المراد بلهو الحديث في قوله تعالى : {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} [الآية: 6].
اختلف العلماء في المراد بلهو الحديث على اقوال :
القول الاول : الغناء ، قاله عبد الله بن مسعود ، و ابن عباس ، و جابر ، و مجاهد ، و عكرمة ، و عطاء الخراساني
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يزيد بن يونس بن يزيد، عن أبي صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ أنّه سمع عبد اللّه بن مسعودٍ وهو يسأل عن هذه الآية: {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله}، فقال عبد اللّه: الغناء، والّذي لا إله إلا هو، يردّدها ثلاث مراتٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1/52]
و قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثنا سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في هذه الآية: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علمٍ}، قال: هو الغناء). [الجامع في علوم القرآن: 1/66]
ا
لتخريج : اما قول ابن مسعود فرواه ابن وهب و ابن جرير كلاهما من طريق
ابي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابي الصهباء البكري عنه ، و ذكره ابن بطال عنه في شرح صحيح البخاري ، كما رواه الحاكم في مستدركه من طريق
عمّارٍ الدّهنيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء، عنه ، و ذكره كل من الثعلبي و مكي بن ابي طالب و الماوردي و ابن الجوزي و القرطبي و ابن كثير و السيوطي عنه
اما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عنه ، و من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عنه ، و من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، أو مقسمٍ، عن مجاهدٍ عنه ، و من طريق حفصٌ، والمحاربيّ، عن ليثٍ، عن الحكم، عنه، و من طريق محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عنه ،
و ذكره كل من ابن ابي حاتم و الثعلبي و الماوردي و ابن الجوزي و القرطبي و ابن كثير و السيوطي عنه
اما قول جابر فرواه الطبري من طريق سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عنه ، و ذكره ابن كثير عنه
اما قول مجاهد فرواه ابن وهب من طريق سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عنه ، و رواه عبد الرزاق من طريق الثوري عن عبد الكريم البصري عنه ، و رواه سفيان الثوري من طريق حبيب بن أبي ثابتٍ عنه في تفسيره ، و ذكره ابن بطال عنه في شرح صحيح البخاري ، و رواه محمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عنه ، و رواه ابن جرير من طريق سفيان، عن حبيبٍ، عنه ، و من طريق شعبة، عن الحكم، عنه ، و من طريق سفيان، عن عبد الكريم، عنه ، و من طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عنه ، و من طريق ابن عليّة، عن ليثٍ، عنه ، و ذكره ابن الجوزي و القرطبي و ابن كثير و السيوطي عنه
اما قول عكرمة فرواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن شعيب بن يسارٍ، عنه ، و من طريق أبو أسامة، وعبيد اللّه، عن أسامة، عنه ، و ذكره كل من مكي بن ابي طالب و الماوردي و ابن الجوزي و ابن كثير و السيوطي عنه
اما قول عطاء الخراساني فرواه محمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ من طريق رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عنه ، و ذكره كل من بن ابي حاتم و ابن الجوزي و السيوطي عنه
و ذكره كل من ابن ابي حاتم و ابن عطية و ابن الجوزي و القرطبي و السيوطي عن الحسن
و ذكره الثعلبي عن جويبر
و ذكره مكي بن ابي طالب عن ابن عمر و قتادة و مكحول
و ذكره كل من : الماوردي و ابن الجوزي عن ابن جبير و قتادة
و ذكره القرطبي عن ابن عمر و عِكْرِمَةُ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمَكْحُولٌ و القاسم بن محمد
و ذكره ابن كثير عن : ابن جبير وَمَكْحُولٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ بَذيمة، و الحسن البصري
قال ابن حجر في فتح الباري : ذكر بن بَطَّالٍ أَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَنْبَطَ تَقْيِيدَ اللَّهْوِ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيل الله فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَاهُ لَا لِيُضِلَّ لَا يَكُونُ مَذْمُومًا وَكَذَا مَفْهُومُ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْغَلْهُ اللَّهْوُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَا يَكُونُ بَاطِلًا لَكِنْ عُمُومُ هَذَا الْمَفْهُومِ يُخَصُّ بِالْمَنْطُوقِ فَكُلُّ شَيْءٍ نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِمَّا يُلْهِي يَكُونُ بَاطِلًا سَوَاءٌ شَغَلَ أَوْ لَمْ يَشْغَلْ وَكَأَنَّهُ رَمَزَ إِلَى ضَعْفِ مَا وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ اللَّهْوِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْغِنَاءِ
و قال ايضا : واخرج الطَّبَرَانِيّ عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا أَنَّهُ فَسَّرَ اللَّهْوَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْغِنَاءِ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا
هذا القول يمثل التفسير بجزء المعنى ، حيث ان الغناء من اللهو الباطل
القول الثاني: شراء المغنية ،
قاله : ابو امامة ، و مجاهد
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا قتيبة، قال: حدّثنا بكر بن مضر، عن عبيد الله بن زحرٍ، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلّموهنّ، ولا خير في تجارةٍ فيهنّ وثمنهنّ حرامٌ، وفي مثل ذلك أنزلت عليه هذه الآية {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه} إلى آخر الآية.
التخريج : اما قول ابي امامة فرواه الترمذي في سننه و ابن جريرفي تفسيره كلاهما من طريق عليّ بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرّحمن،
عن أبي أمامة، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ، حيث قال : هذا حديثٌ غريبٌ إنّما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة والقاسم ثقةٌ، وعليّ بن يزيد يضعّف في الحديث، سمعت محمّدًا يقول: القاسم ثقةٌ، وعليّ بن يزيد يضعّف).
و قال المباركفوري في تحفة الاحوذي : وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ
و ذكره كل من ابن ابي حاتم و الثعلبي و الماوردي و البغوي و ابن عطية ع و ابن الاثير و القرطبي و ابن كثير و السيوطي عنه
[الإسناد الذي أوردتيه، فيه أن أبا أمامة رفع القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لهذا فإن صح الإسناد فهو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس أبي أمامة، ولكنه لم يصح، ويمكنكِ الاستفادة من تخريج الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف لمعرفة تخريج هذا الحديث والحكم عليه]
اما قول مجاهد
فرواه الهمذاني من طريق آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه ، و ذكره كل من البغوي و ابن عطية و ابن الجوزي و القرطبي عنه
و ذكره عبد الرزاق عن قتادة
و ذكره الثعلبي عن كل من ابن عباس و مقاتل و مكحول
و ذكره ابن عطية و القرطبي عن كل من : ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله
و ذكره السيوطي عن ابن مسعود
و ذكره ابن الجوزي و السيوطي عن ابن عباس ، كما ذكره السيوطي عن مكحول
قال ابن حجر في فتح الباري : وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ وَمِنَ النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث الْآيَة وَسَنَده ضَعِيف
و قال المباركفوري في تحفة الاحوذي : قَالَ الْقَاضِي النَّهْيُ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَجْلِ التَّغَنِّي وَحُرْمَةُ ثَمَنِهَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهَا وَالْجُمْهُورُ صَحَّحَ بَيْعَهَا والْحَدِيثُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ لِلطَّعْنِ فِي رِوَايَتِهِ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ أَخْذَ الثَّمَنِ عَلَيْهِنَّ حَرَامٌ كَأَخْذِ ثَمَنِ الْعِنَبِ مِنَ النَّبَّاذِ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ وَتَوَصُّلٌ إِلَى حُصُولِ مُحَرَّمٍ لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى
قال ابن جرير : حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا أيّوب بن سويدٍ، قال: حدّثنا ابن شوذبٍ، عن مطرٍ، في قول اللّه {ومن النّاس من يشتري لهو الحديث} قال: اشتراؤه: استحبابه.
وأولى التّأويلين عندي بالصّواب تأويل من قال: معناه: الشّراء، الّذي هو بالثّمن، وذلك أنّ ذلك هو أظهر معنييه.
فإن قال قائلٌ: وكيف يشتري لهو الحديث؟
قيل: يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فيكون مشتريًا لهو الحديث.
هذا القول تابع للقول الاول حيث ان سماع الغناء يلزم منه شراء المغنين و المغنيات ، و الانفاق على سماعهم و تعليمهم ، و هو من جملة اللهو الباطل ، و من العلماء من اختار الشراء بالثمن ، و منهم من اختار معنى الاستحباب
القول الثالث : الطبل ، قاله مجاهد
قال ابن جريير : حدّثني عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ الأعور، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: اللّهو: الطّبل
التخريج : اما قول مجاهد فرواه ابن جرير من طريق حجّاجٌ الأعور، عن ابن جريجٍ، عنه ، و ذكره كل من : مكي بن ابي طالب و ابن عطية و ابن الجوزي عنه
و ذكره كل من الثعلبي و البغوي عن ابن جريج
و ذكره الماوردي عن عبد الكريم
و هذا القول ايضا من لوازم الغناء و سماعه ، فهو آلته و وسيلته ،
قال القرطبي : خَرَّجَ ابْنُ بَشْرَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بُعِثْتُ بِهَدْمِ الْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ)
القول الرابع: حديث الباطل و كل كلام لا فائدة فيه ، قاله قتادة
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال أما والله لعله ألا يكون أنفق فيه مالا وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق.
قال معمر وبلغني أنها نزلت في بعض بني عبد الدار). [تفسير عبد الرزاق: 2/105]
التخريج : اما قول قتادة فرواه عبد الرزاق من طريق معمر عنه ، و رواه الطبري من طريق يزيد عن سعيد عنه ، و ذكره كل من ابن ابي حاتم و البغوي و ابن عطية و ابن كثير و السيوطي عنه
و ذكره كل من الثعلبي و الماوردي و ابن الجوزي عن عطاء
و ذكره السيوطي عن مجاهد
قال البخاري في صحيحه : (لهو الحديث) كل كلام لا فائدة فيه ولا جدوى والكلام الخيالي الذي لا يستند إلى أساس واقع وكل ما يشغل عن عبادة الله تعالى وذكره من السمر والأضاحيك ونحو ذلك]
و قال الكرماني في شرح صحيح البخاري : وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} …وأما مطابقة الخبر لها فلأن الحلف باللات لهو شغل عن الحلف بالحق فيكون باطلا
قال المباركفوري في تحفة الاحوذي :وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث أَيْ يَشْتَرِي الْغِنَاءَ وَالْأَصْوَاتَ الْمُحَرَّمَةَ الَّتِي تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الإضافة فيه بمعنى من البيان نَحْوَ جُبَّةِ خَزٍّ وَبَابِ سَاجٍ أَيْ يَشْتَرِي اللَّهْوَ مِنَ الْحَدِيثِ لِأَنَّ اللَّهْوَ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيثِ وَمِنْ غَيْرِهِ والْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُنْكَرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ السَّمَرِ بِالْأَسَاطِيرِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالتَّحَدُّثُ بِالْخُرَافَاتِ وَالْمَضَاحِيكِ وَالْغِنَاءُ وَتَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَذَا فِي المرقاة
هذا القول من التفسير بجزء المعنى ، حيث ان أحاديث السمر و الترهات هي من جملة اللهو الباطل
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : كتاب الاستئذان، باب : كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله، و من قال لصاحبه تعال أقامرك،
(لهو الحديث) كل كلام لا فائدة فيه ولا جدوى والكلام الخيالي الذي لا يستند إلى أساس واقع وكل ما يشغل عن عبادة الله تعالى وذكره من السمر والأضاحيك ونحو ذلك] [ صحيح البخاري 66/8]
و قال ابن عطية : قال الفقيه الإمام القاضي: والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث منضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً، والتوعد بالعذاب المهين، وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا، ولَهْوَ الْحَدِيثِ كل ما يلهي من غناء وخنى ونحوه، والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزوا ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة ويقطع زمانا بمكروه، وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث وقد جعلوا الحديث من القربى، وقيل لبعضهم أتمل الحديث؟ قال: إنما يمل العتيق.( تفسير ابن عطية : 4/ 245، 246)
ا
لقول الخامس: انها نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى كُتُبَ الْأَعَاجِمِ: رُسْتُمَ، وَإسْفِنْدِيَار وَحَدَّثَ بِأَحَادِيثِ مُلُوكِ الْفُرْسِ ، ذكره الثعلبي عن الكلبي و مقاتل ، و ذكره مكي بن ابي طالب عن معمر ، و ذكره البغوي عن الكلبي و مقاتل ، كما ذكره ابن الجوزي عن مقاتل ، و ذكره القرطبي عن الفراء و الكلبي و ذكره السيوطي عن ابن عباس
قال أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (ت: 427هـ)
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}
قال الكلبي ومقاتل (١): نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كندة بن عبد الدار بن قصي، كان يتّجرُ فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشًا، ويقول إن محمدًا يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن
هذا القول واضح الدلالة من حيث انه سبب نزول للآية ، و قد ذكره عدد من المفسرين
[هذا القول داخل في القول الذي قبله، وإن كان معناه أخص من عموم حديث الباطل، وقولهم (نزلت الآية في كذا) يقصد به غالبًا أن هذا المعنى داخل في تفسير الآية، وليس أنه سبب للنزول
أما قول (حصل كذا فنزلت الآية) فهو صريح في سبب النزول]
ا
لقول السادس : الشرك ، قاله : الضحاك ، و ابن زيد
قال مكي بن ابي طالب القيسي : وعن الضحاك: إن لهو الحديث: الشرك. ورواه عنه جويبر أنه قال: الغناءُ مَهْلَكَةُ للمال مَسْخَطَةٌ للرب مَعْمَاة للقلب.
التخريج : اما قول الضحاك فرواه ابن جرير من طريق ابي معاذ عن عبيد عنه ، و ذكره كل من الثعلبي و مكي بن ابي طالب و الماوردي و البغوي و ابن عطية و ابن الجوزي و ابن كثير عنه
اما قول ابن زيد فرواه ابن جرير من طريق يونس عن ابن وهب عنه ، و ذكره الماوردي عنه
و ذكره القرطبي عن الحسن
هذا القول داخل ضمن انواع لهو الحديث ، فكل هوى متبع مقدم على محاب الله تعالى و رسوله هو شرك ؛ خفيا كان ام جليا ، اصغر ام اكبر ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَكَانَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَامْتِثَالُ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ شِرَاءٌ لَهَا، عَلَى حَدِّ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى " [البقرة: ١٦]، اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ، أَيِ اسْتَبْدَلُوهُ مِنْهُ وَاخْتَارُوهُ عَلَيْهِ.
الدراسة :
بعد جمع الاقوال المختلفة يتبين المراد بوضوح و جلاء ؛ و هو كل ما ألهى و أضل عن سبيل الله تعالى من ذكر و تلاوة و صلاة و عبادة ، و من أعظم المضلات الشرك و ما يتفرع منه من حديث باطل و دعوة اليه ، و استماع الى الغناء و اهله و معازفه ، حيث ان ملابسة هذه المنكرات شراء لها
عَلَى حَدِّ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى " [البقرة: ١٦]
و قَالَ الله تعالى:"فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ" [يونس: ٣٢]
و قال تعالى : " إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أليم " [ آل عمران: 177 ]
قال ابن جرير بعد سرد الاقوال : والصّواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل اللّه، ممّا نهى اللّه عن استماعه أو رسوله، لأنّ اللّه تعالى عمّ بقوله {لهو الحديث} ولم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، فذلك على عمومه، حتّى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشّرك من ذلك