تطبيق علي الأسلوب الاستنتاجي
قوله تعالي في سورة المدثر (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
في الآية الكريمة عدة فوائد
1- الرد علي المعتزلة والجبرية والقدرية في نفيهم مشيئة العبد. والدليل قوله تعالي ( وما يذكرون) فنسب التذكر إلي العباد فيكون الفعل منهم, والفعل من العبد لا يكون إلا عن إرادة ومشيئة.
2- إثبات الإيمان بالقضاء والقدر. والدليل قوله تعالي ( إلا أن يشاء الله) لأن المشيئة أحدي مراتب الإيمان بالقضاء والقدر
3- إثبات مشيئة الرب جل وعلا. والدليل قوله تعالي (إلا أن يشاء الله)
4- إثبات الأسباب والمسببات والدليل قوله تعالي (وما يذكرون إلا أن يشاء الله) فالسبب هو إرادة الله عز وجل أن يتذكر هذا العبد فيهيئ للعبد الأسباب التي تجعله يتذكر.
5- أن مشيئة العبد مرتبطة بمشيئة الرب. والدليل قوله تعالي (وما يذكرون إلا أن يشاء الله)
6- أن التذكر والاعتبار فضل ومنة من الله عزوجل يهبه لمن يشاء. والدليل قوله تعالي (وما يذكرون إلا أن يشاء الله).
7- أن تذكر الكفار لا ينفعهم لأنهم لا يريدون الأهتداء وإنما يريدون المجادلة. والدليل قوله تعالي (وما يذكرون إلا أن يشاء الله). ووجهه أنهم لو صدقوا في طلبهم التذكر لنفعهم الله به ولكن لما علم الله عز وجل أنهم لا ينتفعون بهذا التذكر لم يهيئ أسباب الأنتفاع به.
8- أن ثمرة التذكر العمل بطاعة الله عز وجل وإلا كان التذكر حجة علي العبد. والدليل قوله تعالي ( هو أهل التقوي ) فمن اتقي عذاب الله فعل ما أمره به الله واجتنب ما نهاه عنه.
9- تتعلق بمشيئة العبد عبودية الاجتهادُ واستفراغُ الوسع، والاختيارُ، والسَّعْي. والدليل قوله تعالي ( هو أهل التقوي )
10- يتعلق بمشيئة الرب عبودية الاستعانةُ بالله، والتوكُّلُ عليه، واللَّجأُ إليه، واستنزالُ التوفيقِ والعَوْنِ منه، والعلمُ بأن العبد لا يمكنه أن يشاءَ ولا يفعلَ حتَّى يجعله الله كذلك. والدليل قوله تعالي ( هو أهل التقوي ) وذلك أن العبد يطلب من الله عز وجل التوفيق للطاعة والمداومة عليها وهذا لا يكون الإ بالاستعانة بالله والتوكل عليه.
11- أنَّ مشيئة الله سبحانه تارةً تتعلَّق بفعله، وتارةً تتعلَّق بفعل العبد. فتعلُّقها بفعله سبحانه هو أن يشاء من نفسه إعانةَ عبده، وتوفيقَهُ، وتهيئتَهُ للفعل، وهي مستلزمة لفعل العبد ومشيئته, أما تعلقها بفعل العبد فإن الله قد يشاء من عبده فعل شيء ولكن العبد لا يفعله لأنَّه لم يشأ من نفسه سبحانه إعانتَهُ عليه، وتوفيقَهُ له. والدليل قوله تعالي (وما يذكرون إلا أن يشاء الله)
12- أن في الآية ترغيب في طاعة الله عز وجل وترهيب من الخروج عن طاعته. والدليل قوله تعالي ( هو أهل التقوي وأهل المغفرة )
13- أن الله عز وجل أحق أن يتقي وذلك لما له من صفات القوة والعزة والغلبة والقهر علي أكمل وجه ومن غير نقص فمن كانت هذه صفاته فيجب أن يتقي غضبه وعصيانه لكي لا يتحقق عذابه لمن عصاه كما روي الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ وَقَالَ «قَالَ رَبُّكُمْ أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلَا يُجْعَلْ مَعِي إِلَهٌ فَمَنِ اتَّقَى أَنْ يَجْعَلَ مَعِي إِلَهًا كَانَ أَهْلًا أَنْ أَغْفِرَ لَهُ». والدليل قوله تعالي ( هو أهل التقوي وأهل المغفرة )
14- أن الله عز وجل أحق أن يغفر لمن اتقاه وخاف مقامه وذلك لما له من صفات الرحمة والمغفرة والستر علي عباده وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن الحسن قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى إني لأجدني أستحي من عبدي يرفع يديه إليّ ثم يردهما من غير مغفرة، قالت الملائكة: إلهنا ليس لذلك بأهل قال الله تعالى لكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم أني قد غفرت له. وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية فقال: يقول ربكم جلت قدرته وعظمته: أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله غيري ومن اتقى أن يجعل معي إلها غيري فأنا أغفر له والدليل قوله تعالي ( هو أهل التقوي وأهل المغفرة )
وقال الإمام الموردي في تفسير الآية: {هو أهل التقْوَى وأهل المغْفِرةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هو أهل أن تتقى محارمه , وأهل أن يغفر الذنوب , قاله قتادة. الثاني: هو أهل أن يتقى أن يجعل معه إله غيره , وأهل لمن اتقاه أن يغفر له , وهذا معنى قول رواه أنس مرفوعاً.
الثالث: هو أهل أن يتقى عذابه وأهل أن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته. ويحتمل رابعاً: أهل الانتقام والإنعام.