سورة النساء
قوله عز وجل: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة}... (4: 29).
فيه سؤالان: أحدهما: لم قال: إلا أن تكون تجارة؟ فإن أسباب الحل أعم من التجارة، فلم اقتصر عليها؟ مع أن الكسب بالصنائع والزراعة وغير ذلك أكثر، لأن الصناع أكثر من التجار. والعادة في الاستعمال الاهتمام بالأكثر دون الأندر.
والثاني: ما فائدة قوله: «بينكم» ولو لم يأت لكان النهي أعم.
والجواب عن الأول: أن الغالب على العرب التجارة دون غيرها، فخصها بالذكر لغلبتها.
وعن الثاني: أن المراد هنا ليس كل الأسباب الباطلة الموجبة للأكل، بل أسباب المعاوضة كما بينا في الجواب عن السؤال الأول. فيصير معنى الآية: لا تأكلوا أموالكم بالمعاوضات الدائرة بينكم بالباطل. فحذف «المعاوضات» وصفتها، ولم يبق ما يدل عليها إلا «بينكم» لأنه متعلق الصفة. فلو حذفت «بينكم»، لكان حذفًا للصفة والموصوف بغير دليل وهو غير جائز.
[فوائد في مشكل القرآن: 110]
قوله عز وجل: {ما أصابك من حسنة فمن الله}... (4: 79).
وقوله عز وجل: {وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل 16: 53).
مشكل، لأن «ما» هذه متضمنة معنى الشرط، وقد رتب على هذا الشرط صدورها من الله، مع أن هذا الشرط – الذي هو اتصافنا بنعمة – إنما هو مرتب على الصدور عن الله، فكيف يجعل المرتب عليه مرتبًا؟
والجواب: أنه قد أخبر أنها صادرة منه بالجواب: فأخبركم أنها مني. لا يقال: قد أخبرنا بذلك قبل كثير من النعم المتأخرة عن زمن نزول القرآن، فلزم تأخير الشرط عن المشروط، لأنا نقول: صدر لنا في كل زمان بعد كل نعمة خبر تقديري لا تحقيقي أو حكم. أو نقول. فاعلموا أنها من الله، لأن خبر الصادق يفيد العلم.
قوله عز وجل: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (4: 83).
فيه إشكال: لأن هذا الكلام يدل على أنه لو عدم فضل
[فوائد في مشكل القرآن: 111]
الله ورحمته، لكان قليل من الناس على الطريقة، وليس كذلك، إذ لا يستقيم أحد على الطريقة إلا بفضل الله ورحمته.
والجواب: أن المراد بفضل الله ورحمته: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعنى الكلام: ولولا إرسال محمد لكان الناس كلهم كفرة إلا قليلاً، يعني من كان على الطريقة، كورقة بن نوفل وأبي ذر الغفاري وقس بن ساعدة. وهذا ظاهر. وقيل: الاستثناء من قوله: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}. فيكون الاستثناء من الموصول.
قوله عز وجل: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله}... (4: 108).
كيف ذمهم على عدم الاستخفاء منه، وهو لا يدخل تحت القدرة؟
والجواب: أنه ضمن «يستخفون» معنى: يستحيون، وهو مقدور.
[فوائد في مشكل القرآن: 112]