مجلس مذاكرة القسم الثالث عشر من تفسير سورة النساء (من الآية 163 إلى آخر السورة)
المجموعة الثانية:
س1. بين الفوائد السلوكية من الآيات التاليات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (175)}، مع بيان وجه الاستدلال.
من الفوائد السلوكية في الآيات:
1 - إذا علمت أن الله تعالى قد جاءنا بالحجج والبراهين على الحق, أورث ذلك اتباع الحق, والتأمل في هذه الحجج والبراهين, والآيات. (قد جاءكم برهان من ربكم).
2 - وإذا علمت أن هذه البراهين والآيات من الله عز وجل, أورث ذلك حمده وشكره على ما أنعم به من إنارة الطريق بهذه الحجج والبراهين. (من ربكم).
3 - إذا علمت أن القرآن نورا منزل من الله عز وجل, أورث ذلك العمل به والاقتداء بما فيه من أوامر, والانتهاء عما نهى عنه. (وأنزلنا إليكم نورا مبينا).
4 - أن أحقق الإيمان بالله تعالى ففي ذلك الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة.
5 - أن ألجأ واعتصم بالله تعالى في كل أموري, وأن اعتمد عليه سبحانه وأتبرأ من حولي وقوتي وأستعين بالله تعالى. (واعتصموا به).
6 - أن أعمل بمقتضى ما يدخلني في رحمة الله تعالى وفضله, مما يزيد في الحسنات, ويبعد عن السيئات. (فسيدخلهم في رحمة منه وفضل).
7 - أن أعلم أن الهداية بيد الله تعالى, فأعمل جاهدا على سلوك الطريق الموصلة لهداية الله عز وجل, بمعرفة الحق والعمل به. (ويهديهم إليه صراطا مستقيما).
س2. بيّن اللطائف البيانية للحمل على اللفظ والحمل على المعنى في قول الله تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }
من اللطائف البيانية للحمل على اللفظ والحمل على المعنى في الآية:
1- قوله تعالى: (ورسلا) حمل على المعنى, وهو دال على كثرة الرسل الذين بعثهم الله تعالى إلى عباده؛ لكي يفردوه بالعبادة, ويقيموا عليهم الحجة.
قال ابن جرير: فعُطفت"الرسل" على معنى الأسماء قبلها في الإعراب، لانقطاعها عنها دون ألفاظها، إذ لم يعد عليها ما خفضها، كما قال الشاعر:
لَوْ جِئْتَ بِالْخُبْزِ لَهُ مُنَشَّرَا ... وَالْبَيْضَ مَطْبُوخًا مَعًا والسُّكَّرَا ... لَمْ يُرْضِهِ ذلِكَ حَتَّى يَسْكَرَا
قال ابن عطية: نُصِبَ "رُسُلًا"؛ عَلى المَعْنى؛ لِأنَّ المَعْنى: "إنّا أرْسَلْناكَ كَما أرْسَلْنا نُوحًا".
2- قوله تعالى: (قصصناهم, نقصصهم) حمل على المعنى, إذ لو كان على اللفظ لقال: (قصصتهم, أقصصهم), ولكن الله تعالى يخاطب بــ (نا) العظمة, فهو سبحانه مستحق لأن يعظم نفسه, فهو الذي له العظمة المطلقة سبحانه وتعالى.
3- قوله تعالى: (وكلم الله موسى تكليما) حمل على اللفظ, وفيه إثبات صفة الكلام لله تعالى, وأنه كلام حقيقة, وأكد سبحانه الكلام بالمصدر المنافي للمجاز, وفيه الرد على أهل البدع الذين ينفون عن الله تعالى صفة الكلام.
قال أبو حيان: هَذا إخْبارٌ بِأنَّ اللَّهَ شَرَّفَ مُوسى بِكَلامِهِ، وأكَّدَ بِالمَصْدَرِ دَلالَةً عَلى وُقُوعِ الفِعْلِ عَلى حَقِيقَتِهِ لا عَلى مَجازِهِ.
س3: من خلال دراستك لتفسير قول الله تعالى: {أنزله بعلمه}، كيف ترد على قول المعتزلة في وصف الله عز وجل: (عالم بلا علم)- تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا-؟
إن من منهج المعتزلة إثبات الأسماء, ونفي الصفات عن الله عز وجل, فيقولون: عالم بلا علم, سميع بلا سمع, بصير بلا بصر… وهكذا, فهم ينفون الصفات عن الله عز وجل, فجاءت هذه الآية لتهدم مذهبهم الباطل في نفي الصفات, وإثبات صفة العلم لله تعالى, وهو مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء الحسنى والصفات العليا لله تعالى على الوجه اللائق به, من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل .
قال ابن عطية: وقوله تعالى: أنزله بعلمه هذه الآية من أقوى متعلقات أهل السنة في إثبات علم الله تعالى خلافا للمعتزلة في أنهم يقولون: عالم بلا علم، والمعنى عند أهل السنة: أنزله وهو يعلم إنزاله ونزوله، ومذهب المعتزلة في هذه الآية أنه أنزله مقترنا بعلمه، أي فيه علمه من غيوب وأوامر ونحو ذلك، فالعلم عبارة عن المعلومات التي في القرآن، كما هو في قول الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، معناه: من علم الله الذي بث في عباده.
قال ابن جزي: في هذا دليل لأهل السنة على إثبات علم الله، خلافاً للمعتزلة في قولهم إنه عالم بلا علم، وقد تأوّلوا الآية بتأويل بعيد.
قال ابن عثيمين: أن إنزال الله للقرآن كان بعلمه، فلا يتطرق إليه أي خلل؛ لأن الله يعلم متى نزل وبماذا نزل وكيف نزل وعلى من نزل، لا يمكن أن يتطرق اختلاف أو ادعاء نقص أو ادعاء زيادة، لا يمكن؛ لأن الله أنزله بأيش؟ بعلمه، أي أن إنزاله مقرون بعلم الله، من ادعى أن فيه زيادة أو نقصًا فقد رمى الله بالجهل؛ لأن الله أنزله بعلمه، وكذلك نزل القرآن بما يعلم سبحانه وتعالى أنه مصلح للخلق.
والله أعلم