34 قصيدة عمرو بن معديكرب: ومُردٍ على جُردٍ شَهدْتُ طِرادَها = قبيلَ طلوعِ الشمس أو حين ذَرَّتِ

[محمد أبو زيد]

وقالَ عَمْرُو بنُ مَعْدِيَكْرِبَ:
وَمُرْدٍ عَلَى جُرْدٍ شَهِدْتُ طِرَادَهَا = قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ حِينَ ذَرَّتِ
صَبَحْتُهُمُ بَيْضَاءَ يَبْرُقُ بَيْضُها = إِذَا نَظَرَتْ فِيهَا الْعُيُونُ ازْمَهرَّتِ
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْخَيْلَ رَهْوًا كَأَنَّهَا = جَدَاوِلُ زَرْعٍ أُرْسِلَتْ فاسْبَطَرَّتِ
وَجَاشَتْ إِلَيَّ النَّفْسُ أَوَّلَ وَهْلَةٍ = وَرُدَّتْ عَلَى مَكْرُوهِهَا فَاسْتَقَرَّتِ
عَلامَ تَقُولُ الرُّمْحَُ يُثْقِلُ عَاتِقِي = إِذَا أنَا لَمْ أَطْعُنْ إِذَا الْخَيْلُ وَلَّتِ
عَقَرْتُ جَوَادَ ابْنَيْ دُرَيْدٍ كِلَيْهِمَا = وَمَا أَخَذَتْنِي في الخُتُونَةِ عِزَّتي
لَحَا اللهُ جَرْمًا كُلَّمَا ذَرَّ شَارِقٌ = وُجُوهَ كِلابٍ هَارَشَتْ فَازْبَأَرَّتِ
ظَلِلْتُ كَأَنِّي لِلرِّمَاحِ دَرِيئةٌ = أُقَاتِلُ عَنْ أَبْنَاءِ جَرْمٍ وَفَرَّتِ
فَلَمْ تُغْنِ جَرْمٌ نَهْدَهَا إِذْ تَلاقَتَا = وَلَكِنَّ جَرْمًا في اللِّقَاءِ ابْذَعَرَّتِ
فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي أَنْطَقَتْنِي رِمَاحُهُمْ = نَطَقْتُ وَلَكِنَّ الرِّمَاحَ أَجَرَّتِ

[محمد أبو زيد]

34

وقال عمرو بن معد يكرب *

1 ومرد على جرد شهدت طرادها = قبيل طلوع الشمس أو حين ذرت
ــــــــــ
(*) ترجمته: هو عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد – وهو منبه – ابن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان، ويكنى أبا ثور. كان فارس اليمن ويقدم على زيد الخيل في الشدة والبأس. وقدم عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد مذحج فأسلموأ، ثم ارتد عمرو عن الإسلام حتى كانت غزوة تبوك، فلقى رسول الله في منصرفه منها فدعاه إلى الإسلام فأسلم وبايع لقومه على الإسلام. وشهد عمرو القادسية وهو ابن مائة وست سنين فيما يزعمون وأبلى فيها بلاء عظيمًا. واختلف في وفاته، فقيل في القادسية وقيل بعد وقعة نهاوند. وانظر المؤتلف 156 حيث ذكر عمرو بن معد يكرب الزبيدي الأكبر الجاهلي – وهو غير هذا – والمرزباني 208 والاشتقاق 245 والأغاني 14: 24 – 40 والأمالي 3: 147 والسمط 74 والشعراء 219 – 222 والخزانة 1: 422 – 426 والعنبي 1: 379 والإصابة 5: 18 – 21 وأسد الغابة 4: 132 – 134 والاستيعاب 451 – 453.
جو القصيدة: كان من قصة هذه الأبيات أن جرما ونهدا – وهما قبيلتان من قضاعة – كثرت بطونهم فتلاحقوا، فاقتتلوا وتفرقوا وتشتت أمرهم ووقع الشر بينهم، فلحقت نهد بن زيد ببني الحارث بن كعب فحالفوهم، ولحقت جرم بن ربان ببني زبيد فحالفوهم، ثم وقعت الحرب بين الحارث وبني زبيد واستتبع ذلك أن تحارب نهد جرما، فهزمت بنو زبيد وانخذلت عنها جرم لم ترع حق الحلف. ففي هذه الأبيات يذكر عمرو ما كان في تلك الحرب وما كان من قوة أعدائه، وكيف قابل تلك الصدمة بيأس شديد، لا يبالي بالقرابة الدنيا. ثم أنحى باللائمة على جرم إذ خامت عند اللقاء وفرت، ولكنه بقى في قومه يمارس الحرب في شجاعة.
تخريجها: هي برقم 15 في الأوربية منسوبة إلى دريد بن الصمة. والبيت 3 في نظام الغريب 204 و3، 4، 5، 7، 9، 10 في الحماسة 1: 156 – 160 بشرح التبريزي والخزانة 1: 422 والعيني 2: 436 – 437. و4 في الأمثال 2: 29 وفرائد اللآل 2: 69. و5 في اللسان 12: 93. و7، 8، 9 في معجم ما استعجم 42 و7، 9، 10 في التنبيه 49 والسمط 366. و8 في اللسان 1: 67 ونظام الغريب 97، 244. و8، 4 في حماسة البحتري 9 وفيها ص43 بيت آخر منها. و10 في الأنباري 57 وعيون الأخبار 3: 164 والنقائض 52 واللسان 5: 196 والبيان 1: 184.
(1) المرد: جمع أمرد. الجرد: جمع أجرد، وهو الفرس القصير الشعر. الطراد: هو مطاردة الفرسان بأن يجعل بعضهم على بعض في الحرب. ذرت الشمس: طلعت وظهرت أول طلوعها.


2 صبحتهم بيضاء يبرق بيضها = إذا نظرت فيها العيون ازمهرت
3 ولما رأيت الخيل رهوًا كأنها = جداول زرع أرسلت فاسبطرت
4 وجاشت إلى النفس أول وهلة = وردت على مكروهها فاستقرت
5 علام تقول الرمح يثقل عاتقي = إذا أنا لم أطعن إذا الخيل ولت
6 عقرت جواد ابني دريد كليهما = وما أخذتني في الختونة عزتي
7 لحا الله جرما كلما ذر شاق = وجوه كلاب هارشت فازبأرت
8 ظللت كأني للرماح دريئة = أقاتل عن أبناء جرم وفرت
9 فلم تغن جرم نهدها إذ تلاقتا = ولكن جرما في اللقاء ابذعرت
10 فلو أن قومي أنطقتني رماحهم = نطقت، ولكن الرماح أجرت
ـــــــــ
(2) صبحتهم: جئتهم بالكتيبة صباحًا. بيضاء: يريد كتيبة بيضاء عليها بياض الحديد. بيضها: فلانس الحديد على رؤوسها، واحدها بيضة. ازمهرت: احمرت من الغضب. وفي الشنقيطية «ازجهرت» بالجيم بدل الميم، ويوافقها ما نقله مصحح طبعة أوربة عن نسخة فينا، ولكن لم نجد لهذه الكلمة أصلاً في المعاجم.
(3) رهوًا: سراعًا متتابعة. الجداول: الأنهار الصغار. اسبطرت: امتدت في سرعة.
(4) جاشت: ارتفعت من فزع، وهذا ليس لكونه جبانًا بل هو بيان حال النفس، ونفس الجبان والشجاع سواء فيما يدهمها عند الوهلة الأولى، ثم يختلفان، فالجبان يركب نفرته، والشجاع يدفعها فيثبت. والواو زائدة و«جاشت» جواب «لما» على الراجح عندنا، وهو قول الكوفيين والأخفش، وذهب البصريون إلى أن الجواب محذوف. ردت على مكروهها: أي رددتها على الشدة.
(5) الرمح: مروي بالرفع على الحكاية، وبالنصب بجعل القول بمعنى الظن وإعماله عمله بعد الاستفهام. وانظر اللسان 12: 93 – 94 والخزانة 1: 423 – 424.
(6) الختونة، الختن: أبو امرأة الرجل وأخو امرأته وكل ما كان من قبل امرأته، والاسم الختونة.
(7) لحاه الله: أهلكه، وهو دعاء، وأصل اللحو نزع قشر العود. جرم: قبيلة. ذرت الشمس: طلعت. شارق: الشمس. وجوه: بالنصب على الذم والشم، وهو شاهد ذلك، أو بدل من «جرمًا». هارشت: من المهارشة، وهي تقاتل الكلاب. ازبأرت: انتفشت حتى ظهر أصول شعرها وتجمعت للوثب.
(8) الدريئة: الحلقة التي يتعلم الرامي الطعن والرمى عليها، قال الأصمعي: «هو مهموز».
(9) نهد: قبيلة. لم تغنها جرم: لم تقاومها ولم تكفها ولكنها فرت منها. ابذعرت: تفرقت وتبددت.
(10) أجرت: الإجرار أن يشق لسان الفصيل لئلا يرضع. يقول: لو أن قومي قاتلوا وأبلوا لذكرت ذلك وفخرت بهم، ولكن رماحهم أجرتني، أي قطعت لساني عن مدحهم لفرارهم، أراد أنهم لم يقاتلوا.
[شرح الأصمعيات: 121-122]