مجلس مذاكرة القسم الرابع من تفسير سورة النساء
(من الآية 31 إلى الآية 43)
المجموعة الثانية:
س1: حرر القول في المقصود بعابر السبيل في قوله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}
اختلف أهل العلم من المفسرين في المقصود بعابر السبيل في الآية على قولين:
الأول: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلا أن تكونوا مسافرين غير واجدين للماء فتيمموا، وتصلوا. وهذا المعنى مروي عن علي رضي الله عنه, وابن عباس, ومجاهد، والحكم، والفراء، والزجاج.
قول علي بن أبي طالب أخرجه الفريابي، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن علي في قوله {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي، وفي لفظ قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء.
وقول ابن عباس أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس {ولا جنبا إلا عابري سبيل} قال: هو المسافر الذي لا يجد ماء فيتيمم ويصلي.
وقول مجاهد أخرجه عبد بن حميد, وعبد الرزاق, وابن جرير من طرق عنه في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: مسافرين لا يجدون ماءً.
وقول الحكم أخرجه ابن جرير في تفسيره من طرق عن منصورٍ، عن الحكم: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: المسافر تصيبه الجنابة، فلا يجد ماءً فيتيمّم.
الثاني: لا تقربوا مواضع الصلاة- وهي المساجد- وأنتم جنب إلا مجتازين، ولا تقعدوا. وهو قول ابن مسعود, وابن عباس, وجابر, والحسن, وغيرهم.
قول ابن مسعود أخرجه ابن جرير في تفسيره عن الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عبد الكريم الجزريّ، عن أبي عبيدة بن عبد اللّه، عن أبيه، في قوله: {ولا جنبًا} إلاّ عابري سبيلٍ قال: هو الممرّ في المسجد.
وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير في تفسيره عن أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن زيد بن أسلم، عن ابن يسارٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: لا تقرب المسجد إلاّ أن يكون طريقك فيه، فتمرّ مرّا ولا تجلس.
وقول جابر أخرجه ابن جرير في تفسيره عن يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو الزّبير،عن جابر قال: كان أحدنا يمرّ في المسجد وهو جنبٌ مجتازًا.
وقول الحسن أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} قال: الجنب يمرّ في المسجد ولا يقعد فيه.
الدراسة:
العابر السّبيل: المجتازه مرًّا وقطعًا، يقال منه: عبرت هذا الطّريق فأنا أعبره عبرًا وعبورًا، ومنه قيل: عبر فلانٌ النّهر: إذا قطعه وجازه، ومنه قيل للنّاقة القويّة على الأسفار لقوّتها: وهي عبر أسفارٍ؛ وهي عبر أسفارٍ لقوّتها على الأسفار.
واختلف أهل العلم في المقصود بعابر السبيل في الآية على قولين فمنهم من قال هو المسافر لم يجد الماء فيتيمم لذلك, واستدلوا بسبب نزول الآية, ومنهم من قال أنه الجنب لا يقعد في المسجد وهو جنب إلا مجتازا.
ورجح ابن جرير القول الثاني, وضعف القول الأول على أساس أن المسافر قد بين حكمه في نفس الآية فقال: وأولى القولين بالتّأويل لذلك تأويل من تأوّله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ} إلا مجتازي طريقٍ فيه. وذلك أنّه قد بيّن حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنبٌ في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} فكان معلومًا بذلك أنّ قوله: {ولا جنبًا إلاّ عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} لو كان معنيًّا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ} معنًى مفهومٌ، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصّلاة مصلّين فيها وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتّى تغتسلوا إلاّ عابري سبيلٍ.
ورجح ابن كثير ما ذهب إليه ابن جرير, ونسبه لجمهور أهل العلم, فقال: وهذا الّذي نصره هو قول الجمهور، وهو الظّاهر من الآية، وكأنّه تعالى نهى عن تعاطي الصّلاة على هيئةٍ ناقصةٍ تناقض مقصودها، وعن الدّخول إلى محلّها على هيئةٍ ناقصةٍ، وهي الجنابة المباعدة للصّلاة ولمحلّها أيضًا، واللّه أعلم.
س2: من خلال دراستك لتفسير سورة النساء ودورة أصول تدبر القرآن، استخرج مقاصد قوله تعالى: {الّذين يبخلون ويأمرون النّاس بالبخل ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا}
1 - من مقاصد الآية هو إظهار صفات أهل البخل الذين لا يحبهم الله تعالى فمن صفاتهم:
أ- أنهم يبخلون إما بالمال.
ب - وإما يبخلون بالعلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم.
ج - أنهم يأمرون غيرهم بالبخل, ولا يقتصرون على أنفسهم فقط.
وكل ذلك مذموم ذمه الله تعالى, وقال سبحانه أنه لا يحب من هذه صفته.
2 - ومن مقاصد الآية أيضا: أن لا يتصف أهل الإيمان من المسلمين بمثل هذه الصفات المذمومة.
س3: من خلال دراستك لتفسير سورة النساء ودورة أصول التفسير البياني؛ بين معنى الاستفهام والمسائل المتعلقة به في قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}
جاء الاستفهام في الآية للتوبيخ والتقريع:
قال الزجاج: " كيف " لفظها لفظ الاستفهام، ومعناها معنى التوبيخ.
وقال صديق حسن خان: (فكيف) يكون حال هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين أو حال كفار قريش خاصة يوم القيامة؛ هذا الاستفهام معناه التوبيخ والتقريع (إذا جئنا من كل أمة بشهيد) قال ابن عباس: إنه يؤتى بنبي كل أمة يشهد عليها ولها (وجئنا بك على هؤلاء) أي الأنبياء أو جميع الأمم أو المنافقين أو المشركين، وقيل على المؤمنين (شهيداً).
وقيل أن الاستفهام للتهويل والتفخيم, قال الآلوسي: والعامِلُ بِالظَّرْفِ مَضْمُونُ الجُمْلَةِ مِنَ التَّهْوِيلِ والتَّفْخِيمِ المُسْتَفادِ مِنَ الِاسْتِفْهامِ أوِ الفِعْلِ المُصَدَّرِ.
وقيل أن الاستفهام للتعظيم أوالتعجب, قال ابن عثيمين: والاستفهام هنا للتعظيم أو للتعجب؛ أي: كيف تكون الحال {إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ}، وذلك يوم القيامة، حيث يأتي الله تعالى من كل أمة بشهيد.
والله أعلم