دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 06:02 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الآنية (1/2)

بابُ الْآنِيَةِ
16 - عن حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قالَ: قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
17 - وعن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْها، قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
18 - وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)). أَخرَجَهُ مسلِمٌ. وعند الأربعةِ: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ)).
19 - وعن سَلَمَةَ بنِ الْمُحَبِّقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهُا)). صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
20 - وعن مَيمونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، قالَتْ: مَرَّ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فقالَ: ((لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا؟)). فقالُوا: إنها مَيْتَةٌ، فقالَ: ((يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ)). أَخرَجَهُ أبو دَاوُدَ والنَّسائيُّ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 10:03 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

بابُ الآنِيَةِ

الآنِيَةُ: جَمْعُ إنَاءٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ لَهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَهَى عَنْ بَعْضِهَا، فَقَدْ تَعَلَّقَتْ بِهَا أَحْكَامٌ.
1/14- عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(عَنْ حُذَيْفَةَ) أَيْ: أَرْوِي أَوْ أَذْكُرُ، كَمَا سَلَفَ، وَحُذَيْفَةُ بِضَمِّ الحَاءِ المُهْمَلَةِ فَذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَفَاءٍ، هُوَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حُذَيْفَةُ (ابْنِ اليَمَانِ) بِفَتْحِ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَتَخْفِيفِ المِيمِ، آخِرَهُ نُونٌ.
وَحُذَيْفَةُ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ جَلِيلانِ شَهِدَا أُحُداً، وَحُذَيْفَةُ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَمَاتَ بِالمَدَائِنِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ، بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
(قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا) جَمْعُ صَحْفَةٍ.
قَالَ الكَشَّافُ وَالكِسَائِيُّ: الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الخَمْسَةَ (فَإِنَّهَا) أَيْ: آنِيَةُ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَصِحَافُهُمَا (لَهُمْ) أَيْ: لِلْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرُوا فَهُمْ مَعْلُومُونَ (فِي الدُّنْيَا) إخْبَارٌ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ لا إخْبَارٌ بِحِلِّهَا لَهُمْ (وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَصِحَافِهِمَا، سَوَاءٌ كَانَ الإِنَاءُ خَالِصاً ذَهَباً أَوْ مَخْلُوطاً بِالفِضَّةِ؛ إذْ هُوَ مِمَّا يَشْمَلُهُ أَنَّهُ إنَاءُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِمَا.
وَاخْتُلِفَ فِي العِلَّةِ فَقِيلَ: لِلْخُيَلاءِ. وَقِيلَ: بَلْ لِكَوْنِهِ ذَهَباً وَفِضَّةً. وَاخْتَلَفُوا فِي الإِنَاءِ المَطْلِيِّ بِهِمَا هَلْ يُلْحَقُ بِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ أَوْ لا؟ فَقِيلَ: إنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا حَرُمَ إجْمَاعاً؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لِلذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ لا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا لَم يَحْرُمْ. والأقربُ أنه إذا أُطْلِقَ عليه أنه إناءُ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ, وسُمِّيَ به, شَمِلَه لفظُ الحديثِ, وإلاَّ فلا, والعِبرةُ بتسميتِه في عصرِ النبوَّةِ، فإنْ جُهِلَتْ فالأصلُ الحِلُّ.
وَأَمَّا الإِنَاءُ المُضَبَّبُ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ إجْمَاعاً، وَهَذَا فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا ذُكِرَ لا خِلافَ فِيهِ. وَأَمَّا غَيْرُ الأكلِ والشُّرْبِ مِنْ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالاتِ فهل يَحْرُمُ؟ فإنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلَّا فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ.
وَقِيلَ يَحْرُمُ أيضاً سَائِرُ الِاسْتِعْمَالاتِ إجْمَاعاً؛ وَنَازَعَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ: النَّصُّ وَرَدَ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ لا غَيْرُ، وَإِلْحَاقُ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالاتِ بِهِمَا قِيَاساً لا تَتِمُّ فِيهِ شَرَائِطُ القِيَاسِ.
وَالحَقُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ القَائِلُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ غَيْرِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِمَا، إذْ هُوَ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ، وَدَعْوَى الإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا مِنْ شُؤْمِ تَبْدِيلِ اللَّفْظِ النَّبَوِيِّ بِغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ.
فَعَدَلُوا عَنْ عِبَارَتِهِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَهَجَرُوا العِبَارَةَ النَّبَوِيَّةَ، وَجَاؤُوا بِلَفْظٍ عَامٍّ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَهَا نَظَائِرُ فِي عِبَارَاتِهِمْ، وَكأنه ذَكَرَ المُصَنِّفُ هَذَا الحَدِيثَ هُنَا لِإِفَادَةِ تَحْرِيمِ الوُضُوءِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُمَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَبَابُ هَذَا الحَدِيثِ بَابُ الأَطْعِمَةِ وَالأَشْرِبَةِ.
ثُمَّ هَلْ يُلْحَقُ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ نَفَائِسُ الأَحْجَارِ كَاليَاقُوتِ وَالجَوَاهِرِ؟ فِيهِ خِلافٌ، وَالأَظْهَرُ عَدَمُ إلْحَاقِهِ، وَجَوَازُهُ عَلَى أَصْلِ الإِبَاحَةِ؛ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ النَّاقِلِ عَنْهَا.

2/15 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) هِيَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، كَانَتْ تَحْتَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ، هَاجَرَتْ إلَى أَرْضِ الحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا، وَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي المَدِينَةِ بَعْدَ عَوْدَتِهِمَا مِن الحَبَشَةِ، وَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِن الهِجْرَةِ، وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ: سنةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَدُفِنَتْ بِالبَقِيعِ، وَعُمْرُهَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً.
(قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الفِضَّةِ) هَكَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، وَانْفَرَدَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ: ((فِي إنَاءِ الفِضَّةِ وَالذَّهَبِ))، (إنَّمَا يُجَرْجِرُ) بِضَمِّ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَجِيمٍ فَرَاءٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ. وَالجَرْجَرَةُ: صَوْتُ وُقُوعِ المَاءِ فِي الجَوْفِ، وَصَوْتُ البَعِيرِ عِنْدَ الجِرَّةِ، جَعَلَ الشُّرْبَ وَالجَرْعَ جَرْجَرَةً (فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُرْوَى بِرَفْعِ النَّارِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلٌ مَجَازاً، وَإِلَّا فَنَارُ جَهَنَّمَ عَلَى الحَقِيقَةِ لا تُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ، إنَّمَا جَعَلَ جَرْعَ الإِنْسَانِ لِلْمَاءِ فِي هَذِهِ الأَوَانِي المَنْهِيِّ عَنْهَا، وَاسْتِحْقَاقَ العِقَابِ عَلَى اسْتِعْمَالِهَا، كَجَرْجَرَةِ نَارِ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِهِ مَجَازاً، هَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ، وَذُكِّرَ الفِعْلُ - يَعْنِي (يُجَرْجِرُ) - وَإِنْ كَانَ فَاعِلُهُ النَّارَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ؛ لِلْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فِعْلِهَا؛ وَلِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وَالأَكْثَرُ عَلَى نَصْبِ نَارِ جَهَنَّمَ، وَفَاعِلُ الجَرْجَرَةِ هُوَ الشَّارِبُ، وَالنَّارُ مَفْعُولُهُ.
وَالمَعْنَى: كَأَنَّمَا يَجْرَعُ نَارَ جَهَنَّمَ، مِنْ بَابِ {إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً}.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ المَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ وَأَهْلُ الغريبِ وَاللُّغَةِ. وَجَزَمَ بِهِ الأَزْهَرِيُّ.
وَجَهَنَّمُ عَجَمِيَّةٌ لا تَنْصَرِفُ لِلتَّأْنِيثِ وَالعَلَمِيَّةِ، إذْ هِيَ عَلَمٌ لِطَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ النَّارِ - أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا - سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا، وَقِيلَ: لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي العذَابِ. وَالحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الأَوَّلُ.

3/16- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهَرَ)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
- وَعِنْدَ الأَرْبَعَةِ ((أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ)).
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذَا دُبِغَ الإِهَابُ) بِزِنَةِ كِتَابٍ، هُوَ الجِلْدُ، أَوْ مَا لَمْ يُدْبَغْ كَمَا فِي القَامُوسِ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ ((فَقَدْ طَهَرَ)) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالهَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا كَمَا يُفِيدُهُ القَامُوسُ.
(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) بِهَذَا اللَّفْظِ (وعِنْدَ الأَرْبَعَةِ) وَهُمْ أَهْلُ السُّنَنِ: (أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ) تَمَامُهُ: ((فَقَدْ طَهَرَ)).
وَالحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الخَمْسَةُ وإنَّمَا اخْتَلَفَ لَفْظُهُ، وَقَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ، وَذُكِرَ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ: ((أَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَإِنَّ دِبَاغَ الأَدِيمِ طَهُورٌ)).
وَرَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَوْدَةَ قَالَتْ: "مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْتَبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا". وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ لِجِلْدِ مَيْتَةِ كُلِّ حَيَوَانٍ، كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلِمَةِ ((أَيُّمَا)) وَأَنَّهُ يُطَهِّرُ بَاطِنَهُ وَظَاهِرَهُ.
وَفِي المَسْأَلَةِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُ جِلْدَ المَيْتَةِ بَاطِنَهُ وَظَاهِرَهُ وَلا يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ، عَمَلاً بِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهوَابْنِ مَسْعُودٍ.
الثَّانِي: وهو أظهرُ الأَقْوَالِ دليلاً: لا يُطَهِّرُ الدِّبَاغُ شَيْئاً، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الهَادَوِيَّةِ.
وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَه الشَّافِعِيُّ، وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالأَرْبَعَةُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ: ((أَلَّا تَنْتَفِعُوا مِن المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلا عَصَبٍ)) وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: "قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ". وفي روايةٍ: "بشهرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ".
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. وَكَانَ أَحْمَدُ يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَيَقُولُ: هَذَا آخِرُ الأَمْرَيْنِ. ثُمَّ تَرَكَهُ، قَالُوا: فَهَذَا نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِدَلالَتِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ مِن المَيْتَةِ بِإِهَابِهَا وَعَصَبِهَا.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: ‌
الأَوَّلُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ فِي سَنَدِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ تارَةً عَنْ كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَارَةً عَنْ مَشَايِخَ مِنْ جُهَيْنَةَ، وتَارَةً عَمَّنْ قَرَأَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُضْطَرِبٌ أَيْضاً فِي مَتْنِهِ.
فَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فِي رِوَايَةِ الأَكْثرِ، وَرُوِيَ بِالتَّقْيِيدِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ إنَّهُ مُعَلٌّ أَيْضاً بِالإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِالِانْقِطَاعِ؛ فِإنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى مِنِ ابْنِ عُكَيْمٍ؛ وَلِذَلِكَ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ القَوْلَ بِهِ آخِراً، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ أَوَّلاً كَمَا قَالَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَثَانِياً: بِأَنَّهُ لا يَقْوَى عَلَى النَّسْخِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الدِّبَاغِ أَصَحُّ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَه مُسْلِمٌ وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي مَعْنَاهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ، فَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَانِ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ثَلاثَةٌ، وَعَنْ أَنَسٍ حَدِيثَانِ، وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبِّقِ وَعَائِشَةَ وَالمُغِيرَةِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَلِأَنَّ النَّاسِخَ لا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ تَأَخُّرِهِ، وَلا دَلِيلَ عَلَى تَأَخُّرِ حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، وَرِوَايَةُ التَّارِيخِ فِيهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ مُعَلَّةٌ، فَلا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ عَلَى النَّسْخِ، عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رِوَايَةُ التَّارِيخِ صَحِيحَةً مَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الأَمْرَيْنِ جَزْماً، وَلا يُقَالُ: فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ النَّسْخُ تَعَارَضَ الحَدِيثَانِ، حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَعَ التَّعَارُضِ يُرْجَعُ إلَى التَّرْجِيحِ أَو الوَقْفِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لا تَعَارُضَ إلَّا مَعَ الِاسْتِوَاءِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ صِحَّةِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ مِن الرُّوَاةِ، وَعَدَمِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ.
وَثَالِثاً: بِأَنَّ الإِهَابَ كَمَا عَرَفْتَ مِنَ القَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ اسْمٌ لِمَا لم يُدْبَغْ فِي أَحَدِ القَوْلَيْنِ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الإِهَابُ لِمَا لَمْ يُدْبَغْ، وَبَعْدَ الدَّبْغِ يُقَالُ لَهُ: شَنٌّ وَقِرْبَةٌ، وَبِهِ جَزَمَ الجَوْهَرِيُّ. قِيلَ: فَلَمَّا احْتَمَلَ الأَمْرَيْنِ ووَرَدَ الحَدِيثَانِ فِي صُورَةِ المُتَعَارِضَيْنِ، جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَن الِانْتِفَاعِ بِالإِهَابِ مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ لَمْ يُسَمَّ إهَاباً، فَلا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ، وَهُوَ حَسَنٌ.
الثَّالِثُ: يُطَهِّرُ جِلْدَ مَيْتَةِ المَأْكُولِ لا غَيْرَهُ. ويَرُدُّهُ عُمُومُ ((أَيُّمَا إهَابٍ)).
الرَّابِعُ: يُطَهِّرُ الجَمِيعَ إلَّا الخِنْزِيرَ، فَإِنَّهُ لا جِلْدَ لَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
الخَامِسُ: يُطَهِّرُ إلَّا الخِنْزِيرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وَالضَّمِيرُ لِلْخِنْزِيرِ، فَقَدْ حُكِمَ بِرِجْسِيَّتِهِ كُلِّهِ، وَالكَلْبُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ بِجَامِعِ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
السَّادِسُ: يُطَهِّرُ الجَمِيعَ لَكِنْ ظَاهِرَهُ دُونَ بَاطِنِهِ، فَيُسْتَعْمَلُ فِي اليَابِسَاتِ دُونَ المَائِعَاتِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلا يُصَلَّى فِيهِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ جَمْعاً مِنْهُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ لَمَّا تَعَارَضَتْ.
السَّابِعُ: يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ المَيْتَةِ وَإِنْ لَمْ تُدْبَغْ ظَاهِراً وَبَاطِناً؛ لِمَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: ((هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟)) قَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ! قَالَ: ((إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا)). وَهُوَ رَأْيُ الزُّهْرِيِّ، وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدَتْهُ أَحَادِيثُ الدِّبَاغِ الَّتِي سَلَفَتْ.

4/17- وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبِّقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دِبَاغُ جُلُودِ المَيْتَةِ طَهُورُهَا)) صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبِّقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ بِضَمِّ المِيمِ، وَفَتْحِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ المُوَحَّدَةِ المَكْسُورَةِ، وَالقَافِ، وَسَلَمَةُ صَحَابِيٌّ يُعَدُّ فِي البَصْرِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سِنَانٌ، وَلِسِنَانٍ أَيْضاً صُحْبَةٌ.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دِبَاغُ جُلُودِ المَيْتَةِ طَهُورُهَا. صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) أَيْ: أَخْرَجَهُ وَصَحَّحَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ هَذَا الحَدِيثَ لَكِنْ بِأَلْفَاظٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالبَيْهَقِيِّ وابنِ حِبَّانَ، عَنْ سَلَمَةَ بِلَفْظِ: ((دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ)) وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: ((دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا)).
وَفِي آخَرَ: ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)).
وَفِي لَفْظٍ: ((ذَكَاتُهَا دِبَاغُهَا)).
وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: ((ذَكَاةُ الأَدِيمِ دِبَاغُهُ)) وَفِي البَابِ أَحَادِيثُ بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي تَشْبِيهِهِ الدِّبَاغَ بِالذَّكَاةِ إعْلامٌ بِأَنَّ الدِّبَاغَ فِي التَّطْهِيرِ بِمَنْزِلَةِ تَذْكِيَةِ الشَّاةِ فِي الإِحْلالِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يُطَهِّرُهَا وَيُحِلُّ أَكْلَهَا.

5/18- وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَالَ: ((لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا)). فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ! فَقَالَ: ((يُطَهِّرُهَا المَاءُ وَالقَرَظُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
(وَعَنْ مَيْمُونَةَ) هِيَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحَارِثِ الهِلالِيَّةُ، كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ، تَزَوَّجَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ فِي عُمْرَةِ القَضِيَّةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهَا سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ، وَقِيلَ: إحْدَى وَخَمْسِينَ. وَقِيلَ: سِتٍّ وَسِتِّينَ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَهِيَ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا.
(قَالَتْ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا فَقَالَ: لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا؟ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ! فَقَالَ: يُطَهِّرُهَا المَاءُ وَالقَرَظُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ) وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَلَيْسَ فِي المَاءِ وَالقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهَا؟)) وَأَمَّا رِوَايَةُ: ((أَلَيْسَ فِي الشَّثِّ وَالقَرَظِ مَا يُطَهِّرُهَا؟)) فَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بَاطِلٌ لا أَصْلَ لَهُ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَجُوزُ الدِّبَاغُ بِكُلِّ شَيْءٍ يُنَشِّفُ فَضَلاتِ الجِلْدِ، وَيُطَيِّبُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ وُرُودِ الفَسَادِ عَلَيْهِ كَالشَّثِّ - بالمعجمةِ، وجزَمَ الأَزْهَرِيُّ بأنَّ آخِرَه مُوَحَّدَةٌ, وقالَ: هو من الجواهرِ التي جعَلَها اللَّهُ في الأرضِ, تُشْبِهُ الزَّاجَ. وجَزَمَ غيرُه بأنَّ آخِرَه مُثَلَّثَةٌ, قالَ الجَوْهَرِيُّ: إنه طَيِّبُ الرائحةِ، مُرُّ الطعْمِ يُدْبَغُ به - وَالقَرَظِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَدْوِيَةِ الطَّاهِرَةِ، وَلا يَحْصُلُ بِالشَّمْسِ إلَّا عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ وَلا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ وَالمِلْحِ عَلَى الأَصَحِّ.


  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 10:04 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الآنِيَةِ
مُقَدِّمَةٌ
الآنيةُ: جمع إناءٍ، على أَفْعِلَةٍ، مثلُ كِساءٍ وأَكْسِيَةٍ.
أصلُه: (أَأْنِيَةٌ) بهمزتيْنِ، قُلِبَتِ الثانيةُ ألفاً.
وجمعُ الآنيةِ: أوانٍ، وهي الأوعيةُ لغةً وعُرفاً.
ومناسبةُ ذِكْرِها هنا: أنه لما كانَتِ الطهارةُ بالماءِ، وهو سَيَّالٌ لا بُدَّ له من وِعاءٍ، نَاسَبَ بيانُ أحكامِ الآنيةِ بعدَه.
والأواني تكونُ من الحديدِ والنُّحَاسِ والصُّفْرِ والخَزَفِ والخشبِ والجلودِ، ومن أيِّ شيءٍ صَلَحَ لجعلِه إناءً، ولو كانَ ثَميناً كالجواهرِ والزُّمُرُّدِ.
والأصلُ في الأواني: الإباحةُ؛ لقولِه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}. فهذا أصلٌ كبيرٌ يُفِيدُ أنَّ ما في هذه الحياةِ مِن العاداتِ والمعاملاتِ والصنائعِ والمخترَعاتِ، وما يَجْرِي استعمالُه من الملابسِ والفُرُشِ والأواني، وغيرِ ذلكَ -الأصلُ فيها الإباحةُ المطلَقَةُ، ومَن حَرَّمَ شيئاً منها لم يُحَرِّمْه اللَّهُ فهو مُبْتَدِعٌ.
فهنا الأواني لا يَحْرُمُ منها إلا ما حَرَّمَه اللَّهُ تعالى ورسولُه، وهي أواني الذهبِ والفِضَّةِ، كما سيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
14 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا؛ فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ)). مُتَّفَقٌ عليه.
مُفرداتُ الحديثِ:
- لاَ تَشْرَبُوا وَلاَ تَأْكُلُوا: (لاَ) ناهيةٌ في الفعليْنِ، فجَزَمَتْهُما، والنهيُ عندَ الأصوليِّينَ: قولٌ يَتَضَمَّنُ طلَبَ الكفِّ بصيغةٍ مخصوصةٍ، هي المضارعُ المقرونُ بـ (لا) الناهيةِ.
-الذَّهَبِ: عُنْصُرٌ فِلِزِّيٌّ أصفرُ اللونِ، جَمْعُه أذهابٌ وذُهُوبٌ، وهو جَوْهَرٌ نفيسٌ يُسْتَخْدَمُ لسكِّ النقودِ.
- الْفِضَّةِ: عنصرٌ أبيضُ قابلٌ للسحْبِ والطَّرْقِ والصَّقْلِ، مِن أكثرِ الموادِّ توصيلاً للحرارةِ والكَهْرَباءِ، وهو من الجواهرِ النفيسةِ التي تُسْتَخْدَمُ لسكِّ النقودِ، كما تُسْتَعْمَلُ أملاحُها في التصويرِ، جَمْعُه فِضَضٌ وفِضَاضٌ.
- صِحَافِهِمَا: بكسرِ الصادِ: جمعُ صَحْفَةٍ، وهي: إناءٌ مِن آنيةِ الطعامِ.
- فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا: ليسَ هذا تعليلاً، وإنما بيانُ الواقعِ منهم.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- النهيُ عن الأكلِ والشربِ في آنِيَةِ الذهبِ والفِضَّةِ وصِحَافِهِما.
2- النهيُ يَقْتَضِي التحريمَ والمنعَ.
3- أنَّ الحُكْمَ عامٌّ في حقِّ الرجالِ والنساءِ.
4- النهيُ عن استعمالِهما في الأكلِ والشربِ يَعُمُّ استعمالَهما لأيِّ منفعةٍ، إلاَّ ما أُذِنَ فيه، مما سيأتي بيانُه إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
5- إذا كانَ استعمالُهما حراماً – وهو مَظِنَّةُ الحاجةِ والابتذالِ – فاتِّخَاذُهما أوانِيَ زينةٍ وتُحَفاً مثلُه في التحريمِ وأَوْلَى.
6- ليسَ في الحديثِ إباحةُ استعمالِ أواني الذهبِ والفِضَّةِ للكفَّارِ في الدنيا، وإنما المقصودُ بيانُ حالِهم، وما هم عليه، وإلاَّ فإنهم مُخاطَبُونَ ومُعَذَّبُون على أصولِ الشريعةِ وفروعِها، وعلى أوامرِها ونواهيها.
أمَّا المسلمونَ المُتَّقُونَ اللَّهَ تعالى في اجتنابِها: فإنهم يَتَمَتَّعُونَ باستعمالِها في الآخرةِ؛ جزاءً لهم على تَرْكِها في الدنيا ابْتِغاءَ ثوابِ اللَّهِ تعالى.
7- النهيُ والتحريمُ عن استعمالِ أواني الذهبِ والفضةِ واتِّخاذِها عامٌّ؛ سواءٌ كانَتْ ذهباً خالصاً أو فِضَّةً خالصةً، أو مُمَوَّهاً أو مُضَبَّباً بهما، أو غيرَ ذلكَ مِن أنواعِ التجميلِ والتحليةِ، فالنهيُ والتحريمُ عامَّانِ.
قالَ النَّوَوِيُّ: انْعَقَدَ الإجماعُ على تحريمِ الأكلِ والشربِ فيهما، وجميعُ أنواعِ الاستعمالِ في معنى الأكلِ والشربِ بالإجماعِ.
8- قولُه: ((فَإِنَّهُمَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا)) معناه: أنه مَنِ اسْتَعْمَلَها فقدْ شابَهَهُم في استحلالِهم إيَّاها، ومَن تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم، وأعظمُ ما يكونُ التشبُّهُ في الاعتقادِ والتحليلِ والتحريمِ.
9- الأصلُ في الأمرِ بمخالفةِ المشركينَ هو الوجوبُ، ما لم يَدُلَّ دليلٌ على جوازِ تركِ المخالفةِ؛ فمثلاً ما جاءَ في البُخَارِيِّ (5892) ومسلمٍ (259) من حديثِ ابنِ عمرَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى)) لا نَعْلَمُ وجودَ دليلٍ صارفٍ عن وجوبِ إعفاءِ اللحيةِ؛ فيَبْقَى الإعفاءُ واجباً، وحَلْقُها مُحَرَّمٌ؛ لأنَّ فيها تشبُّهاً بالمشركِينَ.
أما النوعُ الثاني: فقدْ رَوَى أبو داودَ (652) بإسنادٍ صحيحٍ من حديثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَالِفُوا الْيَهُودَ؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ)). فقد جاءَ في سُنَنِ أبي داودَ وابنِ ماجَهْ من حديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قالَ: رأيتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حافِياً ومُنْتَعِلاً.
15 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مفرداتُ الحديثِ:
- يُجَرْجِرُ: بضمِّ المُثَنَّاةِ التحتيَّةِ، وجيمٍ مفتوحةٍ، فراءٍ، فجيمٍ مكسورةٍ، والجَرْجَرَةُ: صوتُ جَرْعِ الإنسانِ للماءِ، وجَرْجَرَ فلانٌ الماءَ: جَرَعَه جَرْعاً متواتراً له صوتٌ شَبَّهَ نزولَ العذابِ في بطنِ الشاربِ في إناءِ الفِضَّةِ بهذا الصوتِ المُخِيفِ.
- نَارَ: بِالرَّفْعِ والنصبِ؛ فمَن رَفَعَ جعَلَ الفعلَ للنارِ؛ أي: تَنْصَبُّ نارُ جهنَّمَ في جَوْفِه، ومَن نَصَبَ جعَلَ الفعلَ للشاربِ، أي: يَصُبُّ الشاربُ نارَ جهنَّمَ. والنصبُ أجودُ.
- جَهَنَّمَ: من الجُهومَةِ، وهي الغِلْظَةُ، وجَهَنَّمُ: عَلَمٌ على طبقةٍ من طَبَقاتِ النارِ، وسُمِّيَتْ جَهَنَّمَ لبُعْدِ قَعْرِها.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- تحريمُ الشربِ في إناءِ الفِضَّةِ، ومثلُه الذهَبُ وأَوْلَى، والنصوصُ الشَّرْعِيَّةُ كثيراً ما تَذْكُرُ شيئاً وتَتْرُكُ مِثْلَه وما هو أَوْلَى منه، من بابِ الاكتفاءِ؛ كقولِه تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] يعني: والبردَ؛ فإنه أَوْلَى.
2- الوعيدُ الشديدُ على الشاربِ في إناءِ الفِضَّةِ- ومثلُه الذهَبُ- فإنَّ عذابَه غليظٌ شديدٌ؛ فإنه بارتكابِ هذه المعصيةِ سَيُسْمَعُ لوقوعِ عذابِ جَهَنَّمَ في جَوْفِه صوتٌ مُرْعِبٌ مُنْكَرٌ.
3- في الحديثِ إثباتُ الجزاءِ في الآخرةِ، وإثباتُ عذابِ النارِ يومَ القيامةِ، وهو أمرٌ واجبُ الاعتقادِ معلومٌ من الدينِ بالضرورةِ.
4- وفيه أن الجزاءَ يكونُ موافقاً للعملِ، فهذا الذي أَتْبَعَ نفسَه هَوَاهَا، وتَمَتَّعَ بالشرْبِ بإناءِ الفِضَّةِ سَيَتَجَرَّعُ عذابَ جَهَنَّمَ معَ تلك المواضِعِ مِن بَدَنِه التي تَمَتَّعَتْ واسْتَلَذَّتْ بالمعصيةِ في الدنيا، وهكذا فالجزاءُ مِن جِنْسِ العملِ.
خلافُ العلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ في العِلَّةِ التي مِن أَجْلِها حُرِّمَ استعمالُ الذهبِ والفضةِ:
فقالَ بعضُهم: هي الخُيَلاَءُ وكسرُ قلوبِ الفقراءِ.
وقالَ بعضُهم: هو هَدَفٌ تَرْبَوِيٌّ أخلاقيٌّ؛ فإنَّ الإسلامَ يَصُونُ المسلمَ عن الانحلالِ و التَّرَفِ المفسدَيْنِ.
وقالَ بعضُهم: العِلَّةُ هي كونُهما نقدَيْنِ؛ فالذهبُ والفِضَّةُ هما الرصيدُ العالميُّ للنقدِ الذي تَقُومُ به الأشياءُ، وتَحْصُلُ به المطالِبُ والضروراتُ والحاجاتُ، فاتِّخَاذُهما واستعمالُهما أوانِيَ أو تُحَفاً ونحوَ ذلك، هو شَلٌّ للحركةِ التِّجَارِيَّةِ، وتعطيلٌ لقِيَمِ الحاجاتِ والضروراتِ بدونِ وجودِ مصلحةٍ راجحةٍ.
وقالَ ابنُ القَيِّمِ: العلَّةُ في استعمالِهما هي ما يُكْسِبُ القلبَ من الهيئةِ والحالةِ المنافيةِ للعبوديَّةِ منافاةً ظاهرةً.
ولهذا عَلَّلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها للكفارِ في الدنيا؛ إذ ليس لهم نَصِيبٌ من العبوديَّةِ التي يَنالُونَ بها الآخرةَ.
واللَّهُ تعالى أَعْلَمُ؛ فله في شَرْعِه أسرارٌ وحِكَمٌ، ولا مانِعَ أنَّ كلَّ هذه العِلَلِ مقصودةٌ.
16 - وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا دُبِغَ الإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَ الأَرْبَعَةِ: ((أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ)).
مفرداتُ الحديثِ:
- إِذَا: شرطيَّةٌ غيرُ جازمةٍ، و(دُبِغَ) فعلُ الشرطِ، و(الفاءُ) رابطةٌ بينَ فعلِ الشرطِ وجوابِه، وهو (طَهُرَ)، و(قد) للتحقيقِ.
- دُبِغَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ويُدْبَغُ الجلدُ بمادَّةٍ خاصَّةٍ؛ لِيَلِينَ ولِيَزُولَ ما به مِن رطوبةٍ ونَتْنٍ.
- الإِهَابُ: بزِنَةِ كِتابٍ: هو جلدُ الحيوانِ قبلَ أنْ يُدْبَغَ، وجَمْعُه: أُهُبٌ، بضمِّ الهاءِ وسكونِها.
- طَهُرَ: بضمِّ الهاءِ وفتحِها؛ أي: صَارَ طاهِراً.
- أَيُّمَا: (أيُّ) اسمٌ جازمٌ يَجْزِمُ فعليْنِ؛ الأولُ فعلُ الشرطِ، وهو هنا (دُبِغَ)، والثاني جوابُه وجزاؤُه، وهو هنا (طَهُرَ)، و (ما) زائدةٌ، و(أَيُّمَا) مِن صِيَغِ العمومِ.
17 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهَا)). صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ.
قالَ الحافظُ في التلخيصِ: أَخْرَجَه أَحْمَدُ (24688)، وأبو داودَ (4125)، والنَّسَائِيُّ (7/173)، والبَيْهَقِيُّ (1/17)، وابنُ حِبَّانَ (2/291) من حديثِ الجَوْنِ بنِ قَتادَةَ، عن سَلَمَةَ بنِ المُحَبِّقِ، وإسنادُه صحيحٌ، وفي البابِ عن ابنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً بلفظِ: ((دِبَاغُ الإِهَابِ طُهُورُهُ)). روَاه الدَّارَقُطْنِيُّ، وأصلُه في مسلمٍ.
وقد أَخْرَجَه بسندٍ صحيحٍ عن عائشةَ كلٌّ مِن النَّسائيِّ (4244)، والطَّحَاوِيِّ (1/470)، وابنِ حِبَّانَ (4/105)، وذكَرَ كلٌّ مِن الكَتَّانِيِّ والمُنَاوِيِّ أنه حديثٌ متواتِرٌ، وأنه جاءَ عن أربعةَ عشرَ مِن الصحابةِ، وساقَ الدَّارَقُطْنِيُّ أسانيدَه بألفاظٍ مختلفةٍ ثمَّ قالَ: أسانيدُها صِحاحٌ. وقد صَحَّحَهُ الإمامُ النَّوَوِيُّ.
مفرداتُ الحديثِ:
- الْمُحَبِّقِ: بضمِّ الميمِ، وفتحِ الحاءِ المهملةِ، ثمَّ باءٍ مكسورةٍ مشدَّدةٍ، آخِرَه قافٌ، هُذَلِيٌّ من قبيلةِ هُذَيْلٍ.
- جُلُودِ: جمعُ جلدٍ، والجلدُ: غِشاءُ الجسمِ.
- الْمَيْتَةِ: بالتخفيفِ: الحيوانُ الذي ماتَ حَتْفَ أَنْفِه، أو ماتَ على هيئةٍ غيرِ مشروعةٍ.
18 - وَعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ يَجُرُّونَهَا، فَقَالَ: ((لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا)). فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. فَقَالَ: ((يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ بشواهدِه.
قالَ الحافظُ في التلخيصِ: روَاه مَالِكٌ (2/498)، وأبو داودَ (4126)، والنَّسائِيُّ (4248)، وابنُ حِبَّانَ (2/291)، والدَّارَقُطْنِيُّ (1/45) من حديثِ العالِيَةِ بِنْتِ سُبَيْعٍ، عن مَيْمُونَةَ، وصَحَّحَهُ ابنُ السَّكَنِ والحاكمُ، ولكنْ في إسنادِه عبدُ اللَّهِ بنُ مَالِكِ بنِ حُذَافَةَ وأُمُّهُ العالِيَةُ، وفيهما جَهَالَةٌ، وأَخْرَجَه الدَّارَقُطْنِيُّ من طريقِ يحيى بنِ أَيُّوبَ، عن عَقِيلٍ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللَّهِ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، ولكنَّ الحديثَ حسنٌ بشواهدِه.
مُفْرَداتُ الحديثِ:
- شاةٌ: الواحدةُ مِن الضَّأْنِ والمَعْزِ، يقالُ للذكرِ والأنثى، والجمعُ شَاءٌ وشِيَاهٌ.
- الْقَرَظُ: بفتحتيْنِ حَبُّ شجرِ السَّلَمِ، وشَجَرُه من شجرِ العِضَاهِ، ذُو سُوقٍ، أمثالُ شجرِ الجَوْزِ، وهي من الفصيلةِ القَرْنِيَّةِ، يُدْبَغُ بحَبِّه الأديمُ، وكانَ الدِّبَاغُ معروفاً بالقَرَظِ عندَ العربِ.
ما يُؤْخَذُ من الأحاديثِ الثلاثةِ:
1- حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ عُمُومُه يَدُلُّ على أنَّ أيَّ إهابٍ دُبِغَ فقد طَهُرَ مِن حيوانٍ طاهرٍ في الحياةِ أو غيرِ طاهرٍ.
2- حديثُ سَلَمَةَ بنِ المُحَبِّقِ يَدُلُّ على أنَّ الدِّباغَ يُطَهِّرُ جلودَ المَيْتَةِ.
3- حديثُ مَيْمُونَةَ يَدُلُّ على أنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُ جِلْدَ الشاةِ الميْتَةِ، ومثلُ الشاةِ غيرُها؛ من الحيواناتِ الحلالِ أكلُها.
4- ما دامَ أنَّ الجلدَ قد طَهُرَ بعدَ الدبغِ، فإنه يَجُوزُ استعمالُه في اليابِساتِ والمائِعاتِ، ويَجُوزُ لُبْسُه وافْتِرَاشُه وغيرُ ذلك من الاستعمالاتِ، كما أنه ذُو قيمةٍ ماليَّةٍ، فيَجُوزُ التصرُّفُ فيه بأنواعِ التصرُّفاتِ من بيعٍ وغيرِه.
5- يجوزُ الدِّباغُ بكلِّ شيءٍ يُنَشِّفُ فَضَلاتِ الجلدِ، ويُطَيِّبُه ويُزِيلُ عنه النَّتْنَ والفسادَ، سواءٌ كانَ من القَرَظِ أو قُشُورِ الرُّمَّانِ، أو غيرِهما من المُنَقِّيَاتِ الطاهراتِ.
خلافُ العلماءِ:
اخْتَلَفَ العلماءُ في طهارةِ جلدِ الميْتةِ بعدَ الدَّبْغِ إذا كانَتِ الميْتةُ طاهرةً في الحياةِ:
فذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ في المشهورِ مِن مذهبِه إلى أنَّ جلدَ الميْتةِ لا يَطْهُرُ بالدِّباغِ، ولو كانَ الحيوانُ طاهراً في الحياةِ، وإنما يَجُوزُ استعمالُه في اليابساتِ، وهو المرويُّ عن عمرَ وابنِه وعِمرانَ بنِ حُصَيْنٍ وعائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
والدليلُ على ذلكَ: ما رَوَاه أَحْمَدُ والأربعةُ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عُكَيْمٍ الجُهَنِيِّ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى قبيلةِ جُهَيْنَةَ: ((رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي فَلاَ تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلاَ عَصَبٍ)). قالَ الإمامُ أَحْمَدُ: إسنادُه جيِّدٌ، وهذا الحديثُ ناسخٌ لمَا قبلَه من الأحاديثِ التي جاءَتْ بطهارتِه.
وذَهَبَ الأئِمَّةُ الثلاثةُ إلى أنه يَطْهُرُ من الجلودِ ما كانَ حيوانُه طاهراً في حالِ الحياةِ، ولو كانَ مَيْتَةً.
قالَ في المُغْنِي: رُوِيَ ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ وابنِ مَسْعُودٍ وعَطاءٍ والحَسَنِ والشَّعْبِيِّ والنَّخَعِيِّ وقَتادَةَ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ والأَوْزَاعِيِّ واللَّيْثِ والثَّوْرِيِّ وابنِ المُبارَكِ وإسحاقَ، وهو روايةٌ عن الإمامِ أَحْمَدَ.
واختارَ هذه الروايةَ عن أَحْمَدَ جماعةٌ مِن أصحابِه؛ منهم المُوَفَّقُ والشارحُ وتَقِيُّ الدينِ وصاحبُ الفائقِ، ومن علمائِنا المعاصرينَ: الشيخُ مُحَمَّدُ بنُ إبراهيمَ، والشيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ سِعْدِيٍّ، والشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ، ودليلُهم أحاديثُ البابِ المتقدِّمَةُ وغيرُها.
وقد وَرَدَ في طهارةِ الجِلْدِ بالدِّباغِ خَمْسَةَ عَشَرَ حديثاً، منها أحاديثُ البابِ.
وأجابَ مَن يَرَوْنَ طهارَتَه عن حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عُكَيْمٍ بأنه مُضْطَرِبٌ في سَنَدِه وفي متنِه، وأنه حديثٌ مُرْسَلٌ؛ ذلك أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ عُكَيْمٍ لم يَسْمَعْه من النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومثلُ هذا الحديثِ لا يَقْوَى على النسْخِ؛ لأنَّ أحاديثَ التطهيرِ بالدِّباغِ أصحُّ منه؛ فبعضُها مُتَّفَقٌ عليه.
أما جوابُ الشيخِ تقيِّ الدِّينِ، فإنه يقولُ: حديثُ عبدِ اللَّهِ بنِ عُكَيْمٍ ليسَ فيه نَهْيٌ عن استعمالِ الجلدِ المدبوغِ، فيُمْكِنُ أنْ يكونَ تحريمُ الانتفاعِ بالعَصَبِ والإهابِ قبلَ الدبْغِ، وهذا ما تُثْبِتُه النصوصُ المتأخِّرَةُ، وأمَّا بعدَ الدبْغِ، فلم يُحَرَّمْ ذلك قطُّ.
فائدةٌ:
عمومُ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ (16) يَدُلُّ على أن أيَّ جلدٍ إذا نُقِّيَ بالدِّباغِ فقد طَهُرَ، ولو كانَ من حيوانٍ مُحَرَّمِ الأكلِ كالذئبِ، وهو مَذْهَبُ أبي حنيفةَ والشَّافِعِيِّ وغيرِهما والراجحُ خِلافُه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الآنية, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir