رسالة تفسيرية في قوله -تعالى- :" وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين " .
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، ونصلي ونسلم على سيدنا خير الخلق محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
إن الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم يرشدنا إلى كل ما فيه خير وصلاح لنا و يحذرنا من كل ما يكون سبباً في هلاكنا و حسرتنا ، فيذكر -سبحانه- لنا حقائق إن عقلناها و فهمناها و عملنا بمقتضاها كان ذلك سبباً في الفلاح والنجاح -بإذن الله- .
ومن تلك الحقائق المهمة : أن ندرك حقيقة الحياة ، و نستحضر الآخرة دوماً .
و هي حقيقة مستفادة من قوله -تعالى- :" وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين " .
فمن الفوائد السلوكية التي نستفيدها :
1- لما كان سياق آيات سورة المنافقون يتحدث عن صفات المنافقين السيئة ، جاء أمر الله -تعالى- للمؤمنين أن يتحلوا بالصفات و الأخلاق الفاضلة فلا يتشبهوا بهم و يحذروا منها أشد الحذر .
2-أمر الله -تعالى- المؤمنين بالإنفاق و هو أمر عام لكل أوجه الإنفاق و خص الإنفاق بالذكر ؛ لما له من آثار طيبة على المؤمن ، وهي :
* أنه حين ينفق يتحلى بالإيثار فيقدم حاجة إخوانه المسلمين على حاجته .
* فيه تزكية النفس والقلب من حب جمع المال .
* وفيه طلب مرضاة الله -تعالى- وتقديم ما يحبه الله -تعالى- على ما تحبه النفس ، فالنفس جُبلت على حب المال وفي ذلك ترويض للنفس .
3- " من ما رزقناكم " ، تذكر حقيقة أن هذا المال وكل الأرزاق من الله- تعالى- ؛ يجعل المؤمن يصرف هذا المال في وجوه الخير لأنه يتصرف في مال الله -تعالى- ، أيضاً لا يغتر بماله الكثير فلولا الله ما كان ليملك هذه الأموال .
4- " من ما رزقناكم " ، فيها دلالة أن الله لم يكلف عباده بالنفقة التي تشق عليهم ، بل أمرهم بإخراج جزء من ما رزقهم .
5- على المسلم المبادرة بالطاعات والعبادات وعدم تأخيرها والتسويف في أدائها ؛ لأنه لا يعلم متى يأتي أمر الله .
6- الغفلة في الحياة الدنيا تورث الندم والحسرة في الآخرة .
7- اعمل في حياتك ما دام هناك متسع من الوقت لديك ولا تنتظر أن تندم بعد الممات وتتمنى الرجوع للحياة من أجل أن تعمل الصالحات .
8- إن الإنسان ما دام حياً يقدر على التصرف في ماله في أوجه الخير فينتفع به في تحصيل الأجور ، فإذا مات انقطع الانتفاع بماله إلا إذا أوصى بشيء أو أوقفه و سخر الله له الورثة الذين ينفذون وصيته فينتفع بماله في حياته وبعد مماته ؛ ولذلك فليدع الإنسان بصلاح ماله وولده وأن يبارك الله له فيهم .
9- مما يجعل الإنسان يبادر بالأعمال الصالحة ويكثر منها ولا يتوانى عن أدائها ؛ مجالسة الصالحين المذكِّرين بالله -تعالى- في كل وقت وحين ، المستحضرين للموت وحقيقته .
10- لتكن من الصالحين في حياتك : أدّ أوامر الله -تعالى- ، واجتنب نواهيه .
" نسأل الله -تعالى- أن يتجاوز عنا سيئاتنا و يرحمنا برحمته و لا يرجعنا إليه إلا و هو راضٍ عنّا ، وأن يعيننا على ذكره و شكره و حسن عبادته إنه سميع مجيب " .
-وصلّ اللهم و سلم على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين - .