خرّج أقوال المفسّرين التالية ووجّهها:
1: قول ابن عباس في قوله عز وجل: {وله المثل الأعلى} قال: (يقول: ليس كمثله شيء).
التخريج:
واما قول ابن عباس فاخرجه ابن جرير في تفسيره وابن المنذر وابن ابي حاتم كما في الدرالنثور للسيوطي والبيهقي في كتاب الاعتقاد وفي كتاب الأسماء والصفات قال ابن جرير: حدّثني عليٌّ،
قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وله المثل الأعلى في السّموات} يقول: ليس كمثله شيءٌ .
اقتباس:
610 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60] قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. وَفِي قَوْلِهِ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] يَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُ لِلرَّبِّ مِثْلًا أَوْ شَبَهًا
هذا إسناد البيهقي في الأسماء والصفات وفي الاعتقاد
مخرج الأثر إذن هو أبو صالح عبد الله بن صالح
وأصل الإسناد هو الجزء الملون بالأحمر]
|
التوجيه:
فروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عز وجل : {ولله المثل الأعلى} قال : ( يقول: ليس كمثله شيء).
وهذا تفسير بعض المعنى باللازم؛ فكونه تعالى له المثل الأعلى يقتضي أنه ليس كمثله شيء، قال ابن القيم –رحمه الله –في كتابه الصواعق المرسلة: (يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحدَه، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير).
وقد استدل رحمه الله بهذه الآية على تفرد الله تعالى بصفات الكمال.
2: قول ابن عباس في تفسير قول الله تعالى: {وادّكر بعد أمه} قال: بعد نسيان
التخريج:
- واما قول ابن عباس فأخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ {وادكر بعد أمة} - بالفتح والتخفيف يقول بعد نسيان
- واخرج ابن جرير في تفسيره وابن ابي حاتم عن همّامٌ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قرأ: وادّكر بعد أمّةٍ قال : بعد نسيان
- - واخرج ابن جرير في تفسيره قال : حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن ابن عبّاس: أي بعد نسيانٍ
التوجيه :
هذا القول مبنى على قراءة :" بَعْدَ أَمَةٍ" بفتح الألف، وتخفيف الميم وفتحها بمعنى: بعد نسيان
قال الزجاج في معانى الزجاج : قال تعالى [ وادّكر بعد أمّة] أي بعد حين، وقرأ ابن عباس: واذّكر بعد أمه، والأمة النسيان، يقال أمه يأمه أمها. هذا الصحيح بفتح الميم، وروى بعضهم عن أبي عبيدة: أمه بسكون الميم، وليس ذلك بصحيح عنه، لأن المصدر أنه يأمه أمه لا غير.
وقرأ الحسن: أنا آتيكم بتأويله، وأكرهها، لخلاف المصحف.
{وادّكر} أصله واذتكر، ولكن التاء أبدل منها الذال وأدغمت الذال في الدال.
ويجوز واذّكر بالذال، والأجود الدال
وقال النحاس في معانى القران : روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وسفيان عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس بعد أمة بعد حين
روى عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ وادكر بعد أمه والمعروف من قراءة ابن عباس وعكرمة وادكر بعد أمة
وفسراه بعد نسيان والمعنيان متقاربان لأنه ذكر بعد حين وبعد نسيان
3: قول سالم الأفطس في قوله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} قال: (يخوفكم بأوليائه).
التخريج:
- واخرج ابن جرير في تفسيره فقال : دّثني يونس، قال: أخبرنا عليّ بن معبدٍ، عن عتّاب بن بشيرٍ، مولى قريشٍ، عن سالمٍ الأفطس، في قوله: {إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف أولياءه} قال: يخوّفكم بأوليائه.
التوجيه :
هذا القول نظير قوله تعالي [ لينذر بأسا شديدا ] الكهف 2أي لينذركم بأسه الشديد وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول : فلان يعطي الدنانير أي : يعطي الناس الدنانير والتقدير على هذا يخوف المؤمنون بأوليائه ثم حذفت الباء واحد المفعولين ونظيره قوله عز وجل: {لينذر بأسا شديدا} وأنشد سيبويه فيما حذفت منه الباء:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وأولياؤه ههنا الشياطين وقد قيل إن معنى {يخوف أولياءه} يخوف المنافقين الفقر حتى لا ينفقوا لأنهم أشد خوفا قال بذلك النحاس في معانى القران
4: قول سعيد بن جبير في قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر اللّه}: (الملائكة: الحفظة، وحفظهم إيّاه من أمر اللّه)
اخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره قال : حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ: {يحفظونه من أمر اللّه} قال: الملائكة: الحفظة، وحفظهم إيّاه من أمر اللّه
التوجيه :
اختلف العلماء في تأويل هذا الحرف [ الباء ] على اقوال :
القول الأول ك من للتعدية كما في قوله تعالى [ قالت إني أعوذ بالرحمن منك ]
القول الثانى من سببيه : أي بسبب أمر الله لهم بحفظه يحفظونه قال به الفراء وابي عمر الزاهد وثعلب وذكره أبو حيان وجماعة من المفسرين
وروى ابن جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن الجبير [ الملائكة : الحفظة وحفظهم إياه من أمر الله ]
قال : ابن الجوزي : فيكون تقدير الكلام هذا الحفظ مما أمرهم الله به
القول الثالث : من بمعنى الباء : أي يحفظونه بأمر الله
القول الرابع : بمعنى عن وهى رواية عن ابن عباس أخرجها ابن ابي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما
وذكره ابن جرير الطبري عن بعض نحاة البصرة، وأنهم قالوا: (معنى ذلك: يحفظونه عن أمر الله، كما قالوا:" أطعمني من جوع، وعن جوع" و"كساني عن عري، ومن عري").
وهذا القول يرجع إلى معنى القول الثاني، وهو كقوله تعالى حكاية عن الخضر: [وما فعلته عن أمري]
القول الخامس: في الكلام تقديم وتأخير والمعنى: (له معقِّبات من أمر الله يحفظونه)
ذكر ذلك الطبري فقال : عامتها اقوال صحيحة فكل الاقدار من أوامر الله تعالى الكونية والاوامر الكونية قد أجرى الله فيها سنن التدافع كما تدفع الأمراض بالتداوى والرقى
وقد روى الترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث الزهري عن أبي خزامة عن أبيه أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟
قال: ((هي من قدر الله)).
وروي نحوه من حديث كعب بن مالك وحكيم بن حزام وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
ولمّا بلغ عمر نزول الوباء بالشام ونادى بالرحيل قال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟
فقال عمر: (لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!! نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة؛ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله).
فهذه الاقوال كلها صحيحة
قال :أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في تأويل مشكل القران
«من» مكان «الباء»
قال الله تعالى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد: 11] أي بأمر الله.
وقال تعالى: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ [غافرة: 15] ، أي بأمره.
وقال: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ [القدر: 4، 5] ، أي بكل أمر.
5: قول ابن عباس رضي الله عنهما في الكوثر: (هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه).
التخريج:
أخرجه ابْن أبي شيبَة وَأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وَالنسائي في السنن الكبرى وَصَححهُ وَابْن ماجة وأبو داود الطيالسي في مسنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: قَالَ لي محَارب بن دثار مَا قَالَ سعيد بن جُبَير فِي الْكَوْثَر قلت: حَدثنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه الْخَيْر الْكثير
واخرج ابن جرير في تفسيره عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال في الكوثر : هو الخير الكثير
[لهذا الأثر طريقان
هذا القول أخرجه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى، وابن جرير في تفسيره، والحاكم في مستدركه من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده والنسائي في السنن الكبرى، ووابن جرير في تفسيره وعبد الرحمن بن الحسن الهمذاني في تفسير مجاهد من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به]
التوجيه ؛
هذا القول مبنى على أن الكوثر فوعل من الكثرة ومعناه الخير الكثير عند أهل اللغة
قال الزجاج في معانى الزجاج : وجميع ما جاء في تفسير هذا قد أعطيه النبي عليه السلام، قد أعطي الإسلام والنبوة وإظهار الدين الذي أتى به على كل دين والنصر على عدوه والشفاعة، وما لا يحصى مما أعطيه، وقد أعطي من الجنة على قدر فضله على أهل الجنة
قال ابن عاشور : والكَوْثَرُ: اسْمٌ في اللُّغَةِ لِلْخَيْرِ الكَثِيرِ صِيغَ عَلى زِنَةِ فَوْعَلٍ، وهي مِن صِيَغِ الأسْماءِ الجامِدَةِ غالِبًا نَحْوَ الكَوْكَبِ، والجَوْرَبِ، والحَوْشَبِ والدَّوْسَرِ، ولا تَدُلُّ في الجَوامِدِ عَلى غَيْرِ مُسَمّاها، ولَمّا وقَعَ هُنا فِيها مادَّةُ الكُثْرِ كانَتْ صِيغَتُهُ مُفِيدَةً شِدَّةَ ما اشْتُقَّتْ مِنهُ بِناءً عَلى أنَّ زِيادَةَ المَبْنى تُؤْذِنُ بِزِيادَةِ المَعْنى، ولِذَلِكَ فَسَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِالمُفْرِطِ في الكَثْرَةِ، وهو أحْسَنُ ما فُسِّرَ بِهِ وأضْبَطُهُ، ونَظِيرُهُ: جَوْهَرٌ، بِمَعْنى الشُّجاعِ كَأنَّهُ يُجاهِرُ عَدُوَّهُ، والصَّوْمَعَةُ لِاشْتِقاقِها مِن وصْفِ أصْمَعَ وهو دَقِيقُ الأعْضاءِ؛ لِأنَّ الصَّوْمَعَةَ دَقِيقَةٌ؛ لِأنَّ طُولَها أفْرَطُ مِن غِلَظِها.
ويُوصَفُ الرَّجُلُ صاحِبُ الخَيْرِ الكَثِيرِ بِكَوْثَرٍ مِن بابِ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ، كَما في قَوْلِ لَبِيدٍ في رِثاءِ عَوْفِ بْنِ الأحْوَصِ الأسَدِيِّ:
وصاحِبُ مَلْحُوبٍ فُجِعْنا بِفَقْدِهِ وعِنْدَ الرِّداعِ بَيْتُ آخَرَ كَوْثَرُ
(مَلْحُوبٍ والرُّداعِ) كِلاهُما ماءٌ لِبَنِي أسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، فَوَصَفَ البَيْتَ بِالكَوْثَرِ، ولاحَظَ الكُمَيْثُ هَذا في قَوْلِهِ في مَدْحِ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ:
وأنْتَ كَثِيرٌ يا ابْنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ ∗∗∗ وكانَ أبُوكَ ابْنُ العَقايِلِ كَوْثَرا