دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:27 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي من الاية 53 الى اخر السورة

وقوله عزّ وجلّ: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيّا (53)
هارون لا ينصرف في المعرفة لأنه اسم أعجمي وهو معرفة.
وقوله سبحانه: (وكان يأمر أهله بالصّلاة والزّكاة وكان عند ربّه مرضيّا (55)
أهله جميع أمته، من كانت بينه وبينه قرابة أو من لم تكن، وكذلك أهل كل نبي أمّته.
[معاني القرآن: 3/333]
(وكان عند ربّه مرضيّا).
أصله مرضوّا، وهو جائز في اللغة غير جائز في القرآن لأنه مخالف للمصحف، والخليل وسيبويه وجميع البصريين يقولون: فلان مرضوّ ومرضيّ وأرض مسنوة ومسنية إذا سقيت بالسواني أو بالمطر، والأصل الواو إلا أنها قلبت عند الخليل لأنها طرف قبلها واو ساكنة ليس بحاجز حصين، وكأنها مفعل بضم العين، ومفعل من أدوات الواو يقلب إلى مفعل، لأن الواو لا تكون طرفا وقبلها متحرك في الأسماء، وأما غير سيبويه والبصريين فلهم فيه قولان:
قال بعضهم: لما كان الفعل منه رضيت فانتقل من الواو إلى الياء.
صار مرضيا. وقيل إن بعض العرب يقول في تثنية رضي رضيان ورضوان.
فمن قال رضيان لم يكن من قوله إلا مرضيّ، ومن قال رضوان في التثنية جاز أن يقول فلان مرضوّ ومرضيّ.
وقوله سبحانه: (ورفعناه مكانا عليّا (57)
جاء في التفسير أيضا أنه رفع إلى السماء الرابعة، وجاء في التفسير أيضا أنه سأل ملك الموت حتى سأل الله - جلّ وعزّ - أن رفعه فأدخل النار ثم أخرج فأدخل الجنة فقيل له في الخروج فقال: قد قال اللّه عز وجلّ: (وإن منكم إلّا واردها) وقال في أهل الجنة: (وما هم منها بمخرجين) فأقرّه اللّه عزّ وجلّ في الجنة.
وهذا الحجاج إنما هو في القرآن - واللّه أعلم.
[معاني القرآن: 3/334]
وجائز أن يكون قد أعلم اللّه - عزّ وجلّ - إدريس ورود الخلق النّار وأنهم مخلّدون في الجنان قبل إنزاله القرآن، وجاء القرآن موافقا ما علّم إدريس.
وجاء في التفسير أنه رفع كما رفع عيسى.
وجائز أن يكون - واللّه أعلم - قوله: (ورفعناه مكانا عليّا) أي في النبوة والعلم.
وقوله عزّ وجلّ: (أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم وممّن حملنا مع نوح ومن ذرّيّة إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا (58)
قد بيّن اللّه سبحانه أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات اللّه - عزّ وجلّ - سجدوا وبكوا من خشية اللّه.
و(بكيّا) جمع باك، مثل شاهد وشهود وقاعد وقعود.
و(سجّدا) حال مقدّرة المعنى: خرّوا مقدّرين السجود لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا و (سجّدا) منصوب على الحال.
ومن قال: (بكيّا) ههنا مصدر فقد أخطأ لأن (سجّدا) جمع ساجد و (بكيّا)عطف عليه، ويقال بكى بكاء وبكيّا.
وقوله عزّ وجلّ: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا (59)
يقال في الرداءة خلف - بإسكان اللام - تقول خلف سوء وفي الصلاح خلف صدق - بفتح اللام - وقد يقال في الرداءة أيضا خلف - بفتح اللام - وفي الصلاح بإسكان اللام، والأجود القول الأول.
(أضاعوا الصّلاة واتّبعوا الشّهوات).
جاء في التفسير أنّهم صلّوها في غير وقتها، وقيل أضاعوها وتركوها ألبتّة وهذا هو الأشبه، لأنه يدل على أنه يعنى به الكفار.
ودليل ذلك قوله: (إلّا من تاب وآمن).
وقوله: (فسوف يلقون غيّا)
[معاني القرآن: 3/335]
أي فسوف يلقون مجازاة الغي كما قال عزّ وجلّ: (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) أي مجازاة الأثام.
وجاء في التفسير أن، (غيّا) واد في جهنم، وقيل نهر في جهنم.
وهذا جائز أن يكون نهرا أعد للغاوين فسمي (غيّا).
وقوله عزّ وجلّ: (إلّا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنّة ولا يظلمون شيئا (60)
" من " في موضع نصب أي فسوف يلقون العذاب إلا التائبين.
وجائز أن يكون نصبا استثناء من غير الأول، ويكون المعنى لكن من تاب وآمن.
(فأولئك يدخلون الجنّة).
ويقرأ - يدخلون الجنة.
وقوله تعالى: (جنّات عدن الّتي وعد الرّحمن عباده بالغيب إنّه كان وعده مأتيّا (61)
يجوز الرفع والنصب، الرفع على معنى هي جنات عدن، والنصب على معنى يدخلون في جنات عدن.
وعدن في معنى إقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام به.
وقوله عزّ وجلّ: (إنّه كان وعده مأتيّا).
ماتي: مفعول من الإتيان، لأن كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه وكل ما أتاك فقد أتيته، يقال: وصلت إلى خير فلان ووصل إليّ خير فلان وأتيت خير فلان وأتاني خير فلان فهذا على معنى أتيت خير فلان.
[معاني القرآن: 3/336]
وقوله عزّ وجلّ: (لا يسمعون فيها لغوا إلّا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا (62)
اللغو ما يلغى من الكلام ويؤثم فيه، و (سلاما) اسم جامع للخير متضمّن للسلامة، فالمعنى أن أهل الجنة لا يسمعون إلا ما يسلّمهم.
وقوله عزّ وجلّ: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيّا).
قيل: ليس ثمّ بكرة ولا عشيّ، ولكنهم خوطبوا بما يعقلون في الدنيا.
فالمعنى لهم رزقهم في مقدار ما بين الغداة والعشيّ.
وقد جاء في التفسير أيضا أن معناه: ولهم رزقهم فيها كل ساعة.
وإذا قيل في مقدار الغداة والعشيّ فالذي يقسم في ذلك الوقت يكون مقدار ما يريدون في كل ساعة إلى أن يأتي الوقت الذي يتلوه.
وقوله تعالى: (وما نتنزّل إلّا بأمر ربّك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربّك نسيّا (64)
يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطأ عنه جبريل عليه السلام في الوحي، فقال عليه السلام وقد أتاه جبريل: ما زرتنا حتى اشتقت إليك، فقال: (وما نتنزّل إلّا بأمر ربّك).
وقوله عزّ وجلّ: (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك).
ما بين أيدينا أمر الآخرة والثواب والعقاب، وما خلفنا جميع ما مضى من أمر الدّنيا، وما بين - ذلك ما يكون منا من هذا الوقت إلى يوم القيامة وجاء في التفسير وما بين ذلك قيل ما بين النفختين.
وقوله عزّ وجلّ: (وما كان ربّك نسيا).
أي قد علم اللّه جلّ وعلا ما كان وما يكون وما هو كائن، حافظ لذلك عز وجلّ. لا ينسى منه شيئا.
وجائز أن يكون واللّه أعلم: ما نسيك ربّك وإن تأخر عنك الوحي.
[معاني القرآن: 3/337]
وقوله عزّ وجلّ: (ربّ السّماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميّا (65)
أي هو مالك لهما وعالم بهما وبما فيهما.
وقوله عزّ وجلّ: (هل تعلم له سميّا).
جاء في التفسير: هل تعلم له مثلا، وجاء أيضا لم يسم بالرحمن إلا اللّه عزّ وجلّ. وتأويله - واللّه أعلم - (هل تعلم له سميّا) يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون، فذلك ليس إلا من صفة الله تعالى.
وقوله: (ويقول الإنسان أإذا ما متّ لسوف أخرج حيّا (66)
يعنى بهذا الكافر الذي لا يؤمن بالغيب خاصة، ومتّ ومتّ.
وقوله عزّ وجلّ: (أولا يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئا (67)
ويقرأ أو لا يذكر بالتخفيف والتثقيل.
(أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئا).
أعلم اللّه عزّ وجلّ أن إعادة الخلق مثل ابتداء خلقهم، وهذا كما قال: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه) الآية.
فكان الجواب (قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة).
وقوله تعالى: (فوربّك لنحشرنّهم والشّياطين ثمّ لنحضرنّهم حول جهنّم جثيّا (68)
أي فوربك لنبعثنهم ولنحشرنهم مع الشياطين الذين أغووهم.
(ثمّ لنحضرنّهم حول جهنّم جثيّا).
و(جثيّا). - بالضم والكسر جميعا، ومعنى جثيا على ركبهم، لا يستطيعون القيام مما هم فيه وجثي جمع جاث وجثى، مثل قاعد وقعود وبارك وبروك.
[معاني القرآن: 3/338]
والأصل ضم الجيم وجائز كسرها، اتباعا لكسرة اليّاء.
و (جثيّا). منصوب على الحال.
وقوله تعالى: (ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّا (69)
و (عتيا) - بالكسر والضم، ومعناه لننزعن من كل أمّة ومن كل فرقة الأعتى فالأعتى منهم، كأنّهم يبدأ بتعذيب أشدهم عتيا ثم الذي يليه.
فأما رفع (أيّهم) فهو القراءة، ويجوز (أيّهم) بالنصب حكاها سيبويه، وذكر سيبويه أنّ هارون الأعور القارئ قرأ بها.
وفي رفعها ثلاثة أقوال: قال سيبويه عن يونس إن قوله جلّ وعزّ (لننزعنّ) معقلة لم تعمل شيئا.
فكأنّ قول يونس: (ثم لننزعن من كل شيعة) ثم استأنف فقال (أيهم أشد على الرحمن عتيا).
وأما الخليل فحكى عنه سيبويه أنه على معنى الذين يقال (أيهم أشد على الرحمن عتيا)، ومثله عنده قول الشاعر:
ولقد أبيت من الفتاة بمنزل... فأبيت لا حرج ولا محروم
المعنى فأبيت بمنزلة الذي يقال له لا هو حرج ولا هو محروم.
[معاني القرآن: 3/339]
وقال سيبويه إن " أيّهم " مبنية على الضم لأنها خالفت أخواتها، واستعمل معها حرف الابتداء، تقول اضرب لأيّهم أفضل يريد أيهم هو أفضل، فيحسن الاستعمال، كذلك يحذف هو، ولا يحسن. " اضرب من أفضل " حتى تقول من هو أفضل، ولا يحسن " كل ما أطيبا حتى تقول: كل ما هو أطيب.
فلما خالفت من وما والذي - لأنك لا تقول أيضا: " خذ الذي أفضل " حتى تقول هو أفضل، قال فلما خالفت هذا الخلاف بنيت على الضم في الإضافة، والنّصب حسن، وإن كنت قد حذفت " هو " لأن " هو " قد يجوز حذفها، وقد قرئت (تماما على الّذي [أحسن] وتفصيلا)
على معنى الذي هو أحسن.
قال أبو إسحاق: والذي أعتقده أن القول في هذا قول الخليل، وهو موافق للتفسير، لأن الخليل كان مذهبه أو تأويله في قوله تعالى: (ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة) الذي من أجل عتوه يقال: أي هؤلاء أشدّ عتيّا.
فيستعمل ذلك في الأشدّ فالأشد، واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ: (ثمّ لنحن أعلم بالّذين هم أولى بها صليّا (70)
وصليّا - بالضم والكسر - على ما فسرنا، وصليا منصوب على الحال.
أي: أي ثم لنحن أعلم بالذين هم أشد على الرحمن عتيا فهم أولى بها صليّا.
(وإن منكم إلّا واردها كان على ربّك حتما مقضيّا (71)
هذه آية كثير اختلاف التفسير فيها في التفسير فقال كثير من الناس إنّ الخلق جميعا يردون النّار فينجو المتقي ويترك الظالم - وكلهم يدخلها، " فقال بعضهم: قد علمنا الورود ولم نعلم الصّدور.
[معاني القرآن: 3/340]
وحجة من قال بهذا القول أنه جرى ذكر الكافرين، فقال: (ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم أشدّ) ثم قال بعد: (وإن منكم إلا واردها) فكأنّه على نظم ذلك الكلام عام.
ودليل من قال بهذا القول أيضا قوله (ثمّ ننجّي الّذين اتّقوا ونذر الظّالمين) ولم يقل وندخل الظالمين، وكان (نذر) و (نترك) للشيء الذي قد حصل في مكانه.
وقال قوم إن هذا إنما يعنى به المشركون خاصة، واحتجوا في هذا بأن بعضهم قرأ: " وإن منهم إلا واردها "، ويكون على مذهب هؤلاء (ثم ننجي الذين اتقوا) أي نخرج المتقين من جملة من ندخله النار.
وقال قوم: إن الخلق يردونها فتكون على المؤمن بردا وسلاما، ثم يخرج منها فيدخل الجنة فيعلم فضل النعمة لما يشاهد فيه أهل العذاب وما رأى فيه أهل النار.
وقال ابن مسعود والحسن وقتادة: إن ورودها ليس دخولها، وحجتهم في ذلك جيدة جدا من جهات: إحداهن أن العرب تقول: وردت ماء كذا ولم تدخله، وقال اللّه عزّ وجلّ: (ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من النّاس يسقون) وتقول إذا بلغت البلد ولم تدخله: قد وردت بلد كذا وكذا.
قال أبو إسحاق: والحجة القاطعة في هذا القول ما قال اللّه عزّ وجلّ:
(إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون (101) لا يسمعون حسيسها).. فهذا - واللّه أعلم - دليل أن أهل الحسنى لا يدخلون النار
[معاني القرآن: 3/341]
وفي اللغة وردت بلد كذا وكذا إذا أشرفت عليه، دخلته أو لم تدخله، قال زهير:
فلمّا وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم
المعنى بلغن إلى الماء، أي أقمن عليه، فالورود ههنا بالإجماع ليس بدخول، فهذه الروايات في هذه الآية، واللّه أعلم.
وقوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات قال الّذين كفروا للّذين آمنوا أيّ الفريقين خير مقاما وأحسن نديّا (73)
(وأحسن نديّا).
معناه مجلسا
وقوله عزّ وجلّ: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا (74)
(أحسن أثاثا ورئيا).
فيها أربعة أوجه رئيا بهمزة قبل الياء، والراء غير معجمة، وريّا بتشديد بياء مشددة، وزيّا - بالزاي معجمة، وقد قرئ بهذه الثلاثة الأوجه.
ويجوز وجه رابع لم يقرأ به - بياء وبعدها همزة - وريئا:
فأمّا رئيا - بهمزة قبل الياء - فالمعنى فيه هم أحسن أثاثا أي متاعا، ورئيا منظرا، من رأيت، ومن قرأ بغير همز فله تفسيران: على معنى الأول بطرح الهمزة وعلى معنى أن منظرهم مرتو من النعمة، كأن النعيم بيّن فيهم، ومن قرأ زيّا فمعناه أن زيّهم حسن يعني هيئتهم.
قال الشاعر:
أشاقتك الظّعائن يوم بانوا بذي الرّئي الجميل من الأثاث ونصب (أحسن أثاثا ورئيا) على نية التفسير.
المعنى وكم أهلكنا قبلهم من
[معاني القرآن: 3/342]
قرن هم أحسن أثاثا منهم وأحسن زيا منهم. ومن قرأ ريئا فهو بمعنى رئيا مقلوب لأن من العرب من يقول قد راءني زيد وتقول قد رآني.
في هذا المعنى قال الشاعر كثير:
وكل خليل راءني فهو قائل... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد
وقوله عزّ. وجل: (قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدّا حتّى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإمّا السّاعة فسيعلمون من هو شرّ مكانا وأضعف جندا (75)
هذا لفظ أمر في معنى الخبر، وتأويله أن اللّه عزّ وجلّ جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها، ويمده فيها، كما قال - جلّ وعزّ -:
(من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (186).
إلا أن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر كان لفظ الأمر يريد به المتكلم نفسه إلزاما، كأنّه يقول أفعل ذلك وآمر نفسي به، فإذا قال القائل: من رآني فلأكرمه، فهو ألزم من قوله أكرمه، كأنّه قال: من زارني فأنا آمر نفسي بإكرامه وألزمها ذلك.
وقوله: (إمّا العذاب وإمّا السّاعة).
العذاب والساعة منصوبان على البدل من (ما يوعدون) المعنى حتى إذا رأوا العذاب أو رأوا الساعة، فالعذاب ههنا ما وعدوا به من نصر المؤمنين عليهم فإنهم يعذبونهم قتلا وأسرا.
والساعة يعنى بها يوم القيامة وبما وعدوا به فيها من الخلود في النار.
(فسيعلمون من هو شرّ مكانا وأضعف جندا).
أي فسيعلمون بالنصر، والقتل أنهم أضعف جندا من جند النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ويعلمون بمكانهم من جهنم، ومكان المؤمنين من الجنة من هو شرّ مكانا.
[معاني القرآن: 3/343]
وقوله عزّ وجلّ: (ويزيد اللّه الّذين اهتدوا هدى والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير مردّا (76)
قيل بالناسخ والمنسوخ نحو ما كان من صوم رمضان من أنه كان يجوز لمن يقدر على الصوم أن يطعم مسكينا ويفطر، فنسخ ذلك بإلزام الصوم.
وجائز أن يكون -: (ويزيد اللّه الّذين اهتدوا هدى) يجعل جزاءهم أن يزيدهم في يقينهم هدى كما أضل اللّه الفاسق بفسقه.
وقوله عزّ وجلّ: (والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا).
معناه الأعمال الصالحة، وأولها توحيد اللّه، وهو شهادة أن لا إله إلا اللّه.
وقوله: (أفرأيت الّذي كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا (77)
ويقرأ: وولدا، فمن قرأ ولدا بالضّم فهو على وجهين على جمع ولد.
يقال ولد وولد مثل أسد وأسد، وجائز أن يكون الولد في معنى الولد، والولد يصلح للواحد والجمع، والولد والولد بمعنى واحد، مثل العرب والعرب، والعجم والعجم.
وقد جاء في التفسير أنه يعنى به العاص بن وائل. ويروى أن خبّابا قال: كنت قينا في الجاهلية. والقين، هو الذي يصلح الأسنّة، والحدّاد يقال له قين، قال وكان لي على العاص بن وائل دين، فدفعني بقضائه وقال لا أدفعه إليك حتى تكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقال خبّاب: لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث.
فقال: إذا متّ ثم بعثت أعطيت مالا وولدا وقضيتك مما أعطى، يقول ذلك مستهزئا فقال اللّه سبحانه:
[معاني القرآن: 3/344]
(أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدا (78)
أي علم ذلك غيبا أم أعطي عهدا، وهو مثل الذي قال: (ولئن رددت إلى ربّي لأجدنّ خيرا منها منقلبا (36).
(كلّا سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدّا (79)
(كلّا).
ردع وتنبيه، أي هذا مما يرتدع منه، وينبه على وجه الضلالة فيه.
(سنكتب ما يقول).
أي سنحفظ عليه.
(ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (80)
أي نجعل المال والولد لغيره ونسلبه ذلك ويأتينا فردا.
وقوله عزّ وجلّ: (واتّخذوا من دون اللّه آلهة ليكونوا لهم عزّا (81)
أي أعوانا
وقوله: (كلّا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا (82)
أي يصيرون عليهم أعوانا.
وقوله: (ألم تر أنّا أرسلنا الشّياطين على الكافرين تؤزّهم أزّا (83)
في قوله (أرسلنا) وجهان:
أحدهما أنا خلينا الشياطين وإياهم، فلم نعصمهم من القبول منهم - قال أبو إسحاق: والوجه الثاني - وهو المختار - أنهم أرسلوا عليهم وقيّضوا لهم بكفرهم كما قال عزّ وجلّ: (ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين (36).
ومعنى (تؤزّهم أزّا) تزعجهم حتى يركبوا المعاصي إزعاجا فهو يدل على صحة الإرسال والتقييض، ومعنى الإرسال ههنا التسليط، يقال قد
[معاني القرآن: 3/345]
أرسلت فلانا على فلان إذا سلطته عليه، كما قال: (إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلّا من اتّبعك من الغاوين).
فأعلم اللّه عزّ وجلّ: (أن من اتبعه هو مسلط عليه.
وقوله عزّ وجلّ: (يوم نحشر المتّقين إلى الرّحمن وفدا (85)
معنى الوفد الركبان المكرمون.
(ونسوق المجرمين إلى جهنّم وردا (86)
مشاة عطاشا.
وقوله: (لا يملكون الشّفاعة إلّا من اتّخذ عند الرّحمن عهدا (87)
" من " جائز أن تكون في موضع رفع، وفي موضع نصب.
فأمّا الرفع فعلى البدل من الواو والنون، والمعنى لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا.
والعهد ههنا توحيه اللّه جل ثناؤه والإيمان به.
والنصب على الاستثناء ليس من الأول على: لا يملك الشفاعة المجرمون، ثم قال: (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)، على معنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يملك الشفاعة.
وقوله: (لقد جئتم شيئا إدّا (89)
وتقرأ (أدّا) - بالفتح - ومعناه شيئا عظيما من الكفر، وفيها لغة أخرى لا أعلم أنه قرئ بها، وهي: " شيء آدّا على وزن راد وماد، ومعناه كله: جئتم شيئا عظيما.
وقوله جلّ وعزّ: (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سيجعل لهم الرّحمن ودّا (96)
أي محبة في قلوب المؤمنين.
[معاني القرآن: 3/346]
وقوله جلّ وعزّ: (فإنّما يسّرناه بلسانك لتبشّر به المتّقين وتنذر به قوما لدّا (97)
(قوما لدّا).
جمع ألدّ مثل أصم وصمّ، والألدّ الشديد الخصومة.
وقوله عزّ وجلّ: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا (98)
(هل تحسّ منهم من أحد).
يقال: هل أحسست صاحبك أي هل رأيته، وتقول: قد حسّسهم - بغير ألف - إذا قتلهم.
وقوله: (أو تسمع لهم ركزا).
الركز الصوت الخفي.
[معاني القرآن: 3/347]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir