اكتب رسالة تفسيرية في:
1: قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد, فهذ رسالة تفسيرية بالأسلوب الاستنتاجي, لما تضمنته هذه الآية من الفوائد العظيمة, إذ فيها الحث على التفكر في خلق الله تعالى, وإعمال العقل في ذلك, والمداومة على ذكره, وشكره, وفيها الرد على أهل الباطل من الملاحدة الذين ينكرون الخالق سبحانه وتعالى, ومعنى الآية: أنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب، الذّاكرين اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، يعني بذلك: قيامًا في صلاتهم وقعودًا في تشهّدهم وفي غير صلاتهم وعلى جنوبهم نيامًا.
فمن فوائد هذه الآيات:
- الحث على التفكر في خلق الله تعالى. (لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).
- أن في التفكر في خلق السموات والأرض, يستدل به على وجود الخالق. (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
- أن الإيمان بوجود الخالق دليل على الفطرة السليمة, والعقول المستقيمة. (لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).
- أن في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما, وفي سعة السموات والأرض دليل على قدرة الله تعالى, وعظيم سلطانه, وأن ما في هذا الكون من حركة أو سكون لا يكون إلا بأمره سبحانه. (إِنَّفِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ).
- أن في هذه الآيات رد على الملاحدة الذين ينكرون وجود خالق لهذا الكون. (إِنَّفِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).
- ينبغي على العبد أن يعلق قلبه بالله تعالى, فهو الخالق لهذا الكون وهو المتصرف فيه.
- إذا علمت أن الله تعالى هو الخالق لهذا الكون وكل ما فيه تحت تصرفه؛ أورث ذلك اطمئنان القلب وسكون الجوارح.
- أبهم قوله: {آيات} ولم يقل: "على المطلب الفلاني" إشارة لكثرتها وعمومها.
- خص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.
- أن التفكر في في خلق السموات والأرض؛ يورث ثبات عقيدة التوحيد في القلب, ونبذ الشرك. (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
- أن من صفات أصحاب العقول السليمة أنهم يذكرون الله تعالى في كل أحيانهم, وعلى جميع أحوالهم. (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ).
- مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون في الله فقال: تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق، فإنكم لا تقدرون قدره.
- أن أصحاب العقول حينما يتفكروا في خلق السموات والأرض يوقنون أنها لم تخلق عبثا, أو باطلا, ولكن لحكم جليلة. (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا).
- ينبغي على العبد مداومة دعاء الله تعالى أن يقيه عذاب النار. (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
- أن ذكر الله تعالى يشمل جميع أنواع الذكر سواء باللسان, أو بالقلب, أو بالتفكر. (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ).
- أن سؤال المؤمنين أن يقيهم الله تعالى النار يتضمن سؤالهم الجنة. (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
- {إن في خلق السماوات} جملة مستأنفة سيقت لتقرير ما سبق من اختصاصه تعالى بالسلطان القاهر والقدرة التامة صدرت بكلمة التأكيد اعتناء بتحقيق مضمونها أي في إنشائها على ما هي عليه في ذواتها وصفاتها من الأمور التي يحار في فهم أجلاها العقول.
- أن حقيقة الموحد لله تعالى يذكرون الله في جميع أحوالهم.
- قوله عزّ وجلّ: {ربّنا ما خلقت هذا باطلا}معناه: يقولون {ربّنا ما خلقت هذا باطلا}أي: خلقته دليلا عليك، وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك. لأن الأنبياء تأتي بما يعجز عنه المخلوقون، فهو كالسماوات والأرض في الدليل على توحيد اللّه.
- ينبغي على العبد أن ينزه الله تعالى عن النقائص, فهو سبحانه الكامل كمالا مطلقا من كل وجه. (سُبْحَانَكَ).
وقد نقل ابن كثير بعض كلام السلف في التفكر أنقله لفائدته فقال:
- قال الشّيخ أبو سليمان الدّارانيّ: إنّي لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيءٍ إلّا رأيت للّه علي فيه نعمة، أو لي فيه عبرة. رواه ابن أبي الدّنيا في كتاب "التّفكّر والاعتبار".
- وعن الحسن البصريّ أنّه قال: تفكّر ساعة خيرٌ من قيام ليلةٍ. وقال الفضيل: قال الحسن: الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيّئاتك.
- وقال سفيان بن عيينة: الفكرة نورٌ يدخل قلبك. وربّما تمثّل بهذا البيت:
إذا المرء كانت له فكرةٌ = ففي كلّ شيءٍ له عبرة
- وعن عيسى، عليه السّلام، أنّه قال: طوبى لمن كان قيله تذكّرًا، وصمته تفكّرًا، ونظره عبرًا.
- وقال لقمان الحكيم: إنّ طول الوحدة ألهم للفكرة، وطول الفكرة دليلٌ على طرق باب الجنّة.
- وقال وهب بن منبّه: ما طالت فكرة امرئ قطّ إلّا فهم، وما فهم امرؤٌ قطّ إلّا علم، وما علم امرؤٌ قطّ إلا عمل.
- وقال عمر بن عبد العزيز: الكلام بذكر اللّه، عزّ وجلّ، حسن، والفكرة في نعم اللّه أفضل العبادة.
- وقال مغيثٌ الأسود: زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار ومقامعها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه، قد ذهب عقله.
- وقال عبد اللّه بن المبارك: مرّ رجلٌ براهبٍ عند مقبرة ومزبلة، فناداه فقال: يا راهب، إنّ عندك كنزين من كنوز الدّنيا لك فيهما معتبر، كنز الرّجال وكنز الأموال.
- وعن ابن عمر: أنّه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه، يأتي الخربة فيقف على بابها، فينادي بصوتٍ حزينٍ فيقول: أين أهلك؟ ثمّ يرجع إلى نفسه فيقول: {كلّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه}.
- وعن ابن عبّاسٍ أنّه قال: ركعتان مقتصدتان في تفكّر، خيرٌ من قيام ليلةٍ والقلب ساهٍ.
- وقال الحسن: يا ابن آدم، كل في ثلث بطنك، واشرب في ثلثه، ودع ثلثه الآخر تتنفّس للفكرة.
- وقال بعض الحكماء: من نظر إلى الدّنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة.
- وقال بشر بن الحارث الحافي: لو تفكّر النّاس في عظمة اللّه تعالى لما عصوه.
- وقال الحسن، عن عامر بن عبد قيسٍ قال: سمعت غير واحدٍ ولا اثنين ولا ثلاثةً من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقولون: إنّ ضياء الإيمان، أو نور الإيمان، التّفكّر.
والله أعلم
المراجع:
- تفسير الزجاج.
- تفسير ابن جرير.
- تفسير ابن عطية.
- تفسير ابن كثير.
- تفسير أبي السعود.
- تفسير ابن عاشور.
- تفسير السعدي.