الثَّالِثُ: ذِكْرُ قَدْرِهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ يُعْلَمُ، وَإِنْ أَسْلَمَ فِي المَكِيْلِ وَزْنَاً، أوْ فِي المَوزُونِ كَيْلاً لَمْ يَصِحَّ.
قوله: «الثالث: ذكر قدره بكيل أو وزن أو ذرع يُعْلَم» يعني لا بد أن يذكر قدره بكيل في المكيل، ووزن في الموزون، وذرع في المذروع ولم يقل: أو عدٍّ؛ لأن العد فيه تفصيل، إن كان المعدود يختلف فإنه لا يصح الإسلام فيه، وإن كان لا يختلف صح الإسلام فيه.
قوله: «يعلم» يعني يعلم بين الناس ويكون معهوداً بينهم، لا أن يعلم بين الطرفين مثل الصاع والمد والرطل والوزنة والكيلو وما أشبه ذلك، فقوله: «يعلم» احترازاً مما لو قيد بشيء لا يعلم، مثل أن يقول: ملء هذا الإناء عشر مرات ـ مثلاً ـ لا يجوز؛ لأن هذا غير معلوم بين الناس؛ لأن هذا الإناء ربما يضيع، وحينئذ لا يبقى لنا شيء نرجع إليه، فلو قال ـ مثلاً ـ المسلم للمسلم إليه: أسلمت إليك بمائة ملء هذا الإناء، فإنه لا يصح؛ لأنه ليس معهوداً وقد يضيع، وحينئذ يحصل النزاع، والشرع جاء بسد كل ما يوجب النزاع.
مسألة: لو عينه بصاع فلان؟ يقول الفقهاء: يجوز لكن يبطل التعيين، فما دام أن صاع فلان هو صاع الناس فلا فرق، إلا أن بعضهم قال: إذا كان صاع فلان معروفاً فإنه يلزم الأخذ بالتعيين، ولكن الصواب أنه لا يلزم التعيين؛ لأن صاع فلان هذا ربما يتلف.
قوله: «وإن أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح» ؛ لأنه يجب أن يقدر بالمعيار الشرعي، فالبر ونحوه يقدر بالكيل، والسكر واللحم وما أشبه ذلك يقدر بالوزن، فلو أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح، وهذا ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
والصواب: أنه يصح أن يسلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً؛ لأنه معلوم، والتساوي هنا ليس بشرط، وإنما وجب في بيع الربوي بجنسه أن يقدر بالمعيار الشرعي؛ لأنه يشترط فيه المساواة، فلهذا لا يصح أن أبيع عليك وزن عشرة كيلوات من البر بعشرة كيلوات من البر؛ وذلك لأنه لا بد من التساوي في المعيار الشرعي، والمعيار الشرعي للحبوب ونحوها هو الكيل، وأما السلم فالمقصود انضباط الصفات والقدر، وهذا يحصل فيما إذا أسلم في المكيل وزناً أو في الموزون كيلاً، فالصواب أنه يجوز، وهو أحد القولين في المذهب.
أما المعدود فإن كان لا يختلف يسلم فيه عداً، وإن كان يختلف يسلم فيه وزناً.