المقدمة
ذكر بعض صفات القرآن
بيان دوافعه لكتابة التفسير: "فقد كان أكبر أمنيتي منذ أمد بعيد، تفسير الكتاب المجيد"
مجمل الحيثيات الزمانية المتعلقة بإنتاج هذا التفسير
فائدة جليلة: إن الاقتصار على الحديث المعاد، تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد
حال الناس تجاه كلام الأقدمين: أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي كلتا الحالتين ضر كثير.
الموقف الصحيح تجاه كلام السابقين: هنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده.
منهجه العام في التفسير:
- ذكر نكت من العلم وكليات من التشريع وتفاصيل من مكارم الأخلاق لم ير من سبقه إليها، وتمييز ما فتح الله له مما يجلبه من المسائل العلمية
- الحكم على من سبقه من الفسرين.
- عدم العزو لمن أخذ عنه من المفسرين بقصد الاختصار، وتلخيص آرائهم وعرضها بطريقته الخاصة.
- الاهتمام ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال
- الاهتمام ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض
- الاهتمام بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبط كثير منه قواميس اللغة.
- بيان ما أحيط بالسورة من أغراضها: لئلا يكون الناظر في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فقر متفرقة تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع جماله.
- التقديم بمقدمات تكون عونا للباحث في التفسير، وتغنيه عن معاد كثير.
نقده للأعمال السابقة في التفسير:
- والتفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل.
- أن تفسير الرازي والبقاعي لم يأتيا في كثير من الآي بما فيه مقنع في علم التناسب.
الإشارة لمراجعه الأساسية:
ذكر أهم التفاسير في نظره وبدأها بتفسير الكشاف ثم المحرر الوجيز ثم مفاتيح الغيب وتفسير البيضاوي والآلوسي وذكر بعض الحواشي على الكشاف والبيضاوي وتفسير أبي السعود والقرطبي وتقييد الأبي على ابن عرفة وتفسير ابن جرير ودرة التنزيل.
فائدة نفسية: كم من كلام تنشئه تجدك قد سبقك إليه متكلم، وكم من فهم تستظهره وقد تقدمك إليه متفهم، وقديما قيل: هل غادر الشعراء من متردم.
- إن معاني القرآن ومقاصده ذات أفانين كثيرة بعيدة المدى مترامية الأطراف موزعة على آياته، فالأحكام مبينة في آيات الأحكام، والآداب في آياتها، والقصص في مواقعها، وربما اشتملت الآية الواحدة على فنين من ذلك أو أكثر، وقد نحا كثير من المفسرين بعض تلك الأفنان
- أن فن البلاغة لم يخصه أحد من المفسرين بكتاب كما خصوا أفانين القرآن الأخرى ومن أجل ذلك التزم ألا يغفل التنبيه على ما يلوح له منه كلما ألهمه
- أن البحث عن تناسب مواقع السور بعضها إثر بعض لا يدخل في مجال عمل المفسر.
- مدحه لكتابه بقوله: ففيه أحسن ما في التفاسير، وفيه أحسن مما في التفاسير.
- سمى تفسيره: تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد. ثم اختصر هذا الاسم باسم: "التحرير والتنوير من التفسير"
المقدمة الأولى في التفسير والتأويل وكون التفسير علما
الفرق بين التأويل والتفسير
أصل كلمة التفسير:
مصدر فسر بتشديد السين الذي هو مضاعف فسر بالتخفيف (من بابي نصر وضرب) الذي مصدره الفسر، وكلاهما فعل متعد فالتضعيف ليس للتعدية.
معنى الفسر لغة: الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح لمعنى المفسر عند السامع.
الأقوال في معنى المصدرين (الفسر والتفسير) والفعلين (بالتشديد والتخفيف)
- أنهما متساويان في المعنى.
- أن المضاعف يختص بإبانة المعقولات، والحدود المنطقية المفسرة للمواهي والأجناس، واستشهد لذلك بقول أوس بن حجر: الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا، وهذا القول بناء على أن فعل المضاعف إذا لم يكن للتعدية كان المقصود منه الدلالة على التكثير من المصدر.
- ذكر شهاب الدين القرافي في الفرق بين فرق بالتشديد والتخفيف، أن التخفيف للمعاني، والتشديد للأجسام، ثم ذكر بأنه غير مطرد.
معنى التفسير اصطلاحا:
هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع.
معنى التأويل لغة:
عرفه بأنه مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، والغاية من اللفظ هو معناه، أو ما أراده المتكلم به من المعاني.
معنى التأويل اصطلاحا:
يطلق على ما فيه تفصيل معنى خفي معقول، ومن النصوص التي اعتمد عليها لتدعيم قوله، قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}.
أقوال العلماء في الفرق بين التأويل والتفسير:
القول الأول: من العلماء من جعل التأويل والتفسير متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب، وهو ترجيح ابن عاشور لأن اللغة والآثار تشهد له، كما في دعاء النبي لابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل))، وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن أي يعمل بقوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره}.
القول الثاني: منهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه.
القول الثالث: منهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي.
ثم قال: "وهذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها".
موضوع علم التفسير:
- ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه وما يستنبط منه وبهذه الحيثية خالف علم القراءات.
- تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، وحيثيات الموضوعات.
كون التفسير علما:
- أن عد التفسير علما على وجه التسامح
الأقوال في تعريف مفهوم العلم:
- إما أن يراد به نفس الإدراك، نحو قول أهل المنطق، العلم إما تصور وإما تصديق
- وإما أن يراد به الملكة المسماة بالعقل
- وإما أن يراد به التصديق الجازم وهو مقابل الجهل، وهذا غير مراد في عد العلوم.
- وإما أن يراد بالعلم المسائل المعلومات، وهي مطلوبات خبرية يبرهن عليها في ذلك العلم وهي قضايا كلية.
أن مباحث التفسير ليست بقضايا يبرهن عليها فما هي بكلية، بل هي تصورات جزئية غالبا لأنه تفسير ألفاظ أو استنباط معان. فأما تفسير الألفاظ فهو من قبيل التعريف اللفظي وأما الاستنباط فمن دلالة الالتزام وليس ذلك من القضية.
من عدو [عدوا] التفسير علما مستقلا فعلوا ذلك لواحد من وجوه ستة:
الأول: أن مباحثه لكونها تؤدي إلى استنباط علوم كثيرة وقواعد كلية، نزلت منزلة القواعد الكلية لأنها مبدأ لها، ومنشأ، تنزيلا للشيء منزلة ما هو شديد الشبه به.
والثاني: أن العلوم الشرعية لا يشترط فيها أن تكون مسائلها قضايا كلية يبرهن عليها في العلم، بل يكفي أن تكون مباحثها مفيدة كمالا علميا لمزاولها،
والثالث: بما أن التعاريف اللفظية تصديقات على رأي بعض المحققين فهي تؤول إلى قضايا، وتفرع المعاني الجمة عنها نزلها منزلة الكلية.
الرابع: أن علم التفسير لا يخلو من قواعد كلية في أثنائه مثل تقرير قواعد النسخ وتقرير قواعد التأويل وقواعد المحكم.
الخامس: أن حق التفسير أن يشتمل على بيان أصول التشريع وكلياته فكان بذلك حقيقا بأن يسمى علما.
السادس: اشتغال علماء الإسلام به قبل الاشتغال بتدوين بقية العلوم، وهو ترجيح ابن عاشور.
- أن هذا العلم إن أخذ من حيث أنه تفسير وبيان مراد الله من كلامه، فيعد من أصول العلوم الشرعية، وإن أخذ من حيث ما فيه من بيان مكي ومدني وناسخ ومنسوخ وأمثال ذلك، فيعد من متممات العلوم الشرعية.
تاريخ التصنيف في علم التفسير:
- التفسير هو أول العلوم الإسلامية ظهورا، إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر النبي.
- ثم اشتهر فيه بعد من الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير، وزيد بن ثابت وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكثر الخوض فيه، حين دخل في الإسلام من لم يكن عربي السجية، فلزم التصدي لبيان معاني القرآن لهم.
- وشاع عن التابعين وأشهرهم في ذلك مجاهد وابن جبير.
- وهو أيضا أشرف العلوم الإسلامية ورأسها على التحقيق.
- وأول من صنف في التفسير: عبد الملك بن جريج المكي المولود سنة 80 هـ والمتوفي سنة 149 هـ، وأكثر روايته عن أصحاب ابن عباس مثل عطاء ومجاهد
- صنفت تفاسير ونسبت روايتها إلى ابن عباس، لكنها متكلم فيها خاصة تفسير محمد بن السائب الكلبي، وهو عن أبي صالح عن ابن عباس، وهي أوهى الروايات لأن أبي صالح رمي بالكذب، وإذا انضم إليها محمد بن مروان السدي عن الكلبي فهي سلسلة الكذب.
- سلسلة الذهب: هي مالك عن ابن نافع عن ابن عمر.
- وهنالك رواية مقاتل ورواية الضحاك وهي روايات واهية، ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي كلها عن ابن عباس، وأصحها رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه فيما يصدر به من تفسير المفردات على طريقة التعليق.
- وهناك روايات تسند لعلي أكثرها من الموضوعات إلا ما روي بسند صحيح، مثل ما في صحيح البخاري.
- ثم تلاحق العلماء في تفسير القرآن وسلك كل فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه:
فمنهم من سلك مسلك نقل ما يؤثر عن السلف، وأول من صنف في هذا المعنى، مالك ابن أنس، وأشهرهم محمد بن جرير الطبري.
ومنهم من سلك مسلك النظر كأبي إسحاق الزجاج وأبي علي الفارسي.
- ثناؤه على تفسيري الكشاف وابن عطية بقوله: (وكلاهما عضادتا الباب ومرجع من بعدهما من أولي الألباب).
- اعتناء العلماء بالكتابة في كليات القرآن.
المقدمة الثانية في استمداد علم التفسير
المقصود بالاستمداد وشرطه
تعريف استمداد العلم:
يراد به توقفه على معلومات سابق وجودها على وجود ذلك العلم عند مدونيه لتكون عونا لهم على إتقان تدوين ذلك العلم.
معنى المدد لغة: العون والغواث
سمي بالاستمداد في الاصطلاح عن تشبيه احتياج العلم لتلك المعلومات بطلب المدد.
ليس كل ما يذكر في العلم معدودا من مدده، بل مدده ما يتوقف عليه تقومه، فأما ما يورد في العلم من مسائل علوم أخرى، عند الإفاضة في البيان، فلا يعد مددا للعلم، مثل كثير من إفاضات فخر الدين الرازي في تفسيره.
العلوم التي يستمد منها علم التفسير
استمداد علم التفسير عند المفسر العربي والمولد من المجموع الملتئم من العلوم الآتية: علم العربية، وعلم الآثار، ومن أخبار العرب وأصول الفقه، وقيل: علم الكلام، وعلم القراءات.
أولا: علم العربية:
المراد منها معرفة مقاصد العرب من كلامهم وأدب لغتهم سواء حصلت تلك المعرفة بالسجية والسليقة أو بالتلقي والتعلم
أن القرآن الكريم كلام عربي فكانت بذلك قواعد العربية طريقا لفهم معانيه، وبدون ذلك يقع الغلط لمن ليس بعربي بالسليقة.
يعني بقواعد اللغة العربية مجموع علوم اللسان العربي، وهي: متن اللغة والتصريف والنحو والمعاني والبيان، ومن وراء ذلك استعمال العرب المتبع من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وتراكيب بلغائهم.
البيان والمعاني:
يعتبر لعلمي البيان والمعاني مزيد اختصاص بعلم التفسير لأنهما وسيلة لإظهار خصائص البلاغة القرآنية، وما تشتمل عليه الآيات من تفاصيل المعاني وإظهار وجه الإعجاز ولذلك كان هذان العلمان يسميان في القديم (علم دلائل الإعجاز).
الاستشهاد بأقوال العلماء على أهمية علمي المعاني والبيان:
نص الزمخشري في ديباجة كشافه على أهمية هذين العلمين بقوله «علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإحالة النظر فيه كل ذي علم، فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن برز على أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القِرِّيَّة أحفظ، والواعظ وإن كان من حسن البصري أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه؛ لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما علما البيان والمعاني».
وقال عند قوله {وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} «وكم من آية من آيات التنزيل وحديث من حديث الرسول، قد ضيم وسيم الخسف، بالتأويلات الغثة، والوجوه الرثة، لأن من تأولها ليس من هذا العلم في عير ولا نفير، ولا يعرف قبيلاً من دبير».
وقال السكاكي في مفتاحه: «إن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين كل الافتقار، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيها راجل».
ثم قال: «لا أعلم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ على المرء لمراد الله من كلامه، من علمي البيان والمعاني، ولا أعون على تأويل تعاطي تأويل متشابهاته، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره، ولا أكشف للقناع عن وجه إعجازه، ولكم آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها واستلبت ماؤها ورونقها إن وقعت إلى من ليسوا من أهل هذا العلم، فأخذوا بها في مآخذ مردودة، وحملوها على محامل غير مقصودة».
وقال ابن رشد: لا يصح شيء من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب.
استعمال العرب:
وأما استعمال العرب، فهو التملي من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وأمثالهم وعوائدهم ومحادثاتهم، ليحصل بذلك لممارسة المولد ذوق يقوم عنده مقام السليقة والسجية عند العربي القح.
- والذوق كيفية للنفس بها تدرك الخواص والمزايا التي للكلام البليغ.
- شرح قول شيخه الجد الوزير "المقطوع ببلوغه غاية البلاغة": إشارة إلى وجوب اختيار الممارس لما يطالعه من كلامهم وهو الكلام المشهود له بالبلاغة بين أهل هذا الشأن، نحو المعلقات والحماسة ونحو نهج البلاغة ومقامات الحريري ورسائل بديع الزمان.
- لإيجاد الذوق أو تكميله لم يكن غنى للمفسر في بعض المواضع من الاستشهاد على المراد في الآية، ببيت من الشعر، أو بشيء من كلام العرب لتكميل ما عنده من الذوق، عند خفاء المعنى، ولإقناع السامع والمتعلم اللذين لم يكمل لهما الذوق في المشكلات.
ويدخل في مادة الاستعمال العربي ما يؤثر عن بعض السلف في فهم معاني بعض الآيات على قوانين استعمالهم، ومثال ذلك: بيان عائشة لما وهمه عروة بن الزبير من إباحة السعي بين الصفا والمروة انطلاقاً من قوله تعالى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فقالت عائشة: كلا، لو كما تقول لكانت «فلا جناح عليه أن يطوف بهما»؛ إنما نزلت هذه الآية في الأنصار، نلاحظ أنها بينت:
أولا: استعمال العرب.
ثانيا: مثار الشبهة الذي ظاهره رفع الشبهة.
علم البلاغة:
فوائد علم البلاغة:
- به يحصل انكشاف بعض المعاني
- واطمئنان النفس لها
- وبه يترجح أحد الاحتمالين على الآخر معاني القرآن
أمثلة وظيفية للبلاغة في فهم المراد القرآني:
- ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر: كما في قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ}. هل العطف في الآية للبيان أو عطف خاص على عام؟ وهذا الإشكال يرفع بالرجوع إلى استعمال العرب، كقول زهير: وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آلُ حصن أم نساء.
- تحديد معنى الباء في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، فالباء يحتمل أن تكون: للتبعيض أو للآلة أو للتأكيد، والمترجح أنها للتأكيد، لأن دخول الباء على المفعول يفيد التأكيد في استعمال العرب، وهي طريقة مسلوكة عندهم كما قال النابغة: لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً وأصبح جد الناس يظلع عاثراً، وقول الأعشى: فكلنا مغرم يهوى بصاحبه قاص ودان ومحبول ومحتبل
- توقف عمر في كلمة قرآنية مع شيخ هذيل الذي حسم الأمر: قال عمر وهو على المنبر ما تقولون في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ}، فقال شيخ من هذيل هي لغتنا: التخوف: التنقص. فقال له عمر هل تعرف العرب ذلك في كلامها؟ قال نعم، وأنشد قول الشاعر: تخف الرحلُ منها تامكا قَرِدا كما تخوف عودُ النبعة السفَنُ، فقال عمر: عليكم بديوانكم لا تضلوا، هو شعر العرب فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
- ومن ذلك ما ذكره القرطبي حين سئل ابن عباس عن «السنة» في آية الكرسي فقال: النعاس، وأنشد قول زهير: لا سنة في طوال الليل تأخذه ولا ينام ولا في أمره فَنَدُ
- ومثله ما فعله عكرمة حين سئل عن معنى الزنيم، فقال: ولد الزنى وأنشد: زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
- وقد كره هذا الإمام أحمد فقال: «ما يعجبني»، لكن هذه الكراهة مبررة إذا كان الغرض من الشعر إثبات صحة ألفاظ القرآن كما وقع لابن الراوندي مع ابن الأعرابي حين سأله: أتقول العرب لباس التقوى؟ فقال ابن الأعرابي: لا بأس لا بأس إذا نجى الله الناس فلا أنجى ذلك الرأس، هبك يا ابن الراوندي تنكر نبوة محمد، أفتنكر أن يكون فصيحاً عربياً؟
وعن ابن عباس: الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن، الذي أنزله الله بلغتهم رجعنا إلى ديوانهم فالتمسنا معرفة ذلك منه.
ثانيا: علم الآثار
وأما الآثار فالمعني بها:
1- هو ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، من بيان المراد من بعض آيات القرآن في مواضع الإشكال والاجمال، كما قال ابن عطية: عن عائشة ما كان رسول الله يفسر من القرآن إلا آيات معدودات علمه إياهن جبريل.
مثاله: ما وقع لعدي بن حاتم في معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود.
2- وتشمل ما نقل من الآثار عن الصحابة الذين شاهدوا نزول الوحي من بيان سبب النزول، وناسخ ومنسوخ، وتفسير مبهم، وتوضيح واقعة من كل ما طريقهم فيه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون الرأي.
مثاله: تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى، وكذلك تفسير «ذرني ومن خلقت وحيدا» بالوليد بن المغيرة، وكون المراد من قوله تعالى: أفرأيت الذي كفر بآياتنا: بالعاصي بن وائل السهمي، وبيان المرأتين اللتين تظاهرتا على الرسول: حفصة وعائشة، قال ابن عباس: مكثت سنين أريد أن أسال عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على الرسول ما يمنعني إلا مهابته، ثم سألته فقال: حفصة وعائشة.
- معنى كون أسباب النزول من مادة التفسير، أنها تعين على تفسير المراد، وليس المراد أن لفظ الآية يقصر عليها؛ لأن سبب النزول لا يخصص.
- من فائدة معرفة أسباب النزول: دفع التوهم والتأويل غير المقصود، ومثاله ما في قصة عمر مع قدامة حين شرب الخمر وأراد عمر أن يقيم عليه الحد، فتأول قوله تعالى: «ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا»، فرد عليه ابن عباس تأويله هذا قائلا: إن هذه الآيات أنزلت عذرا للماضين وحجة على الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر، وحجة الباقين لأن الله يقول: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان»، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر. قال عمر: صدقت.
3- وتشمل الآثار إجماع الأمة على تفسير معنى، إذ لا يكون إلا على مستند، مثل إجماعهم على أن المراد من الأخت في آية الكلالة الأولى هي الأخت للأم وان المراد بالصلاة في سورة الجمعة هي صلاة الجمعة، وكذلك المعلومات بالضرورة.
ثالثا: القراءات:
يرى ابن عاشور أنه لا يحتاج إليها إلا في حين الاستدلال بالقراءة على تفسير غيرها، فيكون في مقام الترجيح لأحد المعاني القائمة من الآية أو لاستظهار على المعنى، فذكر القراءة كذكر الشاهد من كلام العرب.
- لأنها ان كانت مشهورة فلا جرم أنها تكون حجة لغوية.
- وإن كانت شاذة فحجتها لا من حيث الرواية، لأنها لا تكون صحيحة الرواية ولكن من حيث إن قارئها ما قرأ بها إلا استنادا لاستعمال عربي صحيح، إذ لا يكون القارئ معتدا به إلا إذا عرفت سلامة عربيته.
رابعا: أخبار العرب:
- أما أخبار العرب فهي من جملة أدبهم، وهي ليست من اللغو كما يتوهم البعض فهي يستعان بها على فهم ما أوجزه القرآن في سوقها.
- أن القرآن إنما يذكر القصص والأخبار للموعظة والاعتبار، لا لأن يتحادث بها الناس في الأسمار.
- فبمعرفة الاخبار يعرف ما أشارت له الآيات من دقائق المعاني نحو قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ} وقوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} يتوقف على معرفة أخبارهم عند العرب.
خامسا: أصول الفقه:
وأما أصول الفقه فلم يكونوا يعدونه من مادة التفسير، ولكنهم يذكرون أحكام الأوامر والنواهي والعموم وهي من أصول الفقه، فتحصل أن بعضه يكون مادة للتفسير، وقد رجح فيه ما ذهب إليه الغزالي في كونه مادة للتفسير لجهتين:
الجهة الأولى: لأن فيه مسائل كثيرة من استعمالات العرب وأهملها أهل اللغة، مثل مفهوم المخالفة وفحوى الخطاب.
الجهة الثانية: لكونه يضبط قواعد الاستنباط التي تساعد المفسر على استنباط المعاني الشرعية من آياتها
موقع علمي الفقه والكلام من علوم الاستمداد:
سادسا: الفقه وعلم الكلام:
لم يعدهما ابن عاشور من العلوم الخادمة للتفسير، خلافا لعبد الحكيم والألوسي في عد علم الكلام من جملة ما يتوقف عليه علم التفسير، والسيوطي في عد علم الفقه كذلك، منتقدا إياهم بما يلي:
- إن علم الكلام لا يحتاج فيه لإثبات كلام الله، لأن كلام الله ثابت عند السلف قبله.
- أنه لا أثر لعلم الكلام في التفسير.
- وأن التفسير لا يتوقف على مسائلهما.
- إن علم الكلام وعلم الفقه متأخران عن علم التفسير.
- إن علم الفقه فرع عن علم التفسير.
- لا يحتاج لهما إلا المفسر المتبحر، والمفسر المتوسع يحتاج لكل العلوم على مذهب البيضاوي القائل: "لا يليق لتعاطيه، والتصدي للتكلم فيه، إلا من برع في العلوم الدينية كلها أصولها وفروعها وفي الصناعات العربية والفنون الأدبية بأنواعها".
لا يعد من استمداد علم التفسير:
- الآثار المروية عن النبي في تفسير آيات
- ولا ما يروى عن الصحابة في ذلك
- وما في بعض آي القرآن من معنى يفسر بعضه بعضا، لأن ذلك من قبيل حمل بعض الكلام على بعض، كتخصيص العموم وتقييد المطلق وبيان المجمل وتأويل الظاهر ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب ولحن الخطاب، ومفهوم المخالفة.
لأن ذلك من التفسير لا من مدده
رده على نقل ابن هشام لكلام أبي علي الفارسي أن القرآن كله كالسورة الواحدة: أن ذلك لا يحسن إطلاقه، لأنه قد يحمل بعض آياته على بعض، وقد يستقل بعضها عن بعض، إذ ليس يتعين أن يكون المعنى المقصود في بعض الآيات مقصودا في جميع نظائرها، بله ما يقارب غرضها.
أن استمداد علم التفسير من هذه المواد لا ينافي كونه رأس العلوم الإسلامية، لأن معنى ذلك أنه أصل لعلوم الاسلام على وجه الاجمال، فأما استمداده من بعض العلوم الاسلامية، فذلك استمداد لقصد تفصيل التفسير على وجه أتم من الاجمال.
المقدمة الثالثة في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي ونحوه
تعريف التفسير بالمأثور: هو ما أثر عن النبي أو الصحابة.
[التفسير بالمأثور أعم من ذلك، ولم يقصد ابن عاشور وضع حد للتفسير المأثور في كلامه]
إباحة التفسير بالرأي واستنطاق النص:
- رفع اللبس الحاصل ظاهرا في بعض الآثار المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم في القول في القرآن بغير علم، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (من قال في القران برأيه فليتبوا مقعده من النار).
- إثبات أن تفسير القرآن بما أثر عن النبي أو الصحابة وبعض التابعين لم يكن
تفسير لكل الكتاب، وأن ما ورد من مدلولات الألفاظ والمفردات العربية في القرآن لا يعدوا أن يكون بضع الكلمات والمصطلحات وأن باقي القرآن هو من آراء المجتهدين من علماء الأمة
- وهل اتسعت التفاسير وتفننت مستنبطات القرآن إلا بما رزقه الذين أوتوا العلم من فهم كتاب الله، وهل يتحقق قول علمائنا «إن القرآن لا تنقضي عجائبه»، إلا بازدياد المعاني باتساع التفسير؟
- لو استندنا فقط على المأثور لانحصر التفسير في ورقات قليلة.
- الأمر الذي لا ريب فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يلتحق بالرفيق الأعلى، إلا وفسر من القرآن ما يحتاج إليه المسلمون من أمور الحلال والحرام أما غير ذلك من الأسرار القرآنية كالآيات الكونية والقواعد الاجتماعية وحكمة التشريعات القرآنية وإعجاز القرآن، فقد وكل أمرها إلى تطور حركة العقل الإنساني. أي أن تفسير القرآن الكريم في عصر ما يتأثر تأثرا كبيرا بالمستوى العقلي والحضاري الذي وصل إليه المسلمون.
- طبيعي أن يكون الاجتهاد في استخراج هذه الاسرار أمرا مشروعا بل ومطلوبا. فمن العار أن يقرا واحد منا تفسيرا ويعتقد أن لا معنى لكلمات القران إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس ومجاهد، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي فهذا من الحجب العظيمة.
- اعتماده الرأي في التفسير، أي الرأي الذي يستند إلى النظر في أدلة العربية، ومقاصد الشريعة وتصاريفها وتدبر القرآن الكريم ومعانيه والابتعاد عن الميل إلى نزعة أو مذهب أو نحلة
الأدلة والاستشهاد من أقوال السلف التي تؤيد صحة التفسير بغير المأثور:
- قال الغزالي والقرطبي: لا يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير مسموعا من النبي لوجهين:
أحدهما: أن النبي لم يثبت عنه من التفسير إلا تفسير آيات قليلة كما تقدم عن عائشة
[وهذا الأثر غير صحيح]
الثاني: أنهم اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة لا يمكن الجمع بينها. وسماع جميعها من رسول الله محال
- دعاء النبي لابن عباس (اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل) واتفاق العلماء على أن المراد بالتأويل تأويل القرآن.
- ذكر فقهاؤنا في آداب قراءة القرآن أن التفهم مع قلة القراءة أفضل من كثرة القراءة بلا تفهم.
- وهل أن استنباط الأحكام التشريعية من القرآن في خلال القرون الثلاثة الأولى من قرون الإسلام إلا من قبيل التفسير لآيات القرآن بما لم يسبق تفسيرها به قبل ذلك.
- قال شرف الدين الطيبي: شرط التفسير الصحيح أن يكون مطابقا للفظ من حيث الاستعمال، سليما من التكلف عريا من التعسف.
الجواب عن الشبه التي نشأت من الآثار المروية في التحذير من تفسير القرآن بالرأي راجع إلى أحد خمسة وجوه:
أولها: أن المراد بالرأي هنا هو مجرد القول عن هوى وخاطر، دونما مستند إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة وتصريفها ومعرفة أسباب النزول.
- التعليق على ما ورد عن أبي بكر في القول في القرآن برأيه: أنه من الورع خشية الوقوع في الخطأ في كل ما لم يقم له فيه دليل أو في مواضع لم تدع الحاجة إلى التفسير فيها، وكذلك فيما ذهب إليه الشعبي وابن المسيب من إحجامهما عن ذلك أنه مبالغة في الورع ودفعا للاحتمال الضعيف.
- أن الاجتهاد في السياق التفسيري من باب بذل الوسع مع ظن الإصابة.
ثانيها: انعدام التدبر في كتب الله تعالى حق التدبر، فيفسر المرء دونما إحاطة تامة بمجموع حيثيات وجوانب الآية ومواد تفسيرها.
ثالثها: مسألة التمذهب، وهذه من أكثر الأمور التي تحيد بالمفسر عن جادة الصواب، فيخرج على الناس بالأعاجيب والاباطيل، كما هو الحال مع بعض المتصوفة والباطنية، والذين يخبطون في هذا خبط عشواء.
رابعها: أن يفسر القران برأي مستند إلى ما يقتضيه اللفظ ثم يزعم أن ذلك هو المراد دون غيره في لما ذلك من التضييق على المتأولين.
خامسها: أن يكون القصد من التحذير من التفسير بالرأي أخذ الحيطة والحذر، لأن الأمر جلل والخطب عظيم، فالتسرع في التفسير أمر مذموم في هذا المقام لأن الكلام المفسر هو كلام الله عز وجل.
- والحق أن الله ما كلفنا في غير أصول الاعتقاد بأكثر من حصول الظن المستند إلى الأدلة والأدلة متنوعة على حسب أنواع المستند فيه.
الموقف من الجمود على المأثور:
رد ابن عاشور على من قالوا بأن لا يعدوا التفسير أن يكون إلا بما هو مأثور، وأرجع ذلك إلى المراد بالمأثور عمن يؤثر إلى ما يلي:
- إن كان المأثور ما روي عن النبي من تفسير بعض الآيات – إن كان مرويا بسند مقبول
ممن صحيح أو حسن – فقد ضيقوا سعة معاني القرآن وينابيع ما يستنبط من علومه، وأن الصحابة لم يقصروا أنفسهم على أن يرووا ما بلغهم من تفسير عن النبي.
- وإن كان المأثور ما روي عن النبي والصحابة خاصة -كما يظهر من صنيع السيوطي في الدر المنثور- لم يتسع ذلك المضيق إلا قليلا، ولم يغن عن أهل التفسير فتيلا، لأن أكثر الصحابة لا يؤثر عنهم في التفسير إلا شيء قليل سوى ما يروى عن علي على ما فيه من صحيح وضعيف وموضوع، وأما ابن عباس فقد كان أكثر ما يروى قولا برأيه عن تفاوت بين رواته.
- وإن كان المأثور ما كان مرويا قبل تدوين التفاسير الأول مثل ما روي عن أصحاب ابن عباس وأصحاب ابن مسعود، فقد أخذ أصحاب هذا الرأي يفتحون الباب من شقه، ويقربون ما بعد من الشقة، إذ لا محيص لهم من الاعتراف بأن التابعين قالوا أقوالا في معاني القرآن، ولم يسندوها ولا ادعوا أنها محذوفة الأسانيد وقد اختلفت أقوالهم في معاني آيات كثيرة اختلافا ينبئ إنباء واضحا أنهم تأولوا تلك الآيات منن أفهامهم كما يعلمه من علم أقوالهم، وهي ثابتة في تفسير الطبري ونظرائه، وقد التزم الطبري في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن الصحابة والتابعين، لكنه لا يلبث في كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره منها وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلام العرب، وشاكل الطبري في تفسيره معاصروه.
ذكر نماذج من أصحاب التفسير بالرأي ومدحها: كالفراء وأبي عبيدة والزجاج والرماني ثم الذين سلكوا طريقتهم مثل الزمخشري وابن عطية.
التفسير الباطني يدخل في التفسير بالرأي المذموم:
- التنبيه إلى حال طائفة التزمت تفسير القرآن بما يوافق هواها، وصرفوا ألفاظ القرآن عن ظواهرها بما سموه الباطن، وزعموا أن القرآن إنما نزل متضمنا لكنايات ورموز عن أغراض.
- أصل هؤلاء طائفة من غلاة الشيعة عرفوا عند أهل العلم بالباطنية فلقبوهم بالوصف الذي عرفوهم به، وهم يعرفون عند المؤرخين بالإسماعيلية لأنهم ينسبون مذهبهم إلى جعفر بن إسماعيل الصادق.
- هؤلاء بنوا أساس مذهبهم على قواعد الحكمة الإشراقية ومذهب التناسخ والحلولية.
- نقل الغزالي عن الباطنية قولهم: (إنما ينتقل إلى البدل مع عدم الأصل، والنظر بدل من الخبر فإن كلام الله هو الأصل فهو خلق الإنسان وعلمه البيان).
التأويل الإشاري والتفريق بينه وبين التأويل الباطني:
أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن من معان لا تجري على ألفاظ القرآن ولكن بتأويل ونحوه فينبغي أن تعلموا أنهم ما كانوا يدعون أن كلامهم في ذلك تفسير للقرآن، بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض المتكلم فيه، وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني، فبذلك فارق قولهم قول الباطنية.
آراء العلماء في التفسير الإشاري:
1- الغزالي: فرق بين تغيير الظاهر وبين التنبيه على البواطن من ذكر الظواهر.
ومثل هذا قريب من تفسير لفظ عام في آية بخاص من جزئياته.
2- قال ابن العربي: وقد كان أبو حامد بدرا في ظلمة الليالي، وعقدا في لبة المعالي، حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج عن الحقيقة، وحاد في أكثر أقواله عن الطريقة.
3- عند ابن عاشور أن هذه الإشارات لا تعدو واحدا من ثلاثة أنحاء:
الأول: ما كان يجري فيه معنى الآية مجرى التمثيل لحال شبيه بذلك المعنى.
الثاني: ما كان من نحو التفاؤل فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها إلى السمع هو غير معناها المراد وذلك من باب انصراف ذهن السامع إلى ما هو المهم عنده، والذي يجول في خاطره، واستحسن ابن عاشور ما قيل في قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع} من أن الآية تشير إلى أن من ذل (ذي) إشارة للنفس يصير من المقربين الشفعاء، وقد رفض كثير من العلماء هذا المثال السابق لشذوذه.
الثالث: عبر ومواعظ وشأن أهل النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها.
- نسبة الإشارة إلى لفظ القرآن مجازية لأنها إنما تشير لمن استعدت عقولهم وتدبرهم في حال من الأحوال الثلاثة ولا ينتفع بها غير أولئك. فليست تلك الإشارة هي حق الدلالة اللفظية والاستعمالية حتى تكون من لوازم اللفظ وتوابعه كما قد تبين.
- كل إشارة خرجت عن حد هذه الثلاثة الأحوال إلى ما عداها فهي تقترب إلى قول الباطنية رويدا رويدا إلى أن تبلغ عين مقالاتهم.
- وليس من الإشارة ما يعرف في الأصول بدلالة الإشارة، وفحوى الخطاب، وفهم الاستغراق من لام التعريف في المقام الخطابي، ودلالة التضمن والالتزام، ولا ما هو من تنزيل الحال منزلة المقال، لأن جميع هذا مما قامت فيه الدلالة العرفية مقام الوضعية واتحدت في إدراكه أفهام أهل العربية فكان من المدلولات التبعية.
- قال في الكشاف: وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبرا لها واعتبارا بموردها. يعني أنها في شأن الكافرين من دلالة العبارة وفي شأن المؤمنين من دلالة الإشارة.
ضوابط الإقدام على التفسير:
- إن واجب النصح في الدين والتنبيه إلى ما يغفل عنه المسلمون مما يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم قضي علي أن أنبه إلى خطر أمر تفسير الكتاب والقول فيه دون مستند من نقل صحيح عن المفسرين أو إبداء تفسير أو دون أن يكون صاحب التفسير ضليعا في العلوم التي يحتاجها.
- قد رأينا تهافت كثير من الناس على الخوض في تفسير آيات من القرآن فمنهم من يتصدى لبيان معنى الآيات على طريقة كتب التفسير ومنهم من يضع الآية ثم يركض في أساليب المقالات تاركا معنى الآية جانبا، جالبا من معاني الدعوة والموعظة ما كان جالبا، وقد دلت شواهد الحال على ضعف كفاية البعض لهذا العمل العلمي الجليل فيجب على العاقل أن يعرف قدره، وألا يتعدى طوره، وأن يرد الأشياء إلى أربابها، كي لا يختلط الخاثر بالزباد، ولا يكون في حالك سواد.
- وإن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة، وإفحاش لأهل هذه الغلطة، فمن يركب متن عمياء، ويخبط خبط عشواء، فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجاجه، تحذيرا للمطالع، وتنزيلا في البرج والطالع.
المقدمة الرابعة فيما يحق أن يكون غرض المفسر
- إن القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة رحمة لهم لتبليغهم مراد الله منهم، قال الله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}
مقصد القران الأعلى يتجلى فيما يلي:
- صلاح الأحوال الفردية بتهذيب النفس وتزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، والباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر.
- وصلاح الأحوال الجماعية ويحصل أولا من الصلاح الفردي إذ الأفراد أجزاء المجتمع، وهو علم المعاملات، ويعبر عنه عند الحكماء بالسياسة المدنية.
- والصلاح العمراني أي حفظ نظام العالم الاسلامي، وضبط تصرف الجماعات والأقاليم بعضهم مع بعض على وجه يحفظ مصالح الجميع، ورعي المصالح الكلية الإسلامية، وحفظ المصلحة الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها، ويسمى هذا بعلم العمران وعلم الاجتماع.
أن مراد الله من كتابه: هو بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين، وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطابا بينا وتعبدنا بمعرفة مراده والاطلاع عليه، فقال: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} سواء قلنا إنه يمكن الاطلاع على تمام مراد الله تعالى وهو قول علمائنا والمشائخي والسكاكي وهما من المعتزلة، أم قال قائل بقول بقية المعتزلة إن الاطلاع على تمام مراد الله تعالى غير ممكن وهو خلاف لا طائل تحته إذ القصد هو الإمكان الوقوعي لا العقلي، فلا مانع من التكليف باستقصاء البحث عنه بحسب الطاقة ومبلغ العلم مع تعذر الاطلاع على تمامه.
اختيار الله أن يكون اللسان العربي مظهرا لوحيه ومستودعا لمراده، وأن يكون العرب هم المتلقين أولا لشرعه وإبلاغ مراده لحكمة علمها
المقاصد الأصلية التي جاء القرآن لتبيانها ثمانية:
الأول: إصلاح الاعتقاد وتعليم الاعتقاد الصحيح.
الثاني: تهذيب الأخلاق، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
الثالث: التشريع، وهو الأحكام خاصة وعامة، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}
الرابع: سياسة الأمة، والقصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}
الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}
السادس: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين، وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها، وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول وصحة الاستدلال في أفانين مجادلاته للضالين، قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين.
الثامن: الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول.
غرض المفسر:
هو بيان ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم أو يخدم المقصد تفصيلا وتفريعا، مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء، أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل.
طرائق المفسرين في التعاطي مع كتاب الله ثلاث:
الطريقة الأولى: الاقتصار على الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب مع بيانه وإيضاحه -وهذا هو الأصل-.
الطريقة الثانية: استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو المقام، وهي من خصائص اللغة العربية، وقد فرع فيها العلماء وفصلوا في الأحكام والأخلاق والآداب لما فيها من مزيد تقرير عظمة القدرة الإلهية.
الطريقة الثالثة: جلب المسائل العلمية وبسطها: للمناسبة بينها وبين المعنى، أو لأن زيادة فهم المعنى متوقفة عليها، أو للتوفيق بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم، أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه لا على أنها مما هو مراد الله من تلك الآية بل لقصد التوسع.
- شرط كون ذلك مقبولا أن يسلك فيه مسلك الإيجاز فلا يجلب إلا الخلاصة من ذلك العلم ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له لئلا يكون كقولهم: الشيء بالشيء يذكر.
أمثلة على الطريقة الثالثة:
- كما يفسر أحد قوله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} فيذكر تقسيم علوم الحكمة ومنافعها مدخلا ذلك تحت قوله: {خيرا كثيرا}
- وكذلك أن نأخذ من قوله تعالى: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} تفاصيل من علم الاقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة على أن ذلك تومئ إليه الآية إيماء.
آراء العلماء في سلوك الطريقة الثالثة وخاصة في الاستفادة من العلوم الكونية والطبيعية:
1- منهم من استحسنها كابن رشد الحفيد وقطب الدين الشيرازي والرازي والغزالي.
تعقيب ابن عاشور على هذا القول:
- ولا شك أن الكلام الصادر عن علام الغيوب تعالى وتقدس لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة ولكن معانيه تطابق الحقائق
- وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم وكانت الآية لها اعتلاق بذلك فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه.
2- ومنهم من رفضها كابن العربي باعتبار أن مباحث الفلسفة والمسائل الكلامية اختلطت بالعديد من الضلالات الاعتقادية.
3- ويرى الشاطبي أنه لا يمكن التوفيق بين القرآن وما يسمى علوما حكمية، حيث قال: "ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها وهم العرب تبنى عليها قواعد منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف".
رد ابن عاشور على اعتبار الشاطبي أن الشريعة أمية في ستة وجوه:
1- ما بناه عليه يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال وهذا باطل.
2- مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة، وهو معجزة باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
3- أن القرآن كما قال السلف لا تنقضي عجائبه يعنون معانيه.
4- من تمام إعجاز القرآن أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
5- أن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا ينقضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوما لديهم.
6- عدم تكلم السلف عليها إن كان فيما ليس راجعا إلى مقاصده فنحن نساعده عليه، وإن كان فيما يرجع إليها فلا نسلم وقوفهم فيها عند ظواهر الآيات بل قد بينوا وفرعوا في علوم عنوا بها، ولا يمنعنا ذلك أن نقتفي على آثارهم في علوم أخرى راجعة لخدمة المقاصد القرآنية أو لبيان سعة العلوم الإسلامية.
تحديد علاقة العلوم بالقرآن على أربع مراتب حسب رأي ابن عاشور:
الأولى: علوم تضمنها القرآن، كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد والأصول والعربية والبلاغة.
الثانية: علوم تزيد المفسر علما كالحكمة والهيئة وخواص المخلوقات.
الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق.
الرابعة: علوم لا علاقة لها بعلوم القرآن، إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا، وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.
المقدمة الخامسة في أسباب النزول
تعريف أسباب النزول: "حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك."
انتقاد المكثرين من البحث عن أسباب النزول:
- يرى ابن عاشور أن أسباب نزول القرآن كان دائرا بين القصد والإسراف، فدعاه ذلك إلى تمحيصه أثناء التفسير، وبرغم عذره للمتقدمين الذين ألفوا في أسباب النزول واستكثروا منه، إلا أنه لا يرى عذرا لأساطين المفسرين الذين تلقفوا الروايات الضعيفة فأثبتوها في كتبهم ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفا، حتى أوهموا كثيرا من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث تدعوا إليها.
- قول الواحدي: "أما اليوم فكل أحد يخترع للآية سببا ويختلق إفكا وكذبا، ملقيا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد."
- لكن أسبابا كثيرة رام رواتها تعيين مراد من تخصيص عام أو تقييد مطلق أو إلجاء إلى محمل، فتلك هي التي قد تقف عرضة أمام معاني التفسير قبل التنبيه على ضعفها أو تأويلها.
إجمال أهمية أسباب النزول في أربعة:
1- ما ليس المفسر بغنى عن علمه لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز
2- ومنها ما يكون وحده تفسيرا
3- ما يدل المفسر على طلب الأدلة التي بها تأويل الآية
4- ما ينسب المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغته بتتبع مقتضى المقامات فإن من أسباب النزول ما يعين على تصوير مقام الكلام.
أقسام أسباب النزول التي صحت أسانيدها خمسة، هي:
الأول: أن يكون سبب النزول هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد من الآية على علمه، فلا بد من البحث عنه للمفسر، كتفسير مبهمات القرآن، مثل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ التِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ} وغيرها.
والثاني: أن يكون عبارة عن حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها، مثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي: يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى: {وَلاَ تَتَمَـنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية.
والثالث: أن يكون سبب النزول عبارة عن حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد، فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها، كما في كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قوله تعالى: {إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} أن عبد الله بن مسعود قال: "قال رسول الله من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" فأنزل الله تصديق ذلك: {إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}.
والرابع: أن يكون عبارة عن حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة، كما في صحيح البخاري في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} بألف بعد لام وقال كان رجل في غنيمة له (تصغير غنم) فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه (أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام) وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ} الآية، فالآية ليست نازلة في القصة بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا} وبعدها {فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ}.
والخامس: قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الكَافِرُونَ} إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن "من" موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد. ومن هذا القسم ما لا يبين مجملا ولا يؤول متشابها ولكنه يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية، يبينها ما في الصحيح، عن عائشة أن عروة ابن الزبير سألها عنها فقالت:" هذه اليتيمة تكون في حجر ولييها تَشْرَكه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق. فأمروا أن ينكحوا ما طاب من النساء سواهن ".
من فوائد أسباب النزول:
- أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا انه أساطير الأولين.
قواعد مهمة:
- أن القران جاء هاديا إلى ما به صلاح الامة فلا يتوقف على حدوث الحوادث الداعية إلى تشريع الاحكام
- القاعدة الأصولية: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
- قد اتفق العلماء – أو كادوا – على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع ألا يكون خاصا.
- قال السيوطي في الإتقان عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها.
- أن القرآن قد جاء بكليات تشريعية وتهذيبية، والحكمة في ذلك أن يكون وعي الأمة لدينها سهلا عليها، ولذلك قال تعالى: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد، لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله.
المقدمة السادسة في القراءات
سبب كتابته لهذه المقدمة:
يرى ابن عاشور أن علم القراءات علم جليل مستقل قد خص بالتدوين والتأليف، ولولا أن المفسرين أولوه العناية بذكر اختلاف القراءات لكان اختار ألا يخوض في هذا الباب، ولكن من باب الاضطرار – كما يقول- أن يكتب في هذا الغرض، متخذا ذلك حجة -لقراء تفسيره - في إعراضه عن ذكر بعض القراءات في كتابه.
مدى تعلق علم القراءات بالتفسير:
للقراءات حالتين:
الحالة الأولى: ما ليس للتفسير تعلق بها لعدم تأثيره في اختلاف معاني الآي، وتتمثل في اختلاف القراء في وجوه النطق بالحروف والحركات، كمقادير المد والإمالات والتخفيف والتسهيل والتحقيق والجهر والهمس والغنة.
- ومزية القراءات من هذه الجهة: عائدة إلى أنها حفظت على أبناء العربية ما لم يحفظه غيرها وهو تحديد كيفيات نطق العرب بالحروف في مخارجها وصفاتها وبيان اختلاف العرب في لهجات النطق بتلقي ذلك عن قراء القرآن من الصحابة بالأسانيد الصحيحة، وفيها أيضا سعة من بيان وجوه الإعراب في العربية، فهي لذلك مادة كبرى لعلوم اللغة العربية.
أما
الحالة الثانية: اختلاف القراء في حروف الكلمات وكذا الحركات الذي يختلف معه معنى الفعل، وهذه الحالة أشد ارتباطا بالتفسير، لأن ثبوت أحد اللفظين في قراءة، قد يبين المراد من نظيره في القراءة الأخرى، فضلا على أن اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن يكثر المعاني في الآية الواحدة، ففي اختلاف القراءات توفير للمعاني غالبا.
- وهذا الاختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتناقض، ولم يكن حمل أحد القراءتين على الأخرى متعينا ولا مرجحا، ويقول أيضا: فيقوم تعدد القراءات مقام تعدد كلمات القرآن.
شروط القراءة الصحيحة:
1-
صحة السند، وهو الشرط الأساسي الذي لا محيد عنه لاعتماد القراءة الصحيحة.
- قال أبو بكر ابن العربي: ومعنى ذلك عندي أن تواترها تبع لتواتر المصحف الذي وافقته وما دون ذلك فهو شاذ، يعني وأن تواتر المصحف ناشئ عن تواتر الألفاظ التي كتبت فيه.
2-
موافقة وجه في العربية:
- لأن أئمة العربية لما قرأوا القرآن قرأوه بلهجات العرب الذين كانوا بين ظهرانيهم في الأمصار التي وزعت عليها المصاحف: المدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة، والشام، قيل واليمن والبحرين، وكان في هذه الأمصار قراؤها من الصحابة قبل ورود مصحف عثمان إليهم فقرأ كل فريق بعربية قومه في وجوه الأداء، لا في زيادة الحروف ونقصها، ولا في اختلاف الإعراب دون مخالفته مصحف عثمان.
3-
موافقة أحد المصاحف العثمانية:
- فإن عثمان لما أمر بكتب المصحف على نحو ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثبته كتاب المصحف، رأى أن يحمل الناس على اتباعه وترك قراءة ما خالفه، وجمع جميع المصاحف المخالفة له وأحرقها ووافقه جمهور الصحابة على ما فعله
- والمراد بموافقة خط المصحف موافقة أحد المصاحف الأئمة التي وجه بها عثمان بن عفان إلى أمصار الإسلام إذ قد يكون اختلاف يسير نادر بين بعضها، مثل زيادة الواو في {وسارعوا إلى مغفرة} في مصحف الكوفة ومثل زيادة الفاء في قوله: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} في سورة الشورى {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} - أو (إحسانا).
- هذه الشروط الثلاثة، هي شروط في قبول القراءة إذا كانت غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأن كانت صحيحة السند إلى النبي ولكنها لم تبلغ حد التواتر فهي بمنزلة الحديث الصحيح،
- وأما القراءة المتواترة فهي غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية، ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه. ألا ترى أن جمعا من أهل القراءات المتواترة قرأوا قوله تعالى: (وما هو على الغيب بظنين) بظاء مشالة أي: بمتهم، وقد كتبت في المصاحف كلها بالضاد الساقطة.
حديث الأحرف السبعة والاختلاف في معناه:
- أن الاختلاف في الأحرف قد ثبت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، استشهادا بحديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم بن حزام
اختلف العلماء في تفسير حديث عمر مع هشام، ويرجع هذا الاختلاف إلى اعتبارين:
الاعتبار الأول: أن الحديث كان رخصة في أول الإسلام ثم نسخ، وهو رأي جماعة، منهم أبو بكر الباقلاني وابن عبد البر وأبو بكر بن العربي والطبري والطحاوي.
وقد فسروا معنى الرخصة بسبعة أحرف على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن المراد بالأحرف الكلمات المترادفة لمعنى الواحد وأن العدد على حقيقته، ثم اختلفوا في تعيين اللغات السبع على عدة أقوال:
1- فقال أبو عبيدة وابن عطية وأبو حاتم والباقلاني: هي من عموم لغات العرب وهم: قريش، وهذيل، وتيم الرباب، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر من هوازن
2- وبعضهم يعد قريشا، وبني دارم، والعليا من هوازن وهم سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم وهم بنو دارم.
3- وبعضهم يعد خزاعة ويطرح تميما.
4- وقال أبو علي الأهوازي، وابن عبد البر، وابن قتيبة هي لغات قبائل من مضر وهم قريش، وهذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وكلها من مضر.
الوجه الثاني: لجماعة منهم عياض: أن العدد غير مراد به حقيقته، بل هو كناية عن التعدد والتوسع، وكذلك المرادفات ولو من لغة واحدة.
الوجه الثالث: أن المراد التوسعة في نحو {كان الله سميعا عليما} أن يقرأ عليما حكيما ما لم يخرج عن المناسبة كذكره عقب آية عذاب أن يقول "وكان الله غفورا رحيما" أو عكسه وإلى هذا ذهب ابن عبد البر.
الاعتبار الثاني: أن الحديث محكم غير منسوخ، وعلى هذا الاعتبار ذهب العلماء في تأويله إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: قال جماعة منهم البيهقي وأبو الفضل الرازي أن المراد من الأحرف أنواع أغراض القرآن كالأمر والنهي، والحلال والحرام، أو أنواع كلامه كالخبر والإنشاء، والحقيقة والمجاز: أو أنواع دلالته كالعموم والخصوص، والظاهر والمؤول، وضعفه ابن عاشور بأن فيه تكلف.
القول الثاني: ذهب جماعة منهم أبو عبيد وثعلب والأزهري وعزي لابن عباس أن المراد أنه أنزل مشتملا على سبع لغات من لغات العرب مبثوثة في آيات القرآن على وجه التعيين لا على وجه التخيير، ورده أيضا ابن عاشور لأنه لا يلاقي مساق الحديث من التوسعة، ولا يستقيم من جهة العدد.
القول الثالث: ذهب جماعة أن المراد من الأحرف لهجات العرب في كيفيات النطق كالفتح والإمالة، والمد والقصر، والهمز والتخفيف، على معنى أن ذلك رخصة للعرب مع المحافظة على كلمات القرآن.
- ثم ذكر ابن عاشور رأيه أنه إن كان حديث عمر وهشام بن حكيم قد حسن إفصاح راويه عن مقصد عمر فيما حدث به بأن لا يكون مرويا بالمعنى مع إخلال بالمقصود أنه يحتمل أن يرجع إلى ترتيب آي السور بأن يكون هشام قرأ سورة الفرقان على غير الترتيب الذي قرأ به عمر فتكون تلك رخصة لهم في أن يحفظوا سور القرآن بدون تعيين ترتيب الآيات من السورة، وقد ذكر الباقلاني احتمال أن يكون ترتيب السور من اجتهاد الصحابة. وفي هذا نظر لأن ترتيب الآيات توقيفي كما هو قول جمهور العلماء.
تاريخ القراءات:
- الخطأ في ظن بعض الناس أن المراد بالسبع في الحديث هي القراءات السبع.
- أول من جمع القراءات في سبع ابن مجاهد.
- أن هناك عشرة قراء انحصرت بتوفر الشروط فيهم وهم: نافع بن أبي نعيم المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبو عمرو المازني البصري وعبد الله بن عامر الدمشقي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي، وحمزة بن حبيب الكوفي، والكسائي علي بن حمزة الكوفي، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وخلف البزار الكوفي.
- أن أسانيد القراءات العشر انتهت إلى ثمانية من الصحابة وهم: عمر بن الخطاب، وعثمان ابن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري.
- عدم استحسانه مسلك الطبري والزمخشري وابن عطية ومن قبلهم ابن جني في إطلاقهم عنوان قراءة النبي على بعض القراءات غير متواترة النقل في تفاسيرهم لأن ذلك يوهم أنها وحدها المأثورة عنه عليه الصلاة والسلام وأنها الراجحة على القراءات المشهورة، وتوهم من ليسوا من أهل الفهم الصحيح أن غيرها لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر بشدة موقفهم لأن القراءات المشهورة قد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد أقوى وهي متواترة.
تفاوت مراتب القراءات قوة وضعفا:
- مذهب مالك والشافعي: أن ما دون العشر لا تجوز القراءة به ولا أخذ حكم منه لمخالفته المصحف الذي كتب فيه ما تواتر، فكان ما خالفه غير متواتر فلا يكون قرآنا.
- أن القراءات التي لا تخالف الألفاظ، والتي كتبت في مصحف عثمان هي متواترة، وإن اختلف في وجوه الأداء، وكيفيات النطق، ومعنى ذلك أن تواترها تبع لتواتر صورة كتابة المصحف
- ممن نسبت إليهم قراءات مخالفة لمصحف عثمان، عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة.
- أن وجوه الإعراب في القرآن أكثرها متواتر، إلا ما ساغ فيه إعرابان مع اتحاد المعنى.
- أما ما خالف الوجوه الصحيحة في العربية، فقد قرر أنه لا ثقة بانحصار فصيح كلام العرب فيما صار إليه نحاة البصرة والكوفة
- إبطاله موقف الزمخشري في إفراطه في توهين بعض القراءات لمخالفتها لما اصطلح عليه النحاة وذلك من إعراضه عن معرفة الأسانيد
الترجيح بين القراءات:
- أن القراءات العشر الصحيحة المتواترة، قد تتفاوت بما يشتمل عليه بعضها من خصوصيات البلاغة أو الفصاحة أو كثرة المعاني أو الشهرة، وهو تمايز متقارب، وقل أن يكسب إحدى القراءات في تلك الآية رجحانا.
- أن كثيرا من العلماء كان لا يرى مانعا من ترجيح قراءة على غيرها، ومن هؤلاء الإمام محمد بن جرير الطبري، والعلامة الزمخشري
- وقد سئل ابن رشد عما يقع في كتب المفسرين والمعربين من اختيار إحدى القراءتين المتواترتين وقولهم هذه القراءة أحسن: أذاك صحيح أم لا؟ فأجاب: أما ما سألت عنه مما يقع في كتب المفسرين والمعربين من تحسين بعض القراءات واختيارها على بعض لكونها أظهر من جهة الإعراب، وأصح في النقل، وأيسر في اللفظ فلا ينكر ذلك، كرواية ورش التي اختارها الشيوخ المتقدمون عندنا أي بالأندلس فكان الإمام في الجامع لا يقرأ إلا بها لما فيها من تسهيل النبرات وترك تحقيقها في جميع المواضع، وقد تؤول ذلك فيما روي عن مالك من كراهية النبر في القرآن في الصلاة.
- أن حد الإعجاز مطابقة الكلام لجميع مقتضى الحال، وهو لا يقبل التفاوت، ويجوز مع ذلك أن يكون بعض الكلام المعجز مشتملا على لطائف وخصوصيات تتعلق بوجوه الحسن كالجناس والمبالغة، أو تتعلق بزيادة الفصاحة.
- لا يلزم أن يتحقق الإعجاز في كل آية من آي القرآن لأن التحدي إنما وقع بسورة مثل سور القرآن، وأقصر سورة ثلاث آيات فكل مقدار ينتظم من ثلاث آيات من القرآن يجب أن يكون مجموعه معجزا.
منهجه في تناول القراءات:
- اقتصاره في تفسيره على التعرض لاختلاف القراءات العشر المشهورة
- التصريح بأن تفسيره أسسه على قراءة قراءة نافع برواية عيسى ابن مينا المدني الملقب بقالون، لأنها القراءة المدنية إماما وراويا ولأنها القراءة المشتهرة في الوسط التونسي.
ذكر القراءات التي يقرأ بها في بلاد الإسلام من القراءات العشر:
- قراءة نافع برواية قالون في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي ليبيا.
- ورواية ورش في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي جميع القطر الجزائري وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان.
- وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان.
- وأبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان.