دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 جمادى الأولى 1441هـ/19-01-2020م, 05:44 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي المجلس العاشر: مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة النساء

مجلس مذاكرة القسم الأول من تفسير سورة النساء من المقدمات إلى الآية 6

-
لخص أحد الدروس التالية مطبقا ما درسته سابقا في دورة المهارات الأساسية والمهارات المتقدمة في التفسير .

- تفسير سورة النساء [ الآية (1) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (2) إلى الآية (4) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (5) إلى الآية (6) ]

- ثم صحح أحد تلخيصات زملائك.




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكن الله طلاب وطالبات المستوى الثامن
عودة لدراسة التفسير من خلال تفسير سورة النساء، والهدف من هذه الدراسة هو التدرب على إنشاء أصل علمي عبارة عن تلخيص لدروس تفسير القرآن كاملا، نطبقه على تفسير سورة النساء ليكون أنموذجا لكم تحذون حذوه في التطبيق على باقي تفسير القرآن بإذن الله.
‏والأصل العلمي -كما تعلمون- أساس وجزء من البناء العلمي، وتحتاجونه في دراستكم المستقبلية وفي جميع مشاريعكم الدعوية فيما يستقبل بإذن الله.

قواعد مجالس مذاكرة سورة النساء:

١. يفتح المجلس في بداية كل أسبوع بإذن الله.
٢. ‏يختار كل طالب أحد الموضوعات المقررة في مقرر الأسبوع، ويمنع التكرار حتى تستوعب كل الدروس.
٣. يعمل الطالب على تلخيص الدرس من خلال تطبيق المهارات التي تعلمها في المهارات الأساسية والمتقدمة في التفسير، وطلاب المستوى الثامن يجدر بهم تقديم عمل جيد يناسب مستواهم وما مارسوه من تطبيقات سابقة.
٤. يحبذ تسليم التلخيص يوم الخميس من كل أسبوع كحد أقصى.
٥. يومي الجمعة والسبت:
يختار الطالب أحد تلخيصات زملائه ويعمل على تصحيحه، مبينا ما فاته من مسائل وما قصر فيه من أدوات التحرير العلمي و الصياغة والعرض ونحو هذا؛ وحتى يحقق هذا المطلوب سيحتاج الطالب قراءة جيدة للدرس ربما تفوق قراءته الشخصية لعمل واجبه، وهذا المطلوب سينمي لديكم عدة مهارات منها التصحيح، والتفطن لمواضع الخطأ ومن ثم تجنبها فيما يستقبل من أعمالكم، والتوسع في فهم بعض المسائل حتى تتمكنوا من شرحها للآخرين.
٦. تقوم هيئة التصحيح بتصحيح جميع أعمالكم في الأسبوع التالي بإذن الله، بما فيها إرشادات على تصحيحكم على نماذج زملائكم.
٧. في النهاية يفتح كل منكم ملفا في حاسوبه، يحتفظ فيه بتلخيص كامل دروس القسم ويفضل تعديل التلخيص وفق ملحوظات التصحيح، ليكتمل له في نهاية هذا المقرر بإذن الله أصلا علميا في تفسير سورة النساء.

وبهذا فإن المطلوب الأسبوعي منكم باختصار:
١. دراسة مقرر كل أسبوع.
٢. تلخيص أحد الدروس.
٣. تصحيح عمل واحد من أعمال زملائكم.
- يمنع التكرار في كل الأحوال حتى تستوعب جميع الأعمال.
زادكم الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 جمادى الأولى 1441هـ/19-01-2020م, 05:53 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي

ملحوظات وتنبيهات
* بالنسبة للتلخيص:
- التفاسير المعتمدة في التلخيص هي معاني القرآن للزجاج وتفسير ابن عطية وتفسير ابن كثير، مع التحقق من نسبة الأقوال السلف بالرجوع للمصادر الأصيلة، وتخريج الأقوال.
- بالنسبة للتخريج:
* التخريج على درجتين:
الأولى: بذكر من روى الأثر من أصحاب المصادر الأصيلة، رواه فلان وفلان ....
الثانية: بتحديد مخرج الأثر وأصل الإسناد.
والأصل في التطبيقات أن نقوم بالثاني لأنه تدريب على تحديد مخرج الأثر وأصل الإسناد، وهذا يفيد بعد ذلك بإذن الله في الدورات القادمة.
فإذا حصل تمام الإتقان للتخريج، مع كثرة الأقوال وحصول المشقة، فلا بأس حينئذ بالاكتفاء بقول " رواه فلان وفلان ... " دون تحديد مخرج الأثر وأصل الإسناد، مع ضرورة الرجوع للمصادر الأصيلة على كل حال، وعدم النقل من مصادر ناقلة لاحتمالية ورود الخطأ في نقلهم.
- لا يشترط ذكر رقم الجزء والصفحة في التطبيقات، وإن كان هو المعتمد في الأبحاث، ومن قام به فهو أفضل، ومن لم يقم به لا يؤاخذ عليه.
- تذكر المصادر التي استفدتم منها تحرير المسألة حتى وإن اتفق عليها المفسرون الثلاثة، لأن تلخيصكم مظنة أن تضيفوا عليه - بعد ذلك - بإذن الله من تفاسير أخرى، فربما تجدون خلافًا في المسألة عند توسيع دائرة البحث.
* بالنسبة لاستخلاص المسائل:
- كل ما يؤثر في معنى الآية فهو من المسائل التفسيرية حتى وإن ارتبط بعلوم أخرى، فأكثر العلوم مثل الفقه والعقيدة تستمد من تفسير القرآن.
- المسائل الاستطرادية التي لا تؤثر في معنى الآية، يكتفى فيها بذكر خلاصة ما ذكره المفسرون ( التفاسير الثلاثة المعتمدة )، ولا نطيل الكلام فيها، كما لا نقصر بعدم ذكرها.
- ترتيب المسائل يكون كما تعلمنا من قبل؛ بتقديم مسائل علوم القرآن وعلوم الآية ثم المسائل التفسيرية ثم المسائل الاستطرادية، وهذا الترتيب له مناسبته في ترابط المسائل فتفسير الآية كثيرا ما يتوقف على مسائل في علوم الآية كأسباب النزول، والمسائل الاستطرادية يناسب تأخرها.

* بالنسبة للتصحيح:
- بداية لابد أن نعرف قاعدة عامة وهي أننا نكتشف الخطأ فيما نعرفه؛ فإن كنا نجهل المسألة أو نجهل الصواب فيها، فلن نتمكن من تحديد الخطأ.
ولهذا كان من أحد أسباب إقرار التصحيح عليكم، هو إتقان المسائل ومعرفة الصواب فيها، والذي قد يتطلب أحيانًا مزيد بحث لتحديد ما إذا كان الطالب قد أخطأ أو لا.
والمسألة التي ستبحثون عنها، لن تنسوها بعد ذلك بإذن الله.
ولا نتسرع بالإنكار على الآخر دون تحقق، كما لا نتسرع باعتماد خطأ على أنه صواب دون تحقق.
- صياغة المسائل أمر واسع؛ ومن الصعب حصره في صيغة معينة، فطالما جاءت صياغة الطالب واضحة ومناسبة لتحرير المسألة؛ فلا ننكر عليه، مع إمكانية الإرشاد للأوضح - إن وُجِد -.
تنبيه: التصحيح سيكون على أقل ما طُلب - وهو الالتزام بالتفاسير الثلاثة مع تخريج الآثار وأقوال السلف من المصادر الأصيلة - ومن زاد عن ذلك يُراجع له أيضًا ويقدر عمله، وجهده.


وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى ونفع بي وبكم الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 جمادى الأولى 1441هـ/21-01-2020م, 11:28 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

اختار بإذن الله تلخيص تفسير الآية الأولى

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1441هـ/23-01-2020م, 02:43 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

أختار بإذن الله: - تفسير سورة النساء [ من الآية (2) إلى الآية (4) ]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الأولى 1441هـ/23-01-2020م, 10:03 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) }
قوله: {وآتوا اليتامى أموالهم{.
اليتيم في اللغة: من فقد الأب قبل البلوغ. ذكره ابن عطية.
المراد باليتيم في الآية:
قيل: الصغير من الولد الذي لم يعط حقه من الورث حينما يكون لديه إخوة كبار, كما يفعل بعض العرب. قاله ابن زيد وذكره ابن عطية.
وقيل: المراد عين اليتيم في اللغة, ولكن المعنى: أعطوهم أموالهم إذا آنستم منهم رشدا، وإنما يسمون يتامى – بعد أن يؤنس منهم الرّشد، وقد زال عنهم اسم يتامى - بالاسم الأول الذي كان لهم. ذكره الزجاج وأشار إليه ابن عطية وابن كثير.
وعلى هذا يكون المخاطب في القول الأول لمن كانت هذه عادته من العرب, وفي القول الثاني لأوصياء اليتامى.
وتوجيه القول الأول والثاني يعود على اتصاف الأول باليتم حقيقة لصغره ووفاة والده, والثاني باعتبار ما كان عليه, والكل ينطبق عليه معنى الآية بلا تعارض.
تخريج قول ابن زيد:
رواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ عنه.
وقوله - عزّ وجلّ -: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب}.
المراد بتبدل الخبيث بالطيب:
يدور معنى التبدل بين معنى التبذير, كما ورد عن سعيد بن جبير, وتعجل الرزق, كما ذكر مجاهد وأبو صالح, ومعناه المعروف في اللغة بتبديل الشيء مكان الشيء كما وردت كثير من الأقوال.
والمراد بـ"الخبيث بالطيب":
قيل: الطيب: مالكم, والخبيث: مال اليتيم. قاله سعيد بن جبير والزجاج, وذكره ابن عطية, وابن كثير.
وقيل: المراد ما كان بعضهم يفعل من أن يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزائف من ماله. قاله سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك,وذكره ابن عطية وابن كثير.
وقيل: المراد: لا تتعجلوا أكل «الخبيث» من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. قاله مجاهد وأبو صالح وذكره ابن عطية وابن كثير.
و «الخبيث» و «الطيب»: إنما هو هنا بالتحليل والتحريم، كما اتفقت عليه مقاصد الأقوال, وذكره ابن عطية.
فجميع الأقوال متناغمة ينطبق عليها مراد الآية ولا تعارض بينها.
تخريج الأقوال:
قول سعيد بن جبير:
رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، عن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، عن عبد اللّه بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عنه.
قول مجاهد:
رواه الثوري في تفسيره وابن جرير والهمذاني في تفسير مجاهد وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ عنه.
قول الضحاك:
رواه الثوري في تفسيره عن أبي سنانٍ عنه, وكذا رواه ابن جرير من طريق الثوري.
قول السدي:
رواه الثوري في تفسيره عنه, وكذا رواه ابن جرير من طريق سفيان، عنه.
ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، عن أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عنه.
قول النخعي:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن يمانٍ، عن سفيان، عن مغيرة، عنه.
قول سعيد بن المسيب:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يحيى بن سعيدٍ، عنه.
قول الزهري:
رواه ابن جرير عن معمرٍ، عنه.
قول أبي صالح:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن يمانٍ، عن سفيان، عن إسماعيل، عنه.
قوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}.
المراد بأكل أموالهم إلى أموالكم:
الخلط بين مالهم ومال اليتامى بإضافتها لأموالهم. قاله الحسن, ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، وسفيان بن حسين والزجاج, وذكره ابن عطية وابن كثير.
ثم نسخ منه النهي بقوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} في سورة البقرة.
المراد بـ"إلى" في الآية:
قالت طائفة من المتأخرين: إلى بمعنى مع. ذكره ابن عطية ولم يستحسنه. وقد روي عن مجاهد أن معنى الآية: «ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم». لكن ابن عطية وجه كلامه: بأنه تقريب للمعنى، لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر.
وقال الحذاق: إلى هي على بابها وهي تتضمن الإضافة، التقدير: «لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل». ذكره ابن عطية.
والآية نص في النهي عن قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه. كما ذكره ابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول مجاهد:
رواه النهدي في تفسير الثوري عنه عن أبي نجيح عن مجاهد. وكذا رواه ابن جرير من طريق الثوري.
قول السدي:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أحمد بن مفضل، قال نا أسباط، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير عن المثنّى، عن إسحاق، عن أبي زهيرٍ، عن مباركٍ، عنه.
قول سعيد بن جبير, ومقاتل, وسفيان:
ذكر ابن أبي حاتم أنه مروي عنهم ولم يعز أو يسند.
قوله تعالى:{ إنه كان حوبا كبيرا }.
الضمير في :"إنه" عائد بإجماع على أكل أموال اليتامى إلى أموالهم.
معنى :"حوبا كبيرا": إثما عظيما. قاله ابن عباس, ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان, والزجاج وابن عطية وذكره ابن كثير.
وقد روى ابن مردويه، عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن قوله: {حوبًا كبيرًا} قال: « إثمًا كبيرًا ». ولكن في إسناده محمّد بن يونس الكديمي وهو ضعيفٌ كما ذكر ابن كثير.
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس:
ذكره البخاري في صحيحه ولم يسنده, ووصله ابن أبي حاتمٍ بإسنادٍ صحيحٍ -كما ذكر ابن حجر-عن داود بن أبي هند عن عكرمة عنه, ووصله ابن جرير من طريق مجاهدٍ والسّدّيّ والحسن وقتادة مثله -كما ذكر ابن حجر-.
قال ابن جرير: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير عن عمرو بن عليٍّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن قرّة بن خالدٍ، عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير من طريقين عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
قول قتادة:
رواه عبدالرزاق عن معمر عنه. ورواه ابن جرير من طريق عبدالرزاق, وعن بشر بن معاذٍ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عنه.
قول ابن سيرين:
روى ابن مردويه بإسناده إلى واصلٍ، مولى أبي عيينة، عن محمّد بن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ أبا أيّوب طلّق امرأته، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« يا أبا أيّوب، إنّ طلاق أمّ أيّوب كان حوبًا »قال ابن سيرين: « الحوب الإثم».
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
أما الضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان: فقد ذكر ابن أبي حاتم هذا القول عنهم ولم يسند. وأما عكرمة فالظن -والله أعلم- أن نسبة القول له من باب روايته لهذا القول عن ابن عباس والذي يعني ارتضاءه له, لاسيما مع عدم تعقيبه بما يفيد غير ذلك.

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) }
سبب النزول:
-روى البخاري عن عائشة؛ أنّ رجلًا كانت له يتيمةٌ فنكحها، وكان لها عذق. وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيءٌ فنزلت فيه: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
وروى أيضا أن عروة بن الزّبير سأل عائشة عن قول اللّه تعالى:{وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} قالت:« يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ في الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: وإنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل اللّه تعالى:{ويستفتونك في النّساء} قالت عائشة: وقول اللّه في الآية الأخرى: {وترغبون أن تنكحوهنّ} رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النّساء إلّا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كن قليلات المال والجمال ». ذكره ابن عطية, وابن كثير. وقاله ربيعة.
فعلى هذا يكون المعنى الإجمالي للآية: وإن خفتم يا معشر أولياء اليتامى ألاّ تقسطوا في صداقهنّ فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنّ صدقات أمثالهنّ فلا تنكحوهنّ، ولكن انكحوا غيرهنّ من الغرائب اللّواتي أحلّهنّ اللّه لكم وطيّبهنّ من واحدةٍ إلى أربعٍ، وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدةٍ، فلا تعدلوا، فانكحوا منهنّ واحدةً، أو ما ملكتم أيمانكم. وهو ما اختاره ابن كثير.
-وقال عكرمة: « نزلت في قريش، وذلك أن الرجل منهم كان يتزوج العشر وأكثر وأقل، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فتزوج منه، فقيل لهم: إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا ».
فعلى هذا يكون معنى ذلك النّهي عن نكاح ما فوق الأربع؛ من النساء حذرًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم، فيقال: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها، فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها، لما يلزمكم من مؤن نسائكم، فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النّساء على أربعٍ وإن خفتم أيضًا من الأربع ألاّ تعدلوا في أموالهم فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم ».
-وقال سعيد بن جبير والسدي وقتادة وابن عباس:«إن العرب كانت تتحرج في أموال اليتامى، ولا تتحرج في العدل بين النساء، كانوا يتزوجون العشر وأكثر »، فنزلت الآية في ذلك. ذكره ابن عطية.
فعلى هذا يقال: كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النّساء أن لا تعدلوا فيهنّ، ولا تنكحوا منهنّ إلاّ من واحدةٍ إلى الأربع، ولا تزيدوا على ذلك، وإن خفتم ألاّ تعدلوا أيضًا في الزّيادة على الواحدة، فلا تنكحوا إلاّ ما لا تخافون أن تجوروا فيهنّ من واحدةٍ أو ما ملكت أيمانكم.
وقيل كذلك في المعنى الإجمالي للآية:
-أي: إن تحرجتم أن تتركوا ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا. قاله مجاهد, وذكره الزجاج.
-وقال بعض المفسرين قال أهل البصرة من أهل العربية: يقول ذلك المفسّر - قال« إنهم كانوا يتزوجون العشر من اليتامى ونحو ذلك رغبة في مالهن فقال اللّه - جلّ وعزّ - {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: في نكاح اليتامى» كذلك قال أبو العباس محمد ابن يزيد، وهو مذهب أهل النظر من أهل التفسير. ذكره الزجاج.
تخريج الأقوال:
قول عائشة:
رواه البخاري وعبدالرزاق والنسائي والهيثمي وابن جرير وابن أبي حاتم من عدة طرق عن عروة, عنها.
قول سعيد بن جبير:
رواه عبدالرزاق وسعيد بن منصور في سننه وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أيوب عنه.
قول ابن عباس:
رواه النهدي في تفسير الثوري عنه عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن طاؤس عن ابن عباس. وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان.
ورواه ابن جرير من طريق آخر: عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ.
ورواه ابن أبي حاتم من طريق آخر: قال: عن أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس, وذكر قوله.
قول عكرمة:
رواه ابن جرير من طريقين عن سماكٍ, عنه.
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول ربيعة:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يونس, عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير من طريقين عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
المراد بـ"خفتم" في الآية:
قيل: تيقنتم. قاله أبو عبيدة, وخطأه ابن عطية, وعقب:"لا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه".
والصحيح: أنه من أفعال التوقع، إلا أنه قد يميل الظن فيه إلى إحدى الجهتين.
وقال مجاهد: تحرجتم. كما ذكره الزجاج وخرجناه سابقا.
معنى القسط في قوله :"ألا تقسطوا":
العدل. ذكره ابن عطية.
معنى الطيب في قوله :"ما طاب":
الحلال. قاله الحسن وأبو مالك وسعيد بن جبير, وذكره الزجاج وابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول سعيد بن جبير:
رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب عنه.
قول أبي مالك:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالدٍ، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زريعٍ، عن يونس، عنه.
علة قوله "ما طاب" بدل "من طاب":
لأنه لم يرد تعيين من يعقل، وإنما أراد النوع الذي هو الطيب من جهة التحليل، فكأنه قال: «فانكحوا الطيب» لأن ليس كل النساء طيبا. ذكره ابن عطية وأشار إليه الزجاج.
وحكى بعض الناس أن ما في هذه الآية ظرفية, أي ما دمتم تستحسنون النكاح. وضعفه ابن عطية.
ما الذي يفيده الأمر بالنكاح في الآية؟
هو ندب لقوم وإباحة لآخرين بحسب قرائن المرء، والنكاح في الجملة والأغلب مندوب إليه، قال عليه السلام: « من استطاع منكم الباءة فليتزوج». ذكره ابن عطية.
معنى قوله - عزّ وجلّ - {مثنى وثلاث ورباع} وموقعها الإعرابي:
موضعها من الإعراب نصب على البدل من ما طاب، وهي نكرات لا تنصرف لأنها معدولة وصفة كذا قاله أبو علي ».
وقال غيره: « هي معدولة في اللفظ وفي المعنى، وأيضا فإنها معدولة وجمع، وأيضا فإنها معدولة مؤنثة ».
قال الطبري: "هي معارف لأنها لا تدخلها الألف واللام" وخطأ الزجاج هذا القول. وهي معدولة عن اثنين، وثلاثة، وأربعة، إلا أنها مضمنة تكرار العدد إلى غاية المعدود.
والمعنى: اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا. فيكون تفسير الآية: انكحوا ما شئتم من النّساء سواهنّ إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثًا وإن شاء أربعًا. مجموع ما قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير.
بيان بطلان تفسير الشيعة لـ"مثنى وثلاث ورباع" بالـ"تسع":
أحدها: في اللغة أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق.
ومنها: أنه يصير أعيى كلام، لو قال قائل في موضع تسعة أعطيك اثنين وثلاثة وأربعة يريد تسعة، قيل تسعة تغنيك عن هذا، لأن تسعة وضعت لهذا العدد كله، أعني من واحد إلى تسعة.
وبعد فيكون - على قولهم - من تزوج أقل من تسع أو واحدة فعاص لأنه إذا كان الذي أبيح له تسعا أو واحدة فليس لنا سبيل إلى اثنين.
لأنه إذا أمرك من تجب عليك طاعته فقال ادخل هذا المسجد في اليوم تسعا أو واحدة، فدخلت غير هاتين اللتين حددهما لك من المرات فقد عصيته. ذكره الزجاج
-دلالة الآية على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع, لأنّ المقام مقام امتنانٍ وإباحةٍ، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربعٍ لذكره. كما قاله ابن عباس, والشافعي, وعليه جمهور العلماء, كما ذكر ابن عطية, وابن كثير.
ومما يؤكد من الأحاديث ذلك:
ما رواه الإمام أحمد, قال: حدّثنا إسماعيل ومحمّد بن جعفرٍ قالا حدّثنا معمرٌ، عن الزّهريّ. قال ابن جعفرٍ في حديثه: أنبأنا ابن شهابٍ، عن سالمٍ، عن أبيه: أنّ غيلان بن سلمة الثّقفيّ أسلم وتحته عشرة نسوةٍ، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « اختر منهنّ أربعًا ». فلمّا كان في عهد عمر طلّق نساءه، وقسّم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: إنّي لأظنّ الشّيطان فيما يسترق من السّمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ولعلّك لا تمكث إلّا قليلًا. وايم اللّه لتراجعنّ نساءك ولترجعنّ في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرنّ بقبرك فيرجم، كما رجم قبر أبي رغال.
وهكذا رواه الشّافعيّ والتّرمذيّ وابن ماجه والدّارقطنيّ والبيهقيّ وغيرهم عن اسماعيل بن عليّة وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة، وسفيان الثّوريّ، وعيسى بن يونس، وعبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، والفضل بن موسى وغيرهم من الحفّاظ، عن معمر -بإسناده -مثله إلى قوله: اختر منهنّ أربعًا. وهذا الإسناد من مسند الإمام أحمد رجاله ثقاتٌ على شرط الصّحيحين كما ذكره ابن كثير, وللحديث شواهد آثرنا عدم ذكرها لئلا يطول المقال.
معنى "فإن خفتم":
أي: إن خشيتم. ذكره ابن كثير.
متعلق العدل في قوله :"ألا تعدلوا":
-قيل: ألا تعدلوا في الميل والمحبة والجماع والعشرة بين الأربع أو الثلاث أو الاثنتين. قاله الضحاك, وذكره ابن عطية.
-ويتوجه على قول من قال: إنها نزلت فيمن يخاف أن ينفق مال اليتامى في نكاحاته، أن يكون المعنى: ألا تعدلوا في نكاح الأربع والثلاث حتى تنفقوا فيه أموال يتاماكم، أي فتزوجوا واحدة بأموالكم، أو تسرّوا منها. ذكره ابن عطية.
تخريج قول الضحاك:
رواه ابن جرير عن يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عنه.
المراد بملك اليمين في قوله: "أو ما ملكت أيمانكم":
الإماء. ذكره ابن عطية.
سبب إسناد الملك لليمين في الآية:
أسند الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها, ألا ترى أنها المنفقة، كما قال عليه السلام: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وهي المعاهدة المبايعة، وبها سميت الأليّة يمينا، وهي المتلقية لكتاب النجاة ولرايات المجد، وقد نهى عليه السلام عن استعمالها في الاستنجاء وأمر المرء بالأكل بها. ذكره ابن عطية.
-دلالة الآية على وجوب الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك اليمين إن خاف الوقوع في الظلم بين الزوجات. بإجماع المفسرين.
معنى "أدنى":
أقرب. ذكره ابن عطية.
تقدير قوله :" ذلك أدنى ألا تعولوا":
أي: ذلك أدنى إلى أن لا تعولوا. ذكره ابن عطية.
معنى "ألا تعولوا":
- ألا يكثر عيالكم، وحكى ابن الأعرابي أن العرب تقول: عال الرجل يعول إذا كثر عياله.
قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشّافعيّ, وذكره ابن كثير
وقدح في هذا الزجاج وابن كثير، بأن الله قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثر. وخطأه ابن عطية قائلا: وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هن مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الفادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة.
-ألا تميلوا. يقال: عال الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قول أبي طالب في شعره في النبي صلى الله عليه وسلم:
بميزان قسط لا يخسّ شعيرة ....... ووزان صدق وزنه غير عائل
قال به ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس وأبو مالك والسدي والزجاج وغيرهم، وذكره ابن عطية وابن كثير واختاره وذكر أنه قول الجمهور, وأوضح أن الميل هنا بمعنى الجور.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه، وأبو حاتم ابن حبّان في صحيحه، من طريق عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيم، حدّثنا محمّد بن شعيبٍ، عن عمر بن محمّد بن زيدٍ، عن عبد اللّه بن عمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: «لا تجوروا ».
قال ابن أبي حاتمٍ: قال أبي: هذا حديثٌ خطأٌ، والصّحيح: عن عائشة. موقوفٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ، وعائشة، ومجاهدٍ، وعكرمة، والحسن، وأبي مالكٍ وأبي رزين والنّخعي، والشّعبي، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، وقتادة، والسّدّي، ومقاتل بن حيّان: أنّهم قالوا: لا تميلوا وقد استشهد عكرمة، رحمه اللّه، ببيت أبي طالبٍ الّذي قدّمناه، ولكنّ ما أنشده كما هو المرويّ في السّيرة، وقد رواه ابن جريرٍ، ثمّ أنشده جيّدًا، واختار ذلك, كما ذكر ذلك ابن كثير.
تخريج الأقوال:
قول زيد:
رواه ابن وهب في جامعه عنه.
ورواه ابن أبي حاتم, قال: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني اللّيث بن سعدٍ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عنه.
قول سفيان بن عيينة:
رواه ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أبو محمد بن ابنة الشّافعيّ فيما كتب إليّ، عن أبيه أو عمّه، عنه.
قول ابن عباس:
رواه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
ورواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عنه.
قول الحسن:
رواه ابن وهب عن أشهل، عن قرة بن خالد، عنه.
ورواه ابن جرير عن حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا يونس، عنه.
قول قتادة:
رواه عبدالرزاق عن معمر عنه. ورواه ابن جرير من طريق عبدالرزاق.
ورواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول أبي مالك:
رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير من طريقين عن هشيمٌ، قال: نا حصين, عنه.
ورواه ابن جرير عن أبي كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عنه.
قول عكرمة:
رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير من طريق هشيمٌ، عن داود، عنه.
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير، عن الحريت عنه.
قول الشعبي:
رواه سعيد بن منصور في سننه عن خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير عن ابن حميدٍ، قال: حدّثني حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عنه.
ورواه ابن جرير عن ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يونس، عن أبي إسحاق، عنه.
ورواه ابن جرير من طريقين والهمذاني في تفسير مجاهد من طريق ابن أبي نجيح عنه.
قول الربيع:
رواه ابن جرير قال: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عنه.
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.

تفسير قوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) )
أسباب النزول:
- قال هشيم، عن سيّارٍ، عن أبي صالحٍ قال: كان الرّجل إذا زوّج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك، ونزل: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ, وذكره ابن كثير.
- "فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا" قال حضرمي: سبب الآية أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوا إلى الزوجات. ذكره ابن عطية.
المخاطب في الآية:
- قال ابن عباس وقتادة وابن جريج:« إن الخطاب في هذه الآية للأزواج، أمرهم الله أن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم ». ذكره ابن عطية.
-قال أبو صالح:« الخطاب لأولياء النساء، لأن عادة بعض العرب كانت أن يأكل ولي المرأة مهرها، فرفع الله ذلك بالإسلام وأمر بأن يدفع ذلك إليهن ». ذكره ابن عطية.
-وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: « زعم حضرمي أن المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى، فأمروا أن يضربوا المهور ». ذكره ابن عطية.
ورجح ابن عطية أن الآية تتناول الجميع.
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس:
رواه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يزيد، عن سعيدٌ، عنه.
قول ابن جريج:
رواه ابن جرير عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عنه.
قول أبي صالح:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق هشيمٌ، عن سيّارٍ، عنه.
قول سليمان عن حضرمي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرميٌّ, وذكر قوله.
معنى " صدقاتهن":
مهورهن. بإجماع.
معنى "نحلة":
-فريضة. قال به عائشة ومقاتل وقتادة وابن جريج وابن زيد, وذكره الزجاج وابن كثير.
-ديانة. ذكره الزجاج وابن عطية.
-عطية. ذكره الزجاج وابن عطية.
-مهر. قاله ابن عباس, وذكره ابن كثير.
وجميعها لا تتعارض ويخدم صحتها المعنى اللغوي.
تخريج الأقوال:
قول عائشة:
رواه ابن جرير عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عروة، عنها. وذكره ابن كثير.
قول ابن عباس:
ذكره ابن كثير والبخاري ووصله ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول ابن جريج:
رواه ابن جرير عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عنه.
ورواه ابن أبي حاتم عن عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عنه.
قول ابن زيد:
رواه ابن جرير عن يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ, وذكر قوله.
قول مقاتل:
ذكر ابن أبي حاتم أن أبا محمد ذكر أن هذا القول مروي عنه.
متعلق "نحلة" إن أتت بمعنى "عطية":
-أي تقديرها: من الله. ذكره الزجاج وابن عطية.
-أو منكم (المخاطبون في الآية). ذكره ابن عطية.
-تفيد الآية وجوب إعطاء النساء المهر في النكاح. بإجماع.
معنى "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا":
أي: إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن. بإجماع.
عودة الضمير في قوله: "منه":
على المهر. بإجماع.
مسألة: كيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله، وإنما قيل له منه؟
الجواب: أن " منه " ههنا للجنس, كما قال عزّ وجلّ -: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}.فلم نؤمر أن نجتنب بعض الأوثان، ولكن المعنى اجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
أي: فكلوا الشيء الذي هو مهر. ذكره الزجاج وابن عطية.
"فكلوه هنيئا مريئا" معنى "هنيئا مريئا":
قال اللغويون: الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة، وكذلك المريء، قال اللغويون: يقولون هنأني الطعام ومرأني على الإتباع، فإذا أفردوا قالوا: أمرأني على وزن أفعل. قال أبو علي: وهذا كما جاء في الحديث «ارجعن مأزورات غير مأجورات» فإنما اعتلت الواو من موزورات اتباعا للفظ مأجورات، فكذلك مرأني اتباعا لهنأني، قال سيبويه هنيئاً مريئاً صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره، المختزل للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك «هنيئا مريئا». ذكره ابن عطية, وأشار إلى مثله الزجاج.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة، عن عليٍّ قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا، فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك، فليبتع بها عسلًا ثمّ ليأخذ ماء السّماء فيجتمع هنيئًا مريئًا شفاءً مباركًا. ذكره ابن كثير.
ودخل رجل على علقمة- وهو يأكل شيئا مما وهبته امرأته من مهرها- فقال له: كل من الهنيء المريء. ذكره ابن عطية.
-تفيد الآية جواز استمتاع الرجل بالمهر إن طابت نفس زوجته له به. بإجماع.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1441هـ/25-01-2020م, 02:20 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

تلخيص تفسير سورة النساء
-الآية الأولى:
علوم السورة :
اسم السورة: سورة النساء
اتفق جماهير أهل العلم أن اسمها سورة النساء؛ وسميت كذلك في كلام الصحابة ؛ وبه سميت في المصاحف وفي كتب السّنّة وكتب التّفسير.
وفي وجه تسميتها بذلك يقول ابن عاشور:" ووجه تسميتها بإضافةٍ إلى النّساء أنّها افتتحت بأحكام صلة الرّحم، ثمّ بأحكامٍ تخصّ النّساء، وأنّ فيها أحكامًا كثيرةً من أحكام النّساء: الأزواج، والبنات، وختمت بأحكامٍ تخصّ النّساء).
- الاسم الثاني : سورة النساء الطّولى – الكبرى
ذُكر لسورة النساء اسم ثان وهو (النساء الطّولى – الكبرى) وهذا الاسم لم يأت صريحا في كلام أهل العلم إلا ما ورد من كلام الفيروز آبادي: قال رحمه الله :" أنّ هذه السّورة تسمّى سورة النّساء الكبرى، واسم سورة الطّلاق سورة النّساء الصّغرى.) « بصائر ذوي التّمييز» قال ابن عاشور:"ولم أره لغيره." اهـ .يعنى التصريح باسم النساء الطولى لم يره عند غير الفيروز أبادي
دليل الاسم:.-ما تم استنباطه من كلام ابن مسعود قال رضي الله عنه ..:" «لنزلت سورة النّساء القصرى" يقصد سورة الطلاق؛ فهذه شارك سورة النساء في التسمية وفارقتها بكونها قصرى فكانت سورة النساء كبرى .."
الاسم الثالث: السّورة الّتي يذكر فيها النّساء
وذكر هذا الاسم ابن جرير الطبري في أول تفسيره سورة النساء وابن أبي حاتم في تفسيره في آخر تفسيره سورة النساء ابن الأنباري أول تفسيره سورة النساء
نزول السورة :
*ذهب جمهور العلماء إلى أن سورة النساء مدنية بدليل حديث عائشة الذي رواه البخاري في صحيحه قالت:ما نزلت سورة النّساء إلّا وأنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم)، يعني: قد بنى بها.والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا في المدينة
-ولما رواه البخاري أيضا عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ} . وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ "
-وأيضا لما حوته السورة من أحكام. ..حقوق النساء و واليتامى و أحكام الميراث.وغيرها فالناظر في تلك الأحكام يظهر له أنها لم تشرع إلا في المدينة "بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَانْتِظَامِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمْنِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَفِيهَا أيضا آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَالتَّيَمُّمُ شرع يَوْم غزَاة الْمُرَيْسِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ."
وذهب بعض أهل العلم أن السورة مكية وبه قال النحاس ومستند ما ذهبوا أن: {يا أيّها النّاس} مكّيٌّ حيث وقع .
وهذا غير مسلم فإن إنّ البقرة مدنيّةٌ وفيها {يا أيّها النّاس}في موضعين.
وقد يكون مخرج هذا القول أن المكي هو ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ؛وقد عدوا قوله تعالى :" { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } مكية لأنها نزلت في مكة عام الفتح .؛ ولا ريب أنها نزلت بعد الهجرة.
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ :(وكان ابتداء نزولها بالمدينة، لما صحّ عن عائشة أنّها قالت: (ما نزلت سورة البقرة وسورة النّساء إلّا وأنا عنده). وقد علم أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم بنى بعائشة في المدينة في شوّالٍ، لثمان أشهرٍ خلت من الهجرة، واتّفق العلماء على أنّ سورة النّساء نزلت بعد البقرة، فتعيّن أن يكون نزولها متأخّرًا عن الهجرة بمدّةٍ طويلةٍ. والجمهور قالوا: نزلت بعد آل عمران، ومعلومٌ أنّ آل عمران نزلت في خلال سنة ثلاثٍ أي بعد وقعة أحدٍ، فيتعيّن أن تكون سورة النّساء نزلت بعدها...)
وقال رحمه الله :" وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ عِنْدَ الْهِجْرَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ لأنّها افتتحت بيا أَيُّهَا النَّاسُ، وَمَا كَانَ فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ أَيَّامَ الْفَتْحِ لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْمَكِّيَّ بِإِطْلَاقَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ صَدْرُهَا بِمَكَّةَ وَسَائِرُهَا بِالْمَدِينَةِ. وَالْحَقُّ أنّ الْخطاب بيا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ دُخُولِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْخِطَابِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، وَلَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَدَنِيٌّ بِالِاتِّفَاقِ.."

عد الآي:
-آيها مئة وسبعون وخمس آيات في المدنيين والمكي والبصري وست في الكوفي وسبع في الشامي.
عد الكوفي والشامي (أن تضلوا السبيل) (الآية: 44)آية.
وعد الشامي وحده (فيعذبهم عذابا أليما) (الآية: 173 ) آية .
فضل سورة النساء
سورة النساء من السبع الطوال وقد ورد في فضلها جملة من الأحاديث فعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال وأعطيت مكان الإنجيل المئين ، وأعطيت مكان الزبور المثاني ...) رواه أحمد
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر) السلسة الصحيحة
وقد ورد في فضلها بعض أثار السلف
- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عبد الله بن قيس عن ابن عباس قال: "(من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض.)
ما رواه الحاكم في مستدركه من طريق مَعْن بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ لخمسُ آيَاتٍ مَا يَسُرّني أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الْآيَةَ، وَ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الْآيَةَ، وَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الْآيَةَ، وَ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ.".

- وما رواه ابن جريرمِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: ثماني آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ (8) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعت عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، أُولَاهُنَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وَالثَّانِيَةُ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا} وَالثَّالِثَةُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا} .
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، يَعْنِي فِي الْخَمْسَةِ. الْبَاقِيَةِ.

علوم الآية:

· فضائل الآية
· الآية مما كان يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة

· المعنى الجملي للآية:
ابتدأ اللَّه السورة بالموعظة؛ .ففي الآية تنبيه على الصانع و فيها إخبار بما يوجب أنه واحد وأن حقه عز وجلَّ - أن يُتَقى؛وفيها حض على التواصل لحرمة هذا النسب وإن بعد. مخلص ما ذكره الزجاج وابن عطية

· مقصد الآية:
الحث على شكر الله على نعمة الخلق والوجود ؛والحث على مراعاة حقوق النوع الذي خلقوا منه بأن يصلوا أرحامهم القريبة و البعيدة
.وكأن هذا توطئة لما سيذكر في السورة من حقوق النساء واليتامي وحقوق الجوارى بملك اليمين وكذا حقوق جماعة المسلمين من الأموال والدماء وغيرها فكأن فيه تنبيه لطيف أن كل أولئك أرحامكم لكم ؛ لهم حق عليكم فأتوهم حقهم وإياكم وظلمهم وحث على تقوى الله وكررها لتأكيد هذا المقصد ؛ فإن أعظم ما يدفع لأداء تلك الحقوق وصلة الأرحام هو تقوى الله .

· القراءات:
في الآية كلمتين فرشيتين
تساءلون ؛ الأرحام
أولا: تساءلون
-قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف السين تساءلون
-وقرأ الباقي بتشديد السين تسّاءلون
ذكرها الشاطبي في أول بيت من فرش سورة النساء :
587 - وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا ... .
التوجيه:
وأصل كلمة "تساءلون " تتساءلون ؛ فحذف أهل الكوفة إحدى التائين تخفيفاً كقوله :{ وَلاَ تَعَاوَنُواْ }؛ أي " ولا تتعاونوا" ؛ وهذا كثير في كلام العرب نحو { تَكَلَّمُونَ }.أي "تتكلمون"
وهذا شائع في اللغة العربية الحذف لأجل التخفيف
-أما الجمهور فقد أبدلوا التاء الثانية سين و أدغموها مع أختها فقرؤوا "تسّاءلون"
قال ابن عطية: فهذه تاء تتفاعلون تدغم في لغة وتحذف في أخرى لاجتماع حروف متقاربة ، قال أبو علي : وإذا اجتمعت المتقاربة خففت بالحذف والإدغام والإبدال كما قالوا : طست فأبدلوا من السين الواحدة تاء إذ الأصل طس.."."
وقرئ في الشواذ - «تسألون » - خفيفة بغير ألف ؛ وهي قراءة ابن مسعود كما ذكر ابن عطية
ثانيا: الأرحام
انفرد حمزة من العشرة فقرأ الأرحام بخفض الميم " والأرحامِ" ؛ و قرأ الباقون بنصبها "والأرحامَ"
ذكرها الشاطبي في أول بيت من فرش سورة النساء :
587 - ............. وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالْخَفْضِ جَمَّلَا

وقرئ في الشواذ.. - والأرحامُ – بالرفع وهي قراءة عبد الله بن يزيد كما ذكر ابن عطية
ووجه ذلك أنها على الابتداء والخبر مقدر تقديره : والأرحام أهل أن توصل

التوجيه:
أما قراءة النصب فهي نصب بإضمار فعل تقديره :" واتقوا الأرحام أن تقطعوها"..عطفا على لفظ الجلالة "الله" .. وهو قول ابن عباس وعكرمة و مجاهد في قول عنه والحسن في قول عنه وقتادة والسدي وهو قول مقاتل وزيد ابن أسلم
-وقيل على تقدير " وصلوا الأرحام " هو قول قتادة
وقيل
نصب على العطف على موضع به لأن موضعه نصب .ذكره ابن عطية
تخريج الأقوال:
- قول ابن عباس فقد رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
وأخرجه ابن جرير من طريق ابن جريج.
- وقول عكرمة فقد أخرجه ابن جرير و ابن المنذر من طريق خصيف ، عن عكرمة به
-و قول مجاهد فقد رواه ابن جرير وعبد بن حميد من طريق خصيف
-وقول الحسن فقد أخرجه ابن المنذر من طريق منصور ، عن الحسن
-وقول قتادة رواه الصنعاني من طريق معمر عن قتادة مرفوعا: قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الله وصلوا الأرحام "
-و قول السدى فقد أخرجه ابن جرير من طريق أسباط.
-و قول زيد ابن أسلم فقد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب.

وأما قراءة الخفض
فهي عطف على حرف الجر ؛والمعنى: " الذي تسألون به والأرحام " ، وهو كقول الرجل : نشدتك بالله وبالرحم..أو "هو أنشدك بالله والرحم" وهو قول مجاهد والحسن .

تخريج الأقوال:
قول مجاهد فقد رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
أما قول الحسن فقد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر و أخرجه ابن أبي حاتم منطريق السري بن يحيى عن الحسن
-وقد قيل: إن الخفض على القسم. قسم بالأرحام والمعنى واتقوا الله ثم أقسم بالأرحام، و قيل هو على تقدير مقسم به : والمعنى : وربّ الأرحام...

مناقشة قراءة الجر:
-وقد رد جمهور النحاة قراءة الجر ولم يقبلوها ؛ بحجه أن الظاهر لا يعطف على المضمر إلا بتكرار حرف الخفض ..وعدوا هذه القراءة ليس من فصيح كلام العرب بل هي خطأ في العربية..وممن رد هذه القراءة ابن جرير الطبري
قال الزجاج:" فأما الجر في الأرحامِ فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر.."
وحكى الزجاج إجماع أهل العربية على ذلك قال رحمه الله :" فأما العربية فإجماع النحويين أنه يَقْبحُ أنْ يُنْسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإِظهار الجار، يَسْتَقْبح النحوُيون: مررت به وزيدٍ. وبك وزيدٍ، إِلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد "
ونقل الزجاج عن المازني وجها في منع هذه القراءة: فقال: الثاني في العطف شريك للأول، فإِن كان الأول يصلح شريكاً للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً له."
وبين ابن عطية وجه كون قراءة الجر مخالفة للفصاحة فقال :"ذكر الأرحام فيما يتساءل به لا معنى له في الحض على تقوى الله ، ولا فائدة فيه أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتساءل بها ، وهذا تفرق في معنى الكلام وغض من فصاحته ، وإنما الفصاحة في أن يكون لذكر الأرحام فائدة مستقلة ،." اهـ
,أما على توجيه قراءة الجر بأنها قسم فقد رد ذلك الزجاج وابن عطية بحجة أنها تخالف النص النبوي الذي ينهى عن الحلف بالآباء أو الحلف بغير الله عموما
قال الزجاج:"وخطأ أيضاً .في أمْر الدين عظيم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تحلفوا بآبائكم "..فكيف يكون تساءَلون به وبالرحم على ذا؟. اهـ
قال ابن عطية : والوجه الثاني أن في ذكرها على ذلك تقريراً للتساؤل بها والقسم بحرمتها ، والحديث الصحيح يرد ذلك في قوله عليه السلام : «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت »

وقد ذكر ابن عطية وجها آخر لقراءة الجر ثم انتقده مستندا إلى نظم الكلام وسياقه قال رحمه الله :" وقالت طائفة : إنما خفض - «والأرحامِ » - على جهة القسم من الله على ما اختص به إله إلا هو من القسم بمخلوقاته ، ويكون المقسم عليه فيما بعد من قوله : { إن الله كان عليكم رقيباً } وهذا كلام يأباه نظم الكلام وسرده ، وإن كان المعنى يخرجه "

والصحيح أن قراءة الجر قراءة سبعية متواترة تلقتها الأمة بالقبول وذاعت وانتشرت فيجب قبولها ولا يصح ردها ؛ والقراءات القرآن المتواترة فوق قواعد النحاة ، وهي أصدق في الفصحى .
- وقراءة الجر واردة على عادة العرب في كلامهم وخطابهم أسالك بالرحم التي بيننا؛ وهي من باب السؤال بالأسباب ؛ كأنهم جعلوا الرحم سبب في الوصال والعطية ؛ وليس ذلك من القسم في شيء قال شيخ الإسلام ابن تيمية"" ... وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ فَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: هُوَ قَوْلُهُمْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ سُؤَالِهِمْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ عَلَى جَوَازِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَسْأَلُك بِالرَّحِمِ لَيْسَ إقْسَامًا بِالرَّحِمِ - وَالْقَسَمُ هُنَا لَا يَسُوغُ - لَكِنْ بِسَبَبِ الرَّحِمِ أَيْ لِأَنَّ الرَّحِمَ تُوجِبُ لِأَصْحَابِهَا بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حُقُوقًا كَسُؤَالِ الثَّلَاثَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ وَكَسُؤَالِنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ إذَا سَأَلَهُ بِحَقِّ جَعْفَرٍ أَعْطَاهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْسَامِ؛ فَإِنَّ الْإِقْسَامَ بِغَيْرِ جَعْفَرٍ أَعْظَمُ بَلْ مِنْ بَابِ حَقِّ الرَّحِمِ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبِ جَعْفَرٍ وَجَعْفَرٌ حَقُّهُ عَلَى عَلِيٍّ."اهـ
وقد أنصف ابن عاشور عليه رحمه الله لما رد على أهل العربية وأبطل ادعاؤهم أنها مخالفة للغة بقوله :" وعلى قراءة حمزة يكون تعظيماً لشأن الأرحام أي التي يسأل بعضكم بعضاً بها ، وذلك قول العرب : « ناشدتك اللَّه والرحم » كما روى في « الصحيح » : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصّلت حتّى بلغ : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت : 13 ] فأخذت عتبة رهبة وقال : ناشدتك اللَّه والرحم . وهو ظاهر محمل هذه الرواية وإن أباه جمهور النحاة استعظاماً لعطف الاسم على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ ، حتّى قال المبرّد : « لو قرأ الإمام بهاته القراءة لأخذت نعلي وخرجت من الصلاة » وهذا من ضيق العطن وغرور بأنّ العربية منحصرة فيما يعلمه ، ولقد أصاب ابن مالك في تجويزه العطف على المجرور بدون إعادة الجارّ .." اهـ


تفسير الآية:
(يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء : 1]

·إعراب ياأيها الناس :
«يا » حرف نداء «أي » منادى مفرد - و «ها » تنبيه ، و { الناس } - نعت لأي أو صلة على مذهب أبي الحسن الأخفش . ذكره ابن عطية
·المراد "بالناس"
جميع الخلق .. ذكره ابن كثير
· المراد بالتقوى:
-هي عبادته وحده لا شريك له . ذكره ابن كثير
· معنى الرب:
الرب :المالك..ذكره ابن عطية
·معنى الخلق
الخلق بمعنى الاختراع...ذكره ابن عطية
· المراد بالنفس:
- آدم عليه السلام، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي مقاتل ذكره المفسرون الثلاثة
التخريج:
-قول ابن عباس أخرجه أبو الشيخ كما عند السيوطي
-وقول مجاهد أخرجه ابن جرير عن رجل عن مجاهد وأخرجه ابن المنذر من طريق ابن جريج
وأخرجه عبد بن حميد وابن أبي شيبة كما عند السيوطي.
-قول قتادة: أخرجه ابن جرير من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
قول السدي :أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي

· تذكير وتأنيث النفس
قيل نعت النفس واحدة لأن لفظ النفس مؤنث ؛ ولو اعتبر المعنى لصح نفس واحد وقد قرأ ابن أبي عبلة "من نفس واحد " بغير الهاء لأن المراد بالنفس آدم عليه الصلاة والسلام. حاصل كلام الزجاج وابن عطية
· المراد ب "زوجها"
حواء ...ذكره. المفسرون
والزوج في كلام العرب : امرأة الرجل ، ويقال زوجة . ذكره ابن عطية

· معنى حرف من في قوله "منها "
قيل "من" للتبعيض أو الابتداء؛ والمعنى أن حواء خلقت من أعضاء آدم ؛ فقيل أن الله انتزع حواء من أحد أضلاع آدم القصيرى من شماله ؛ ..وقيل : بل ذلك كان من يمينه .
والقصيري :أسفل الأضلاع
قال ابن كثير:" خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَقصرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ." اهـ
.- ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام : (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَج") رواه مسلم (1468)
وقيل " من" لبيان الجنس؛ والمعنى أن حواء خلقت من جنس آدم حتى يأنس إليها ولا يستوحشها فتحصل بينهم المودة والرحمة.
وكلا القولين محتمل
وحاول ابن عطية الجمع بين القولين فقال :" أو يكون لحمها وجواهرها في ضلعه ، ونفسها من جنس نفسه"

· معنى "بث"
بث : ذرأ و نشر . حاصل كلام المفسرين ..
والعرب تقول: بثَّ الله الخلق : أي نشرهم؛ ومنه قوله تعالى: (كَالفَرَاشِ المبْثُوثِ)،أي المنتشر.

· عود الضمير "منهما"
مرجع الضمير على أدم وحواء ؛و المعنى أن الله خلق من أدم وحواء رجالا كثيرا ونساء و "ونَشَرهم فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَعَادُ وَالْمَحْشَرُ."ذكره ابن كثير

· الخنثى ليس من نوع الذكر والأنثى
قال ابن عطية : وحصره ذريتها إلى نوعين الرجال والنساء مقتض أن الخنثى ليس بنوع ، وأنه وإن فرضناه مشكل الظاهر عندنا ، فله حقيقة ترده إلى أحد هذين النوعين "

· محل إعراب الذي " الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ"
-{ الذي } في موضع نصب على النعت لفظ الجلالة "الله " .

· المراد "بتقوى الله"
والمعنى :وَاتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ. ذكره ابن كثير

· دلالة تكرار لفظ التقوى
وكرر لفظ التقوى في الآية مرتين لغرض تأكيد وتنبيه لنفوس المأمورين ذكره ابن عطية
-فالتقوى الأولى تقوى الربوبية تقوى شكر نعمة الخلق والإيجاد ؛ تقوى الشاكر المعظم لنعم الله المجل لها ؛ أما التقوى الثانية فهي تقوى ألوهية تقوى عبودية و ذل وطاعة ورجاء وخوف ومحبة ؛ والقيام بالواجب في نحو الخلق للصلة الجامعة الوثيقة ؛ فهي تقوى العابد الخائف الراجي رحمته.

· معنى "تساءلون به"
-قيل معناه : { تساءلون به } أي تَطْلُبُونَ حُقُوقكم بِهِ ؛ وتجعلونه مقطعاً لها وأصله .ذكره الزجاج وابن عطية
-وقيل معناه : { تساءلون به } أي تتعاطفون به، والمعنى أن يقول أحدكم : أسألك بالله أن تفعل كذا وما أشبهه وهو قول ابن عباس ذكره ابن عطية.
تخريج الأقوال:
-وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح
-وقيل معناه : { تساءلون به } أي تتعاقدون وتتعاهدون به وهو قول الضحاك ذكره ابن كثير
وقول الضحاك أخرجه ابن جرير من طريق جويبر

· معنى والأرحام
-على قراءة النصب عطفا على لفظ الجلالة و المعنى :واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛بان يجعلوا لها وقاية من المودة الواصلة حتى لا تنقع ؛ ففيه حث على بر الأرحام وصلتها والتحذير من قطعها
-أما قراءة الجر عطفا على الضمير المجرور و المعنى :تساءلون بالله و وبالأرحام وهو كقول العرب ناشدتك الله والرحم... و القصد من ذلك أن يوثق طلبه من أخيه ومسألته له بذكر أي يسأل بعضكم مزكيا مسألته بذكر الله تعالى ، وبذكر الأرحام الرابطة بينكم ، ووشائج القربى .
فالمسايلة بالأرحام تدل على تعظيمها عند العرب قال ابن عاشور:" فتكون تعريضاً بعوائد الجاهلية ، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها ، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم ، فناقضت أفعالُهم أقوالَهم ، وأيضاً هم قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وظلموه ، وهو من ذوي رحمهم وأحقّ الناس بصلتهم كما قال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] وقال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] . وقال : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] . وعلى قراءة حمزة يكون معنى الآية تتمّة لمعنى التي قبلها ."اهـ

· مناسبة ذكر الأرحام في الآية
- لما مقصد الآية الحث على الأرحام وصلتها و التحذير من قطعها ناسب ذكر أن الخلق كلهم خُلقوا من أب واحد وأم واحدةليعطفَ بعضهم على بَعْضٍ، وَيُحَنِّنَهُمْ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ. .

· دلالة الفعل الناسخ "كان"
و { كان } في هذه الآية ليست لتحديد الماضي فقط ، بل المعنى : كان وهو يكون .ذكره عطية

· دلالة استخدام "عليكم"
وفي قوله { عليكم } ضرب من الوعيد ، ولم يقل «لكم » للاشتراك الذي كان يدخل من أنه يرقب لهم ما يصنع غيرهم .. ذكره عطية

· معنى الرقيب

والرقيب : بناء الاسم الفاعل من رقب يرقب إذا أحد النظر بالبصر أو بالبصيرة إلى أمر ما ليتحققه على ما هو عليه ، ويقترن بذلك حفظ ومشاهدة وعلم بالحاصل عن الرقبة .
ومنه قيل للذي يرقب خروج السهم من ربابة الضريب في القداح رقيب ، لأنه يرتقب ذلك ، ومنه قول أبي داود : [ مجزوء الكامل ]
كَمَقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ لِلضُّرَبَاءِأَيْدِيهِمْ نَوَاهِدْ .
ذكره عطية

· معنى اسم الله الرقيب
والله سبحانه جلا وعلا هو المراقب لجميع أحوال العباد وأعمالهم وهو يتضمن معنى الشهيد البصير والحفيظ
وفي الحديث الصحيح: "اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" رواه الطبراني في المعجم الكبير

· مناسبة ختم الآية اسم الرقيب
- فيه حث إلى مراقبة الرقيب ؛ ذكره ابن كثير .
والمراد لا تغفلوا يا عباد الله ؛ راقبوا الله في أعمالكم وأقوالكم وراقبوا الله في أرحامكم فلا تقطعوها وأعطوا المستضعفين حقوقهم ولا تأكلوها بالباطل.. فيه حث على المبالغة في التقوى ورعاية الرحم ، والصلات الإنسانية التي تربط بين الناس بعضهم للوحدة الإنسانية الشاملة
**
اكتفيت في التلخيص على أقوال المفسرين الثلاثة.
إن شاء الله أكون وقفت في الإتيان بالمعاير المطلوبة في التلخيص

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1441هـ/25-01-2020م, 10:58 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تصحيحي لتلخيص عقيلة زيان:

- الشمول [اشتمال التلخيص على مسائل الدرس] 30/30
- الترتيب [ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا] 20/20
- التحرير العلمي [استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها] 18/20
- الصياغة [حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم] (الصياغة جيدة لكن فيها اعتماد ملاحظ على النقل من عبارات المفسرين) 12/15.
- العرض [حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه] 15/15

الدرجة: 95%

رجاء: نشكر لكم حسن ظنكم بنا والارتقاء بمستوانا إلى مثل هذا المستوى، لكن رجائي خصوصا لمن يدرس مثلي وفي مراحل عليا في الدراسة الأكاديمية المصاحبة لمعهدنا الغالي أن يقل النصاب، أو تقل الطلبات، فمثلا تخريج الأقوال لوحده يأخذ مني وقتا طويلا، ناهيك عن محاولة استخلاص المسائل وجمعها وصياغتها من جديد.. ثم بعد ذلك مرحلة التصحيح والتي هي كذلك تحتاج قراءة دقيقة (وأعتذر مبدئيا عما إذا لم تكن كالمرجو لأن هذه هي تجربتنا الأولى فأرجو منكم تعليمنا خطوة بخطوة كيفية التصحيح وطريقته)، فالمقصود أن وجود مثل هذا الواجب بشكل أسبوعي مرهق، والمهم تحقق مقاصده، وذلك إما بتوزيع الطلبات على الأسابيع، فأسبوع يكون للتصحيح، والذي يليه نزكز على استخراج الأقوال، والذي يليه تخريجها، فالمقصد هو الخروج من المعهد بإتقان جميع هذه المهارات -وإن موزعة-، لا الإرهاق والذي في الحقيقة أعترف أنه ينتج -مع أمثالي- خروج التكليف بشكل فير راضية عنه وذلك لصعوبة إتقان كل ما طلب مما يصيب بالإرهاق نهاية التكليف وعدم التركيز على الفائدة.
ولربما كان هذا معقولا لو كان كبحث تخرج لكن بشكل أسبوعي أظنه سيكون مكلفا بعض الشيء، والأمر يعود لأساتذتنا الفضلاء، ولرملائي من الطلبة إن كانوا يوافقونني على ذلك.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 جمادى الآخرة 1441هـ/1-02-2020م, 11:29 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

جزاكم الله خير الجزاء أستاذة نورة على التصحيح أكرمكم المولى...أنا لم أوفق للتصحيح..لم أعرف أقوم به

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 11 جمادى الآخرة 1441هـ/5-02-2020م, 12:20 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خير الجزاء أستاذة نورة على التصحيح أكرمكم المولى...أنا لم أوفق للتصحيح..لم أعرف أقوم به
بارك الله فيكِ أختي الفاضلة
ولمزيد توضيحٍ لكِ وللأخت نورة - بارك الله فيها -
التصحيح يكون بالنظر لهذه المعايير:

- الشمول [اشتمال التلخيص على مسائل الدرس]

فإذا لم يستوعب الطالب المسائل الواردة في الدرس؛ فهذا يقدح في تلخيصه، وتقصير الطالب في المسائل الاستطرادية، ليس كتقصيره في مسألة تفسيرية.

- الترتيب [ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا]

والترتيب هنا يتبع ترتيب ذكر المسائل في الآية القرآنية.
- التحرير العلمي [استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها]
وهذا هو أهم محور لدينا وينبغي أن يكون بأسلوب الطالب، وينبغي أن تظهر شخصية الطالب في دراسته للأقوال، وأي تقصير في أحد المحاور المذكور بين قوسين معكوفين يعد قدحًا في التحرير.
ويضاف على التحرير هنا تخريج الأقوال.
- الصياغة [حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم]

والاعتماد على النسخ واللصق يقدح في عمل الطالب، لأنه لا يظهر للقارئ شخصية الكاتب حينئذ، وإنما يكون عماد عمله نقل أقوال المفسرين!
- العرض [حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه]

وبالتالي فإن الطريق إلى التصحيح الجيد هو حسن الدراسة للدرس والإلمام به، وربما يعرض للمصحح أثناء تصحيحه مسألة يحتاج لمراجعتها، إذ يظهر له أنه لم يتقن فهمها مع قراءته الأولى.
فإذا لخص درس، وصحح درس فقد أتقن فهم أغلب المقرر بإذن الله.
وإذا قام الفريق كله بالعمل، فربما تتمكنون من تلخيص وتصحيح نفس الدرس، إذ يتشارك اثنان في درس واحد.


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة

رجاء: نشكر لكم حسن ظنكم بنا والارتقاء بمستوانا إلى مثل هذا المستوى، لكن رجائي خصوصا لمن يدرس مثلي وفي مراحل عليا في الدراسة الأكاديمية المصاحبة لمعهدنا الغالي أن يقل النصاب، أو تقل الطلبات، فمثلا تخريج الأقوال لوحده يأخذ مني وقتا طويلا، ناهيك عن محاولة استخلاص المسائل وجمعها وصياغتها من جديد.. ثم بعد ذلك مرحلة التصحيح والتي هي كذلك تحتاج قراءة دقيقة (وأعتذر مبدئيا عما إذا لم تكن كالمرجو لأن هذه هي تجربتنا الأولى فأرجو منكم تعليمنا خطوة بخطوة كيفية التصحيح وطريقته)، فالمقصود أن وجود مثل هذا الواجب بشكل أسبوعي مرهق، والمهم تحقق مقاصده، وذلك إما بتوزيع الطلبات على الأسابيع، فأسبوع يكون للتصحيح، والذي يليه نزكز على استخراج الأقوال، والذي يليه تخريجها، فالمقصد هو الخروج من المعهد بإتقان جميع هذه المهارات -وإن موزعة-، لا الإرهاق والذي في الحقيقة أعترف أنه ينتج -مع أمثالي- خروج التكليف بشكل فير راضية عنه وذلك لصعوبة إتقان كل ما طلب مما يصيب بالإرهاق نهاية التكليف وعدم التركيز على الفائدة.
ولربما كان هذا معقولا لو كان كبحث تخرج لكن بشكل أسبوعي أظنه سيكون مكلفا بعض الشيء، والأمر يعود لأساتذتنا الفضلاء، ولرملائي من الطلبة إن كانوا يوافقونني على ذلك.
بارك الله فيكِ أختي نورة، راجعي الجزء المتعلق بالتخريج في المشاركة الثانية من هذا الموضوع، فربما يخفف عنكِ كثيرًا أن تقومي بالعزو فقط دون تعيين مخرج الأثر.
وراجعي تعليقي على الأخت عقيلة -بارك الله فيها- أعلاه.
ولا يلزمكِ عند التصحيح وضع الدرجة فهذه مهمة هيئة التصحيح بإذن الله
كل ما نرجوه هو مراجعة الدرس واستخلاص الأخطاء الواردة في التلخيص والتنبيه عليها، فنحنُ نكتشف ما نعرف، والتصحيح خاصة يحتاج إلى إتقان للدراسة أكثر من التلخيص، فلسنا نريد أن نشق عليكم، لكن أرى والله أعلم أنها تجربة جيدة ستضيف لكم كثيرًا بإذن الله.
والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1441هـ/9-02-2020م, 12:27 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
تلخيص تفسير سورة النساء
-الآية الأولى:
علوم السورة :
اسم السورة: سورة النساء
اتفق جماهير أهل العلم أن اسمها سورة النساء؛ وسميت كذلك في كلام الصحابة ؛ وبه سميت في المصاحف وفي كتب السّنّة وكتب التّفسير.
وفي وجه تسميتها بذلك يقول ابن عاشور:" ووجه تسميتها بإضافةٍ إلى النّساء أنّها افتتحت بأحكام صلة الرّحم، ثمّ بأحكامٍ تخصّ النّساء، وأنّ فيها أحكامًا كثيرةً من أحكام النّساء: الأزواج، والبنات، وختمت بأحكامٍ تخصّ النّساء).
- الاسم الثاني : سورة النساء الطّولى – الكبرى
ذُكر لسورة النساء اسم ثان وهو (النساء الطّولى – الكبرى) وهذا الاسم لم يأت صريحا في كلام أهل العلم إلا ما ورد من كلام الفيروز آبادي: قال رحمه الله :" أنّ هذه السّورة تسمّى سورة النّساء الكبرى، واسم سورة الطّلاق سورة النّساء الصّغرى.) « بصائر ذوي التّمييز» قال ابن عاشور:"ولم أره لغيره." اهـ .يعنى التصريح باسم النساء الطولى لم يره عند غير الفيروز أبادي
دليل الاسم:.-ما تم استنباطه من كلام ابن مسعود قال رضي الله عنه ..:" «لنزلت سورة النّساء القصرى" يقصد سورة الطلاق؛ فهذه شارك سورة النساء في التسمية وفارقتها بكونها قصرى فكانت سورة النساء كبرى .."
الاسم الثالث: السّورة الّتي يذكر فيها النّساء
وذكر هذا الاسم ابن جرير الطبري في أول تفسيره سورة النساء وابن أبي حاتم في تفسيره في آخر تفسيره سورة النساء ابن الأنباري أول تفسيره سورة النساء
نزول السورة :
*ذهب جمهور العلماء إلى أن سورة النساء مدنية بدليل حديث عائشة الذي رواه البخاري في صحيحه قالت:ما نزلت سورة النّساء إلّا وأنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم)، يعني: قد بنى بها.والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا في المدينة
-ولما رواه البخاري أيضا عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ} . وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ "
-وأيضا لما حوته السورة من أحكام. ..حقوق النساء و واليتامى و أحكام الميراث.وغيرها فالناظر في تلك الأحكام يظهر له أنها لم تشرع إلا في المدينة "بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَانْتِظَامِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمْنِهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ. وَفِيهَا أيضا آيَةُ التَّيَمُّمِ، وَالتَّيَمُّمُ شرع يَوْم غزَاة الْمُرَيْسِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ."
وذهب بعض أهل العلم أن السورة مكية وبه قال النحاس ومستند ما ذهبوا أن: {يا أيّها النّاس} مكّيٌّ حيث وقع .
وهذا غير مسلم فإن إنّ البقرة مدنيّةٌ وفيها {يا أيّها النّاس}في موضعين.
وقد يكون مخرج هذا القول أن المكي هو ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ؛وقد عدوا قوله تعالى :" { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } مكية لأنها نزلت في مكة عام الفتح .؛ ولا ريب أنها نزلت بعد الهجرة.
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ :(وكان ابتداء نزولها بالمدينة، لما صحّ عن عائشة أنّها قالت: (ما نزلت سورة البقرة وسورة النّساء إلّا وأنا عنده). وقد علم أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم بنى بعائشة في المدينة في شوّالٍ، لثمان أشهرٍ خلت من الهجرة، واتّفق العلماء على أنّ سورة النّساء نزلت بعد البقرة، فتعيّن أن يكون نزولها متأخّرًا عن الهجرة بمدّةٍ طويلةٍ. والجمهور قالوا: نزلت بعد آل عمران، ومعلومٌ أنّ آل عمران نزلت في خلال سنة ثلاثٍ أي بعد وقعة أحدٍ، فيتعيّن أن تكون سورة النّساء نزلت بعدها...)
وقال رحمه الله :" وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ عِنْدَ الْهِجْرَةِ. وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ لأنّها افتتحت بيا أَيُّهَا النَّاسُ، وَمَا كَانَ فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ أَيَّامَ الْفَتْحِ لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْمَكِّيَّ بِإِطْلَاقَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَ صَدْرُهَا بِمَكَّةَ وَسَائِرُهَا بِالْمَدِينَةِ. وَالْحَقُّ أنّ الْخطاب بيا أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ دُخُولِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْخِطَابِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، وَلَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّا فِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَدَنِيٌّ بِالِاتِّفَاقِ.."

عد الآي:
-آيها مئة وسبعون وخمس آيات في المدنيين والمكي والبصري وست في الكوفي وسبع في الشامي.
عد الكوفي والشامي (أن تضلوا السبيل) (الآية: 44)آية.
وعد الشامي وحده (فيعذبهم عذابا أليما) (الآية: 173 ) آية .
فضل سورة النساء
سورة النساء من السبع الطوال وقد ورد في فضلها جملة من الأحاديث فعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال وأعطيت مكان الإنجيل المئين ، وأعطيت مكان الزبور المثاني ...) رواه أحمد
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر) السلسة الصحيحة
وقد ورد في فضلها بعض أثار السلف
- ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق عبد الله بن قيس عن ابن عباس قال: "(من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض.)
ما رواه الحاكم في مستدركه من طريق مَعْن بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ لخمسُ آيَاتٍ مَا يَسُرّني أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الْآيَةَ، وَ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الْآيَةَ، وَ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} الْآيَةَ، وَ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ.".

- وما رواه ابن جريرمِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: ثماني آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ (8) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعت عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، أُولَاهُنَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وَالثَّانِيَةُ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا} وَالثَّالِثَةُ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا} .
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، يَعْنِي فِي الْخَمْسَةِ. الْبَاقِيَةِ.

علوم الآية:

· فضائل الآية
· الآية مما كان يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة

· المعنى الجملي للآية:
ابتدأ اللَّه السورة بالموعظة؛ .ففي الآية تنبيه على الصانع و فيها إخبار بما يوجب أنه واحد وأن حقه عز وجلَّ - أن يُتَقى؛وفيها حض على التواصل لحرمة هذا النسب وإن بعد. مخلص [ملخص] ما ذكره الزجاج وابن عطية

· مقصد الآية:
الحث على شكر الله على نعمة الخلق والوجود ؛والحث على مراعاة حقوق النوع الذي خلقوا منه بأن يصلوا أرحامهم القريبة و البعيدة
.وكأن هذا توطئة لما سيذكر في السورة من حقوق النساء واليتامي وحقوق الجوارى بملك اليمين وكذا حقوق جماعة المسلمين من الأموال والدماء وغيرها فكأن فيه تنبيه لطيف أن كل أولئك أرحامكم لكم ؛ لهم حق عليكم فأتوهم حقهم وإياكم وظلمهم وحث على تقوى الله وكررها لتأكيد هذا المقصد ؛ فإن أعظم ما يدفع لأداء تلك الحقوق وصلة الأرحام هو تقوى الله .

· القراءات:
في الآية كلمتين فرشيتين
تساءلون ؛ الأرحام
أولا: تساءلون
-قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف السين تساءلون
-وقرأ الباقي بتشديد السين تسّاءلون
ذكرها الشاطبي في أول بيت من فرش سورة النساء :
587 - وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا ... .
التوجيه:
وأصل كلمة "تساءلون " تتساءلون ؛ فحذف أهل الكوفة إحدى التائين تخفيفاً كقوله :{ وَلاَ تَعَاوَنُواْ }؛ أي " ولا تتعاونوا" ؛ وهذا كثير في كلام العرب نحو { تَكَلَّمُونَ }.أي "تتكلمون"
وهذا شائع في اللغة العربية الحذف لأجل التخفيف
-أما الجمهور فقد أبدلوا التاء الثانية سين و أدغموها مع أختها فقرؤوا "تسّاءلون"
قال ابن عطية: فهذه تاء تتفاعلون تدغم في لغة وتحذف في أخرى لاجتماع حروف متقاربة ، قال أبو علي : وإذا اجتمعت المتقاربة خففت بالحذف والإدغام والإبدال كما قالوا : طست فأبدلوا من السين الواحدة تاء إذ الأصل طس.."."
وقرئ في الشواذ - «تسألون » - خفيفة بغير ألف ؛ وهي قراءة ابن مسعود كما ذكر ابن عطية
ثانيا: الأرحام
انفرد حمزة من العشرة فقرأ الأرحام بخفض الميم " والأرحامِ" ؛ و قرأ الباقون بنصبها "والأرحامَ"
ذكرها الشاطبي في أول بيت من فرش سورة النساء :
587 - ............. وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالْخَفْضِ جَمَّلَا

وقرئ في الشواذ.. - والأرحامُ – بالرفع وهي قراءة عبد الله بن يزيد كما ذكر ابن عطية
ووجه ذلك أنها على الابتداء والخبر مقدر تقديره : والأرحام أهل أن توصل

التوجيه:
أما قراءة النصب فهي نصب بإضمار فعل تقديره :" واتقوا الأرحام أن تقطعوها"..عطفا على لفظ الجلالة "الله" .. وهو قول ابن عباس وعكرمة و مجاهد في قول عنه والحسن في قول عنه وقتادة والسدي وهو قول مقاتل وزيد ابن أسلم
-وقيل على تقدير " وصلوا الأرحام " هو قول قتادة
وقيل
نصب على العطف على موضع به لأن موضعه نصب .ذكره ابن عطية
تخريج الأقوال:
- قول ابن عباس فقد رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
وأخرجه ابن جرير من طريق ابن جريج.
- وقول عكرمة فقد أخرجه ابن جرير و ابن المنذر من طريق خصيف ، عن عكرمة به
-و قول مجاهد فقد رواه ابن جرير وعبد بن حميد من طريق خصيف
-وقول الحسن فقد أخرجه ابن المنذر من طريق منصور ، عن الحسن
-وقول قتادة رواه الصنعاني من طريق معمر عن قتادة مرفوعا: قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الله وصلوا الأرحام "
-و قول السدى فقد أخرجه ابن جرير من طريق أسباط.
-و قول زيد ابن أسلم فقد رواه ابن جرير من طريق ابن وهب.

وأما قراءة الخفض
فهي عطف على حرف الجر ؛والمعنى: " الذي تسألون به والأرحام " ، وهو كقول الرجل : نشدتك بالله وبالرحم..أو "هو أنشدك بالله والرحم" وهو قول مجاهد والحسن .

تخريج الأقوال:
قول مجاهد فقد رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
أما قول الحسن فقد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر و أخرجه ابن أبي حاتم منطريق السري بن يحيى عن الحسن
-وقد قيل: إن الخفض على القسم. قسم بالأرحام والمعنى واتقوا الله ثم أقسم بالأرحام، و قيل هو على تقدير مقسم به : والمعنى : وربّ الأرحام...

مناقشة قراءة الجر:
-وقد رد جمهور النحاة قراءة الجر ولم يقبلوها ؛ بحجه أن الظاهر لا يعطف على المضمر إلا بتكرار حرف الخفض ..وعدوا هذه القراءة ليس من فصيح كلام العرب بل هي خطأ في العربية..وممن رد هذه القراءة ابن جرير الطبري
قال الزجاج:" فأما الجر في الأرحامِ فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر.."
وحكى الزجاج إجماع أهل العربية على ذلك قال رحمه الله :" فأما العربية فإجماع النحويين أنه يَقْبحُ أنْ يُنْسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الجر إلا بإِظهار الجار، يَسْتَقْبح النحوُيون: مررت به وزيدٍ. وبك وزيدٍ، إِلا مع إظهار الخافض حتى يقولوا بك وبزيد "
ونقل الزجاج عن المازني وجها في منع هذه القراءة: فقال: الثاني في العطف شريك للأول، فإِن كان الأول يصلح شريكاً للثاني وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً له."
وبين ابن عطية وجه كون قراءة الجر مخالفة للفصاحة فقال :"ذكر الأرحام فيما يتساءل به لا معنى له في الحض على تقوى الله ، ولا فائدة فيه أكثر من الإخبار بأن الأرحام يتساءل بها ، وهذا تفرق في معنى الكلام وغض من فصاحته ، وإنما الفصاحة في أن يكون لذكر الأرحام فائدة مستقلة ،." اهـ
,أما على توجيه قراءة الجر بأنها قسم فقد رد ذلك الزجاج وابن عطية بحجة أنها تخالف النص النبوي الذي ينهى عن الحلف بالآباء أو الحلف بغير الله عموما
قال الزجاج:"وخطأ أيضاً .في أمْر الدين عظيم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تحلفوا بآبائكم "..فكيف يكون تساءَلون به وبالرحم على ذا؟. اهـ
قال ابن عطية : والوجه الثاني أن في ذكرها على ذلك تقريراً للتساؤل بها والقسم بحرمتها ، والحديث الصحيح يرد ذلك في قوله عليه السلام : «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت »

وقد ذكر ابن عطية وجها آخر لقراءة الجر ثم انتقده مستندا إلى نظم الكلام وسياقه قال رحمه الله :" وقالت طائفة : إنما خفض - «والأرحامِ » - على جهة القسم من الله على ما اختص به إله إلا هو من القسم بمخلوقاته ، ويكون المقسم عليه فيما بعد من قوله : { إن الله كان عليكم رقيباً } وهذا كلام يأباه نظم الكلام وسرده ، وإن كان المعنى يخرجه "

والصحيح أن قراءة الجر قراءة سبعية متواترة تلقتها الأمة بالقبول وذاعت وانتشرت فيجب قبولها ولا يصح ردها ؛ والقراءات القرآن المتواترة فوق قواعد النحاة ، وهي أصدق في الفصحى .
- وقراءة الجر واردة على عادة العرب في كلامهم وخطابهم أسالك بالرحم التي بيننا؛ وهي من باب السؤال بالأسباب ؛ كأنهم جعلوا الرحم سبب في الوصال والعطية ؛ وليس ذلك من القسم في شيء قال شيخ الإسلام ابن تيمية"" ... وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ فَقَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: هُوَ قَوْلُهُمْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ وَبِالرَّحِمِ وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ سُؤَالِهِمْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِدَلِيلِ عَلَى جَوَازِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَسْأَلُك بِالرَّحِمِ لَيْسَ إقْسَامًا بِالرَّحِمِ - وَالْقَسَمُ هُنَا لَا يَسُوغُ - لَكِنْ بِسَبَبِ الرَّحِمِ أَيْ لِأَنَّ الرَّحِمَ تُوجِبُ لِأَصْحَابِهَا بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حُقُوقًا كَسُؤَالِ الثَّلَاثَةِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ وَكَسُؤَالِنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ كَانَ إذَا سَأَلَهُ بِحَقِّ جَعْفَرٍ أَعْطَاهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْسَامِ؛ فَإِنَّ الْإِقْسَامَ بِغَيْرِ جَعْفَرٍ أَعْظَمُ بَلْ مِنْ بَابِ حَقِّ الرَّحِمِ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ إنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبِ جَعْفَرٍ وَجَعْفَرٌ حَقُّهُ عَلَى عَلِيٍّ."اهـ
وقد أنصف ابن عاشور عليه رحمه الله لما رد على أهل العربية وأبطل ادعاؤهم أنها مخالفة للغة بقوله :" وعلى قراءة حمزة يكون تعظيماً لشأن الأرحام أي التي يسأل بعضكم بعضاً بها ، وذلك قول العرب : « ناشدتك اللَّه والرحم » كما روى في « الصحيح » : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصّلت حتّى بلغ : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } [ فصلت : 13 ] فأخذت عتبة رهبة وقال : ناشدتك اللَّه والرحم . وهو ظاهر محمل هذه الرواية وإن أباه جمهور النحاة استعظاماً لعطف الاسم على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ ، حتّى قال المبرّد : « لو قرأ الإمام بهاته القراءة لأخذت نعلي وخرجت من الصلاة » وهذا من ضيق العطن وغرور بأنّ العربية منحصرة فيما يعلمه ، ولقد أصاب ابن مالك في تجويزه العطف على المجرور بدون إعادة الجارّ .." اهـ
[يمكنكِ تلخيص كلامه في نقاط وبيانها بأسلوبكٍ]

تفسير الآية:
(يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء : 1]

·إعراب ياأيها الناس :
«يا » حرف نداء «أي » منادى مفرد - و «ها » تنبيه ، و { الناس } - نعت لأي أو صلة على مذهب أبي الحسن الأخفش . ذكره ابن عطية
[مسائل الإعراب إذا لم تؤثر على المعنى فهي من المسائل الاستطرادية، والأولى هنا ذكر غرض النداء]
·المراد "بالناس"
جميع الخلق .. ذكره ابن كثير
· المراد بالتقوى:
-هي عبادته وحده لا شريك له . ذكره ابن كثير
· معنى الرب:
الرب :المالك..ذكره ابن عطية
·معنى الخلق
الخلق بمعنى الاختراع...ذكره ابن عطية
· المراد بالنفس:
- آدم عليه السلام، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي مقاتل ذكره المفسرون الثلاثة
التخريج:
-قول ابن عباس أخرجه أبو الشيخ كما عند السيوطي
-وقول مجاهد أخرجه ابن جرير عن رجل عن مجاهد وأخرجه ابن المنذر من طريق ابن جريج
وأخرجه عبد بن حميد وابن أبي شيبة كما عند السيوطي.
-قول قتادة: أخرجه ابن جرير من طريق يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.
قول السدي :أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي

· تذكير وتأنيث النفس
قيل نعت النفس واحدة لأن لفظ النفس مؤنث ؛ ولو اعتبر المعنى لصح نفس واحد وقد قرأ ابن أبي عبلة "من نفس واحد " بغير الهاء لأن المراد بالنفس آدم عليه الصلاة والسلام. حاصل كلام الزجاج وابن عطية
· المراد ب "زوجها"
حواء ...ذكره. المفسرون
والزوج في كلام العرب : امرأة الرجل ، ويقال زوجة . ذكره ابن عطية

· معنى حرف من في قوله "منها "
قيل "من" للتبعيض أو الابتداء؛ والمعنى أن حواء خلقت من أعضاء آدم ؛ فقيل أن الله انتزع حواء من أحد أضلاع آدم القصيرى من شماله ؛ ..وقيل : بل ذلك كان من يمينه .
والقصيري :أسفل الأضلاع
قال ابن كثير:" خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَقصرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ." اهـ
.- ويعضد هذا القول الحديث الصحيح في قوله عليه السلام : (إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَج") رواه مسلم (1468)
وقيل " من" لبيان الجنس؛ والمعنى أن حواء خلقت من جنس آدم حتى يأنس إليها ولا يستوحشها فتحصل بينهم المودة والرحمة.
وكلا القولين محتمل
وحاول ابن عطية الجمع بين القولين فقال :" أو يكون لحمها وجواهرها في ضلعه ، ونفسها من جنس نفسه"

· معنى "بث"
بث : ذرأ و نشر . حاصل كلام المفسرين ..
والعرب تقول: بثَّ الله الخلق : أي نشرهم؛ ومنه قوله تعالى: (كَالفَرَاشِ المبْثُوثِ)،أي المنتشر.

· عود الضمير "منهما"
مرجع الضمير على أدم وحواء ؛و المعنى أن الله خلق من أدم وحواء رجالا كثيرا ونساء و "ونَشَرهم فِي أَقْطَارِ الْعَالَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَعَادُ وَالْمَحْشَرُ."ذكره ابن كثير

· الخنثى ليس من نوع الذكر والأنثى
[لو قلتِ: دلالة حصر الجنس البشري في نوعي الذكر والأنثى في قوله تعالى {وبث منهما رجالا كثيرًا ونساءً} لترتبط صياغة المسألة بتفسير الآية]
قال ابن عطية : وحصره ذريتها إلى نوعين الرجال والنساء مقتض أن الخنثى ليس بنوع ، وأنه وإن فرضناه مشكل الظاهر عندنا ، فله حقيقة ترده إلى أحد هذين النوعين "
[وأحسنتِ النسبة لابن عطية، فهو اجتهاد منه، قد يخطئ فيه وقد يصيب]

· محل إعراب الذي " الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ"
-{ الذي } في موضع نصب على النعت لفظ الجلالة "الله " .
[وهو كذلك في قوله {الذي خلقكم}، وفي دلالة وصفه عز وجل بأنه الذي خلقنا من نفس واحدة، إرشاد إلى أنه سبحانه المستحق للعبودية بالتنبيه على صفة الربوبية، ذكر نحو هذا المعنى الزجاج]
· المراد "بتقوى الله"
والمعنى :وَاتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ. ذكره ابن كثير

· دلالة تكرار لفظ التقوى
وكرر لفظ التقوى في الآية مرتين لغرض تأكيد وتنبيه لنفوس المأمورين ذكره ابن عطية
-فالتقوى الأولى تقوى الربوبية تقوى شكر نعمة الخلق والإيجاد ؛ تقوى الشاكر المعظم لنعم الله المجل لها ؛ أما التقوى الثانية فهي تقوى ألوهية تقوى عبودية و ذل وطاعة ورجاء وخوف ومحبة ؛ والقيام بالواجب في نحو الخلق للصلة الجامعة الوثيقة ؛ فهي تقوى العابد الخائف الراجي رحمته. [المصدر؟]

· معنى "تساءلون به"
-قيل معناه : { تساءلون به } أي تَطْلُبُونَ حُقُوقكم بِهِ ؛ وتجعلونه مقطعاً لها وأصله .ذكره الزجاج وابن عطية
-وقيل معناه : { تساءلون به } أي تتعاطفون به، والمعنى أن يقول أحدكم : أسألك بالله أن تفعل كذا وما أشبهه وهو قول ابن عباس ذكره ابن عطية.
تخريج الأقوال:
-وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح
-وقيل معناه : { تساءلون به } أي تتعاقدون وتتعاهدون به وهو قول الضحاك ذكره ابن كثير
وقول الضحاك أخرجه ابن جرير من طريق جويبر

· معنى والأرحام
-على قراءة النصب عطفا على لفظ الجلالة و المعنى :واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛بان يجعلوا لها وقاية من المودة الواصلة حتى لا تنقع ؛ ففيه حث على بر الأرحام وصلتها والتحذير من قطعها
-أما قراءة الجر عطفا على الضمير المجرور و المعنى :تساءلون بالله و وبالأرحام وهو كقول العرب ناشدتك الله والرحم... و القصد من ذلك أن يوثق طلبه من أخيه ومسألته له بذكر أي يسأل بعضكم مزكيا مسألته بذكر الله تعالى ، وبذكر الأرحام الرابطة بينكم ، ووشائج القربى .
فالمسايلة بالأرحام تدل على تعظيمها عند العرب قال ابن عاشور:" فتكون تعريضاً بعوائد الجاهلية ، إذ يتساءلون بينهم بالرحم وأواصر القرابة ثم يهملون حقوقها ولا يصلونها ، ويعتدون على الأيتام من إخوتهم وأبناء أعمامهم ، فناقضت أفعالُهم أقوالَهم ، وأيضاً هم قد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وظلموه ، وهو من ذوي رحمهم وأحقّ الناس بصلتهم كما قال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] وقال : { لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم } [ آل عمران : 164 ] . وقال : { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى } [ الشورى : 23 ] . وعلى قراءة حمزة يكون معنى الآية تتمّة لمعنى التي قبلها ."اهـ

· مناسبة ذكر الأرحام في الآية
- لما مقصد الآية الحث على الأرحام وصلتها و التحذير من قطعها ناسب ذكر أن الخلق كلهم خُلقوا من أب واحد وأم واحدةليعطفَ بعضهم على بَعْضٍ، وَيُحَنِّنَهُمْ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ. .

· دلالة الفعل الناسخ "كان"
و { كان } في هذه الآية ليست لتحديد الماضي فقط ، بل المعنى : كان وهو يكون .ذكره عطية

· دلالة استخدام "عليكم"
وفي قوله { عليكم } ضرب من الوعيد ، ولم يقل «لكم » للاشتراك الذي كان يدخل من أنه يرقب لهم ما يصنع غيرهم .. ذكره عطية

· معنى الرقيب

والرقيب : بناء الاسم الفاعل من رقب يرقب إذا أحد النظر بالبصر أو بالبصيرة إلى أمر ما ليتحققه على ما هو عليه ، ويقترن بذلك حفظ ومشاهدة وعلم بالحاصل عن الرقبة .
ومنه قيل للذي يرقب خروج السهم من ربابة الضريب في القداح رقيب ، لأنه يرتقب ذلك ، ومنه قول أبي داود : [ مجزوء الكامل ]
كَمَقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ لِلضُّرَبَاءِأَيْدِيهِمْ نَوَاهِدْ .
ذكره عطية

· معنى اسم الله الرقيب
والله سبحانه جلا وعلا هو المراقب لجميع أحوال العباد وأعمالهم وهو يتضمن معنى الشهيد البصير والحفيظ
وفي الحديث الصحيح: "اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" رواه الطبراني في المعجم الكبير

· مناسبة ختم الآية اسم الرقيب
- فيه حث إلى مراقبة الرقيب ؛ ذكره ابن كثير .
والمراد لا تغفلوا يا عباد الله ؛ راقبوا الله في أعمالكم وأقوالكم وراقبوا الله في أرحامكم فلا تقطعوها وأعطوا المستضعفين حقوقهم ولا تأكلوها بالباطل.. فيه حث على المبالغة في التقوى ورعاية الرحم ، والصلات الإنسانية التي تربط بين الناس بعضهم للوحدة الإنسانية الشاملة
**
اكتفيت في التلخيص على أقوال المفسرين الثلاثة.
إن شاء الله أكون وقفت في الإتيان بالمعاير المطلوبة في التلخيص


التقويم: أ+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 16 جمادى الآخرة 1441هـ/10-02-2020م, 11:35 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

محاولة لتصحيح تطبيق الأستاذة نورة
أحسن الله إليكم أستاذة نورة و نفع الله بكم وزادكم من فضله

الملحوظة العامة:
في مسألة العرض [حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه]:
مسألة التلوين : لم يكن للأستاذة كبير اعتناء بهذا جانب وهو ظاهر واضح من تطبيقها ( و لا يخفى عليكم ما أثر ذلك على القارئ و على المصحح)
تعملنا مع فضيلة الشيخ ؛ أن نعرض القول ثم القائل به ثم التخريج ثم التوجيه...و ..لكن الأستاذة نورة بارك الله فيها أخلت بهذا الترتيب في كذا موضع...فكانت تذكر قول 1 ثم قول 2 ثم تذكر التخريج للجميع



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) }
قوله: {وآتوا اليتامى أموالهم{.
اليتيم في اللغة: من فقد الأب قبل البلوغ. ذكره ابن عطية.
المراد باليتيم في الآية:
قيل: الصغير من الولد الذي لم يعط حقه من الورث حينما يكون لديه إخوة كبار, كما يفعل بعض العرب. قاله ابن زيد وذكره ابن عطية.
وقيل: المراد عين اليتيم في اللغة, ولكن المعنى: أعطوهم أموالهم إذا آنستم منهم رشدا، وإنما يسمون يتامى – بعد أن يؤنس منهم الرّشد، وقد زال عنهم اسم يتامى - بالاسم الأول الذي كان لهم. ذكره الزجاج وأشار إليه ابن عطية وابن كثير.
وعلى هذا يكون المخاطب في القول الأول لمن كانت هذه عادته من العرب, وفي القول الثاني لأوصياء اليتامى.
وتوجيه القول الأول والثاني يعود على اتصاف الأول باليتم حقيقة لصغره ووفاة والده, والثاني باعتبار ما كان عليه, والكل ينطبق عليه معنى الآية بلا تعارض.
تخريج قول ابن زيد: ( الأفضل ان نفصل بين القولين في العرض و القائل به والتخريج والتوجيه )
رواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ عنه.
وقوله - عزّ وجلّ -: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب}.
المراد بتبدل الخبيث بالطيب: ( معنى التبديل)
يدور معنى التبدل بين معنى التبذير, كما ورد عن سعيد بن جبير, وتعجل الرزق, كما ذكر مجاهد وأبو صالح, ومعناه المعروف في اللغة بتبديل الشيء مكان الشيء كما وردت كثير من الأقوال.
والمراد بـ"الخبيث بالطيب":( المراد بتدبيل الخبيث بالطيب)
قيل: الطيب: مالكم, والخبيث: مال اليتيم. قاله سعيد بن جبير والزجاج, وذكره ابن عطية, وابن كثير.
وقيل: المراد ما كان بعضهم يفعل من أن يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزائف من ماله. قاله سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك,وذكره ابن عطية وابن كثير.
وقيل: المراد: لا تتعجلوا أكل «الخبيث» من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. قاله مجاهد وأبو صالح وذكره ابن عطية وابن كثير.
و «الخبيث» و «الطيب»: إنما هو هنا بالتحليل والتحريم، كما اتفقت عليه مقاصد الأقوال, وذكره ابن عطية.
فجميع الأقوال متناغمة ينطبق عليها مراد الآية ولا تعارض بينها.
تخريج الأقوال:
قول سعيد بن جبير:
رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، عن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، عن عبد اللّه بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عنه.
قول مجاهد:
رواه الثوري في تفسيره وابن جرير والهمذاني في تفسير مجاهد وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ عنه.
قول الضحاك:
رواه الثوري في تفسيره عن أبي سنانٍ عنه, وكذا رواه ابن جرير من طريق الثوري.
قول السدي:
رواه الثوري في تفسيره عنه, وكذا رواه ابن جرير من طريق سفيان، عنه.
ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، عن أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عنه.
قول النخعي:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن يمانٍ، عن سفيان، عن مغيرة، عنه.
قول سعيد بن المسيب:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يحيى بن سعيدٍ، عنه.
قول الزهري:
رواه ابن جرير عن معمرٍ، عنه.
قول أبي صالح:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن يمانٍ، عن سفيان، عن إسماعيل، عنه.
قوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}.
المراد بأكل أموالهم إلى أموالكم: ( هذة المسألة ترجع إلى معنى إلى في الآية هل إلى بمعنى مع أم هى على بابها وعليها يترتب معنى الآية)
الخلط بين مالهم ومال اليتامى بإضافتها لأموالهم. قاله الحسن, ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، وسفيان بن حسين والزجاج, وذكره ابن عطية وابن كثير.
ثم نسخ منه النهي بقوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} في سورة البقرة.
المراد بـ"إلى" في الآية:
قالت طائفة من المتأخرين: إلى بمعنى مع. ذكره ابن عطية ولم يستحسنه. وقد روي عن مجاهد أن معنى الآية: «ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم». لكن ابن عطية وجه كلامه: بأنه تقريب للمعنى، لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر.
وقال الحذاق: إلى هي على بابها وهي تتضمن الإضافة، التقدير: «لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل». ذكره ابن عطية.
والآية نص في النهي عن قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه. كما ذكره ابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول مجاهد:
رواه النهدي في تفسير الثوري عنه عن أبي نجيح عن مجاهد. وكذا رواه ابن جرير من طريق الثوري.
قول السدي:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أحمد بن مفضل، قال نا أسباط، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير عن المثنّى، عن إسحاق، عن أبي زهيرٍ، عن مباركٍ، عنه.
قول سعيد بن جبير, ومقاتل, وسفيان:
ذكر ابن أبي حاتم أنه مروي عنهم ولم يعز أو يسند.
قوله تعالى:{ إنه كان حوبا كبيرا }.
الضمير في :"إنه" عائد بإجماع على أكل أموال اليتامى إلى أموالهم.(مسألة مستقلة مرجع الضمير )
معنى :"حوبا كبيرا": إثما عظيما. قاله ابن عباس, ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان, والزجاج وابن عطية وذكره ابن كثير.
وقد روى ابن مردويه، عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن قوله: {حوبًا كبيرًا} قال: « إثمًا كبيرًا ». ولكن في إسناده محمّد بن يونس الكديمي وهو ضعيفٌ كما ذكر ابن كثير.( هذا يحسن ان يكون توجها للقول)
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس:
ذكره البخاري في صحيحه ولم يسنده, ووصله ابن أبي حاتمٍ بإسنادٍ صحيحٍ -كما ذكر ابن حجر-عن داود بن أبي هند عن عكرمة عنه, ووصله ابن جرير من طريق مجاهدٍ والسّدّيّ والحسن وقتادة مثله -كما ذكر ابن حجر-.
قال ابن جرير: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير عن عمرو بن عليٍّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن قرّة بن خالدٍ، عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير من طريقين عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
قول قتادة:
رواه عبدالرزاق عن معمر عنه. ورواه ابن جرير من طريق عبدالرزاق, وعن بشر بن معاذٍ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عنه.
قول ابن سيرين:
روى ابن مردويه بإسناده إلى واصلٍ، مولى أبي عيينة، عن محمّد بن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ أبا أيّوب طلّق امرأته، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« يا أبا أيّوب، إنّ طلاق أمّ أيّوب كان حوبًا »قال ابن سيرين: « الحوب الإثم».
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
أما الضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان: فقد ذكر ابن أبي حاتم هذا القول عنهم ولم يسند. وأما عكرمة فالظن -والله أعلم- أن نسبة القول له من باب روايته لهذا القول عن ابن عباس والذي يعني ارتضاءه له, لاسيما مع عدم تعقيبه بما يفيد غير ذلك.

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) }
سبب النزول: ( هنا أيضا كان يحسن فصل الأقوال والتخريج بعد كل قول نذكر تخريجه )
-روى البخاري عن عائشة؛ أنّ رجلًا كانت له يتيمةٌ فنكحها، وكان لها عذق. وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيءٌ فنزلت فيه: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
وروى أيضا أن عروة بن الزّبير سأل عائشة عن قول اللّه تعالى:{وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} قالت:« يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ في الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: وإنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل اللّه تعالى:{ويستفتونك في النّساء} قالت عائشة: وقول اللّه في الآية الأخرى: {وترغبون أن تنكحوهنّ} رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النّساء إلّا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كن قليلات المال والجمال ». ذكره ابن عطية, وابن كثير. وقاله ربيعة.
فعلى هذا يكون المعنى الإجمالي للآية: وإن خفتم يا معشر أولياء اليتامى ألاّ تقسطوا في صداقهنّ فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنّ صدقات أمثالهنّ فلا تنكحوهنّ، ولكن انكحوا غيرهنّ من الغرائب اللّواتي أحلّهنّ اللّه لكم وطيّبهنّ من واحدةٍ إلى أربعٍ، وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدةٍ، فلا تعدلوا، فانكحوا منهنّ واحدةً، أو ما ملكتم أيمانكم. وهو ما اختاره ابن كثير.
-وقال عكرمة: « نزلت في قريش، وذلك أن الرجل منهم كان يتزوج العشر وأكثر وأقل، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فتزوج منه، فقيل لهم: إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا ».
فعلى هذا يكون معنى ذلك النّهي عن نكاح ما فوق الأربع؛ من النساء حذرًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم، فيقال: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها، فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها، لما يلزمكم من مؤن نسائكم، فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النّساء على أربعٍ وإن خفتم أيضًا من الأربع ألاّ تعدلوا في أموالهم فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم ».
-وقال سعيد بن جبير والسدي وقتادة وابن عباس:«إن العرب كانت تتحرج في أموال اليتامى، ولا تتحرج في العدل بين النساء، كانوا يتزوجون العشر وأكثر »، فنزلت الآية في ذلك. ذكره ابن عطية.
فعلى هذا يقال: كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النّساء أن لا تعدلوا فيهنّ، ولا تنكحوا منهنّ إلاّ من واحدةٍ إلى الأربع، ولا تزيدوا على ذلك، وإن خفتم ألاّ تعدلوا أيضًا في الزّيادة على الواحدة، فلا تنكحوا إلاّ ما لا تخافون أن تجوروا فيهنّ من واحدةٍ أو ما ملكت أيمانكم.
وقيل كذلك في المعنى الإجمالي للآية:
-أي: إن تحرجتم أن تتركوا ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا. قاله مجاهد, وذكره الزجاج.
-وقال بعض المفسرين قال أهل البصرة من أهل العربية: يقول ذلك المفسّر - قال« إنهم كانوا يتزوجون العشر من اليتامى ونحو ذلك رغبة في مالهن فقال اللّه - جلّ وعزّ - {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: في نكاح اليتامى» كذلك قال أبو العباس محمد ابن يزيد، وهو مذهب أهل النظر من أهل التفسير. ذكره الزجاج.
تخريج الأقوال:
قول عائشة:
رواه البخاري وعبدالرزاق والنسائي والهيثمي وابن جرير وابن أبي حاتم من عدة طرق عن عروة, عنها.
قول سعيد بن جبير:
رواه عبدالرزاق وسعيد بن منصور في سننه وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أيوب عنه.
قول ابن عباس:
رواه النهدي في تفسير الثوري عنه عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن طاؤس عن ابن عباس. وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان.
ورواه ابن جرير من طريق آخر: عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ.
ورواه ابن أبي حاتم من طريق آخر: قال: عن أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس, وذكر قوله.
قول عكرمة:
رواه ابن جرير من طريقين عن سماكٍ, عنه.
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول ربيعة:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يونس, عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير من طريقين عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
المراد بـ"خفتم" في الآية:
قيل: تيقنتم. قاله أبو عبيدة, وخطأه ابن عطية, وعقب:"لا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه".
والصحيح: أنه من أفعال التوقع، إلا أنه قد يميل الظن فيه إلى إحدى الجهتين.
وقال مجاهد: تحرجتم. كما ذكره الزجاج وخرجناه سابقا.
معنى القسط في قوله :"ألا تقسطوا":
العدل. ذكره ابن عطية.
معنى الطيب في قوله :"ما طاب":
الحلال. قاله الحسن وأبو مالك وسعيد بن جبير, وذكره الزجاج وابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول سعيد بن جبير:
رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب عنه.
قول أبي مالك:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالدٍ، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زريعٍ، عن يونس، عنه.
علة قوله "ما طاب" بدل "من طاب":
لأنه لم يرد تعيين من يعقل، وإنما أراد النوع الذي هو الطيب من جهة التحليل، فكأنه قال: «فانكحوا الطيب» لأن ليس كل النساء طيبا. ذكره ابن عطية وأشار إليه الزجاج.
وحكى بعض الناس أن ما في هذه الآية ظرفية, أي ما دمتم تستحسنون النكاح. وضعفه ابن عطية.
ما الذي يفيده الأمر بالنكاح في الآية؟
هو ندب لقوم وإباحة لآخرين بحسب قرائن المرء، والنكاح في الجملة والأغلب مندوب إليه، قال عليه السلام: « من استطاع منكم الباءة فليتزوج». ذكره ابن عطية.
معنى قوله - عزّ وجلّ - {مثنى وثلاث ورباع} وموقعها الإعرابي:( هنا عدة مسأئل لم يتم بيانها ) ..( محل الإعرابي ؛ علة المنع من الصرف ؛ التنكير والتعريف في مثنى وثلاث ورباع )
موضعها من الإعراب نصب على البدل من ما طاب، وهي نكرات لا تنصرف لأنها معدولة وصفة كذا قاله أبو علي ». ( كما عند ابن عطية) عبارة منقوله بنصها من ابن عطية
وقال غيره: « هي معدولة في اللفظ وفي المعنى، وأيضا فإنها معدولة وجمع، وأيضا فإنها معدولة مؤنثة ». ( كما عند ابن عطية)
قال الطبري: "هي معارف لأنها لا تدخلها الألف واللام" وخطأ الزجاج هذا القول. وهي معدولة عن اثنين، وثلاثة، وأربعة، إلا أنها مضمنة تكرار العدد إلى غاية المعدود.
والمعنى: اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا. فيكون تفسير الآية: انكحوا ما شئتم من النّساء سواهنّ إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثًا وإن شاء أربعًا. مجموع ما قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير.
بيان بطلان تفسير الشيعة لـ"مثنى وثلاث ورباع" بالـ"تسع":
أحدها: في اللغة أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق.
ومنها: أنه يصير أعيى كلام، لو قال قائل في موضع تسعة أعطيك اثنين وثلاثة وأربعة يريد تسعة، قيل تسعة تغنيك عن هذا، لأن تسعة وضعت لهذا العدد كله، أعني من واحد إلى تسعة.
وبعد فيكون - على قولهم - من تزوج أقل من تسع أو واحدة فعاص لأنه إذا كان الذي أبيح له تسعا أو واحدة فليس لنا سبيل إلى اثنين.
لأنه إذا أمرك من تجب عليك طاعته فقال ادخل هذا المسجد في اليوم تسعا أو واحدة، فدخلت غير هاتين اللتين حددهما لك من المرات فقد عصيته. ذكره الزجاج
-دلالة الآية على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع, لأنّ المقام مقام امتنانٍ وإباحةٍ، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربعٍ لذكره. كما قاله ابن عباس, والشافعي, وعليه جمهور العلماء, كما ذكر ابن عطية, وابن كثير.
ومما يؤكد من الأحاديث ذلك:
ما رواه الإمام أحمد, قال: حدّثنا إسماعيل ومحمّد بن جعفرٍ قالا حدّثنا معمرٌ، عن الزّهريّ. قال ابن جعفرٍ في حديثه: أنبأنا ابن شهابٍ، عن سالمٍ، عن أبيه: أنّ غيلان بن سلمة الثّقفيّ أسلم وتحته عشرة نسوةٍ، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « اختر منهنّ أربعًا ». فلمّا كان في عهد عمر طلّق نساءه، وقسّم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: إنّي لأظنّ الشّيطان فيما يسترق من السّمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ولعلّك لا تمكث إلّا قليلًا. وايم اللّه لتراجعنّ نساءك ولترجعنّ في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرنّ بقبرك فيرجم، كما رجم قبر أبي رغال.
وهكذا رواه الشّافعيّ والتّرمذيّ وابن ماجه والدّارقطنيّ والبيهقيّ وغيرهم عن اسماعيل بن عليّة وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة، وسفيان الثّوريّ، وعيسى بن يونس، وعبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، والفضل بن موسى وغيرهم من الحفّاظ، عن معمر -بإسناده -مثله إلى قوله: اختر منهنّ أربعًا. وهذا الإسناد من مسند الإمام أحمد رجاله ثقاتٌ على شرط الصّحيحين كما ذكره ابن كثير, وللحديث شواهد آثرنا عدم ذكرها لئلا يطول المقال.
معنى "فإن خفتم":
أي: إن خشيتم. ذكره ابن كثير.( ذكر ابن عطية قولا آخر لممعنى خفتم )



متعلق العدل في قوله :"ألا تعدلوا":
-قيل: ألا تعدلوا في الميل والمحبة والجماع والعشرة بين الأربع أو الثلاث أو الاثنتين. قاله الضحاك, وذكره ابن عطية.
-ويتوجه على قول من قال: إنها نزلت فيمن يخاف أن ينفق مال اليتامى في نكاحاته، أن يكون المعنى: ألا تعدلوا في نكاح الأربع والثلاث حتى تنفقوا فيه أموال يتاماكم، أي فتزوجوا واحدة بأموالكم، أو تسرّوا منها. ذكره ابن عطية.
تخريج قول الضحاك:
رواه ابن جرير عن يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عنه.
المراد بملك اليمين في قوله: "أو ما ملكت أيمانكم":
الإماء. ذكره ابن عطية.
سبب إسناد الملك لليمين في الآية:
أسند الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها, ألا ترى أنها المنفقة، كما قال عليه السلام: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وهي المعاهدة المبايعة، وبها سميت الأليّة يمينا، وهي المتلقية لكتاب النجاة ولرايات المجد، وقد نهى عليه السلام عن استعمالها في الاستنجاء وأمر المرء بالأكل بها. ذكره ابن عطية.
-دلالة الآية على وجوب الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك اليمين إن خاف الوقوع في الظلم بين الزوجات. بإجماع المفسرين.
معنى "أدنى":
أقرب. ذكره ابن عطية.
تقدير قوله :" ذلك أدنى ألا تعولوا":
أي: ذلك أدنى إلى أن لا تعولوا. ذكره ابن عطية.
معنى "ألا تعولوا":
- ألا يكثر عيالكم، وحكى ابن الأعرابي أن العرب تقول: عال الرجل يعول إذا كثر عياله.
قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشّافعيّ, وذكره ابن كثير
وقدح في هذا الزجاج وابن كثير، بأن الله قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثر. وخطأه ابن عطية قائلا: وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هن مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الفادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة.
-ألا تميلوا. يقال: عال الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قول أبي طالب في شعره في النبي صلى الله عليه وسلم:
بميزان قسط لا يخسّ شعيرة ....... ووزان صدق وزنه غير عائل
قال به ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس وأبو مالك والسدي والزجاج وغيرهم، وذكره ابن عطية وابن كثير واختاره وذكر أنه قول الجمهور, وأوضح أن الميل هنا بمعنى الجور.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه، وأبو حاتم ابن حبّان في صحيحه، من طريق عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيم، حدّثنا محمّد بن شعيبٍ، عن عمر بن محمّد بن زيدٍ، عن عبد اللّه بن عمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: «لا تجوروا ».
قال ابن أبي حاتمٍ: قال أبي: هذا حديثٌ خطأٌ، والصّحيح: عن عائشة. موقوفٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ، وعائشة، ومجاهدٍ، وعكرمة، والحسن، وأبي مالكٍ وأبي رزين والنّخعي، والشّعبي، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، وقتادة، والسّدّي، ومقاتل بن حيّان: أنّهم قالوا: لا تميلوا وقد استشهد عكرمة، رحمه اللّه، ببيت أبي طالبٍ الّذي قدّمناه، ولكنّ ما أنشده كما هو المرويّ في السّيرة، وقد رواه ابن جريرٍ، ثمّ أنشده جيّدًا، واختار ذلك, كما ذكر ذلك ابن كثير.
تخريج الأقوال: ( تخريج القول يكون بعد سرد القول)
قول زيد:
رواه ابن وهب في جامعه عنه.
ورواه ابن أبي حاتم, قال: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني اللّيث بن سعدٍ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عنه.
قول سفيان بن عيينة:
رواه ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أبو محمد بن ابنة الشّافعيّ فيما كتب إليّ، عن أبيه أو عمّه، عنه.
قول ابن عباس:
رواه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
ورواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عنه.
قول الحسن:
رواه ابن وهب عن أشهل، عن قرة بن خالد، عنه.
ورواه ابن جرير عن حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا يونس، عنه.
قول قتادة:
رواه عبدالرزاق عن معمر عنه. ورواه ابن جرير من طريق عبدالرزاق.
ورواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول أبي مالك:
رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير من طريقين عن هشيمٌ، قال: نا حصين, عنه.
ورواه ابن جرير عن أبي كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عنه.
قول عكرمة:
رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير من طريق هشيمٌ، عن داود، عنه.
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير، عن الحريت عنه.
قول الشعبي:
رواه سعيد بن منصور في سننه عن خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير عن ابن حميدٍ، قال: حدّثني حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عنه.
ورواه ابن جرير عن ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يونس، عن أبي إسحاق، عنه.
ورواه ابن جرير من طريقين والهمذاني في تفسير مجاهد من طريق ابن أبي نجيح عنه.
قول الربيع:
رواه ابن جرير قال: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عنه.
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
.
أحسن الله إليكم أستاذة نورة .

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 19 جمادى الآخرة 1441هـ/13-02-2020م, 10:14 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

شكرا لك أ. عقيلة على التصحيح والملحوظات الجيدة.
بالنسبة لهيئة التصحيح لا أعلم لماذا تجاهلت تطبيقي واكتفت بتصحيح تطبيق أ. عقيلة .. شاكرة لهم جهودهم وعاذرة..

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 20 جمادى الآخرة 1441هـ/14-02-2020م, 12:48 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
شكرا لك أ. عقيلة على التصحيح والملحوظات الجيدة.
بالنسبة لهيئة التصحيح لا أعلم لماذا تجاهلت تطبيقي واكتفت بتصحيح تطبيق أ. عقيلة .. شاكرة لهم جهودهم وعاذرة..
أحسن الله إليك أستاذة نورة
هذا ليس تجاهلا، وإنما كان لسببين:
الأول: هو انتظار الأستاذة عقيلة حتى تكمل واجبها بتصحيح تطبيقك
والثاني: البدء بتصحيح تطبيق تلخيص تفسير الآية الأولى أولا، ثم ما بعدها
وسيصحح تطبيقك قريبا بإذن الله.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 29 جمادى الآخرة 1441هـ/23-02-2020م, 09:11 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

خيرا جزيتم، وهما كفيتم..

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 9 ذو القعدة 1441هـ/29-06-2020م, 09:50 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) }
قوله: {وآتوا اليتامى أموالهم{.
[معنى الإتيان أولا]
اليتيم في اللغة: من فقد الأب قبل البلوغ. ذكره ابن عطية.
المراد باليتيم في الآية:
قيل: الصغير من الولد الذي لم يعط حقه من الورث حينما يكون لديه إخوة كبار, كما يفعل بعض العرب. قاله ابن زيد وذكره ابن عطية.
وقيل: المراد عين اليتيم في اللغة, ولكن المعنى: أعطوهم أموالهم إذا آنستم منهم رشدا، وإنما يسمون يتامى – بعد أن يؤنس منهم الرّشد، وقد زال عنهم اسم يتامى - بالاسم الأول الذي كان لهم. ذكره الزجاج وأشار إليه ابن عطية وابن كثير.
وعلى هذا يكون المخاطب في القول الأول لمن كانت هذه عادته من العرب, وفي القول الثاني لأوصياء اليتامى.
وتوجيه القول الأول والثاني يعود على اتصاف الأول باليتم حقيقة لصغره ووفاة والده, والثاني باعتبار ما كان عليه, والكل ينطبق عليه معنى الآية بلا تعارض.
تخريج قول ابن زيد:
رواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ عنه.
[بارك الله فيكِ
حاولي الفصل بين ما يستحق الفصل من المسائل
مثلا:
معنى الإتيان
معنى اليتم
المراد باليتيم في الآية
المخاطب بالأمر
موعد إتيان اليتامى الأموال
دلالة التعبير باليتامى]



وقوله - عزّ وجلّ -: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب}.
المراد بتبدل الخبيث بالطيب:
يدور معنى التبدل بين معنى التبذير, كما ورد عن سعيد بن جبير, وتعجل الرزق, كما ذكر مجاهد وأبو صالح, ومعناه المعروف في اللغة بتبديل الشيء مكان الشيء كما وردت كثير من الأقوال.
والمراد بـ"الخبيث بالطيب":
قيل: الطيب: مالكم, والخبيث: مال اليتيم. قاله سعيد بن جبير والزجاج, وذكره ابن عطية, وابن كثير.
وقيل: المراد ما كان بعضهم يفعل من أن يبدل الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزائف من ماله. قاله سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك,وذكره ابن عطية وابن كثير.
وقيل: المراد: لا تتعجلوا أكل «الخبيث» من أموالهم، وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. قاله مجاهد وأبو صالح وذكره ابن عطية وابن كثير.
و «الخبيث» و «الطيب»: إنما هو هنا بالتحليل والتحريم، كما اتفقت عليه مقاصد الأقوال, وذكره ابن عطية.
فجميع الأقوال متناغمة ينطبق عليها مراد الآية ولا تعارض بينها.
تخريج الأقوال:
قول سعيد بن جبير:
رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، عن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، عن عبد اللّه بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عنه.
قول مجاهد:
رواه الثوري في تفسيره وابن جرير والهمذاني في تفسير مجاهد وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ عنه.
قول الضحاك:
رواه الثوري في تفسيره عن أبي سنانٍ عنه, وكذا رواه ابن جرير من طريق الثوري.
قول السدي:
رواه الثوري في تفسيره عنه, وكذا رواه ابن جرير من طريق سفيان، عنه.
ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، عن أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عنه.
قول النخعي:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن يمانٍ، عن سفيان، عن مغيرة، عنه.
قول سعيد بن المسيب:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يحيى بن سعيدٍ، عنه.
قول الزهري:
رواه ابن جرير عن معمرٍ، عنه.
قول أبي صالح:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن يمانٍ، عن سفيان، عن إسماعيل، عنه.
قوله: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}.
المراد بأكل أموالهم إلى أموالكم:
الخلط بين مالهم ومال اليتامى بإضافتها لأموالهم. قاله الحسن, ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومقاتل بن حيّان، والسّدّيّ، وسفيان بن حسين والزجاج, وذكره ابن عطية وابن كثير.
[يحسن هنا الإشارة إلى دلالة التعبير بالأكل، وهي غير مفصلة في التفاسير المقررة
لكن ابن عطية وضح: " والآية نص في [النهي عن] قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه " لبيان أنه ليس المقصود مجرد الأكل
]
ثم نسخ منه النهي بقوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} في سورة البقرة.
المراد بـ"إلى" في الآية:
قالت طائفة من المتأخرين: إلى بمعنى مع. ذكره ابن عطية ولم يستحسنه. وقد روي عن مجاهد أن معنى الآية: «ولا تأكلوا أموالهم مع أموالكم». لكن ابن عطية وجه كلامه: بأنه تقريب للمعنى، لا أنه أراد أن الحرف بمعنى الآخر.
وقال الحذاق: إلى هي على بابها وهي تتضمن الإضافة، التقدير: «لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل». ذكره ابن عطية.
والآية نص في النهي عن قصد مال اليتيم بالأكل والتمول على جميع وجوهه. كما ذكره ابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول مجاهد:
رواه النهدي في تفسير الثوري عنه عن أبي نجيح عن مجاهد. وكذا رواه ابن جرير من طريق الثوري. [تفسير سفيان الثوري ينسب إليه مباشرة، رواه سفيان الثوري في تفسيره من طريق ..]
قول السدي:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أحمد بن مفضل، قال نا أسباط، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير عن المثنّى، عن إسحاق، عن أبي زهيرٍ، عن مباركٍ، عنه.
قول سعيد بن جبير, ومقاتل, وسفيان:
ذكر ابن أبي حاتم أنه مروي عنهم ولم يعز أو يسند.
قوله تعالى:{ إنه كان حوبا كبيرا }.
الضمير في :"إنه" عائد بإجماع على أكل أموال اليتامى إلى أموالهم.
معنى :"حوبا كبيرا": إثما عظيما. قاله ابن عباس, ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان, والزجاج وابن عطية وذكره ابن كثير.
وقد روى ابن مردويه، عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن قوله: {حوبًا كبيرًا} قال: « إثمًا كبيرًا ». ولكن في إسناده محمّد بن يونس الكديمي وهو ضعيفٌ كما ذكر ابن كثير.
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس:
ذكره البخاري في صحيحه ولم يسنده [رواه معلقا] , ووصله ابن أبي حاتمٍ بإسنادٍ صحيحٍ -كما ذكر ابن حجر-عن داود بن أبي هند عن عكرمة عنه, ووصله ابن جرير من طريق مجاهدٍ والسّدّيّ والحسن وقتادة مثله -كما ذكر ابن حجر-.
قال ابن جرير: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير عن عمرو بن عليٍّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن قرّة بن خالدٍ، عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير من طريقين عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
قول قتادة:
رواه عبدالرزاق عن معمر عنه. ورواه ابن جرير من طريق عبدالرزاق, وعن بشر بن معاذٍ، عن يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٌ، عنه.
قول ابن سيرين:
روى ابن مردويه بإسناده إلى واصلٍ، مولى أبي عيينة، عن محمّد بن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ أبا أيّوب طلّق امرأته، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:« يا أبا أيّوب، إنّ طلاق أمّ أيّوب كان حوبًا »قال ابن سيرين: « الحوب الإثم».
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
أما الضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وأبي مالكٍ، وزيد بن أسلم، وأبي سنان: فقد ذكر ابن أبي حاتم هذا القول عنهم ولم يسند. وأما عكرمة فالظن -والله أعلم- أن نسبة القول له من باب روايته لهذا القول عن ابن عباس والذي يعني ارتضاءه له, لاسيما مع عدم تعقيبه بما يفيد غير ذلك.
[فاتكِ بيان دلالة وصف الحوب بـ {كبيرا}، ذكره ابن عطية]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) }
سبب النزول:
-روى البخاري عن عائشة؛ أنّ رجلًا كانت له يتيمةٌ فنكحها، وكان لها عذق. وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيءٌ فنزلت فيه: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
وروى أيضا أن عروة بن الزّبير سأل عائشة عن قول اللّه تعالى:{وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} قالت:« يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنتهنّ في الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ. قال عروة: قالت عائشة: وإنّ النّاس استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد هذه الآية، فأنزل اللّه تعالى:{ويستفتونك في النّساء} قالت عائشة: وقول اللّه في الآية الأخرى: {وترغبون أن تنكحوهنّ} رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النّساء إلّا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنّ إذا كن قليلات المال والجمال ». ذكره ابن عطية, وابن كثير. وقاله ربيعة.
فعلى هذا يكون المعنى الإجمالي للآية: وإن خفتم يا معشر أولياء اليتامى ألاّ تقسطوا في صداقهنّ فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنّ صدقات أمثالهنّ فلا تنكحوهنّ، ولكن انكحوا غيرهنّ من الغرائب اللّواتي أحلّهنّ اللّه لكم وطيّبهنّ من واحدةٍ إلى أربعٍ، وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدةٍ، فلا تعدلوا، فانكحوا منهنّ واحدةً، أو ما ملكتم أيمانكم. وهو ما اختاره ابن كثير.
-وقال عكرمة: « نزلت في قريش، وذلك أن الرجل منهم كان يتزوج العشر وأكثر وأقل، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فتزوج منه، فقيل لهم: إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا ».
فعلى هذا يكون معنى ذلك النّهي عن نكاح ما فوق الأربع؛ من النساء حذرًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم، فيقال: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها، فلا تعدلوا فيها من أجل حاجتكم إليها، لما يلزمكم من مؤن نسائكم، فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النّساء على أربعٍ وإن خفتم أيضًا من الأربع ألاّ تعدلوا في أموالهم فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم ».
-وقال سعيد بن جبير والسدي وقتادة وابن عباس:«إن العرب كانت تتحرج في أموال اليتامى، ولا تتحرج في العدل بين النساء، كانوا يتزوجون العشر وأكثر »، فنزلت الآية في ذلك. ذكره ابن عطية.
فعلى هذا يقال: كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النّساء أن لا تعدلوا فيهنّ، ولا تنكحوا منهنّ إلاّ من واحدةٍ إلى الأربع، ولا تزيدوا على ذلك، وإن خفتم ألاّ تعدلوا أيضًا في الزّيادة على الواحدة، فلا تنكحوا إلاّ ما لا تخافون أن تجوروا فيهنّ من واحدةٍ أو ما ملكت أيمانكم.
وقيل كذلك في المعنى الإجمالي للآية:
-أي: إن تحرجتم أن تتركوا ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا. قاله مجاهد, وذكره الزجاج.
-وقال بعض المفسرين قال أهل البصرة من أهل العربية: يقول ذلك المفسّر - قال« إنهم كانوا يتزوجون العشر من اليتامى ونحو ذلك رغبة في مالهن فقال اللّه - جلّ وعزّ - {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: في نكاح اليتامى» كذلك قال أبو العباس محمد ابن يزيد، وهو مذهب أهل النظر من أهل التفسير. ذكره الزجاج.
[من المسائل التي تفصل هنا:
المراد باليتامى في الآية:
فالمقصود بهم هنا اليتيمة الأنثى دون الذكر. [من مفهوم أسباب النزول]
معنى قوله : {ألا تقسطوا في اليتامى} ألا تعدلوا في نكاح اليتامى، وفيها إيجاز بالحذف دل عليه قول {فانكحوا ما طاب لكم} ذكره الزجاج]


تخريج الأقوال:
قول عائشة:
رواه البخاري وعبدالرزاق والنسائي والهيثمي وابن جرير وابن أبي حاتم من عدة طرق عن عروة, عنها.
قول سعيد بن جبير:
رواه عبدالرزاق وسعيد بن منصور في سننه وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق أيوب عنه.
قول ابن عباس:
رواه النهدي في تفسير الثوري عنه عن حبيب بن أبي ثابتٍ عن طاؤس عن ابن عباس. وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سفيان.
ورواه ابن جرير من طريق آخر: عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ.
ورواه ابن أبي حاتم من طريق آخر: قال: عن أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس, وذكر قوله.
قول عكرمة:
رواه ابن جرير من طريقين عن سماكٍ, عنه.
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول ربيعة:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يونس, عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير من طريقين عن ابن أبي نجيحٍ، عنه.
المراد بـ"خفتم" في الآية:
قيل: تيقنتم. قاله أبو عبيدة, وخطأه ابن عطية, وعقب:"لا يكون الخوف بمعنى اليقين بوجه".
والصحيح: أنه من أفعال التوقع، إلا أنه قد يميل الظن فيه إلى إحدى الجهتين.
وقال مجاهد: تحرجتم. كما ذكره الزجاج وخرجناه سابقا.
معنى القسط في قوله :"ألا تقسطوا":
العدل. ذكره ابن عطية.
معنى الطيب في قوله :"ما طاب":
الحلال. قاله الحسن وأبو مالك وسعيد بن جبير, وذكره الزجاج وابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول سعيد بن جبير:
رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب عنه.
قول أبي مالك:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالدٍ، عنه.
قول الحسن:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زريعٍ، عن يونس، عنه.
علة قوله "ما طاب" بدل "من طاب":
لأنه لم يرد تعيين من يعقل، وإنما أراد النوع الذي هو الطيب من جهة التحليل، فكأنه قال: «فانكحوا الطيب» لأن ليس كل النساء طيبا. ذكره ابن عطية وأشار إليه الزجاج.
وحكى بعض الناس أن ما في هذه الآية ظرفية, أي ما دمتم تستحسنون النكاح. وضعفه ابن عطية. [الأولى أن تكون صياغة المسألة: معنى " ما " في قوله تعالى: {ما طاب لكم}]
ما الذي يفيده الأمر بالنكاح في الآية؟
هو ندب لقوم وإباحة لآخرين بحسب قرائن المرء، والنكاح في الجملة والأغلب مندوب إليه، قال عليه السلام: « من استطاع منكم الباءة فليتزوج». ذكره ابن عطية.
معنى قوله - عزّ وجلّ - {مثنى وثلاث ورباع} وموقعها الإعرابي:
موضعها من الإعراب نصب على البدل من ما طاب، وهي نكرات لا تنصرف لأنها معدولة وصفة كذا قاله أبو علي ».
وقال غيره: « هي معدولة في اللفظ وفي المعنى، وأيضا فإنها معدولة وجمع، وأيضا فإنها معدولة مؤنثة ».
قال الطبري: "هي معارف لأنها لا تدخلها الألف واللام" وخطأ الزجاج هذا القول. وهي معدولة عن اثنين، وثلاثة، وأربعة، إلا أنها مضمنة تكرار العدد إلى غاية المعدود.
والمعنى: اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا. فيكون تفسير الآية: انكحوا ما شئتم من النّساء سواهنّ إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثًا وإن شاء أربعًا. مجموع ما قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير.
بيان بطلان تفسير الشيعة لـ"مثنى وثلاث ورباع" بالـ"تسع":
أحدها: في اللغة أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق.
ومنها: أنه يصير أعيى كلام، لو قال قائل في موضع تسعة أعطيك اثنين وثلاثة وأربعة يريد تسعة، قيل تسعة تغنيك عن هذا، لأن تسعة وضعت لهذا العدد كله، أعني من واحد إلى تسعة.
وبعد فيكون - على قولهم - من تزوج أقل من تسع أو واحدة فعاص لأنه إذا كان الذي أبيح له تسعا أو واحدة فليس لنا سبيل إلى اثنين.
لأنه إذا أمرك من تجب عليك طاعته فقال ادخل هذا المسجد في اليوم تسعا أو واحدة، فدخلت غير هاتين اللتين حددهما لك من المرات فقد عصيته. ذكره الزجاج
-دلالة الآية على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع, لأنّ المقام مقام امتنانٍ وإباحةٍ، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربعٍ لذكره. كما قاله ابن عباس, والشافعي, وعليه جمهور العلماء, كما ذكر ابن عطية, وابن كثير.
ومما يؤكد من الأحاديث ذلك:
ما رواه الإمام أحمد, قال: حدّثنا إسماعيل ومحمّد بن جعفرٍ قالا حدّثنا معمرٌ، عن الزّهريّ. قال ابن جعفرٍ في حديثه: أنبأنا ابن شهابٍ، عن سالمٍ، عن أبيه: أنّ غيلان بن سلمة الثّقفيّ أسلم وتحته عشرة نسوةٍ، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: « اختر منهنّ أربعًا ». فلمّا كان في عهد عمر طلّق نساءه، وقسّم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال: إنّي لأظنّ الشّيطان فيما يسترق من السّمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ولعلّك لا تمكث إلّا قليلًا. وايم اللّه لتراجعنّ نساءك ولترجعنّ في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرنّ بقبرك فيرجم، كما رجم قبر أبي رغال.
وهكذا رواه الشّافعيّ والتّرمذيّ وابن ماجه والدّارقطنيّ والبيهقيّ وغيرهم عن اسماعيل بن عليّة وغندر ويزيد بن زريع وسعيد بن أبي عروبة، وسفيان الثّوريّ، وعيسى بن يونس، وعبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، والفضل بن موسى وغيرهم من الحفّاظ، عن معمر -بإسناده -مثله إلى قوله: اختر منهنّ أربعًا. وهذا الإسناد من مسند الإمام أحمد رجاله ثقاتٌ على شرط الصّحيحين كما ذكره ابن كثير, وللحديث شواهد آثرنا عدم ذكرها لئلا يطول المقال.
معنى "فإن خفتم": في قوله {فإن خفتم ألا تعدلوا}
أي: إن خشيتم. ذكره ابن كثير.
متعلق العدل في قوله :"ألا تعدلوا":
-قيل: ألا تعدلوا في الميل والمحبة والجماع والعشرة بين الأربع أو الثلاث أو الاثنتين. قاله الضحاك, وذكره ابن عطية.
-ويتوجه على قول من قال: إنها نزلت فيمن يخاف أن ينفق مال اليتامى في نكاحاته، أن يكون المعنى: ألا تعدلوا في نكاح الأربع والثلاث حتى تنفقوا فيه أموال يتاماكم، أي فتزوجوا واحدة بأموالكم، أو تسرّوا منها. ذكره ابن عطية.
تخريج قول الضحاك:
رواه ابن جرير عن يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عنه.
المراد بملك اليمين في قوله: "أو ما ملكت أيمانكم":
الإماء. ذكره ابن عطية.
سبب إسناد الملك لليمين في الآية:
أسند الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها, ألا ترى أنها المنفقة، كما قال عليه السلام: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وهي المعاهدة المبايعة، وبها سميت الأليّة يمينا، وهي المتلقية لكتاب النجاة ولرايات المجد، وقد نهى عليه السلام عن استعمالها في الاستنجاء وأمر المرء بالأكل بها. ذكره ابن عطية.
-دلالة الآية على وجوب الاقتصار على زوجة واحدة أو ملك اليمين إن خاف الوقوع في الظلم بين الزوجات. بإجماع المفسرين.
معنى "أدنى":
أقرب. ذكره ابن عطية.
تقدير قوله :" ذلك أدنى ألا تعولوا":
أي: ذلك أدنى إلى أن لا تعولوا. ذكره ابن عطية.
معنى "ألا تعولوا":
- ألا يكثر عيالكم، وحكى ابن الأعرابي أن العرب تقول: عال الرجل يعول إذا كثر عياله.
قاله زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة والشّافعيّ, وذكره ابن كثير
وقدح في هذا الزجاج وابن كثير، بأن الله قد أباح كثرة السراري، وفي ذلك تكثير العيال، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثر. وخطأه ابن عطية قائلا: وهذا القدح غير صحيح، لأن السراري إنما هن مال يتصرف فيه بالبيع، وإنما العيال الفادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة.
-ألا تميلوا. يقال: عال الرجل يعول: إذا مال وجار، ومنه قول أبي طالب في شعره في النبي صلى الله عليه وسلم:
بميزان قسط لا يخسّ شعيرة ....... ووزان صدق وزنه غير عائل
قال به ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس وأبو مالك والسدي والزجاج وغيرهم، وذكره ابن عطية وابن كثير واختاره وذكر أنه قول الجمهور, وأوضح أن الميل هنا بمعنى الجور.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه، وأبو حاتم ابن حبّان في صحيحه، من طريق عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيم، حدّثنا محمّد بن شعيبٍ، عن عمر بن محمّد بن زيدٍ، عن عبد اللّه بن عمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال: «لا تجوروا ».
قال ابن أبي حاتمٍ: قال أبي: هذا حديثٌ خطأٌ، والصّحيح: عن عائشة. موقوفٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عبّاسٍ، وعائشة، ومجاهدٍ، وعكرمة، والحسن، وأبي مالكٍ وأبي رزين والنّخعي، والشّعبي، والضّحّاك، وعطاءٍ الخراسانيّ، وقتادة، والسّدّي، ومقاتل بن حيّان: أنّهم قالوا: لا تميلوا وقد استشهد عكرمة، رحمه اللّه، ببيت أبي طالبٍ الّذي قدّمناه، ولكنّ ما أنشده كما هو المرويّ في السّيرة، وقد رواه ابن جريرٍ، ثمّ أنشده جيّدًا، واختار ذلك, كما ذكر ذلك ابن كثير.
تخريج الأقوال:
قول زيد:
رواه ابن وهب في جامعه عنه.
ورواه ابن أبي حاتم, قال: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني اللّيث بن سعدٍ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عنه.
قول سفيان بن عيينة:
رواه ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أبو محمد بن ابنة الشّافعيّ فيما كتب إليّ، عن أبيه أو عمّه، عنه.
قول ابن عباس:
رواه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
ورواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عنه.
قول الحسن:
رواه ابن وهب عن أشهل، عن قرة بن خالد، عنه.
ورواه ابن جرير عن حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا يونس، عنه.
قول قتادة:
رواه عبدالرزاق عن معمر عنه. ورواه ابن جرير من طريق عبدالرزاق.
ورواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول أبي مالك:
رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير من طريقين عن هشيمٌ، قال: نا حصين, عنه.
ورواه ابن جرير عن أبي كريبٍ، قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عنه.
قول عكرمة:
رواه سعيد بن منصور في سننه وابن جرير من طريق هشيمٌ، عن داود، عنه.
ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير، عن الحريت عنه.
قول الشعبي:
رواه سعيد بن منصور في سننه عن خالد بن عبد اللّه، عن بيان، عنه.
قول مجاهد:
رواه ابن جرير عن ابن حميدٍ، قال: حدّثني حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عنه.
ورواه ابن جرير عن ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن يونس، عن أبي إسحاق، عنه.
ورواه ابن جرير من طريقين والهمذاني في تفسير مجاهد من طريق ابن أبي نجيح عنه.
قول الربيع:
رواه ابن جرير قال: حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عنه.
قول السدي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عنه.

تفسير قوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) )
أسباب النزول:
- قال هشيم، عن سيّارٍ، عن أبي صالحٍ قال: كان الرّجل إذا زوّج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك، ونزل: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ, وذكره ابن كثير.
- "فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا" قال حضرمي: سبب الآية أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوا إلى الزوجات. ذكره ابن عطية.
المخاطب في الآية:
- قال ابن عباس وقتادة وابن جريج:« إن الخطاب في هذه الآية للأزواج، أمرهم الله أن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم ». ذكره ابن عطية.
-قال أبو صالح:« الخطاب لأولياء النساء، لأن عادة بعض العرب كانت أن يأكل ولي المرأة مهرها، فرفع الله ذلك بالإسلام وأمر بأن يدفع ذلك إليهن ». ذكره ابن عطية.
-وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه: « زعم حضرمي أن المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى، فأمروا أن يضربوا المهور ». ذكره ابن عطية.
ورجح ابن عطية أن الآية تتناول الجميع.
تخريج الأقوال:
قول ابن عباس:
رواه ابن جرير عن المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق يزيد، عن سعيدٌ، عنه.
قول ابن جريج:
رواه ابن جرير عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عنه.
قول أبي صالح:
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق هشيمٌ، عن سيّارٍ، عنه.
قول سليمان عن حضرمي:
رواه ابن جرير عن محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرميٌّ, وذكر قوله.
معنى " صدقاتهن":
مهورهن. بإجماع.
معنى "نحلة":
-فريضة. قال به عائشة ومقاتل وقتادة وابن جريج وابن زيد, وذكره الزجاج وابن كثير.
-ديانة. ذكره الزجاج وابن عطية.
-عطية. ذكره الزجاج وابن عطية.
-مهر. قاله ابن عباس, وذكره ابن كثير.
وجميعها لا تتعارض ويخدم صحتها المعنى اللغوي.
تخريج الأقوال:
قول عائشة:
رواه ابن جرير عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عروة، عنها. وذكره ابن كثير.
قول ابن عباس:
ذكره ابن كثير والبخاري ووصله ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه.
قول قتادة:
رواه ابن جرير عن بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عنه.
قول ابن جريج:
رواه ابن جرير عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عنه.
ورواه ابن أبي حاتم عن عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عنه.
قول ابن زيد:
رواه ابن جرير عن يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ, وذكر قوله.
قول مقاتل:
ذكر ابن أبي حاتم أن أبا محمد ذكر أن هذا القول مروي عنه.
متعلق "نحلة" إن أتت بمعنى "عطية":
-أي تقديرها: من الله. ذكره الزجاج وابن عطية.
-أو منكم (المخاطبون في الآية). ذكره ابن عطية.
-تفيد الآية وجوب إعطاء النساء المهر في النكاح. بإجماع. [ويفيد استعمال كلمة نحلة خصيصًا أنه عطاء واجب عن طيب نفس، قاله ابن كثير]
معنى "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا":
أي: إن وهبن غير مكرهات طيبة نفوسهن. بإجماع. [إعراب كلمة " نفسًا " هنا مهمة لأنها تبين المعنى]
عودة الضمير في قوله: "منه":
على المهر. بإجماع.
مسألة: كيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله، وإنما قيل له منه؟
الجواب: أن " منه " ههنا للجنس, كما قال عزّ وجلّ -: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}.فلم نؤمر أن نجتنب بعض الأوثان، ولكن المعنى اجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
أي: فكلوا الشيء الذي هو مهر. ذكره الزجاج وابن عطية.
"فكلوه هنيئا مريئا" معنى "هنيئا مريئا":
قال اللغويون: الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة، وكذلك المريء، قال اللغويون: يقولون هنأني الطعام ومرأني على الإتباع، فإذا أفردوا قالوا: أمرأني على وزن أفعل. قال أبو علي: وهذا كما جاء في الحديث «ارجعن مأزورات غير مأجورات» فإنما اعتلت الواو من موزورات اتباعا للفظ مأجورات، فكذلك مرأني اتباعا لهنأني، قال سيبويه هنيئاً مريئاً صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره، المختزل للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك «هنيئا مريئا». ذكره ابن عطية, وأشار إلى مثله الزجاج.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن يعقوب بن المغيرة بن شعبة، عن عليٍّ قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا، فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحو ذلك، فليبتع بها عسلًا ثمّ ليأخذ ماء السّماء فيجتمع هنيئًا مريئًا شفاءً مباركًا. ذكره ابن كثير.
ودخل رجل على علقمة- وهو يأكل شيئا مما وهبته امرأته من مهرها- فقال له: كل من الهنيء المريء. ذكره ابن عطية.
-تفيد الآية جواز استمتاع الرجل بالمهر إن طابت نفس زوجته له به. بإجماع.

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ونفع بكِ.
إضافة على ملحوظات أستاذة عقيلة، ذكرتُ لكِ بعض الملحوظات أعلاه
وأرجو أن تعتني باستخلاص المسائل جيدًا فهي تفتح لكِ بابًا واسعًا في تدبر الآية ومعرفة أسرارها، وحاولي قراءة تفسير ابن عاشور للآية رقم 3 فقد فتح الله عليه فيها وأجاد.
كما أرجو أن تعتني بمسألة العرض وتمييز الأقوال
فهذا التلخيص ليس للمعهد وأهله بقدر ما هو لكِ تنتفعين به في المذاكرة وبناء الأصل العلمي.
التقويم: أ
وفقكِ الله وسددكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, العاشر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir