102 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءاً)). رَوَاهُ مسلمٌ، زادَ الحاكِمُ: ((فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ)). وَلِلأَرْبَعَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً. وَهُوَ مَعْلُولٌ.
درجةُ الحديثِ: صدرُ الحديثِ في مسلمٍ فلا داعِيَ للكلامِ فيه.
أمَّا روايةُ الأربعةِ عن عائشةَ: فالمؤلِّفُ أَعَلَّهَا؛ لأنها من روايةِ أبي إسحاقَ عن الأسودِ، عن عائشةَ، قالَ أحمدُ: ليسَ بصحيحٍ. وقالَ أبو داودَ: إنَّ أبا إسحاقَ لم يَسْمَعْ من الأسودِ.
قالَ المؤلِّفُ في التلخيصِ: أَخْرَجَ مسلمٌ الحديثَ دونَ قولِه: "وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً"، وكأنه حَذَفَها عَمْداً، وقالَ مهنَّا عن أحمدَ بنِ صالحٍ: لا يَحِلُّ أنْ يُرْوَى هذا الحديثُ. وقالَ ابنُ مفوزٍ: أَجْمَعَ المحدِّثُونَ على أنه خَطَأٌ مِن أبي إسحاقَ. ثمَّ قالَ ابنُ حَجَرٍ: وتَسَاهَلَ في نقلِ الإجماعِ؛ فقدْ صَحَّحَهُ البَيْهَقِيُّ.
قالَ التِّرْمِذِيُّ: وعلى فرضِ صِحَّتِه، فيُحْمَلُ على أنَّ المرادَ: لا يَمَسُّ ماءَ الغُسْلِ.
وبتأويلِ التِّرْمِذِيِّ يَتَبَيَّنُ أنه يُوَافِقُ أحاديثَ في الصحيحيْنِ, التي صَرَّحَتْ بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَتَوَضَّأُ لأجلِ النومِ والأكلِ والشربِ والجِماعِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- وُضُوءاً: مصدرٌ مُؤَكِّدٌ للوضوءِ الشرعيِّ؛ ذلك أن الوضوءَ لغةً: يُطْلَقُ على غَسْلِ اليديْن والفَرْجِ.
- لِلْعَوْدِ: بفتحِ العينِ وسكونِ الواوِ، يُقالُ: عادَ إلى الشيءِ وعادَ له وعاد فيه: صارَ إليه ورَجَعَ، والمرادُ هنا: عادَ إلى إتيانِ امرأتِه.
- وَهُوَ جُنُبٌ: الواوُ للحالِ، والجملةُ الاسميَّةُ جملةٌ حالِيَّةٌ، والجُنُبُ – بضمتيْن – مَن أَصابَتْه الجَنَابَةُ.
- بَيْنَهُمَا: أي: بينَ الجِماعِ الأوَّلِ والجماعِ الثاني.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- استحبابُ الوضوءِ لمَن جامَعَ أَهْلَه ثمَّ أرادَ العَوْدَ إلى الجِماعِ مَرَّةً أُخْرَى.
وقد ثَبَتَ أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَشِيَ نساءَه ولم يُحْدِثْ وُضُوءاً بينَ الفعليْن، وثَبَتَ أنه اغْتَسَلَ بعدَ غِشْيانِه كلَّ واحدةٍ، فالكلُّ جائزٌ.
2- عُمُومُ الحديثِ يُفِيدُ أنه سَوَاءٌ كانَتِ التي يُرِيدُ العَوْدَ إليها هي المَوْطُوءَةَ، أو الزوجةَ الأخرَى لمَن عندَه أكثرُ من واحدةٍ.
3- الحِكمةُ في هذا ما أشارَتْ إليه زيادةُ الحاكِمِ: ((فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ))؛ ذلك أن المُجَامِعَ يَحْصُلُ له كَسَلٌ وانحلالٌ، والماءُ يُعِيدُ إليه نشاطَه وقُوَّتَه وحَيَوِيَّتَه، وأَبْلَغُ مِن الوُضُوءِ الغُسْلُ بإعادةِ النشاطِ والقوَّةِ.
4- جوازُ النومِ بعدَ الجِماعِ ولو كانَ جُنُباً.
5- قولُه: مِن غيرِ أنْ يَمَسَّ الماءَ. يُفِيدُ أنه ينامُ ولا يَتَوَضَّأُ.
قالَ التِّرْمِذِيُّ: على تقديرِ صِحَّتِه فيَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ: لا يَمَسُّ ماءَ الغُسْلِ دونَ ماءِ الوُضُوءِ، ويُوَافِقُ أحاديثَ الصحيحيْن المُصَرِّحَةَ بأنه يَغْسِلُ فَرْجَه ويَتَوَضَّأُ لأجل النومِ والأكلِ والشربِ والجِماعِ.
ومنها: حديثُ ابنِ عمرَ، أنَّ عمرَ قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أَيَنَامُ أَحَدُنا وهو جُنُبٌ؟ قالَ: ((نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (285)، ومسلمٌ (306).
وعن عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ للجُنُبِ إذا أرَادَ أنْ يَأْكُلَ أو يَشْرَبَ أو يَنَامَ: أنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ للصلاةِ. رَوَاهُ أحمدُ (18407)، والتِّرْمِذِيُّ (613) وصَحَّحَهُ
وحديثُ البابِ يُفِيدُ استحبابَ الوضوءِ للجِماعِ.
خلافُ العلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ في نومِ الجُنُبِ بدونِ وُضُوءٍ فذَهَبَ الظاهِرِيَّةُ: إلى التحريمِ؛ أخذاً بحديثَيِ ابنِ عُمَرَ وعَمَّارٍ وأمثالِهما.
وذَهَبَ الإمامُ أحمدُ في الروايةِ المشهورةِ مِن مَذْهَبِه إلى استحبابِ الوضوءِ وكَرَاهَةِ تَرْكِه؛ ذلكَ أنَّ الوضوءَ يُخَفِّفُ غِلَظَ الجَنَابَةِ وثِقَلَ حَدَثِها للنائمِ الذي يَنْبَغِي أنْ يَنَامَ على طهارةٍ تامَّةٍ، كما جاء في التِّرْمِذِيِّ (3589) وغيرِه من حديثِ البَرَاءِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ)).
قالَ شيخُ الإسلامِ: يُسْتَحَبُّ الوضوءُ عندَ كلِّ نومٍ لكلِّ أحدٍ.
قالَ الزُّرْقَانِيُّ: ذَهَبَ جمهورُ الصحابةِ، والتابعينَ: إلى جوازِ تركِه بلا كَرَاهَةٍ، وعليه فُقَهَاءُ الأمصارِ.
والراجِحُ من هذه الأقوالِ: ما ذَهَبَ إليه الإمامُ أحمدُ مِن استحبابِ الوضوءِ وكراهةِ تَرْكِه، فهذا أقَلُّ حالِ ما تَدُلُّ عليه الأحاديثُ الكثيرةُ الصحيحةُ الصريحةُ في هذه المسألةِ.