وقال الأخنس بن شهاب التغلبي
كذا رواه أبو عكرمة ونسبه أحمد بن عبيد فقال: هو شهاب بن شريق بن ثمامة بن أرقم بن عدي بن معاوية بن عمرو بن غنم بن تغلب، ونسبه غيره وقال: هو فارس العصا وهو الأخنس بن شهاب بن ثمامة بن أرقم بن حزابة بن الحارث بن نمير بن أسامة بن بكر بن معاوية بن غنم بن تغلب، وهو أول العرب وصل قصر السيوف بالخطى وهو قوله في هذه القصيدة:
وإن قصرت أسيافنا كان وصلها.......خطانا إلى القوم الذين نضارب
ومنه استرق كعب بن مالك الأنصاري صلة السيوف فقال:
نصل السيوف إذا قصرن بخطونا.......قدمًا ونلحقها إذا لم تلحق
والأخنس قبل الإسلام بدهر.
1: لابنة حطان بن عوف منازل.......كما رقش العنوان في الرق كاتب
(العنوان): العلامة وأنشد لابن الطثرية:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به.......يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا
يعني عثمان بن عفان رضي الله عنه و(الترقيش): التخطيط يكون على الأديم يحسن به وقال غيره: حسنته وزينته وحبرته ونمقته ورقشته واحد وأنشد كما: رقش في ظهر الأديم قلم، ومنه كالكتاب المنمق ونمنمت الكتاب أيضًا ومنه: كخطك في رقٍ كتابًا منمنمًا. ومن التحبير سمي طفيل الغنوي محبرًا لتزيينه شعره، وكتاب محبر ومرقش ومزين ومنمنم كل ذلك محسن متنوق فيه، ويقال هو عنوان الكتاب وعنيان الكتاب وعلوان الكتاب، قال أبو الأسود:
نظرت إلى عنوانه فنبذته.......كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا
وعلونت الكتاب علونة وعلوانًا وعنونته عنونة وعنوانًا وعنوت الكتاب أعنوه عنوًا وعنوًا ويقال عننت الكتاب أعننه تعنينًا وعنيته أعنيه تعنية وفي الأمر من هذه اللغات عنوان يا معنون وعلوان يا معلون وعنن يا معنن وعن يا معني وأعن يا عاني والعنوان الأثر في كلام العرب والعلامة، قال الشاعر:
وأشعث عنوان به من سجوده.......كركبة عنز من عنوز بني نصر
2: ظللت بها أعرى وأشعر سخنة.......كما اعتاد محمومًا بخيبر صالب
أعرى أفعل من العرواء وهي الرعدة تكون للحمى (وأشعر) أي أبطن من ذاك أخذ الشعار وهو الثوب الذي يلي البدن قال الأصمعي: وإنما خص خيبر لأن حماها أشد الحمى وأنشد قول الشماخ:
كأن نطاة خيبر زودته.......بكور الورد ريثة القلوع
قال يعقوب: نطاة موضع بخيبر، قال: والمعنى كأن هذه البلدة زودت هذا الرجل حمى تبكر عليه وإقلاعها ريث أي بطيء والورد يوم الحمى، كذا قال أحمد والقلع: الحين الذي تنقلع فيه، يقال تركت فلانًا في قلع من حماه وروى الأخفش البغدادي: ريثة الرفوع أي بطيئة الارتفاع يعني تباكره ويبطئ ارتفاعها عنه وقال: نطاة قرية من قرى خيبر وقال أحمد: حمى خيبر موصوفة وأنشدني:
كأن به إذ جئته خيبرية.......يعود عليه وردها وملالها
عن الكلابي قال: سخنة حرارة من حمى وقال عرواء حس من حمى وقد عري الرجل فهو معرو.
3: تظل بها ربد النعام كأنها.......إماء تزجى بالعشي حواطب
(الربدة): سواد في بياض ويروى (تزجي) تدفع وذلك أن حملها يثقل فتمشي كمشي النعامة.
أحمد ويروى تزجى، غيره: الربدة تضرب إلى السواد والنعام كلها ربد الذكر أربد والأنثى ربداء والإماء جمع أمة يقال أمة وآم وإماء وأمي وأموان وإموان.
قال الفراء: وأنشدني المفضل:
أما الإماء فلن يدعونني ولدًا.......إذا تداعى بنو الأموان بالعار
و(تزجى): تساق و(الحواطب): اللاتي يحملن الحطب، أراد أن هذه الديار خالية فالنعام فيها مطمئنة، وإنما خص العشي لأن الإماء المحتطبات يرجعن فيه إلى أهاليهن وقد أعيين فهن يمشين على تؤدة، أمة وآم في القلة وإماء في الكثرة، وحكى هشام بن معاوية النحوي أميات وليس بالمعروف، قال الشاعر:
ثلاثة أعبد وثلاث آم.......لقد جار الزمان على عيالي
4: خليلاي هوجاء النجاء شملة.......وذو شطب لا يجتويه المصاحب
ويروى ما يجتويه يقول (خليلاي) ناقة أسير عليها وسيف مشطب و(الشطب) كهيئة الخطوط في السيف.
و(الهوجاء) التي تركب رأسها في السير ومنه الهوج في الناس و(النجاء) السرعة يمد ويقصر قال الراجز:
إذا أخذت النهب فالنجا النجا.......إني أخاف طالبًا سفنجا
قال أبو نصر: السفنج: الظليم الواسع الخطو السريع المشي شبه الرجل به في سعة خطوه أو سرعة مشيه وأنشد: واستبدلت رسومه سفنجا، و(الشملة) الخفيفة السريعة وكذلك الشملال وأنشد قول الراجز:
لقد أسوق بالكرام الأزوال.......وباللئام يا بثين الأنذال
ما منهم إلا ابن عم أو خال.......معلقًا بذات لوثٍ شملال
و(الإجتواء): الكراهة والاستثقال يقال أتيت مكان كذا فاجتويته إذا لم يوافقك ولم تستمرئه و(المصاحب): صاحب السيف يقول لا يكرهه من كان له لصرامته وثقته به، قال يعقوب: شملة خفيفة سريعة ومثلها شملال وأنشد قول امرئ القيس:
كأني بفتخاء الجناحين لقوةً.......على عجل منها أطأطئ شملالي
وقال هي خفيفتي وسريعتي يعني فرسه قال: وكل خفيف شملال، قال ويقال ما بقي على النخلة إلا شماليل أي: شيء خفيف من حملها.
5: وقد عشت دهرًا والغواة صحابتي.......أولائك خلصاني الذين أصاحب
(الغواة): جمع غاوٍ وهو الضليل و(خلصاني): خلاني وصفوتي ويروى أولائك خلاني يقول كنت صاحبًا للغواة لا أعرف غيرهم ونحو منه قول طرفة:
رأيت بني غبراء لا ينكرونني.......ولا أهل هذاك الطرف الممدد
بنو غبراء الفقراء وأهل الطراف الأغنياء فيقول أنا مشهور لا ينكرني الأغنياء ولا الفقراء والطراف يريد بيوت الأدم.
غيره: يقال صاحب وصحب وأصحاب وصحابة وصحاب وخلان جمع خليل ويروى: وقد عشت عصرًا، قال يعقوب: العصر والعصر واحد وهو مثل الضعف والضعف وثقله امرؤ القيس فقال: وهل ينعمن من كان في العصر الخالي، وهو الزمن الطويل والعصر والعصر والعصرة: الملجأ، ومنه قول الآخر:
لو بغير الماء حلقي شرق.......كنت كالغصان بالماء اعتصاري
أي ملجأي ويروى: أولائك أخداني، والواحد خدن، وقال أبو محمد عبد الله بن محمد بن رستم: حكى لي الطويل عن الكسائي قال: قرن وخدن وخلم وتبع وطلب وتلد وخطب ونكح وزير وسب معارف.
فالزير الذي يزور النساء وخطب يخطبهن وتبع يتبعهن وخدن يجالسهن، وسب الرجل مسابه، قال الشاعر:
لا تسبنني فلست بسبي.......إن سبي من الرجال الكريم
أي: مسابي.
6: رفيقًا لمن أعيا وقلد حبله.......وحاذر جراه الصديق الأقارب
يقول كنت أرافق من أعيا عذاله وقلد حبله وهذا مثل كأنه يقول ترك لما يئس منه كما يفعل بالبعير إذا ألقي حبله على عنقه وترك في سومه وجراه: جريرته وهي جنايته يقال جر فلان على قومه جريرة سوء.
و(الصديق) يكون واحدًا وجمعًا وهو ههنا جمع، ومنه قول الله عز ذكره: {أو صديقكم}، أي: أصدقاكم ومنه قول رؤبة أنشده أبو زيد، قال سمعته يقول ونحن نسأله ومرت عجوز فضاق الطريق عنها.
تنح للعجوز عن طريقها.......إذا أقبلت جائية من سوقها.......دعها فما النحوي من صديقها
أي: من أصدقائها، وروى أحمد: قرينة من أعيا، وقال: الأقارب نعت للصديق والصديق ههنا جمع وحاذر أتقى، وجرى فعلى من جر عليه الأذى يجره، ومنه: أعلينا جرى حنيفة أعلينا جرى قضاعة، في قصيدة الحارث في غير موضع، قال: وإنما ألقي حبله على عنقه لأنه ليس ينقاد لمن يقوده ولا ينساق لمن يسوقه فترك يفعل ما يشاء لما رأوا أنه لا حيلة فيه وهذا مثل.
7: فأديت عني ما استعرت من الصبى.......وللمال عندي اليوم راعٍ وكاسب
هذا مثل، أي كأنما كنت فيه من الجهل من الشيطان فلما أقلعت عن ذاك فكأن الجهل كان عندي عارية فرددتها وأقبلت على مالي أصلحه وأرعاه وأطلب الزيادة فيه.
ويروى: (وللمال) مني اليوم والمعنى كان الصبى استعار له الجهل والغي فلما كبر وزال عنه الصبى ترك ذاك فكأنه بتركه إياه رده. وسرق بشار هذا المعنى فقال:
صحوت وأوقدت للجهل نارًا.......ورد عليك الصبى ما استعارا
وقوله (وللمال) عندي اليوم إلخ، أي تركت ما كنت عليه من الجهل فأنا اليوم أرعى مالي أي أحفظه وأكسب المال أيضًا.
8: لكل أناس من معد عمارة.......عروض إليها يلجؤون وجانب
(العروض): الناحية يقال استعمل فلان على عروض كذا وكذا، غيره: ومنه عروض الشعر، قال أحمد: العروض ناحية صعبة، و(العمارة): الحي العظيم يقوم بنفسه. أي: لهم جانب يلجؤون إليه.
قال: وأحفظه عن ابن دريد عمارة أنشدناه هكذا بالجر.
9: لكيز لها البحران والسيف كله.......وإن يأتها بأس من الهند كارب
ويروى: جل من الهند، (السيف) ضفة البحر والكارب الفاعل من الكرب وأصل الكرب شدة الأمر وهو مأخوذ من قولهم كربت الحبل فهو مكروب إذا شددت فتله، قال الشاعر:
فازجر حمارك لا يرتع بروضتنا.......إذا يرد وقيد العير مكروب
أي: شديد الفتل مضيق عليه، هذا مثل، ويروى: (والسيف) دونها وإن يغشاها، وقال: (كارب) يأخذ بنفسها ويضيق عليها.
ولكيز ابن أفصى بن عبد القيس بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
10: تطاير عن أعجاز حوشٍ كأنها.......جهام أراق ماءه فهو آئب
(الحوش): إبل حوشية لم ترض. ويروى هراق ماءه، يبدل الهمزة هاءً كما قيل: أنرت الثوب وهنرته. واتمأل السنام واتمهل وذلك إذا عظم. وإياك وهياك وأنشد الأصمعي:
يا خال هلا قلت إذ أعطيتني.......هياك هياك وحنواء العنق
أراد إياك والجهام السحاب الذي هراق ماءه و(الآئب): الراجع وروى أحمد: تطير على أعجاز حوشٍ.
11: وبكر لها ظهر العراق وإن تشأ.......يحل دونها من اليمامة حاجب
(الحاجب): المانع، غيره: حاجب شيء يحجبهم عن عدوهم ويكون حرزًا لهم ويروى: وبكر لها بر العراق وإن تخف * يحل دونها، وهي رواية أبي جعفر، يعني بكر بن وائل، والمعنى لها هذا وإن أتاها خوف وشاءت أن يمنعها منه مانع من اليمامة قدرت على ذلك، أي: لها باليمامة من يمنع من ضيمها، يعني بني حنيفة وحنيفة بن لجيم أخو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
12: وصارت تميم بين قفٍ ورملةٍ.......لها من حبالٍ منتأى ومذاهب
(القف): ما خشن من الأرض، واجتمع وجمعه قفاف وكل مجتمع متقبض فهو قاف، و(الحبال): حبال الرمل وهي معاظمها، و(المنتأى): مفتعل من النأي وهو البعد.
غيره: ويروى لها في حبال تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، أي لها بعد ومذاهب عن عدوها فلا يصل إليها.
13: وكلب لها خبت فرملة عالجٍ.......إلى الحرة الرجلاء حيث تحارب
(خبت) منازل كلبٍ من نحو هيت و(الحرة): الأرض تلبس الحجارة ويقال لها اللابة واللوبة، فمن قال لابة فالجمع لاب ومن قال لوبة فالجمع لوب.
قال الأصمعي: وإنما سمي الحجاز حجازًا لكثرة الحرار فيه لأنه أهل الحرة يحتجزون بها من الخيل، والحرة الرجلاء الغليظة يقال رجل رجيل إذا كان غليظًا قويًا على المشي. غيره ومنه:
أنى اهتديت وكنت غير رجيلة.......والقوم قد قطعوا متان السجسج
أي: كيف اهتديت لنا وكنت غير قوية على السفر، وإنما طرقه خيالها فقال: كيف اهتديت لنا حتى طرقنا خيالك في مثل هذا الموضع البعيد، وغيره يقول الحجاز الجبال وأنشد:
ونحن أناس لا حجاز بأرضنا.......مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب
أي لا جبال بأرضنا نحن مصحرون لمن أرادنا وحيث وقع غيث رعيناه ومن كان غالبًا فهو هكذا، ويجيء تفسير الحجاز من غير الأصمعي بعد البيت.
14: وغسان حي عزهم في سواهم.......يجالد عنهم مقنب وكتائب
يقول هم ملوك ولم يكونوا كثيرًا وكانت الروم توليهم وتقاتل عنهم فعزهم في غيرهم، وإنما كانوا نزولاً مع قومٍ من العرب وغسان ماء والمقنب الجماعة والجمع (المقانب والكتائب) جمع كتيبة. هكذا أنشد أبو عكرمة وهذا تفسيره، وروى غيره: عزهم في سواهم * يجالد عنهم حسر وكتائب، قال أحمد: (السواهم) الخيل التي قد اسودت وتغيرت من شدة التعب، والسهمة: السواد، والحاسر: الذي لا بيضة عليه.
تفسير جزيرة العرب ولم سمي الحجاز حجازًا
حدثني علي بن البراء قال: حدثني محمد بن حبيب قال: حد جزيرة العرب على خمسة أقسام: وهي تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وذلك أن جبل السراة وهو أعظم جبال العرب أقبل من قعرة اليمن حتى بلغ أطراف بوادي الشأم، فسمته العرب حجازًا لأنه بين الغور وهو هابط وبين نجد وهو ظاهر، فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعرين وعكٍ وكنانةٍ وغيرها ودونها إلى ذات عرق والجحفة وما صاقبها يعني قاربها وغار من أرضها الغور غور تهامة وتهامة تجمع ذلك كله.
وصار ما دون الجبل في شرقيه من صحارى نجد إلى أطراف العراق والسماوة وما يليها نجدًا ونجد يجمع ذلك كله. وصار الجبل نفسه وهو سراته وهو الحجاز وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد وجبلي طيء إلى المدينة ومن بلاد مذحج تثليث وما دونها إلى ناحية فيد حجازًا، فالعرب تسميه نجدًا وجلسًا وحجازًا والحجاز يجمع ذلك كله.
وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاها العروض وفيها نجد وغور لقربها من البحار وانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها، والعروض يجمع ذلك كله.
وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشحر وعمان وما يليها اليمن وفيها التهائم والنجد واليمن يجمع ذلك كله.
وحدثني علي قال: حدثني الزبير بن بكار قال: حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك بن أنس قال: جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن.
قال أبو بكر: حدثنا علي قال: فحدثني عثمان بن أبي شيبة دخلت إلى الهيثم بن عدي ٍ فقال له أخي عبد الله: يا أبا عبد الرحمن أتحفظ في جزيرة العرب شيئًا، فقال الهيثم: أخبرني مجالد عن عامر قال: سألته عن جزيرة العرب فقال ما بين قادسية الكوفة إلى حضرموت.
15: وبهراء حي قد علمنا مكانهم.......لهم شرك حول الرصافة لاحب
قال الباهلي: (الشرك) جمع شركة والمعنى أن منزلهم بها و(الشرك) الموارد والآثار، و(الرصافة): ناحية حمص وهي لهشام بن عبد الملك وقال يعقوب: (اللاحب): الطريق الماضي المنقاد ويقال مر يلحب إذا مر مرًا سريعًا يؤثر في الأرض و(الشرك) بينات الطريق واحدتها شركة وهي النحائز واحدتها نحيزة.
16: وغارت إياد في السواد ودونها.......برازيق عجم تبتغي من تضارب
(غارت): دخلت و(برازيق): مواكب واحدتها برزق وبرزق، وهو بالفارسية أراد كتائب، (تبتغي): تطلب. و(تضارب): تقاتل، وسمي (السواد) سوادًا لكثرة نخله.
17: ولخم ملوك الناس يجبى إليهم.......إذا قال منهم قائل فهو واجب
أي: قد وجب ما قال، لا بد أن يفعل ما يأمرون به لأنهم (ملوك).
18: ونحن أناس لا حجاز بأرضنا.......مع الغيث ما نلقى ومن هو غالب
قوله (لا حجاز بأرضنا) أي نحن مصحرون لا نخاف أحدًا فنمتنع منه، وقوله: (مع الغيث ما نلقى)، أي كلما وقع الغيث في بلد صرنا إليه وغلبنا عليه أهله، أراد مع الغيث نلقى وجعل ما صلة.
وقوله (من هو غالب) أي من هو غالب كذلك فأضمر الجواب.
غيره: موضع من رفع نسق على ما نلقى أي نلقى نحن ومن هو غالب أي كل من نلقاه فهو مغلوب ونحن غالبون له. غيره: أي نحن مفضون ليس لنا شيء يحجز من الجبال نمتنع به.
يريد نلقى مع الغيث نحن ومن هو غالب أي: والذي له الظفر والغلبة، فهو أبدًا مع الغيث.
19: ترى رائدات الخيل حول بيوتنا.......كمعزى الحجاز أعجزتها الزرائب
قال الباهلي: (كمعزى) لم تجد زربًا فهي ترعى حول البيوت كثرة لمنعتنا وعزنا وبأسنا، ويروى: أعوزتها.
(الرائدات): التي ترعى لا تعلف في البيوت فهي ترود المراعي من كثرتها كأنها معزى الحجاز لا يتخذ لها محابس.
وقال الأصمعي: (ترى رائدات الخيل) عند غيرنا (حول بيوتنا) نحن: لأنا لا نذيل الخيل يريد لا نستخف بها. ولكنا نقربها من البيوت، و(الزرائب): جمع زرب وهو شبيه بالحظيرة تعمل من حجارة، قال الفرزدق:
من عزه احتجرت كليب عنده.......زربًا كأنهم لديه القمل
غيره: رائدات تذهب وتجيء وامرأة رواد من ذلك تكثر الذهاب والمجيء تعاب بذلك، يقول ترى الخيل حول بيوتنا تسرح كأنها مغزى لا تقدر على زربٍ فهي ترعى حول البيوت وقال أبو جعفر: إنما وصف كثرتها عندهم وأنهم ينتجونها، قال: والمعنى أنها تقفز من نشاطها كأنها في مرجٍ كما تقفز المعزى، وقال: (الزرائب): جمع زريبة وزرب.
20: فيغبقن أحلابًا ويصبحن مثلها.......فهن من التعداء قب شوازب
(يغبقن): من الغبوق وهو شرب العشي، (ويصبحن): من الصبوح وهو شرب الغداة و(التعداء): العدو و(القب): الضوامر الخواصر، و(الشوازب): الضوامر الواحد شازب، ويقال للشوازب الشواسف. غيره: والقيل شرب نصف النهار والجاشرية شرب السحر.
21: فوارسها من تغلب ابنة وائل.......حماة كماة ليس فيها أشائب
(الحامي): المانع يقال حمى الشيء إذا منعه ومنه حمية المريض وأحمى فلان المكان إذا صيره حمىً.
و(الكماة): جمع كميٍ و(الكمي): الشجاع الذي يكمي شجاعته إلى وقت حاجته، ومنه قولهم كمى فلان شهادةً إذا سترها، و(الأشائب): الأخلاط أي ليس فيهم أخلاط من الناس والشوب الخلط يقال شابه يشوبه شوبًا.
22: هم يضربون الكبش يبرق بيضه.......على وجهه من الدماء سبائب
(الكبش): رئيس القوم وحاميهم، قال الأصمعي: وقد يكون الكبش ههنا المتقدمين من الجيش، وإنما قال وجهه ولم يقل وجوههم لأنه ذهب إلى لفظ الكبش، و(السبائب): الطرائق الواحدة سبيبة، وإنما خص الوجه لأنه أشجع للمضروب إنما يضرب في رأسه مقبلاً فالدم في وجهه.
غيره: أسابي الدم أيضًا طرائقه قال يعقوب: الواحدة إسباءة، وأنكرها أحمد وقال: الواحدة إسباية قال: ولم أسمع الهمز وقال: تقول العرب إسباية وإزباية وكذلك الجمع.
قال يعقوب: ويقال الأسابي ألوان الدم، قال: ويقال إنه ما كان من أثر الدم إلى الطول وإذا كان الدم مثل فرسن البعير فهو الجدية والجمع جدايا، والبصيرة من الدم ما استدللت بها على الرمية، والورق من الدم الرش منه، وأنشد الرستمي:
أرقا ما أرقا.......دمعًا يحت الورقا
هذا كله عن يعقوب، وقال أحمد: الجدية: الطريقة من الدم لها عرض، فإذا استدقت فهي إسباية، فإذا كانت مستديرة فهي ورقة، والبصيرة: القطعة من الدم تستدل بها على القتيل ليس لها حد يحد تكون صغيرة وكبيرة.
23: بجأواء ينفي وردها سرعانها.......كأن وضيح البيض فيها الكواكب
(الجأواء): الكتيبة الكثيرة الدروع المتغيرة الألوان لطول الغزو أخذت من قولهم فرس أجأى وهو أشد سوادًا من الأصداء، وأصل ذلك الجؤوة وهو ما صلب من الأرض واسود، ووردها ما ورد الماء منها، وسرعانها المتسرعون منها إلى الماء.
يقول فمن ورد بعد السرعان طرده عن الماء مخافة أن يضيق عليهم الماء لكثرتهم، ونحو منه قول أوس بن حجر يذكر جيشًا في عجز بيت: تناجز أولاه ولم يتصرم، ووضيح البيض ما وضح منها أي ظهر، ويروى: كأن وبيص البيض والوبيص: البريق يقال وبص يبص وبيصًا.
غيره: أي يقدم وردها سرعانها أي سرعانًا منه، أي يتقدمون إلى ماءٍ آخر لا يضبطهم ماء واحد من كثرتهم. وقال أحمد: يتقدمون لا يهابون شيئًا، غيره: وبيت أوسٍ الذي أنشد أبو عكرمة عجزه:
بأرعن مثل الطود غير أشابة.......تناجز أولاه ولم يتصرم
وكل متقدم من جبل وغلظ فهو رعن وقوله تناجز أي تنفذ وتقول ما نجز لك من حاجتك فيقول نجز لي عامة أمري أي مضى ونفذ، ومنه: أنجز حر ما وعد أي أنفذه أي تناجز أولاه وآخره كأنه واقف من كثرته، وهذا مثل قول الآخر:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم.......وقوف لأمر والركاب تهملج
أي: يمضي أوله وتحسب أنهم وقوف لا يسيرون لكثرتهم.
24: وإن قصرت أسيافنا كان وصلها.......خطانا إلى القوم الذين نضارب
قال ثعلب: هذا البيت تتنازعه الأنصار وقريش وتغلب وزعمت علماء الحجاز أنه لضرار بن الخطاب الفهري أحد بني محارب من قريش.
25: فلله قوم مثل قومي سوقة.......إذا اجتمعت عند الملوك العصائب
يتعجب منهم يريد لله هم من سوقة ما أعظم مقدارهم من (السوقة)، أي إذا اجتمع الطوائف من الناس عند الملوك فافتخروا وذكروا مآثرهم فأي قومٍ قومي في ذلك الوقت.
26: أرى كل قوم ٍ ينظرون إليهم.......وتقصر عما يفعلون الذوائب
(الذوائب): الرؤساء ويروى: ترى الناس في العزاء ينتظرونهم، العزاء: الضيق والشدة، يريد أن الناس يصدرون عن آرائهم في وقت الخوف والجدب، قال أحمد: ويروى: عما يبلغون، ينظرون إليهم تعجبًا من هيأتهم.
27: أرى كل قومٍ قاربوا قيد فحلهم.......ونحن خلعنا قيده فهو سارب
قال الأصمعي: هذا مثل يريد أن الناس أقاموا في موضع لا يجترئون على النقلة إلى غيره ونحن أعزاء نقتري الأرض نذهب حيث شئنا لا يقدر أحد على منعنا، و(السروب): الذهاب في الأرض يقال سرب يسرب سروبًا، غيره: قال أبو نصر: سرب الفحل يسرب سروبًا إذا مضى وسار في الأرض وذهب حيث شاء.
ويقال انسرب الثعلب في الجحر إذا دخل سربه، ويقال فلان آمن في سربه أي في نفسه، وفلان واسع السرب أي رخي البال ويقال خل سربه أي: طريقه وقال ذو الرمة:
خلى لها سرب أولاها وهيجها.......من خلفها لاحق الصقلين همهيم
و(السرب): الإبل يقال جاء سرب بني فلان إذا جاءت إبلهم، ويقال اذهب فلا أنده سربك، أي: لا حاجة لي فيك أي لا أرد إبلك لتذهب حيث شاءت، ويقال للمرأة عند الطلاق، اذهبي فلا أنده سربك، فكانت تطلق بهذه الكلمة وهو من قولهم حبلك على عاتقك.
قال الباهلي: أي كل أناس حبسوا فحلهم أن يتقدم فتتبعه إبله خوفًا عليها من الغارة ونحن خلعنا قيد فحلنا فلم نحبسه و(سارب) وسارح سواء.
[شرح المفضليات: 410-421]