دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الأول 1430هـ/8-03-2009م, 09:59 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي متى يحجر على المدين؟

ومَن مالُه قَدْرُ دَيْنِه لم يُحْجَرْ عليه , وأُمِرَ بوَفائِه، فإنْ أَبَى حُبِسَ بطَلَبِ رَبِّه، فإن أَصَرَّ ولم يَبِعْ مالَه باعَه الحاكِمُ وقَضاهُ ولا يَطْلُبُ بِمُؤَجَّلٍ، ومَن مالُه لا يَفِي بما عليه حالًا وَجَبَ الْحَجْرُ عليه بسؤالِ غُرمائِه أو بعضِهم، ويُسْتَحَبُّ إظهارُه.


  #2  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ومَن له قُدرةٌ على وفاءِ دَيْنِه لم يُحْجَرْ عليه) لعدمِ الحاجةِ إلى الحَجْرِ عليه. (وأُمِرَ)؛ أي: وَجَبَ على الحاكمِ أَمْرُه (بوفَائِه) بطلبِ غريمِه؛ لحديثِ: ((مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ)). ولا يَتَرَخَّصُ مَن سَافَرَ قبلَه، ولغَرِيمِ مَن أَرَادَ سَفَراً مَنْعُه مِن غيرِ جِهادٍ مُتَعَيَّنٍ حتَّى يُوثَقَ برَهْنٍ يُحْرَزَ أو كَفِيلٍ مَلِيءٍ. (فإن أَبَى) القادرُ وفاءَ الدَّيْنِ الحَالِّ (حُبِسَ بطَلَبِ رَبِّه) ذلك لحديثِ: ((لَيُّ الوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعَقُوبَتَهُ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ وغيرُهما. قَالَ الإمامُ: قَالَ وَكِيعٌ: عِرْضُه شَكْوَاهُ وعُقُوبَتُه حَبْسُه. فإن أَبَى عَزَّرَه مَرَّةً بعدَ أُخْرَى. (فإن أَصَرَّ) على عدمِ قضاءِ الدَّيْنِ (ولم يُبَعْ مَالُه بَاعَه الحاكمُ وقَضَاه) لقِيامِه مَقَامَه ودَفْعاً لضَرَرِ رَبِّ الدَّيْنِ بالتأخيرِ. (ولا يُطَالَبُ) مَدِينٌ ( بـ ) دَيْنٍ (مُؤَجَّلٍ)؛ لأنَّه لا يَلْزَمُه أَدَاؤُه قبلَ حُلُولِه، ولا يُحْجَرُ عليه مِن أَجْلِه. ( ومَن مَالُه لا يَفِي بما عليه) مِن الدَّيْنِ (حَالاًّ وَجَبَ) على الحاكِمِ (الحَجْرُ عليه بسُؤالِ غُرَمَائِه) كُلِّهِم (أو بَعْضِهم)؛ لحديثِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ: (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وبَاعَ مَالَهُ) رَوَاهُ الخَلاَّلُ بإسنادِه. (ويُسْتَحَبُّ إِظْهَارُه)؛ أي: إظهارُ حَجْرِ المُفْلِسِ، وكذا السَّفيهُ ليَعْلَمَ الناسُ بحالِه فلا يُعَامِلُوه إلا على بَصِيرةٍ.


  #4  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ومن له قدرة على وفاء دينه لم يحجر عليه)([1]).

لعدم الحاجة إلى الحجر عليه ([2]) (وأمر) أي ووجب على الحاكم أمره (بوفائه) بطلب غريمه ([3]) لحديث ((مطل الغني ظلم))([4]) ولا يترخص من سافر قبله ([5]) ولغريم من أراد سفرًا منعه من غير جهاد متعين، حتى يوثق برهن محرز ([6]).
أو كفيل مليء ([7]) (فإن أبى) القادر وفاء الدين الحال (حبس بطلب ربه) ذلك([8]).
لحديث((لي الواجد ظلم([9]) يحل عرضه وعقوبته)) رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما([10]) قال الإمام: قال وكيع: عرضه شكواه، وعقوبته حبسه ([11]). فإن أبى عزره مرة بعد أُخرى ([12]) (فإن أصر) على عدم قضاء الدين (ولم يبع ماله ([13])باعه الحاكم وقضاه) ([14]) لقيامه مقامه ([15]) ودفعا لضرر رب الدين بالتأخير ([16]) (ولا يطالب) مدين (بـ) ـدين (مؤجل) لأنه لا يلزمه أداؤه قبل حلوله ([17]) ولا يحجر عليه من أجله ([18]) (ومن ماله لا يفي بما عليه) من الدين (حالاً ([19])وجب) على الحاكم (الحجر عليه بسؤال غرمائه) كلهم (أَو بعضهم) ([20]) لحديث كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ، وباع ماله. رواه الخلال بإسناده([21]) (ويستحب إظهاره) أي إظهار حجر المفلس([22]) وكذا السفيه، ليعلم الناس بحاله، فلا يعاملوه إلا على بصيرة ([23]).


([1])وتعين دفعه بطلبه، وإن طلب الإمهال بقدر ما يتمكن من الوفاء أمهل، قال الشيخ وغيره: من طولب بأداء حق عليه، فطلب الإمهال، أمهل بقدر ذلك، وذكره في الفروع اتفاقًا، لكن إن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمته، أو بكفيل أو ترسيم عليه.
([2])وذلك لأن الغرماء يمكنهم المطالبة بحقوقهم في الحال.
([3])إن علم قدرته عليه، أو جهل حاله، لتعينه عليه، إذ فيه فصل القضاء المنتصب له، والوفاء يجب – مع القدرة – على الفور.
([4])أي مطلب الغني القادر على وفاء دينه ظلم، لأنه منع أداء ما استحق عليه أداؤه، وهو حرام مع التمكن، والحديث متفق على صحته، والجمهور أنه يفسق بمطله، وبالطلب يتحقق مطله.
([5])أي ولا يجوز أن يقصر ونحوه من سافر قبل وفاء غريمه، وبعد الطلب، بعد حلول الدين، لأنه سفر معصية، وظاهره: ولو كان قصيرًا. وتقدم جواز القصر له ونحوه في بابه.
([6])أي ولغريم شخص أراد سفرا، كذا أطلقه الأكثر، وقيده الموفق وغيره، بالطويل، قال في الإنصاف: وهو أولى. وظاهره أيضًا: ولو غير مخوف، أو الدين لا يحل قبل مدته، فله منعه من السفر، وكذا له منع ضامنه، من غير جهاد متعين، لتعينه، بخلاف حج، حتى يوثق المدين برهن محرز للدين، قولاً واحدًا، فلو كان برهن غير محرز للدين، فله منع المدين من السفر، حتى يقيم رهنا محرزًا للدين.
([7])أي أو حتى يوثق غريمه بكفيل مليء، قولاً واحدًا، فلو كان الضمين غير مليء فله منع المدين من السفر، حتى يقيم ضمينا مليئًا، لأن عليه ضررًا في تأخير حقه عن محله، وقدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر، فملك منعه، قال الشيخ: إن أراد سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه، فلغريمه منعه، حتى يقيم كفيلا ببدنه، لأنه قد يوسر في البلد الذي سافر إليه، فلا يتمكن الغريم من طلبه بإحضاره، وقال فيمن أعسر وأراد الحج مع والده، فمنعه الغرماء، ليقيم ويعمل ليوفيهم: لهم ذلك. ومقامه ليكتسب، ويوفي الغرماء، أولى وأوجب من الحج، ولا يحل لهم أن يطالبوه إذا علموا إعساره، ولا يمنعوه الحج، وإن قالوا: نخاف أن لا يرجع، ونريد كفيلاً ببدنه، توجه مطالبتهم بهذا، فإن حقوقهم باقية، ولكنه عاجز عنها.
([8])أي الحبس، قال الشيخ وغيره: من كان قادرًا على وفاء دينه، وامتنع أجبر على وفائه، بالضرب والحبس، ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد وغيرهم. قال: ولا أعلم فيه نزاعًا، وصوبه في الإنصاف، وقال: عليه العمل، ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة إلا به، وبما هو أشد منه، وظاهر إطلاقهم: ولو كان أجيرًا في مدة الإجارة، أو امرأة مزوجة، لأن ذلك لا يمنع من الحبس. وقال الوزير: الحبس على الديون من الأمور المحدثة، ومضت السنة أنه لا يحبس على الديون، ولكن يتلازم الخصمان، فأما الحبس الذي هو الآن على الدين لا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك أنه يجمع الكثير بموضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، وربما يحبس أحدهم السنة والسنتين، وربما يتحقق القاضي أن ذلك المحبوس لا جدة له، وأن أصل حبسه على طريق الحيلة، قال: وقد حرصت على فك ذلك ... الخ.
([9])أي مطل الغني القادر على وفاء دينه ظلم، لمنعه الواجب عليه مع القدرة، ومحرم كما تقدم، فيستحق العقوبة، كما نص عليه الشارع.
([10])كالنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، وعلقه البخاري، وحسنه الحافظ.
([11])شكواه الإخبار بسوء فعله، كأن يقول: مطلني أو أن يقول: يا ظالم، يا مماطل، وعقوبته حبسه، ويرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه، وقدره، إذا لم يتعد حدود الله. قاله الشيخ: وهذا أصل متفق عليه، أن كل من ترك واجبًا، أو فعل محرمًا استحق العقوبة، ووكيع هو ابن الجراح الحافظ، صاحب الجامع وغيره، من كبار التاسعة، مات سنة مائة وسبع وتسعين.
([12])أي حتى يقضيه حقه بلا نزاع. قاله الشيخ، لكن لا يزاد كل يوم على أكثر التعزير إن قيل يتقدر. قال: ولا يجب حبسه بمكان معين، فيجوز حبسه في دار، ولو في دار نفسه، بحيث لا يتمكن من الخروج، ولو كان قادرًا على أداء الدين وامتنع، ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل، والنكاح فله ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وليس له إخراجه حتى يتبين له أمره، أو يبرأ من غريمه، وفي الفائق: أبى الضرب الأكثرون.
([13])أي ويقضي الدين، بل صبر على الحبس والتعزير.
([14])لما يأتي من أنه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله، وباعه في دين كان عليه، قال ابن الصلاح: هو حديث ثابت، وإعطاء الغرماء ماله ثابت من فعل عمر، ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة، وقال الشيخ: للحاكم بيع ماله، ويقضي دينه، ولا يلزمه إحضاره، وإذا كان الذي عليه الحق قادرًا على الوفاء، ومطل صاحب الحق، حتى أحوجه على الشكاية، فما غرمه بسبب ذلك فهو على الظالم المبطل، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد، قال: ومن غرم مالا بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، فله تضمين الكاذب عليه بما غرمه.
([15])أي لقيام الحاكم مقام الدين الممتنع، قال أحمد: إذا تقاعد بحقوق الناس، يباع عليه ويقضى.
([16])لحديث ((لا ضرر ولا ضرار)) وظاهره: يجب، وهو مذهب الشافعي وغيره، وقال الشيخ: لا يلزمه أن يبيع عليه، ومذهب أبي حنيفة: يجبره الحاكم على البيع، إذا لم يمكنه الإيفاء بدونه.
([17])فلم تستحق المطالبة به.
([18])أي من أجل كونه لزمه دين من ثمن مبيع أو صداق، أو غيره، ولم يجز منعه من التصرف في ماله بسببه، ولأن الغرماء لا يمكنهم طلب حقوقهم في الحال، فلا حاجة إلى الحجر.
([19])أخرج من يفي ماله بالحال، وتقدم حكمه.
([20])قال في الفروع: والأصح أو بعضهم. واستظهره في تجريد العناية، وصوبه في الإنصاف، وهو مذهب مالك والشافعي.
([21])والدارقطني، والحاكم وصححه، وتقدم قول ابن الصلاح: أنه حديث ثابت، فدل على جواز الحجر على المديون، وأنه يجوز للحاكم بيع ماله لقضاء دينه، وثبت من فعل عمر، ولم ينكر، وقال الوزير: اتفقوا على أن الحجر على المفلس إذا طلب الغرماء ذلك، وأحاطت الديون بماله، مستحق على الحاكم، وله منعه من التصرف، حتى لا يضر بالغرماء، وبيع ماله إذا امتنع المفلس من بيعه، ويقسمه بين غرمائه بالحصص، إلا أبا حنيفة فقال: يحبسه حتى يقضي الدين، ومعاذ هو ابن جبل الأنصاري رضي الله عنه، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيًا، معلمًا، وكان إليه المنتهى في العلم، ومات بالشام في طاعون عمواس.
([22])لتجتنب معاملته، لئلا يستضر الناس بضياع أموالهم، ويشهد عليه، لينتشر ذلك، وربما عزل الحاكم، أو مات، فيثبت الحجر عند الآخر، فلا يحتاج إلى ابتداء حجر ثان.
([23])أ ي ومثل الحجر على المفلس الحجر على السفيه، يستحب إظهاره، والإشهاد عليه، لئلا يغر الناس.


  #5  
قديم 3 جمادى الآخرة 1431هـ/16-05-2010م, 11:57 AM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

ومَن مالُه قَدْرُ دَيْنِه لم يُحْجَرْ عليه (3), وأُمِرَ بوَفائِه(4)، فإنْ أَبَى حُبِسَ بطَلَبِ رَبِّه(5)، فإن أَصَرَّ ولم يَبِعْ مالَه باعَه الحاكِمُ وقَضاهُ(6) ولا يَطْلُبُ بِمُؤَجَّلٍ(7)، ومَن مالُه لا يَفِي بما عليه حالًا وَجَبَ الْحَجْرُ عليه بسؤالِ غُرمائِه أو بعضِهم(8)، ويُسْتَحَبُّ إظهارُه(9).

(3) لعدم الحاجة إلى الحجر عليه .
(4) أي : يجب على الحاكم أمره بالوفاء عند طلب الغرماء لحديث : (( مطل الغني ظلم )) متفق عليه .
(5) أي طلب الغريم حبسه لحديث : (( لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته )) رواه أحمد وأبو داود ، وعرضه : شكواه ، وعقوبته : حبسه .
(6) لقيام الحاكم مقام المدين الممتنع من الوفاء دفعاً لضرر الدائن بالتأخير .
(7) أي : لا تجوز مطالبة المدين بدين مؤجل قبل حلوله ؛ لأنه لا يلزمه أداؤه قبل ذلك .
(8) فيحجر عليه بشرطين :

الأول : أن يكون ماله أقل مما عليه .
الثاني : أن يطالب الغرماء أو بعضهم بالحجر عليه ، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (( حجر على معاذ وباع ماله )) رواه الدارقطني والحاكم وصححه .
(9) أي : الإعلان عن الحجر على المفلس ليعلم الناس بذلك فيعاملوه على بصيرة .


  #6  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 01:23 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَمَنْ مَالُهُ قَدْرَ دَيِنِه لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَأُمِرَ بِوَفَائِهِ، فَإنْ أَبَى حُبِسَ بِطَلَبِ رَبِّهِ، فَإِنْ أصَرَّ وَلَمْ يَبِعْ مَالَهُ بَاعَهُ الحَاكِمُ وَقَضَاهُ وَلاَ يُطَالَبُ بمُؤَجَّلٍ.
قوله: «فإن أبى حبس بطلب ربه» أي: رب الدين، والرب هنا بمعنى الصاحب، فهو يطلق على عدة معانٍ منها الصاحب، يعني إذا طلب صاحب الدين أن يحبس حبس؛ والدليل على الحبس قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لَيُّ الواجد ظلم يُحل عرضه وعقوبته)) [(1)]، ((لَيّ))بمعنى مطل، و((الواجد)) هو القادر على الوفاء، ((عرضه))، أي: غيبته في الشكوى بأنه مماطل، و((عقوبته)) لم يبين نوع العقوبة، فقال بعض العلماء: الحبس، وعندي أن الحديث ينبغي أن يكون على إطلاقه، وأن يراد بالعقوبة ما تجعله يوفي ما عليه، فقد يكون الحبس أنكى له فيبادر بالوفاء، وقد يكون الضرب أنكى، وقد يكون التشهير به أنكى له فيبادر بالقضاء، فالصحيح أن العقوبة مطلقة ترجع إلى اجتهاد القاضي، هذا إذا كان ماله قدر دينه.
فإن لم يطلب وقال للقاضي ـ مثلاً ـ لما رأى أنه متوجه إلى حبسه: لا تحبسه، إذا آل الأمر إلى حبسه فأنا أصبر، فهنا لا يحبس؛ لأن الحق لصاحب الدين ولو شاء أن يبرئه لأبرأه، فإذا كان الحق حقه ولو شاء أن يبرئه لأبرأه فهنا يبرئه من الحبس، فيقول: لا يُحبس اتركه متى أراد أوفى، فإن أصر حبس، وهذه الصورة قد تكون نادرة، لكن ربما تقع من بعض السفهاء أو من بعض من يريد الإضرار بالدائن، المهم يحبس يومين أو ثلاثة أو أكثر.
قوله: «فإن أصر ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه» ولم يذكر المؤلف الضرب، يعني أنه يحبس ولا يضرب، وظاهر كلامه أنه لا يضرب.
وقال بعض أهل العلم: بل يضرب، فيعزر كل يوم، لكن لا يزاد على عدد الجلدات التعزيرية، وهي على المشهور عشر جلدات، كل يوم نجلده عشر جلدات، فيحبس ليلاً ونهاراً ويجلد صباحاً، ويقال له: أوف ما عليك وإذا لم ينفع فيه حبس ولا ضرب، حينئذٍ يبيع الحاكم ماله ويقضي دينه، لكن المؤلف ـ رحمه الله ـ مشى على أنه لا ضرب؛ لأنه لا فائدة، فرجل صبر على الحبس ولم يوف فما الفائدة من ضربه؟ لكن لو رأى ولي الأمر من قاض أو أمير، أن ضربه قد يفيد فله أن يضربه ضرباً غير مبرح، وعلى هذا فنجعل الضرب ليس لازماً بل هو راجع إلى المصلحة.
وظاهر كلام المؤلف أن الحاكم لا يبيع ماله فوراً، بمعنى أنه إذا قيل له: أوف الدين، قال: لا، قلنا: نحبسك، قال: احبسوني، فظاهر كلام المؤلف: أنه لا يباع، وإنما يستعمل معه الحبس، وإلى متى؟ إلى يومين أو ثلاثة أو أربعة، فلم يحدد، بل إلى أن يوفي، وإلا سيبقى في الحبس دائماً، ولا شك أن هذا فيه إضرار بلا مصلحة، إضرار بصاحب الدين من جهة، وإضرار بالغريم المدين من جهة أخرى.
ولهذا لو كان أحد من العلماء يقول: بأنه لا يحبس ولا يضرب، وإنما يتولى الحاكم الوفاء مباشرة مما عنده، لو قيل بهذا لكان له وجه؛ لأن في ذلك مصلحة للطرفين، أما صاحب الحق فمصلحته ظاهرة أنه يسلم إليه الحق، وأما المدين وهو الغريم فالمصلحة في حقه انتفاء الضرر عليه بالسجن أو الضرب، وحينئذٍ نقول: إذا استوفى صاحب الحق حقه، فلا حرج على القاضي أو ولي الأمر أن يؤدب هذا المماطل بحبس، أو ضرب، فيكون هنا التأديب فيه مصلحة، ألا يعود مثل هذا إلى المماطلة، وأما المبادرة بتولي قضاء الدين ففيه مصلحة لصاحب الدين.
وقوله: «فإن أصر ولم يبع ماله باعه الحاكم وقضاه» «باعه» الهاء تعود على المال، و«الحاكم» القاضي، وكلما جاءت كلمة «الحاكم»، فالمراد به القاضي، لكن لو أنه جَعَلَ هيئةً للنظر في الديون، صارت هذه الهيئة تتولى شؤون الديون، ولا يتولاها الحاكم.
مسألة: هل يجوز أن يشتري الناس والمالك لم يرضَ؟ يجوز، لأنه بيع بحق والبيع لا يصح إذا كان مكرهاً بغير حق، أما إن كان بحق فلا بأس به، ومن ثَمَّ ننتقل إلى مسألة مشكلة وهي ما تأخذه الحكومة تعزيراً، فهل يجوز أن نشتريه إذا عرض للبيع؟ نعم يجوز؛ لأنها أخذت بحق مثل السيارات والأراضي ونحوها.
وقوله: «باعه الحاكم» هذا مقيد بما إذا لم يكن المال عنده من جنس الدين، فإن كان من جنس الدين فلا حاجة لبيعه.
مثاله: رجل يُطْلَبُ منه مائة صاع بر، وعنده مائة صاع بر، إذاً ماله الآن قدر دينه فلا يحجر عليه، ومن جنس دينه فلا يباع، اللهم إلا أن يكون ما في ذمته موصوفاً بصفات لا توجد في هذا البر الذي عنده، فحينئذٍ لا بد من بيعه، سواء كان الذي عنده أطيب أو أردأ، إن كان أردأ فإن صاحب الحق لا يرضى، وإن رضي فلا حرج، وإن كان أطيب فإن المدين لا يرضى وإن رضي فلا حرج.
قوله: «ولا يطالب بمؤجل» يعني أن المدين لا يطلب ولا يطالب ـ أيضاً ـ بمؤجل حتى يحل أجله، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((المسلمون على شروطهم)) [(2)]، وصاحب الدين قد رضي بتأجيله، فيجب عليه الانتظار حتى يحل الأجل، فإذا حل الأجل عملنا ما سبق، يعني صار كالحال.
وَمَنْ مَالُهُ لاَ يَفِي بِمَا عَلَيْهِ حَالًّا وَجَبَ الحَجْرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ غُرَمَائِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ،
قوله: «ومن ماله لا يفي بما عليه حالًّا وجب الحجر عليه» هذا هو القسم الثالث، مثاله: رجل له ألف ريال وهو مطلوب بألفين، فالمال الذي عنده لا يفي بما عليه حالًّا، فماذا نصنع؟
يقول المؤلف: «وجب الحجر عليه» أي: وجب على الحاكم الذي يتولى هذه الأمور الحجر على من ماله لا يفي بما عليه.
قوله: «بسؤال غرمائه» يعني إذا سأل الغرماء الحجر عليه.
قوله: «أو بعضهم» أي: أو سأل بعضهم الحجر عليه وجبت إجابته، ودليل ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حجر على معاذ ـ رضي الله عنه ـ وباع ماله في دين عليه[(3)]، هذا من جهة الأثر، وإن كان فيه مقال.
ومن جهة النظر؛ فلأنه في الحجر عليه حماية لحق الدائن وحماية لذمة المدين، فالدائن حتى يعطى حقه أو بعضه، وحماية لذمة المدين لئلا تبقى ذمته معلقة مشغولة بالدين دائماً، وهذه مصلحة كبرى عظيمة للدائن والمدين، فكان مقتضى النظر الصحيح أن يثبت الحجر.
ومن جهة النظر ـ أيضاً ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل مطل الغني ظلماً[(4)]، وهذا وإن لم يكن غنيّاً الغناء التام الذي يوفي، لكن عنده بعض الشيء فيكون ظالماً بمنع الحقوق، والظلم يجب رفعه، ولا سبيل لنا إلى رفعه في هذه الحال إلا بالحجر عليه؛ لأنه لو قال قائل: احبسوه، كما في القسم الثاني، قلنا: ولو حبسناه ليس فيه فائدة؛ لأن المال الذي عنده لا يفي بخلاف القسم الثاني فالمال يفي، أما هنا فلا حاجة، والظلم تجب إزالته، فلهذا وجب الحجر.
ومعنى الحجر أن نمنعه من التصرف في ماله، لا في ذمته، فلا يتصرف ببيع ولا شراء ولا هبة ولا وقف ولا رهن، ولا غير ذلك، فإذا كان صاحب متجر أغلقنا المتجر بحيث لا يتصرف فيه بشيء، ولو صاحب زراعة، منعناه من التصرف في زراعته، المهم أن نمنعه من التصرف في أعيان ماله، حفظاً لذمته ولحق الغرماء.
قوله: «ويستحب إظهاره» أي: إظهار الحجر بوسائل الإعلام، فلان محجور عليه؛ وذلك لفائدتين:
الأولى: ليظهر من له دين عند هذا الرجل؛ لأنه إذا اشتهر أنه حجر عليه فأهل الدين سيأتون.
الثانية: لئلا يغتر الناس فيعاملوه بعد الحجر، ومعلوم أن معاملته بعد الحجر باطلة، يعني لو أن أحداً اشترى منه شيئاً بعد الحجر، فإن الشراء لا يصح ولا ينفذ، فيعلم الناس حتى لا يغتروا بمعاملته؛ لأنه إذا لم يعلم فإنه ربما يغتر الناس ويعاملونه، فيستحب إظهاره لما فيه من الفائدة للمحجور عليه، وللغرماء ولغيرهم من الناس.



[1] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التمريض في الاستقراض وأداء الديون/ باب لصاحب الحق مقال، ووصله أحمد (4/222) وأبو داود في القضاء/ باب في الدين هل يحبس به؟ (3628)، والنسائي في البيوع/ باب مطل الغني (7/316)، وابن ماجه في الصدقات/ باب الحبس في الدين والملازمة (2427) عن الشريد بن سويد ـ رضي الله عنه ـ، وصححه الحاكم (4/102) ووافقه الذهبي، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (5/76) ط/دار الريان.
[2] سبق تخريجه ص(18).
[3] أخرجه عبد الرزاق (15177)؛ والدراقطني (4/231)؛ والحاكم (2/58)؛ والبيهقي (6/48) عن كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه أبو داود في «المراسيل» (171، 172)، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ورجح إرساله أبو داود وعبد الحق، انظر: «بيان الوهم الإيهام» (311)؛ و«التلخيص» (1233).
[4] سبق تخريجه ص(271).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبي, يحجر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir