عن عاصمٍ بالإمالةِ في كلمةِ (مَجرهَا) بِهودٍ فقط فرقَّقَ الراءَ فيها فتأمَّلْ.
شــروطُ التفخيــمِ
تُفخَّمُ الراءُ المتطرِّفةُ الساكنةُ في الوقْفِ المتحرِّكةُ في الوصلِ بثلاثةِ شروطٍ متَّفَقٍ عليها بينَ القرَّاءِ، الأوَّلُ أن يَسبقَ الراءَ فتحةٌ أو ضمَّةٌ سواءً تخلَّلَ بينَ الراءِ والفتحةِ ساكنٌ أم لا نحوَ: (القَمَرُ)، (النُّذُرُ)، (القَدْرِ).
الثاني: أن يَسبقَ الراءَ ألِفُ المَدِّ بشرطِ نصبِ الراءِ المتطرِّفةِ نحوَ: (إِنَّ الأَبْرَارَ) (جَاهِدِ الْكُفَّارَ) أو رفعِها نحوَ: (هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
الثالثُ: أن يَسبقَ الراءَ واوُ المَدِّ نحوَ: {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} {مَنْ فِي الْقُبُورِ} وما إلى ذلك.
هذا وما تَقدَّمَ ذِكرُه من شروطِ التفخيمِ والترقيقِ في الراءِ يَندرجُ تحتَ قوْلِ الحافظِ ابنِ الجَزْرِيِّ في المقدِّمةِ الجَزْرِيَّةِ:
41- ورَقِّق الـراءَ إذا مـا كُسـرتْ = كذاك بعدَ الكسرِ حيثُ سَكَنَتْ
42- إن لم تكنْ من قبلِ حرفِ استِعْلا = أو كانت الكسرةُ ليست أَصْلاَ
43- والخُلْفُ في فِرْقٍ لكَسرٍ يُوجـدُ = واخْفِ تكريـراً إذا تُشَـدِّدُ
تنبيهاتٌ هامَّةٌ بخصوصِ الوقفِ على الراءِ المتطرِّفةِ:
التنبيهُ الأوَّلُ: يَنْبغي أن تعلَمَ أخي القارئُ أنَّ الأصلَ في الراءِ التفخيمُ ولا ترقَّقُ إلاَّ لسببٍ وهو كسرُها أو سكونُها بخلافِ اللامِ فإنَّ الأصلَ فيها الترقيقُ ولا تُفخَّمُ إلاَّ لموجبٍ وهو وقوعُها في اسمِ الجلاَلةِ إثرَ ضمٍّ أو فتْحٍ.
التنبيهُ الثاني: ذكرَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ في النَّشْرِ 2/110-112 قالَ: التنبيهُ السابعُ، الوقفُ بالسكونِ على (أَنْ أَسْرِ) في قراءةِ من وَصلَ وكَسَرَ النونَ يوقفُ عليه بالترقيقِ أما على القولِ بأنَّ الوقفَ عارِضٌ فظاهِرٌ وأما على القولِ الآخَرِ فإن الراءَ قد اكتَنَفَها كسرتان، وإن زالت الثانيةُ وقفاً فإن الكسرةَ قبلَها تُوجبُ الترقيقَ.
فإن قيلَ: إن الكسرَ عارِضٌ فتفخَّمُ مثل (أَمِ ارْتَابُوا)، فقد يُجابُ أن عُروضَ الكسرِ هو باعتبارِ الحَمْلِ على أصلِ مضارِعِه الذي هو يَرتابُ فهي مفخَّمةٌ لعُروضِ الكسرِ فيه بخلافِ هذه، والأَوْلى أن يُقالُ: كما أنَّ الكسرَ قبلُ عارِضٌ فإنَّ السكونَ كذلك عارِضٌ، وليس أحدُهما أَوْلى بالاعتبارِ من الآخَرِ، فيُلْغَيَان جميعاً ويُرجَعُ إلى كونِها في الأصلِ مكسورةً فترقَّقُ على أصلِها، وأما على قراءةِ الباقين وكذلك (فأسر) في قراءةِ من قَطعَ أو وَصَلَ، فمن لم يَعتَدَّ بالعارضِ أيضاً رقَّقَ، وأما على القولِ الآخرِ فيحتملُ التفخيمُ للعُروضِ ويَحتملُ الترقيقُ فرقاً بينَ كسرةِ الإعربِ وكسرةِ البناءِ، إذ كان الأصلُ أسرى بالياءِ وحُذفت الياءُ للبناءِ فبقيَ الترقيقُ دلالةً على الأصلِ وفَرْقاًَ بينَ ما أصلُه الترقيقُ وما عَرَضَ له وكذلك الحُكْمُ في {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} في الوقفِ بالسكونِ على قراءةِ من حذفَ الياءَ فحينئذٍ يكونُ الوقفُ بالترقيقِ أَوْلى والوقفُ على (والفجرِ) بالتفخيمِ أَوْلى، واللهُ أعلمُ. انتهى بحروفِه، ولم يَتعرَّض ابنُ الجَزْرِيِّ في هذه المسألةِ لكلمةِ (ونُذُرِ) ولو كانت مثلَ يَسْرِ لذكَرَها معها. وفي هذا ردٌّ على ما ذكَرَه المتولي في فتحْ المُعطِي من ترقيقِ (وَنُذُرِ) مع (يَسْرِ) وقفاً وتَبِعَهُ المقلِّدون.
ذكرْتُ هذه التنبيهاتِ لأننا سنحتاجُ إليها في الكلامِ على (وَنُذُرِ) بالقمرِ.
التنبيهُ الثالثُ: قالَ العلاَّمةُ المسعديُّ في شرحِه على الجَزْرِيَّةِ/ مخطوطٌ في كلامِه على الراءاتِ. (التنبيهُ السادسُ إذا وُقِفَ على نحوِ: (والفجرِ) لا يُقالُ فيه الترقيقُ والتفخيمُ، فالأولُ: نظراً لأن أصلَ الراءِ الكسرُ، والثاني نظراً إلى السكونِ الذي لم يتقدَّمْه سببٌ يوجبُ الترقيقَ، لأنا نقولُ: إذا سَكَنَت الراءُ ولم يتقدَّمْها سببٌ يوجبُ الترقيقَ، رجَعتْ إلى أصلِها وهو التفخيمُ وجهاً واحداً، فإنَّ الشيءَ إذا رجعَ إلى أصلِه لا يتفرَّعُ عليه اعتدادٌ بالعارضِ وعدمُه، وإنما يتفرَّعُ على العكسِ كما هو ظاهرٌ، انتهى بحروفِه).
التنبيهُ الرابعُ: ذكَرَ العلاَّمةُ المتولي في فتحِ المُعطِي وغُنْيةُ المُقرِي في شرحِ مقدِّمةِ وَرْشٍ المصريِّ قالَ بالحرفِ الواحدِ: (وليس (وَنُذُرِ) من قبيلِ المضمومِ و (يَسْرِ) من قبيلِ الساكنِ إذ الراءُ متوسِّطةٌ فيهما، لأنَّ أصلَهما نُذُرِي ويَسْرِي بالياءِ وحُكْمُهما الترقيقُ على ما اختارَه ابنُ الجَزْرِيِّ رحِمَه اللهُ تعالى) انتهى بحروفِه.
فقد سوَّى رحِمَه اللهُ تعالى بينَ (وَنُذُرِ) في سورةِ القمرِ في مواضِعها الستَّةِ وبين يَسْرِ في (الفجرِ) وهذه التسويةُ فاسدةٌ لأن الياءَ في يَسْرِ أصليَّةٌ لأنها ياءُ الكلمةِ والياءُ في (وَنُذُرِ) ليست أصليَّةً بل هي زائدةٌ لأنها ياءُ المتكلِّمِ وهي زائدةٌ يُثبتُها بعضُ القرَّاءِ ويَحذفُها البعضُ الآخَرُ ومنهم حفْصٌ عن عاصمٍ من جميعِ طُرقِه وكسرةُ الراءِ في (يَسْرِ) كسرةُ بِنيةٍ لا يُمكنُ تغييرُها أما كسرةُ الراءِ في وَنُذُرِ فهي كسرةُ إعرابٍ وهي معطوفةٌ على ما قبلَها وهو (عَذابي) مرفوعٌ لأنه اسمُ كان وعلامةُ رفعِه ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخرِها منعَ من ظهورِها حركةُ المناسَبةِ لياءِ الإضافةِ فكذلك (وَنُذُرِ) تُعربُ نفسَ الإعرابِ وقد فرَّقَ ابنُ الجَزْرِيِّ فقالَ إنّ الترقيقَ في (يَسْرِ) لأجْلِ كسرةِ البناءِ أي البنيَةِ. أقولُ وأما ما كسْرتُه إعرابٌ مثلُ وَنُذُرِ فكسْرتُه كسرةُ إعرابٍ يُمْكنُ تغييرُها في غيرِ الْقُرْآنِ فهذه تُفخَّمُ فرْقاً بينَ كسرةِ البِنيةِ وكسرةِ الإعرابِ فما كانت كسْرتُه من بِنيةِ الكلمةِ ترقَّقُ راؤُه لأصالةِ الكسرةِ وما كانت كسْرتُه لإعرابٍ فإنّ راءَه تفخَّمُ لعُروضِ الكسرةِ, والمعطوفُ على المرفوعِ مرفوعٌ ويُمْكنُ تغييرُها إلى حركةٍ أُخرى في غيرِ القرآنِ، وأما قولُ العلاَّمةِ المتولي (على ما اختارَه ابنُ الجَزْرِيّ، ففيه نظَرٌ، لأنه بالرجوعِ إلي النشرِ وتقريبِه وجميعِ كُتبِ ابنِ الجَزْرِيِّ وجدْنا أنّ ابنَ الجَزْرِيِّ لم يَتعرضْ لذكرِ (وَنُذُرِ) عندَ كلامِه على (يَسْرِ) كما سبقَ في (التنبيهِ السابعِ في النشْرِ السابقِ ذِكْرُه)، واختيارُ ابنُ الجَزْرِيِّ في (وَنُذُرِ) ونحوِها التفخيمُ وليس الترقيقَ، بدليلِ قولِه في النشْرِ في بابِ الوقْفِ على الراءِ سطرِ 9 (وقد قدَّمْنا - أي في ص 105 أنّ القولَ بالتفخيمِ حالةَ الوقفِ - هو المقبولُ المنصورُ وهو الذي عليه عملُ أهلِ الأداءِ، وقالَ ابنُ الجَزْرِيِّ في نظْمِ الطيِّبةِ مؤيِّداً هذا (وفي سكونِ الوقفِ فخِّمْ وانصرْ) فهذا نصٌّ صريحٌ في أنَّ اختيارَ ابنِ الجَزْرِيِّ التفخيمَ في كلمةِ (وَنُذُرِ) وقفاً وأنّ كلامَ المتولي السابقَ فيه نظرٌ وأدلَّةُ التفخيمِ في هذه الكلمةِ كثيرةٌ، منها قولُ ابنِ الجَزْرِيِّ السابقُ في النشْرِ ونظْمِ الطيِّبةِ، ومنها قولُ المسعديِّ في التنبيهِ السادسِ المذكورِ آنفاً أنّ الراءَ إذا سَكَنتْ ولم يَسبقْها سببٌ موجِبٌ للترقيقِ فإنها تُردُّ إلى أصلِها وهو التفخيمُ والراءُ في (وَنُذُرِ) ليس قبلَها سببٌ لترقيقِها، وسَكَنتْ للوقفِ وقبلَها سببٌ لتفخيمِها وهو الضمُّ بل قبلَها ضمَّتان، ومنها قولُ ابنِ الجَزْرِيِّ في النشْرِ، فصلٌ في الراءِ الموقوفِ عليها (فتُرقَّقُ مع الكسرةِ لتَسَفُّلِهَا وتُفخَّمُ مع الفتحةِ والضمَّةِ لتصَعُّدِها)، ومنها قولُ المسعديِّ في ص 51 من هذا الكتابِ ما نصُّهُ (بيْنَ الكسرِ والتفخيمِ مانِعةُ الجمعِ، إذ الكسرُ يَستدعي انخفاضَ اللسانِ، والتفخيمُ يَستدعي ارتفاعَه)،
ومفهومُ هذا القولِ:
أنَّ بينَ الضمِّ والترقيقِ مانِعَةَ الجمْعِ أيضاً، وفي كلمةِ وَنُذُرِ ضمَّتان قبلَ الراءِ فكيف نَنطقُ بضمَّتين بعدَهما ترقيقٌ هذا يصعبُ على اللسانِ و (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نفساً إلاَّ وُسْعَهَا)؟ وليس الترقيقُ في هذه الكلمةِ من لغةِ العربِ وليس هناك دليلٌ على ترقيقِها من قولٍ أو عمَلٍ، وكلامُ المتولي قولٌ شاذٌّ كما قالَ ابنُ الناظمِ في شرحِ الطيِّبةِ ص 167 حيثُ قالَ: وقد شذَّ من قالَ: إن المكسورةَ ترقَّقُ من حيثُ أن الوقفَ عارِضٌ، وأقوى الأدلَّةِ هو إجماعُ القرَّاءِ على تفخيمِها.
فإن قيلَ: إنَّ هناك في الأسواقِ مصاحفَ مرتَّلَةً سجَّلَها أصحابُها بترقيقِ هذه الراءِ من كلمةِ (وَنُذُرِ) وقفاً. فهذا يدلُّ على جوازِ ترقيقِها.
نقولُ: إن الموجودَ في السوقِ من المصاحفِ المرتَّلَةِ وكذلك قد نَجدُ أشرطِةَ كاسيت سجَّلَ عليها أصحابُها ما يُسمَّى: محاضَراتٌ في التجويدِ في شرْحِ الجَزْرِيَّةِ مَثلاً، وذَكَروا فيها ضرورةَ الترقيقِ لهذه الراءِ في هذه الكلمةِ، فالجوابُ على هذا أنَّ هؤلاءِ جميعاً عددٌ قليلٌ جِدًّا. لا يتَعدَّى عددُهم ثلاثةً من القرَّاءِ في المدينةِ المنوَّرةِ عبارةً عن مصحفَيْن مرتَّلَين فقط، وواحدٍ له أشرطةُ كاسيت بالجامعةِ الإسلاميَّةِ، وواحدٍ فقط يقرأُ في إذاعةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ السعوديَّةِ وهؤلاءِ أَلزمَهم قراؤُهم الذين قَرءُوا عليهم أو أَشرَفوا على تسجيلاتِهم أَلزموهم بترقيقِها بدليلِ أنك لو استمَعْتَ إليهم خارجَ التسجيلِ فإنهم لا يُرقِّقونها وليس مع المخالِفين دليلٌ غيرَ قولِ المتولي السابقِ الذي لم يَعملْ به أحدٌ والذي ذكرَه في "فتْحِ المعطِي" بدونِ رويَّةٍ أو بحثٍ علميٍّ أو الرجوعِ إلى النشْرِ وهذا الإلزامُ من هؤلاءِ المُقْرِئِين الذين قاموا بإقرائِهم وأشرَفوا على تسجيلاتِهم كان لِغرضِ الشهرةِ وإيهامِ الناسِ خصوصاً المسؤولين منهم أنهم أعلَمُ أهلِ زمانِهم واللهُ يعلمُ أنَّ العكسَ هو الصحيحُ، ظنًّا منهم أنهم أتَوْا بجديدٍ. على طريقةِ "خالِفْ تُعرفْ" فنظروا إلى الشهرةِ. ولم يَنظروا إلى أنَّ مخالفةَ الإجماعِ عملٌ حرَّمَه اللهُ ونَهى عن الخروجِ عنه. وقد بيَّنَّا آنفاً أنَّ ترقيقَ هذه الراءِ مُخالِفٌ لقولِ الحافظِ ابنِ الجَزْرِيِّ وليس اختيارَه كما قالَ المتولي ولم يذكرْه في كتبِه ولم يقرأْ به أحدٌ من عهْدِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحتى اليومِ. حتى هؤلاءِ الذين أَلزموا غيرَهم بترقيقِها إذا سألتَهم هل قرأتم بترقيقِها؟ يقولون لا. ونقولُ لهم إذاً: فلماذا تُلزمون غيرَكم بترقيقِ هذه الكلمةِ مخالِفين بذلك شيوخَكم والمسلمين جميعاً؟! وإذا سألْتَهم عن قولِ ابنِ الجَزْرِيِّ في الطيِّبةِ (وفي سكونِ الوقفِ فخِّمْ وانْصُرْ) لا يَستطيعون التفوُّهَ بكلمةٍ وليس أمامَهم إلاَّ التسليمُ بتفخيمِها، وصدَقَ اللهُ حيثُ يقولُ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. وفِعلاً تَراجعوا عن إلزامِ الناسِ بترقيقِها بعدَ سماعِهم قولَ ابنِ الجَزْرِيِّ المذكورِ. ويَظهرُ لك ذلك إذا تتبَّعتَ من أَشرفوا عليه بعدَ هذين المصحفَيْن المذكورَيْن بعد عجزِهم عن الدفاعِ عن الترقيقِ.
ومن المؤسفِ أنَّ بعضَ المؤلِّفين ذَكروا في كتبِهم من باب الحشْوِ قولَ المتولي في فتحِ المعطي وغنيَةِ المُقرِي المذكورِ آنفاً دونَ الرجوع الى النشْرِ أو متْنِ الطيِّبةِ أو حتى الشاطبيَّةِ. ففيها يقولُ الشاطبيُّ:
................................ = وتفخيمُها في الوقفِ أجْمَعْ اشْمُلا
ولكنهـا في وقفِهم مـع غيرِهـا = تُرقَّـقُ بعد الكسرِ أو ما تَميَّلا
أو الياءُ تأتي بالسكونِ، وليست الراءُ في (وَنُذُرِ) واحدةً منها وهذا يتَّفقُ مع قولِ ابنِ الجَزْرِيِّ تماماً والضميرُ في قولِه: تفخيمُها، راجِعٌ إلى الراءِ، ومن هؤلاءِ الذين نَقَلُوا ترقيقَ الراءِ في (وَنُذُرِ) دونَ دراسةٍ - مع الأسفِ - الشيخُ الفاضلُ "إبراهيمُ شحاتة السَّمَنُّوديُّ" في كتابِه "لآلئُ البيانِ" وكتابِه في تحريراتِ الشاطبيَّةِ. المُسمَّى: "دَواعي المَسَرَّةِ" مخطوطٌ، وكذلك الشيخُ محمَّدٌ الصادقُ قَمْحَاوِيٌّ رحِمَه اللهُ والشيخُ عطيَّةُ قابل نصر، والدكتور محمودٌ سيبويهِ يَرحمُه اللهُ، في كتابِه: "الوجيزُ في علْمِ التجويدِ"، وكذا الشيخُ عبدُ الفتاحِ المَرْصفيُّ في كتابِه: "هدايةُ القارِي" ولكنَّه رجَعَ عن الترقيقِ في الطبعةِ الثانيةِ، هذا والشيخُ السَّمنُّوديُّ كان مشرِفاً على تسجيلِ القرآنِ للشيخِ الحصريِّ في مصرَ ولم يَستطعْ إلزامَ الشيخِ الحُصريِّ بترقيقِها مما يدلُّ على أنه غيرُ مقتنِعٍ بترقيقِها أو عدَلَ عنه وإلا لأصَرَّ على ترقيقِها، فبَطَلَ ما ذَكرَه في كُتبِه ولا يُستدلُّ به لأنه لم يُطبِّقْه عمليًّا، هذا والعلاَّمةُ المتولي عالمٌ مشهورٌ له باعٌ طويلٌ في القراءاتِ وتحريراتِها. ولكنه بشَرٌ يُخطئُ ويصيبُ كغيرِه من البشرِ فلعلَّ ما ذكرَه في هذه الكلمةِ من بابِ السهوِ. وهو وإن كان ذَكرَ هذا في كتابِه لكنَّه لم يقرأْ ولم يُقرئْ غيرَه بترقيقِها, ولم يذكرْه في كلِّ كتبِهِ وهى مناسِبَةٌ لذكرِها كالرَّوْضِ النضيرِ مثلاً ولو أقرأَ غيرَه بترقيقِها لوصلَتْ إلينا لأننا قرأْنَا على مَن بينَه وبينَ المتولي رجلٌ واحدٌ فقط, وهو الشيخُ أحمدُ عبد العزيز الزياتُ- حفِظَه اللهُ- الذي قالَ: لم نقرأْ ولم نقرئْ إلاَّ بالتفخيمِ في هذه الكلمةِ، وقيلَ له: لماذا وافَقْتَ على ترقيقِها؟ فقالَ: خوفاً من الفتنةِ نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُلهمَنا المحافظةَ على كتابِ اللهِ في كتابتِه وإقرائِه والإشرافِ على تسجيلاتِه وأن يَكفيَنا شرَّ التمسُّكِ بالرأيِ المخالِفِ للحقِّ. كما نسألُه تعالى أن يَجعلَنا من الذين يُصلحون ما أَفسدَ الناسُ. والآمِرين بالمعروفِ والناهينَ عن المنكرِ. إنه سميعٌ مجيبٌ.
بقيَ في الراءِ الساكنةِ وقفاً. إذا تخلَّلَ بينَ الراءِ الموقوفِ عليها وبينَ الكسرِ الذي قبلَها ساكنٌ حَصينٌ ونَعنِي به الصادَ والطاءَ من حروفِ الاستعلاءِ، وذلك في لفظِ (مِصْرَ) غيرِ المنوَّنِ حيثُ وقعَ في القرآنِ ولفظِ (القِطْرِ) في قولِه تعالى في سورةِ سبأٍ: {عَيْنَ الْقِطْرِ}.
ففي الراءِ خِلافٌ بينَ أهلِ الأداءِ فمنهم من فخَّمَ لكونِ الحاجزِ حرفَ استعلاءٍ معتَدًّا به ومنهم من رقَّقَ ولم يَعتدَّ بالحاجزِ الحَصينِ وجعلَه كغيرِ الحَصينِ مثلَ الشِّعرِ، واختارَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ التفخيمَ في مِصْرَ والترقيقَ في القِطْرِ نظراً لحالِ الوصْلِ وعمَلاً بالأصلِ أي أنَّ الراءَ في مصرَ مفتوحةٌ في الوصْلِ مفخَّمةٌ. وفي القِطْرِ مكسورةٌ في الوصلِ مرقَّقةٌ. وهذا هو المعوَّلُ عليه والمأخوذُ به.
وقد قالَ المتولي مبيِّناً مذهبَ ابنِ الجَزْرِيِّ فيها بقولِه:
ومصرُ فيه اختارَ أن يفخَّمَا = وعكسُه في الْقِطْرِ عنه فاعلَمَا
واللهُ أعلى وأعلمُ.
تنبيهٌ: قالَ العلاَّمةُ المسعديُّ في شرحِه المخطوطِ على الجَزْرِيَّةِ: ما تَقرَّرَ في راءِ "فِرْقٍ" إنما هو في الوصْلِ، والوقفُ بالرَّوْمِ كالوصلِ. وأما الوقفُ. فهل يكون فيه الوجهان كالوصلِ. أو يُقالُ: من فخَّمَ وصْلاً مع حرفِ الاستعلاءِ (يعني وهو مكسورٌ) فخَّمَ وقفاً مع سكونِه بالأَوْلى. ومن رقَّقَ وصلاً أجْرَى (الوجهين) حالَ الوقفِ بالسكونِ فالتفخيمُ لعدَمِ كسْرِ حرفِ الاستعلاءِ. والترقيقُ نظراً إلى كسرِه في الأصلِ لعدمِ كسرِ حرفِ الاستعلاءِ؟ الجوابُ: كلٌّ محتَمَلٌ. ولم أرَ في ذلكَ نقلاً وحيثُ لم يكن نقْلٌ فالذي يَميلُ إليه القلبُ إجراءُ الوجهين في الوقفِ كالوصلِ لأنه ظاهرٌ إطلاقُ عباراتِهم فإنهم لم يُقيِّدوا الوجهين لا بوصلٍ ولا بوقفٍ، والعلْمُ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى.