خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:
1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
قرأ كبار القراء من السلف في قوله : ( بضنين ) ، بقرائتين :
القراءة الأولى : القراءة بالضاء الساقطة ( بضنين ) ،
وهي قراءة لابن الزبير وقراءة لابن عباس وقراءة نَافِع وَعَاصِم وَابْن عَامر وَحَمْزَة . وروي عن أبي بن كعب أنه قرأها كذلك .
التخريج :
فأما قراءة ابن الزبير وابن عباس فروى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه قال: عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ , عَنْ مُغِيرَةَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ: " يَقْرَؤُهَا {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بضَنِينٍ} [التكوير: 24] فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: ضَنِينٍ , قَالَ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهَا (ظَنِينٍ) , قَالَ مُغِيرَةُ , وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ , وَالضَّنِينُ الْبَخِيلُ
َوأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه قراءة ابن عباس بالضاء الساقطة ( بضنين ) ، كما جاء في الدر المنثور
وأما قراءة أبي بن كعب فرواها أبو عبيد وابن المنذر كما جاء في الدر المنثور للسيوطي
وأما قراءة نافع وعاصم وابن عامر وحمزة فرواها أبو بكر بن مجاهد البغدادي في كتابه " السبعة في القراءات " . قال الطبري : " وبالضاد هي خطوط المصاحف كلها "
ومن تأولها بالضاد الساقطة ( وما هو على الغيب بضنين ) جعل المعنى : ماهو ببخيل بالغيب فلم يشح أو يضن به ، "وهو قول ابن عباس وزر بن حبيش وابن زيد ومجاهد وقتادة وعكرمة وإبراهيم النخعي والبخاري " . وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما نزل به جبريل قال قتادة : إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلَّمه ودعا إليه، والله ما ضنّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم." "رواه ابن جرير "
ولم يكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ينفع به أمته إلا أداه لهم ولا خير إلا دعاهم إليه وما ترك شر إلا حذرهم منه وضرب لهم الأمثال وجد لهم في المواعظ وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .
التخريج :
فأما قول زر بن حبيش فرواه ابن جرير من طريقين عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قال: في قراءتنا بمتهم، ومن قرأها (بِضَنِينٍ) يقول: ببخيل.
ورواه ابن عبد الحميد كما جاء في الدر المنثور للسيوطي
القراءة الثانية : القراءة بالظاء ( بظنين ) وهي قراءة لابن عباس وقراءة لابن الزبير وقراءة ابن مسعود وزر بن حبيش وسعيد بن الجبير وإبراهيم النخعي وابن كثير وأبو عمرو والكسائي ، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه قال : " عن ابن أبي يحيى، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة، عن ابن الزبير، أن النبي كان يقرؤها: {وما هو عن الغيب بظنين " .
التخريج
* وأما قراءة ابن عباس فرواها عنه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ (قال : حدّثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأها: {وما هو على الغيب}؛ بظنينٍ .
* وروى ابن جرير من طريق قال : حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) يقول: ليس بمتهم على ما جاء به، وليس يظنّ بما أوتي.
* وروى ابن جرير من طريق آخر قال : حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قرأ: (بظَنينٍ) قال: ليس بمتهم.
* وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس كما جاء في الدر المنثور
* وأما قراءة ابن الزبير فأخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه قال : عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى , عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ , عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)
* وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن عبد الله بن الزبير أَنه كَانَ يقْرَأ "بظنين " كما جاء في الدر المنثور
* وأما قراءة زر ابن حبيش فرواه ابن جرير من طريقين عن سفيان، عن عاصم، عن زرّ (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) قال: في قراءتنا بمتهم، ومن قرأها (بِضَنِينٍ) يقول: ببخيل. ورواه ابن عبد الحميد كما جاء في الدر المنثور للسيوطي .
* وأما قراءة سعيد بن الجبير فرواه ابن جرير قال : حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلَّى، عن سعيد بن جُبير أنه كان يقرأ هذا الحرف (وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)
* وأما قراءة أبو عمرو والكسائي وابن كثير فرواها أبو بكر بن مجاهد البغدادي في كتابه " السبعة في القراءات "
ومن تأولها بالظاء ( بظنين ) فيها قولان والأول أقوى :
القول الأول : ما هو بمتهم في الغيب وتبليغ ما أوحى الله إليه ،وهو قول : " ابن عباس ورواه زر ابن حبيش وسعيد بن الجبير والضحاك وإبراهيم النخعي ، وابن عبيد ،
وفي مصنف عبد الرزاق قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فِي السُّوقِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ، وَلَا ظِنِّينٍ» قِيلَ: وَمَا الظِّنِّينُ؟ قَالَ: الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ .
وذلك أن الكفار كانوا يتهمونه في الوحي في محاولة منهم لصد الناس عنه وإثارة الشبه فقالوا : ( إنما يعلمه بشر )وقالوا : ( إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) ، ( وقالوا أساطير الأوليين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) وغيرها من التهم التي لا تخرج إلا من قلب حاسد مستكبر . قال تعالى في وصف حالهم هذا : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين ) فرد الله تهمتهم عن نبيه وبين أن الداعي لها من قبلهم شدة حسدهم له .
والتحقيق أن القراءتين صحيحة متواترة ،والعمدة في القرآن التلقي ، فالقرآن نزل على سبعة أحرف وكل من قراء الصحابة بلغ القرآن بحسب ما تلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ، وسمع منه ومنهم من كان يقرأ بالقراءتين ، وما كان أحد منهم يخطئ قراءة الآخر، وكلا القراءتين منتشرة بين الصحابة بلغت مبلغ التواتر ، ولهما أصل صحيح في اللغة ومعنى صحيح ، قال به جمهور العلماء والمفسرين . خرج ابن وهب في تفسير القرآن من الجامع قال : وسمعت يحيى بن أيوب يحدث عن ابن الهاد أن إنسانا سأل عبد الرحمن الأعرج عن قول الله: {وما هو على الغيب بضنينٍ}، أو ظنينٍ، فقال عبد الرحمن: ما أبالي بأيهما قرأت ".
وهناك معنى آخر ولكن لم يقل به أحد من السلف ، ، وتأولوا القراءتين على المعنيين السابقين ، ولكن رواه علماء اللغة المتقدمين .
المعنى الثاني : ( بظنين ) ، الظنين : الضعيف ، أي : ما هو بضعيف في تبليغ الوحي والغيب ، قاله من أهل اللغة الفراء والمبرد .، وجاء في لسان العرب لابن منظور :" وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الضَّعِيفِ أَو الْقَلِيلِ الْحِيلَةِ: هُوَ ظَنُون" ، وهو قول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
اختلف المتأولون في من (هم ) الذين كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرا على أقوال :
القول الأول : أنها نزلت في اليهود ، كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد .
وهو قول قتادة رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ورواه عبد بن الحميد كما جاء في الدر المنثور للسيوطي وذكره الثعلبي عن الحسن وعطاء الخرساني بدون إسناد .
ورد ابن عطية هذا القول ، ذلك أن المخاطبين بالآية في زمن الرسول لم يكونوا هم نفسهم الذين كفروا بعيسى فخلطوا على هذا التأويل المخاطبين بالأسلاف
والصحيح قول ابن جريرالطبري : أنهم اليهود المخاطبين بالآية في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ، كفروا بمحمد بعد إيمانهم بمجيئه وصفته ثم ازدادوا كفرا بمحاربتهم وعدائهم له والسعي في ذلك . ذكر أن السياق الآيات قبل وبعد الآية يؤيده
القول الثاني : أنهم اليهود والنصارى ، كفروا بمحمد بعد إيمانهم بمجيئه وما جاء في كتبهم من خبره .
وهو قول أبو العالية والحسن وعكرمة وابن جريج رواه ابن جرير وروي عن العطاء ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن كما جاء في الدر المنثور.
قال تعالى في شأنهم : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) ، وعيسى عليه السلام بعث إلى بني إسرائيل " اليهود " فمنهم من آمن به وناصره ومنهم من كفر به وبقي على اليهودية ، إلى أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا بمحمد بعد كفرهم بعيسى عليه السلام (وباءوا بغضب على غضب ) ، وهذا يؤيد والله أعلم أن المخاطبين بالآيات هم اليهود .
القول الثالث : قوم بأعيانهم من المرتدين ، كفروا بعد إيمانهم ، علم الله أن لن تكون منهم توبة فختم على قلوبهم .
رواه ابن عطية والبغوي ، والشيخ كما جاء في تفسير الماتريدي . ويؤيده ما جاء من سبب نزول الآية من خبر أصحاب الحارث بن سويد الاحدى عشر الذين ارتدوا ولحقوا بمكة ، فلما تاب الحارث وتاب الله عليه قالوا نتربص بمحمد فإن مات بقينا على ديننا وإن ظهر لحقنا به ، فنزلت : (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم ) وقال البغوي : "لأنهم متربصون غير محققون "
القول الرابع : المراد بهذه الآية جميع الكفار ، كفروا بمحمد بعد إيمانهم أن الله خالقهم ، ذكره البغوي والثعلبي عن مجاهد
تخريج قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
رواه ابن جرير بلفظه من طريقين عن ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن أبي العالية الرياحي.
وروى ابن جرير من طريق آخر قال : - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قوله:"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا"، قال: هم اليهود والنصارى، يصيبون الذنوبَ فيقولون:"نتوب"، وهم مشركون. قال الله عز وجل: لن تُقبل التوبة في الضّلالة.
وروى من طريق بلفظ آخر قال: حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية:"إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا لن تُقبل توبتهم وأولئك هم الضالون"، قال: هم اليهود والنصارى والمجوس، أصابوا ذنوبًا في كفرهم، فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، (2) ألا ترى أنه يقول:"وأولئك هم الضالون"؟
وأخرجه ابن المنذر بلفظ آخر قريب منه قال : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بْن حيوية، قَالَ: حَدَّثَنَا مسدد، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن زريع، عَنْ داود، عَنْ أبي العالية، قَالَ: إِنَّمَا أنزلت فِي اليهود والنصارى، أَلا ترى لقول: {كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} بذنوب أذنبوها، وكانت زيادة فِي كفرهم، ثُمَّ ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب، فَقَالَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} قَالَ " لو كانوا عَلَى هدى قبل توبتهم، ولكنهم عَلَى ضلالة "
وأخرجه ابن أبي حاتم كما جاء في الدر المنثور للسيوطي بلفظ ابن المنذر .
المسألة الثانية : المراد بزيادة الكفر في الآية والعلة في عدم قبول توبتهم :
القول الأول : ازدادوا كفرا ببقائهم على الكفر حتى ماتوا ، وهو قول السدي والحسن وعكرمة وروي عن مجاهد فلن تقبل توبتهم عند النزع وقد ختم لهم بالكفر .
القول الثاني : ازدادوا كفرا بذنوب أصابوها في كفرهم ، فيتوبون منها ولا تقبل منهم توبتهم لبقائهم على الكفر .وهو قول أبو العالية وقتادة وروي عن عطاء الخرساني وهو قول ابن جرير ، وهو الصحيح ، ذلك أن من المعلوم أن التوبة للكافر عند حضور الموت ومشاهدة النزع لا تقبل ، فتخصيص ذكر ذلك لمن ازداد كفرا لا طائل منه ، والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
اختلف السلف في الصاحب بالجنب على أقوال :
القول الأول الجليس الملازم الملتصق بك رجاء نفعك ،
وهو قول زيد وقول لابن عباس
القول الثاني الزوجة
وهو قول ابن مسعود وقول لعلي وابن عباس وهلال الوزان وإبراهيم النخعي وأبي الهيثم
القول الثالث الرفيق في السفر
وهو قول ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهد وعكرمة وسعيد بن الجبير والسدي والضحاك
القول الرابع الرفيق الصالح وهو قول لعبد الله بن مسعود وعلي وقول لسعيد بن الجبير
والصحيح : أن كل هذه الأقوال صحيحة وهو كقولك فلان بجنب فلان إذا كان إلى جنبه ملازما له فالزوجة صاحبة لجنب زوجها والرفيق في السفر بجنب صاحبه يصحبه ويلازمه والجليس الملازم لك رجاء نفعك صاحب لجنبك ، فمن صحبك ولو ساعة من النهار كان له عليك حق خير الصحبة ، وأخرج البخاري في الأدب المفرد والترمذي، وابن جرير والحاكم عن ابن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: خير الأصحاب عند الله خير هم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره.
تخريج قول سعيد بن الجبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
أخرجه عبد الرزاق الصنعاني وابن جرير من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير . وكذا أخرجه سفيان الثوري في تفسيره الذي يرويه أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي
من نفس الطريق
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن سفيان الثوري عن أبي بكير مرزوق عن سعيد بن الجبير : والصّاحب بالجنب قال: الرّفيق الصّالح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
اختلف السلف في المراد بالدعاء في الآية على أقوال :
القول الأول : الصلوات المكتوبة
وهو قول ابن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي عمرة ومعاوية بن قرة وإبراهيم النخعي الحسن البصري وسعيد بن المسيب ومجاهد والضحاك وقتادة ، وروي عن ابن عباس أن كلامهم للنبي كان في الصف الأول يقولون له إن صلينا معك فاخر هؤلاء الصف الثاني
القول الثاني : الذكر
وهو قول إبراهيم النخعي
قال إبراهيم : " ولو كان يقول القصّاص: هلك من لم يجلس إليهم." رواه ابن جرير
وكان القصاص يدعون الناس للاجتماع إليهم بهذه الآية
القول الثالث تعلمهم القرآن وقراءته
وهو قول مجاهد وأبي جعفر
القول الرابع العبادة
وهو قول ابن عباس والضحاك
قال الضحاك : قال: يعني: يعبدون، ألا ترى أنّه قال: {لا جرم أنّما تدعونني إليه}، يعني: تعبدونه. رواه ابن جرير
الدراسة
والصحيح : أن الدعاء نوعان : دعاء مسألة ودعاء عبادة ، فالذاكر عابد لربه داعي بلسان حاله والمصلي داعي ربه بلسان الحال والمقال يخشى يوما يحشر فيه إلى الله ليس له من دونه ولي ولاشفيع ، ويؤيد ذلك سياق الآيات وما جاء من سبب نزول الآية ، فقد أخرج ابن جرير قال : حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو زيدٍ، عن أشعث، عن كردوسٍ الثّعلبيّ، عن ابن مسعودٍ، قال: مرّ الملأ من قريشٍ بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده صهيبٌ وعمّارٌ وبلالٌ وخبّابٌ ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمّد، أرضيت بهؤلاء من قومك، هؤلاء الّذين منّ اللّه عليهم من بيننا، أنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك، فلعلّك إن طردتهم أن نتّبعك، فنزلت هذه الآية: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ} إلى آخر الآية.
وقد اجتمعوا حول رسول الله للصلاة وللذكر وليبلغهم ما أنزل عليه من الوحي ، فأيما كان دعاءهم واجتماعهم كان عبادة يتقربون بها لوجه الله يرجون رحمته ويخافون عذابه ، سبحانه يدني من يشاء ويقصي من يشاء ، (أليس الله بأعلم بالشاكرين )
تخريج قول سعيد ابن المسيب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة). :
أخرجه ابن جرير أن ابن جريج قال : وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدر النّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلون ما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتي انصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
المراد بسوء الحساب في الآية
مناقشة اللّه إيّاهم في الحساب فيحاسب الرجل بذنبه كله محاسبة شديدة ، لا يغفر له منه شيء
وهو قول إبراهيم النخعي ، وقاله أبو الجوزاء وابن زيد وسعيد بن الجبير وروى ابن جرير لابراهيم قول آخر قال : حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن فرقدٍ، عن إبراهيم، قال: سوء الحساب أن يحاسب من لا يغفر له.
، وروي عن ابن عباس أثراً مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد هذا المعنى قال : - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن البر والصبر ليخففان سوء العذاب يوم القيامة ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} أخرجه الخطيب وابن عساكر كما جاء في الدر المنثور للسيوطي
التخريج :
فأما قول إبراهيم فرواه عنه عبد الله بن وهب المصري من طريق حماد بن سلمة عن فرقد عنه ، ورواه ابن جرير من طريق أبو عاصمٍ، عن الحجّاج، عن فرقدٍ عنه .
وأما قول أبي الجوزاء فرواه عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة وابن جرير كلهم من طريق جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك عنه
واما قول ابن زيد فرواه ابن جرير من طريق يونس، عن ابن وهبٍ، عن ابن زيدٍ
وأما قول سعيد بن جبير فرواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما جاء في الدر المنثور عن السيوطي
وتوجيه القول في كون سوء الحساب الذي هي المحاسبة الشديدة والمناقشة للأعمال التي يتبعها عذاب وعدم تجاوز عن الذنب ، ما رواه البخاري في صحيحه قال : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِي القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الحِسَابَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ»