دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الشهادات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 جمادى الآخرة 1431هـ/26-05-2010م, 07:14 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب اليمين في الدعاوى

بابُ اليمينِ في الدعاوَى
لا يُسْتَحْلَفُ في العباداتِ ولا في حُدودِ اللهِ، ويُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ في كلِّ حقٍّ لآدَمِيٍّ إلا النكاحَ والطلاقَ والرَّجْعَةَ والإيلاءَ وأَصْلَ الرِّقِّ والولاءَ والاستيلادَ والنسَبَ والقَوَدَ والقذْفَ. واليمينُ المشروعةُ اليمينُ باللهِ تعالى، ولا تُغَلَّظُ إلا فيما له خَطَرٌ.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 05:42 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 05:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ اليَمِينِ في الدَّعَاوَى
أي: بيانِ ما يُسْتَحْلَفُ فيهِ وما لا يُسْتَحْلَفُ فيه، وهي تَقْطَعُ الخُصُومَةَ حَالاً ولا تُسْقِطُ حقًّا. و (لا يُسْتَحْلَفُ) مُنْكِرٌ (في العباداتِ)؛ كدَعْوَى دَفْعِ زكاةٍ وكَفَّارَةٍ ونَذْرٍ، (ولا في حُدُودِ اللهِ) تعالَى؛ لأنَّها يُسْتَحَبُّ سَتْرُها والتعريضُ للمُقِرِّ بها؛ لِيَرْجِعَ عن إِقرارِهِ.
(ويُسْتَحْلَفُ المُنكِرُ) على صفةِ جوابِه بِطَلَبِ خَصْمِهِ (في كلِّ حقٍّ لآدَمِيٍّ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِن قولِه عليهِ السلامُ: ((وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلى الْمُدَّعَى عليه))، (إلاَّ النِّكَاحَ والطلاقَ والرَّجْعَةَ والإيلاءَ وأصلَ الرِّقِّ)؛ كدَعْوَى رِقِّ لَقِيطٍ، (والوَلاءَ والاستيلادَ) للأَمَةِ، (والنَّسَبَ والقَوَدَ والقَذْفَ)، فلا يُسْتَحْلَفُ مُنْكِرُ شيءٍ مِن ذلكَ؛ لأنَّها لَيْسَتْ مالاً، ولا يُقْصَدُ بها المالُ، ولا يُقْضَى فيها بالنُّكُولِ، ولا يُسْتَحْلَفُ شاهِدٌ أَنْكَرَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ، ولا حاكمٌ أَنْكَرَ الحُكْمَ، ولا وَصِيٌّ على نفيِ دَيْنٍ على مُوصٍ، وإنِ ادَّعَى وَصِيٌّ وَصِيَّةً للفُقَرَاءِ فأَنْكَرَ الوَرَثَةُ، حَلَفُوا، فإنْ نَكَلُوا قَضَى عليهم، ومَن تَوَجَّهَ عليهِ حقٌّ لجماعةٍ حَلَفَ لكلِّ واحدٍ يَمِيناً، إلاَّ أنْ يَرْضَوْا بواحدةٍ. (واليمينُ المشروعةُ) هي (اليمينُ باللهِ) تعالَى، فلو قالَ الحاكِمُ لِمُنْكِرٍ: قُلْ: واللهِ لا حَقَّ له عندِي. كَفَى؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْلَفَ رُكَانَةَ بنَ يَزِيدَ في الطلاقِ فقالَ: واللهِ ما أَرَدْتُ إلاَّ واحدةً. (ولا تُغَلَّظُ) اليمينُ (إلاَّ فيما له خَطَرٌ)؛ كجِنَايَةٍ لا تُوجِبُ قَوَداً، وعِتْقٍ ونِصَابِ زَكاةٍ، فللحاكِمِ تَغْلِيظُها، وإنْ أَبَى الحالِفُ التغليظَ، لم يَكُنْ نَاكِلاً.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 05:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب اليمين في الدعاوي

أو بيان ما يستحلف فيه، وما لا يستحلف فيه([1]) وهي تقطع الخصومة حالا([2]) ولا تسقط حقا([3]) و(لا يستحلف) منكر (في العبادات)([4]) كدعوى دفع زكاة، وكفارة ونذر([5]) (ولا في حدود الله) تعالى، لأنه يستحب سترها([6]) والتعريض للمقر بها، ليرجع عن إقراره([7]).

(ويستحلف المنكر) على صفة جوابه، بطلب خصمه([8]) (في كل حق لآدمي)([9]) لما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام «ولكن اليمين على المدعى عليه»([10]) (إلا النكاح والطلاق، والرجعة([11]) والإيلاء وأصل الرق) كدعوى رق لقيط([12]) (والولاء والاستيلاد) للأمة (والنسب([13]).

والقود والقذف) فلا يستحلف منكر شيء من ذلك([14]) لأنها ليست مالا، ولا يقصد بها المال، ولا يقضي فيها بالنكول([15]) ولا يستحلف شاهد أنكر تحمل الشهادة([16]) ولا حاكم أنكر الحكم([17]) ولا وصي على نفي دين على موص([18]).
وإن ادعى وصي وصية للفقراء، فأنكر الورثة، حلفوا على نفي العلم([19]) فإن نكلوا قضى عليهم([20]) ومن توجه عليه حق لجماعة، حلف لكل واحد يمينا([21]) إلا أن يرضوا بواحدة([22]) (واليمين المشروعة) هي (اليمين بالله) تعالى([23]) فلو قال الحاكم لمنكر قل: والله لا حق له عندي، كفى، لأنه صلى الله عليه وسلم استحلف ركانة بن عبد يزيد في الطلاق، فقال: والله ما أردت

إلا واحدة([24]) (ولا تغلظ) اليمين (إلا فيما له خطر) كجناية لا توجب قودا، وعتق ونصاب زكاة، فللحاكم تغليظها([25]) وإن أبى الحالف التغليظ، لم يكن ناكلا([26]).


([1]) وصفة اليمين، وما يتعلق بذلك، واليمين مشروعة، في حق المنكر للردع والزجر، في كل حق لآدمي في الجملة، لقوله: «واليمين على من أنكر».
([2]) أي: عند التنازع.
([3]) أي تسمع البينة بعدها، وإن رجع حالف وأدى ما عليه، قبل منه، وحل لمدع أخذه.
([4]) لأنه حق لله تعالى أشبه الحد.
([5]) فإذا قال: دفعت زكاتي أو كفارتي، أو نذري لم يلزمه يمين.
([6]) أي ولا يستحلف منكر لحد من حدود الله تعالى، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، كحد زنا أو سرقة، أو شرب أو محاربة، لأنه يستحب سترها، ولأنه لو أقر بها ثم رجع قبل منه، وخلى سبيله بلا يمين، فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى.
([7]) أي ويستحب التعريض للمقر بالحدود، ليرجع عن إقراره، لقوله عليه الصلاة والسلام لماعز: «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟» .
([8]) أي ويستحلف المنكر، إذا توجهت عليه اليمين، في دعوى صحيحة على صفة جواب المنكر، بطلب خصمه، وإن لم يطلب خصمه اليمين، لم يستحلف والاستحلاف لا يكون إلا في مجلس الحاكم.
([9]) إلا ما استثنى مما يأتي وغيره.
([10]) أي المنكر، وتقدم: أنها لما كانت في جانب المدعى عليه، حيث لم يترجح المدعي بشيء، غير الدعوى، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين لقوته بأصل براءة الذمة.
([11]) وبقائها، لاعتبار أن نصاب الشهادة فيها اثنان، ولأن النكاح والطلاق مما لا يحل بذله، فلا يستباح بالنكول.
([12]) أي وإلا الإيلاء، فلا يستخلف، وقيل: إذا أنكر مول مضي أربعة أشهر فإنه يستحلف وأصل الرق كدعوى رق لقيط، فلا يستحلف إذا أنكر لأنه محكوم بحريته وإسلامه، إذا كان في بلد فيها مسلم، يحتمل كونه منه.
([13]) أي وإلا الولاء، فلا يستحلف من ادعى عليه به إذا أنكر، والاستيلاد للأمة فسره القاضي، بأن يدعي استيلاد أمة فتنكره.
وقال الشيخ: بل هي المدعية ولاء النسب ممن هو مجهول نسبه، فلا يستحلف إذا أنكر.
([14]) أي ولا القود في غير قسامة، ولا القذف فلا يستحلف منكر شيء مما تقدم من استثناء النكاح، وما عطف عليه.
([15]) ومن لم يقض عليه بنكول، إذا نكل خلى سبيله، ولم يحكم عليه بالنكول في غير المال، وما يقصد به المال، مما تقدم بيانه، والذي يقضي فيه بالنكول، هو المال أو ما مقصوده المال، هذا المذهب وعنه: هو المال أو ما مقصوده المال، وغير ذلك، إلا قود النفس، وعنه: وطرفها.
([16]) أو شهد وطلب يمينه أنه صادق في شهادته، فلا يحلف، وتقدم تفريقهم واستحلافهم، إذا استراب في شهادتهم.
([17]) أو طلب يمينه أنه حكم بحق، فلا يستحلف عليه، ولا على نفيه أو عدله، أو جوره أو ظلمه، وكل ناكل قيل لا يقضى عليه بالنكول، كاللعان ونحوه، هل يخلى سبيله أو يحبس حتى يقرأو يحلف؟ وجهان، الثاني: يحبس حتى يقرأوا يحلف، هذا المذهب، وقال الشيخ: إذا قلنا يحبس فينبغي جواز ضربه، كما يضرب الممتنع في اختيار إحدى نسائه إذا أسلم، والممتنع من قضاء الدين، وكما يضرب المقر بالمجهول حتى يفسره.
([18]) فلا يستحلف، والشاهد يحلف في صورتين، في مسألة الشهادة بالرضاع على الرواية التي ذهب فيها، إلى قول ابن عباس، والثانية، في شهادة الكافر في الوصية في السفـر، كمـا هو معـروف في نـص القرآن، وقيـل شهادة الأعراب
ينبغي تحليفهم معا، لأنهم يتساهلون في الشهادة، تساهلا مشتهرا بينهم وقيل: إذا ارتاب في الشهود، حلف المدعي معهم.

([19]) لأنه يمين على نفي فعل الغير، قال الشيخ: إذا حلف على نفي فعل غيره، حلف على نفي العلم، وذكر في الإنصاف: أنه لا خلاف فيه، مثاله، أن ينفي ما ادعى عليه، من أنه غصب أو جنى ونحوه، وقال: وإذا حلف على فعل نفسه، أو دعوى عليه، أو على فعل غيره، أو دعوى عليه في الإثبات، حلف على البت، مثاله، أن يدعي أن ذلك الغير أقرض، أو استأجر ونحوه، ويقيم بذلك شاهدا فإنه يحلف مع الشاهد على البت، ومثال الدعوى على الغير، إذا ادعى على شخص أنه ادعي على أبيه ألفا، مثلا.
([20]) بالنكول، لأنها دعوى بمال.
([21]) لأن حق كل واحد منهم غير حق البقية.
([22]) أي: إلا أن يرضى جميعهم بيمين واحدة، فيكتفى بها، لأن الحق لهم، وقد رضوا بإسقاطه فسقط.
([23]) وظاهره: دون صفة من صفاته لقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ} وقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ} فمن أقسم بالله، فقد أقسم بالله جهد اليمين.
([24]) ولأن في الله كفاية فوجب أن يكتفي باسمه في اليمين، وجاء في كتاب الله {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ} {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ} {أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ} ولأن لفظالجلالة: علم على ربنا تبارك وتعالى، لا يسمى به غيره.
([25]) لا فيما دون ذلك، وتغليظها باللفظ: كوالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الطالب الغالب الضار النافع، الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وتغليظها بالزمان: أن يحلف بعد العصر، أو بين الأذان والإقامة.
وتغليظها بالمكان بمكة، بين الركن والباب، وبالقدس: عند الصخرة، وبالمدينة بالروضة، وبقية البلاد عند منبر الجامع، قال ابن رشد: وعليه عمل الخلفاء، وقال الشافعي: ولم يزل عليه العمل بالمدينة ومكة، قال الشيخ: ولا يحلف بطلاق، وفاقا للأئمة الأربعة، وذكره ابن عبد البر إجماعا.
([26]) حكي إجماعا، وقطع به الأصحاب، وفي النكت: لأنه قد بذل الواجب عليه، فيجب الاكتفاء به، ويحرم التعرض له، ونظره لجواز أن يقال: يجب التغليظ إذا رآه الحاكم وطلبه، قال الشيخ: قصة مروان مع زيد، تدل على أن القاضي، إذا رأى التغليظ فامتنع من الإجابة، أدى ما ادعى به، ولو لم يكن كذلك، ما كان في التغليظ زجر قط.
قال في النكت: وهذا الذي قاله صحيح، والزجر والردع علة التغليظ، اهـ، وقيل إن أبي التغليظ لزمه، وإلا لم يكن للتغليظ فائدة، وقال الشيخ: متى قلنا هو مستحب، فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم، يكون ناكلا.

  #5  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 02:26 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى

لاَ يُسْتَحْلَفُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَلاَ فِي حُدُودِ اللهِ، وَيُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي كُلِّ حَقٍّ لآدَمِيٍّ،إِلاَّ النِّكَاحَ، وَالطَّلاَقَ، وَالرَّجْعَةَ، وَالإِيْلاَءَ، وَأَصْلَ الرِّقِّ، وَالْوَلاَءَ، وَالاِسْتِيْلاَدَ، وَالنَّسَبَ، وَالْقَوَدَ، وَالْقَذْفَ،......
قوله: «اليمين» اليمين سبق لنا أنها تأكيد الشيء بذكر معظَّم بلفظ مخصوص، فاليمين، والحلف، والقَسَم، والإيلاء، وما أشبه ذلك كلها معناها واحد وهو تأكيد الشيء بذكر معظَّم بصيغة مخصوصة، هي: والله وما أشبهها.
قوله: «الدعاوى» جمع دعوى، وهي إضافة الإنسان إلى نفسه شيئاً على غيره، عكس الإقرار؛ لأن الإقرار إضافة الإنسان لغيره شيئاً على نفسه، والشهادة إضافة الإنسان شيئاً لغيره على غيره، فالدعوى أن يضيف الإنسان شيئاً لنفسه على غيره، فيقول: لي على فلان كذا وكذا.
والمراد بهذا الباب بيان الدعاوى التي يُحلف فيها، والتي لا يُحلف، والقاعدة العامة أن ما كان من حقوق الآدميين فإنه يحلف فيه، وما كان من حقوق الله فإنه لا يحلف فيه؛ لأن حقوق الآدميين فيها خصم وهو الآدمي، فيحتاج إلى التبرئة إن كان مدعًى عليه وهو ينكر. أو التقوية إن كان مدعي ومعه شاهد فيحتاج إلى التبرئة أو التقوية باليمين، أما إذا كان الحق لغير الآدمي فهذا لا يستحلف فيه ولا نتعرض له؛ لأن هذا الحق بين الإنسان وبين ربه، لكن نأمره، فإذا قال: إنه فعل، أو إنه ترك فلا نستحلفه؛ لأن حق الآدمي يقضى فيه بالنكول، وحق الله لا يقضى فيه بالنكول، فلو قيل للإنسان: احلف أنك أديت زكاتك، فقال: لا أحلف، فلا نقضي عليه، ولا نقول: يجب أن تعطي الزكاة؛ لأن هذا حق الله، والإنسان عبادته بينه وبين ربه، وهذه هي القاعدة العامة: أن ما كان من حقوق الله فلا استحلاف فيه وما كان من حقوق الآدميين ففيه استحلاف. وهناك شيء متردد بين حق الله وحق الآدمي، وهذا فيه خلاف بين العلماء في الغالب.
واليمين في الدعاوى هل هي لفصل الخصومة، أو للبراءة من الحق؟ سبق لنا أنها لفصل الخصومة، وأن المنكر لو حلف ثم أقام المدعي بينة حكم له ببينته، ولم تكن اليمين مزيلة للحق، فهي إذن تقطع الخصومة فقط.
قوله: «لا يستحلف في العبادات» الأصل أن جميع العبادات لا يستحلف فيها، فلو قيل لشخص: أنت ما صليت، قال: صليت، فلا نحلِّفه؛ لأن هذا لحق الله، أو قيل لإنسان: أنت صمت؟ قال: نعم، قلنا: ما صمت، قال: بل صمت، فلا نحلِّفه، وفي الزكاة كذلك، قلنا: أديت الزكاة؟ قال: أديتها، فلا نحلفه، وهل نقول: إلى مَنْ أديت؟ الجواب: لا، لكن إن قال: أديتها إلى فلان، ونحن نعلم أنه غني في ذلك الوقت نقول: ردها منه.
قوله: «ولا في حدود الله» أيضاً ما يحلف الإنسان فيها، والمراد بحدود الله ما يوجب الحد، فلو قيل لشخص: أنت زنيت، فقال: ما زنيت، فلا نقول: احلف؛ لأنه لو لم يحلف لم نحُدَّه؛ لأننا لا نحده حتى يقر، ويبقى على إقراره إلى أن يقام عليه الحد.
إذن كل ما يوجب الحدود لا نستحلفه فيه، وأما ما يوجب التعزير فإن كان حقاً لله فلا يستحلف، وإن كان حقاً لآدمي فربما نستحلفه، حق الله مثل لو قيل له: إنك أنت غازلت امرأة، ومغازلة المرأة توجب التعزير ولا توجب الحد، قال: ما غازلت أبداً، فهذا ما نحلفه، نعم لو ادعت عليه هي أنه فعل ذلك، فربما نحلفه من أجل أنه تعلق به حق آدمي.
قوله: «ويستحلف المنكِر في كل حق لآدمي» من بيع وشراء وإجارة ووقف ورهن وغير ذلك، كل حقوق الآدميين يستحلف فيها المنكر، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»[(264)]، وفي الحديث إشارة إلى أن المراد حقوق الآدميين، لأنه ليس هناك مدعٍ ومدعى عليه إلا في حقوق الآدميين، واستثنى المؤلف فقال:
«إلا النكاح، والطلاق، والرجعة، والإيلاء، وأصل الرق، والولاء، والاستيلاد، والنسب، والقود، والقذف» هذه عشرة استثنوها على خلاف فيها بين أهل العلم، لكن المذهب أنها مستثناة.
أولاً: النكاح: من الذي يدَّعي النكاح؟ المرأة سبق أنها إن ادعت النكاح لمجرد النكاح لم تسمع دعواها أصلاً، وإن ادعته لطلب مهر أو نفقة سمعت دعواها، ولم تقبل إلا ببينة، فإذا ادعت على زوج النكاح؛ لأنها تريد المهر أو النفقة فلا يستحلف الزوج على المذهب، فإن ادعاه هو، قال: أنا زوج هذه المرأة، فقالت هي: لست بزوجتك، فذهبوا للقاضي، فطلب القاضي من المدعي الشهود فلم يأتِ بشهود، فهل يتوجه عليها اليمين؟ الجواب: لا يتوجه اليمين عليها؛ وعلة ذلك أنها لو نكلت لم يقضَ عليها بالنكول؛ لأن النكاح لا بد فيه من شهادة، ولا بد فيه من ولي، فلا يقضى فيه بالنكول، بل نقول: إما أن تأتي أيها الزوج بالشهود، وإلا فانصرف ولا نقبل دعواك.
ثانياً: الطلاق: مَنْ المدعي؟ كلاهما، فهي تريد أن تتخلص منه فتدعي أنه طلقها، أو هو يريد أن يتخلص منها فيدعي أنه طلقها منذ زمن، يريد أن ينفي النفقة، فالذي يدعي الطلاق، نقول له: عليك البينة، فإن لم يأتِ بالبينة فهل يحلف الآخر؟ الجواب: إذا ادعت هي أنه طلق، وقال: ما طلقت، ولم تأتِ ببينة فنقول للزوج: الزوجة زوجتك، وإذا ادعى هو أنه طلقها نقول: ائتِ بالشهود، فإن لم يكن عنده شهود فلا نحلفها أنه لم يطلقها؛ لأن الأصل بقاء النكاح.
ثالثاً: الرجعة: من مدعي الرجعة؟ يمكن أن يكون الزوج، ويمكن أن تكون الزوجة، فالزوج يدعي عليها أنه راجعها وهي تنكر، فهنا نقول: إما أن يقبل قوله، أو لا يقبل، لكن إذا لم يقبل فلا يمين، سواء كان هو المدعي أو هي المدعية.
رابعاً: الإيلاء: وهو أن يحلف الزوج على ترك وطء امرأته، فنقول: هذا الرجل آلى مني، اضربوا له مدة وهي أربعة أشهر فهي المدعية، فإذا قال: ما آليت، فلا نحلفه، لكن إذا لم يقم بالحق الواجب عليه فله حكم آخر، ويمكن أن يكون هو المدعي، لكن نقول: إذا قال: هو مولٍ، فهو ليس بمدعٍ بل مقرٌّ؛ لأن الحق له.
خامساً: أصل الرق: كإنسان التقط لقيطاً، وهو الطفل المنبوذ الذي لا يعرف نسبه، وقال: هذا مملوك لي، فادعى أصل الرق؛ لأن الأصل أن اللقيط حر، والآن هو يريد أن يثبت أنه رقيق، نقول: ما يمكن، الأصل الحرية، فإذا ادعى على هذا الشخص أنه رقيقه، وقال: أنا لست رقيقاً له، أنا ما زلت أعرف نفسي أني لقيط، فهو حر، ولا يحلف.
أما لو كان عبداً مملوكاً قد ثبت رقه، وادعى شخص أنه ملكه، وأنكر سيد العبد، فحينئذٍ يحلف المنكر ويكون العبد له؛ لأن النزاع هنا ليس في أصل الرق، فالرق هنا ثابت، لكن الخلاف في المالك من هو؟ هل هو هذا أو هذا؟.
سادساً: الولاء: أي: أصل الولاء؛ لأن الولاء متفرع عن الرق، فإذا ادعى شخص على إنسان معروف أنه حر، لم يملكه أحد، فقال: هذا ولاؤه لي، قيل: من أين جاءك؟ قال: لأن جدي معتق جده، فقال المدعى عليه: أبداً أنا حر، ولا لأحد علي ولاء، وليس هناك بينة، فلا يحلف.
سابعاً: الاستيلاد: يعني دعوى أن أمة السيد ولدت منه، فمن المدعي السيد أو الأمة؟ شيخ الإسلام يقول: هي المدعية، والقاضي أبو يعلى يقول: هو المدعي، والحقيقة أن الادعاء يكون منه ومنها، فهي المدعية؛ لأنها تريد أن تكون أم ولد فتعتق بعد موت سيدها، ولا يبيعها ـ أيضاً ـ على المشهور من المذهب، فإذا ادعت أن سيدها أولدها، فقال: ما أولدتُها، فهنا لا يحَلَّف السيد؛ لأن الأصل عدم الإيلاد، ولأن هذا فيه شائبة حق الله؛ لأن الحرية والرق فيهما شائبة حق لله، وقد يكون هو المدعي، فيدعي ذلك من أجل أن تعتق بعد موته ولا تباع في دَيْنه؛ لأنه إذا مات تعتق من رأس المال، لا من الثلث، فيقول: هكذا لتعتق، ولا تباع في دَيْنه، أو من أجل ألا يسلط عليها الغرماء فيبيعوها في حياته؛ لأن أمهات الأولاد لا يجوز بيعهن، فصار الادعاء قد يكون منه وقد يكون منها.
ثامناً: النسب: شخص نسبه مجهول، أمسكه آخر وقال: أنت ولدي، فقال: لست بولدك، فلا يحلف؛ لأن النسب فيه شائبة حق كبيرة لله عزّ وجل، ويقال لمن ادعى أنه ولده: هاتِ البينة على أنه ولدك، وإلا فلا شيء لك. والسبب في عدم تحليف المنكر أنه لا يقضى على المنكر بالنكول ويعللون بهذا في جميع المسائل.
تاسعاً: القود: وهو القصاص، يعني ادعى على شخص بقصاص قال: هذا لي عنده قصاص، مثلاً قطع يدي إن كان في القصاص فيما دون النفس، أو قتل أبي إن كان القصاص في النفس، وقال: أبداً ما علي قصاص، فهنا لا يُحلَّف أنه لا قصاص عليه، ولكن يبقى النظر هل يحلف على نفي الدية؟ هذا ينبني على الخلاف في الواجب بقتل العمد، هل هو القود عيناً أو القود والدية؟ إذا قلنا: القود والدية يحلف؛ لأنها حق مالي.
عاشراً: القذف: يعني ادعى شخص على آخر أنه قذفه، رماه بالزنا أو اللواط، فقال: ما قذفته، فالمدعي إن أتى ببينة حكم له بها، وإذا لم يأتِ ببينة، فلا نقول للقاذف: احلف.
وعلى كل حال هذه المسائل غالبها خلافية؛ لأن من أهل العلم من يقول بعموم حديث: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»[(265)]، وهذا المنكر إن كان صادقاً لم يضره اليمين، وإذا امتنع من اليمين كان ذلك قرينة على أن المدعي صادق، فحينئذٍ نرد اليمين على المدعي فإذا حلف حكم له.

وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ الْيَمِينُ بِاللهِ. وَلاَ تُغَلَّظُ إِلاَّ فِيْمَا لَهُ خَطَرٌ.
قوله: «واليمين المشروعة اليمين بالله» هذه هي اليمين المشروعة، وما عدا ذلك فليس بمشروع، ولا يعد الممتنع منه ناكلاً، فأنواع الأيمان: اليمين بالله، اليمين بالنذر، اليمين بالتحريم، اليمين بالطلاق، كل هذه تكون يميناً.
اليمين بالنذر: مثلاً يقول: إن فعلت هذا فللَّه عليَّ نذر أن أصوم سنة، واليمين بالطلاق: إن فعلت كذا فزوجتي طالق، واليمين بالتحريم: إن فعلت كذا فزوجتي حرام، اليمين بالله: والله لا أفعل كذا، فاليمين المشروعة هي اليمين بالله عزّ وجل، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت»[(266)]، فهذه هي اليمين المشروعة لدى الحالف والمحلِّف.
فالمحلِّف كالقاضي ـ مثلاً ـ لا يجوز له أن يحلِّف بالطلاق، أو بالتحريم، أو ما أشبه ذلك؛ لأن اليمين المشروعة هي اليمين بالله، يوجد ـ والعياذ بالله ـ بعض الحكام أو بعض الأمراء، يحلفون الإنسان بالطلاق ولا يرضون أن يحلف بالله، يقولون: إذا قلنا: احلف بالله حلف، ولا يبالي، وإذا قلنا: احلف بالطلاق يقول: إن كان كذا وكذا فزوجتي طالق، فيخاف من طلاق زوجته، وهذا لا ننكر أن يكون واقعاً، وربما بعض الناس يهون عليه الحلف بالله، ولا يهون عليه اليمين بالطلاق، لكن مع ذلك لا يجوز للقاضي أن يحلِّف بالطلاق لا في الخصومات ولا غيرها لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» [(267)]. فاليمين المشروعة هي اليمين بالله عزّ وجل.
قوله: «ولا تغلظ إلا فيما له خطر» لا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر، يعني فيما له شأن كبير، فالشيء البسيط لا يجوز أن تغلظ فيه، والذي يطلب التغليظ القاضي أو المدعي، فإذا طلب المدعي التغليظ ورأى القاضي أن الأمر خطير فله أن يغلظ، مثلاً ادعى عليه بمليون ريال، وهذا له خطر كبير، ولو ادعى عليه بعشرة ريالات فليس لها خطر، أو تداعى زيد وعمرو عند القاضي في نعل يساوي خمسة ريالات، فقال المدعى عليه: ليس عندي ولا رأيته، فقال القاضي للمدعي: هل لك بينة؟ قال: ما لي بينة، قال: إذن لك يمينه قال: لكن غلظ عليه اليمين، فلا يجيبه إلى طلبه؛ لأن هذا شيء يسير، فإذا قال المدعي: هو شيء يسير عليك، لكن أنا ليس يسيراً علي، نقول: العبرة بأوساط الناس فالذي له خطر يعني المال الكثير، فالقصاص، والسرقة، وما أشبه ذلك،هذا الذي له خطر، أما الشيء اليسير فلا تغليظ فيه.
وقال بعض أهل العلم: حيث رأى القاضي التغليظ غلظ، وحيث لم يرَ التغليظ لم يغلظ، يعني أن المسألة ترجع إلى اجتهاد القاضي، فقد يرى التغليظ؛ لأن هذا المنكر رجل مبطل لا يهمه أن يقول: والله ليس له علي شيء، لكن لو غلظنا عليه ربما لا يحلف ويتراجع، وربما يرى القاضي عدم التغليظ؛ لأن المنكِر رجل صدوق، لا يمكن أن يقول: ليس عندي شيء حتى وإن لم يحلف إلا وهو صادق، والصحيح أن هذا يرجع إلى اجتهاد الحاكم، فإن رأى التغليظ غلظ وإلا فلا.
والتغليظ يكون بالصيغة، والزمان، والمكان، والهيئة على القول الراجح.
بالزمان بعد العصر، وقيل: بين الأذان والإقامة، لكن الصحيح أنه بعد العصر لقوله تعالى: {{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ}} [المائدة: 106] ، أي: بعد صلاة العصر.
والتغليظ في المكان: في المسجد الحرام قالوا: بين الركن والمقام، وفي بيت المقدس، قالوا: عند الصخرة، وفي بقية المساجد عند المنبر؛ لأنه المكان الذي يعلن فيه الذكر والدعوة إلى الله، ولكن شيخ الإسلام يقول في بيت المقدس: إنه كغيره يكون عند المنبر، وأن الصخرة ليس لها حرمة في حد ذاتها، وأن أصل تعظيمها من النصارى؛ لأن الذي احتله أساء فيه، فلما انتصر عليه الآخر ذهب يعظم هذه الصخرة، ويزيل عنها الأذى والقمامة التي كانت عليها؛ فمن أجل ذلك عظمت، وإلا فلا أصل لتعظيمها إطلاقاً، وعلى هذا فيكون التغليظ في المكان في بيت المقدس كغيره من المساجد عند المنبر.
والتغليظ في الصيغة أن يقول مثلاً: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، الغالب الطالب، وما أشبه ذلك من الكلمات التي فيها زجر ووعيد.
والتغليظ في الهيئة: أن يكون قائماً لا جالساً فتغلظ اليمين في الأشياء التي فيها خطر، والصحيح أن التغليظ راجع إلى الإمام. وإذا أراد القاضي تغليظ اليمين على الحالف فأبى المنكر اليمين المغلظه فهل يقضى عليه بالنكول؟
المذهب لا يقضى عليه بالنكول وقالوا إذا أبى التغليظ فليس بناكل، والقول الثاني: يعد ناكلاً؛ لأن امتناعه عن التغليظ يدل على أن هناك ريبة، فامتناعه يكون قرينة على أنه كاذب في إنكاره وهذا القول أقوى.




[264] سبق تخريجه ص(318).
[265] سبق تخريجه ص(318).
[266] سبق تخريجه ص(121).
[267] سبق تخريجه ص(121).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اليمين, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir