مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة النساء (من الآية 58 إلى الآية 73)
المجموعة الثانية:
س1. استخرج ثلاث فوائد بيانية من تفسير قول الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)}
1 - الاستفهام في الآية مستخدم للتهويل, أي: كيف صنيعُهم في وقت إصابة المصيبة إياهم؟.
2 - حرف الجر الباء في (بما) للسببية, أي: فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك.
3- وفي قوله: (إن أردنا إلا), (إن) جاءت للنفي, و(إلا) أداة حصر, فهؤلاء القوم نفوا عن أنفسهم أنهم ما فعلوا ما فعلوا من الذهاب إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم للتحاكم, إلا بغية الإحسان والتوفيق, أي: المداراة والمصانعة، لا اعتقادًا منّا صحّة تلك الحكومة.
س2. بيّن مقاصد قول الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65)}
من مقاصد الآية:
1 - إظهار خصال أهل النفاق بنفي الإيمان عمن يعرض عن التحاكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
2 - أن من خصال أهل الإيمان اطمئنان النفس لحكم النبي صلى الله عليه وسلم, والرضا به, والتسليم له.
3 - تأكيد نفي الإيمان بالقسم يؤكد على وجوب التحاكم إلى الكتاب والسنة.
س3. حرر الخلاف في تعيين المخاطب في قول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}
اختلف أهل العلم في المخاطب في الآية على أقوال:
الأول: ولاة أمور المسلمين. وهو قول علي بن أبي طالب, وزيد بن أسلم, وشهر بن حوشب. وذكره ابن عطية.
- قول علي بن أبي طالب أخرجه سعيد بن منصور في سننه, وابن جرير في تفسيره, قال عليّ رضي اللّه عنه: كلماتٌ أصاب فيهنّ حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه، وأن يؤدّي الأمانة، وإذا فعل ذلك فحقٌّ على النّاس أن يسمعوا وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا.
- وقول زيد بن أسلم أخرجه ابن جرير في تفسيره, وابن أبي حاتم في تفسيره, وابن المنذر في تفسيره عن زيد بن أسلم، قال: نزلت هذه الآية: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} في ولاة الأمر.
- وقول شهر بن حوشب أخرجه ابن جرير في تفسيره, وابن أبي حاتم في تفسيره عن شهرٍ، قال: نزلت في الأمراء خاصّةً {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل}.
الثاني: أنه أمر للسلطان أن يعظوا النساء. وهو قول ابن عباس. وذكره ابن عطية, وابن كثير.
- قول ابن عباس أخرجه ابن جرير في تفسيره, وابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: يعني: السّلطان يعظون النساء.
الثالث: النبي صلى الله عليه وسلم في رد مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة. وهو قول ابن جريج. وذكره ابن عطية, وابن كثير.
- قول ابن جريج أخرجه ابن جرير في تفسيره, وابن المنذر في تفسيره عن عبد الملك ابن جُرَيْج في قوله: ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾، قال: نزلت في عثمان بن طلحة، قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاحَ الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمانَ، فدفع إليه المفتاح.
- وذكر ابن كثير رواية ابن مردويه -في أن المراد هو عثمان بن أبي طلحة- من طريق الكلبيّ، عن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ في قوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} قال: لمّا فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة دعا عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة، فلمّا أتاه قال: "أرني المفتاح". فأتاه به، فلمّا بسط يده إليه قام العبّاس فقال: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي، اجمعه لي مع السّقاية. فكفّ عثمان يده فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "أرني المفتاح يا عثمان". فبسط يده يعطيه، فقال العبّاس مثل كلمته الأولى، فكفّ عثمان يده. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "يا عثمان، إن كنت تؤمن باللّه واليوم الآخر فهاتني المفتاح". فقال: هاك بأمانة اللّه. قال: فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ففتح باب الكعبة، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداحٌ يستقسم بها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما للمشركين قاتلهم اللّه. وما شأن إبراهيم وشأن القداح". ثم دعا بحفنة فيها ماءٌ فأخذ ماءً فغمسه فيه، ثمّ غمس به تلك التّماثيل، وأخرج مقام إبراهيم، وكان في الكعبة فألزقه في حائط الكعبة ثمّ قال: "يا أيّها النّاس، هذه القبلة". قال: ثمّ خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت شوطًا أو شوطين ثمّ نزل عليه جبريل، فيما ذكر لنا بردّ المفتاح، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} حتّى فرغ من الآية.
الدراسة:
اختلف أهل العلم في تعيين المخاطب من الآية فمنهم من قال: أن المخاطب هو ولاة أمر المسلمين, ورجح ابن جرير هذا القول مستندا إلى سياق الآية فقال: وأولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك عندي قول من قال: هو خطابٌ من اللّه إلى ولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولّوا في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم بالعدل بينهم في القضيّة. والقسم بينهم بالسّويّة، يدلّ على ذلك ما وعظ به الرّعيّة في: {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم} فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرّعيّة، وأوصى الرّعيّة بالطّاعة.
ومنهم من قال: أن المراد أمر السلاطين بوعظ النساء, ومنهم من قال: أن المخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرعثمان بن أبي طلحة في مفتاح الكعبة, واستندوا إلى سبب نزول الآية.
ورجح ابن عطية أن المراد بالآية العموم وإن كان للآية سبب نزول فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, فقال: والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس، ومع أن سببها ما ذكرناه تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات وعدل الحكومات وغيره، وتتناولهم ومن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه، والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات لله تعالى.
ورجح ابن كثير العموم أيضا فقال: وهذا من المشهورات أنّ هذه الآية نزلت في ذلك، وسواءٌ كانت نزلت في ذلك أو لا فحكمها عامٌّ؛ ولهذا قال ابن عبّاسٍ ومحمّد بن الحنفيّة: هي للبرّ والفاجر، أي: هي أمرٌ لكلّ أحدٍ.
س4. اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لتفسير قول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)} مع بيان وجه الدلالة عليها من الآيات.
1- أن أسارع إلى عمل الخير, فالبطء في عمل الخير يؤدي إلى الخسران. (وإن منكم لمن ليبطئن).
2 - أن أتشبه بأهل الإيمان في أعمال الخير والمسابقة إليها, وأن ابتعد عن مشابهة أهل النفاق في أعمالهم. (وإن منكم).
3 - أن أنسب الفضل أولا وأخيرا إلى الله تعالى, فهو المتفضل على عباده بكل خير. (ولئن أصابكم فضل من الله).
والله أعلم