دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:14 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي من الاية 64 الى اخر السورة

وقوله: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (64)
بنصب (رحمة) المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا هدى ورحمة، أي ما أنزلناه عليك إلا للهداية والرحمة، فهو مفعول له.
ويجوز: وهدى ورحمة في هذا الموضع، المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا للبيان رهو - مع ذلك - هدى ورحمة.
(وإنّ لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشّاربين (66)
وتقرأ (نسقيكم) ويقال سقيته وأسقيته في معنى واحد.
قال سيبويه والخليل سقيته كما تقول ناولته فشرب. وأسقيته جعلت له سقيا، وكذلك قول الشاعر يحتمل المذهبين:
[معاني القرآن: 3/208]
سقى قومي بني مجد وأسقى... نميرا والقبائل من هلال
وهذا البيت وضعه النحويون على أنّه سقى وأسقى بمعنى واحد، وهو يحتمل التفسير الثاني.
والأنعام لفظه لفظ جمع، وهو اسم للجنس يذكر ويؤنث، يقال هو الأنعام وهي الأنعام. نسقيكم مما في بطونه.
وفي موضع آخر (مما في بطونها). فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن في إخراجه اللبن (من بين فرث ودم) دليلا على قدرة لا يقدر عليها إلا الله الذي ليس كمثله شيء.
وقوله عز وجل: (ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرا ورزقا حسنا إنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون (67)
أي فيما بيّنّا علامة تدل على توحيد اللّه.
وقالوا في تفسير قوله: (سكرا ورزقا حسنا) إنه الخمر من قبل أن تحرم.
والرزق الحسن يؤكل من الأعناب والتمور.
وقيل إن معنى السكر الطعم
وأنشدوا:
جعلت أعراض الكرام سكرا
أي جعلت دمهم طعما لك. وهذا بالتفسير الأول أشبه.
المعنى جعلت تتخمر بأعراض الكرام، وهو أبين - فيما يقال: الذي يتبرك. في أعراض الناس.
[معاني القرآن: 3/209]
وقوله: (وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا ومن الشّجر وممّا يعرشون (68)
وبيوتا. فمن قرأ بيوتا بالضم فهو القياس، مثل كعب وكعوب وقلب وقلوب، ومن قرأ بيوتا بالكسر فهذا لم يذكر مثله أحد من البصريين لأنهم لا يجيزون مثله. ليس في الكلام مثل فعل ولا فعول، والذين قرأوا به قلبوا الضمة إلى الكسرة من أجل الياء التي بعدها.
ومعنى الوحي في اللغة على وجهين يرجعان إلى معنى الإعلام والإفهام فمن الوحي وحي الله إلى أنبيائه بما سمعت الملائكة من كلامه، ومنه الإلهام كما قال اللّه: (وأخرجت الأرض أثقالها) إلى (بأن ربّك أوحى لها) معناه ألهمها. فاللّه أوحى إلى كل دابّة وذي روح في التماس منافعها واجتناب مضارها، فذكر من ذلك أمر النحل.
وواحد النحل نحلة، مثل نخل ونخلة - لأن فيها من لطيف الصنعة وبديع الخلق ما فيه أعظم معتبر بأن ألهمها اتخاذ المنازل والمساكن، وأن تأكل من كل الثمرات على اختلاف طعومها..
ثم سهل عليها سبيل ذلك فقال جلّ وعزّ: (ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكّرون (69)
أي قد ذللها اللّه لك وسهل عليك مسالكها.
ثم قال (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه).
فهي تأكل الحامض والمرّ وما لا يوصف طعمه فيحيل الله ذلك عسلا يخرج من بطونها إلا أنها تلقيه من أفواهها ولكنه قال: (من بطونها) لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطون فيخرج بعضها من الفم كالريق الدائم
[معاني القرآن: 3/210]
الذي يخرج من فم ابن آدم، فالنحل تخرج العسل من بطونها إلى أفواهها.
(فيه شفاء للنّاس).
في هذا قولان، قيل إن. الهاء يرجع على العسل، المعنى في العسل شفاء للناس. وقيل إن الهاء للقرآن، المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا القول إذا فسّر علم أنه حسن، المعنى فيما قصصنا عليكم من قصة النحل في القرآن وسائر القصص التي تدل على أن اللّه واحد شفاء للناس.
والتفسير في العسل حسن جدا.
فإن قال قائل: قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره العسل، فكيف يكون فيه شفاء للناس؟
فجواب هذا أن يقال له الماء حياة كل شيء فقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يصادف من علة في البدن، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة، لأن الجلّاب والسكنجيين، إنما أصلهما العسل، وكذلك سائر المعجونات.
وهذا الاعتراض في أمر العسل إنما هو اعتراض جهلة لا يعرفون قدرة في النفع، فأمّا من عرف مقدار النفع فهو وإن كان من غير أهل هذه الملة فهو غير رافع أن في العسل شفاء.
وقوله: (واللّه خلقكم ثمّ يتوفّاكم ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إنّ اللّه عليم قدير (70)
أي منكم من يكبر ويسن حتى يذهب عقله خرفا فيصير بعد أن كان عالما جاهلا، والمعنى - واللّه أعلم - (لكيلا يعلم بعد علم شيئا) أي ليريكم من قدرته أنه كما قدر على إماتته وإحيائه أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل.
وأعلم - عزّ وجلّ - أن الموت والحياة بيده، وأنه [الإنسان] قد
[معاني القرآن: 3/211]
يتغذى بالأغذية التي يتعمّد فيها الغاية في الصلاح والبقاء، فلا يقدر أن يزيد في مقدار مدته شيئا.
وقوله: (واللّه فضّل بعضكم على بعض في الرّزق فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة اللّه يجحدون (71)
أي قد فضل الله الملّاك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه وأعلم أن المالك ليس يردّ على مملوكه من فضل ما في يده حتى يستوي حالهما في الملك.
وقيل لهم: إنكم كلكم من بني آدم، وأنتم لا تسوون بينكم فيما ملكت أيمانكم، وأنتم كلكم بشر.
فكيف تجعلون بعض الرزق الذي رزقكم اللّه له، وبعضه لأصنامكم، فتشركون بين اللّه وبين الأصنام، وأنتم لا ترضون لأنفسكم فيمن هو مثلكم بالشركة.
وقوله: (أفبنعمة اللّه يجحدون).
فيها وجهان: يجوز أن يكون "، أفبان أنعم الله عليكم اتخذتم النعم لتجحدوا وتشركوا به الأصنام. وجائز أن يكون (أفبنعمة اللّه) أفبما أنعم اللّه عليكم بأن بين لكم ما تحتاجون إليه تجحدون.
وقوله: (واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون (72)
جاء في التفسير أن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فهو معنى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم.
وقوله: (وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة).
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل
[معاني القرآن: 3/212]
من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت... بأكفّهنّ أزمّة الأجمال
معناه أسرعوا في الخدمة.
وقوله: (فلا تضربوا للّه الأمثال إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (74)
أي لا تجعلوا للّه مثلا لأنه واحد لا مثل له، جلّ وعزّ، ولا إله إلّا هو - عز وجل. ثم ضرب لهم المثل فقال:
(ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا هل يستوون الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون (75)
فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن الاثنين المتساويين في الخلق إذا كان أحدهما مقتدرا على الإنفاق مالكا والآخر عاجزا لا يقدر على أن ينفق لا يستويان.
فكيف بين الحجارة التي لا تتحرك ولا تعقل وبين الله عزّ وجلّ الذي هو على كل شيء قدير، وهو رازق جميع خلقه، فبين لهم أمر ضلالتهم وبعدهم عن الطريق في عبادتهم الأوثان، ثم زاد في البيان فقال جلّ وعزّ:
(وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه أينما يوجّهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم (76)
والأبكم المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل، ثم قال: (وهو كلّ على مولاه).
أي على وليّه
(أينما يوجّهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم).
[معاني القرآن: 3/213]
أي هل يستوي القادر التام التمييز والعاجز الذي لا يحس ولا يأتي بخير، فكيف يسوون بين اللّه وبين الأحجار.
وقوله: (وللّه غيب السّماوات والأرض وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب إنّ اللّه على كلّ شيء قدير (77)
ومعناه - واللّه أعلم -: وللّه علم غيب السّماوات والأرض
(وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر).
والساعة اسم لإماتة الخلق وإحيائهم.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن البعث والإحياء في قدرته ومشيئته (كلمح البصر أو هو أقرب) ليس يريد أنّ الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها.
وقوله: (واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون (78)
و (إمّهاتكم) - بالكسر -، والأصل في الأمّهات " أمّات، ولكن الهاء زيدت مؤكدة كما زادوا هاء في قولهم أهرقت الماء، وإنما أصله أرقت الماء.
والأفئدة جمع فؤاد مثل غراب وأغربة.
ولم يجمع فؤاد على أكثر العدد، لم يقل فئدان، مثل غراب، وغربان.
ثم دلهم - سبحانه - على قدرته على أمر السّاعة بما شاهدوا من تدبيره فقال -:
(ألم يروا إلى الطّير مسخّرات في جوّ السّماء ما يمسكهنّ إلّا اللّه إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (79)
(جوّ السّماء) الهواء البعيد من الأرض، وأبعد منه من الأرض السكاك.
ومثل السّكاك اللوح، وواحد السّكاك سكاكة.
وقوله: (واللّه جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين (80)
[معاني القرآن: 3/214]
أي موضعا تسكنون فيه.
(وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا).
والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم
وقوله: (تستخفّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم).
معنى تستخفونها، أي يخف عليكم حملها في أسفاركم وإقامتكم.
ويقرأ (يوم ظعنكم)، وظعنكم.
(ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين).
الأوبار للإبل، والأصواف للضأن، والأشعار للمعز.
والأثاث متاع البيت، ويقال لمتاع البيت أيضا، الأهرة، ويقال: قد أثّ يئيث أثّا إذا صار ذا أثاث.
وقوله: (واللّه جعل لكم ممّا خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون (81)
أي جعل لكم من الشجر ما تستظلون به
(وجعل لكم من الجبال أكنانا).
واحد الأكنان كن، على وزن حمل وأحمال، ولا يجوز أن يكون واحدها كنانا، لأن جمع الكنان أكنة. أي جعل لكم ما يكنكم.
(وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ).
كل ما لبسته فهو سربال. من قميص أو درع أو جوشنن أو غيره، قال الله عزّ وجلّ: (سرابيلهم من قطران)، وقال (تقيكم الحرّ) ولم يقل تقيكم البرد لأن ما وقى من الحر وقى من البرد.
[معاني القرآن: 3/215]
وقوله: (وسرابيل تقيكم بأسكم).
أي جعل لكم دروعا تتقون بها في الحروب من بأس الحديد وغيره.
وقوله: (كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون).
أكثر القراء تسلمون، ويقرأ لعلكم تسلمون، أي لعلكم إذا لبستم الدروع في الحرب سلمتم من الجراح، ثم قال بعد أن - بيّن لهم الآيات:
(فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين (82)
أي عليك أن تبلغ الرسالة وتأتي بالآيات الدالة على النبوة.
وقوله: (يعرفون نعمت اللّه ثمّ ينكرونها وأكثرهم الكافرون (83)
أي يعرفون أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حق ثم ينكرون ذلك.
وقوله: (وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون (86)
أي لما رأى الذين أشركوا ما كانوا يشركون باللّه غير نافعهم وجحدتهم آلهتهم كما قال الله جلّ وعزّ: (كلّا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا (82).
وقوله: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)
روي في التفسير أن الّذي زيدوا عقارب لها أنياب كالنحل الطوال.
وقيل أيضا: إنهم يخرجون من حرّ النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النّار.
وقوله: (ويوم نبعث في كلّ أمّة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكلّ شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89)
كل نبي شاهد على أمّته، وهو أعدل شاهد عليها.
وقوله: (ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكلّ شيء).
[معاني القرآن: 3/216]
تبيان: اسم في معنى البيان، ومثل التّبيان التّلقاء، ولو قرئت تبيانا على وزن تفعال لكان وجها، لأن التبيان في معنى التبيين، ولا تجوز القراءة به لأنه لم يقرا به أحد من القراء.
وقوله: (وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إنّ اللّه يعلم ما تفعلون (91)
(ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها).
يقال: وكدت الأمر، وأكّدت الأمر. لغتان جيّدتان، والأصل الواو.
والهمزة بدل منها.
وقوله: (ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة إنّما يبلوكم اللّه به وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92)
(أنكاثا) منصوب لأنه في معنى المصدر لأن معنى نكثت نقضت، ومعنى نقضت نكثت، وواحد الأنقاض نكث وهو ما نقض بعد أن غزل.
قال الشاعر:.
ترعيّة تعرف الأرباع ضجعته... له نكاث من الأنجاد والفضل
وقوله: (تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم).
أي غشا بينكم وغلّا. و (دخلا) منصوب لأنه مفعول له.
المعنى: تتخذون أيمانكم للغش والدّخل، وكل ما دخله عيب قيل هو مدخول، وفيه دخل.
وقوله: (أن تكون أمّة هي أربى من أمّة).
لتغتز إحداهما بالأخرى، وأربى مأخوذ من ربا الشيء يربو إذا كثر.
وقوله: (ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (96)
يقال نفد الشيء ينفد نفادا ونفدا إذا فني.
[معاني القرآن: 3/217]
وقوله: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)
(فلنحيينّه حياة طيّبة).
قيل لنرزقنه حلالا، وقيل (حياة طيبة) الجنة.
وموضع: (أربى) رفع. المعنى: أن تكون أمة هي أكثر من أمة.
وزعم الفراء أن موضع (أربى) نصب و " هي " عماد، وهذا خطأ، " هي " لا تدخل عمادا ولا فصلا مع النكرات.
وشبهه بقوله: (تجدوه عند اللّه هو خيرا وأعظم أجرا).
و " تجدوه " الهاء فيه معرفة، و (أمّة) نكرة.
وقوله: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم (98)
معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم، ليس معناه استعذ باللّه بعد أن تقرأ، لأن الاستعاذة أمر بها قبل الابتداء، وهو مستعمل في الكلام، مثله إذا أكلت فقل بسم اللّه، ومثله في القرآن: (إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم) فالهيئة قبل الصلاة، والمعنى إذا أردتم ذلك فافعلوا.
وقوله: (وإذا بدّلنا آية مكان آية واللّه أعلم بما ينزّل قالوا إنّما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101)
أي: إذا نسخت آية بآية أخرى عليها فيها مشقة.
(قالوا إنّما أنت مفتر).
أي قالوا قد كذبتنا.
وقوله: (إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه وأولئك هم الكاذبون (105)
[معاني القرآن: 3/218]
أي: إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا اللّه كذبوا بها، فهؤلاء أكذب الكذبة.
قوله: (من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم (106)
(من) في موضع رفع على البدل من الكاذبين ومفسّر عن الكاذبين.
ولا يجوز أن يكون (من) رفعا بالابتداء، لأنه لا خبر ههنا للابتداء، لأنّ قوله: (من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان).
ليس بكلام تام، وبعده:
(ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه).
فقوله: (فعليهم غضب من اللّه) خبر (من) التي بعد (لكن).
وقوله: (ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشر لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين (103)
أعلم اللّه عزّ وجلّ نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ما يقولونه بينهم.
وقوله: (لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ).
ويقرأ " يلحدون "، أي لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي.
وقيل هذا غلام كان لحويطب اسمه عايش، أسلم وحسن إسلامه.
[معاني القرآن: 3/219]
(وهذا لسان عربيّ مبين).
يقال: عرب الإنسان: يعرب عروبيّة وعرابة وعروبة.
وقوله: (مبين).
وصفه بالبيان كما وصفه بأنه عربيّ، ومعنى عربيّ أن صاحبه يتكلم بالعربية ومعناه معرب: (مبين).
وقوله: (لا جرم أنّهم في الآخرة هم الخاسرون (109)
" أنّ " يصلح أن تكون في موضع رفع على أنّ " لا " ردّ للكلام، والمعنى وجب أنّهم، ويجوز أن تكون " أن " في موضع نصب على أن المعنى جرم فعلهم هذا أنهم في الآخرة هم الخاسرون. ومعنى جرم كسب، والمجرم الكاسب، وأكثر ما يستعمل للذنوب.
وقوله: (ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم (110)
أي من بعد الفعلة التي فعلوها. وهذه الآية في قصة عمّار بن ياسر وأصحابه حين عذبهم أهل مكة فأكرهوهم على أن تركوا الإيمان، وكفروا بألسنتهم وفي قلوبهم ونيّاتهم الإيمان، ثم هربوا منهم وهاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلحقهم جمع من أهل مكة فقاتلوهم حتى نجّاهم الله منهم، وصبروا على جهادهم.
وقوله: (يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها وتوفّى كلّ نفس ما عملت وهم لا يظلمون (111)
[معاني القرآن: 3/220]
(يوم) منصوب على أحد شيئين، على معنى (إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم، يوم تأتي) ويجوز أن يكون بمعنى اذكر لأن معنى القرآن العظة والإنذار والتذكير.
أي اذكر يوم تأتي كل نفس أي كل إنسان يجادل عن نفسه.
ويروى أنه إذا كان يوم القيامة زفرت جهنّم زفرة فلا يبقى ملك مقرّب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، وقال يا رب نفسي نفسي، وتصديق هذا قوله تعالى: (يوم يفرّ المرء من أخيه (34) وأمّه وأبيه (35).. الآية.
وقوله: (وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون (112)
المعنى - واللّه أعلم - وضرب الله مثلا مثل قرية كانت آمنة مطمئنة.
(يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان).
أي واسعا من كل مكان.
الذي جاء في التفسير أنه. يعني بها مكة، وذلك أنهم كانوا قد أمنوا الجوع والخوف لأن اللّه جل ثناؤه جعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
فأرزاقهم تأتيهم في بلدهم وكان حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم.
(فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف).
وقد جاعوا حتى بلغوا إلى أن أكلوا الوبر بالدّم، وبلغ منهم الجوع الحال التي لا غاية بعدها. وأنعم جمع نعمة، وقالوا شدّة، وأشدّ.
وقال قطرب: جائز أن يكون جمع نعم وأنعم، مثل بؤس وأبؤس.
وقوله: (ولقد جاءهم رسول منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون (113)
عذبهم اللّه بالسيف والقتل.
[معاني القرآن: 3/221]
وقوله: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون (116)
في الكذب ثلاثة أوجه، قرئت الكذب، وقرئت الكذب، وقرئت الكذب، فمن قرأ - وهو أكثر القراءة - الكذب فالمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب: (هذا حلال وهذا حرام).
ومن قرأ الكذب كان ردّا على ما المعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب. ومن قرأ الكذب فهو نعت للألسنة، يقال لسان كذوب وألسنة كذوب.
وهذا إنما قيل لهم لما كانوا حرموه وأحلوه، فقالوا: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا).
وقد شرحنا ذلك في موضعه.
وقوله: (متاع قليل ولهم عذاب أليم (117)
المعنى متاعهم هذا الذي فعلوه متاع قليل.
ولو كان في غير القرآن لجاز فيه النّصب: متاعا قليلا، على أن المعنى يتمتعون كذلك متاعا قليلا.
وقوله: (إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا ولم يك من المشركين (120)
جاء في التفسير أنه كان آمن وحده، وفي أكثر التفسير أنه كان معلّما للخير وإماما حنيفا قيل أخذ بالختانة.
وحقيقته في اللغة أن الحنيف المائل إلى الشيء لا يزول عنه أبدا، فكان عليه السلام مائلا إلى الإسلام غير زائل عنه.
وقالوا في القانت هو المطيع، والقانت القائم بجميع أمر الله - جلّ وعزّ -.
وقوله: (ولم يك من المشركين).
(لم يك) أصلها لم يكن، وإنما حذفت النون عند سيبويه لكثرة استعمال هذا الحرف، وذكر الجلة من البصريين أنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف، وأنها مع ذلك قد أشبهت
[معاني القرآن: 3/222]
حروف اللين لأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة، وأنها غنة تخرج من الأنف. فلذلك احتملت الحذف.
وقوله: (إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (124)
الكلام يدل على أنهم ألزموا آية نبوة موسى عليه السلام.
وجاء في التفسير أنه حرمه بعضهم وأحلّه بعضهم.
وهذا أدلّ ما جاء من الاختلاف في السبت، وقد جاء كثير في التفسير أنهم أمروا بأن يتّخذوا عيدا فخالفوا وقالوا نريد يوم السبت لأنه آخر يوم فرغ فيه من خلق السّماوات والأرض، وأن عيسى أمر النصارى أن يتخذوا الجمعة عيدا فقالوا لا يكون عيدنا إلا بعد عيد اليهود فجعلوه الأحد، واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
وقوله: (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125)
جاء في التفسير: (الحكمة) النبوة، و (الموعظة) القرآن.
(وجادلهم بالتي هي أحسن).
أي جادلهم غير فظ ولا غليظ القلب في ذلك. ألن لهم جانبك.
(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين (126)
سمّي الأول عقوبة، وإنما العقوبة الثاني - لازدواج الكلام لأن الجنسين في الفعل معنى واحد. ومثله: (وجزاء سيّئة سيّئة مثلها) فالثاني ليس بسيئة ولكنه سمّي به ليتفق اللفظ، لأن معنى القتل واحد وقد بيّنّا نظير هذا في سورة آل عمران في قوله: (ومكروا ومكر اللّه).
وجاء في التفسير أن المسلمين همّوا بأن يمثّلوا بالمشركين، لأنهم كانوا
[معاني القرآن: 3/223]
قد مثّلوا بهم، فهمّ المسلمون بأن يزيدوا في المثلة، فأمروا بأن لا يزيدوا وجائز - واللّه أعلم - أن يكون معنى: (وجزاء سيّئة سيّئة مثلها) أي من فعل به ما يجب فيه القصاص فلا يجاوز القصاص إلا بمثل.
وقوله جلّ وعزّ: (ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين).
هو مثل قوله: (فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه).
وقوله: (واصبر وما صبرك إلّا باللّه ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق ممّا يمكرون (127)
ضيق، في معنى ضيّق مخفف، مثل ميت وميّت. وجائز أن يكون بمعنى الضّيق، فيكون مصدرا لقولك ضاق الشيء يضيق ضيقا.
وقوله: (إنّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون (128)
أي إن اللّه ناصرهم، كما قال: (لا تحزن إنّ اللّه معنا).
فقد وعد في هذه الآية بالنّصر.
[معاني القرآن: 3/224]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir