دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 06:37 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الوضوء (3/12) [غسل المستيقظ يده قبل وضعها في الإناء، واستنثاره ثلاثاً ]

37 - وعن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
38 - وعنه: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ، وهذا لفظُ مسلِمٌ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 11:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

6/34- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثاً، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ) ظَاهِرُهُ. لَيْلاً أَوْ نَهَاراً (فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثاً) فِي القَامُوسِ، اسْتَنْثَرَ: اسْتَنْشَقَ المَاءَ ثُمَّ اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ بِنَفَسِ الأَنْفِ (ا هـ). وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ، فَمَعَ الجَمْعِ يُرَادُ مِن الِاسْتِنْثَارِ دَفْعُ المَاءِ مِن الأَنْفِ، وَمِن الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُهُ إلَى الأَنْفِ.
(فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ) هُوَ أَعْلَى الأَنْفِ، وَقِيلَ: الأَنْفُ كُلُّهُ، وَقِيلَ: عِظَامٌ رِقَاقٌ لَيِّنَةٌ فِي أَقْصَى الأَنْفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّمَاغِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). وهذا لفظُ مسلمٍ.
الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ القِيَامِ مِن النَّوْمِ مُطْلَقاً، إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاثاً؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ)) الحَدِيثَ، فَيُقَيَّدُ الأَمْرُ المُطْلَقُ بِهِ هُنَا بِإِرَادَةِ الوُضُوءِ، وَيُقَيَّدُ النَّوْمُ بِمَنَامِ اللَّيْلِ كَمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ ((يَبِيتُ)) إذ البَيْتُوتَةُ فِيهِ، وقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ خَرَجَ عَلَى الغَالِبِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَنَوْمِ النَّهَارِ.
وَالحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ القَائِلِينَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ دُونَ المَضْمَضَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ.
وَقَالَ الجُمْهُورُ: لا يَجِبُ، بَل الأَمْرُ لِلنَّدْبِ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ: ((تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ)). وَعَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ((لا تَتِمُّ صَلاةُ أَحَدٍ حَتَّى يُسْبِغَ الوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى المِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَرِجْلَيْهِ إلَى الكَعْبَيْنِ)). كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ.
وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ رِوَايَاتِ صِفَةِ وُضُوئِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، عَدَمُ ذِكْرِهِمَا مَعَ اسْتِيفَاءِ صِفَةِ وُضُوئِهِ، وَثَبَتَ ذِكْرُهُمَا أَيْضاً، وَذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ النَّدْبِ.
وَقَوْلُهُ: (يَبِيتُ الشَّيْطَانُ) قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنَّ الأَنْفَ أَحَدُ مَنَافِذِ الجِسْمِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إلَى القَلْبِ مِنْهَا بِالِاشْتِمَامِ، وَلَيْسَ في مَنَافِذِ الجِسْمِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ غَلَقٌ سِوَاهُ وَسِوَى الأُذُنَيْنِ.
وَفِي الحَدِيثِ: ((إنَّ الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ غَلَقاً)). وَجَاءَ فِي التَّثَاؤُبِ الأَمْرُ بِكَظْمِهِ؛ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الشَّيْطَانِ حِينَئِذٍ فِي الفَمِ، وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ، فَإِنَّ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِن الغُبَارِ مِنْ رُطُوبَةِ الخَيَاشِيمِ قَذَارَةٌ تُوَافِقُ الشَّيْطَانَ.
قُلْتُ: وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ.

7/35- وَعَنْهُ: ((إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً؛ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
(وَعَنْهُ) أَيْ: أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَيْضاً: (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلا يَغْمِسْ يَدَهُ) خَرَجَ مَا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ بِالمِغْرَفَةِ لِيَسْتَخْرِجَ المَاءَ، فإنه جَائِزٌ، إذْ لا غَمْسَ فِيهِ لِلْيَدِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: ((لا يُدْخِلْ)) لَكِنْ يُرَادُ بِهِ إدْخَالُهَا لِلْغَمْسِ لا لِلْأَخْذِ (فِي الإِنَاءِ) يَخْرُجُ البِرَكُ وَالحِيَاضُ (حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً فَإِنَّهُ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ) .
الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ غَسْلِ اليَدِ لِمَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً، وَقَالَ بِذَلِكَ - مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ – أَحْمَدُ؛ لِقَوْلِهِ: ((بَاتَتْ)) فَإِنَّهُ قَرِينَةُ إرَادَةِ نَوْمِ اللَّيْلِ كَمَا سَلَفَ، إلا أنه قدْ وَرَدَ بلفظِ: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ)) عِنْد أبي داودَ والتِّرْمِذِيِّ، إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي إلْحَاقَ نَوْمِ النَّهَارِ بِنَوْمِ اللَّيْلِ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُ، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنَّ الأَمْرَ فِي رِوَايَةٍ: ((فَلْيَغْسِلْ)). لِلنَّدْبِ، وَالنَّهْيَ الَّذِي فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلْكَرَاهَةِ، وَالقَرِينَةُ عَلَيْهِ ذِكْرُ العَدَدِ، فَإِنَّ ذِكْرَهُ فِي غَيْرِ النَّجَاسَةِ العَيْنِيَّةِ دَلِيلُ النَّدْبِ؛ وَلِأَنَّهُ عُلِّلَ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي الشَّكَّ، وَالشَّكُّ لا يَقْتَضِي الوُجُوبَ فِي هَذَا الحُكْمِ؛ اسْتِصْحَاباً لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَلا تَزُولُ الكَرَاهَةُ إلَّا بِالثَّلاثِ الغَسَلاتِ.
وَهَذَا فِي المُسْتَيْقِظِ مِن النَّوْمِ. وَأَمَّا مَنْ يُرِيدُ الوُضُوءَ مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ؛ لِمَا مَرَّ فِي صِفَةِ الوضوءِ، وَلا يُكْرَهُ التَّرْكُ لِعَدَمِ وُرُودِ النَّهْيِ فِيهِ، وَالجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ وَالأَمْرَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِي اليَدِ، وَأَنَّهُ لَوْ دَرَى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ كَمَنْ لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَاسْتَيْقَظَ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا، فَلا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ، وَإِنْ كَانَ غَسْلُهُا مُسْتَحَبًّا كَمَا فِي المُسْتَيْقِظِ. وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ: الأَمْرُ بِالغَسْلِ تَعَبُّدٌ، فَلا فَرْقَ بَيْنَ الشَّاكِّ وَالمُتَيَقِّنِ. وَقَوْلُهُمْ أَظْهَرُ كَمَا سَلَفَ.


  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 11:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

34 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثاً؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)). مُتَّفَقٌ عليه.
مفرداتُ الحديثِ:
- فَلْيَسْتَنْثِرِ: اللاَّمُ لامُ الأمرِ.
- اسْتَيْقَظَ: انْتَبَه مِن نَوْمِه مِن غيرِ أنْ يُنَبَّهَ.
- مَنَامِهِ: أي: نَوْمِه، ومنه قولُه تعالى عن إبراهيمَ: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}. كما يُطْلَقُ على اسمِ الزمانِ المَصُوغِ من الفعلِ لِيَدُلَّ على زمانِ الحدثِ.
- الشَّيْطَانَ: قالَ أهلُ اللغةِ: في الشيطانِ قولانِ: أحدُهما: أنه مِن شَطَنَ: إذا بَعُدَ عن الحقِّ؛ فتكونُ النونُ أصليَّةً. والقولُ الثاني: أن الياءَ أصليَّةٌ، والنونَ زائدةٌ، عكسُ الأوَّلِ، وهو من شَاطَ يَشِيطُ: إذا هَلَكَ. والشيطانُ: من مخلوقاتِ اللَّهِ، شِرِّيرٌ مُفْسِدٌ، واحدُ الشياطِينِ، وهو عالَمٌ غَيْبِيٌّ اللَّهُ أَعْلَمُ بكيفيَّةِ خَلْقِهم، وهم مِن ذُرِّيَّةِ إبليسَ، وقد جَعَلَ اللَّهُ لهم قُدْرَةً على التكيُّفِ والتشكُّلِ؛ لحكمةٍ أَرَادَهَا اللَّهُ جَلَّ وعَلاَ.
- يَبِيتُ: يقالُ: باتَ يَبِيتُ بَيْتُوتَةً، أي: أَدْرَكَه الليلُ وقَضَاه؛ نامَ أو لم يَنَمْ.
- خَيْشُومِهِ: بفتحِ الخاءِ وسكونِ الياءِ وضمِّ الشينِ، هو أعلى الأنفِ من داخلِه.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- بعضُ الرواياتِ قَيَّدَتْ هذا الاستنثارَ عندَ الوضوءِ، فيكونُ هو المنصوصَ عليه معَ الوضوءِ، وبعضُ الرواياتِ أَطْلَقَتْه ولم تُقَيِّدْه، فالأَوْلَى الاستنثارُ ثلاثاً، إنْ لم يُصَادِفْ بعدَ الاستيقاظِ مِن نومِ الليلِ وُضُوءٌ؛ فإنَّ فيه شَبَهاً قويًّا بغَسْلِ اليديْنِ بعدَ الاستيقاظِ مِن البَيْتُوتَةِ.
2- يَدُلُّ الحديثُ على مشروعيَّةِ الاستنثارِ؛ لأنه وَرَدَ بصيغةِ الإرشادِ، والاستنثارُ يَلْزَمُ منه الاستنشاقُ.
3- تَقْيِيدُه بنومِ الليلِ أخذاً مِن لفظِ يَبِيتُ؛ فإنَّ البيتوتةَ لا تَكونُ إلاَّ مِن نومِ الليلِ، ولأنه مَظِنَّةُ الطُّولِ والاستغراقِ.
4- عَلَّلَ ذلكَ بأنَّ الشيطانَ يَبِيتُ على خَيْشُومِه. قالَ القاضِي عِياضٌ: يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ على حقيقتِه؛ فإنَّ الأنفَ أحدُ منافذِ الجسمِ، وليسَ شيءٌ من منافذِه ليسَ عليه غَلَقٌ سِوَى الأنفِ والأذنيْنِ، وجاءَ الأمرُ بالكَظْمِ عندَ التثاؤُبِ مِن أجلِ دخولِ الشيطانِ حينَئذٍ في الفَمِ.
5- الاحتراسُ مِن الشيطانِ؛ فإنه يُرِيدُ الوُلُوجَ إلى ابنِ آدمَ معَ كلِّ طريقٍ، وهو يَجْرِي منه مَجْرَى الدمِ، ويُحاوِلُ إضلالَه وإفسادَ عباداتِه، فابنُ آدمَ مُلاحَقٌ ومحاصَرٌ منه، والمعصومُ مَن عَصَمَه اللَّهُ تعالى، واسْتَعانَ باللَّهِ عليه واسْتَعاذَ باللَّهِ مِن شَرِّهِ.
6- مثلُ هذه الأحكامِ السمعيَّةِ إذا صَحَّتْ، فالواجبُ على المؤمنِ التصديقُ بها والتسليمُ، ولو لم يُدْرِكْ كيفِيَّتَها؛ قالَ تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.
7- يَرَى شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: أنَّ غَسْلَ يَدَيِ المُسْتَيْقِظِ مِن نومِ الليلِ والاستنثارَ بعدَ النومِ، أن ذلك مِن ملامسةِ الشيطانِ؛ فقد عَلَّلَ الغَسْلَ بأنَّ أحدَكُم لا يَدْرِي أينَ باتَتْ يَدُه، وهنا عَلَّلَ الاستنثارَ بأنَّ الشيطانَ باتَ على خَيْشُومِهِ، فعُلِمَ أن ذلكَ هو سببُ الغَسْلِ والاستنثارِ.
8- اسْتَدَلَّ بهذا الحديثِ مَن يَرَى غَسْلَ النجاسةِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، وهي إحدَى الرواياتِ الثلاثِ عن الإمامِ أَحْمَدَ، ولكن ما دامَ أنَّنا لم نَتَحَقَّقْ مُوجِبَ الاستنثارِ ثلاثاً، وأنَّ ذلك خاصٌّ بنومِ الليلِ دونَ النهارِ، فإنَّ الاستدلالَ بهذا الحديثِ وبحديثِ غسلِ اليديْنِ ثلاثاً مِن نومِ الليلِ – ليسَ بواضحٍ معَ وجودِ أدلَّةٍ كثيرةٍ صحيحةٍ دالَّةٍ على الاكتفاءِ بغسْلةٍ واحدةٍ تَذْهَبُ بعينِ النجاسةِ، عدا نجاسةِ الكلبِ.

35 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً؛ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟)). مُتَّفَقٌ عليه، وهذا لفظُ مسلمٍ.
مفرداتُ الحديثِ:
- إِذَا اسْتَيْقَظَ: تَنَبَّه مِن نَوْمِه، والاسْتِيقاظُ بمعنى التيقُّظِ، وهو لازِمٌ. "إذا" شرطِيَّةٌ غيرُ جازمةٍ، جوابُها: ((فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ)).
- لاَ يَغْمِسْ: يُقالُ: غَمَسَ يَغْمِسُ غَمْساً، من بابِ ضَرَبَ، أي: لا يُدْخِلْ يدَه في الماءِ.
- يَدَهُ: يرادُ باليدِ الكفُّ، وتَقَدَّمَ أنها الراحةُ والأصابعُ، وحَدُّها: مِن أطرافِ الأصابعِ إلى مَفْصِلِها مِن الذِّراعِ.
- فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ: الغمسُ أنْ يُغَيِّبَ اليدَ في الماءِ الذي في الإناءِ، و"لا" ناهيةٌ، و"يَغْمِسْ" مجزومٌ بها، وجاءَ في بعضِ رواياتِ البُخَارِيِّ: ((فَلاَ يَغْمِسَنَّ)) بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ.
- فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي: إيماءٌ إلى أنَّ الباعثَ على الأمرِ بذلكَ احتمالُ النجاسةِ؛ لأنَّ الشارِعَ إذا ذَكَرَ حُكْماً وعَقَّبَه بعلَّةٍ دَلَّ على ثُبُوتِ الحكْمِ لأجلِها.
- أَيْنَ: ظرفُ مكانٍ مَبْنِيٌّ على الفتحِ، ومَحَلُّه النصبُ، ولعلَّ المكانَ المسؤولَ عنه جزءٌ مِن جَسَدِ النائمِ، أو ملامسةُ الشيطانِ لِيَدِه.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- وُجُوبُ غَسلِ اليديْن بعدَ القيامِ من نومِ الليلِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، فلا تَكْفِي الغَسلةُ ولا الغسلتانِ، واليدُ عندَ الإطلاقِ: يُرادُ بها الكفُّ فقطْ، فلا يَدْخُلُ فيها الذراعُ، وهذا هو مذهبُ الإمامِ أَحْمَدَ، والجمهورُ على أنه مُسْتَحَبٌّ.
2- قَيَّدْنَاه بنومِ الليلِ؛ لقولِه: ((فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟))، والبيتوتةُ: اسمٌ لنومِ الليلِ، وسيأتي مذهبُ الجمهورِ: أنها تُغْسَلُ من عمومِ النومِ؛ ليلاً أو نهاراً.
3- النهيُ عن إدخالِهما الإناءَ قبلَ غَسْلِهِما ثلاثاً، لكنْ لو غَسَلَ يداً واحدةً ولم يَغْسِلِ الأخرَى فله إدخالُها وحدَها؛ فلكلِّ يدٍ حُكْمُها، وذِكْرُ الإناءِ دليلٌ على أنَّ النهيَ مخصوصٌ بالأداةِ دونَ البِرَكِ والحِياضِ.
4- أَخَذَ أصحابُنا من هذا الحديثِ أنَّ الماءَ المغموسَ فيه يدُ القائمِ من نومِ الليلِ سُلِبَتِ الطُّهُورِيَّةُ منه، وأنه أَصْبَحَ طاهراً غيرَ مُطَهِّرٍ، ولكنْ هذا قولٌ مرجوحٌ، والصحيحُ: أنه باقٍ على طُهُورِيَّتِه؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِن أنَّ الماءَ لا يَنْجُسُ إلاَّ إذا تَغَيَّرَتْ صِفَةٌ مِن صِفاتِه بالنجاسةِ.
5- قالَ الخَطَّابِيُّ: فيه أنَّ الأخذَ بالاحتياطِ في بابِ العباداتِ أَوْلَى.
قالَ النَّوَوِيُّ: ما لم يَخْرُجْ عن حَدِّ الاحتياطِ إلى حدِّ الوَسْوَسَةِ.
6- فيه اسْتِحبابُ الكنايةِ عمَّا يُسْتَحْيَا مِنه إذا حَصَلَ الإفهامُ بها.
7- يَجِبُ على السامعِ لسنَّةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يَتَلَقَّاهَا بالقَبُولِ، وإذا لم يَفْهَمِ المعنَى فلْيَرُدَّ هذا إلى قُصُورٍ في العقلِ البشريِّ، وإلاَّ فأحكامُ اللَّهِ تعالى مَبْنِيَّةٌ على المصالحِ، واللَّهُ تعالى يقولُ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}. أمَّا الخواطرُ الرديئةُ فلْيَدْفَعْها عن نفسِه؛ فإنها مِن إلقاءِ الشيطانِ ووَسْوَسَتِه.
خلافُ العلماءِ:
ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ والجمهورُ إلى أنَّ كلَّ نومٍ مِن ليلٍ أو نهارٍ يُشْرَعُ بعدَه غَسْلُ اليديْنِ؛ لعمومِ قولِهِ: ((مِنْ نَوْمِهِ))؛ فإنه مفردٌ مضافٌ، وهو يَعُمُّ كلَّ نومٍ، وأمَّا قولُه: ((أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟)) فهو قَيْدٌ أغلبيٌّ، ومتَى كانَ القيدُ أغلبيًّا فهو عندَ الأُصُولِيِّينَ لا مفهومَ له، كما قالَ تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}، فهنا قيدانِ:
أحدُهما: {اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فهذا قيدٌ مقصودٌ؛ ولذا جاءَ مفهومُه، وهو قولُه تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}.
القيدُ الثاني: قَوْلُه تعالى: {اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ}. فهذا قيدٌ أغلبيٌّ، والقيدُ الأغلبيُّ لا مفهومَ له؛ ولذا لم يأتِ له مفهومٌ في الآيةِ الكريمةِ، ومثلُ هذا القيدُ في حديثِ البابِ بقولِه: ((بَاتَتْ يَدُهُ))؛ فإنه قيدٌ أغلبيٌّ، فلا يَقْتَضِي التخصيصَ، ولا مفهومَ له، وإذاً فليسَ نومُ الليلِ شرطاً في غَسلِ اليدِ ثلاثاً من النومِ.
وأما المشهورُ من مذهبِ الإمامِ أَحْمَدَ: فإنه لا أَثَرَ لنومِ النهارِ، وإنما وجوبُ الغَسلِ خاصٌّ بنومِ الليلِ؛ لقوَّةِ: ((فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟)).
واخْتَلَفَ العلماءُ في الحكمةِ مِن غسلِ اليديْن ثلاثاً بعدَ الاستيقاظِ مِن النومِ؛ فذَهَبَ بعضُهم إلى أنها من الأمورِ التي طُوِيَتْ عنَّا حِكْمَتُها فلم نَعْلَمْها، معَ اعتقادِنا أنَّ أحكامَ اللَّهِ تعالى مبنيَّةٌ على المصالحِ والمنافعِ، وأنَّ قولَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟)) يُشِيرُ إلى هذا الخَفَاءِ في العلَّةِ.
وبعضُهم قالَ: لها عِلَّةٌ مُدْرَكَةٌ محسوسةٌ، والإنسانُ يَدُه معَه حالَ نومِه، وإنما فيه إشارةٌ إلى أنَّ يدَ النائمِ تَجُولُ في بَدَنِه بدونِ إحساسٍ، وأنها قدْ تُلامِسُ أَمْكِنَةً مِن بَدَنِه لم يَتِمَّ تَطْهِيرُها بالماءِ؛ فتَعْلَقُ بها النجاسةُ.
أمَّا شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَه اللَّهُ تعالى فيقولُ: إنَّ مشروعيَّةَ غسلِ اليديْنِ هو ملامسةُ الشيطانِ لهما؛ ويَدُلُّ على ذلك التعليلُ: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ)، ومِثْلُه جاءَ في الحديثِ الذي قبلَه: ((فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)) رَوَاه البُخَارِيُّ (3295)، ومسلمٌ (238).
وهذا تعليلٌ مَرْضِيٌّ مقبولٌ، ولعلَّ المصنِّفَ لم يَقْرِنِ الحديثيْنِ هنا، إلاَّ إشارةً إلى تقاربِ المعنَى بينَهما. واللَّهُ أَعْلَمُ.
واخْتَلَفَ العلماءُ أيضاً هل لهذا الأمرِ معنًى أم أنه تَعَبُّدِيٌّ؟
والراجحُ مِن قوليِ العلماءِ: أنه معقولٌ؛ ويَدُلُّ عليه قولُه: ((فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟)). وممَّن يَرَى أن الأمرَ فيها تعبديٌّ: المَالِكِيَّةُ والحنابِلَةُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوضوء, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir