دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:08 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة إبراهيم

سورة إبراهيم
مكية إلّا اثنتين منها
نزلت بالمدينة (ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت اللّه) إلى قوله: (وبئس القرار).
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم إلى صراط العزيز الحميد (1)
(كتاب) مرفوع على خبر الابتداء، المعنى هذا كتاب أنزلناه إليك.
وقال بعضهم كتاب مرتفع بقوله (الر) و (الر) ليست هي الكتاب إنما هي شيء من الكتاب. ألا ترى قوله (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين).
فإنما الكتاب جملة الآيات وجملة القرآن.
وقوله: (لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم).
(الظلمات) ما كانوا فيه من الكفر، لأن الكفر غير بين فمثل بالظلمات.
والإيمان بين نيّر فمثل بالنور، والباء متصلة بـ يخرج، المعنى ليخرج الناس بإذن ربّهم، أي بما أذن اللّه لك من تعليمهم، ويجوز أن يكون بإذن ربّهم أنه لا يهتدي مهتد إلا بإذن اللّه ومشيئته، ثم بيّن ما النور فقال:
(إلى صراط العزيز الحميد).
[معاني القرآن: 3/153]
(الحميد) خفض من صفة (العزيز) ويجوز الرفع على معنى الحميد اللّه ويرتفع (الحميد) بالابتداء وقولك " اللّه " خبر الابتداء، ويجوز أن يرفع اللّه ويخفض (الحميد) على ما وصفنا.
ويكون اسم اللّه يرتفع بالابتداء.
وقوله عزّ وجلّ: (الّذين يستحبّون الحياة الدّنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد (3)
(ويبغونها عوجا).
أي يطلبون غير سبيل القصد وصراط الله وهو القصد، والعوج في الدين مبني على فعل، وفي العصا عوج بفتح العين.
ونصب (عوجا) على الحال مصدر موضوع في موضع الحال.
وقوله عزّ وجلّ: (وما أرسلنا من رسول إلّا بلسان قومه ليبيّن لهم فيضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم (4)
أي بلغة قومه ليعقل عنه قومه، (فيضل اللّه من يشاء)، الرفع هو الوجه وهو الكلام وعليه القراءة، والمعنى إنما وقع الإرسال للبيان لا للإضلال.
ويجوز النصب على وجه بعيد، فيكون (ليبيّن لهم فيضلّ اللّه من يشاء ويهدي)، ويكون سبب الإضلال الصيرورة إليه كما قال: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا)، أي التقطوه فآل ذلك إلى أن صار لهم عدوا وحزنا، ولم يلتقطوه هم ليكون لهم عدوا وحزنا، وكذلك يكون: (فيضلّ اللّه من يشاء)، أي فيؤول الأمر إلى أن يضلوا فيضلهم اللّه.
والقول الأول هو القول وعليه القراءة.
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور وذكّرهم بأيّام اللّه إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور (5)
أي البرهان الذي دل على صحة نبوته، نحو إخراج يده بيضاء وكون العصا حيّة.
وقوله عزّ وجلّ: (أن أخرج قومك).
[معاني القرآن: 3/154]
أي بأن أخرج قومك. المعنى أرسلناه بأن يخرج قومه (من الظلمات إلى النور)، أي من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.
و " أن " ههنا يصلح أن يكون لي معنى " أن " المخففة، وتكون مفسّرة، ويكون المعنى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج قومك، كأن المعنى قلنا له: أخرج قومك، ومثل هذا: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا).
أي امشوا. والتأويل: قالوا لهم: امشوا.
قال سيبويه تقول كتبت إليه أن قم، وأمرته أن قم، إن شئت كانت " أن " وصلت بالأمر، والتأويل تأويل الخبر، المعنى كتبت إليه أن يقوم وأمرته أن يقوم، إلا أنها وصلت بلفظ الأمر للمخاطب، والمعنى معنى الخبر، كما تقول، أنت الذي فعلت، والمعنى أنت الذي فعل قال: ويجوز أن يكون في معنى أي، ومثله أرسلت إليه أن ما أنت وذا.
وقوله: (وذكّرهم بأيّام اللّه).
(وذكّرهم) عطف على (اخرج)، وتذكيرهم بأيام اللّه، أي تذكيرهم بنعم أيام الله عليهم، وبنقم اللّه التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، أي ذكرهم بالأيام التي سلفت لمن كفر وما نزل بهم فيها، وذكرهم. بنعم اللّه.
والدليل على أن التذكير مشتمل على الإنذار والتّحذير مما نزل بمن قبلهم قوله عزّ وجلّ بعد هذه الآية: (ألم يأتكم نبأ الّذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم لا يعلمهم إلّا اللّه جاءتهم رسلهم بالبيّنات فردّوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنّا كفرنا بما أرسلتم به وإنّا لفي شكّ ممّا تدعوننا إليه مريب (9)
أي ألم يأتهم أخبار أولئك والنوازل بهم، (لا يعلمهم إلّا اللّه).
فأعلم الله أن بعد هؤلاء أمما قد مضى من كان يعلم أنباءها، ومن هذا
[معاني القرآن: 3/155]
قيل: كذب النّسّابون لأنهم لا يعلمون من كان بعد هؤلاء.
وهذا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(جاءتهم رسلهم بالبيّنات فردّوا أيديهم في أفواههم).
يروى عن ابن مسعود أنهم عضوا أناملهم غيظا مما أتتهم به الرسل.
وقيل: (ردّوا أيديهم في أفواههم)، أومأوا إلى الرسل أن اسكتوا.
وقيل ردوا أيديهم، الهاء والميم يرجعان على الرسل، المعنى ردوا أيدي الرسل أي نعم الرسل لأن مجيئهم بالبيّنّات نعم، تقول: لفلان عندي يد أي نعمة، ومعنى في أفواههم بأفواههم، أي ردوا تلك النعم بالنطق بالتكذيب لما جاءت به الرسل، والمعنى أن الردّ جاء في هذه الجهة، وفي معناها، كما تقول: جلست في البيت، وجلست بالبيت.
وقالوا: (وقالوا إنّا كفرنا بما أرسلتم به).
هذا هو الرد.
وقوله عزّ وجلّ: (واستفتحوا وخاب كلّ جبّار عنيد (15)
(استفتحوا) يعنى به الرسل، سألوا اللّه أن يفتح عليهم أي ينصرهم.
وكل نصر فهو فتح، والجبّار الذي لا يرى لأحد عليه حقّا، والعنيد الذي يعدل عن القصد، يقال جبّار بين الجبريّة، والجبريّة - بكسر الجيم - والجبرية بكسر الجيم والباء، والجبروّة والجبروّة، والتجبار والجبرياء، والجبّورة والجبروت.
(من ورائه جهنّم ويسقى من ماء صديد (16)
أي جهنم بين يديه، و " وراء " يكون لخلف وقدّام، وإنما معناه ما توارى
[معاني القرآن: 3/156]
عنك أي ما استتر عنك، وليس من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة، قال النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة... وليس وراء الله للمرء مذهب
أي ليس بعد مذاهب الله للمرء مذهب.
(ويسقى من ماء صديد).
أي مما يسيل من أهل النّار من الدّم والقيح.
(يتجرّعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كلّ مكان وما هو بميّت ومن ورائه عذاب غليظ (17)
أي لا يقدر على ابتلاعه، يقال ساغ لي الشراب وأسغته.
(ومن ورائه عذاب غليظ).
أي من بعد ذلك.
وقوله عزّ وجلّ: (مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضّلال البعيد (18)
(مثل الّذين كفروا بربّهم)
فهو مرفوع على معنى وفيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا بربّهم، أو مثل الذين كفروا بربهم - فيما يتلى عليكم، وجائز أن يكون - واللّه أعلم - مثل الذين كفروا بربهم صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم، كأنك قلت: " الذين كفروا بربهم أعمالهم"، كما تقول صفة زيد أسمر، المعنى زيد أسمر وتأويله أن كل ما يتقرب به الذين كفروا إلى اللّه فمحبط.
قال الله عزّ وجلّ: (حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة).
ومثله: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم).
[معاني القرآن: 3/157]
وقوله: (وبرزوا للّه جميعا فقال الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب اللّه من شيء قالوا لو هدانا اللّه لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص (21)
أي جمعهم الله في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع.
(فقال الضعفاء)، وهم الأتباع.
(للذين استكبروا) وهم المتبوعون.
(إنّا كنّا لكم تبعا).
أي اتبعناكم فيما دعوتمونا إليه، وتبعا جمع تابع، يقال تابع وتبع، مثل غائب وغيب، وجائز أن يكون تبع مصدرا سمّي به، أي كنا ذوي تبع.
وقوله عزّ وجلّ: (سواء علينا أجزعنا أم صبرنا).
(سواء) رفع بالابتداء، و (أجزعنا) في موضع الخبر.
(ما لنا من محيص).
أي ما لنا من مهرب ولا معدل عن العذاب، يقال حاص عن الشيء يحيص، وجاص عنه يجيص في معنى واحد.
وهذه اللغة لا تجوز في القرآن ويقال: وقع في حيص بيص، وحاص باص وحاص باص، إذا وقع فيما لا يقدر أن يتخلص منه.
(وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل إنّ الظّالمين لهم عذاب أليم (22)
روي أنه إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النّار قام إبليس عليه لعنة الله خطيبا، فقال: (إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ)، أي وعد من أطاعه الجنة ووعد من عصاه النّار، (ووعدتكم) خلاف ذلك وما كان لي عليكم من سلطان. أي ما أظهرت لكم من حجة.
(إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي).
أي أغويتكم وأضللتكم، فاتبعتموني.
ذكر اللّه - عزّ وجلّ - أن إبليس
[معاني القرآن: 3/158]
وما يقوله في القيامة تحذيرا من إضلاله وإغوائه.
(ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ).
أي ما أنا بمغيثكم، ولا أنتم بمغيثي، قرئت بمصرخيّ - بفتح الياء.
كذا قرأه الناس، وقرأ حمزة والأعشى بمصرخيّ بكسر الياء، وهذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف ذكره بعض النحويين، وذلك أن ياء الإضافة إذا لم يكن قبلها ساكن حرّكت إلى الفتح:
تقول: هذا غلامي قد جاء، وذلك أن الاسم المضمر لمّا كان على حرف واحد وقد منع الإعراب حرك بأخف الحركات، كما تقول: هو قائم فتفتح الواو، وتقول: أنا قمت فتفتح النون، ويجوز إسكان الياء لثقل الياء التي قبلها كسرة، فإذا كان قبل الياء ساكن حرّكت إلى الفتح لا غير، لأن أصلها أن تحرك ولا ساكن قبلها، وإذا كان قبلها ساكن صارت حركتها لازمة لالتقاء السّاكنين،.
ومن أجاز بمصرخيّ بالكسر لزمه أن يقول: هذه عصاي أتوكأ عليها، وأجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء السّاكنين الكسر، وأنشد:
قال لها هل لك يا ثافيّ... قالت له ما أنت بالمرضيّ
[معاني القرآن: 3/159]
وهذا الشعر مما لا يلتفت إليه، وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله عزّ وجلّ.
(إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل).
إني كفرت بشرككم - أيها التّباع - إياي باللّه، كما قال - عزّ وجلّ -: (ويوم القيامة يكفرون بشرككم).
وقوله تعالى: (عذاب أليم) معناه وجيع مؤلم.
وقوله عزّ وجلّ: (ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء (24)
ضرب اللّه - عزّ وجلّ - للإيمان به مثلا، وللكفر به مثلا، فجعل مثل المؤمن في نطقه بتوحيده والإيمان بنبيه واتباع شريعته، كالشجرة الطيبة.
فجعل نفع الإقامة على توحيده كنفع الشجرة الطيبة التي لا ينقطع نفعها وثمرها، وجاء في التفسير أن الشجرة الطيبة النخلة، والدليل على أن هذا المثل يراد به توحيد اللّه، والإيمان بنبيّه وشريعته قوله - عزّ وجلّ -: (يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة).
وقوله: (تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ويضرب اللّه الأمثال للنّاس لعلّهم يتذكّرون (25)
اختلف الناس بتفسير الحين، فقال بعضهم كل سنة، وقال بعضهم: كل
[معاني القرآن: 3/160]
ستة أشهر، وقال بعضهم: غدوة وعشية.
وقال بعضهم: الحين شهران.
وجميع من شاهدنا من أهل اللغة يذهب إلى أنّ الحين اسم كالوقت.
يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت.
فالمعنى في قوله تعالى (تؤتي أكلها كلّ حين) أنها ينتفع بها في كل وقت، لا ينقطع نفعها ألبتّة، والدّليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة، أنشده الأصمعي في صفة الحيّة والملدوغ.
تناذرها الراقون من سوء سمها... تطلقه حينا وحينا تراجع
فالمعنى أن السم يخفّ ألمه في وقت ويعود وقتا.
(ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار (26)
قيل إن الشجرة الخبيثة الحنظل وقيل الكوث.
(اجتثّت من فوق الأرض).
معنى (اجتثّت) استؤصلت من فوق الأرض، ومعنى اجتثّت في اللغة أخذت جثّته بكمالها:
(ما لها من قرار).
فالمعنى أنّ ذكر اللّه بالتّوحيد يبقى أبدا ويبقى نفعه أبدا، وأن الكفر والضلال لا ثبوت له.
[معاني القرآن: 3/161]
وقوله تعالى: (يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة ويضلّ اللّه الظّالمين ويفعل اللّه ما يشاء (27)
روي أن هذه الآية نزلت في عذاب القبر، فإذا مات الميّت قيل له: من ربّك وما دينك ومن نبيك، فإذا قال: اللّه ربي ومحمد نبي والإسلام ديني.
فقد ثبّته الله بالقول الثابت في الآخرة لأن هذا بعد وفاته، وتثبيته في - الدنيا، لأنه لا يلفقه في الآخرة إلا أن يكون ذلك عقدة في الدنيا.
وقوله عزّ وجلّ: (ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار (28)
والبوار الهلاك والاستئصال.
(جهنّم يصلونها وبئس القرار (29)
(جهنّم) بدل من قوله (دار البوار) ومفسّرة... وجهنم لم تصرف لأنها مؤنثة وهي معرفة.
وقوله: (وجعلوا للّه أندادا ليضلّوا عن سبيله قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار (30)
النّدّ: المثل، بيّن وجه كفرهم.
(ليضلّوا عن سبيله)، وليضلوا، قرئ بهما جميعا.
وقوله: (قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (31)
إن شئت حركت الياء، وإن شئت أسكنتها.
و (يقيموا) جزم على جواب الأمر، وفيه غير وجه، أجودها أن يكون مبنيا، لأنه في موضع الأمر.
وجائز أن يكون مجزوما بمعنى اللام إلا أنها أسقطت، لأن الأمر قد دل على الغائب بقل، تقول: قل لزيد ليضرب عمرا، وإن شئت قلت: قل لزيد
[معاني القرآن: 3/162]
يضرب عمرا، ولا يجوز قل يضرب زيد عمرا ههنا بالجزم حتى تقول ليضرب، لأن لام الغائب ليس ههنا منها عوض إذا حذفتها.
وفيها وجه ثالث على جواب الأمر على معنى قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة يقيموا الصلاة، لأنهم إذا آمنوا وصدّقوا، فإن تصديقهم بقبولهم أمر اللّه - عزّ وجلّ -.
وقوله: (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال).
إن شئت رفعت البيع والخلال جميعا، وإن شئت نصبتهما جميعا بغير تنوين وإن شئت نصبت أحدهما ورفعت الآخر، فالنصب على النفي بلا، وقد شرحنا ذلك فيما سلف من الكتاب، والخلال والخلة في معنى الصداقة.
وقوله عزّ وجلّ: (وسخّر لكم الشّمس والقمر دائبين وسخّر لكم اللّيل والنّهار (33)
معناه: دائبين في إصلاح ما يصلحانه من الناس والنبات لا يفتران.
(وآتاكم من كلّ ما سألتموه وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها إنّ الإنسان لظلوم كفّار (34)
وتقرأ (من كلّ ما سألتموه) بتنوين (كلّ)، فموضع " ما " خفض بالإضافة والمعنى من كل الذي سألتموه.
ومن قرأ (من كلّ ما سألتموه) فموضع " ما " نصب.
والمعنى وآتاكم من كل الأشياء التي سألتموه.
فإن قال قائل: فقد أعطى العباد ما لم يسألوا؟
قيل له ذلك غير ناقض هذه الآية، إذا قال: (وآتاكم من كل الذي سألتموه) لم يوجب هذا أن يكون لم يعطهم غير ما سألوه، ويجوز أن يكون " ما " نفيا، ويكون المعنى وآتاكم من كل ما لم تسألوه، أي آتاكم كل الشيء الذي لم تسألوه.
[معاني القرآن: 3/163]
وقوله عزّ وجلّ: (إنّ الإنسان لظلوم كفّار).
هذا اسم للجنس يقصد به الكافر خاصّة، كما قال: (والعصر (1) إنّ الإنسان لفي خسر (2) إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات).
والإنسان غير المؤمن ظلوم كفار.
(وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام (35)
يعني مكة
(واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام).
وتقرأ (واجنبني وبني) على أجنبته كذا وكذا إذا جعلته ناحية منه، وكذلك جنبته كذا وكذا.
ومعنى الدعاء من إبراهيم عليه السلام أن يجنب عبادة الأصنام، وهو غير عابد لها على معنى ثبّتني على اجتناب عبادتها كما قال: (واجعلنا مسلمين لك) أي ثبّتنا على الإسلام.
(ربّ إنّهنّ أضللن كثيرا من النّاس فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفور رحيم (36)
أي ضلّلوا بسببها، لأن الأصنام لا تعقل ولا تفعل شيئا، كما تقول قد فتنتني هذه الدار.، أي أنا أحببتها واستحسنتها، وافتتنت بها.
(فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفور رحيم).
أي فإنك غفور رحيم له إن تاب وإن آمن، لا أنه يقول إن من كفر فإن اللّه غفور رحيم، فإن اللّه لا يغفر له، ألا ترى قوله في أبيه: (فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ للّه تبرّأ منه).
[معاني القرآن: 3/164]
(ربّنا إنّي أسكنت من ذرّيّتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربّنا ليقيموا الصّلاة فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم وارزقهم من الثّمرات لعلّهم يشكرون (37)
(فاجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم).
أي اجعل أفئدة جماعة من الناس تنزع إليهم، ويجوز تهوى إليهم.
فمن قرأ تهوي إليهم فهو على هوى يهوي إذا ارتفع، ومن قرأ تهوى إليهم فعلى هوي يهوى إذا أحب، والقراءة الأولى هي المختارة.
وقوله عزّ وجلّ: (ربّ اجعلني مقيم الصّلاة ومن ذرّيّتي ربّنا وتقبّل دعاء (40)
أي واجعل من ذرّيّتي من يقيم الصلاة.
(ربّنا وتقبّل دعاء).
القراءة بغير " ياء " في دعائي، إذا وقفت، فإذا وصلت فأنت بالخيار إن شئت قلت دعاء بغير ياء، وكانت الكسرة في الهمزة تنوب عن الياء، والأجود إثبات الياء، وإن شئت أسكنتها، وإن شئت فتحتها.
وقوله: (ربّنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب (41)
هذا قبل أن يتبين لإبراهيم أن أباه عدوّ للّه، فلما تبيّن له ذلك تبرأ منه.
وقيل إنه يعني بوالديه هنا آدم وحواء وقيل أيضا ولولديّ، يعني به إسماعيل وإسحاق، وهذه القراءة ليست بشيء لأنها خلاف ما عليه أهل الأمصار من أهل القراءات.
(يوم يقوم الحساب).
يعني يوم القيامة، و " يوم " منصوب بـ (اغفر لي).
وقوله: (مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء (43)
(مهطعين) منصوب على الحال، المعنى إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه
[معاني القرآن: 3/165]
أبصارهم مهطعين أي مسرعين.
قال الشاعر:
بدجلة أهلها ولقد أرأهم... بدجلة مهطعين إلى السماع
أي مسرعين.
و (مقنعي رءوسهم) رافعيها ملتصقة بأعناقهم، والمقنع الرافع.
والمقنع المرتفع
قال الشاعر:.
يبادرن العضاه بمقنعات... نواجذهنّ كالحدأ الوقيع
يصف إبلا ترعى الشجر وأن أسنانها مرتفعة كالفؤوس.
وقوله: (وأفئدتهم هواء).
أي منحرفة لا تعي شيئا من الخوف، وقيل نزعت أفئدتهم من أجوافهم
قال الشاعر:
كأنّ الرّحل منها فوق صعل... من الظّلمان جؤجؤه هواه.
وقوله عزّ وجلّ: (وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46)
القراءة بكسر اللام الأولى، من " لتزول " وفتح اللام الأخيرة، هي قراءة حسنة جيدة، والمعنى وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، أي ما كان
[معاني القرآن: 3/166]
مكرهم ليزول به أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر دين الإسلام وثبوته كثبوت الجبال الراسية، لأن الله عزّ وجلّ وعد نبيّه عليه السلام إظهار دينه على كل الأديان فقال: (ليظهره على الدّين كلّه) ودليل هذا قوله:
(فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيز ذو انتقام (47)
أي لا يخلفهم ما وعدهم من نصرهم وإظهار نبوتهم وكلمتهم، ويقرأ (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) على الرفع وفتح اللام الأولى.
ومعناه معنى حسن " صحيح.
والمعنى: وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه، ومكرهم عنده لا يخفى عليه.
فإن قال قائل: فهل زالت الجبال لمكرهم؛ فقد روي في بعض التفسير قصة التابوت والنّسور، وأن الجبال ظنت أن ذلك أمر من أمر اللّه عظيم فزالت، وقيل هذا في قصة النمرود ابن كنعان؛ ولا أرى لنمرود ههنا ذكرا، ولكنه إذا صحت الأحاديث به فمعناه أن مكر هؤلاء لو بلغ مكر ذاك لم ينتفعوا به، وأمّا ما توحيه اللغة وخطاب العرب فأن يكون المعنى وإن لم يكن جبل قط، زال لمكر المبالغة في وصف الشيء أن يقال: لو بلغ ما لا يظن أنه يبلغ ما انتفع به.
قال الأعشى:
[معاني القرآن: 3/167]
لئن كنت في جبّ ثمانين قامة... ورقّيت أسباب السماء بسلّم
ليستدرجنك الأمر حتى تهرّه... وتعلم أني لست عنك بمحرم
فإنما بالغ في الوصف وهو يعلم أنه لا يرقّى أسباب السماء، ولا يكون في جبّ ثمانين قامة فيستدرجه القول.
فالمعنى على هذا: لو أزال مكرهم الجبال لما زال أمر الإسلام وما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(فلا تحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله إنّ اللّه عزيز ذو انتقام (47)
وقرئت مخلص وعده رسله، وهذه القراءة التي بنصب الوعد وخفض الرسل شاذّة رديئة، لا يجوز أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه.
وأنشدوا في مثل هذا:
[معاني القرآن: 3/168]
فزجّجتها بمزجّة... زجّ القلوص أبي مزاده
المعنى فزججتها بمزجّة زجّ أبي مزادة القلوص.
والقراءة: (مخلف وعده رسله)، كما تقول: هذا معطي درهم زيدا
(يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات وبرزوا للّه الواحد القهّار (48)
إن شئت نصبت اليوم على النعت لقوله: يوم يقوم الحساب يوم تبدل الأرض.
وإن شئت أن يكون منصوبا بقوله ذو انتقام، المعنى أن الله عزّ وجل ذو انتقام أي بينهم يوم تبدل الأرض غير الأرض، والأرض مرفوعة على اسم ما لم يسمّ فاعله، وغير منصوبة على مفعول ها لم يسم فاعله، تقول: بدّل الخاتم خاتما آخر إذا كسر وصيغ صيغة أخرى، وقد تقول بدّل زيد إذا تغيرت حاله، فمعنى تبدل الأرض غير الأرض تسيير جبالها وتفجير بحارها وكونها مستوية لا يرى فيها عوج ولا أمت، فهذا - والله أعلم - تبديلها.
(والسّماوات).
أي وتبدل السّماوات غير السّماوات، وتبديل السّماوات انتثار كواكبها وانفطارها وانشقاقها وتكوير شمسها وخسوف قمرها.
(وبرزوا للّه الواحد القهّار).
أي خرجوا من قبورهم بارزين.
(وترى المجرمين يومئذ مقرّنين في الأصفاد (49)
[معاني القرآن: 3/169]
والأصفاد الأغلال، واحدها صفد، يقال صفدته بالحديد، وأصفدته.
وصفدت في الحديد أكثر، وأصفدته إذا أعطيته، وصفدته إذا أعطيته أيضا إلا أن الاختيار في العطية أصفدته وفي الحديد صفدته.
قال الشاعر:
وإن جئته يوما فقرّب مجلسي... وأصفدني على الزّمانة قائدا
معناه أعطاني قائدا.
سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النّار (50)
السربال كل ما لبس.
وجعلت سرابيلهم من قطران - واللّه أعلم - لأن القطران يبالغ في اشتعال النار في الجلود، ولو أراد الله المبالغة في إحراقهم
بغير نار وغير قطران لقدر على ذلك، لكن عذب بما يعقل العباد العذاب من جهته وحذرهم ما يعرفون حقيقته، وقرئت (من قطر آن)، قرأ بها جماعة.
والقطر النحاس، وآن قد انتهى حرّه.
[معاني القرآن: 3/170]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir