101 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْخَمْسَةُ، وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ صحيحٌ.
قالَ في التلخيصِ: رَوَاهُ أحمدُ، وأصحابُ السُّنَنِ، وابنُ ماجهْ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكِمُ (1/253)، والبَزَّارُ، والدَّارَقُطْنِيُّ (1/119)، والبَيْهَقِيُّ (1/288)، وألفاظُهم مُخْتَلِفَةٌ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ السَّكَنِ وعبدُ الحقِّ والبَغَوِيُّ.
قالَ ابنُ خُزَيْمَةَ: قالَ شُعْبَةُ: هذا الحديثُ ثُلُثُ رَأْسِ مالي. وقالَ أيضاً: لم أُحَدِّثْ بحديثٍ أحسنَ منه. اهـ.
مفرداتُ الحديثِ:
- كَانَ: قالَ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ: "كانَ يَفْعَلُ كذا" بمعنى: أنه يَتَكَرَّرُ منه فِعْلُه وكانَتْ عادتَه، وقد تُسْتَعْمَلُ (كان) لإفادةِ مجرَّدِ الفعلِ ووقوعِ الفعلِ دونَ الدَّلالةِ على التَّكْرَارِ، والأوَّلُ أكثرُ في الاستعمالِ، وعليه يَنْبَغِي حَمْلُ الحديثِ.
- يُقْرِئُنَا القُرْآنَ: أي: يَتْلُو القرآنَ علينا ويُعَلِّمُنَا إيَّاهُ بتلقينِه إيَّاه لنا.
- مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً: (ما) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، أي: مُدَّةَ بقائِه جُنُباً؛ فقد حُذِفَ الظرفُ وخَلَفَتْه (ما)، وأَصْبَحَ المصدرُ المؤوَّلُ بعدَها منصوباً على الظرفيَّةِ؛ لقيامِه مقامَ المُدَّةِ المحذوفةِ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- تحريمُ قراءةِ القرآنِ الكريمِ على الجُنُبِ، ويَدْخُلُ فيه كلُّ مَن عليه حَدَثٌ أكبرُ، ورُبَّمَا كانَ الحديثُ ليسَ صريحاً في التحريمِ، إلاَّ أنَّ الذي يُؤَيِّدُ التحريمَ ما رَوَاهُ عليٌّ، قالَ: قَرَأَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مِن القرآنِ، ثمَّ قالَ: ((هَكَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ)). قالَ الهَيْثَمِيُّ في مَجْمَعِ الزوائدِ (1/276): رجالُه مُوَثَّقُونَ.
2- قالَ في الرَّوْضِ المُرْبِعِ وحاشِيَتِه: وحَرُمَ على الجُنُبِ قراءةُ القرآنِ؛ أي: قِراءةُ آيةٍ فصاعداً، وله قراءةُ بعضِ آيةٍ ما لم تَطُلْ كآيةِ الدَّيْنِ، وله قولُ ما وَافَقَ قرآناً، كالبَسْمَلَةِ والحَمْدَلَةِ ونحوِهما، ما لم يَقْصِدِ القرآنَ، فإنْ قَصَدَه حَرُمَ.
قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَجْمَعَ الأئمَّةُ على تحريمِ قراءةِ القرآنِ للجُنُبِ.
3- جَوَازُ قِرَاءَةِ القرآنِ للمُحْدِثِ حَدَثاً أصغرَ؛ لقولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً(1).
4- فضلُ تلاوةِ القرآنِ والاجتماعِ لذلكَ، والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ وصحيحةٌ.
5- فضلُ تعليمِ القرآنِ لفظاً ومعنًى وسلوكاً؛ فقد جاءَ في صحيحِ البُخَارِيِّ (5027) أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)). وهذا هو تعليمُه التامُّ.
6- عدمُ وجوبِ المبادرةِ بالاغتسالِ للجُنُبِ، وجوازُ مجالستِه الناسَ؛ لِمَا في البُخَارِيِّ (285)، ومسلمٍ (371) عن أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَه في بعضِ طُرُقِ المدينةِ وهو جُنُبٌ، قالَ: فانْخَنَسْتُ منه فذَهَبْتُ فاغْتَسَلْتُ، ثمَّ جِئْتُ فقالَ: ((أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟)) قالَ: كُنْتُ جُنُباً فكَرِهْتُ أنْ أُجَالِسَكَ وأنا على غيرِ طَهارةٍ. فقالَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ)).
7- فيه وُجُوبُ تعظيمِ القرآنِ واحترامِه، وأنْ يُبْعَدَ عن كلِّ ما يَمَسُّ كرامتَه وقُدُسِيَّتَه مِن الأمكنةِ القَذِرَةِ والمَحَالِّ المُحَرَّمَةِ مِن مجالسِ اللَّهْوِ والغناءِ والفُحْشِ والمناظِرِ المُزْرِيَةِ والصُّوَرِ المُحَرَّمَةِ.
قالَ تعالى:{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}[الواقعة:77-79].
وقالَ تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس:13،14].
وقد رَوَى مسلمٌ (1869) عن ابنِ عُمَرَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أنْ يُسافَرَ بالقرآنِ إلى أرضِ العدوِّ؛ مخافةَ أنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ.
ورَوَى أبو داودَ في المراسيلِ ص (121) أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ)).
ومِن إهانةِ القرآنِ: كتابتُه على الأواني واللَّوْحَاتِ التي تُوضَعُ بجانبِ الصُّوَرِ، وفي مجالِسِ اللَّهْوِ، وما حَدَثَ أخيراً مِن تجسيمِ كَلِمَاتِ القرآنِ على صُوَرِ مناظِرِ الطبيعةِ، كلُّ هذا يُعَدُّ من إهانةِ القرآنِ والتلاعُبِ به، وإنْ لم يَقْصِدْ صاحبُه ذلكَ، إلاَّ أنه عُرْضَهٌ للإهانةِ والاستخفافِ.
قالَ تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68].
____________
(1) هذ القول كما سبق في متن (الحديث 101) من قول علي رضي الله عنه.