السلام عليكم ورحمة الله.
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}
الحمد لله الحكيم العليم الذي أنزل القرآن فبين الحكمة من إنزاله بقوله: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه أجمعين.
قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} جاء تفصيلا لما أجمل قبله وهو قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، فبين الله تعالى أعمال الخير وأجرها، حتى يشوق ويحث عباده عليها.
وبعد تدبر هذه الآيات ظهر لي عدة فوائد:
• سعة رحمة الله تعالى، إذ الوعد بالتيسير يعم كل من أعطى واتقى وصدق بالحسنى. فقد أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء}، وقال: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
• سعة علم الله تعالى، بدليل قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}، وهذا يشمل العلم بفعل العبد في الدنيا وما أعد له في الآخرة. وقد قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}، {والله بكل شيء عليم}.
• اشتمال هذه الآيات الدين كله؛ إذ ((الدين يدور على ثلاث قواعد: فعل المأمور، وترك المحظور، وتصديق الخبر...وأكمل الناس من كملت له هذه التقوى الثلاث)) كما قال ابن القيم. وعلى المسلم أن يكمل نفسه فيها، إذ يقع النقص بحسب نقصانها أو بعضها، ويفوته من التيسير لليسرى ما فاته منها.
• وجوب طلب العلم، إذ لا يمكن فعل المأمور وترك المحارم إلا بالعلم بهما. قال البخاري في صحيحه: ((باب: العلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] فبدأ بالعلم...))
• بيان أن أسباب التيسير ثلاثة: الإعطاء، والتقوى، والتصديق بالحسنى.
• الإعطاء، والتقوى، والتصديق بالحسنى عبادات – وهي المقصد الأعلى من الخلق، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}- بدليل ما ترتب على الإقامة بها من الثواب. وتترتب على هذا أمور منها:
- وجوب الإخلاص لله تعالى، وعن عمر رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((إنما الإعمال بالنيات))، متفق عليه.
- وجوب المتابعة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}.
قال ابن كثير: عند تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}: ((ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل، على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط)).
- وجوب الاستعانة بالله وحده، كما بينه تعالى بقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}، وهذا لأن العبد محتاج دائما إلى الله تعالى.
• المصدر الأولي في معرفة حصول التقوى هو القرآن، قال الله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}.
• الحث على الخير، وذلك بدليل ذكر الجزاء لمن أعطى واتقى وصدق بالحسنى. وهذا أيضا من رحمته تعالى ومحبته لخلقه.
فينبغي للمسلم أن يكون ناشطا في الطاعة، حريصا على فعل الخير، شاكرا لنعم الله عليه.
• لا حدود للإعطاء قلة أو كثرة، كما يقول سبحانه: {ما عَلى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} ... [91: التوبة].
• لا بد أن يكون ما يعطى طيبا نافعا، فقد قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد} [البقرة: 267].
• وجوب الجمع بين العلم والعمل؛ بدلالة العطف بين فعل المأمور الذي هو العمل وتصديق الخبر الذي هو العلم، وتعلق الجزاء عليهما.
• هداية التوفيق من الله وحده. بدليل قوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)}، فلا بد أن يطلب العبد الهداية للعمل من ربه، ويشكره على هدايته وتوفيقه.
المراجع:
تفسير ابن كثير
بدائع التفسير لابن القيم.
تفسير السعدي
تفسير الطاهر بن عاشور
تفسير المنار