رسالة في تفسير قوله تعالى :{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)}
سورة النبأ تعد من السور المكية التي من مقاصدها الرئيسية إثبات البعث والنشور , والحساب والجزاء , وتكذيب كفار قريش لذلك , وبالنظر إلى هذه الآيات يتبين فيها الآتي :
افتتحت السورة الكريمة بالسؤال الإنكاري على المشركين في سؤالهم عن يوم القيامة إنكارا لوقوعها , قال ابن جرير : يقول تعالى ذكره: عن أي شيء يتساءل هؤلاء المشركون بالله ورسوله من قريش يا محمد، وقيل ذلك له صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قريشا جعلت فيما ذكر عنها تختصم وتتجادل في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار بنبوته، والتصديق بما جاء به من عند الله، والإيمان بالبعث، فقال الله لنبيه: فيم يتساءل هؤلاء القوم ويختصمون .
فينبغي على المسلم أن يسلم لأمر الله تعالى وأن يقر بما ثبت من القرآن والسنة من الإيمان بالبعث والنشور , وأنه سوف يقف أمام ربه ويحاسبه على أعماله التي عملها في الدنيا , فيجازى بالإحسان إحسانا , وبالتكذيب عذابا وحرمانا .
قال ابن عطية : "ثم كان مقتضى القول أن يجيب مجيب فيقول: يتساءلون عن النبإ العظيم، فاقتضى إيجاز القرآن وبلاغته أن يبادر المحتج بالجواب الذي تقتضيه الحال والمجاورة اقتضابا للحجة وإسراعا إلى موضع قطعهم، وهذا نحو قوله تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد ".
وهذا من باب قطع الحجة على المخالفين ؛ فأجابهم الله تعالى عن سؤالهم بأنهم يسألون عن الخبر العظيم الذي يفزع القلوب , ويشيب له الولدان وهو يوم القيامة , وفي إجابة الله تعالى عن سؤالهم إثبات ما كذبوه من البعث , فقد كانوا يقولون : (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا أم به جنة ) .
قال ابن جرير : ثم أخبر تعالى عنهم أنهم بعد أن سألوا عن يوم القيامة والبعث والنشور , اختلفوا في هذا النبأ العظيم فمنهم مصدق ومنهم مكذب , وقال ابن عاشور : وجيء بالجملة الاسمية في صلة الموصول دون أن يقول: الذي يختلفون فيه أو نحو ذلك، لتفيد الجملة الاسمية أن الاختلاف في أمر هذا النبأ متمكن منهم ودائم فيهم لدلالة الجملة الاسمية على الدوام والثبات.
قال السعدي : ثم توعدهم و" قال: {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون} أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون، حين يدعون إلى نار جهنم دعا، ويقال لهم: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}". , ولهذا قال ابن كثير عن هذا الوعيد "وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد".
فحينما يرون العذاب ويرون يوم القيامة وينكشف لهم أهوال هذا اليوم , فسيعلمون حينها حق اليقين أن ذلك اليوم كائن , ولكن في هذا اليوم لا ينفع الندم والحسرة , ولكن يجازى بما قدم من التكذيب والتشكيك في كلام الله تعالى وأخباره سبحانه.
فعلى العبد أن يجتنب مواطن هذا الوعيد وأن يكون قلبه مليئا بالتصديق والإيمان بما أخبر به سبحانه وتعالى من الأخبار , والعمل بما أمر به من الأوامر والبعد عما نهى عنه من النواهي .
المناسبة بين هذه الآيات ومقصد السورة الكريمة ظاهرة ؛ في أن هذه الآيات تتحدث عن تكذيب المشركين للبعث والجزاء, وأنهم مختلفون فيه , وإنكار الله تعالى عليهم ذلك .
ومن الهدايات التي اشتملت عليها هذه الآيات :
الإيمان بالبعث والنشور , والحساب والجزاء , فإن ذلك من لوازم الإيمان الذي لا يصح إيمان العبد من دونه .
الإيمان بما جاء به القرآن فهو الحق الذي لا ريب فيه ؛ فكلام الله تعالى هو الحق , وحديثه هو الصدق , وعلى العبد الإذعان والقبول فإن في ذلك نجاته , وأن يحل رضوان ربه عليه .
أن الإيمان بالبعث والحساب يبعث على العبد أن يكون قلبه معلق بالله تعالى يرجو رحمته ويخاف عذابه .
قال المراغي :إيراد الكلام بصورة السؤال والجواب أقرب إلى التفهيم والإيضاح، وتثبيت الجواب في نفس السائل .
أن تكذيب كلام الله وكلام رسوله سبب في هلاك العبد وعدم نجاته في الآخرة ؛ فينبغي على العبد أن لا يعرض عن كلام ربه كي لا يتعرض للعقوبة الدنيوية والأخروية .
والله أعلم