دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الدعوة بالقرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 شعبان 1444هـ/6-03-2023م, 05:44 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي رسالة في تفسير قول الله تعالى:{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} } ...الآية

رسالة في تفسير قول الله تعالى:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [ سورة البقرة : 214 ]


الشهادات العالية والمناصب الرفيعة تتطلب اختبارات صعبة، في مراحل متتابعة، وربما دون توقف؛ هكذا رأينا في الأمور الدنيوية، فكيف بمراتب الدين والاصطفاء فيه !
جميعنا يطمع أن يكون من أهل الجنة؛ فهل نظن أننا سنفوز بالجنة دون المرور بابتلاءات واختبارات؟!
وعد الله عز وجل بأن يغفر الذنوب جميعًا إلا أن يشرك به، فقال سبحانه:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}[النساء: 48]
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "«يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار»، ثم يقول الله تعالى: «‌أخرجوا ‌من ‌النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» … الحديث". رواه البخاري.
فهل اتكلنا على يقيننا بهذه الأخبار، أن نكون من أهل الجنة، مهما طال إسرافنا وتفريطنا في أمر الله عز وجل؟
أو هل نظن أن الثبات على الدين حتى الممات يمكن أن يفوز به المرء دون ابتلاءات واختبارات؟
فكيف بنا ونحن نطمع أن ننال المراتب العليا في الدين في الدنيا قبل الآخرة؟!
كيف بنا ونحن نطمع أن نكون ممن أحبهم الله عز وجل فذكرهم عنده؟!
وكيف بنا ونحن نطمع أن نكون من أوليائه الذين يدافع عنهم؟!
كيف بنا ونحن نطمع أن نكون من أهل الفردوس الأعلى من الجنة برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا؟!
كيف نظن أن مثل هذه المكانة العالية يمكن أن تُنال دون المرور على اختبارات صعبة، في مراحل متتابعة، وربما دون توقف ؟!

سنة الله ولن تجد لسنته تبديلا، أن يبتلي عباده.
قال الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة: 214]
وفي هذه الآية جواب لما سبق من أسئلة وبيان لهدى الله عز وجل الذي ينبغي أن نتبعه مع كل ابتلاء، لعل الله يُفرِغُ على كل مبتلى صبرًا وثباتًا ويرزقه هدى وسدادًا ويخلفه عزًا ونصرًا.
وأسأل الله التوفيق والسداد لبيانها في هذه الرسالة في تفسير هذه الآية فما كان فيها من صواب فمن الله عز وجل، وما كان فيها من خطإ فمني ومن الشيطان.

قال الله عز وجل: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة}
{أم} حرف يفيد معنيين:
الأول: الإضراب الانتقالي فهي هنا بمعنى (بل)، وسنبين معناه لاحقًا بإذن الله.
الثاني: الاستفهام.
فيكون المعنى على الإجمال: " بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة دون أن تصابوا بمثل ما أصاب من كان من قبلكم من الأمم ؟"
أما الإضراب الانتقالي فمعناه: الانتقال في الكلام من غرض إلى غرض، مع عدم إبطال الغرض الأول بل تقريره.
فما هو الغرض الذي انتقلت منه الآيات؟
قال الله عز وجل قبل هذه الآية التي نحن بصدد دراستها:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة: 213]
ومعنى هذه الآية أن الناس كانوا أمة واحدة على الإسلام، فلما اختلفوا وكفروا، بعث الله النبيين وأنزل معهم الكتب بالحق، ليحكموا بما أنزل الله إليهم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وهذا على أحد القولين في تفسير الآية، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم، وقتادة والسدي، واختاره ابن جرير الطبري وابن كثير.
وبين بعضهم خلاف في تعيين الوقت الذي كان فيه الناس أمة واحدة مجتمعين على الإسلام قبل أن يختلفوا، لكن الاتفاق على أنهم حين اختلفوا أرسل الله إليهم الرسل وأنزل الكتب، ليبين لهم الحق، وهو مقصود الآية هنا.
ثم بين الله عز وجل أن اختلافهم بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب كان بسبب البغي بينهم، والبغي هو التعدي بالباطل.
قال تعالى: {وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم}
فوصف ما جاءهم من الرسل وما أنزل إليهم من الكتب بالبينات، ومعناها الأدلة الواضحة التي تقيم عليهم الحجة، لكنهم بسبب بغيهم كفروا بها !
وأما الذين آمنوا فزادهم الله هدى وثباتا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ففي هذه الآية بيان:
1. سنة الله عز وجل بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لتكون حجة على الناس.
2. أن الناس ينقسمون أمام هذه البينات إلى فريق مؤمن وفريق كافر.
3. أن الفريق الكافر لا حجة له في كفره، وإنما البغي والظلم والتعدي بالباطل.
4. أن الرسل يحكمون بين الناس بما أوحى الله إليهم وما أنزل إليهم من الكتب.
5. أن الله يزيد الذين آمنوا هدى ويثبتهم عليه؛ فيهديهم للحق مما اختلف فيه الناس {بإذنه} فهو العليم بهم.
6. إذا كان من سنة الله أن ينقسم الناس أمام البينات إلى مؤمن وكافر، وإذا كان سبيل الكفار البغي والتعدي بالباطل على المؤمنين فلابد إذا من حصول الجهاد؛ ولا يقتصر معنى الجهاد على جهاد السلاح، بل معناه أوسع من ذلك على ما سنبينه بإذن الله.
7. مما سبق عُلم أنه لابد من ابتلاء المؤمنين؛ فيتبين بذلك من يثبت على إيمانه ومن يكفر، فيكون جزاء المؤمنين زيادة الهدى في الدنيا، كما قال تعالى: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وهذا الصراط المستقيم هو الموصل إلى الجنة.
لهذا كان مناسبا أن ينتقل الكلام من غرض تقرير سنة الله في خلقه بإرسال الرسل وإنزال الكتب وانقسام الناس أمام البينات إلى مؤمن وكافر، إلى بيان سنته بابتلاء عباده ليتبين من يثبت على الحق ومن كان إيمانه مجرد ادعاء فيكفر مع حصول الابتلاء وبهذا يتبين من يستحق الجنة ومن يستحق النار.
قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}
أي بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم صفة الذين خلوا من قبلكم، أي بمثل ما ابتلوا به؟
والغرض من هذا الاستفهام هو التقرير، أي لنقر بهذه الحقيقة، وهي ظننا أنه يمكننا أن نصل إلى الجنة دون المرور بهذه الابتلاءات، فجاءت هذه الآية لتنكر علينا هذا الظن وتبين لنا صفة الابتلاء الذي مر به من قبلنا، والمتوقع مرورنا به؛ فنتهيأ له.
ودل على توقع حصول مثل هذا البلاء لنا قوله تعالى: {ولمَّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}
فإن نفي الفعل بالأداة {لمَّا} يفيد نفيه في الزمان الماضي إلى زمان التكلم، لكن يتوقع حصوله في المستقبل.
فما هي صفة الابتلاءات التي حصلت للأمم من قبلنا؟
قال الله عز وجل: {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}
المسُّ يطلق على كل ما ينال الإنسان من أذى، كما قال الراغب الأصفهاني في المفردات.
والبأساء اسمٌ لكل بؤس والضراء اسم لكل ضر، كما قرره ابن جرير في تفسيره.
فيدخل في معنى البأساء شدة الفقر والجوع ويدخل فيها أيضًا معنى الحرب والمشقة، ويدخل في الضراء معنى المرض والبلاء عموما.
- قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: "«بِالْبَأْساءِ» هى ‌البأس ‌من ‌الخوف ‌والشر والبؤس.
«وَالضَّرَّاءِ» من الضرّ"
. اهـ
- قال ابن قتيبة في غريب القرآن: " {مَسَّتْهُمُ ‌الْبَأْسَاءُ} الشدّة، {وَالضَّرَّاءُ} البلاء"
. اهـ
- قال الراغب في المفردات: "البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْسَاءُ: الشدة والمكروه، إلا أنّ البؤس في الفقر والحرب أكثر، والبأس والبأساء في النكاية". اهـ
وبهذه المعاني جاء التفسير عن الصحابة رضوان الله عليهم:
روي عن ابن مسعود: "البأساء الفقر، والضراء السقم". رواه الحاكم في مستدركه من طريق أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق شريك عن السدي عن مرة عن عبد الله بن مسعود أنه قال:"البأساء الفقر"، ومن طريق أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود أنه قال: "الضراء السقم".
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه: "الضراء السقم"، رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

والتعبير باسم الجنس الدال على العموم يفيد تنوع ما أصابهم من أنواع البأس والبؤس والضر، ثم عطف على ذلك فعل: {وزُلزِلوا} أي خُوفوا وأرهبوا، كما قال ابن قتيبة في غريب القرآن.
وجائز أن يكون هذا الخوف بسبب أي نوع أصابهم من البأساء والضراء.
روي عن ابن عباس رضي الله عنه: " {وزلزلوا}: "وزلزلوا بالفتن وأذى النّاس إيّاهم"، رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به.
ولفظ الزلزلة يفيد تكرر حدوث الفعل.
قال الزجاج في معاني القرآن: "و {زلزلوا} معنى {زلزلوا} - خوّفوا وحركوا بما يؤذي،.
وأصل الزلزلة في اللغة: من زل الشيء عن مكانه فإذا قلت زلزلة فتأويله كررت زلزلته من مكانه، وكل ما فيه ترجع كررت فيه فاء التفعيل، تقول أقلَّ فلان الشيء إذا رفعه من مكانه فإذا كرر رفعه ورده قيل قلقله، وكذا صلَّ، وصلصل وصرَّ وصرصر، فعلى هذا قياس هذا الباب.
فالمعنى أنه يكرر عليهم التحريك بالخوف".
أهـ
فإذا كان حال الأمم من قبلنا أن أصابتهم أنواع البأساء والضراء، ثم لم يقف الأمر عند ذلك حتى "زُلزلوا" بأن أصابهم الخوف والرهبة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تكرر عليهم.
فاشتد عليهم البلاء من عدة نواح؛ بتنوعه واجتماعه عليهم وشدته، وتكرره، حتى وصل بهم الحال وفيهم رسولهم والمؤمنون الذين تحقق فيهم وصف الإيمان أن يسألوا الله عز وجل دعاء المتعجل لنصره لا الشاك فيه: {متى نصر الله}.
وهذا السؤال كما أن فيه دليل على شدة ما أصابهم، لكن فيه أيضًا دليل على يقينهم بالله عز وجل، لأنهم إنما عرفوا النصر بإضافته إلى الله -عز وجل-؛ فلا ينتظرون النصر من غيره !
والفعل {يقول} ورد فيه قراءتان:
الأولى: قراءة الرفع: {حتى يقولُ} وهي قراءة الإمام نافع؛ فمعنى الآية أنه إخبار عن أمم سابقة، اشتدَّ بهم البلاء حتى قال رسولهم والذين آمنوا معه متى نصر الله، وهذا الإخبار يفيدنا أن علينا التأسي بهم.
الثانية: قراة النصب، {حتى يقولَ}، وهي قراءة الجمهور.
ونصب الفعل بـ (حتى) أفاد معنيين:
الأول:
تطاول أمد البلاء وتكرره مع كل أمة وكل رسول، وفي هذا دليل على أن من سنن الله في عباده أن يبتليهم ليميز الصادق من الكاذب، والخبيث من الطيب.
كما قال سبحانه:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران: 142]
وقال:
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)} [سورة آل عمران: 179] وقال: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [سورة التوبة: 16]
وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [سورة العنكبوت: 2-3]
وقال: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [سورة محمد: 31]

الثاني: الدلالة على غاية البلاء، أي يستمر البلاء إلى أن يقول الرسول والذين آمنوا معه {متى نصر الله}
وهذا الأمر حصل لمن خوطبوا بهذه الآية مباشرة، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، ففي هذه الآية إخبار من الله عز وجل أنه سيصيبهم ما أصاب الأمم من قبلهم، وسيصل بهم الحال إلى أن يقول الرسول والذين آمنوا معه، متى نصر الله !
وقد جاء في السيرة أكثر من مشهد بهذا المعنى؛ ومن ذلك ما روي في غزوة بدر:
قال عبد الله بن عباس: حدثني عمر بن الخطاب، قال: "لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»، فما زال يهتف بربه، مادا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك ‌مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة". رواه مسلم في صحيحه.
وفي غزوة الخندق اجتمع المشركون على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقض يهود بني قريظة داخل المدينة العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحفر المسلمون الخندق، ليمنعوا المشركين من غزو المدينة، فحاصرهم المشركون حتى اشتد عليهم الحصار فأصابتهم البأساء والضراء وزلزلوا كما جاءت آية سورة البقرة.
وكما وصفهم الله عز وجل في سورة الأحزاب:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاركهم حفر الخندق ويثبتهم ويسلي عنهم كما جاء في الحديث عن البراء رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التراب بياض بطنه، وهو يقول: «لولا أنت ما ‌اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا». رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري.
وأمام هذا الابتلاء الشديد ظهر المؤمنون الصادقون والمنافقون الكاذبون، وزاد على المسلمين بلاء جديد وهو إرجاف المنافقين لهم وإضعافهم ومن هذا ما جاء في قول الله عز وجل: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)}
فكانت النتيجة أن ازداد المؤمنون إيمانا وتسليما وثباتًا، وازداد المنافقون خوفًا ورهبة، حتى بعد منة الله عز وجل على المؤمنين بالنصر، كما جاء وصفه في سورة الأحزاب.
وفي هذا المعنى يقول الزجاج في معاني القرآن:" وقوله: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلّا قليلا (20)}
أي : يحسبون الأحزاب بعد انهزامهم، وذهابهم، لم يذهبوا لجبنهم وخوفهم منهم.
{وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب}:أي: إذا جاءت الجنود والأحزاب ودّوا أنهم في البادية.
[...]
وقوله تعالى:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
فوصف اللّه حال المنافقين في حرب الكافرين، وحال المؤمنين في حرب الكافرين.
فوصف المنافقين بالفشل، والجبن، والروغان، والمسارعة إلى الفتنة، والزيادة في الكفر، ووصف المؤمنين بالثبوت عند الخوف في الإيمان، فقال:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانا وتسليما (22)}
والوعد: أن اللّه قال لهم: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريب (214)}
فكذلك لمّا ابتلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , وزلزلوا زلزالا شديدا , علموا أن الجنّة والنصر قد وجبا لهم).
اهـ

ثم ختم الله عز وجل الآية بقوله: {ألا إنّ نصر الله قريب}
وعدٌ من الله عز وجل، بقرب النصر، والله لا يخلف الميعاد. وقد جاء هذا الوعد مفتتحا بـ {ألا} التي تفيد التنبيه والتأكيد، ومؤكدًا كذلك بـ {إنّ} وجاء في جملة اسمية: {نصر الله قريب} دلالة على تحققه وثبوته، ألا يكفي وعد الله لتثبت القلوب؟!
بلى يكفي كل مؤمن بالله -عز وجل- ليصبر ويصطبر ويواصل مجاهدته موقنًا بوعد الله عز وجل، وقد وعد الله عز وجل المؤمنين الصابرين الموقنين بوعده بالإمامة في الدين
كما قال تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [سورة السجدة: 24]
وحكى الله عز وجل عن يوسف عليه السلام، لما مكّن الله له في الأرض، وأرى إخوته هذا التمكين له ولأخيه.
قال الله عز وجل: {قالوا أإنّكَ لأنتَ يوسف قال أنا يوسُفُ وهذا أخي قد منَّ الله علينا إنّه من يتق ويصبر فإنَّ الله لا يضيعُ أجر المحسنين} [سورة يوسف: 90]

وهكذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صبروا على الأذى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهدوا، وتحملوا ضيق العيش، وتظاهر المشركين عليهم، حتى نصرهم الله ومكن لهم في جزيرة العرب، وأكملوا المسير بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ينتقلون من بلاء لبلاء ومن محنة لمحنة كل يجتهد أن يصيب أمر الله عز وجل، فمصيب ومخطئ، ومن أخطأ منهم وعلم بخطئه بادر بإصلاحه.
يعلمون أنهم سائرون إلى الله عز وجل، وأن هذه الدنيا ليست إلا دار اختبار؛ فنشروا الدين في بقاع الأرض وصبروا على ما لاقوه من أذى وملكوا الدنيا فكانت بأيديهم ولم تتمكن من قلوبهم، بل كانوا أكثر الناس نفقة في سبيل الله وزهدًا في الدنيا.
قال الشيخ عبد العزيز بن داخل المطيري في سير أعلام المفسرين: ((
كانت عائشة رضي الله عنها على مرتبة عالية من الزهد والورع، ولم يغيّرها ما فتح لها من الرزق الكثير في زمن الخلفاء الراشدين وما بعده؛ فكانت ربما تصدّقت بما يأتيها من مالٍ، وبقيت على حالها ترقَع قميصها وتأكل مما يتيسّر لها من يسير الطعام.
- قال وكيع بن الجراح: حدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: «كانت عائشة تقسم سبعين ألفاً، وهي تَرْقَع دِرْعَها ». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة قال: (رأيتُها تصدَّق بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها). رواه ابن سعد.
ورواه أبو داوود في الزهد من طريق أبي أمامة عن الأعمش بنحوه، وزاد: (لترقع جانب درعها أو تنكّسه).
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا هشام بن عروة، عن محمد بن المنكدر، عن أمّ ذرة قالت: بعث ابنُ الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين يكون مائة ألف فدعت بطبق، وهي يومئذ صائمة؛ فجعلت تقسم في الناس.
قال: فلما أمست قالت: (يا جارية! هاتي فطري).
فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين! أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟!!
فقالت: (لا تعنفيني، لو كنتِ أذكرتِني لفعلت). رواه ابن سعد.)). اهـ

وإجمالا دلت الآيتان على:
1. سنة الله أن لا يترك الخلق دون بيان الحق لهم، بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لتقوم عليهم الحجة، كما قال الله عز وجل: {وما كنا مُعذبين حتى نبعثَ رسولا} [سورة الإسراء: 15]
2. كل من ادعى الإيمان، لابد أن يبتلى ليتبين صدقه من كذبه فلا يدخل الجنة أحد إلا بعد ابتلائه لهذا استحق أن يكون من المصطفين، حتى وإن كان من أهل المعاصي، كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)} [فاطر: 32-33]

فإن قيل إن أهل المعاصي يبدو عليهم الترف، والغرق في الملذات، ثم هم يدخلون الجنة بما معهم من أصل الإيمان !
قلت: بأن هذه الآية دلت على أن سنة الابتلاء عامة لا يستثنى منها أحد، غير أن المرء لا يزال يبتلى؛ فإما أن تعلو درجاته في الدين، حتى يصل إلى درجة الصديقين، وإما أن لا يثبت ولا يصبر على ما يلقاه من أذى بل يستعجل حصول الملذات أو دفع الأذى بارتكاب المحرمات والتفريط في أمر الله، أو التسخط على قدره، هروبا مما يلقاه من البأساء والضراء والخوف الشديد، فينزل بهذا في دينه درجات ودرجات، حتى يبتلى في أصل إيمانه فيصيبه ما وصف الله عز وجل من الشدائد والزلزلة حتى يثبت على دينه أو لا يصبر فيترك دينه بكليته، والعياذ بالله.
وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيّ قلب أُشربها نُكتَ فيه نكتة سوداء، وأي قلب أَنكرَها نكتَ فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادّا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أُشرب من هواه». رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده.
قال الشيخ عبد العزيز بن داخل المطيري في أعمال القلوب: ((والأربد والمربادّ في اللغة هو الأسود الذي خالط سواده بياض أو غُبرة فكلاهما أربد، ولعل الثاني أقرب لمعنى الحديث. والمجخّي: المنكوس)). اهـ
وفي الحديث عن سبرة بن أبي فاكة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان ‌قعد ‌لابن ‌آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول؟! فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟! فعصاه فجاهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة. ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة. وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة ". رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عقيل عبد الله بن عقيل قال: حدثنا موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به، وصححه الألباني.
فمن اتبع هدى الله عز وجل فيما أصابه من البلاء، فاتقى الله عز وجل وصبر، أثابه الله من النعيم المعجّل في الدنيا؛ زيادة في الطاعات، وهدى وسدادًا في الفتن وثباتًا على الحق، وطمأنينة في القلب، ثم هو موعود بالنصر، {ألا إنَّ نصر الله قريبٌ}.
و
نحن نرى من نحسبهم من الراسخين في الدين تصيبهم الابتلاءات الشديدة التي تهز الجبال، لكنهم ثابتون، كأنما مرَّ بهم البلاء كرياح عابرة، بينما يصاب بعض أهل المعاصي بمرض يسير أو يحرمون من بعض الرفاهيات فتتزلزل قلوبهم لهذا الفقد، والألم.
ويبتلى المرء على قدر دينه، فالأنبياء هم أشد الناس بلاء وهم في أعلى الدرجات، كما في الحديث عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت : يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا ، قال : أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ، قلت :ذلك أن لك أجرين ، قال : أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".رواه البخاري ومسلم.

فإذا علمنا دلالة الآيات على أنه لابد من الابتلاء للوصول للجنة في الدار الآخرة، ولابد من الابتلاء لدخول جنة الدنيا بالتمكين في الأرض ونيل العز والشرف بنصرة هذا الدين، والتمسك به، فما هي دلالة الآيات على هدى الله عز وجل الذي ينبغي اتباعه في الابتلاء؟
1. بدء الآية بـ {أم} التي تفيد الإضراب الانتقالي من الآية التي فيها بيان سنة الله عز وجل بإرسال الرسل وإنزال الكتب للحكم بين الناس، يدلنا على أن المرجع عند الابتلاء هو كتاب الله عز وجل، وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، لعل الله يهدينا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه ويثبتنا على الصراط المستقيم.
ولا يوجد بلاء يمر بالعبد إلا وفي كتاب الله وسنة نبيه هدى يرشده ونورًا يضيء له ظلمته؛ فإذا جهله العبد فعليه أن يسأل أهل الذكر، كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7]
2. معرفة طبيعة الحياة الدنيا، أنها دار ابتلاء؛ فكل الأمم الذين سبقونا تعرضوا لمثل هذه الابتلاءات، وكذلك من سيأتون بعدنا، كما قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم}، وتقبّل هذه الحقيقة يعين المرء على الصبر؛ فيمنع نفسه من التسخط على ابتلائه بالقول أو الفعل، فالتسخط سيزيد ابتلاءه ولن ينفعه في شيء.
3. توجيه النظر للغايات والتعلق بها، فقد قال الله عز وجل: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا}
فإذا كان ما يصيب المرء من الابتلاءات يؤذيه، فمعرفته أن الغاية من ابتلائه ظهور ثباته ليفوز بالجنة، وأنها دار النعيم الأبدي، الذي لا حزن فيه ولا نصب، فيتعلق قلبه بالجنة، فيهون عليه ما يؤذيه في الدنيا، ويزداد صبره.
ومعرفة العبد بعاقبة التعجل بالخلاص من ابتلائه بارتكاب ما حرم الله عز وجل، ستزيد بلاءه ولن تخلصه منه كما يزين له الشيطان، كما حصل للمنافقين في غزوة الأحزاب.
4. التأسي بالصابرين الثابتين الموقنين بالله عز وجل، وتقوية القلب بقراءة سيرهم، فإن من علِم عظيم بلائهم وصبرهم بل وإقدامهم على امتثال أمر الله رغم عظم مصابهم، صبر وعلم أن ما أصابه هينٌ أمام ما أصابهم.
5. معرفة أن الواجب أمام كل ابتلاء هو الصبر والثبات ثم الجهاد بحسب طبيعة البلاء.
ففي الآية بيان أنواع شتى من البلاء، من البأس والبؤس والضر وما يصيب المرء بالخوف والرهبة، ولفظ الآية يفيد أن البلاء تمادى بالأمم السابقة زمنا طويلا، وتكررت عليهم صوره حتى وصلوا لمرحلة استعجال النصر بقولهم: {متى نصر الله}، وما كان منهم قبل هذه اللحظة إلا صبر وثبات ومجاهدة.
وفي الحديث عن خباب بن الأرت، قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ‌ألا ‌تستنصر ‌لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون». رواه البخاري.
وهذا المشهد كان في مكة قبل الهجرة وقد لاقى الصحابة أذى شديدا من المشركين، والمتأمل لرد النبي صلى الله عليه وسلم على خباب رضي الله عنه، يجد عجبا.
فتفصيل رد النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة محاور:
1. وصف رسول الله عذاب الأمم من قبلهم في سبيل الله.
2. بشّره بالنصر بل بالتمكين في الأرض.
3. ثم قال له: "ولكنّكم تستعجلون" !
ولهجة الرد شديدة، وإن كان في طياتها البشرى، ولكن كُنا ننتظر المواساة فحسب.
فربما يرد في خاطر أحدنا أن المرء في مثل حال خباب بن الأرت رضي الله عنه بحاجة إلى جرعة طمأنينة، فماذا لو لبَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبته ودعا له، راحة له ؟!
أوليس رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في سره وعلانيته بالنصر، فلماذا فصّل جوابه لخباب رضي الله عنه على هذا النحو؟
لقد بشّره بالفعل بل وعده بالتمكين في الأرض وأن تصل دعوة الإسلام إلى خارج حدود مكة، لكنه ذكره بثبات الأمم من قبلهم، وأخبره بمرض يصيب الإنسان بالوهن، ويضر بثباتهم، وهو العجلة.
"ولكنّكم تستعجلون"!
كأنما أراد صلى الله عليه وسلم أن يقول لخباب رضي الله عنه:
ليس واجب الوقت أن يمكّن لك في الأرض، ولكن واجب الوقت أن تثبت حتى وإن قُتلت وأنت على هذه الحال !
ثباتك هو انتصارك، لأنه ثبات هذه الدعوة في وجه أعدائها !
ولا تستعجل مهما طال بك زمان البلاء، فأول طريق هزيمتك أن تستعجل قطف الثمار !
6. اليقين أن النصر من الله عز وجل، كما جاء في دعاء الرسول والمؤمنين: {متى نصر الله}
فهم لم ينتظروا إلا النصر من الله عز وجل، وتعلقت قلوبهم به وحده، وانصراف القلب عن هذا المعنى والبحث عن ناصر له من دون الله عز وجل، بداية الخذلان!
كما قال الله عز وجل: {
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)} [آل عمران: 160]
7. خُتمت الآية بوعد الله عز وجل: {ألا إن نصر الله قريب}
وفي هذا بشرى بأن عاقبة المؤمنين خير، وأن تمكينهم قريب بإذن الله وحده، لكن في نفس الوقت لم تأتِ الآية بمعنى أن النصر واقعٌ حالا، وقت دعوة الرسول والذين آمنوا معه، ومن آمن بأن الله هو العزيز الذي لا يغلبه شيء، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه، علم أن لهذا البلاء حكمة، وأن له وقتٌ وينتهي.
كما قال الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [سورة الطلاق: 3]
فيستسلم العبد لمراد الله عز وجل فيه مع عدم تفريطه في أسباب دفع البلاء عنه.
وهو يعمل بالأسباب لدفع البلاء عنه لأن الله أمره بذلك، لكن أن تنفع هذه الأسباب أو لا تنفع فهذا أمر الله عز وجل، فقلبه معلّق بالله عز وجل، مستسلم لأمره فيه.
وأسباب دفع البلاء تختلف باختلاف البلاء:
- فمجاهدة الفقر بالاجتهاد في طلب الرزق، والصبر عليه؛ فيحبس نفسه عن السخط، وعن طلب الرزق بما حرم الله عز وجل.
- ومجاهدة المرض بطلب الدواء والصبر على الألم.
- ومجاهدة العدو بحسب نوعه وطبيعة ما يحارب به وما يستطيعه المؤمن من أسباب الجهاد:
-- فمن الجهاد جهاد بالكلمة بتعلم الدين ونشره والصبر على الأذى والمعوقات في تحصيل ذلك.
-- ومجاهدة العدو المحارب بمحاربته على التفصيل المذكور في أحكام الجهاد.
- ومجاهدة الفتن المختلفة بالاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والثبات عليهما.
ولهذا جاءت الآيات بعد قول الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}
بالأمر بالنفقة، والجهاد، وبيان فضلهما وإن شقا على المرء فعلهما، ثم بيان عدد من الأحكام الأخرى التي جاءت بها سورة البقرة، مثل التمهيد لتحريم الخمر، وتحريم نكاح المشركات وأحكام الإيلاء والطلاق وغيرها.
فقال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} … الآيات.
وكل هذه الأحكام تحتاج إلى صبر ومجاهدة واستحضار دائمٍ لحقيقة الحياة الدنيا؛ أنها دار ابتلاء، وأن الثبات على الهدى في هذه الابتلاءات مطلوب للفوز بنصر الله عز وجل في الدنيا والجنة في الآخرة.
فاللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعًا وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابًا، اللهم اهدنا وسددنا.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين.



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ربيع الثاني 1445هـ/7-11-2023م, 01:37 AM
صفاء الكنيدري صفاء الكنيدري غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 728
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة الرسالة في بيان معنى الآية الكريمة:
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }

في هذه الآية الكريمة بيان أن دخول الجنة لن يُنال بالدعاوى الباطلة والهمم الواهية، بل لا بد من سنة الابتلاء بعد إقامة الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ليميز الله الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب، مع بيان أن عاقبة هذا البلاء حُسنى لمن صبر واصطبر وجاهد في الله حق جهاده.

{أم حسبتم} أفاد حرف (أم) في هذه الآية معنيين:
-الأول: بمعنى (بل) وهي هنا بمعنى الإضراب الانتقالي.
-والثاني: بمعنى الاستفهام.
-فيكون المعنى: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة دون أن تُصابوا بمثل ما أصاب من كان قبلكم من الأمم!
-ومعنى الإضراب الانتقالي: الانتقال في الكلام من غرض إلى غرض مع عدم إبطال الغرض الأول بل تقريره.
فكان الغرض الذي انتقلت منه الآيات الانتقال من غرض تقرير سنة الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب وانقسام الناس إلى مؤمن وكافر، إلى بيان سنته بابتلاء عباده ليتبين حقيقة الصادق من غيره.

-والتناسب بين هذه الآية والتي قبلها ظاهر:
فبما أن الحجة قد قامت عليكم بإرسال الرسل وإنزال الكتب فلا بد من التمحيص والابتلاء ليُظهر الله حقيقة ما في القلوب من الصدق والكذب وهذا هو محض الابتلاء فمن يصبر ويثبت!
-والغرض من الاستفهام في قوله: {أم حسبتم} التقرير؛ أي: لنقر بهذه الحقيقة، حقيقة الابتلاء المتوقع حصوله، لنتهيأ له.
والذي دل على حصول البلاء قوله تعالى: {ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} فإن نفي الفعل بالأداة (لمّا) يفيد نفيه في الزمان الماضي إلى زمان التكلم، لكن يتوقع حصوله في المستقبل.

-ثم بين الله تعالى صفة الابتلاءات للأمم السابقة بقوله:{مستهم البأساء والضراء وزلزلوا}
-فالمس: يطلق على كل ما ينال الإنسان من أذى.
-والبأساء: اسم لكل بؤس.
-والضر: اسم لكل ضر.
فيدخل في معنى البأساء شدة الفقر والجوع، ويدخل أيضاً معنى الحرب والمشقة، ويدخل في الضراء معنى المرض والبلاء عموماً.
-والتعبير باسم الجنس الدال على العموم يُفيد تنوع ما أصابهم من أنواع البأس والبؤس والضر.
ثم عطف على ذلك فعل: (وزلزلوا) أي: خوفوا وأرهبوا كما قال قتيبة في غريب القرآن.
وجائز أن يكون الخوف بسبب أي نوع أصابهم من البأساء والضراء.
وروي عن ابن عباس: "وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم"
-ولفظ الزلزلة يُفيد تكرر حدوث الفعل
قال الزجاج: معنى (وزلزلوا) أي: خوفوا وحركوا بما يؤذي.
وأصل الزلزلة في اللغة: من زل الشيء عن مكانه، فإذا قلت: زلزلة. فتأويله: كررت زلزلته من مكانه، والمعنى: أن يكرر عليهم التحريك والتخويف.

-فلما اشتد البلاء عليهم وتوالت الكُرُبات جاء السؤال{متى نصر الله} وهذا السؤال والطلب كما أنه يشعر بشدة البلاء فإنه مع ذلك دل دلالة واضحة على قوة يقينهم بأن نصر الله آت لا محالة؛ بدليل أنهم طلبوا النصر من الله لا من غيره!

والفعل يقول ورد فيه قراءتان:
الأولى: قراءة الرفع، {حتى يقولُ} وهي قراءة نافع والمعنى أنه إخبار عن أمم سابقة، اشتد بهم البلاء حتى قال رسولهم والذين آمنوا معه متى نصر الله، ويفيد هذا الإخبار أن علينا التأسي بهم.
والثانية: قراءة النصب، {حتى يقولَ} وهي قراءة الجمهور.
-ونصب الفعل بـ (حتى) أفاد معنيين:
الأول: تطاول أمد البلاء وتكرره مع كل أمة وكل رسول، وفيه دليل على سنة الابتلاء ليتبين الصادق من الكاذب.
والثاني: الدلالة على غاية البلاء، أي يستمر إلى أن يقول الرسول والذين آمنوا معه (متى نصر الله)

-ثم ختم الآية بقوله تعالى:{ألا إن نصر الله قريب} وعدٌ من الله والله لا يُخلف الميعاد.
وقد جاء النصر مفتتحاً بـ {ألا} التي تفيد التنبيه والتأكيد، ومؤكداً كذلك بـ {إن} وجاء في جملة اسمية {نصر الله قريب} دلالة على تحقيقه وثبوته، ألا يكفي وعد الله لتثبت القلوب؟! بلى-وربي- إنه لكافٍ.

-فدلت الآيتان على:
1- سنة الله أن لا يترك الخلق دون بيان الحق لهم، بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لتقوم عليهم الحجة، كما قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
2-كل من ادعى الإيمان لا بد أن يُبتلى ليتبين حقيقة صدقه من كذبه فلا يدخل الجنة أحد إلا بعد ابتلائه.

-وسنة الابتلاء جاءت عامة لا يستثنى منها أحد، فمن اتبع هدى الله تعالى فيما أصابه من البلاء واتقى الله وصبر أثابه الله من النعيم المعجل في الدنيا زيادة في الطاعات وهدى وسداداً في الفتن وثباتاً على الحق وطمأنينة في القلب ثم هو موعود بالنصر {ألا إن نصر الله قريب}

وأسباب دفع البلاء تختلف باختلاف البلاء:
-فمجاهدة الفقر بطلب الرزق والصبر عليه.
-ومجاهدة المرض بطلب الدواء مع الصبر على الألم.
-ومجاهدة العدو بحسب نوعه وطبيعة ما يحارب به:
-فمن ذلك الجهاد بالكلمة بتعلم الدين ونشره والصبر على الأذى فيه.
-ومجاهدة العدو المحارب بمحاربته على التفصيل المذكور في أحكام الجهاد.
-ومجاهدة الفتن المختلفة بالاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والثبات عليهما.

دلالة الآية على هدى الله عز وجل الذي ينبغي اتباعه في الابتلاء:
1-بيان أن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هي المرجع عند كل بلاء.
2-معرفة حقيقة الدنيا وأنها دار بلاء من أكبر ما يعين على الصبر وحبس النفس عن التسخط.
3-توجيه النظر للغايات والتعلق بها، فمن عرف أن غاية البلاء الثبات والفوز بالجنة هان عليه ما يلقى في سبيل ذلك.
4-التأسي بالصابرين الثابتين الموقنين بالله تعالى.
5-معرفة أن الواجب أمام كل بلاء الصبر والثبات ثم الجهاد بحسب طبيعة البلاء.
6-اليقين بالله تعالى وتعلق القلب به وحده.
7-البشارة بأن نصر الله قريب وأنه آت لا محالة.

أفكار الرسالة تدور على أربعة محاور:
-الأول: الابتلاء.
-والثاني: الصبر.
-والثالث: الثبات.
-والرابع: الفرج وتحقق النصر.

فالابتلاء سنة من سنن الله تعالى قد سنها لحكمة بالغة ليختبر فيها قلوب عباده الصادقين ويمحص ما في صدورهم، وسنن الابتلاء متنوعة وأشدها ما كان في دين المرء وإيمانه فمن عرف حقيقة هذا الأمر هيأ نفسه لتوقع حصوله واستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

والصبر هو رأس الإيمان ودلالة الفوز والفلاح فمن صبر ظفر والله يحب الصابرين فمن عرف حقيقة الدنيا وأنها دار بلاء واختبار أعد العدة وشد الهمة وتزود بزاد التقوى لعلمه أن عاقبة صبره حُسنى وأن ما ينتظره في دار النعيم خيرٌ وأبقى.

وأما الثبات فهو سر النجاح وعلامة الفوز والنجاة ومن تأمل سير الصالحين وشدة خوفهم من هذا الأمر العظيم سعى سعيا حثيثا لطلب أسبابه ونأى كل العبد عن أسباب خسرانه وسأل ربه العون في إصلاح شأنه وحاله وامتلأ قلبه افتقارا وذلا لربه أن يعينه ويثبته على صراطه المستقيم حتى يلقاه وهو راض عنه.
والثبات هو أحد صور النصر؛ فمن مات ثابتا على الحق فقد انتصر إذ لم يهزمه أعداءه بتحقيق غايتهم فيه، ثم هو موعود بالجنة.

الفرج وتحقق النصر وانتظار الفرج عبادة عظيمة تبعث في النفس التفاؤل وتريح النفس من التفكير في مجريات الأمور فيمتلأ القلب تفويضا وتوكلا على الله عز وجل الذي بيده مفاتيح الفرج (ألا إن نصر الله قريب) (فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا) ولن يغلب عسر يسرين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir