دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 صفر 1441هـ/16-10-2019م, 11:55 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي المجلس الثالث: مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران

مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 153-171)






اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:
1: قوله تعالى: {
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} بالأسلوب المقاصدي.
2:
قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} بالأسلوب البياني.
3: قوله تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} بالأسلوب الوعظي.


تنبيه:
تذكر مراجع البحث في نهاية كل رسالة.


تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.

- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 صفر 1441هـ/24-10-2019م, 06:08 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

أكتب رسالة تفسيرية.........بالأسلوب البياني.
قوله تعالى :( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ*** وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) [آل عمران : 157- 158]

القراءات:
في قوله تعالى " مُتُّمْ "؛ في الآتين قراءتان:
مُتم : بضم الميم وهي قراءة أبي عمرو البصري؛ وابن كثير و ابن عامر و عاصم وأبي جعفر ويعقوب
مِتم: بكسر الميم وهي قراءة نافع وحمزة والكسائي و خلف العاشر
وهما لغتان ومعناهما واحد .
وضم الميم لغة سفلى مضر يقولون: مات يموت مُت .
لأنه من باب (فَعَلَ) بفتح العين من ذوات الواو (مَوَتَ). وكل ما كان كذلك فقياسه إذا ما أسند إلى تاء المتكلم وأخواتها أن تُضمَّ فاؤه ... فيقال في قامَ وقالَ وطالَ و دام : قُمتُ وقُلتُ وطُلتُ ودُمتُ.
من ضمه فهو من مات يموت ، كقولنا : قال يقول قــُـلت بضم القاف ، وكان يكون .كُنت بضم الكاف؛ و دام يدوم دُمْت
وكسر الميم لغة أهل الحجاز يقولون مات يمات مِتُ
لأنه من باب ( فعِل) بكسر العين (مَوِتَ). ك (خوِفَ ) وعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في الماضي المسند إلى التاء وإحدى أخواتها: مِتُّ بالكسر ليس إلا كقولنا : خاف يخاف خِفت ؛ وهاب يهاب هِبت؛ ونمام ينام نِمت..

تجمعون/ يجمعون
قرأ الجمهور : ( تجمعون ) بالتاء لقوله : { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } ، وانفرد حفص من بين العشرة " يجمعون " ؛ بالياء على الخبر عن الغالبين .

فمن قرأ بالتاء رده على المخاطبة ؛ والمعنى والمغفرة والرحمة خير مما تجمعون أيها المؤمنون من المال الذي يمنع من الجهاد .
.ومن قرأ بالياء رده إلى المنافقين أو إلى جميع الناس..والمعنى والمغفرة والرحمة خير مما يجمع المنافقون أو الناس من حطام الدنيا.


تفسير الآيات
بعد أن ذكر سبحانه تثبيط المشركين والمنافقين للراغبين في الجهاد بتحذيرهم عواقبه و أنه مفض إلى القتل كما حدث يوم أحد و القتل بغيض إلى النفوس مكروه لها ؛ ثم أردفه بوعظ المؤمنين ونهيهم أن يكونوا مثل أولئك الكفار والمنافقين في اعتقادهم أن القتال والضرب في الأرض يقطع الآجال ؛ وهذا قول منهم لا يكونوا إلا من لا يؤمن بالقدر والأجل المحتوم ؛ وذكر ما يدل على النهي عن أن يقول أحد من المؤمنين مثل مقالتهم . ثم أتبع في هذه الآيات ما يدل على النهى عن مثل ذلك القول أو الاعتقاد
قال تعالى :{ { و لئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله و رحمة خير مما يجمعون ** ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون . }
وفي طيات هذه الآية بشارة لمن قُتل أو مات في سبيل الله بحسن المآل .

قوله تعالى :{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ)
معنى الواو:
الواو عاطفة ..قال ابن عاشور : "وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَعَلَى قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ
وذهب محيي الدين درويش أن الواو استئنافية؛ لأن الكلام مستأنف قال : كلام مستأنف مسوق لتقرير أن ما تحذرون وقوعه ليس مما ينبغي أن يحذر منه بل يجب أن يكون حافزا لكم على القتال ومواصلة الجهاد.." اهـ
المخاطب في الآية .
الخطاب في الآية للمؤمنين وهو امتداد للخطاب السابق
لئن:
مركب من حرفين اللام الموطئة للقسم و" إن" الشرطية.والتقدير" والله لئن قتلتم"

مجيء "إن" الشرطية دون إذا الشرطية .
-الأصل في استخدام "إن" الشرطية أن يكون الشرط فيها قليل الوقوع أو نادر الوقوع أو مشكوك الوقوع لا يجزم بوقوعه..
والأصل في استخدام "إذا" الشرطية أن يكون الشرط فيها كثير الوقوع مجزوما مقطوعا بوقوعه
واستعمل "إن" الشرطية . للدلالة والتنبيه على قلة وندرة وعزة الإخلاص لمن مات أو قُتل في سبيل الله.
قال محمد محمد أبو موسى :" تجد أن "إن" تشير إلى أن خلوص الموت لله مما هو عزيز ونادر؛ لأن تخليص العمل لله من أصعب ما يعانيه أهل الله." اهـ


دلالة مجيء الفعل بصيغة الذي لم يسم فاعله
وجيء بالفعل "متم" و الفعل "قتلتم" لما لم يسمى فاعله ؛ لأنه لا يترتب على ذكره فائدة ؛ إذ الحكم معلق بنفس وقوع الفعل .

وقوله : "وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أو متم "
السبيل : : الطَّريقُ ، وما وَضَحَ منه.
وأضيف إلى الله لسببين :
-لأن ابتداء وضعه من الله
-لأنه موصل إلى الله
والمراد به شرعه و طاعته ؛ فكل من كان على طاعة الله وشرعه مخلصا لله عزوجل طالبا رضاه فهو في سبيل الله.وأكثر ما يطلق على الجهاد.
-والتعبير بسبيل الله فيه إشارة إلى إخلاص العمل لله عزوجل
قال ابن الأثير :" في سبيل الله: عامٌّ يقَع على كلِّ عمَلٍ خالصٍ، سُلك به طريقُ التقرُّبِ إلى اللهِ تعالى بأداءِ الفرائِضِ والنَّوافِلِ وأنواعِ التطوُّعاتِ، وإذا أُطلِقَ فهو في الغالِبِ واقعٌ على الجهادِ، حتى صار لكثرةِ الاستعمالِ كأنَّه مقصورٌ عليه" اهـ

المراد من قوله تعالى " قتلتم في سبيل الله "..
ذهب جمهور المفسرين أن المراد من قوله "" قتلتم في سبيل الله "..الجهاد خص( سبيل الله) بالجهاد والموت في أرض المعركة.

وذهب ابن عثمين أن قوله " " قتلتم في سبيل الله "..لا يختص بالجهاد بل هو عام في كل قتل كان في سبيل الله..قال رحمه الله تعالى :"في سبيل الله" أي الجهاد ويحتمل أن يكون أعم من ذلك بمعنى قتلتم في سبيل الله في الجهاد أو قتلتم في سبيل الله في الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ؛ أو قتلتم في سبيل الله في الدعوة إليه ؛ أو قتلتم في سبيل الله في بيان الحق؛ كل هذا داخل في سبيل الله؛ لأن الجامع بينهما أن هذا قتل وهو يدافع عن دين الله. اهـ
قوله : "أَوْ مُتُّمْ "
أو :حرف عطف للتنويع والتقسيم .


" مُتُّمْ" الموت عكس الحياة ؛وهو عبارة عن خروج الروح بأمر من الله عزوجل ؛ والمراد به أن يموت العبد حتف أنفه دون فعل فاعل مخلوق.
-وقيل المراد به الموت في سبيل الله ثم اختلف أهل العلم في بيناه وتحديده؛ على اختلافهم في المراد ب "في سبيل الله "
- ذهب جمهور المفسرين أن المراد الموت في سبيل الله ؛ أي ما كان في الحرب والجهاد؛ وحجتهم في ذلك السياق؛ فسياق الآيات في الحرب والجهاد لهذا قيد القتل في سبيل الله وقدم على الموت .
- وفي معنى الموت في الجهاد قيل أن يموت ملتبس بالجهاد فعلا أو نية أفاده الألوسي


وذهب رشيد رضا و أبو زهرة أن المراد بالموت في سبيل الله عام في كل من مات على طاعة الله راجية رضى ربه ورحمته
قال رشيد رضا فقد عمم معنى الموت في سبيل الله ولم يخصه بالجهاد فقط فقال :" والموت في سبيل الله هو الموت في أي عمل من الأعمال التي يعملها الإنسان لله ، أي سبيل البر والخير التي هدى الله الإنسان إليها ويرضاها منه . وقد يموت الإنسان في أثناء الحرب من التعب أو غير ذلك من الأسباب التي يأتيها المحارب في أثنائها ، فيكون ذلك من الموت في سبيل الله عز وجل . اهـ
وقال أبوزهرة :" أنه ذكر أن الموت قد يكون في سبيل الله وذلك إذا كان المؤمن يعيش طول حياته مخلصا لله وللحق وللمعرفة والهداية يحب الشيء لا يحبه إلا لله تعالى ، وكان الله ورسوله أحب إليه من نفسه ، فإن من يكون كذلك يعيش لله وفي سبيل الله ويموت في سبيل الله." اهـ

وذهب الطاهر ابن عاشور وابن عثميين أن المراد بالموت أعم مطلقا ولا يتقيد "في سبيل الله"
لكن الأول أولى لدلالة السياق والمقام عليه ولأن الموت المطلق سيأتي له ذكر في الآية الموالية؛ ولأن الآية في صدد بيان فضيلة الموت في سبيل الله وأنه خير من أن يموت الواحد وهو يجمع حطام الدنيا- والله أعلم-

مناسبة تقديم القتل على الموت
وقُدم القتل على الموت لأن السياق عن القتل و الشهادة في سبيل الله ؛ والتحريض على الجهاد ؛ فقد الأهم والأشرف ؛فالموت في سبيل الله أشرف موت وأعظمه أجرا عند الله

قال الألوسي : " وقدم القتل على الموت لأنه أكثر ثواباً وأعظم عند الله تعالى ، فترتب المغفرة والرحمة عليه أقوى ."


( لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ )

معنى اللام:
لام الابتداء واقعة في جواب قسم؛ والتقدير "والله لمغفرة.."

وجملة "لمغفرة من الله ورحمة خير" جملة جواب القسم ساد مسد جواب الشرط ؛ للقاعدة المقررة وهي أنه إذا اجتمع قسم وشرط فالجواب يعطى للمتقدم منهما
وقوله " "لمغفرة من الله ورحمة خير" جملة خبرية والمراد منها الوعد
قال الطبري رحمه الله" .. وعد خرج مخرج الخبر . وتقدير الكلام :" ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ، ليغفرنّ الله لكم وليرحمنكم"اهـ ..وهو الذي عليه جماهير المفسرين
-وقيل أن الجملة خبرية أريد بها الإطماع؛ لأنه قال "خير" و لم يصرح بتحقق وقوع المغفرة والرحمة ؛ والله إذا أطمع أحدا في شيء فلا يخيبه
قال أبو السعود : " الاقتصارُ على بيان خيريتِهما من ذلك بلا تعرّضٍ للإخبار بحصولهما لهم للإيذان بعدم الحاجةِ إليه بناءً على استحالة التخييبِ منه تعالى بعد الإطماعِ" اهـ

وقوله" لمغفرة " مغفرة نكرة لإفادة التقليل؛ في محل الابتداء ؛ موصوفة لأن الجار والمجرور "من الله " متعلق بمحذوف صفة لمغفرة ؛ وهذا الذي سوغ الابتداء بالنكرة.
-قال ابن عطية : "لفظ المغفرة غير معرف إشارة بليغة إلى أن أيسر جزء منها خير من الدنيا ، وأنه كاف في فوز العبد المؤمن"
-وبين الألوسي الغرض من وصف الرحمة بقوله:" ووصفت بذلك إظهاراً للاعتناء بها ، ورمزاً إلى تحقق وقوعها.

وقوله " من الله " حرف جر"من" لابتداء الغاية؛ وإضافة الرحمة إلى الله للتعظيم
قال ابن عثميين : "فهو سبحانه الذي يبتدئها ويتفضل بها؛ وإضافتها إلى الله دلالة على عظمة هذه المغفرة؛ لأن الشيء يعظم بعظمة باذله" اهـ
-و قدر بعض أهل العلم صفة أخرى محذوفة أي : "لمغفرة لكم من الله"
وقوله "ورحمة" عطف على مغفرة ؛ منكرة لإفادة التقليل أيضا؛ وحذف صفتها لدلالة المذكور عليها . والتقدير "ورحمة من الله" ؛ وثم وصفة أخرى محذوفة لا بد منه؛ تقديرها: لكم.؛ ويكون التقدير:" ورحمة لكم من الله" أو "من الله لكم"
ومسوغ الابتداء بها عطفها على نكرة موصوفة؛ أو كونها موصوفة في المعنى.
والمعنى لمغفرة ورحمة يسيرة قليلة كائنة من الله لكم خير مما تجمعونه من منافع الدنيا إن قتلتم في سبيل الله أو متم.

و ذكر المعربون وجها آخر في إعراب مغفرة؛ أن تكون مرفوعةً على خبر ابتداءٍ مُضْمَرٍ - إذا أُرِيدَ بالمغفرة والرحمة القتل ، أو الموت في سبيل الله ؛ لأنهما مقترنان بالموت في سبيل الله - فيكون التقدير : فذلك ، أي : الموت أو القتل في سبيل الله - مغفرة ورحمة خير ، ويكون " خيرٌ " صفة لا خبراً ، وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ وقبله الأخفش...والأول مذهب الجمهور
قال ابن عطية : وتحتمل الآية أن يكون قوله { لمغفرة } إشارة إلى القتل أو الموت في سبيل الله ، سمى ذلك مغفرة ورحمة إذ هما مقترنان به ويجيء التقدير : لذلك مغفرة ورحمة وترتفع المغفرة على خبر الابتداء المقدر ، وقوله { خير } صفة لخبر الابتداء
وقال الرازي: " والأصوب عندي أن يقال : هذه اللام للتأكيد ، فيكون المعنى إن وجب أن تموتوا وتقتلوا في سفركم وغزوكم ، فكذلك يجب أن تفوزوا بالمغفرة أيضا ، فلماذا تحترزون عنه كأنه قيل : إن الموت والقتل غير لازم الحصول ، ثم بتقدير أن يكون لازما فإنه يستعقب لزوم المغفرة ، فكيف يليق بالعاقل أن يحترز عنه ؟" .

الفرق بين المغفرة والرحمة
والمغفرة: الستر .والوقاية .لهذا سمي المغفر الذي يوضع على الرأس مغفرا لأنه يستر الرأس ويقيه الشرور
فالمغفرة أن يستر الله على عبده ذنوبه ويقيه شرها .
والرحمة :مزيد تفضل وإنعام . والفوز بالنعيم المقيم يوم القيامة
قال ابن عثيمين: والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه والرحمة تقتضي الإحسان إلى المرحوم والإنعام عليه"
وقد ذكر ابن تيمية فرقا بينهما في أثناء كلامه عن الفرق بين العفو والمغفرة والرحمة قال رحمه الله .." فالعفو متضمن لإسقاط حقه قبلهم، ومسامحتهم به.والمغفرة متضمنة لوقايتهم شر ذنوبهم، وإقباله عليهم، ورضاه عنهم؛ بخلاف العفو المجرد؛ فإن العافي قد يعفو، ولا يقبل على من عفا عنه، ولا يرضى عنه، فالعفو ترك محض، والمغفرة إحسان، وفضل، وجود..والرحمة متضمنة للأمرين، مع زيادة الإحسان، والعطف، والبر.."

وبهذا يتبين أن الرحمة أبلغ من المغفرة .؛ فالرحمة مغفرة وزيادة.

كمال سعادة العبد وتمامها بتحصيل المغفرة والرحمة
فبالمغفرة يُغفر الذنب و يدفع ويرفع ما كان يخافالعبدويكرههمن العذاب والعقاب؛ فيحصل له الطمأنينة والسكينة ؛فالمغفرة تأمين لمن غلب عليه عبودية الخوف.
وبالرحمة يحصل ما يرجوه العبد و يحبه من النعيم المقيم والعيش الهنيء فتحصل له السعادة والرضى؛ فالرحمة تبشير لمن غلب عليه عبودية الرجاء
قال ابن عثمين بقوله " أن المغفرة بها زوال المكروه والرحمة بها حصول المطلوب." اهـ

وسؤال هنا ما الذنب الذي يفغره الله لمن مات أو قتل في سبيل الله ؟ أهو جميعا الذنب بما في ذلك الكبائر أم المغفرة مقتصرة على صغائر الذنوب أما الكبائر فمغفرتها مترتبة على التوبة والاستغفار..
الذي يظهر أن النصوص الكتاب والسنة جاءت ببيان أن الذي له كمال المغفرة و الرحمة شهيد المعركة
أما ما كان فيه حكمه فهذا تحتاج مزيد بحث.


( خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
قرئيجمعون على جهة الغيبة ووجه ذلك أن مغفرة الله خير مما يجمعه هؤلاء المنافقون من الحطام الفاني ، أو خير مما يجمعه الناس جميعا
وقرئ بالخطاب تجمعون ووجهه أن الخطاب موجه إلى المؤمنين فيقول لهم مغفرة الله خير لكم من الأموال التي تجمعونها في الدنيا .
خير: اسم تفضيل على غير قياس؛ أصله "أخير" حذفت منه الهمزة لكثرة الاستعمال فقيل "خير"

وهل أصل الخيرية ثابتة لما يُجمع من أمور الدنيا؟
قد يقال أن ما يُجمع من أمور الدنيا قد يعد خيرا في نفس الأمر إن كان من الحلال الطيب ؛ وعليه تكون "خير " هاهنا على بابهامن كونِها للتفضيلِ
وقد يقال أن الخيرية ليست ثابتة لما يُجمع من أمور الدنيا؛ بل هي ذلك وارد على حسب قولهم و ومعتقدهم أن ما يجمعونه خير لهم ؛ وعلى المعنى تكون "خير " ليست على بابهافإن الخيرية في مغفرة الله تعالى ، ولا خيرية فيما يكنزون ويجمعون

"مما"
مركبة من كلمتين ؛ حرف الجر "من " و " كلمة " ما"
و "ما" يجوز أن تكون موصولة ، والعائد محذوف ، أي مما تجمعونه
أو مصدرية ويكون المفعول حينئذٍ محذوفاً أي من جمعهم المال على قراءة يجمعون ؛ أو جمعكم المال على قراءة تجمعون
ولعل الأجود أن تكون موصولة لتوافق مقصد الآية من الإنكار عليهم في تعلق قلبوهم بالدنيا وحبهم لها وإيثارها على الآخرة ؛فمن كانت هذه حاله فهو ساع إلى جمعها والتكثير منها.
و "ما" الموصولية أكثر الأسماء الموصولة إبهاما وهى أكثر الأسماء اتساعا في جميع الأجناس .
جاء في (بدائع الفوائد) كما في كتاب معاني النحو :{ أن (ما) "لا تخلوا من الإبهام أبدًا، ولذلك كان في لفظها ألف آخرة لما في الألف من المد والاتساع، في هواء الفم، مشاكلة لإتساع معناها في الأجناس، فإذا أوقعوها على نوع بعينه، وخصوا به من يعقل، وقصروها عليه، أبدلوا الألف نونًا ساكنة فذهب امتداد الصوت فصار قصر اللفظ موازنًا لقصر المعنى" }
لهذا جيء بها في الآية للدلالة أن لفظ "مما يجمعون " يدخل فيه كل ما يمكن أن يجمع من حطام الدنيا .من أجناس ملاذات الدنيا جميعا


وقوله " تجمعون" . الجمع: ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعته فاجتمع
وحذف متعلق الفعل للدلالة على العموم؛ أي جمعكم شامل وعام لكل أنواع منافع الدنيا وطيباتها وحطامها مما يمكن جمعه
وجئ بصيغة المضارع " تجمعون" للدلالة على الاستمرار والتكرار فعل الجمع إلى أن يموت الإنسان فيستغرق جميع زمن عمره
فيكون " مما تجمعون " شاملا لكل ما تجمعونه من ملاذ الدنيا وحطامها مدة أعماركم كلها
والمعنى أن المغفرة والرحمة اليسيرة التي تلحق العبد بعد موته أو قتله في سبيل الله خير له من جميع أنواع ملاذ الدنيا ومنافعها وطيبتها التي جمعها مدة عمره كله
وعلى قراءة "يجمعون " فالمعنى يكون شاملا لكل ما يجمعه الناس جميعا على مدى أعمارهم وعلى مر السنين والأعوام
فتلك الرحمة والمغفرة خير وأفضل من جميع ما يجمعه الناس كلهم مدة أعمارهم جميعهم و من الأدلة على ذلك إفراده المغفرة والرحمة وجاء ب يجمعون بصيغة الجمع
ورُوي عن ابن عباس :" ( خير من طلائع الأرض ذهبة حمراء )

وفي الآية التفات على قراءة "يجمعون" التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ ..أما على قراءة التاء " تجمعون" فليس فيها إلتفات


ونظير الآية قوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} {يونس:58)
وكقوله تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32}


قوله تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ)
والخطاب في الآية عام للمؤمن والكافر . فأعلم سبحانه وتعالى أن مصير جميع الناس إليه، فيجازي كلاً بعمله
وقيل بل الخطاب خاص للمؤمنين عطفا على الخطاب السابق؛ فكان في الآية الأولى ترغيب المؤمنين في الرحمة والمغفرة وفي هذه الآية ترغيبهم بالحشر إلى الله فزاد في إعلاء درجتهم.

" ولئن"؛.."لإلى "
والكلام في اللامين كالكلام في أختيهما في الآية السابقة
وجيء ب " إن" الشرطية المشكوك في وقوع شرطها أو القليل والنادر الوقوع دون "إذا " الشرطية التي هي بعكسها؛ لأن مسألة البعث والنشور والحشر منزل عند هؤلاء منزلة المشكوك في وقوعه أو القليل النادر الوقوع ؛ و الذي يدل على ذلك حالهم فهم في غفلة عظيمة في انشغال بالدنيا واهتمام لها وتعب ونصب في جمعه حطامها الفاني ناسين أو متناسين أمر الآخرة والوقوف بين يدي الله ؛فأضحى حالهم كحال من لا يتوقع بعثا بل لعل كحال من لا يتوقع موتا أصلا
قال محمد محمد أبو موسى :"....تجدها تشير إلى غفلتهم، وكأنهم في حال من لا يتوقع الموت"

-وقوله " مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ"
والمراد بالموت الموت الطبيعى؛ خروج الروح حتف الأنف ؛ وبالقتل عموم القتل سواء كان في سبيل الله أو في البيت أو غير ذلك كيف كان؛ ويدخل فيه القتل الخطأ والقتل العمد والقتل في ساحة الجهاد والقتل من حيوان ؛ والقتل بثأر وغير ذلك ويدخل في الآية جميع الناس المؤمن منهم والكافر ..فالآية لم تقيده فالأولى حمله على الإطلاق .

قال الشيخ رشيد رضا :"...إن الموت والقتل هنا أعم مما في الآية السابقة ، لأن كل من يموت ومن يقتل في سبيل الله ، وهي طريق الحق والخير أو في سبيل الشيطان ، وهي طريق الباطل والشر . فلا بد أن يحشر إلى الله تعالى دون غيره ؛ فهو الذي يحشرهم بعد الموت في نشأة أخرى ، وهو الذي يحاسبهم ويجازيهم . " اهـ
و قُدم الموت هاهنا لعمومه ولأنه الأغلب في الناس من القتل. فأكثر الناس ومعظهم يموتون ميتة طبيعية على فراشهم لا قتل فيه
-و كلا من الموت والقتل مستويان في الحشر؛ والمعنى: إنكم بأي سبب اتفق هلاككم تحشرون إلى الله تعالى .فتلك هي غاية كل أحد مات أو قتل.
-وذهب بعض أهل العلم أن المراد به الموت والقتل في سبيل الله بقرينة ما قبلها.
وحمل الآية على العموم أولى لأنها جاءت مطلقة غير مقيدة ؛ ولأنها جاءت في سياق الوعظ بالآخرة والحشر والتزهيد في الدنيا والآخرة .وبيان سنة الله في الناس كافة أن الجميع مصيره إلى الله

من المحسنات البديعية في الآيتين:
-رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ فقد جعل الْقَتْلِ مَبْدَأَ الْكَلَام في الآية الأولى ثم ختم به الكلام في الآية الموالية
فقال : {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }..صدر الكلام ب "قتلتم" وأخره في الآية التالية قال {"وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ } .
التفنن في التقديم والـتأخير
-وقد اقترن القتل مع الموت ثلاث مرات؛ في هاتين الآتين وفي الآية التي قبلهما.. وتقدم الموت على القتل في الأول والأخير منها، وتقدم القتل على الموت في المتوسط تبعا لتقديم الأهم والأشرف.
ففي الآية الأولى قال تعالى " {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } . قدم الموت على القتل في هذا الآية لمناسبة قوله." إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى" فرجع الموت لمن ضرب في الأرض ؛ ورجع القتل لمن غزا
أما في الآية الأخيرة قوله "وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ قدم الموت باعتبار الأغلب

.
قوله تعالى "لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ "
" لإلى " ..لام الابتداء في جواب قسم ؛ و "إلى " حرف جر لانتهاء الغاية؛ فغاية جميع العالمين إلى الله عزوجل
-تقديم المعمول على العامل لإفادة الحصر والاختصاص ؛ والمعنى إلى الله وحده يحشر العالمون لا إلى غيره ، وهذا يدل على أنه لا حاكم في ذلك اليوم ولا ضار ولا نافع إلا هو.

وإدخال لام التأكيد في اسم الله حيث قال : { لإلى الله } فيه تنبيه و إشارة إلى أن الإلهية تقتضي هذا الحشر والنشر
واسم "الله" علم على ذات الله عزوجل وهو من أعظم الأسماء؛ و هو الاسم الجامع ؛ومرجع جميع الأسماء إليه ؛ و إليه تضاف جميع الأسماء .
واسم (الله) يشتمل على معنيين عظيمين متلازمين:
المعنى الأول: هو الإله الجامع لجميع صفات الكمال والجلال والجمال.
المعنى الثاني: هو المألوه أي المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه.

وفي التعبير باسم "الله " دون غيره من الأسماء فوائد
- أن اسم "الله " دال على كمال الرحمة وكمال القهر ، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد ، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد.أفاده الرازي
-فيه التنبيه على إخلاص العمل لله عزوجل وابتغاء وجهه لأن الحشر كائن إلىمعبودكم الذي توجهتم إليه . وبذلتم مهجكم لوجهه لا إلى غيره .
-وفيه التعريض إلى من عبد غير الله وجاهد وقاتل لغير وجه الله ؛ كالمنافقين والكفار والمشركين ؛ أن عمله غير مقبول ولن يجد أجره وجزاءه ؛ لأن حشره يكون لهذا الإله الحق لا إلى غيره و هو الذي يجازى عباده على أعمالهم


قوله : " تحشرون " فعل لما لم يسمى فاعله ؛ والفاعل هو الله عزوجل ولم يقع التصريح بالفاعل للتعظيم
قال الرازي رحمه الله تعالى :"وإنما لم يقع التصريح به لأنه تعالى هو العظيم الكبير الذي ، شهدت العقول بأنه هو الله الذي يبدئ ويعيد ، ومنه الإنشاء والإعادة ، فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة" " اهـ
والأصل أن الفعل المضارع المثبت إذا كان مستقبلاً وجب توكيده بالنون ، مع اللام ،ولم يؤكد في هذه الآية وفي سبب ذلك قال أبو حيان :" ولم يؤكد الفعل الواقع جواباً للقسم المحذوف لأنه فصل بين اللام المتلقى بها القسم وبينه بالجار والمجرور ولو تأخر لكان : لتحشرن إليه كقوله : ليقولن ما يحبسه. " اهـ

وحشر النَّاسَ : جَمَعَهم وحشدهم ؛ والحشر:الاجتماع و الحَشْر :اجتماع الخَلْق يومَ القيامة . ؛ والمَحْشَرُ : المجمع الذي يحشر إِليه القوم؛ لهذا يقال يوم القيامة يوم المحشر
قال ابن فارس:وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُونَ: الْحَشْرُ الْجَمْعُ مَعَ سَوْقٍ، وَكُلُّ جَمْعٍ حَشْرٌ" اهـ
-فلفظ الحشر فيه زيادة معنى على لفظ الجمع ؛فهو جمع مع سوق.
والتعبير بالحشر إشارة إلى أن جميع الخلق يجتمعون ويجمعون ويوقفون في أرض المحشر فيجتمع الظالم مع المظلوم و القاتل مع المقتول ؛والحاكم مع رعيته؛ والسيد مع عبده ؛ والله عزوجل يحكم بينهم جميعا بحكمه العدل


قال أبو زهرة: والتعبير بالحشر إشارة إلى أن الجميع يجتمعون لا يفلت منهم أحد ؛ فالمنافقون والمشركون والمؤمنون الذين قتلوا والذين نجوا مجموعون عند ربهم ، وسيلقاهم ، وسيحاسب كل امرئ بما كسب ، للمجاهدين مقامهم ، ولغيرهم مهواهم الذي هووا إليه ، ففي هذا إنذار وتبشر وتذكير بلقاء الله العلي الكبير ، اللهم هب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الغفور الرحيم .اهـ
ومعنى الآية على أي طريقة كان هلالكم سواء كان بالموت أو بالقتل قتل الخطأ أو قتل العم أو غير ذلك فالجميع غايته و مصيره إلى الله عزوجل وحده لا إلى غيره فيجزي كلاً منكم كما يستحق فيجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته وليس غيره يرجى منه ثواب ، أو يتوقع منه دفع عقاب...وفيها حث على الفرار من عذاب الله وعقابه؛ لأن الحشر يكون إليه وحده يكون ولا أحد يملك لكم ضرا ولا نفعا

وفي الآتين تفريق بين قتل و الموت في سبيل الله و وبين الموت والقتل العادي
فالذي في سبيل ا لله ينال رحمة من الله ومغفرة لذنوبه و ليس ذلك إلا للمسلمين...أما القتل بشكل عام يكون
للمسلمين وغيرهم و يكون فيه ظالم ومظلوم .فيجب أن يكون هنالك حكم عدل يفصل بينهم ....
فمتى يُنتصف للمظلوم ؟ يُنتصف له يوم القيامة ... حيث يُحشر الجميع بين يدي الله ... الظالم والمظلوم..فقد يكون القاتل هو المظلوم .. والمقتول هو الظالم ... ولهذا جاء التعبير الإعجازي في الآية الثانية " لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ".


وفيهما أن هلاك الإنسان ليس له إلا طريقين موت أو قتل ..فالكل هالك والكل يقدم على ربه ؛ فليحرص العبد على الموافاة على الشهادة والإخلاص وابتغاء وجه ليحرز ثوابها ويجده وقت الحشر .

-و في الآية تفريق بين الموت والقتل
قال الرازي.." وتمسك القاضي بهذه الآية على أن المقتول ليس بميت ، قال : لأن قوله : { ولئن متم أو قتلتم } يقتضي عطف المقتول على الميت ، وعطف الشيء على نفسه ممتنع .
المصادر والمراجع

1. معاني القرآن للأخفش، سعيد بن مسعدة (ت 215هـ)
2. -جامع البيان لابن جرير. (310)
3. -معجم مقاييس اللغة ابن فارس (395)
4. -الكشف والبيان للثعلبي.(427)
5. -الهداية لمكي بن أبي طالب. (437)
6. معالم التنزيل البغوي (516هـ).
7. -الكشّاف للزمخشري (538)
8. -المحرر الوجيز لابن عطية.(542)
9. -مفاتيح الغيب للرازي (606ـ).
10. النهاية في غريب الحديث والأثر .. ابن الأثير (606هـ)
11. -أحكام القرآن للقرطبي.(671)
12. -أنوار التنزيل و أسرار التأويل للبيضاوي (ت 685هـ).
13. -مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي (ت 710 هـ).
14. -مجموع الفتاوى ابن تيمية الحراني (728هـ).
15. -البحر المحيط لأبي حيّان ( 745)
16. -الدرّ المصون للسمين الحلبي (.756)
17. -تفسير ابن كثير. (774)
18. -إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود (ت 982هـ).
19. -روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي (ت 1270هـ).
20. -محاسن التأويل للقاسمي. (ت 1332هـ)
21. -تفسير المنار لرشيد رضا. (ت 1354هـ)
22. -تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي (ت 1376 هـ).
23. - الجدول في إعراب القرآن الكريم محمود بن عبد الرحيم صافي (1376هـ)
24. -زهرة التفاسير لأبي زهرة. (ت 1394هـ)
25. - التحرير والتنوير لابن عاشور ( 1393)
26. إعراب القرآن وبيانه محيي الدين درويش (1403ـ)
27. – دراسات لأسلوب القرآن الكريم محمد عبد الخالق عضيمة (ت 1404 ه
28. -تفسير ابن العثيمين ( 1421)
29. -خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني محمد محمد أبو موسى
30. دروس البلاغة
31. – معاني النحو د. فاضل صالح السامرائي
32. –لمسات بيانية د. فاضل صالح السامرائي

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 5 ربيع الأول 1441هـ/2-11-2019م, 09:35 PM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

رسالة تفسيرية بالأسلوب البياني
في قوله تعالى
( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ، ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون )

لما كان الوقوف على أي جانب من جوانب المعنى أو البلاغة في القرآن يستلزم الوقوف على سياق الآيات والتناسب بينها وسبب نزولها كان لا بد هنا من بعض الوقفات عند ذلك ...

🔹نزول الآية :
هذه الآيات من سورة آل عمران هي من الآيات التي نزلت عقب غزوة أحد ، تلك الغزوة التي كانت تمحيصا للصف المسلم في ميدان الأرض وفي ميدان النفوس ، وتنقية للدواخل وتربية للنفوس ...
ففيها انسحب المنافقون بقيادة عبد الله ابن أبي بن سلول بثلاثمئة ممن شاكله قبل بدء القتال .. وبدأ تخذيل الصف المسلم ؛ وفيها خالف الرماة أمر رسول الله فانكشفت ظهور المسلمين فالتف عدوهم من حولهم ؛ وفيها أشيع نبأ موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فماجت الصفوف وارتبكت وثبت من ثبته الله ... وفيها فر من استزلهم الشيطان كما قال تعالى ثم عفا الله عنهم ؛ وفيها بين الله أن منهم من قد أهمته نفسه ومنهم من أراد الدنيا ؛ حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما شعرت أن أحداً من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنـيا وعَرَضها حتـى كان يوم أحد ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) وفيها كثرت الجراح .. جراح الأبدان وجراح النفوس ؛ فجاءت آل عمران تربية ؛ تلملم شتات النفوس ؛ وتعالج جراحات الأرواح ، و تطبطب على من استقر الإيمان في نفوسهم لكنهم زلوا فتمسح عنهم آلامهم بالعفو والمغفرة .. وترفع قدر تلك الثلة الثابتة التي صمدت في وجه كل ما يزلزلها والتفت حول رسول الله فقاتلت دونه حتى النهاية ، وفيها تسلية لقلب رسول الله وللمؤمنين وبشرى لهم في أن من قتل في المعركة شهيد والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ...
وسط هذا الحشد من الآيات التي تربي الصف المسلم تأتي هذه الآيات ...

🔹مناسبة الآيات لما قبلها :
هاتان الآيتان جاءتا بعد الآية التي نهت المسلمين على قول مقولة المنافقين (لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) ... أي لو لم تخرجوا للقتال ولا خرجتم من بيوتكم ما حصل فيكم ما حصل ولكان من قتل منكم الآن أحياء يتنعمون ؛ فردت الآيات عليهم تكذيبا لقولتهم وبينت أن الموت والحياة بيد الله ، لا يقدم الموت سفر ولا غزو ، ولا يؤخره إقامة وسكنى ... فالله هو المحيي والمميت ، ومن حانت ساعته ووافت منيته مات على أي حال كان ، فقد يعود المسافر والغازي حيا ويموت القاعد في بيته ...
قال تعالى : ( قُلْ لَّو كُنتُم فِي بُيُوتِكُم لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم}
فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يمضي حياته مجاهدا مقاتلا ثم يموت على فراشه حتى قال هو في ذلك : ( ما فىّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة، وها أنا ذا أموت كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء )

جاءت هذه الآيات بعدها تبين ما يترتب على موتهم أو قتلهم في سبيل الله من المغفرة والجزاء العظيم ، وأن ذاك الجزاء خير لهم مما يحرصون على جمعهم في دنياهم ؛ وأنهم على أي حال وافتهم المنية راجعون إلى الله محشورون إليه

🔹مقصد الآيات :
حث المؤمنين وتحفيزهم على الجهاد في سبيل الله لأن ما يترتب عليه من عظيم أجر عند الله هو خير من الدنيا وما فيها ؛ وذلك مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون لا أن يتخاذلوا عنه ... فإن من حانت ساعته حانت منيته على أي حال كان ... ولن يدفع القعود موتا ولن يعجل القتال أجلا ؛ ( من لم يمت بالسيف مات بغيره ) ...
وفي الآيات تزهيد لهم في الدنيا ، فإن هذه الدنيا التي خشيتم الجهاد في سبيل الله حرصا على البقاء فيها سترحلون منها يوما لتلاقوا ربكم فيحاسبكم ؛ فهي مما ينبغي الزهادة فيه لا الحرص عليه ...

🔹القراءات :
-( متم ): قرأ حمزة والكسائي بكسر الميم في مِتم ، وهي بذلك من مات يمات
وقرأ الباقون بضمها ( مُتم ) فهي من مات يموت

-( يجمعون ) : قرأ حفص عن عاصم بالياء التحتية والباقون بتاء المخاطب ( تجمعون )

🔹المسائل البيانية في الآية :
( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون )
عن ابن إسحاق: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }: أي إن الـموت كائن لا بد منه، فموت فـي سبـيـل الله أو قتل خير لو علـموا فأيقنوا مـما يجمعون فـي الدنـيا التـي لها يتأخرون عن الـجهاد، تـخوّفـاً من الـموت والقتل لـما جمعوا من زهيد الدنـيا وزهادة فـي الآخرة.

وفي هذا المعنى قال عنترة
بكرت تخوفني الحتوف كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل
فأجبتـــها إن المنـــية منهـــل ... لا بد أن أسقى بكأس المنهل
فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل


ولئن ...
ابتدأ باللام الموطئة للقسم ، وهي اللام التي تدخل على أداة الشرط وهي هنا ( إنْ) إيذانا أن الجواب بعدها هو جواب القسم لا جواب الشرط إذ يسد جواب القسم مسد جواب الشرط ... وجوابها يقترن باللام المؤكدة ...
والابتداء بهذه اللام الدالة على وجود قسم محذوف فيه تأكيد لهذا الشرط ؛ وذلك أبلغ في الحض لهم على الجهاد والقتال ...

▪وجواب هذا الشرط هنا كما قال النحويون محذوف دل عليه جواب القسم ( لمغفرة من الله ورحمة ) وهو جملة اسمية مؤكدة باللام الواقعة في جوابها
- قال ابن مالك :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ... جواب ما أخرت فهو ملتزم
فكأن المعنى : والله إن قتلتم في سبيل الله أو متم ليغفرن الله لكم وليرحمنكم
والمتأمل في هذا التعبير البلاغي الذي دلت عليه الآية ليظهر كم من التأكيد لذلك الجزاء وكم من الحث والحض لهم على أن يقوموا فينالوا تلك المغفرة والرحمة ...

- وذلك كما قال الشاعر :
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي

فمادام ذلك القتل او الموت في سبيل الله فجزاؤه حاصل كما وعد الله وأكد على ذلك باللام الموطئة للقسم وجزائها المؤكد باللام

وقدم القتل في سبيل الله على الموت في الذكر هنا لأن الحديث في مقام الحث على الجهاد والخروج في سبيل الله فناسب تقديم القتل لأنه الحاصل في الجهاد ، أما موت الإنسان حتف أنفه يكون في بيته وأهله وبلده كما يكون في السفر والخروج في سبيل الله
كما أن التقديم هنا ابتداء بذكر الأشرف والأهم في تحصيل المغفرة والرحمة ؛ فترتب المغفرة والرحمة لمن يرتقي شهيدا في القتال أقرب

ومجيء الجملة الاسمية التي تفيد الثبوت والاستمرار أبلغ في تحقق الوصف من الفعل المبني على التجدد ؛ فلم يقل ( ليغفرن لكم وليرحمنكم ) مع كون صيغة الجواب مؤكدة ؛ بل جاء بالاسم فكأن المغفرة والرحمة ملازمة ملابسة للقتل والموت في سبيل الله ، متى وقعا تحققت معهما...

وفي رفع مغفرة قولان .. وكل منها له دلالته ..
أ. فقيل مرفوعة على الابتداء ، فتكون مغفرة مبتدأ ؛ ورحمة معطوفة عليها ، خبرها : خير ؛ فتكون الجملة كلها جوابا للقسم
فقتلكم في سبيل الله يترتب عليه المغفرة والرحمة ، والمغفرة والرحمة خير مما يجمعون

ب. وقيل بل مرفوعة على أنها خبر لمبتدأ مضمر دل عليه قوله تعالى ( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم ) وذلك للمبالغة في تحقق المغفرة والرحمة عند الخروج للجهاد ؛ أي كأن القتل في سبيل الله والموت هما المغفرة والرحمة
فكأن القول : فذلك ( أي القتل والموت في سبيل الله ) مغفرة ورحمة خير ، وخير على هذا القول صفة لا خبر

وتنكير مغفرة ورحمة للتقليل ، أي أن أقل مغفرة ورحمة من الله بل نسمة من نسمات هذه الرحمة خير من كل ما تجمعون أنتم أو تحرصون على جمعه من خيرات الدنيا ( على قراءة حفص لها بتاء المخاطب ) ، أو يجمع غيركم من المنافقين والكفار وغيرهم في هذه الدنيا من لذاتها ومتاعها وخيراتها التي حاولوا إثناءكم عن الخروج بإغرائكم بها ( على القراءة بياء الغيبة ) ..
فكما قال تعالى ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق) والقليل الدائم خير من الكثير الفاني ، فكيف لو كان الدائم عطاء وفيرا وأجرا مضاعفا ...

قال ابن عثيمين : و الجَمْع بين المغفرة والرحمة ليكملَ للإنسانِ سعادتُه؛ إذ بالمغفرةِ زوالُ المكروه، وبالرَّحمةِ حصولُ المطلوب

و( ما ) هنا :
- إما موصولة : أي خير من الذي تجمعون/ يجمعون من متاع الدنيا وزينتها
- وإما مصدرية : أي خير من جمعكم الذي جمعتم أو جمعهم الذي جمعوه

🔺وكيف لا تشوقهم هذه الآيات لنيل هذا الثواب ورسول الله يخبرنا أن الشهيد ينال ست خصال عند أول قطرة من دمه جعل أولها مغفرة ذنوبه كما روى الترمذي في سننه : عن المقدام بن معديكرب الكندي قال : للشهيد عندَ اللهِ ستُّ خصال : يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذاب القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ ؛ قال الترمذي : حسن صحيح غريب

🔺وكما روى مسلم في صحيحه في فضل الجهاد في سبيل الله : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «تضمَّن اللهُ لِمَن خرج في سبيله، لا يُخرِجه إلاَّ جهادًا في سبيلي، وإيمانًا بي، وتصديقًا برسلي، فهو علي ضامنٌ أن أُدخِلَه الجنَّة، أو أُرجِعَه إلى مسكنِه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجْر أو غنيمة،
وقال عليه السلام في نفس الحديث : ( والذي نفس محمد بيده، لوددتُ أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل )


بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هذا قولك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فكيف لا تفنى قلوب المسلمين شوقا وتوقا لما وددته وهم يتنافسون أيهم أقرب منك منزلة وأدنى مجلسا وأشبه رغبة وشوقا

وقوله تعالى في وصف هذه المغفرة ( من الله ) زيادة تكريم وتشريف ورفعة قدر ، فهذه المغفرة والرحمة ليست أي مغفرة ، بل هي من الله جل جلاله ، فهو الغفور الرحيم ... وهو الذي يعطي وعطاياه تجل عن الوصف ...فذكر ( من الله ) مع أن المعروف أن المغفرة والرحمة من الله ، لكن ذكرها زيادة في تكريم أصحاب تلك المغفرة ، وبيان لعلو شأنها ، ثم زيادة في التحفيز لنيلها ، والتنافس ليكون من أهلها ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) ،

ولم يذكر صفة للرحمة :
لأنه يفهم أن هذه الرحمة من الله كذلك ، فاستغنى بذكرها سابقا عن إعادتها ،
ثم لأن المغفرة من الله إن تحققت فهي جل ما يتمناه المرء من الرحمة ، فكما قال صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل أحد الجنة بعمله فلما قيل له ( ولا أنت يا رسول الله ، قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) فمن غفر الله له فقد رحمه ، ومن رحمه فقد فاز فوزا عظيما

🔺وفي ذلك لطيفة أخرى :
أن الله قرن القتل بقوله ( في سبيل الله ) ، والقتل في سبيل الله مما تترتب عليه مغفرة الذنوب عند أول دفقة دم كما مر في الحديث السابق ... فخص وصف المغفرة بأنها من الله مناسبة للقتل في سبيل الله
وذكر الموت مجردا من ذكره ( في سبيل الله ) مع أن الخطاب للمؤمنين ، وحياة المؤمن كلها في سبيل الله ، ولكن ليكون التمييز بين الموت في ساحة القتال وهو القتل في سبيل الله ، والموت حتف الأنف ، فناسب تجريد الموت من قوله ( في سبيل الله ) ذكر الرحمة مجردة من قوله تعالى ( من الله ) مع العلم أنها منه سبحانه

🔹ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون
ولئن : كما مر سابقا ؛ في اللام الموطئة للقسم
و( لإلى الله تحشرون ) جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة سادّ مسدّ جواب الشرط،
وهذه الآية تتمة للآية قبلها ، فإن كانت الآية السابقة بينت ما يترتب على القتل أو الموت في سبيل الله من الجزاء ؛ فهذه الآية جاءت تؤكد على أن البعث والرجوع إلى الله هو مآل كل إنسان سواء قتل في المعركة أو مات حتف أنفه أو على أي وجه كانت خاتمته ...
وكأن الآية تقول للمؤمنين خاصة وللناس عامة لئن كنتم ستحشرون إلى الله ثم ستحاسبون على أعمالكم على أي حال كان موتكم فموتوا في سبيل الله خير لكم
🔺وذلك كما قال أنس بن النضر للمسلمين في أحد بعد إشاعة مقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن كان رسول الله قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه )

🔺وكما قال الشاعر :
ولو أنا إذا متنا تركتا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شيء


▪وفي ذلك تهوين من شأن الدنيا وتعظيم لأمر الآخرة وحض على العمل لذلك اليوم ، فمن علم أن الموت هو بداية الحياة الآخرة وبعده حشر وحساب وجزاء عمل واجتهد ، ومن علم أنه ماض إلى الله ملاقيه مات على فراشه أو في ساحات القتال حرص على المضي إليه شهيدا فذلك خير له ...
كما أن فيه بشارة للمؤمن وطمأنة له أنه مهما كان الذي سيلاقيه من عدوه وخصومه فهو راجع إلى مولاه ، وعند الله تحتكم الخصوم ؛ فينشرح صدره لذلك ويقدم مقبلا غير مدبر

🔺قال أبو حيان : وتضمنت الآية تحقير أمر الدنيا والحرص على الشهادة، وأن مصير العالم كلهم إلى الله، فالموافاة على الشهادة أمثل بالمرء ليحرز ثوابها ويجده وقت الحشر.

وقدم هنا الموت على القتل بخلاف الآية السابقة وذلك لأنه الأعم الأغلب في موت الناس عامة ، فموت الناس خارج ساحات القتال هو الأكثر فقدمه لذلك ...

كمان أن في تأخير القتل هنا خلاف الآية السابقة تفنن في الكلام برد العجز على الصدر وجعل القتل مبدأ الكلام وعوده ( ولن قتلتم في سبيل الله أو متم ) ( ولئن متم أو قتلتم )

🔺وعن تقديم الموت على القتل أو العكس في الآيات الثلاثة ( أي هاتين الآيتين والآية التي سبقتهما ( ما ماتوا وما قتلوا ) قال ابن عطية في تفسيره : وترتب الموت قبل القتل في قوله {أية ما ماتوا وما قتلوا} مراعاة لرتبة الضرب في الأرض والغزو فقدم الموت الذي هو بإزاء المتقدم الذكر وهو الضرب،
وقدم القتل في قوله تعالى: {ولئن قتلتم} لأنه ابتداء إخبار، فقدم الأشرف الأهم، والمعنى: أو متم في سبيل الله، فوقع أجركم على الله،
ثم قدم الموت في قوله تعالى: {ولئن متم أو قتلتم} لأنها آية
وعظ بالآخرة والحشر، وآية تزهيد في الدنيا والحياة، والموت المذكور فيها هو موت على الإطلاق في السبيل وفي المنزل وكيف كان، فقدم لعمومه وأنه الأغلب في الناس من القتل .

🔺وقال الدكتور فاضل السامرائي : فقدم القتل على الموت في الآية الأولى وقدم الموت في الآية التي تليها وسبب ذلك والله أعلم أنه لما ذكر في الآية الأولى (في سبيل الله) وهو الجهاد قدم القتل إذ هو المناسب لأن الجهاد مظنّة القتل، ثم هو الأفضل أيضاً ولذا ختمها بقوله (لمغفرة من الله ورحمة) فهذا جزاء الشهيد ومن مات في سبيل الله. ولما لم يقل في الثانية (في سبيل الله) قدم الموت على القتل لأنه الحالة الطبيعية في غير الجهاد ثم ختمها بقوله (لإلى الله تحشرون) إذا الميت والمقتول كلاهما يحشره الله إليه.. فلم يزد في غير الشهيد ومن مات في سبيل الله على أن يقول (لإلى الله تحشرون) وقال في خاتمة الشهيد (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون)

وأطلق الموت والقتل فلم يقيدهما كما في الآية السابقة قيل ليفيد العموم فيكون الخطاب للناس عامة في أي موت أو قتل فكل ميت سيحشر إلى الله ويلقاه فيحاسبه ويجازيه

وقدم ( إلى الله ) على الفعل ، فقال ( لإلى الله تحشرون) ولم يقل لتحشرن إلى الله ، وذلك للاختصاص كما بين ذلك الزركشي في البرهان والزمخشري في تفسيره ... فإلى الله لا إلى غيره يحشر العالمون ، فلا حاكم ولا ملك في ذلك اليوم إلا الله جل جلاله ...

🔺بين الزركشي أن تقديم الظرف إن كان في الإثبات دل على الاختصاص كالموضع هنا ،وإن كان في النفي دل على تفضيل المنفي عنه كقوله تعالى ( لا فيها غول )

🔺أما أبو حيان فقد بين أن للتقديم هنا معنى آخر فقال في البحر المحيط : وإنما يدل التقديم على الاعتناء بالشيء والاهتمام بذكره، كما قال سيبويه: وزاده حسنا هنا أن تأخر الفعل هنا فاضلة، فلو تأخر المجرور لفات هذا الغرض

وفي التصريح بذكر الله هنا مع تخصيص ذكر هذا الاسم دون غيره من أسمائه سبحانه للدلالة على كمال اللطف وكمال القهر لعباده
ففي تذكير المؤمنين بأنهم إلى الله مرجعهم لا إلى غيره بشارة وطمأنة لهم
وفي تذكير الكفرة بهذا الرجوع وهذا المآل قهر وتخويف

▪وقوله ( تحشرون ) بفعل مبني لما لم يسم فاعله وذلك للعلم بأن فاعل ذلك الحشر هو الله سبحانه ، وفي عدم التصريح به تعظيم وإجلال له سبحانه

🔺 قال الراغب: تضمنت هاتان الآيتان إلزاماً هو جار مجرى قياسين شرطيين اقتضيا الحرص على القتل في سبيل الله تمثيله: إنْ قتلتم في سبيل الله، أو متّم، حصلت لكم المغفرة والرحمة، وهما خير مما تجمعون. فإذاً الموت والقتل في سبيل الله خير مما تجمعون.
ولئن متم أو قتلتم فالحشر لكم حاصل.
وإذا كان الموت والقتل لا بد منه والحشر فنتيجة ذلك أن القتل والموت اللذين يوجبان المغرفة والرحمة خير من القتل والموت اللذين لا يوجبانهما.

المراجع والمصادر :
- صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري 261 هـ
- جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير الطبري ( 310 هـ )
- الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لأبي هلال العسكري ( 395 هـ )
- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ( 425 هـ )
-النكت والعيون للماوردي ( 450 هـ)
الكشاف للزمخشري ( 538 هـ )
- المحرر الوجيز لابن عطية ( 541 هـ )
- زاد المسير في علوم التفسير لابن الجوزي ( 597 هـ)
- مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير لفخر الدين الرازي 606 هـ / دار إحياء التراث العربي - بيروت
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ
-البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي ( 754هـ)
-الدر المصون للسمين الحلبي ( 756هـ)
-تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 774 هـ )
البرهان في علوم القرآن للزركشي ( 794 هـ )
- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ( 885 هـ )
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 911 هـ
- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ
- روح المعاني للألوسي ( 1270 هـ )
-في ظلال القرآن لسيد قطب ( 1386 هـ)
-التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور ( 1393 هـ )
-تفسير ابن عثيمين ( 1421هـ)
-الجنى الداني من جماليات النص القرآني للدكتور أسامة عبد العزيز جاب الله
-أسلوب الشرط والقسم من خلال القرآن الكريم - صبحي عمر شو
-لمسات بيانية للدكتور فاضل صالح السامرائي

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 ربيع الأول 1441هـ/22-11-2019م, 04:01 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم العاشر من تفسير سورة آل عمران

(الآيات 153-171)


أحسن الله إليكما.
ينتبه إلى أننا نختار من مسائل الآية موضوع الرسالة ما يتعلّق فقط بأسلوب الرسالة وما يخدم موضوعها، أما إيراد مسائل لسنا بحاجة لها في الرسالة الأساسية كمسائل القراءات التي لا تؤثّر في المعنى فيعتبر إطالة غير محمودة.


1: عقيلة زيان أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

2: هناء محمد علي أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir