وقال شبيب بن البرصاء
1: ألم تر أن الحي فرق بينهم.......نوى يوم صحراء الغميم لجوج
(النوى) النية التي ينوونها في سفرهم، و(اللجوج) المنقادة المتتابعة، ولم يرفع أبو عكرمة شبيبًا في النسب ونسبه أحمد فقال: قال أبو عبيدة معمر بن المثني هو شبيب بن يزيد بن جمرة بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار وأمه البرصاء هي أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة، قال: وكان شبيب شديد العصبية لبني فزارة لأن جدته أم أمه البرصاء قرصافة بنت نجبة بن ربيعة بن رياح بن هلال بن شمخ بن فزارة، وأم عقيل بن علفة أخت البرصاء وهي عمرة بنت الحارث وشبيب إسلامي قديم شاعر معروف، ويروى: نوى يوم دارات الغمير خلوج، ويروى الغبير وهو ماء لبني محارب.
2: نوى شطنتهم عن نوانا وهيجت.......لنا طربًا إن الخطوب تهيج
(شطنتهم) أخذت بهم على غير قصد، يقال نوى شطون إذا كانت عوجاء المذهب وهو مأخوذ من قولهم بئر شطون وهي التي في جرابها عوج فتخرج دلوها بشطنين، قال الشاعر:
أكل يوم لك شاطنان.......ولا أحب الماء ذا الشطان
و(الخطوب): الأحداث الواحد خطب و(الطرب): خفة تلحق للفرح والجزع، قال الجعدي:
وأراني طربًا في إثرهم.......طرب الواله أو كالمتبل
المتبل: المأخوذ بالتبل وهو الثأر وقال أبو ذؤيب:
طربت لذكره من غير نوب.......كما يهتاج موشي قشيب
الرواية نقيب أي أرقت لذكر الحديث من غير نوب من غير قرب وقوله يهتاج موشي نقيب يعني بالنقيب المزمار أي في صدري كالمزامير لا أنام ومن روى قشيب أراد جديدًا وقال ذو الرمة:
أستحدث الركب عن أشياعهم خبرًا.......أم راجع القلب من أطرابه طرب
غيره:
نوى شطنتهم عن هواك وهيجت.......رجيع الهوى إن الخطوب تهيج
3: فلم تذرف العينان حتى تحملت.......مع الصبح أحفاض لهم وحدوج
(الأحفاض): جمع حفض وهو البعير الضعيف يحمل عليه الأمتعة والآنية، قال رؤبة: يا ابن قروم لسن بالأحفاض، و(الحفض) في غير هذا المتاع الذي يحمل على البعير سمي حفضًا لأنه يحمل على الحفض وهو من الأضداد، قال عمرو بن كلثوم:
ونحن إذا عماد الحي خرت.......على الأحفاض نمنع ما يلينا
يعني متاع البيت ويروى عن الأحفاض يعني الإبل، و(الحدوج): جمع حدج وهي مراكب النساء ومنه قولهم بعير محدوج إذا شد عليه الحدج وإنما قال مع الصبح لأن أكثر ما يرحلون بالنساء في الليل، ويروى:
وما خفت منها البين حتى رأيتها.......وقد زال أجمال بها وحدوج
4: وحتى رأيت الحي تذري عراصهم.......يمانية تزهى الرغام دروج
(تزهاه): تستخفه، لم يرو هذا البيت أبو عكرمة، (الرغام) التراب ومنه أرغم الله أنفه أي أذله حتى يلصق بالتراب.
5: فأصبح مسرور ببينك معجب.......وباك له عند الديار نشيج
6: فإن تك هند جنة حيل دونها.......فقد يعزف اليأس الفتى فيعيج
(يعيج): يقنع ويرضى، ويعوج يعطف ويرجع ويروى:
فإن تك جمل حيل بيني وبينها.......فقد يحكم اليأس الفتى فيعيج
يحكمه: يرده عما يريد ومنه أخذت حكمة الدابة لأنها تمنعها وتردها.
(فيعيج): يعقل وينتفع.
7: إذا احتلت الرنقاء هند مقيمة.......وقد حان مني من دمشق بروج
(الرنقاء): موضع، و(البروج): المنازل، ويروى: هند غريبة، (الرنقاء) في بلاد عامر بن صعصعة.
8: وبدلت أرض الشيح منها وبدلت.......تلاع المطالي سخبر ووشيج
9: وأعرض من حوران والقن دونها.......تلال وخلات لهن أجيج
10: فلا وصل إلا أن تقرب بيننا.......قلائص يجذبن المثاني عوج
ويروى: ينفخن المثاني، (القلائص): جمع قلوص وهي الشابة من الإبل، قال الأصمعي: القلوص من الإبل بمنزلة الفتاة من الناس و(المثاني) الحبال الواحدة مثناة و(العوج) نعت للقلائص وهي المعوجة من الضمر والهزال.
11: ومخلفة أنيابها جدلية.......تشد حشاها نسعة ونسيج
ويروى: تضم (حشاها) ويروى: بمخلفة، (المخلفة): التي أتى لها بعد البزول سنة، ولا سن نعد بعد البزول، إنما يقال مخلف عام ومخلف عامين ومخلف ثلاثة أعوام إلى أن يهرم البعير، و(الجدلية): منسوبة إلى جديلة من اليمن، ويروى شدنية، (نسعة): سيور مضفورة على هيئة الحبل فأراد أنها يشد رحلها بنسعة من سيور يريد بذكره النسعة أنها نجيبة إذ كان لا يشد بالنسع إلا النجائب.
و(النسيج) ما نسج منه، ويقال بل أراد غرضة الرحل والجمع غرض، والغرضة من الرحل بمنزلة الحزام من السرج.
12: لها الربذات بالنجاء كأنها.......دعائم أرز بينهن فروج
أراد (بالربذات) القوائم وأصل الربذ الخفة و(النجاء) السرعة يمد ويقصر و(الدعائم) جمع دعامة وهو ما يدعم البيت به من خشب مثل الأساطين شبه قوائمها بالدعائم لطولها.
و(الأرز) شجر بالشأم يوصف بالصلابة وقوله (بينهن فروج) أراد سعة فرجها وهو أشد لتمكنها ويروى على ربذات.
13: إذا هبطت أرضًا عزازًا تحاملت.......مناسم منها راعف وشجيج
(العزاز): الأرض الصلبة، قال الفقعسي الراجز: يروي الدهاس والعزاز فائض، و(المناسم): جمع منسم وهو طرف خف البعير بمنزلة الظفر من الإنسان أراد أن العزاز تدمي مناسمها فهي ترعف شبهه برعاف الإنسان.
يقال رعف يرعف و(الشجيج) مفعول من الشج منقول إلى فعيل، ويروى:
عزازًا وقت بها.......مناسم منها ناصع وشجيج.
وقت حفيت فكأنها تتقي.
14: ومغبرة الآفاق يجري سرابها.......على أكمها قبل الضحى فيموج
(المغبرة): الدوية القفر، و(الآفاق): النواحي وهي الأقطار والأقتار واحدها قتر وأفق وقطر يريد أنها أرض تجدب فالغبار يرتفع فيها لذهاب النبت والندى.
وقال الأصمعي: السراب يكون في الضحى والآل يكون في نصف النهار إلى ما بعده من آخر النهار وهذا البيت يشهد لقوله.
و(الأكم) جمع أكمة يقال أكمة وآكم وأكم وأكمة وإكام ويموج يجيء ويذهب، ويروى:
وداوية قفر يمور سرابها.......بعيد الضحى في أكمها فيموج
15: قطعت إذا الأرطى ارتدى في ظلاله.......جوزائ يرعين الفلاة دموج
أي: قطعت هذه المغبرة الآفاق، و(الأرطى) شجر يدبغ به والظباء والبقر تعتاده تكنس في أصوله.
و(الجوزائ) من البقر التي تجتزئ بالرطب عن الماء والدموج الداخلة في كنسها، ويروى:
إذا الأرطى ارتدى في ظلاله.......جوازئ يسكن الفلاة دموج
16: لعمر ابنة المري ما أنا بالذي.......له أن تنوب النائبات ضجيج
ويروى: (لعمر ابنة الزيدي ما أنا بالذي)، يقول: لست ممن يجزع لنازلة تنزل به، أنا صبور على ريب الدهر.
17: وقد علمت أم الصبيين أنني.......إلى الضيف قوام السنات خروج
يقول: إذا طرقني ضيف وأنا نائم خرجت إليه فأنزلته، وقوله (قوام السنات) أي قوام إذا أخذت السنات غيري فأنامته و(السنات): جمع سنة وهو ما يغشى الإنسان من سمادير النوم.
18: وإني لأغلي اللحم نيئًا وإنني.......لممن يهين اللحم وهو نضيج
قوله (لأغلي اللحم نيئًا) يريد أنه يضرب بالقداح في الجدب لينحر للناس فلا يشتري إلا سمينًا فذلك إغلاؤه به وإهانته النضيج أنه يبذله لمن ورده لا يمنع أحدًا منه، قال الأصمعي: هذا كقولهم بما عز وهان وأنشد:
أهان لها الطعام فلم تضعه.......غداة الروع إذ دعيت نزال
يريد فرسًا آثرها على عياله ونفسه فوجده فيها يوم الروع أي أعطته قوة ونشاطًا بما أعطاها وآثرها وقال الآخر:
إني لأغلاهم للحم قد علموا.......نيئًا وأرخصهم لحمًا إذا نضجا
19: إذا المرضع العوجاء بالليل عزها.......على ثديها ذو ودعتين لهوج
أي: (أغلي اللحم) في هذا الموضع الشديد، و(العوجاء) التي اضطرب خلقها للهزال من الجوع وشدة الجدب فهزلت وانحنت، و(عزها): غلبها وذو ودعتين يريد ولدها و(اللهوج) واللهيج واللاهج المغرى بالرضاع، وإنما لهج به لأنه ليس في ثدي أمه ما يغنيه ولو كان فيه ما يغنيه لم يلهج به.
20: إذا ما ابتغى الأضياف من يبذل القرى.......قرت لي مقلات الشتاء خدوج
يريد ناقة نحرها، و(الخدوج) التي رمت بولدها فهو أصلب لها وأنفس، يقال خدجت تخدج فهي خادج والولد خديج إذا ألقت ولدها قبل تمام أيامه، فإن ألقته وقد تمت أيامه وبعض خلقه ناقص قيل أخدجت فهي مخدج والولد مخدج، والمقلات وجمعها مقاليت هي التي لا يعيش لها ولد، قال الأصمعي: وأصل ذلك من القلت وهو الهلاك، ومنه الحديث: (إن المسافر وماله لعلى قلت إلا ما وقى الله) ومنه قول بشر بن أبي خازم:
تظل مقاليت النساء يطأنه.......يقلن ألا يلقى على المرء مئزر
يصف رجلاً شريفًا وكان أهل الجاهلية يقولون إذا قتل الرجل السيد فخطته المرأة المقلات سبع خطوات عاش ولدها، ويروى:
إذا عدم الأضياف من يضمن القرى.......قرت لي مرباع النتاج خلوج
21: جمالية بالسيف من عظم ساقها.......دم جاسد لم أجله وسحوج
(الجمالية) التي تشبه بخلق الجمل، وقوله (من عظم ساقها) أراد أنه يعرقبها، و(الجاسد): اللازق، و(السحوج): جمع سحج وهو الأثر في الجلد كالخدش، ويروى لم نجله أي لم نكشفه.
22: كأن رحال الميس في كل موقف.......عليها بأجواز الفلاة سروج
(الميس): شجر يتخذ منه الرحال وقوله كل موقف أراد أنهم إذا نحروا حملوا رحل ما نحروا على ما معهم من الإبل، و(الأجواز) الأوساط واحدها جوز، تمت في رواية أبي عكرمة وزاد غيره بيتًا:
23: وما غاض من شيء فإن سماحتي.......ووجهي به أم الصبي بليج
[شرح المفضليات: 335-341]