دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 10:49 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَيَحْرُمُ رِبَا النَّسِيئَةِ فِي بَيْعِ كُلِّ جِنْسَيْنِ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ رِبَا الفَضْلِ لَيْسَ أحَدُهُمَا نَقْداً.
قوله: «فصل» أي: في ربا النسيئة، فالذي سبق البحث فيه ربا الفضل.
وربا النسيئة وهو تأخير التقابض في بيع الربويين وهو الأصل، ومن أجله حَرُمَ ربا الفضل، كما جاء في حديث أسامة بن زيد: «إنما الربا في النسيئة»[(1)] ، وقد اختار ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هذا في أول الأمر، وقال: إن ربا الفضل جائز، وأنك إذا بعت صاعين من البر بصاع يداً بيد فهو جائز، لكن لما ناظره أبو سعيد الخدري[(2)] وغيره من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ رجع عن قوله.
ويُشكل على طالب الدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الربا في النسيئة)) ، لأن (إنما) من أدوات الحصر، وتكون النتيجة لا ربا إلا في النسيئة.
وأجاب العلماء عن ذلك أن هذا الحصر منقوض بالأحاديث الصحيحة الدالة على ثبوت ربا الفضل، والذي قال: «إنما الربا في النسيئة» ، هو الذي قال: «مثلاً بمثل سواءً بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربا» [(3)] .
فإذا قال قائل: إذا كان كذلك، فلماذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:((إنما الربا في النسيئة))؟
قلنا: لينبه على أن ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل؛ لأن هذا هو المعروف في الجاهلية، حيث إن الإنسان إذا استدان من شخص آخر ثم حل الأجل ولم يوف قال: نؤخر ونزيد، فكأنه قال: إنما الربا الأعظم والأكثر إثماً هو ربا النسيئة، ومن هنا نعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض بين كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم الأول والآخر إذا صح عنه، بل لا بد أن يكون العمل بكل منهما ما لم يوجد نسخ.
فإذا قال قائل: إذاً ما الفائدة من حصره في هذا؟
قلنا: لأنه أعظم نوعي الربا، فلهذا قال: «إنما الربا في النسيئة».
فما الأشياء التي يحرم فيها ربا النسيئة؟
قوله: «ويحرم ربا النسيئة» النسيئة معناها المؤخر، كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 37] ، يعني التأخير، ولكن ليس المراد بالآية ربا النسيئة، بل المراد ما بينه الله في آخر الآية: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}، وذلك أن الأشهر الحرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، لا يجوز فيها القتال، فكان العرب يتلاعبون فيها، أحياناً يؤجلون المحرم إلى صفر، فيحلون شهر محرم ويحرمون صفراً، قال تعالى: {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ}، لا عين ما حرم الله؛ لأن العدة أربعة، فيوافقون العدة ولكن يخالفون التعيين، ولهذا قال: {فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ}، فالنسيء المذكور في الآية غير النسيء الذي نتكلم عنه هنا، النسيء الذي نتكلم عليه هنا هو تأخير القبض في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل عن مجلس العقد؛ وذلك أن البيع إما أن يقع في جنس واحد ربوي أو في جنسين ربويين اتفقا في علة ربا الفضل، أو في جنسين ربويين لم يتفقا في العلة أو في شيئين ليسا ربويين، فالأقسام أربعة:
الأول: إذا كان البيع في جنس واحد ربوي، حرم فيه التفاضل والنساء.
الثاني: إذا كان في جنسين ربويين اتفقا في علة ربا الفضل، حرم بينهما النساء فقط دون الفضل.
الثالث: إذا كان بين جنسين ربويين لم يتفقا في العلة، جاز الفضل والنساء.
الرابع: إذا كان بين شيئين ليسا ربويين، جاز كل شيء، الفضل والنسيئة.
قوله: «في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل» «كل جنسين» احترازاً من الجنس الواحد، فالجنس الواحد فيه ربا نسيئة وربا فضل، وكلام المؤلف الآن يبين ربا النسيئة، ولهذا نقول قاعدة: «أن كل شيئين يجري بينهما ربا الفضل فبينهما ربا نسيئة ولا عكس»، ولهذا قال: «في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل» ، فما هي علة ربا الفضل؟
الجواب: سبق لنا في أول باب الربا أن العلماء اختلفوا فيها، والمذهب عندنا، وهو المشهور الذي مشى عليه المتأخرون من أصحاب الإمام أحمد أن العلة هي الكيل والوزن، سواء كان هذا المكيل مما يؤكل أو لا، أو مما يقتات أو لا، وكذلك الموزون، فكل شيئين بينهما اتفاق في الكيل فإنه يجري بينهما ربا النسيئة، وهما قطعاً ربويان؛ لأن العلة هي الكيل.
فقوله: «اتفقا في علة ربا الفضل» إذا بعنا مكيلاً بمكيل من غير جنسه وجب التقابض قبل التفرق، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، ولو بعنا صاعاً من البر بصاع من الإشنان ـ والإشنان عبارة عن دقيق يشبه الصابون الذي في العلب تغسل به الثياب، وهو من شجر ييبس ويدق، والإشنان مكيل ـ فإذا باع صاعاً من الشعير بصاع من الإشنان وجب التقابض قبل التفرق، ولا يجب التساوي؛ لاختلاف الجنس؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) [(4)]. قوله: ((كيف شئتم)) أي: بزيادة أو نقص ولكن ((يداً بيد)) ، وإذا باع صاعاً من البر بصاع من الجص فلا بد من التقابض؛ لأن الجص يباع كيلاً، فقد كانوا بالأول يبيعونه بالكيل، فتأتي إليه، وتقول له: أعطني صاعاً من الجص فيعطيك.
قوله: «ليس أحدهما نقداً» فإن كان أحدهما نقداً فإنه لا يحرم النساء، كما لا يحرم التفاضل.
مثال ذلك: باع حديداً بدنانير، فعلة ربا الفضل موجودة فيهما، فكلاهما موزون، فمقتضى القاعدة أنه يحرم النساء، ولكن المؤلف ـ رحمه الله ـ استثنى فقال: «ليس أحدهما نقداً» ، ودليل هذا الاستثناء حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: ((من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)) [(5)] ، وجه الدلالة من الحديث أن السلم لا بد فيه من تقديم الثمن وتأخير المثمن وهذا نسيئة وقد أقره النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومعلوم أن الإسلاف يكون في الدراهم وهي موزونة، أو في الدنانير وهي موزونة، ولهذا قال: ((أو وزن معلوم)) فدل هذا على أنه إذا كان أحدهما نقداً فإنه يصح النساء؛ لئلا ينسد باب السلم في الموزونات؛ لأننا لو لم نقل بهذا الاستثناء لم يصح السلم في الموزونات إذا كان الثمن دراهم أو دنانير.
ومعلوم أنه إذا كان أحدهما نقداً واشتري به مكيل أنه يجوز فيه النساء؛ لأنهما اختلفا في علة ربا الفضل، لكن المشكل الذي يرد عليه هذا الاستثناء هو إذا أسلف في شيء موزون، فلولا هذا الاستثناء لقلنا: لا يجوز الإسلاف في الموزون إلا إذا أسلف غير الذهب والفضة.
والتعليل: لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لو لم يجوِّز النَّساء في بيع النقد في الموزون لانسد باب السلم في الموزونات غالباً، ومعنى قولنا: غالباً أنه ربما نقول: إن السلم في الموزونات لا ينسد ونجعل الثمن مكيلاً، فيقول مثلاً: أسلمت إليك مائة صاع من البر بطن من الحديد، فهنا يجوز النساء؛ لأن العلة مختلفة، فهما لم يتفقا في علة ربا الفضل، ولهذا نقول: لانسد باب السلم في الموزونات غالباً، ولا نقول: دائماً، لأنه يمكن السلم في غير الموزون، كالمكيل، والحيوان.
وقوله: «ليس أحدهما نقداً» ، لم يقل: ليس أحدهما ذهباً ولا فضة؛ لأنه لو كان أحدهما ذهباً أو فضة فلا بد من التقابض في مجلس العقد، فلو بعتك درهماً بدينار فلا بد من التقابض في مجلس العقد كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلو بعت عليك حلياً من الذهب بشيء من النحاس فلا بد فيه من التقابض؛ لأن المؤلف يقول: ليس أحدهما نقداً ولم يقل: ذهباً أو فضة.

كَالْمَكِيلَيْنِ وَالمَوزُونَيْنِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القَبْضِ بَطَلَ.
قوله: «كالمكيلين» أي: إذا بيع بعضهما ببعض.
قوله: «والموزونين» أي: إذا بيع بعضهما ببعض، فإنه يحرم فيهما النساء.
ودليل هذا: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) [(6)] ، فأوجب القبض، وإيجاب القبض يعني تحريم النساء.
الأمثلة:
باع شعيراً ببر لا يجوز النساء؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل، وهي الكيل.
باع براً بحديد يجوز النساء؛ لأنهما اختلفا في علة ربا الفضل.
باع طناً من الرصاص بطن من النحاس لا يجوز؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل، وهي الوزن.
باع صاعاً من التمر بصاع من البر، لا يجوز النساء؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل وهي الكيل.
اشترى صاعاً من البر بدرهم، يجوز النساء؛ لأنهما لم يتفقا في علة ربا الفضل.
اشترى طناً من الرصاص بمائة درهم، يجوز النساء؛ لأنهما اتفقا في علة ربا الفضل وهي الوزن، لكن استثني إذا كان أحدهما نقداً.
واستثناء النقد يدل على أن الموزونات ليس فيها ربا كما رجحناه من قبل وقلنا: إن الصحيح في الذهب والفضة العين والنقدية، فنفس الذهب والفضة يجري فيهما الربا مهما كانا بدليل حديث القلادة[(7)]، وأيضاً هما نقد للناس وأثمان وقيم للأشياء ليس لأنهما موزونان، والسلم يدل على هذا القول؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((أو وزن معلوم)) ، ومعلوم أن الموزون سيشرى بدراهم، فدل هذا على أن الموزونات ليس فيها ربا وهو القول الصحيح، إلا ما كان قوتاً فهو يرجع للعلة الأخرى.
قوله: «وإن تفرقا قبل القبض بطل» إذاً القبض شرط لاستمرار صحة العقد، أي أن العقد تم وصح، لكن يشترط لاستمرار صحته القبض، ولهذا قال: «وإن تفرقا قبل القبض بطل» والدليل الحديث الذي ذكرنا.
مثلاً: باع عليه براً بشعير في الدكان، لكن الشعير في المخزن وقال: ائتني بعد ساعة في المخزن لأعطيك الشعير، فهذا لا يجوز؛ لأنهما تفرقا قبل القبض، فإن قال: أعطني يدك ومشيا إلى المستودع وسلمه فهذا جائز؛ لأنهما لم يتفرقا.

وَإِنْ بَاعَ مَكِيلاً بِمَوْزُونٍ جَاز التّفَرُّقُ قَبْلَ القَبضِ والنَّسَاءُ، وَمَا لاَ كَيْلَ فِيْهِ وَلاَ وَزْنَ؛ كَالثِّيَاب والحَيوانِ يَجُوْزُ فِيْهِ النَّسَاءُ.
وَلاَ يَجُوز بَيْعُ الدّينِ بِالدَّيْنِ.
قوله: «وإن باع مكيلاً بموزون جاز التفرق قبل القبض والنَّساء» مثاله: باع مائة صاع من البر بمائة كيلو من النحاس فهذا يجوز؛ لأنهما لم يتفقا في علة ربا الفضل وفي الجنس أيضاً، فيجوز التفرق ويجوز النساء.
قوله: «وما لا كيل فيه ولا وزن كالثياب والحيوان يجوز فيه النساء» لأنه ليس بربوي، إذ إن الربوي إما مكيل وإما موزون، فما لا كيل فيه ولا وزن فإنه يجوز فيه النساء، ولم يقل: ربا الفضل؛ لأنه إذا جاز النساء جاز الفضل ولا عكس، فقد يجوز الفضل ولا يجوز النساء كالبر بالشعير ـ مثلاً ـ يجوز فيه الفضل، ولا يجوز فيه النساء.
مثال ما سبق: لو بعت عليك ثوباً بثوبين، الثوب حاضر الثوبان بعد ستة أشهر جاز؛ لأن الثياب لا يقع فيها الربا؛ لأنها ليست مكيلاً ولا موزوناً.
مثال آخر: إنسان احتاج إلى بعير وليس عنده دراهم، فجاء إلى شخص وقال: أعطني بعيراً الآن وأعطيك بعيرين بعد سنة جاز؛ لأنه ليس بربوي؛ لأنه ليس فيه كيل ولا وزن؛ ويدل له أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ينفذ جيشاً فكان يأخذ على قلائص[(8)] الصدقة البعير بالبعيرين، والبعيرين بالثلاثة[(9)]، وهو منطبق على القواعد حيث إنه جارٍ على التعليل الذي ذكرنا.
قوله: «ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين» هذا ليس على إطلاقه ولكن له صور:
الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين، بل ولا بالعين على المذهب مطلقاً.
مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه يقول: أعطني يا فلان، وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب فلا يجوز، حتى وإن كان بعين فإنه لا يجوز، فلو قيل لهذا الرجل الذي له مائة الصاع في ذمة فلان: سوف نعطيك عنها مائة ريال تأخذها نقداً، فإنه لا يجوز؛ لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح.
لكن لو كان الذي اشترى دَين فلان قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل، فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم إنما هي الخوف من الغرر، وعدم الاستلام فإذا زالت العلة زال المعلول وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ، وبشرط ألا يربح فيه البائع بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ربح ما لم يضمن [(10)]، ولحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ[(11)]، وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة فلان بمائة صاع من الشعير فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة وأنا لم أقبض العوض.
الثانية: بيع الدين على من هو في ذمته.
مثاله: أنا أطلب شخصاً مائة صاع بر، فجاء إلي وقال: أنا ليس عندي بر، ولكن أنا أعطيك عن مائة الصاع مائتي ريال؛ فهنا بيع دين بدين ففيه تفصيل:
إن كان باعه بسعر وقته فلا بأس، وإن باعه بأكثر فإنه لا يجوز، والدليل: حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم»، فسألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) ، فاشترط النبي صلّى الله عليه وسلّم شرطين:
الشرط الأول: أن تأخذها بسعر يومها.
الشرط الثاني: ألاّ يتفرقا وبينهما شيء.
ووجه ذلك أنه إذا أخذها بأكثر فقد ربح فيما لم يدخل في ضمانه، مَثَلاً الدينار يساوي عشرة دراهم فقال: أنا آخذ منك بأحد عشر، فهذا لا يجوز؛ لأن الذي أخذ أحد عشر بدل الدينار ربح درهماً فربح في شيء لم يدخل في ضمانه؛ لأن الدنانير في ضمان من هي في ذمته، ولم تدخل عليه إلى الآن، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربح ما لم يضمن، وقلنا فيما سبق: المفهوم لا عموم له، إذ يصدق المفهوم بالمخالفة ولو في صورة واحدة، فإذا أخذها بأقل من سعر يومها، أي: الدينار يساوي عشرة فأخذه الطالب بتسعة فمفهوم الحديث: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها)) أن هذه الصورة لا تجوز، لكنها في الواقع تجوز؛ لأنه لم يربح فيما لم يدخل في ضمانه، بل نزل بعض حقه، فأبرأه من بعض حقه، وإبراؤه من بعض حقه لا بأس به، فصار المفهوم الآن ليس له عموم، وهذه مسألة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها، أن المفهوم لا عموم له، بل يصدق بصورة واحدة مخالفة، والصورة الواحدة المخالفة في المثال إذا أخذها بأكثر، أي: الدينار يساوي عشرة وأخذها بأحد عشر، فهذا لا يجوز؛ لأنه يدخل في ربح ما لم يضمن.
فهمنا العلة في قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها)) ، فما هي العلة في قوله: ((ما لم تتفرقا وبينكما شيء؟)) .
الجواب : العلة ظاهرة أيضاً؛ لأنه سيأخذ عن الدنانير دراهم، وبيع الدنانير بالدراهم لا بد فيها من القبض في مجلس العقد، وحينئذ لو لم يقبض لبطل العقد، كما لو باع دنانير بدراهم ولم يقبض فإنه يبطل العقد، فتبين أن حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ متمشٍ على القواعد العامة في الشريعة، والمعروفة في أبواب الربا.
ويشترط ـ أيضاً ـ ألا يتخذ حيلة على الربا، فإن اتخذ حيلة على الربا فهو حرام، مثل أن يبيع الدين الذي حل بدين أكثر مؤجلاً، فيقول: عندك الآن مائة صاع من البر وقد حل، ولكن ليس عندك، أبيعه عليك بمائة صاع من التمر مؤجلاً، ومائة الصاع من التمر أكثر قيمة من مائة الصاع من البر، فهذا لا يجوز لئلا يتخذ حيلة إلى قلب الدين.
إذاً بيع الدين بالدين: إذا باع ما في ذمة الغير لنفسه وهو مما يشترط فيه التقابض وجب القبض، وإذا كان لا يجب فيه التقابض فلا بأس أن يتأخر القبض لكن بشرط ألاّ تزيد القيمة لتأخر القبض.
مثاله: هذا الرجل في ذمته لفلان مائة ريال فجاء المطلوب وقال: ليس عندي مائة ريال، بل عندي عشرة دنانير، والدينار يساوي عشرة ريالات، قال: أعطني عشرة دنانير عن المائة، فهذا يجوز بشرط التقابض؛ لأنه بيع دراهم بدنانير، أما لو قال: أنا ليس عندي مائة ريال، وليس عندي دنانير لكن عندي بر، والصاع منه يساوي درهماً، فيكون عوض مائة الدرهم مائة صاع، قال: أنا أعطيك مائة صاع عن مائة درهم فوافق فلا يشترط التقابض؛ لأن بيع البر بالدراهم لا يشترط فيه التقابض؛ لعدم اتفاقهما في علة ربا الفضل.
أما لو قال: أنا أقبل البر؛ لكن أعطني عن مائة الدرهم مائة صاع وعشرة أصواع فهذا لا يجوز؛ لأنه ربح في شيء لم يدخل في ضمانه.
أما لو قال: أنت فقير أعطني بدل مائة الدرهم ثمانين صاعاً فهذا يجوز، لأنه يُعتبر إحساناً منه حيث اقتصر على بعض حقه، إذ إن حقه أن يكون مائة صاع، لكنه اختار ثمانين صاعاً، فصار كلام المؤلف ليس على إطلاقه: «لا يصح بيع الدين بالدين»، بل لا بد فيه من التفصيل، وصار حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ[(12)] ميزاناً في هذا الأمر، أي: في بيع الدين على من هو عليه.
أما بيع الدين على غير من هو عليه فلا يجوز إلا على قادر على أخذه، ولكن إذا قلنا: يجوز إذا كان قادراً على أخذه لا بد أن يكون المدين قد أقر بالدين، أما إذا كان منكراً، وجاء إنسان وقال: أنا أريد أن أشتري دين فلان الذي هو لك وهو منكر ولم يقر، ولكن قال: أخاطر فأشتريه وأطالبه عند القاضي، فلا يجوز؛ لأنه مخاطرة، لكن كلامنا فيما إذا باع ديناً في ذمة مقر على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز، لأنه لا دليل على منعه، والأصل حل البيع لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .



[1] سبق تخريجه ص(420).
[2] أخرجه البخاري في البيوع/ باب بيع الدينار بالدينار نساء (2178)، (2179) ومسلم في البيوع/ باب بيع الطعام مثلاً بمثل (1956).
[3] أخرجه مسلم في البيوع/ باب الصرف وبيع الورق نقداً (1584) (82) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
[4] سبق تخريجه ص(207).
[5] سبق تخريجه ص(149).
[6] سبق تخريجه ص(207).
[7] سبق تخريجه ص(397).
[8] القلائص: جمع قلوص وهي الناقة المسنة.
[9] سبق تخريجه ص(410).
[10] سبق تخريجه ص(209).
[11] وهو قوله: «كنا نبيع الإبل...» وقد سبق ص(208).
[12] سبق تخريجه ص(208).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2, ربا

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir