تلخيص تفسير سورة النساء
-الآية الأولى:
علوم السورة :
اسم السورة: سورة النساء
اتفق جماهير أهل العلم أن اسمها سورة النساء؛ وسميت كذلك في كلام الصحابة ؛ وبه سميت في المصاحف وفي كتب السّنّة وكتب التّفسير.
وفي وجه تسميتها بذلك يقول ابن عاشور:" ووجه تسميتها بإضافةٍ إلى النّساء أنّها افتتحت بأحكام صلة الرّحم، ثمّ بأحكامٍ تخصّ النّساء، وأنّ فيها أحكامًا كثيرةً من أحكام النّساء: الأزواج، والبنات، وختمت بأحكامٍ تخصّ النّساء).
- الاسم الثاني : سورة النساء الطّولى – الكبرى
ذُكر لسورة النساء اسم ثان وهو (النساء الطّولى – الكبرى) وهذا الاسم لم يأت صريحا في كلام أهل العلم إلا ما ورد من كلام الفيروز آبادي: قال رحمه الله :" أنّ هذه السّورة تسمّى سورة النّساء الكبرى، واسم سورة الطّلاق سورة النّساء الصّغرى.) « بصائر ذوي التّمييز» …قال ابن عاشور:"ولم أره لغيره." اهـ .يعنى التصريح باسم النساء الطولى لم يره عند غير الفيروز أبادي
دليل الاسم:.-ما تم استنباطه من كلام ابن مسعود قال رضي الله عنه ..:" «لنزلت سورة النّساء القصرى" يقصد سورة الطلاق؛ فهذه شارك سورة النساء في التسمية وفارقتها بكونها قصرى فكانت سورة النساء كبرى .."
الاسم الثالث: السّورة الّتي يذكر فيها النّساء
وذكر هذا الاسم ابن جرير الطبري في أول تفسيره سورة النساء وابن أبي حاتم في تفسيره في آخر تفسيره سورة النساء ابن الأنباري أول تفسيره سورة النساء
نزول السورة :
*ذهب جمهور العلماء إلى أن سورة النساء مدنية بدليل حديث عائشة الذي رواه البخاري في صحيحه قالت:ما نزلت سورة النّساء إلّا وأنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم)، يعني: قد بنى بها.والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا في المدينة
-ولما رواه البخاري أيضا عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ} . وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ "
-وأيضا لما حوته السورة من أحكام. ..حقوق النساء و واليتامى و أحكام الميراث.وغيرها فالناظر في تلك الأحكام يظهر له أنها لم تشرع إلا في المدينة "بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَانْتِظَامِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمْنِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَفِيهَا أيضا آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَالتَّيَمُّمُ شرع يَوْم غزَاة الْمُرَيْسِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ."
وذهب بعض أهل العلم أن السورة مكية وبه قال النحاس ومستند ما ذهبوا أن: {يا أيّها النّاس} مكّيٌّ حيث وقع .
وهذا غير مسلم فإن إنّ البقرة مدنيّةٌ وفيها {يا أيّها النّاس}في موضعين.
وقد يكون مخرج هذا القول أن المكي هو ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ؛وقد عدوا قوله تعالى :" { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } مكية لأنها نزلت في مكة عام الفتح .؛ ولا ريب أنها نزلت بعد الهجرة.
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ :(وكان ابتداء نزولها بالمدينة، لما صحّ عن عائشة أنّها قالت: (ما نزلت سورة البقرة وسورة النّساء إلّا وأنا عنده). وقد علم أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم بنى بعائشة في المدينة في شوّالٍ، لثمان أشهرٍ خلت من الهجرة، واتّفق العلماء على أنّ سورة النّساء نزلت بعد البقرة، فتعيّن أن يكون نزولها متأخّرًا عن الهجرة بمدّةٍ طويلةٍ. والجمهور قالوا: نزلت بعد آل عمران، ومعلومٌ أنّ آل عمران نزلت في خلال سنة ثلاثٍ أي بعد وقعة أحدٍ، فيتعيّن أن تكون سورة النّساء نزلت بعدها...)
وقال رحمه الله :" وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ عِنْدَ الْهِجْرَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ لأنّها افتتحت بيا أَيُّهَا النَّاسُ، وَمَا كَانَ فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ أَيَّامَ الْفَتْحِ لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْمَكِّيَّ بِإِطْلَاقَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ صَدْرُهَا بِمَكَّةَ وَسَائِرُهَا بِالْمَدِينَةِ. وَالْحَقُّ أنّ الْخطاب بيا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ دُخُولِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْخِطَابِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، وَلَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَدَنِيٌّ بِالِاتِّفَاقِ.."
عد الآي:
-آيها مئة وسبعون وخمس آيات في المدنيين والمكي والبصري وست في الكوفي وسبع في الشامي.
عد الكوفي والشامي (أن تضلوا السبيل) (الآية: 44)آية.
وعد الشامي وحده (فيعذبهم عذابا أليما) (الآية: 173 ) آية .
فضل سورة النساء
سورة النساء من السبع الطوال وقد ورد في فضلها جملة من الأحاديث فعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال وأعطيت مكان الإنجيل المئين ، وأعطيت مكان الزبور المثاني ...) رواه أحمد
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر) السلسة الصحيحة
وقد ورد في فضلها بعض أثار السلف
- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عبد الله بن قيس عن ابن عباس قال: "(من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض.)
-وما رواه الحاكم في مستدركه من طريق مَعْن بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ لخمسُ آيَاتٍ مَا يَسُرّني أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الْآيَةَ، وَ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الْآيَةَ، وَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الْآيَةَ، وَ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ.".
- وما رواه ابن جريرمِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: ثماني آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ (8) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعت عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، أُولَاهُنَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وَالثَّانِيَةُ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا} وَالثَّالِثَةُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا} .
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، يَعْنِي فِي الْخَمْسَةِ. الْبَاقِيَةِ.
علوم الآية:
· فضائل الآية
· الآية مما كان يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة
· المعنى الجملي للآية:
ابتدأ اللَّه السورة بالموعظة؛ .ففي الآية تنبيه على الصانع و فيها إخبار بما يوجب أنه واحد وأن حقه عز وجلَّ - أن يُتَقى؛وفيها حض على التواصل لحرمة هذا النسب وإن بعد. مخلص [ملخص] ما ذكره الزجاج وابن عطية
· مقصد الآية:
الحث على شكر الله على نعمة الخلق والوجود ؛والحث على مراعاة حقوق النوع الذي خلقوا منه بأن يصلوا أرحامهم القريبة و البعيدة
.وكأن هذا توطئة لما سيذكر في السورة من حقوق النساء واليتامي وحقوق الجوارى بملك اليمين وكذا حقوق جماعة المسلمين من الأموال والدماء وغيرها فكأن فيه تنبيه لطيف أن كل أولئك أرحامكم لكم ؛ لهم حق عليكم فأتوهم حقهم وإياكم وظلمهم وحث على تقوى الله وكررها لتأكيد هذا المقصد ؛ فإن أعظم ما يدفع لأداء تلك الحقوق وصلة الأرحام هو تقوى الله .
· القراءات:
في الآية كلمتين فرشيتين
تساءلون ؛ الأرحام
أولا: تساءلون
-قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف السين تساءلون
-وقرأ الباقي بتشديد السين تسّاءلون
ذكرها الشاطبي في أول بيت من فرش سورة النساء :
587 - وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا ... .
التوجيه:
وأصل كلمة "تساءلون " تتساءلون ؛ فحذف أهل الكوفة إحدى التائين تخفيفاً كقوله :{ وَلاَ تَعَاوَنُواْ }؛ أي " ولا تتعاونوا" ؛ وهذا كثير في كلام العرب نحو { تَكَلَّمُونَ }.أي "تتكلمون"
وهذا شائع في اللغة العربية الحذف لأجل التخفيف
-أما الجمهور فقد أبدلوا التاء الثانية سين و أدغموها مع أختها فقرؤوا "تسّاءلون"
قال ابن عطية: فهذه تاء تتفاعلون تدغم في لغة وتحذف في أخرى لاجتماع حروف متقاربة ، قال أبو علي : وإذا اجتمعت المتقاربة خففت بالحذف والإدغام والإبدال كما قالوا : طست فأبدلوا من السين الواحدة تاء إذ الأصل طس.."."
وقرئ في الشواذ - «تسألون » - خفيفة بغير ألف ؛ وهي قراءة ابن مسعود كما ذكر ابن عطية
ثانيا: الأرحام
انفرد حمزة من العشرة فقرأ الأرحام بخفض الميم " والأرحامِ" ؛ و قرأ الباقون بنصبها "والأرحامَ"
ذكرها الشاطبي في أول بيت من فرش سورة النساء :
587 - ............. وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالْخَفْضِ جَمَّلَا
وقرئ في الشواذ.. - والأرحامُ – بالرفع وهي قراءة عبد الله بن يزيد كما ذكر ابن عطية
ووجه ذلك أنها على الابتداء والخبر مقدر تقديره : والأرحام أهل أن توصل
التوجيه:
أما قراءة النصب فهي نصب بإضمار فعل تقديره :" واتقوا الأرحام أن تقطعوها"..عطفا على لفظ الجلالة "الله" .. وهو قول ابن عباس وعكرمة و مجاهد في قول عنه والحسن في قول عنه وقتادة والسدي وهو قول مقاتل وزيد ابن أسلم
-وقيل على تقدير " وصلوا الأرحام " هو قول قتادة
وقيل نصب على العطف على موضع به لأن موضعه نصب .ذكره ابن عطية
تخريج الأقوال:
- قول ابن عباس فقد رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
وأخرجه ابن جرير من طريق ابن جريج.
- وقول عكرمة فقد أخرجه ابن جرير و ابن المنذر من طريق خصيف ، عن عكرمة به
-و قول مجاهد فقد رواه ابن جرير وعبد بن حميد من طريق خصيف
-وقول الحسن فقد أخرجه ابن المنذر من طريق منصور ، عن الحسن
-وقول قتادة رواه الصنعاني من طريق معمر عن قتادة مرفوعا: قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الله وصلوا الأرحام "
-و قول السدى فقد أخرجه ابن جرير من طريق أسباط.
-و قول زيد ابن أسلم فقد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب.
وأما قراءة الخفض فهي عطف على حرف الجر ؛والمعنى: " الذي تسألون به والأرحام " ، وهو كقول الرجل : نشدتك بالله وبالرحم..أو "هو أنشدك بالله والرحم" وهو قول مجاهد والحسن .
تخريج الأقوال:
قول مجاهد فقد رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
أما قول الحسن فقد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر و أخرجه ابن أبي حاتم منطريق السري بن يحيى عن الحسن
-وقد قيل: إن الخفض على القسم. قسم بالأرحام والمعنى واتقوا الله ثم أقسم بالأرحام، و قيل هو على تقدير مقسم به : والمعنى : وربّ الأرحام...
مناقشة قراءة الجر:
-وقد رد جمهور النحاة قراءة الجر ولم يقبلوها ؛ بحجه أن الظاهر لا يعطف على المضمر إلا بتكرار حرف الخفض ..وعدوا هذه القراءة ليس من فصيح كلام العرب بل هي خطأ في العربية..وممن رد هذه القراءة ابن جرير الطبري
قال الزجاج:" فأما الجر في الأرحامِ فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر.."
وحكى الزجاج إجماع أهل العربية على ذلك قال رحمه الله :" فأما العربية فإجماع النحويين أنه يَقْبحُ أنْ يُنْسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإِظهار الجار، يَسْتَقْبح النحوُيون: مررت به وزيدٍ. وبك وزيدٍ، إِلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد "
ونقل الزجاج عن المازني وجها في منع هذه القراءة: فقال: الثاني في العطف شريك للأول، فإِن كان الأول يصلح شريكاً للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً له."
وبين ابن عطية وجه كون قراءة الجر مخالفة للفصاحة فقال :"ذكر الأرحام فيما يتساءل به لا معنى له في الحض على تقوى الله ، ولا فائدة فيه أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتساءل بها ، وهذا تفرق في معنى الكلام وغض من فصاحته ، وإنما الفصاحة في أن يكون لذكر الأرحام فائدة مستقلة ،." اهـ
,أما على توجيه قراءة الجر بأنها قسم فقد رد ذلك الزجاج وابن عطية بحجة أنها تخالف النص النبوي الذي ينهى عن الحلف بالآباء أو الحلف بغير الله عموما
قال الزجاج:"وخطأ أيضاً .في أمْر الدين عظيم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تحلفوا بآبائكم "..فكيف يكون تساءَلون به وبالرحم على ذا؟. اهـ
قال ابن عطية : والوجه الثاني أن في ذكرها على ذلك تقريراً للتساؤل بها والقسم بحرمتها ، والحديث الصحيح يرد ذلك في قوله عليه السلام : «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت »
وقد ذكر ابن عطية وجها آخر لقراءة الجر ثم انتقده مستندا إلى نظم الكلام وسياقه قال رحمه الله :" وقالت طائفة : إنما خفض - «والأرحامِ » - على جهة القسم من الله على ما اختص به إله إلا هو من القسم بمخلوقاته ، ويكون المقسم عليه فيما بعد من قوله : { إن الله كان عليكم رقيباً } وهذا كلام يأباه نظم الكلام وسرده ، وإن كان المعنى يخرجه "
والصحيح أن قراءة الجر قراءة سبعية متواترة تلقتها الأمة بالقبول وذاعت وانتشرت فيجب قبولها ولا يصح ردها ؛ والقراءات القرآن المتواترة فوق قواعد النحاة ، وهي أصدق في الفصحى .
- وقراءة الجر واردة على عادة العرب في كلامهم وخطابهم أسالك بالرحم التي بيننا؛ وهي من باب السؤال بالأسباب ؛ كأنهم جعلوا الرحم سبب في الوصال والعطية ؛ وليس ذلك من القسم في شيء قال شيخ الإسلام ابن تيمية"" ... وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ فَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: هُوَ قَوْلُهُمْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ سُؤَالِهِمْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ عَلَى جَوَازِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَسْأَلُك بِالرَّحِمِ لَيْسَ إقْسَامًا بِالرَّحِمِ - وَالْقَسَمُ هُنَا لَا يَسُوغُ - لَكِنْ بِسَبَبِ الرَّحِمِ أَيْ لِأَنَّ الرَّحِمَ تُوجِبُ لِأَصْحَابِهَا بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حُقُوقًا كَسُؤَالِ الثَّلَاثَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ وَكَسُؤَالِنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ إذَا سَأَلَهُ بِحَقِّ جَعْفَرٍ أَعْطَاهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْسَامِ؛ فَإِنَّ الْإِقْسَامَ بِغَيْرِ جَعْفَرٍ أَعْظَمُ بَلْ مِنْ بَابِ حَقِّ الرَّحِمِ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبِ جَعْفَرٍ وَجَعْفَرٌ حَقُّهُ عَلَى عَلِيٍّ."اهـ
وقد أنصف ابن عاشور عليه رحمه الله لما رد على أهل العربية وأبطل ادعاؤهم أنها مخالفة للغة بقوله :" وعلى قراءة حمزة يكون تعظيماً لشأن الأرحام أي التي يسأل بعضكم بعضاً بها ، وذلك قول العرب : « ناشدتك اللَّه والرحم » كما روى في « الصحيح » : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصّلت حتّى بلغ : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت : 13 ] فأخذت عتبة رهبة وقال : ناشدتك اللَّه والرحم . وهو ظاهر محمل هذه الرواية وإن أباه جمهور النحاة استعظاماً لعطف الاسم على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ ، حتّى قال المبرّد : « لو قرأ الإمام بهاته القراءة لأخذت نعلي وخرجت من الصلاة » وهذا من ضيق العطن وغرور بأنّ العربية منحصرة فيما يعلمه ، ولقد أصاب ابن مالك في تجويزه العطف على المجرور بدون إعادة الجارّ .." اهـ
[يمكنكِ تلخيص كلامه في نقاط وبيانها بأسلوبكٍ]
تفسير الآية:
(يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء : 1]
·إعراب ياأيها الناس :
«يا » حرف نداء «أي » منادى مفرد - و «ها » تنبيه ، و { الناس } - نعت لأي أو صلة على مذهب أبي الحسن الأخفش . ذكره ابن عطية
[مسائل الإعراب إذا لم تؤثر على المعنى فهي من المسائل الاستطرادية، والأولى هنا ذكر غرض النداء]
·المراد "بالناس"
جميع الخلق .. ذكره ابن كثير
· المراد بالتقوى:
-هي عبادته وحده لا شريك له . ذكره ابن كثير
· معنى الرب:
الرب :المالك..ذكره ابن عطية
·معنى الخلق
الخلق بمعنى الاختراع...ذكره ابن عطية
· المراد بالنفس:
- آدم عليه السلام، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي مقاتل ذكره المفسرون الثلاثة
التخريج:
-قول ابن عباس أخرجه أبو الشيخ كما عند السيوطي
-وقول مجاهد أخرجه ابن جرير عن رجل عن مجاهد وأخرجه ابن المنذر من طريق ابن جريج
وأخرجه عبد بن حميد وابن أبي شيبة كما عند السيوطي.
-قول قتادة: أخرجه ابن جرير من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
قول السدي :أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي
· تذكير وتأنيث النفس
قيل نعت النفس واحدة لأن لفظ النفس مؤنث ؛ ولو اعتبر المعنى لصح نفس واحد وقد قرأ ابن أبي عبلة "من نفس واحد " بغير الهاء لأن المراد بالنفس آدم عليه الصلاة والسلام. حاصل كلام الزجاج وابن عطية
· المراد ب "زوجها"
حواء ...ذكره. المفسرون
والزوج في كلام العرب : امرأة الرجل ، ويقال زوجة . ذكره ابن عطية
· معنى حرف من في قوله "منها "
قيل "من" للتبعيض أو الابتداء؛ والمعنى أن حواء خلقت من أعضاء آدم ؛ فقيل أن الله انتزع حواء من أحد أضلاع آدم القصيرى من شماله ؛ ..وقيل : بل ذلك كان من يمينه .
والقصيري :أسفل الأضلاع
قال ابن كثير:" خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَقصرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ." اهـ
.- ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام : (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَج") رواه مسلم (1468)
وقيل " من" لبيان الجنس؛ والمعنى أن حواء خلقت من جنس آدم حتى يأنس إليها ولا يستوحشها فتحصل بينهم المودة والرحمة.
وكلا القولين محتمل
وحاول ابن عطية الجمع بين القولين فقال :" أو يكون لحمها وجواهرها في ضلعه ، ونفسها من جنس نفسه"
· معنى "بث"
بث : ذرأ و نشر . حاصل كلام المفسرين ..
والعرب تقول: بثَّ الله الخلق : أي نشرهم؛ ومنه قوله تعالى: (كَالفَرَاشِ المبْثُوثِ)،أي المنتشر.
· عود الضمير "منهما"
مرجع الضمير على أدم وحواء ؛و المعنى أن الله خلق من أدم وحواء رجالا كثيرا ونساء و "ونَشَرهم فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَعَادُ وَالْمَحْشَرُ."ذكره ابن كثير
· الخنثى ليس من نوع الذكر والأنثى
[لو قلتِ: دلالة حصر الجنس البشري في نوعي الذكر والأنثى في قوله تعالى {وبث منهما رجالا كثيرًا ونساءً} لترتبط صياغة المسألة بتفسير الآية]
قال ابن عطية : وحصره ذريتها إلى نوعين الرجال والنساء مقتض أن الخنثى ليس بنوع ، وأنه وإن فرضناه مشكل الظاهر عندنا ، فله حقيقة ترده إلى أحد هذين النوعين "
[وأحسنتِ النسبة لابن عطية، فهو اجتهاد منه، قد يخطئ فيه وقد يصيب]
· محل إعراب الذي " الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ"
-{ الذي } في موضع نصب على النعت لفظ الجلالة "الله " .
[وهو كذلك في قوله {الذي خلقكم}، وفي دلالة وصفه عز وجل بأنه الذي خلقنا من نفس واحدة، إرشاد إلى أنه سبحانه المستحق للعبودية بالتنبيه على صفة الربوبية، ذكر نحو هذا المعنى الزجاج]
· المراد "بتقوى الله"
والمعنى :وَاتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ. ذكره ابن كثير
· دلالة تكرار لفظ التقوى
وكرر لفظ التقوى في الآية مرتين لغرض تأكيد وتنبيه لنفوس المأمورين ذكره ابن عطية
-فالتقوى الأولى تقوى الربوبية تقوى شكر نعمة الخلق والإيجاد ؛ تقوى الشاكر المعظم لنعم الله المجل لها ؛ أما التقوى الثانية فهي تقوى ألوهية تقوى عبودية و ذل وطاعة ورجاء وخوف ومحبة ؛ والقيام بالواجب في نحو الخلق للصلة الجامعة الوثيقة ؛ فهي تقوى العابد الخائف الراجي رحمته. [المصدر؟]
· معنى "تساءلون به"
-قيل معناه : { تساءلون به } أي تَطْلُبُونَ حُقُوقكم بِهِ ؛ وتجعلونه مقطعاً لها وأصله .ذكره الزجاج وابن عطية
-وقيل معناه : { تساءلون به } أي تتعاطفون به، والمعنى أن يقول أحدكم : أسألك بالله أن تفعل كذا وما أشبهه وهو قول ابن عباس ذكره ابن عطية.
تخريج الأقوال:
-وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح
-وقيل معناه : { تساءلون به } أي تتعاقدون وتتعاهدون به وهو قول الضحاك ذكره ابن كثير
وقول الضحاك أخرجه ابن جرير من طريق جويبر
· معنى والأرحام
-على قراءة النصب عطفا على لفظ الجلالة و المعنى :واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛بان يجعلوا لها وقاية من المودة الواصلة حتى لا تنقع ؛ ففيه حث على بر الأرحام وصلتها والتحذير من قطعها
-أما قراءة الجر عطفا على الضمير المجرور و المعنى :تساءلون بالله و وبالأرحام وهو كقول العرب ناشدتك الله والرحم... و القصد من ذلك أن يوثق طلبه من أخيه ومسألته له بذكر أي يسأل بعضكم مزكيا مسألته بذكر الله تعالى ، وبذكر الأرحام الرابطة بينكم ، ووشائج القربى .
فالمسايلة بالأرحام تدل على تعظيمها عند العرب قال ابن عاشور:" فتكون تعريضاً بعوائد الجاهلية ، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها ، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم ، فناقضت أفعالُهم أقوالَهم ، وأيضاً هم قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وظلموه ، وهو من ذوي رحمهم وأحقّ الناس بصلتهم كما قال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] وقال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] . وقال : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] . وعلى قراءة حمزة يكون معنى الآية تتمّة لمعنى التي قبلها ."اهـ
· مناسبة ذكر الأرحام في الآية
- لما مقصد الآية الحث على الأرحام وصلتها و التحذير من قطعها ناسب ذكر أن الخلق كلهم خُلقوا من أب واحد وأم واحدةليعطفَ بعضهم على بَعْضٍ، وَيُحَنِّنَهُمْ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ. .
· دلالة الفعل الناسخ "كان"
و { كان } في هذه الآية ليست لتحديد الماضي فقط ، بل المعنى : كان وهو يكون .ذكره عطية
· دلالة استخدام "عليكم"
وفي قوله { عليكم } ضرب من الوعيد ، ولم يقل «لكم » للاشتراك الذي كان يدخل من أنه يرقب لهم ما يصنع غيرهم .. ذكره عطية
· معنى الرقيب
والرقيب : بناء الاسم الفاعل من رقب يرقب إذا أحد النظر بالبصر أو بالبصيرة إلى أمر ما ليتحققه على ما هو عليه ، ويقترن بذلك حفظ ومشاهدة وعلم بالحاصل عن الرقبة .
ومنه قيل للذي يرقب خروج السهم من ربابة الضريب في القداح رقيب ، لأنه يرتقب ذلك ، ومنه قول أبي داود : [ مجزوء الكامل ]
كَمَقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ لِلضُّرَبَاءِأَيْدِيهِمْ نَوَاهِدْ . ذكره عطية
· معنى اسم الله الرقيب
والله سبحانه جلا وعلا هو المراقب لجميع أحوال العباد وأعمالهم وهو يتضمن معنى الشهيد البصير والحفيظ
وفي الحديث الصحيح: "اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" رواه الطبراني في المعجم الكبير
· مناسبة ختم الآية اسم الرقيب
- فيه حث إلى مراقبة الرقيب ؛ ذكره ابن كثير .
والمراد لا تغفلوا يا عباد الله ؛ راقبوا الله في أعمالكم وأقوالكم وراقبوا الله في أرحامكم فلا تقطعوها وأعطوا المستضعفين حقوقهم ولا تأكلوها بالباطل.. فيه حث على المبالغة في التقوى ورعاية الرحم ، والصلات الإنسانية التي تربط بين الناس بعضهم للوحدة الإنسانية الشاملة
**
اكتفيت في التلخيص على أقوال المفسرين الثلاثة.
إن شاء الله أكون وقفت في الإتيان بالمعاير المطلوبة في التلخيص