التطبيق الثاني
تحرير أقوال المفسّرين
المجموعة الثانية:
1: المراد بالطاغية في قوله تعالى: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} الحاقة.
اقتباس:
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذّبين بها فقال تعالى: {فأمّا ثمود فأهلكوا بالطّاغية} وهي الصّيحة الّتي أسكتتهم، والزّلزلة الّتي أسكنتهم. هكذا قال قتادة: الطّاغية الصّيحة. وهو اختيار ابن جريرٍ.
وقال مجاهدٌ: الطّاغية الذّنوب. وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ، وابن زيدٍ: إنّها الطّغيان، وقرأ ابن زيدٍ: {كذّبت ثمود بطغواها} [الشّمس: 11].
وقال السّدّي: {فأهلكوا بالطّاغية} قال: يعني: عاقر النّاقة). [تفسير القرآن العظيم: 8/208] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} وهي الصَّيْحَةُ العَظيمةُ الفَظيعةُ التي انْصَدَعَتْ منها قُلوبُهم، وزَهَقَتْ لها أرواحُهم، فأَصْبَحُوا موتَى لا يُرَى إلاَّ مَساكِنُهم وجُثَثُهم). [تيسير الكريم الرحمن: 882] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5-{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} ثَمودُ هم قَومُ صالحٍ، والطاغيةُ الصيْحَةُ التي جاوَزَتِ الْحَدَّ). [زبدة التفسير: 566]
|
اختلف المفسرون بالمراد بالطاغية على خمسة أقوال:
القول الأول: الصيحة العظيمة وهو قول قتادة ، واختاره ابن جرير ، ذكرهما ابن كثير وهو القول الذي اختاره، وكذلك قال بها السعدي والأشقر.
القول الثاني: الذنوب وهو قول مجاهد والربيع بن أنس، ذكرهما ابن كثير.
القول الثالث: الطغيان وهو قول ابن زيد وأيد قوله بالآية {كذّبت ثمود بطغواها} [الشّمس: 11].
القول الرابع: عاقر الناقة وهو قول السدي ، ذكره ابن كثير.
القول الخامس: الزلزلة التي اسكنتهم وهو قول ابن كثير الذي أضافه إلى قول الصيحة التي أسكتتهم.
2: معنى "زنيم" في قوله تعالى: {عتل بعد ذلك زنيم} القلم.
اقتباس:
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ... وأمّا الزّنيم فقال البخاريّ:
حدّثنا محمودٌ، حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {عتلٍّ بعد ذلك زنيمٍ} قال: رجلٌ من قريشٍ له زنمة مثل زنمة الشّاة.
ومعنى هذا: أنّه كان مشهورًا بالشّرّ كشهرة الشّاة ذات الزّنمة من بين أخواتها. وإنّما الزّنيم في لغة العرب: هو الدّعيّ في القوم. قاله ابن جريرٍ وغير واحدٍ من الأئمّة، قال: ومنه قول حسّان بن ثابتٍ، يعني يذمّ بعض كفّار قريشٍ:
وأنت زنيم نيط في آل هاشمٍ = كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد
وقال آخر:
زنيمٌ ليس يعرف من أبوه = بغيّ الأمّ ذو حسب لئيم...
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، حدّثنا أسباطٌ، عن هشامٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {زنيمٍ} قال: الدعيّ الفاحش اللّئيم. ثمّ قال ابن عبّاسٍ:
زنيمٌ تداعاه الرجال زيادةً = كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: الزّنيم: الدّعيّ. ويقال: الزّنيم: رجلٌ كانت به زنمةٌ، يعرف بها. ويقال: هو الأخنس بن شريق الثّقفيّ، حليف بني زهرة. وزعم أناسٌ من بني زهرة أنّ الزّنيم الأسود بن عبد يغوث الزّهريّ، وليس به.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّه زعم أنّ الزّنيم الملحق النّسب.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني يونس حدّثنا ابن وهبٍ، حدّثني سليمان بن بلالٍ، عن عبد الرّحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيّب، أنّه سمعه يقول في هذه الآية: {عتلٍّ بعد ذلك زنيمٍ} قال سعيدٌ: هو الملصق بالقوم، ليس منهم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا عقبة بن خالدٍ، عن عامر بن قدامة قال: سئل عكرمة عن الزّنيم، قال: هو ولد الزّنا.
وقال الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله تعالى: {عتلٍّ بعد ذلك زنيمٍ} قال: يعرف المؤمن من الكافر مثل الشّاة الزّنماء. والزّنماء من الشّياه: الّتي في عنقها هنتان معلّقتان في حلقها. وقال الثّوريّ، عن جابرٍ، عن الحسن، عن سعيد بن جبيرٍ قال: الزّنيم: الّذي يعرف بالشّرّ كما تعرف الشّاة بزنمتها. والزّنيم: الملصق. رواه ابن جرير.
وروى أيضًا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال في الزّنيم: قال: نعت فلم يعرف حتّى قيل: زنيمٌ. قال: وكانت له زنمةٌ في عنقه يعرف بها. وقال آخرون: كان دعيًا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن أصحاب التّفسير قالوا هو الّذي تكون له زنمة مثل زنمة الشّاة.
وقال الضّحّاك: كانت له زنمة في أصل أذنه، ويقال: هو اللّئيم الملصق في النّسب.
وقال أبو إسحاق: عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: هو المريب الّذي يعرف بالشّرّ.
وقال مجاهدٌ: الزّنيم الّذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشّاة. وقال أبو رزين: الزّنيم علامة الكفر. وقال عكرمة: الزّنيم الّذي يعرف باللّؤم كما تعرف الشّاة بزنمتها.
والأقوال في هذا كثيرةٌ، وترجع إلى ما قلناه، وهو أنّ الزّنيم هو: المشهور بالشّرّ، الّذي يعرف به من بين الناس، وغالبًا يكون دعيًا وله زنًا، فإنّه في الغالب يتسلّط الشّيطان عليه ما لا يتسلّط على غيره، كما جاء في الحديث: "لا يدخل الجنّة ولد زنًا" وفي الحديث الآخر: "ولد الزّنا شرّ الثّلاثة إذا عمل بعمل أبويه"). [تفسير القرآن العظيم: 8/192-194] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ}؛ أي: غَليظٍ شَرِسِ الْخُلُقِ، قاسٍ غيرِ مُنْقَادٍ للحَقِّ.
{زَنِيمٍ}؛ أي: دَعِيٍّ ليسَ له أصْلٌ ولا مَادَّةٌ يُنْتَجُ منها الخيرُ، بل أخلاقُه أقبَحُ الأخلاقِ، ولا يُرْجَى مِنه فَلاحٌ، له زَنَمَةٌ؛ أي: عَلاَمَةٌ في الشَّرِّ يُعْرَفُ بها.
وحاصِلُ هذا أنَّ اللَّهَ تعالى نَهَى عن طاعةِ كلِّ حَلاَّفٍ كَذَّابٍ، خَسيسِ النفْسِ، سَيِّئِ الأخلاقِ، خُصوصاً الأخلاقَ الْمُتَضَمِّنَةَ للإعجابِ بالنفْسِ، والتكبُّرِ عن الحقِّ وعلى الخَلْقِ، والاحتقارِ للناسِ؛ كالغِيبَةِ والنميمةِ والطعْنِ فيهم، وكَثرَةِ الْمَعاصِي.
وهذه الآياتُ - وإنْ كانَتْ نَزَلَتْ في بعضِ الْمُشرِكينَ؛ كالوليدِ بنِ المُغيرةِ أو غيرِه؛ لقولِه عنه: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}). [تيسير الكريم الرحمن: 879-880] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (13-{عُتُلٍّ} هو الشديدُ الْخَلْقِ الفاحشُ الْخُلُقِ.
وقالَ الزَّجَّاجُ: هو الغَليظُ الجافِي،{بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٌ} أيْ: هو بعدَ ما عَدَّ مِن مَعَايِبِه زَنيمٌ، والزَّنيمُ: الدَّعِيُّ الْمُلْصَقُ بالقوْمِ وليس هو منهم). [زبدة التفسير: 564]
|
في معنى زنيم أقوال ذكرهم ابن كثير في تفسيره منها:
القول الأول: رجلٌ من قريشٍ له زنمة مثل زنمة الشّاة. رواه البخاري عن ابن عباس
القول الثاني: الدعي في القوم وهو مشهورا بالشر كشهرة الشاة ذات زنمة، وقال به ابن جرير وغيره من الأئمة.
والشاهد قول حسّان بن ثابتٍ، يعني يذمّ بعض كفّار قريشٍ:
وأنت زنيم نيط في آل هاشمٍ = كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد
وقال آخر:
زنيمٌ ليس يعرف من أبوه = بغيّ الأمّ ذو حسب لئيم...
القول الثالث: الدعيّ الفاحش اللّئيم رواه ابن ابي حاتم عن ابن عباس . والشاهد: قال ابن عبّاسٍ:
زنيمٌ تداعاه الرجال زيادةً = كما زيد في عرض الأديم الأكارع
القول الرابع: الدّعيّ قاله العوفيّ عن ابن عبّاسٍ.
القول الخامس: : يقال رجلٌ كانت به زنمةٌ، يعرف بها. ويقال: هو الأخنس بن شريق الثّقفيّ، حليف بني زهرة. وزعم أناسٌ من بني زهرة أنّ الزّنيم الأسود بن عبد يغوث الزّهريّ، وليس به.(رد ابن كثير هذا القول)
القول السادس: الملحق النّسب قاله ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ.
القول السابع: هو الملصق بالقوم، ليس منهم رواه ابن ابي حاتم عن سعيد بن المسيب
القول الثامن : هو ولد الزنا رواه ابن ابي حاتم عن عامر بن قدامة عن عكرمة.
القول التاسع: الّذي يعرف بالشّرّ كما تعرف الشّاة بزنمتها. والزّنيم: الملصق. رواه ابن جرير.
القول العاشر: الزّنيم الّذي يعرف باللّؤم كما تعرف الشّاة بزنمتها قال به عكرمة
وكل هذه الأقوال متقاربة تصب في معنى واحد كما قال ابن كثير: وهو أنّ الزّنيم هو: المشهور بالشّرّ، الّذي يعرف به من بين الناس، وغالبًا يكون دعيًا وله زنًا، فإنّه في الغالب يتسلّط الشّيطان عليه ما لا يتسلّط على غيره، كما جاء في الحديث: "لا يدخل الجنّة ولد زنًا" وفي الحديث الآخر: "ولد الزّنا شرّ الثّلاثة إذا عمل بعمل أبويه"). وكذلك قال السعدي والأشقر.