دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 جمادى الآخرة 1441هـ/3-02-2020م, 11:30 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي

تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 جمادى الآخرة 1441هـ/12-02-2020م, 04:59 PM
مريم البلوشي مريم البلوشي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 343
افتراضي

في سورة الطلاق وردت الأيات :
{ ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا } { ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا } .

فجميعها تحث على تقوى الله و لا سيما عند حدوث الطلاق و تبعاته ، فقد قال عكرمة: من طلّق كما أمره اللّه يجعل له مخرجًا. وكذا روي عن ابن عباس، والضحاك. وقال السّدّيّ: {ومن يتّق اللّه} يطلّق للسّنّة، ويراجع للسّنّة. و ذلك بأن لا يضر و يضيق الرجل على المرأة و لا يخرجها من بيتها و ينفق عليها فيجعل له مخرج و منفذ من الهموم و سيسهل عليه إعادة زوجته ، و يكفيه أمره و يغنيه و يرزقه من حيث لا يحتسب . و قد ذكر الله التقوى في آيات الطلاق لأن الطلاق يتبعه كثير من الأمور كالإنفاق و الإحسان و العدة و مراجعة الزوجة فكلها تستدعي تقوى الله و مراقبته. و أما من لم يتق حدود الله في الطلاق بأداء الوجبات التي على الرجل و المرأة فقد يجعل الله أمره في عسر. فمثلاً إذا طلق الرجل زوجته في غير حيض أو طهر جامعها فيه طلقها على الوجه الشرعي ، فإنه يسهل عليه إرجاعها إذا ندم على الطلاق.

و قد ذكر ابن كثير أن سبب نزول { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } أنّ رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقال له: "عوف بن مالكٍ الأشجعيّ" كان له ابنٌ، وأنّ المشركين أسروه، فكان فيهم، وكان أبوه يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله الّتي هو بها وحاجته، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمره بالصّبر، ويقول له: "إنّ اللّه سيجعل لك فرجًا" فلم يلبث بعد ذلك إلّا يسيرًا أن انفلت ابنه من أيدي العدوّ فمرّ بغنمٍ من أغنام العدوّ، فاستاقها فجاء بها إلى أبيه، وجاء معه بغنًى قد أصابه من الغنم، فنزلت فيه هذه الآية: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب} رواه ابن جريرٍ.

و نلاحظ في سبب نزول الأية أن العبرة بعموم اللفظ و إن كانت السورة في سياق الطلاق ، بأن الله وعد المتقين من عباده و الواقفين عند حدوده في أمورهم بأنه سيجعل لهم مخرج من الكرب و الضيق الذي يمرون فيه ، قال ابن أبي حاتمٍ: عن شتير بن شكل قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: أكثر آيةٍ في القرآن فرجًا: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا}
و التقوى الله تعني فعل ما أمر الله و ترك و اجتناب ما نهى الله عنه . و قد أعد الله الجزاء العظيم لمن اتقاه في الدنيا و الاخرة فقد قال في كتابه { ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} .{ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ،{ واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين } . و قد وصى النبي عليه الصلاة و السلام الصحابة بتقوى الله ( اتق الله حيثما كنت) و كان من دعائه عليه الصلاة و السلام ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى).

فالتقوى الله تفتح للعبد أبواب الرزق من جهة لا تخطر بباله حتى و لو كانت أسباب الرزق مفقودة فإن الله إذا أراد أمرًا يسر وهيأ أسبابه ، قال الإمام أحمد: عن أبي ذرٍّ قال: جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتلو عليّ هذه الآية: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب} حتّى فرغ من الآية، ثمّ قال: "يا أبا ذرٍّ، لو أنّ النّاس كلّهم أخذوا بها كفتهم". فإن الله يسهل على من اتقاه كل عسير مر به و يكفر بتقواه سيئاته و يعظم له الأجر و المثوبة .

المراجع
تفسير ابن كثير
تفسير السعدي

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 جمادى الآخرة 1441هـ/20-02-2020م, 11:36 PM
صلاح الدين محمد صلاح الدين محمد غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 1,868
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى :{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)}

سورة النبأ تعد من السور المكية التي من مقاصدها الرئيسية إثبات البعث والنشور , والحساب والجزاء , وتكذيب كفار قريش لذلك , وبالنظر إلى هذه الآيات يتبين فيها الآتي :
افتتحت السورة الكريمة بالسؤال الإنكاري على المشركين في سؤالهم عن يوم القيامة إنكارا لوقوعها , قال ابن جرير : يقول تعالى ذكره: عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون بالله ورسوله من قريش يا محمد، وقيل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا جعلت فيما ذكر عنها تختصم وتتجادل في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار بنبوته، والتصديق بما جاء به من عند الله، والإيمان بالبعث، فقال الله لنبيه: فيم يتساءل هؤلاء القوم ويختصمون .
فينبغي على المسلم أن يسلم لأمر الله تعالى وأن يقر بما ثبت من القرآن والسنة من الإيمان بالبعث والنشور , وأنه سوف يقف أمام ربه ويحاسبه على أعماله التي عملها في الدنيا , فيجازى بالإحسان إحسانا , وبالتكذيب عذابا وحرمانا .
قال ابن عطية : "ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول: يتساءلون عن النبإ العظيم، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي تقتضيه الحال والمجاورة اقتضابا للحجة وإسراعا إلى موضع قطعهم، وهذا نحو قوله تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد ".
وهذا من باب قطع الحجة على المخالفين ؛ فأجابهم الله تعالى عن سؤالهم بأنهم يسألون عن الخبر العظيم الذي يفزع القلوب , ويشيب له الولدان وهو يوم القيامة , وفي إجابة الله تعالى عن سؤالهم إثبات ما كذبوه من البعث , فقد كانوا يقولون : (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا أم به جنة ) .
قال ابن جرير : ثم أخبر تعالى عنهم أنهم بعد أن سألوا عن يوم القيامة والبعث والنشور , اختلفوا في هذا النبأ العظيم فمنهم مصدق ومنهم مكذب , وقال ابن عاشور : وجيء بالجملة الاسمية في صلة الموصول دون أن يقول: الذي يختلفون فيه أو نحو ذلك، لتفيد الجملة الاسمية أن الاختلاف في أمر هذا النبأ متمكن منهم ودائم فيهم لدلالة الجملة الاسمية على الدوام والثبات.
قال السعدي : ثم توعدهم و" قال: {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون} أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعا، ويقال لهم: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}". , ولهذا قال ابن كثير عن هذا الوعيد "وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد".
فحينما يرون العذاب ويرون يوم القيامة وينكشف لهم أهوال هذا اليوم , فسيعلمون حينها حق اليقين أن ذلك اليوم كائن , ولكن في هذا اليوم لا ينفع الندم والحسرة , ولكن يجازى بما قدم من التكذيب والتشكيك في كلام الله تعالى وأخباره سبحانه.
فعلى العبد أن يجتنب مواطن هذا الوعيد وأن يكون قلبه مليئا بالتصديق والإيمان بما أخبر به سبحانه وتعالى من الأخبار , والعمل بما أمر به من الأوامر والبعد عما نهى عنه من النواهي .
المناسبة بين هذه الآيات ومقصد السورة الكريمة ظاهرة ؛ في أن هذه الآيات تتحدث عن تكذيب المشركين للبعث والجزاء, وأنهم مختلفون فيه , وإنكار الله تعالى عليهم ذلك .
ومن الهدايات التي اشتملت عليها هذه الآيات :
الإيمان بالبعث والنشور , والحساب والجزاء , فإن ذلك من لوازم الإيمان الذي لا يصح إيمان العبد من دونه .
الإيمان بما جاء به القرآن فهو الحق الذي لا ريب فيه ؛ فكلام الله تعالى هو الحق , وحديثه هو الصدق , وعلى العبد الإذعان والقبول فإن في ذلك نجاته , وأن يحل رضوان ربه عليه .
أن الإيمان بالبعث والحساب يبعث على العبد أن يكون قلبه معلق بالله تعالى يرجو رحمته ويخاف عذابه .
قال المراغي :إيراد الكلام بصورة السؤال والجواب أقرب إلى التفهيم والإيضاح، وتثبيت الجواب في نفس السائل .
أن تكذيب كلام الله وكلام رسوله سبب في هلاك العبد وعدم نجاته في الآخرة ؛ فينبغي على العبد أن لا يعرض عن كلام ربه كي لا يتعرض للعقوبة الدنيوية والأخروية .

والله أعلم

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 رجب 1441هـ/25-02-2020م, 11:37 PM
أريج نجيب أريج نجيب غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 341
افتراضي

أسلوب المقاصدي

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ (17)
(مَثَلُهُمْ ) مثلهم المطابق لما كانوا عليه وشبههم وقيل صفتهم
( كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) كمثل رجُل كان في ظلمة فأوقد نارًا فأضاءت له ما حوله
(ذهب الله بنورهم ) أي : ذهب عنهم ما ينفعهم ، وهو النور ، وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان
( وتركهم في ظلمات ) في ظلمة طائفا متحيرا وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق
( لا يبصرون ) لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها أولا يُبصرون الحق

هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزُّون بالإسلام، فيناكحُهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العزَّ كما سلب صاحب النار ضَوءَه ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) يقول: في عذاب.

زَعم أنَّ أناسًا دخلوا في الإسلام مَقدَم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة, ثم إنهم نافقوا، فكان مثلهم كمثل رجُل كان في ظلمة فأوقد نارًا فأضاءت له ما حوله من قَذًى أو أذًى فأبصره حتى عرف ما يتَّقي فبينا هو كذلك إذ طَفِئَت ناره فأقبل لا يدري ما يتَّقي من أذًى.
فكذلك المنافق: كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلالَ من الحرام والخير من الشر فبينا هو كذلك إذْ كفَر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشرّ. وأما النُّور، فالإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وكانت الظلمة نفاقهم.
هذه صفة المنافقين. كانوا قد آمنوا حتى أضاءَ الإيمانُ في قلوبهم، كما أضاءَت النارُ لهؤلاء الذين استوقدوا ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار
فأولى تأويلات الآية بالآية: مثل استضاءَة المنافقين بما أظهروا بألسنتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار به وقولهم له وللمؤمنين: آمنَّا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر حتى حُكم لهم بذلك في عاجل الدنيا بحكم المسلمين: من حقوق في حَقن الدماء والأموال والأمن وفي المناكحة والموارثة كمثل استضاءة الموقِد النار بالنارَ حتى إذا ارتفق بضيائها وأبصرَ ما حوله خَمدت النارُ وانطفأت

وتقدير هذا المثل : أن الله سبحانه ، شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى ، وبعد التبصرة إلى العمى ، بمن استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها بينا هو كذلك إذ طفئت ناره ، وصار في ظلام شديد ، لا يبصر ولا يهتدي فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك ، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضا عن الهدى ، واستحبابهم الغي على الرشد . وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا ، كما أخبر عنهم تعالى في غير هذا الموضع ، والله أعلم .
وقد ذكرفخر الدين الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال : والتشبيه هاهنا في غاية الصحة ؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك النور فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين .
والصواب : أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم ، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ، ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ،
قال : وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد ، كما قال : ( رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ) [ الأحزاب : 19 ] أي : كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت
المراجع :
الطبري
ابن كثير
البغوي
السعدي

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 4 رجب 1441هـ/27-02-2020م, 08:44 AM
أمل حلمي أمل حلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 253
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى: {مثل الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا}

جاءت هذه الآية في سورة الجمعة والتي تدور حول أحكام صلاة الجمعة بالنسبة للمسلمين، وقد جاء في استفتاح السورة ذكر المنة على أمة المسلمين برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للعالمين وختم الله به رسالات الأنبياء حيث يقول الله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
وهذه الأمة فضلها الله تعالى على سائر الأمم بأن أرسل إليها خير رسله محمد صلى الله عليه وسلم وأفضل الكتب، ولذلك ورد في السورة ذكر أهل الكتاب الذين كانوا يتفاخرون على العرب بأنهم أهل كتاب وعندهم علم فكانت هذه الآيات ردًا عليهم.
وضرب الله لهم هذا المثل الذي فيه التشنيع على فعلهم حيث يشبه الله تعالى حالهم أنهم {حُملوا التوراة} أي كُلفوا العمل بما فيها {ثم لم يحملوها} أي ثم لم يعملوا بما فيها {كمثل الحمار يحمل أسفارًا} أي كمثل الحمار يحمل على ظهره كتباً من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها، وهذا التمثيل مقصود منه تشنيع حالهم وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس المتعارف، ولذلك ذيل بذم حالهم { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله }. و {بئس } أي ساء حال الذين كذبوا بكتاب الله فهم قد ضموا إلى جهلهم بمعاني التوراة تكذيباً بآيات الله وهي القرآن، {والله لا يهدي القوم الظالمين} أي لا يوفقهم إلى التوبة.
وتشبيه حالهم بالحمار بالأخص لإظهار الجهل والبلادة، ولأن في الحمار من الذل والحقارة ما لا يكون في الغير.
وفي هذه الآية رسالة تحذير إلى المسلمين ألا يتشبهوا بأهل الكتاب بأن يعرضوا عن كتاب الله ولا ينتفعوا بما فيه فيكون حالهم مثل أهل الكتاب الذين لا يوفقهم الله للهداية.
قال أهل المعاني: هذا المثل مثل من يفهم معاني القرآن ولم يعمل به، وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه.
وقال ميمون بن مهران: يا أهل القرآن اتبعوا القرآن قبل أن يتبعكم ثم تلا هذه الآية.
وقال ابن القيم: وهذا المثل وإن كان ضُرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن والعمل به ولم يؤد حقه ولم يرعه حق رعايته.
المصادر:
تفسير الطبري
تفسير ابن عاشور
تفسير مفاتح الغيب للرازي

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 رجب 1441هـ/4-03-2020م, 11:09 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقويم تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي


أحسنتم في اجتهادكم في هذه التطبيقات،ونسأل الله أن ينفعكم بهذه الدروة القيّمة .
نوصيكم بتكرار قراءة الدروس وتأمل خصائص كل أسلوب وتنظروا في الأمثلة التي وضعت لكم وعدم الانقطاع عن كتابة الرسائل التفسيرية بأساليبها المختلفة، لأن زيادة التطبيق من شأنها أن تحسّن مستوى الأداء لديكم.

ونذكّر ونحن في ختام هذه الدورة بمقصودها وهو تعويد الطّالب وتدريبه على الإنشاء والكتابة،بعيدا عن النسخ واللصق، والحكمة أن يطبّق الطالب ما ينفعه على الحقيقة لا ما يوهمه بالنفع.


- مريم البلوشي.ج
أحسنتِ ابتداءً في بيانك للمقصد الرئيسي وصلته بالسورة في مقدمتك،لكن حتى لا ينصرف الأسلوب للتفسير الموضوعي كان ينبغي أن تبيني تفسير الآية المتضمنة للتقوى كاملة مع بيان مناسبتها للسياق ثم تنطلقين في تفسيرك إياها على المقصد، ولا تقتصري على جزء منها، فمضمون هذا الأسلوب هو تفسير الآية مقاصديا، وما ذكرتِ أقرب للتفسير الموضوعي. فينبغي تجلية المقصد من خلال تفسير الآية أولا، ثم تدعيم هذا التفسير بما يتيسّر للطالب من الأدلّة والشواهد من خارج الآية، ولا يفوتك -كونكِ طالبة متميّزة- أن تعدّي رسالة أخرى بنفس الأسلوب للفائدة، مع الاستزادة من المراجع، وفقكِ الله.


- صلاح الدين محمد.أ+
أحسنت وفقك الله وبارك فيك.
فاتك ذكر المراجع.

- أريج نجيب.ج
أحسنتِ بارك الله فيكِ وإليكِ بعض التوضيح، يحسن أن تكون لكِ مقدمة في رسالتك تتضمن المقصد الذي ستتكلمين عنه في رسالتك تمهيدا للقارئ.
ولو تأملتِ السياق لوجدت أنّ هناك جملة مترابطة من الأمثال تخدم المعنى، فكان يحسن ذكرها.
كما أنّ رسالتك افتقرت لكثير من العناصر التي تخدم هذا الأسلوب؛ منها بيان أنواع مخالفات الناس لهدايات هذه الآية، وآثار النفاق والمنافقين عليهم وعلى المجتمع ووحدة المسلمين، وبيان ما يُرشدون به للتخلص من آثار ذلك، وكيف السلامة من شؤم النفاق وعقوبته، ودلالتهم على سبيل الفلاح والفوز برضوان الله تعالى وحسن ثوابه.
ولو أعدتِ قراءة الرّسالة لوجدتِ أنها أقرب للأسلوب البياني.

- أمل حلمي.ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ،والأسلوب المقاصدي واضح في رسالتك مع المأخذ على اختصارها بعض الشيء، فلو أتممتِ الآية لكان أتمّ للمعنى.


سددكم الله وتقبل منكم

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 رجب 1441هـ/7-03-2020م, 07:29 PM
ندى توفيق ندى توفيق غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 237
افتراضي

رسالة في هدايات و مقاصد قوله تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)} [الليل : 5-7]
الحمد لله حمدا كثيراً حتى يبلغ منتهاه، و الصلاة والسلام على نبيه و مصطفاه، و على آله و صحبه و من اتبع هداه

ابتُدئت سورة الليل بالقسم، حيث أقسم سبحانه بأضداد من مخلوقاته ،كالليل و النهار، و الذكر و الأنثى، على اختلاف مساعي البشر، قال تعالى : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} [الليل : 1-4]
فقد اقتضت حكمته سبحانه؛ تميّز الأمور بما يخالفها، فلولا البخل لما عرف العطاء، و لولا الكفر لما عرف التقوى، و لولا الكذب لما عرف الصدق، و لولا العسر لما عرف اليسر
و سياق الآيات يقود إلى بيان أنواع السعي، باختلاف الساعين ، بأسلوب شرطي موجز خلاب ، تتضح فيه حكمة السنن الكونية التي أجراها الخالق سبحانه؛ ألا وهي ترتُّب المسَبَّبات على المسبِّبات، و تقدير الجزاء من جنس العمل؛ قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)} [الليل : 5-7]
و البذل و العطاء، لا تبتدره إلا النفس التقية، المقيمة لحدود الله تعالى، المجتنبة لمحارمه، المؤثرة رضاه على هوى النفس و ملذاتها، و لن تترقى إلى مراتب هذا الكمال المثالي، إلا بتناغم فطرتها مع ما خُلقت لأجله، ألا و هو التوحيد و التقوى، و هذا هو الشرط الذي يستوجب التيسير لليسرى، و حسن العاقبة في الآخرة و الأولى
و حذف متعلق التقوى يفيد عموم المنهيات و جميع مساخط الرب سبحانه وتعالى، وكذلك متعلق العطاء حُذف ليعم كل عطاء مادي أو معنوي، فرضاً أو نفلاً ، بالنفس و المال و الجاه و العلم
و التصديق بالحسنى بعد ذكر العطاء و التقوى، فيه الحث على الإيمان بكلمة التوحيد و القيام بمقتضياتها و لوازمها، من أركان الإيمان، و أركان الإسلام و ، و الاعتقاد بثوابها بالجنة في الآخرة، وبالخير في الدنيا ، أخذاً بعموم المعنى ، و المتضمن اليقين بوعد الله تعالى بالخلف و العوض على المنفق المبتغي بنفقته وجه الله تعالى وحده، لا لجاه أو منصب أو رياء، و ما لذلك من رضا علام الغيوب، و الفوز بكل محبوب، في الفانية و الباقية
قال تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ( سبإ - الآية 39)
وفي صحيح البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال : " ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"،
و لا ريب أن في الطاعة - لا سيما النفقة - مشقة على بعض النفوس، و في الوعد بالتيسير لليسرى إشارة لتلك المشقة، و إن كانت في ذاتها يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه، و في حرف التنفيس دلالة على استمرار هذا الوعد مدى الحياة، { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)}
و التيسير لليسرى هو جزاء من حقق شرط العطاء و التصديق، فيُهدى للطريقة السهلة التي لا مشقة فيها، و سبيلها الأعمال الصالحة التي توجب الجنة و تنجي من النار
قال تعالى : {.......... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق : 4]

وإلف الطاعة، و احتساب ثوابها، و إحسان أدائها، يلقي في قلب المؤمن السكينة و اللذة و الرضا، و يحثه على الاستزادة ما أمكنه، ، و لله در أقوام، ذُلّلت لهم الصعاب بصدقهم، حتى غلبت لذة العطاء عندهم لذة الأخذ، و ارتاضت قلوبهم بحب علام الغيوب، حتى هان عليهم ما أعجَز سواهم، فصاروا مضرب الأمثال و قدوة الأجيال
و في سلف هذه الأمة نجوم ساطعة، و بدور منيرة ، يستلهم منها الناظر كل رفعة و سمو، و يستضيء بنورها في ظلمات التقليد و التبعية و الجفاء، كلُّ تائه حيران، و صِدّيق هذه الأمة؛ أبو بكر رضي الله تعالى عنه، خير مثال على ذلك، فقد جاء فيما رواه الطبري في تفسيره، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: " كان أبو بكر الصدّيق يُعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالا جَلْدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد "أظنه قال": ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ ".
و معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلفظ " مَن" يعم كل معطٍ متقٍ مصدقٍ بالحسنى، و التصديق هو الإيمان و التسليم بإخلاص و سلامة قصد، و هو الأَولى، و عليه المعتمد، فإذا اجتمع معه عمل الجوارح تم الكمال ، و إلا قامت النية وحدها مقام العمل عند التعذر والعجز، ففي صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عَنْ النبي ﷺ قال : "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى،......... " .
وعن أبي كبشة الأنماري ، عن النبي ﷺ، قال : " مثلَ هذه الأمةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ: رجلٌ آتاه اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه؛ ينفقُه في حقِّه، ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا وهو يقول: لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه بمثلِ الذي يعملُ فهما في الأجر سواءٌ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه ينفقُه في غيرِ حقِّه، ورجلٌ لم يؤْتِه اللهُ مالًا ولا علمًا، وهو يقولُ: لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل قال رسولُ اللهِ: فهما في الوزرِ سواءٌ" ( رواه الألباني في صحيح الترغيب)
و من أعظم نعم الله تعالى على العبد، تسخيره للحق و العمل بما فيه، و الدعوة إليه بالعلم و المال، و تمني ذلك، و الغبطة عليه، ففي صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النبي ﷺ قال : " لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَسُلِّطَ على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها" .
و المحروم من جهل حكمة الله تعالى في خلقه و رزقه و إنعامه، فباع آخرته بدنياه، و اتخذ دار الابتلاء سكناً و مستقراً، بدلاً من اتخاذها ممراً للعبور، و محطة تزوُّد بالحسنات، من أحسن فيها فيها سعدَ في الدارين
قال تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة : 7-8]

و في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : " كُنّا مع النبيِّ ﷺ في بَقِيعِ الغَرْقَدِ في جَنازَةٍ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ أفلا نَتَّكِلُ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمّا مَن أعْطى واتَّقى وصَدَّقَ بالحُسْنى} إلى قَوْلِهِ {لِلْعُسْرى} "

و في الآية الكريمة رد قاطع على الجبرية القائلين بأن الإنسان مُسيّر لا مخير، لا يملك من أمره شيئاً، فضَلّوا و أَضلّوا، و إنما هو مخير بين طريقي الخير و الشر، ذا إرادة كاملة، لا تخرج عن إرادة الله عز وجل وعونه وتوفيقه، مقدَّرة في علمه الأزلي، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، و حاشاه أن يظلم أحدا من خلقه فهو العدل القيوم الحسيب، المُقيت سبحانه
و موضع الشاهد في الحديث، هو الآية الكريمة؛ التي تنفي التعارض بين علم الله تعالى بقصد القلوب و السرائر، و ما تستحقه من ثواب أو عقاب ، و بين تقدير ما يخرج منه الى حيز العمل و الوجود، من غير جبر و لا قصر ، فلا حجة لمتهاون أو مسوِّف بالقدر، قال تعالى : {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة : 14-15]
فاللهم اجعلنا والمسلمين أجمعين من أهل الخيرات، و رفع الدرجات، العالمين العاملين، الهادين المهديين، الصادقين المصدقين، المتبعين لسنة أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم


المراجع و المصادر:
تفسير ابن كثير
تفسير الطبري
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
روح المعاني للألوسي
أضواء البيان للشنقيطي
تفسير ابن تيمية
تفسير ابن الجوزي
المحرر الوجيز لابن عطية

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28 رجب 1441هـ/22-03-2020م, 10:53 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى توفيق مشاهدة المشاركة
رسالة في هدايات و مقاصد قوله تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)} [الليل : 5-7]
الحمد لله حمدا كثيراً حتى يبلغ منتهاه، و الصلاة والسلام على نبيه و مصطفاه، و على آله و صحبه و من اتبع هداه

ابتُدئت سورة الليل بالقسم، حيث أقسم سبحانه بأضداد من مخلوقاته ،كالليل و النهار، و الذكر و الأنثى، على اختلاف مساعي البشر، قال تعالى : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)} [الليل : 1-4]
فقد اقتضت حكمته سبحانه؛ تميّز الأمور بما يخالفها، فلولا البخل لما عرف العطاء، و لولا الكفر لما عرف التقوى، و لولا الكذب لما عرف الصدق، و لولا العسر لما عرف اليسر
و سياق الآيات يقود إلى بيان أنواع السعي، باختلاف الساعين ، بأسلوب شرطي موجز خلاب ، تتضح فيه حكمة السنن الكونية التي أجراها الخالق سبحانه؛ ألا وهي ترتُّب المسَبَّبات على المسبِّبات، و تقدير الجزاء من جنس العمل؛ قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)} [الليل : 5-7]
و البذل و العطاء، لا تبتدره إلا النفس التقية، المقيمة لحدود الله تعالى، المجتنبة لمحارمه، المؤثرة رضاه على هوى النفس و ملذاتها، و لن تترقى إلى مراتب هذا الكمال المثالي، إلا بتناغم فطرتها مع ما خُلقت لأجله، ألا و هو التوحيد و التقوى، و هذا هو الشرط الذي يستوجب التيسير لليسرى، و حسن العاقبة في الآخرة و الأولى
و حذف متعلق التقوى يفيد عموم المنهيات و جميع مساخط الرب سبحانه وتعالى، وكذلك متعلق العطاء حُذف ليعم كل عطاء مادي أو معنوي، فرضاً أو نفلاً ، بالنفس و المال و الجاه و العلم
و التصديق بالحسنى بعد ذكر العطاء و التقوى، فيه الحث على الإيمان بكلمة التوحيد و القيام بمقتضياتها و لوازمها، من أركان الإيمان، و أركان الإسلام و ، و الاعتقاد بثوابها بالجنة في الآخرة، وبالخير في الدنيا ، أخذاً بعموم المعنى ، و المتضمن اليقين بوعد الله تعالى بالخلف و العوض على المنفق المبتغي بنفقته وجه الله تعالى وحده، لا لجاه أو منصب أو رياء، و ما لذلك من رضا علام الغيوب، و الفوز بكل محبوب، في الفانية و الباقية
قال تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ( سبإ - الآية 39)
وفي صحيح البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال : " ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"،
و لا ريب أن في الطاعة - لا سيما النفقة - مشقة على بعض النفوس، و في الوعد بالتيسير لليسرى إشارة لتلك المشقة، و إن كانت في ذاتها يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه، و في حرف التنفيس دلالة على استمرار هذا الوعد مدى الحياة، { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)}
و التيسير لليسرى هو جزاء من حقق شرط العطاء و التصديق، فيُهدى للطريقة السهلة التي لا مشقة فيها، و سبيلها الأعمال الصالحة التي توجب الجنة و تنجي من النار
قال تعالى : {.......... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق : 4]

وإلف الطاعة، و احتساب ثوابها، و إحسان أدائها، يلقي في قلب المؤمن السكينة و اللذة و الرضا، و يحثه على الاستزادة ما أمكنه، ، و لله در أقوام، ذُلّلت لهم الصعاب بصدقهم، حتى غلبت لذة العطاء عندهم لذة الأخذ، و ارتاضت قلوبهم بحب علام الغيوب، حتى هان عليهم ما أعجَز سواهم، فصاروا مضرب الأمثال و قدوة الأجيال
و في سلف هذه الأمة نجوم ساطعة، و بدور منيرة ، يستلهم منها الناظر كل رفعة و سمو، و يستضيء بنورها في ظلمات التقليد و التبعية و الجفاء، كلُّ تائه حيران، و صِدّيق هذه الأمة؛ أبو بكر رضي الله تعالى عنه، خير مثال على ذلك، فقد جاء فيما رواه الطبري في تفسيره، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: " كان أبو بكر الصدّيق يُعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالا جَلْدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد "أظنه قال": ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ ".
و معلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلفظ " مَن" يعم كل معطٍ متقٍ مصدقٍ بالحسنى، و التصديق هو الإيمان و التسليم بإخلاص و سلامة قصد، و هو الأَولى، و عليه المعتمد، فإذا اجتمع معه عمل الجوارح تم الكمال ، و إلا قامت النية وحدها مقام العمل عند التعذر والعجز، ففي صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عَنْ النبي ﷺ قال : "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى،......... " .
وعن أبي كبشة الأنماري ، عن النبي ﷺ، قال : " مثلَ هذه الأمةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ: رجلٌ آتاه اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه؛ ينفقُه في حقِّه، ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا وهو يقول: لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه بمثلِ الذي يعملُ فهما في الأجر سواءٌ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه ينفقُه في غيرِ حقِّه، ورجلٌ لم يؤْتِه اللهُ مالًا ولا علمًا، وهو يقولُ: لو كان لي مثلُ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعمل قال رسولُ اللهِ: فهما في الوزرِ سواءٌ" ( رواه الألباني في صحيح الترغيب)
و من أعظم نعم الله تعالى على العبد، تسخيره للحق و العمل بما فيه، و الدعوة إليه بالعلم و المال، و تمني ذلك، و الغبطة عليه، ففي صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عَنْ النبي ﷺ قال : " لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَسُلِّطَ على هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها" .
و المحروم من جهل حكمة الله تعالى في خلقه و رزقه و إنعامه، فباع آخرته بدنياه، و اتخذ دار الابتلاء سكناً و مستقراً، بدلاً من اتخاذها ممراً للعبور، و محطة تزوُّد بالحسنات، من أحسن فيها فيها سعدَ في الدارين
قال تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة : 7-8]

و في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : " كُنّا مع النبيِّ ﷺ في بَقِيعِ الغَرْقَدِ في جَنازَةٍ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ أفلا نَتَّكِلُ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمّا مَن أعْطى واتَّقى وصَدَّقَ بالحُسْنى} إلى قَوْلِهِ {لِلْعُسْرى} "

و في الآية الكريمة رد قاطع على الجبرية القائلين بأن الإنسان مُسيّر لا مخير، لا يملك من أمره شيئاً، فضَلّوا و أَضلّوا، و إنما هو مخير بين طريقي الخير و الشر، ذا إرادة كاملة، لا تخرج عن إرادة الله عز وجل وعونه وتوفيقه، مقدَّرة في علمه الأزلي، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، و حاشاه أن يظلم أحدا من خلقه فهو العدل القيوم الحسيب، المُقيت سبحانه
و موضع الشاهد في الحديث، هو الآية الكريمة؛ التي تنفي التعارض بين علم الله تعالى بقصد القلوب و السرائر، و ما تستحقه من ثواب أو عقاب ، و بين تقدير ما يخرج منه الى حيز العمل و الوجود، من غير جبر و لا قصر ، فلا حجة لمتهاون أو مسوِّف بالقدر، قال تعالى : {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة : 14-15]
فاللهم اجعلنا والمسلمين أجمعين من أهل الخيرات، و رفع الدرجات، العالمين العاملين، الهادين المهديين، الصادقين المصدقين، المتبعين لسنة أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم


المراجع و المصادر:
تفسير ابن كثير
تفسير الطبري
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
روح المعاني للألوسي
أضواء البيان للشنقيطي
تفسير ابن تيمية
تفسير ابن الجوزي
المحرر الوجيز لابن عطية
أحسنتِ في رسالتك وفقكِ الله وزادكِ علما.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24 شوال 1441هـ/15-06-2020م, 11:19 AM
منى فؤاد منى فؤاد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 162
افتراضي التفسير المقاصدي لسورة العصر

الحمد لله الذي تفضل علينا بإنزال القرآن هاديا ومرشدا إلي ماينجي العبد في الدنيا والآخرة وبعد فهذه سورة العصر قد جاءت لتبين لنا سبل النجاة من الخسران والهلاك فذكرت لنا اربع صفات بتحقيقهم ينأي العبد عن وصمه بالخسران الموسوم به معظم جنس الإنسان
والسورة مكية ومعلوم أن السور المكية تعني بتأصيل أصول العقيدة من اثبات الوحدانية لله عز وجل واثبات الرسالة للنبي صلي الله عليه وسلم وتأصيل أركان الإيمان الستة :الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
وبيان عوامل النجاة من الخسران هو مقصد السورة الأساسي وهي سورة وجيزة بليغة مما دعا الشافعي رحمه الله إلي قول مقولته القيمة:(لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم) وفي رواية عنه:لو لم ينزل إلي الناس إلا هي لكفتهم. وقال غيره :إنها شملت جميع علوم القرآن.

ومما يذكر في فضل السورة أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم اتخذوها شعارا لهم في ملتقاهم

فكان الرجلان من أصحاب رسول الله اذا التقيا لم يفترقا إلا علي أن يقرأ أحدهما علي الآخر سورة العصر إلي إخرها .

وبعد هذه المقدمة في التعريف بالسورة نشرع بحول الله وقوته وعونه في تفسيرها مقاصديا:
بدئت السورة بالقسم بالعصر والغرض منهذا القسم تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن
ويطلق العصر ويراد به عدة معاني:
1.زمن يراد به التذكير بعظيم قدرة الله تعالي في خلق العالم وأحواله
2.الصلاة المخصوصة المؤقته بوقت العصر وقيل هي الصلاة الوسطي المذكورة في قوله تعالي حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي)
3.ويطلق العصر علي مدة معلومة لوجود جيل معين من الناس أو ملك أونبي أو دين فيقال: عصر الإسكندر ،وعصر الجاهلية فيجوز أن يكون مراد هذا الإطلاق هنا ويكون المعني به عصر النبي صلي الله عليه وسلم
4.ويجوز أن يراد عصر الإسلام كله وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم
5.ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كلهقال ابن عطية :قال أبي بن كعب :سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن العصر فقال أقسم ربكم بآخر النهار.
وهذه المعاني لايفي باحتمالها غير لفظ العصر.

وقد يسأل سائل مامناسبة القسم بالعصر لغرض السورة علي إرادة عصر الإسلام؟
ويجيب عن هذا السؤال الطاهر ابن عاشور في تفسيره فيقول:
فإنها بينت حال الناس في عصر الإسلام بين من كفر به ومن آمن واستوفي حظه من الأعمال التي جاء بها الإسلام،ويعرف حال من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت.وقد جاء جواب القسم مؤكدا بإن وافادة الظرفية في قوله تعالي (لفي خسر) والعموم المقصود من ال)(الاستغراق في كلمة (الإنسان) التهويل والإنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس وأنهم يحيط بهم الخسران إحاطة الظرف بالمظروف إن لم يتداركوا أمرهمويأخذوا بقوارب النجاة من الخسران من تخلي بوصف الإيمان وبرهنة ذلك بفعل الأعمال الصالحة وفي هذين الوصفين تكميل العبد لنفسه ثم السعي في تكميل غيره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وتواصوا بالحق) والصبر علي مايلاقاه لتحقيق كل ماسبق من ايمان وعمل صالح ودعوة غيره بالتحلي بالصبر وتوصية غيره بذلك أيضا(وتواصوا )بالصبر)
ومعني قول ابن عاشور السابق أن مقصد السورة الأساسي حث الإنسان علي تكميل نفسه وتكميل غيره لينجو من الخسران في الدنيا والآخرة وبيان ذلك مايلي:
استثنت السورة من الخسران من تحلي بوصف الإيمان وحققه في نفسه ويلزم من تحقيق هذه الصفة طلب العلم الشرعي الذي يعين العبد علي معرفة أركان. الإيمان وأسباب زيادة الإيمان وغير ذلك من روافد يتطلبها تحقيق الإيمان
ثم جاءت الصفة الثانية وهي الترجمة الفعلية لمسمي الإيمان علي أرض الواقع وذلك بعمل الصالحات فلا يكون المؤمن محققا لصفة الإيمان إلا بالإتيان بالبراهين الدالة علي صدق إيمانه بفعل الصالحات

وقد اشتمل قوله تعالي :(وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )علي إقامة المصالح الدينية كلها،فالعقائد الإسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحق والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر .
والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها.كما ذكر ذلك ابن عاشور في تفسيره

وبعد هذا العرض الموجز فالمتدبر لسورة العصر يستخرج منها عوامل النجاة من الخسران من إيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر لذا كان حقا للإمام الشافعي رحمه الله أن يقول :( لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم) فاللهم ارزقنا حسن النظر وحسن الفهم وحسن العمل بكتابك

المراجع:
———-/—-
التحرير والتنوير لللطاهر ابن عاشور
تفسير السعدي
أيسر التفاسير
تهذيب ابن كثيرالمسمي( المصباح المنير )

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 شوال 1441هـ/18-06-2020م, 11:31 AM
الصورة الرمزية وسام عاشور
وسام عاشور وسام عاشور غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 347
افتراضي

رسالة في الاسلوب المقاصدي في تفسير الآيات
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 55 - 58].


مقدمة:
سورة الذاريات سورة مكية , وافتتحت بالقسم على تحقيق الوعيد الذي ختمت به سورة ق قبلها
قال تعالى في مطلع سورة الذاريات :"وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿1﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿2﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿3﴾ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴿4﴾ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴿5﴾" الذاريات
واختتمت سورة ق قبلها ب :"...فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)" ق
ومقصد السورة الرئيس مثلها مثل سائر السور المكية هي اثبات الوحدانية لله واثبات أن الله وحده هو المستحق بإفراد العبادة له دون غيره وبيان آيات الله في الكون وفي الأنفس والدعوة للتفكر فيها , ومن مقاصدها كذلك معالجة كبر وعناد المشركين بإثبات البعث والنشور
ومن الآيات الدالة على وحدانية الله الآيات التى نحن بصددها في رسالتنا :

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
اسلوب قصر دال على على الخلق وأن الله ما أرسل الرسل ولا خلق الخلق ولا أنزل الكتب إلا لاستخلاص المؤمنين وإقامة الحجة على الضالين ، فقد هيء كلا الفريقين للطاعة وللعصيان
وقيل :
1- أن اللفظ أريد به العموم أي جميع الخلق عاصيهم وطائعهم فالله خلقهم وخلق ما جبلوا عليه من السداد والطاعة أو من الخذلان والعصيان قول ابن عباس وهو اختيار ابن جرير ، ويكون المقصود بالعبادة هي الخضوع لسلطان الله
2-وقيل اللفظ على العموم وأريد به الخصوص وهم أهل السعادة ،فيكون المقصود بالعبادة هي التوحيد
وقدم الجن لتنبيه للمشركين الذين اتخذوا من الجن آلهة أنهم عباد أمثالهم

ومن هدايات الآية أيضا أن العبادة إما :
1-عبادة شرعية : فالمؤمن عابد لربه خاضع للحكم الشرعي الوارد عن ربه فاراً إلى خالقه يستنقذ نفسه بذلك من النار فهذا يجازيه الله أتم الجزاء
2-عبادة قسرية : والعاصي الذي أطاع هواه فإنه أيضا عابدا لربه أيضا بخضوعه للحكم القدري الوارد عن ربه ،لكنه مخالف لحكم ربه الشرعي ، وما حمل العاصي على عدم اتباع الخير إلا قهر إرادة الله الغالبة وهو مخذول مطرود من رحمة الله

*فقد يظن ظان أن طاعته أو عصيانه لربه تعود على الخالق بالنفع أو الضر فجاءت الآية التالية لتنفي هذا

مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ

النكرة في سياق النفي تعم أي لن ينفعوني بأي شيء
والمراد أنه لن يلحقني من عبادتهم أي نفع ولن من عصيانهم أي ضرر ، إلا أن يستنقذوا أنفسهم من النار
وأنه سبحانه لا يفعل كما يفعل أصحاب الموالي بعبيدهم فيستعينون بكثرة لاستزادة قوة أو نفع فهو سبحانه الغني عن خلقه وكل الخلق مفتقرون إليه سبحانه في جميع أحوالهم

وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ : فيه تعريض بأصنامهم لأنهم كانوا يحضرون لها الطعام فربما أكلته الكلاب ثم بالت على أصنامهم
وخص الطعام وحده دون الرزق أن صحاب المال قد لا يجد الطعام في أيام الجدب مهما توفر لديه من مال
*ثم علل الآيتين السابقتين بالآية التالية

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
: فأنه تعالى هو:
الله:المحيط بجميع الصفات المتنزه عن النقص والعيوب
الرزاق:المتكفل بأقواتهم على سبيل التكرار لعموم الخلق
ذي القوة : القدرة التي لا تزول بوجه
المتين:الشديد الدائم الشدة

فينبغي على المسلم ألا ينشغل بما هو مكفول له وهو الرزق , عن الغاية التي لأجلها خلق وهي العبادة
قال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..." (الطلاق:2-3) ,وقال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرالله"
وفي الحديث القدسي:"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله تعالى يقول : يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدُّ فقرك ، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك " رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد
وقال الشاعر : ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر
*فالرزق لن يجلبه حرص حريص ولا سعي لاهث وإنما على العبد أن يتزود بحسن التوكل على الله واليقين بأن الله هو الرزاق لا رب العمل ولا غيره من المخلوقين


فلما غابت عن الناس هذه المعاني انحرافوا الخلق عن الفطرة والغاية التي لأجلها خلقوا افانشغلوا بطلب الرزق عن العبادة ولا يذكرون المستقبل إلا والخوف ملأ عيونهم يصبحون في قلق ويمسون في اضطراب يتملقون أرباب العمل بالنفاق أو الوشاية ظنا منهم أن هذا يزيد في رزقهم
وما عليهم إلا أن يفروا إلى الله ويفردوه وحده بطلب الرزق لأنه هو وحده الرزاق لاغيره

وينبغي على المؤمن أن يجتهد في طلب الآخرة وأن يعلم أنه لم يخلق إلا للعبادة وليس للعب ولا للهو أو للغو وليس حتى لطلب الرزق وإنما يطلب منه ما يسد حاجته "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"القصص ,فالدنيا بلغة الآخرة
فإذا بالمخالفين يتخذون الدنيا بلغة للرزق وكانه لا حياة بعدها فصار جل همه جمع المال فنسى حظ ربه في المال وحق الفقير فيما آتاه الله فانقلب المال عليه حسرة وخسارة في الدنيا والآخرة

خاتمة:
وبالتأمل في مقصد الآية ومقصد السورة نرى اتساقاً عجيباً بديعًا تذهل له العقول
,ذلك أن الله افتتح الآيات بالقسم بالرياح والسفن والسحب والملائكة (وكلها تأتي بالرزق) فكلها من آيات قدرة الله القدر على إعادة الخلق , فلما ثبت هذا لكم ففروا إليه "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ "(الذاريات:50)
بالعبادة" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات 56) , واطلبوا الرزق عند هذا القادر لأنه الموسع على عباده بالرزق "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات 47) ولأنه في الحقيقة لا رازق غيره " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"(الذاريات58)
فسبحان من هذا كلامه , ماهو بقول البشر كلا ورب البشر


المراجع:

الكتب
تفسير الطبري
تفسير الأندلسي
تفسير ابن كثير
تفسير ابن عاشور
نظم الدرر في تناسب السور للبقاعي


المواقع
المكتبة الشاملة
جمهرة العلوم

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 28 شوال 1441هـ/19-06-2020م, 09:22 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وسام عاشور مشاهدة المشاركة
رسالة في الاسلوب المقاصدي في تفسير الآيات
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 55 - 58].


مقدمة:
سورة الذاريات سورة مكية , وافتتحت بالقسم على تحقيق الوعيد الذي ختمت به سورة ق قبلها
قال تعالى في مطلع سورة الذاريات :"وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ﴿1﴾ فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴿2﴾ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ﴿3﴾ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴿4﴾ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴿5﴾" الذاريات
واختتمت سورة ق قبلها ب :"...فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)" ق
ومقصد السورة الرئيس مثلها مثل سائر السور المكية هي اثبات الوحدانية لله واثبات أن الله وحده هو المستحق بإفراد العبادة له دون غيره وبيان آيات الله في الكون وفي الأنفس والدعوة للتفكر فيها , ومن مقاصدها كذلك معالجة كبر وعناد المشركين بإثبات البعث والنشور
ومن الآيات الدالة على وحدانية الله الآيات التى نحن بصددها في رسالتنا :

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
اسلوب قصر دال على على الخلق وأن الله ما أرسل الرسل ولا خلق الخلق ولا أنزل الكتب إلا لاستخلاص المؤمنين وإقامة الحجة على الضالين ، فقد هيء كلا الفريقين للطاعة وللعصيان
وقيل :
1- أن اللفظ أريد به العموم أي جميع الخلق عاصيهم وطائعهم فالله خلقهم وخلق ما جبلوا عليه من السداد والطاعة أو من الخذلان والعصيان قول ابن عباس وهو اختيار ابن جرير ، ويكون المقصود بالعبادة هي الخضوع لسلطان الله
2-وقيل اللفظ على العموم وأريد به الخصوص وهم أهل السعادة ،فيكون المقصود بالعبادة هي التوحيد
وقدم الجن لتنبيه للمشركين الذين اتخذوا من الجن آلهة أنهم عباد أمثالهم

ومن هدايات الآية أيضا أن العبادة إما :
1-عبادة شرعية : فالمؤمن عابد لربه خاضع للحكم الشرعي الوارد عن ربه فاراً إلى خالقه يستنقذ نفسه بذلك من النار فهذا يجازيه الله أتم الجزاء
2-عبادة قسرية : والعاصي الذي أطاع هواه فإنه أيضا عابدا لربه أيضا بخضوعه للحكم القدري الوارد عن ربه ،لكنه مخالف لحكم ربه الشرعي ، وما حمل العاصي على عدم اتباع الخير إلا قهر إرادة الله الغالبة وهو مخذول مطرود من رحمة الله

*فقد يظن ظان أن طاعته أو عصيانه لربه تعود على الخالق بالنفع أو الضر فجاءت الآية التالية لتنفي هذا

مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ

النكرة في سياق النفي تعم أي لن ينفعوني بأي شيء
والمراد أنه لن يلحقني من عبادتهم أي نفع ولن من عصيانهم أي ضرر ، إلا أن يستنقذوا أنفسهم من النار
وأنه سبحانه لا يفعل كما يفعل أصحاب الموالي بعبيدهم فيستعينون بكثرة لاستزادة قوة أو نفع فهو سبحانه الغني عن خلقه وكل الخلق مفتقرون إليه سبحانه في جميع أحوالهم

وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ : فيه تعريض بأصنامهم لأنهم كانوا يحضرون لها الطعام فربما أكلته الكلاب ثم بالت على أصنامهم
وخص الطعام وحده دون الرزق أن صحاب المال قد لا يجد الطعام في أيام الجدب مهما توفر لديه من مال
*ثم علل الآيتين السابقتين بالآية التالية

إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
: فأنه تعالى هو:
الله:المحيط بجميع الصفات المتنزه عن النقص والعيوب
الرزاق:المتكفل بأقواتهم على سبيل التكرار لعموم الخلق
ذي القوة : القدرة التي لا تزول بوجه
المتين:الشديد الدائم الشدة

فينبغي على المسلم ألا ينشغل بما هو مكفول له وهو الرزق , عن الغاية التي لأجلها خلق وهي العبادة
قال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..." (الطلاق:2-3) ,وقال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرالله"
وفي الحديث القدسي:"عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله تعالى يقول : يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدُّ فقرك ، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك " رواه الترمذي وابن ماجة والإمام أحمد
وقال الشاعر : ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر
*فالرزق لن يجلبه حرص حريص ولا سعي لاهث وإنما على العبد أن يتزود بحسن التوكل على الله واليقين بأن الله هو الرزاق لا رب العمل ولا غيره من المخلوقين


فلما غابت عن الناس هذه المعاني انحرافوا الخلق عن الفطرة والغاية التي لأجلها خلقوا افانشغلوا بطلب الرزق عن العبادة ولا يذكرون المستقبل إلا والخوف ملأ عيونهم يصبحون في قلق ويمسون في اضطراب يتملقون أرباب العمل بالنفاق أو الوشاية ظنا منهم أن هذا يزيد في رزقهم
وما عليهم إلا أن يفروا إلى الله ويفردوه وحده بطلب الرزق لأنه هو وحده الرزاق لاغيره

وينبغي على المؤمن أن يجتهد في طلب الآخرة وأن يعلم أنه لم يخلق إلا للعبادة وليس للعب ولا للهو أو للغو وليس حتى لطلب الرزق وإنما يطلب منه ما يسد حاجته "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا"القصص ,فالدنيا بلغة الآخرة
فإذا بالمخالفين يتخذون الدنيا بلغة للرزق وكانه لا حياة بعدها فصار جل همه جمع المال فنسى حظ ربه في المال وحق الفقير فيما آتاه الله فانقلب المال عليه حسرة وخسارة في الدنيا والآخرة

خاتمة:
وبالتأمل في مقصد الآية ومقصد السورة نرى اتساقاً عجيباً بديعًا تذهل له العقول
,ذلك أن الله افتتح الآيات بالقسم بالرياح والسفن والسحب والملائكة (وكلها تأتي بالرزق) فكلها من آيات قدرة الله القدر على إعادة الخلق , فلما ثبت هذا لكم ففروا إليه "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ "(الذاريات:50)
بالعبادة" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات 56) , واطلبوا الرزق عند هذا القادر لأنه الموسع على عباده بالرزق "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات 47) ولأنه في الحقيقة لا رازق غيره " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"(الذاريات58)
فسبحان من هذا كلامه , ماهو بقول البشر كلا ورب البشر


المراجع:

الكتب
تفسير الطبري
تفسير الأندلسي
تفسير ابن كثير
تفسير ابن عاشور
نظم الدرر في تناسب السور للبقاعي


المواقع
المكتبة الشاملة
جمهرة العلوم
أحسنتِ بارك الله فيكِ مع ملحوظة يسيرة أنه كان يحسن أن تقفي على هدايات الآيات الأولى وحال الناس معها،كما وقفتِ على هدايات الآية الآخيرة، فالأسلوب المقاصدي فيها أوضح مما سبقها لاشتمالها على البيان المجمل فقط للآيات.
الدرجة: ب+


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 8 ذو القعدة 1441هـ/28-06-2020م, 12:34 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى فؤاد مشاهدة المشاركة
الحمد لله الذي تفضل علينا بإنزال القرآن هاديا ومرشدا إلي ماينجي العبد في الدنيا والآخرة وبعد فهذه سورة العصر قد جاءت لتبين لنا سبل النجاة من الخسران والهلاك فذكرت لنا اربع صفات بتحقيقهم ينأي العبد عن وصمه بالخسران الموسوم به معظم جنس الإنسان
والسورة مكية ومعلوم أن السور المكية تعني بتأصيل أصول العقيدة من اثبات الوحدانية لله عز وجل واثبات الرسالة للنبي صلي الله عليه وسلم وتأصيل أركان الإيمان الستة :الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
وبيان عوامل النجاة من الخسران هو مقصد السورة الأساسي وهي سورة وجيزة بليغة مما دعا الشافعي رحمه الله إلي قول مقولته القيمة:(لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم) وفي رواية عنه:لو لم ينزل إلي الناس إلا هي لكفتهم. وقال غيره :إنها شملت جميع علوم القرآن.

ومما يذكر في فضل السورة أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم اتخذوها شعارا لهم في ملتقاهم

فكان الرجلان من أصحاب رسول الله اذا التقيا لم يفترقا إلا علي أن يقرأ أحدهما علي الآخر سورة العصر إلي إخرها .يحسن أن نشيري إلى المصدر وفقكِ الله.

وبعد هذه المقدمة في التعريف بالسورة نشرع بحول الله وقوته وعونه في تفسيرها مقاصديا:
بدئت السورة بالقسم بالعصر والغرض منهذا القسم تأكيد الخبر كما هو شأن أقسام القرآن
ويطلق العصر ويراد به عدة معاني:
1.زمن يراد به التذكير بعظيم قدرة الله تعالي في خلق العالم وأحواله
2.الصلاة المخصوصة المؤقته بوقت العصر وقيل هي الصلاة الوسطي المذكورة في قوله تعالي حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي)
3.ويطلق العصر علي مدة معلومة لوجود جيل معين من الناس أو ملك أونبي أو دين فيقال: عصر الإسكندر ،وعصر الجاهلية فيجوز أن يكون مراد هذا الإطلاق هنا ويكون المعني به عصر النبي صلي الله عليه وسلم
4.ويجوز أن يراد عصر الإسلام كله وهو خاتمة عصور الأديان لهذا العالم
5.ويجوز أن يفسر العصر في هذه الآية بالزمان كلهقال ابن عطية :قال أبي بن كعب :سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن العصر فقال أقسم ربكم بآخر النهار.
وهذه المعاني لايفي باحتمالها غير لفظ العصر.

وقد يسأل سائل مامناسبة القسم بالعصر لغرض السورة علي إرادة عصر الإسلام؟
ويجيب عن هذا السؤال الطاهر ابن عاشور في تفسيره فيقول:
فإنها بينت حال الناس في عصر الإسلام بين من كفر به ومن آمن واستوفي حظه من الأعمال التي جاء بها الإسلام،ويعرف حال من أسلموا وكان في أعمالهم تقصير متفاوت.وقد جاء جواب القسم مؤكدا بإن وافادة الظرفية في قوله تعالي (لفي خسر) والعموم المقصود من ال)(الاستغراق في كلمة (الإنسان) التهويل والإنذار بالحالة المحيطة بمعظم الناس وأنهم يحيط بهم الخسران إحاطة الظرف بالمظروف إن لم يتداركوا أمرهمويأخذوا بقوارب النجاة من الخسران من تخلي بوصف الإيمان وبرهنة ذلك بفعل الأعمال الصالحة وفي هذين الوصفين تكميل العبد لنفسه ثم السعي في تكميل غيره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وتواصوا بالحق) والصبر علي مايلاقاه لتحقيق كل ماسبق من ايمان وعمل صالح ودعوة غيره بالتحلي بالصبر وتوصية غيره بذلك أيضا(وتواصوا )بالصبر)
ومعني قول ابن عاشور السابق أن مقصد السورة الأساسي حث الإنسان علي تكميل نفسه وتكميل غيره لينجو من الخسران في الدنيا والآخرة وبيان ذلك مايلي:
استثنت السورة من الخسران من تحلي بوصف الإيمان وحققه في نفسه ويلزم من تحقيق هذه الصفة طلب العلم الشرعي الذي يعين العبد علي معرفة أركان. الإيمان وأسباب زيادة الإيمان وغير ذلك من روافد يتطلبها تحقيق الإيمان
ثم جاءت الصفة الثانية وهي الترجمة الفعلية لمسمي الإيمان علي أرض الواقع وذلك بعمل الصالحات فلا يكون المؤمن محققا لصفة الإيمان إلا بالإتيان بالبراهين الدالة علي صدق إيمانه بفعل الصالحات

وقد اشتمل قوله تعالي :(وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )علي إقامة المصالح الدينية كلها،فالعقائد الإسلامية والأخلاق الدينية مندرجة في الحق والأعمال الصالحة وتجنب السيئات مندرجة في الصبر .
والتخلق بالصبر ملاك فضائل الأخلاق كلها.كما ذكر ذلك ابن عاشور في تفسيره

وبعد هذا العرض الموجز فالمتدبر لسورة العصر يستخرج منها عوامل النجاة من الخسران من إيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر لذا كان حقا للإمام الشافعي رحمه الله أن يقول :( لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم) فاللهم ارزقنا حسن النظر وحسن الفهم وحسن العمل بكتابك

المراجع:
———-/—-
التحرير والتنوير لللطاهر ابن عاشور
تفسير السعدي
أيسر التفاسير
تهذيب ابن كثيرالمسمي( المصباح المنير )
أحسنتِ بارك الله فيكِ ، لكن الاختصار واضح فكان يحسن مزيدا من البيان من خلال تفسير الآيات من الآيات والسنة وبيان ما ورد من الآثار لتغني الرسالة أكثر.
الدرجة:ب

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir