- تلخيص تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
المسائل :
نزول السورة :
بإجماع أغلب المفسرين أنها مدنية لاخلاف فيها ، إلا بعض قليل منهم ذكر أن بها آيات مكية .
دليل من ذكر أنها مدنية :
ذكر ابن كثير في تفسيره ، وروى من طريق عبد اللّه بن لهيعة، عن أخيه عيسى، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: ( لمّا نزلت سورة النّساء قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا حبس).
وذكر السيوطي في تفسيره : أخرج ابن الضريس في فضائله والنحاس في "ناسخه"، وَابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" من طرق عن ابن عباس قال: (نزلت سورة النساء بالمدينة)).
وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال: نزل بالمدينة النساء).
وروي في تفسير ابن كثير (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الحمال، قَالَ: حَدَّثَنَا مجاهد بْن مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللهِ بْن بكر بْن حبيب السهمي، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد ابْن أبي عروبة، عَنْ قتادة، قَالَ " نزل بالمدينة النساء "تفسير ابن المنذر
في تفسير ابن المنذر قال : وَأخرَج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: (أنزلت بالمدينة سورة النساء و{يا أيها النَّبِيّ لم تحرم}..
ومن ذكر أنها مكية :
قال القرطبي : كلها مدنية إلّا آيةً واحدةً نزلت بمكّة عام الفتح: في عثمان بن طلحة الحجبيّ، وهي قوله تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} .
قال النّقّاش وعلقمة وغيرهم : نزلت عند هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة إلى المدينة، وعلى ما تقدّم عن بعض أهل العلم أنّ قوله تعالى: {يا أيّها النّاس} الآية [النساء: 1] حيثما وقع، فإنّه مكّيٌّ يلزم أن يكون صدر هذه السّورة مكّيًّا .
وقال النّحّاس: هذه الآية مكّيّةٌ.
وقال الجوزي : أنها مكية. رواه عطية عن ابن عباس وهو قول الحسن ومجاهد وجابر بن زيد وقتادة).
وقال القرطبيّ: والصّحيح الأوّل، فإنّ في صحيح البخاريّ عن عائشة أنّها قالت: (ما نزلت سورة النّساء إلّا وأنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم)، يعني: قد بنى بها.
القراءات في هذه الآية :
-في قوله (تساءلون )
جاء فيها قراءتان :
( تَسَّاءَلُونَ) بالتشديد ،وهيقراءة قراء أهل المدينة والبصرة ، ، بمعنى تتساءلون ، وتم ادغام إحدى التاءين في السين ، فصارت سيناً مشددة، لقرب مكان هذه من هذه.
وقرأه بعض قراء الكوفة بالتخفيف ، ( تسَاءلون ) ، وحذفت التاء الثانية لاجتماع التاءين، وبسبب ثقل في اللفظ وقع الحذف استخفافا، لأن الكلام غير ملبس.وبأي قرأ القارئ أصاب الصواب. خلاصة ماذكره الطبري والزجاج وابن عطية.
-القراءة بقوله والأرحام ورأي المفسرين فيها
قال ابن عطية : أرحام نصب على العطف على موضع به لأن موضعه نصب، والأظهر أنه نصب بإضمار فعل تقديره: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وهذه قراءة السبعة إلا حمزة، وعليها فسر ابن عباس وغيره،
-وقرأ عبد الله بن يزيد- والأرحام- بالرفع وذلك على الابتداء والخبر مقدر، تقديره: والأرحام أهل أن توصل .
-وقرأ حمزة وجماعة من العلماء- «والأرحام» - بالخفض عطفا على الضمير، والمعنى عندهم: أنها يتساءل بها كما يقول الرجل: أسألك بالله وبالرحم، هكذا فسرها الحسن وإبراهيم النخعي ومجاهد، وهذه القراءة عند رؤساء نحويي البصرة لا تجوز، لأنه لا يجوز عندهم أن يعطف ظاهر على مضمر مخفوض .
قال الطبري : الْعَرَبَ لَا تَعْطِفُ بِظَاهِرٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى مَكْنِيٍّ فِي حَالِ الْخَفْضِ، إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ.وذكره ابن عطية .
وأما سيبويه فهي عنده قبيحة لا تجوز إلا في الشعر .
قال الزجاج :الجر في الأرحام فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تحلفوا بآبائكم)).
وذكر الزجاج عن المازني: لأن المعطوف والمعطوف عليه شريكان يحل كل واحد منهما محل صاحبه، فكما لا يجوز: مررت بزيدوك، فكذلك لا يجوز مررت بك وزيد .
فالراجح منها ، القراءة على النصب ، قال أبو جعفرٍ: وعلى هذا التّأويل قرأ ذلك من قرأه نصبًا، بمعنى: واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به، واتّقوا الأرحام أن تقطعوها، عطفًا بالأرحام في إعرابها بالنّصب على اسم اللّه تعالى ذكره.
المسائل التفسيرية :
بماذا ابتدأت السورة
ابتدأ اللّه سبحانه وتعالى السورة بالنداء للناس عامة ، واستهلها بالموعظة ، والحث على تقوى الله ، والخوف منه والمبادرة بالأعمال الصالحة ، والحذر من مخالفته وعصيانه ، واتبعها سبحانه بوصفه أنه المتوحد خالق الإنسان من نفس واحدة . خلاصة ماذكره الطبري والزجاج وابن عطية وابن كثير
من المخاطب في هذه الآية :
كافة الناس مؤمنهم وفاجرهم بإجماع المفسرين .
معنى الأحرف في قوله (ياأيها الناس )
قال ابن عطية : يا نداء وأي منادى مفرد والهاء تنبيه .
معنى التقوى
هي عبادته وحده لاشريك له وإخلاص العبادة له وحده ، وعدم الإعراض عن أمره ، وتحقيق التقوى في الأمور كلها . خلاصة ماذكره الطبري وابن حاتم وابن كثير ..
معنى الرب
قال ابن عطية : هو المالك المتصرف.
معنى الخلق
قال ابن عطية : الخلق هو الاختراع .
المراد بالنفس الواحدة قولا ً عن السدي وقتادة ومجاهد .
هو آدم عليه السلام. بإجماع المفسرين.
دلالة اللغة في لفظ (واحدة )
قال الزجاج : قيل في اللغة واحدة لأن لفظ النفس مؤنث، ومعناها مذكر في هذا الموضع، ولو قيل من نفس واحد لجاز.
معنى الزوج
ذكر ابن عطية : الزوج في كلام العرب : هو إمرأة الرجل ، ومنه بيت أبي فراس : وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي *كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
المراد بقوله خلق منها زوجها قولاً عن مجاهد وقتادة والسدي
يقصد بها حواء ، بإجماع المفسرين
دلالة بدء خلق حواء
أنها خلقت بأمر الله من ضلع من أضلاعه ، قال به ابن عباس ومجاهد وقتادة.
روى الطبري ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] قَالَ: " حَوَّاءُ مِنْ قُصَيرَى آدَمَ وَهُو نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: «أَثَا» بِالنَّبَطِيَّةِ امْرَأَةٌ " وروي من طريق آخر فقال : حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، وذكرها سفيان الثوري في تفسيره.
وروى الطبري حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] يَعْنِي حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ آدَمَ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ "
وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا، وكيع عن أبي هلال عن " قتادة، عن ابن عباس، قال: خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل، وخلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته في الأرض، فاحبسوا نساءكم.
وعلق شيخنا الجليل ابن باز رحمه الله على ذلك فقال : هذا موقوف، والمعنى قريب، لكنه موقوف، وفيه انقطاع، فإن قتادة لم يسمع من ابن عباس، وقتادة أيضًا هنا عنعن، والمقصود أن ابن عباس لم يرفعه إلى النبي ﷺ، وقتادة لم يقل سمعته، ولم يقل حدثني، وهو أيضاً لم يلقه........
والحاصل أن الرجل نهمة المرأة بلا شك، والرجل أوسع منها كونه يتعلق بالأرض، وقد يتعلق بغير ذلك، لكن تعلقه بالأرض أكثر للزراعة، وطلب الرزق.
معنى (بث)
تعددت المعاني فيها فمعناها : نشر قولا ً عن الزجاج وابن عطية ، و خَلَقَ وَرُوِيَ عَنِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ذكره ابن أبي حاتم ، وذرأ قولاً عن ابن كثير . وجميعها من مترادفات القول لا تخل بالمعنى.
علام يعود الضمير في قوله منهما
الضمير يعود. لآدم وحواء عليهما السلام ، باجماع المفسرين.
معنى قوله ( وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء )
قال ابن كثير : أي خلق من آدم وحواء رجالاًكثيراً ونساءً ، ونشرهم في أقطار الأرض على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم، ثمّ إليه بعد ذلك المعاد والمحشر، وذكره الطبري بهذا المعنى .
الغرض من تكرار الأمر بالاتقاء.
قال ابن عطية : تأكيد وتنبيه لنفوس المأمورين.
معنى {تساءلون به}
تعددت الأقوال في معناها :
قال الزجاج :تطلبون حقوقكم به.
وقال ابن عطية في معناها : تتعاطفون ، قول ابن عباس .
روى الطبري وقال: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {تَسَاءَلُونَ بِهِ} [النساء: 1] قَالَ: «تَعَاطَفُونَ بِهِ»وذكر الطبري وابن كثير : تعاقدون وتعاهدون ،قول الضحاك .
بدلالة مارواه الطبري قَولاً : ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} [النساء: 1] قَالَ: يَقُولُ: «اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَعَاقِدُونَ وَتَعَاهِدُونَ بِهِ» ، ولعله أقرب الأقوال للمعنى.
((معنى الأرحام والاختلاف فيها
أهل التّأويل اختلفوا في تأويله :
-من قال اتّقوا اللّه الّذي إذا سألتم بينكم، قال السّائل للمسئول: أسألك به وبالرّحم.قول إبراهيم ومجاهد والحسن .
-ومن قال واتّقوا الأرحام أن تقطعوها.قول السدي وقتادة وابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد والضحاك والربيع ..
وبإجماع أغلب المفسرين معناها : اتقوا الله بالأرحام فصلوها ولاتقطعوها .ماذكره الطبري والزجاج وابن حاتم وابن عطية وابن كثير
فأساس التقوى العمل بشرعه وهدي نبيه الكريم ، فصلة الرحم شأنها عظيم ، حث وحظ عليها الشرع بهدي النبي الكريم ،روى عبدالرزاق في تفسيره قولاً ، فقَالَ: أنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ , وَصِلُوا الْأَرْحَامَ ..
معنى كلمة الرقيب
حفيظاً عليكم ، ذكره ابن عطية وابن كثير .
فائدة التذييل بقوله ( رقيباً)
لأن فيه مراقبة واطلاع وارشاد من صفته رقيب ،خلاصة ماذكره المفسرين ومنهم الطبري وابن كثير.
المعنى العام لقوله (إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا}
أي مطلع على اعمالكم ومحصيها ، ومتفقداً إياها بصلة أرحامكم والسعي لها ،. خلاصة قول الطبري وابن ابي حاتم وابن كثير.
………………………