المجموعة الثانية:
1. عرف التجريد مع ذكر أقسامه
.
التجريد في الاصطلاح :
أن ينتزع المتكلّم الأديب من أمْرٍ ما ذي وصفٍ فأكثر أمْراً آخر فأكثر مِثْلَهُ في الصفة أو الصفات على سبيل المبالغة.
حتى أنه قد صار منها، بحيث يمكن أن ينتزع منه موصوف آخر بها.
وأقسام التجريد كثيرة.
«أ» منها - ما يكون بواسطة استخدام حرف الجر "من" (من التجريدية) داخلاً على المنتزع منه....كقولنا: " لي من فلان صديق حميم .
.أي بلغ فلان من الصداقة حداً صحّ معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها.. أو يكون المعنى...كأنَّما جرَّدَ فُلاَناً من كُلٍّ ظواهره واستخرج منه صَدِيقاً حَمِيماً.
«ب » ومنه التجريد باستخدام حرف الجرّ "فِي" داخلاً على المنتزع منه.
كقوله تعالى : {ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله النار لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} [الآية: 28] .
إنّ جهنَّمَ هي دَارُ الْخُلْدِ يوم الدّين لأعداء الله، ولكن جاء على طريقة التجريد، إذِ انْتُزِعَ من جَهَنَّمَ دَارٌ وجُعلَتْ داراً لهم، بأسلوب استخدام "في" الجارّةِ الظرفية دَاخلَةً على المنتزَعِ منه.
«ج » ...ومنها - ما يكون بواسطة (الباء التجريدية) الداخلة على المنتزع منه
نحو قولهم: "لَئِنْ سَأَلْتَ فُلاَناً لَتَسْأَلَنَّ بِهِ البحْرَ، ولَئِنْ نَظَرْتَ إليه لترَيَنَّ به الْبَدْر، ولَئِنْ سَمِعْتَ كلامَه لتَجِدنَّ بِه السِّحْر".
أي بالغ في اتصافه بالسماحة، حتى انتزع منه بحراً فيها. وبالغ في اتصافه بالحسن والجمال حتى انتزع منه بدرا..وبالغ في اتصافه بحسن الكلام ورونقه حتى انتزع منه سحرا.
«د» منها ما يكون بمخاطبة المرء نفسه.
: كقول المتنبي
لا خيل عندك تهديها ولا مال*** فليسعد النطق إن لم تسعد الحال.
- فقد انتزع من نفسه شخصاً آخر وخاطبه، وهذا كثير في كلام الشعراء..
فائدة:
وإنما سمى هذا النوع تجريداً لأن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامناً فيه كأنه حقيقته، فتخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها مجرداً عن الإنسان، كأنه غيره، وهو هو بعينه،
وفائدة هذا النوع (مع التوسع) أن يثبت الإنسان لنفسه مالا يليق التصريح بثبوته له..
«ه » ومنها -..التجريد دون استخدام لفظ يَدُلُّ عليه، بلا واسطة..
ومن الأمثلة على هذا قولُ مَسْلَمَةَ الحنفيّ:
فَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةٍ ... تَحْوِي الْغَنائِمَ أَوْ يَمُوتُ كَرِيمُ
أي: تحوي هذه الغزوة الغنائم التي يَنَالُ منها ظافراً، أو يَموتُ هو فيها، فعبّر عن نفسه بقوله: "أو يَمُوتُ كريم" على طريقة التجريد، لِيُثْنِيَ على نَفْسِهِ بصفة الكريم.
2. بين معنى المغايرة مع التمثيل لها.
هي مدح الشيء بعد ذمه، أو عكسه .
- كقول الحريري في مدح الدِّينار...«أكرم به أصفر راقت صفرته»
وكقوله بعد ذمه في قوله - «تبَّا لُه من خادع ممارق»
3. مثل لما يأتي:
أـ الاستخدام.
أن يُؤتَى بلفظ له معنيان فيرادَ به أوّلاً أحدهما، ويُعَادَ الضمير عليه أو يُشَارَ إليه باسم إشارة مراداً به المعنى الآخر، أو يُرادَ بأحد ضميريه أحَدُ معنَيَيْه وَيُراد بالآخر الآخَرُ منهما. ...فالاستخدام..استعمال اللفظ المشترك في أحد معانيه ثم يعاد عليه ضمير، أو إشارة، بمعناه الآخر.
وأصل " الاستخدام":. طلب الخدمة، يقال: استخدمه, أي: استعمله في الخدمة، فكأننا استخدمنا هذا الضمير فنقلناه عن معناه الأصلي إلي معنى آخر.
مثاله:
كقول "جرير أو هو قول "معوّذ الحكماء":
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَاباً
قصد بلفظ السماء أوّلاً المطر الّذي ينزل من الماء، وأعاد الضمير عليه مريداً به النبات الذي يَنْبُت في الأرض بسبب ارْتواء الأرض بالمطر.
ب- الاستطراد.
هو أن يخرج المتكلم من الغرض الذي هو فيه إلى غرض آخر لمناسبة بينهما، ثم يرجع فينتقل إلى إتمام الكلام الأول
مثاله:
كقول - السموءل:
وإنا لقومٌ لا نرى القتل سُبّه إذا ما راته عامر وسلولُ
يقرب حب الموت آجلنا لنا وتكرههُ آجالهم فتطولُ
فسياق القصيدة، للفخر بقومه، وانتقل منه إلى هجو قبيلتي «عامر وسلول» ثم عاد إلى مقامه الأول، وهو الفخر بقومه.
ج- الافتنان.
هو الإِتيان في الكلام الواحد بفنّيْنِ مختلفين أو أكثر من فنون القول، كالمدح والهجاء، والفخر والتحدّي، والتهنئة والتعزية، والمدح والعتاب.
كقول عبد الله بن همّام السلولي، «جامعاً بن التعزية والتهنئة»
حين دخل على يزيد، وقد مات أبوه معاوية، وخلفه هو في الملك.
«آجرك الله على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية فقد رُزئت عظيماً، واعطيت جسيما، فاشكر الله على ما أعطيت، واصبر على ما رُزيت، فقد فقدت الخليفة، وأعطيت الخلافة، ففارقت خليلا ووهبت جليلاً»
اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقةٍ *** واشكر حباء الذي بالملك أصفاك
لا رُزء أصبح في الأقوام نعلمه *** كما رُزئت ولا عُقبى كعقباك
وكقول المتنبّي يعاتب سيف الدولة ويمدحه من قصيدة:
يَا أَعْدَلَ النَّاسِ إلاَّ في مُعَامَلَتي ... فِيكَ الخِصَامُ وأنْتَ الخَصْمُ والحَكَمُ
د- تأكيدُ المدْحِ بما يُشبِهُ الذمَّ.
هو أن يأتي المتكلّم بكلام يتضمَّنُ مَدْحاً، أو نَفْيَ صِفَةٍ ذم، ويُتْبعَهُ بكلاَمٍ يَبْدَؤُه بما يُشْعِرُ باستثناءٍ أو استدراكٍ على كلامه السابق فإذا به يأتي بما يتضَمَّنُ تأكيد كلامه السابق.
وهو نوعان:
الأول- أن يُستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء، صفة مدح بتقدير دخولها فيها –
مثاله
قول النابعة الذّبياني:
وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ من قرَاعِ الْكَتَائِبِ
فُلُول: جَمْعُ "فَلّ" وهو ثَلْمٌ يُصِيبُ حدّ السّيف من الضرب الشَّدِيدِ به.
مِنْ قراع الكتائب: القِرَاع: التقاتل ضرباً بالسّيوف والرماح.
والكتائب: الجيوش المحاربة.
إنّ تثلُّم سيوفهم من قراع الكتائب يتضمّن مدحاً لهم بالشجاعة والإِقدام، فهو ليس من العيوب، بل هو من المناقب، فَذِكره على أنّه هو العيب الوحيد لهم يؤكّد الثناء عليهم أبلغ تأكيد.
الثاني: - أن يثبت لشيء صفة مدح، ثم يُؤتى بعدها بأداة استثناء.
تليها صفة مدح أخرى
مثاله:
قول النابغة الجعدي في المديح:
فَتَى كَمُلَتْ أَخْلاقُهُ غيْرَ أَنَّهُ ... جَوَادٌ فَمَا يُبْقي مِنَ المَالِ بَاقِيَا
وكقول "بديع الزمان الهمذاني" يمدح "خلف بن أحمد السجستاني":
هُوَ الْبَدْرُ إلاَ أنَّهُ البَحْرُ زاخِراً ... سِوَى أنَّه الضِّرْغامُ لكنَّهُ الوَبْلُ
زاخراً: ممتلئاً طامياً. الضرغام: الأسد. الوَبْل: المطر الشديد.
فقد أكدّ المدح بأسلوب يُوهِمُ عند البدء به أنّه يريد أن يذكر له عيباً بعد أن شبّهه بالبدر.
4. ما الفرق بين إرسال المثل والكلام الجامع؟ مثل لكل منهما.
إرسال المثل والكلام الجامع..هوأنْ يُؤْتَى بكلامٍ صالحٍ لأنْ يُتَمَثَّلَ بهِ في مَواطِنَ كثيرةٍ.
والفَرْقُ بينَهما أنَّ.. إرسال المثل يكون مجيئه بعض بيت
كقولِ الشاعر :
ليْسَ التكَحُّلُ في العينينِ كالكَحَل
والكلام الجامع. يكون مجيئه في بيت كامل
كقولِه الشاعر:
إذا جاءَ موسى وأَلْقَى الْعَصَا * فقدْ بَطَلَ السحْرُ والساحِرُ
5. ما المراد بالتورية؟ مثل لها بمثال.
التورية :أن يَذكُرَ المتكلّم لفظاً مفرداً له معنيان،.. -على سبيل الحقيقة، أو على سبيل الحقيقة والمجاز-..، أحدهما ظاهر قريبٌ يَتَبَادَرُ إلى الذهن وهو غير مراد، والآخَرُ بعيد فيه نوع خفاءٍ وهو المعنى المراد، لكن يُورَّى عنه بالمعنى القريب، لِيَسْبِقَ الذهن إليه ويَتَوهّمَهُ قبل التأمّل، وبَعْدَ التأمّل يَتَنبَّه المتلَقِّي فيُدْرَكُ المعنى الآخر المراد.
وأصل التورية: الإخفاء والستر ..
التورية: مصدر ورّيت الخبر تورية: إذا سترته، وأظهرت غيره
مثاله: كقول سراج الدين الورّاق .
أَصُونُ أَدِيمَ وَجْهِي عَنْ أُنَاس ... لِقَاءُ الْمَوْتِ عِنْدَهُمُ الأَدِيبُ
وَرَبُّ الشِّعْرِ عِنْدهُمُ بَغِيضٌ ... وَلَوْ وَافَى بِهِ لَهُمُ حَبِيبُ
كلمة "حبيب" لا يريد بها المعنى القريب وهو المحبوب، بل يريد بها المعنى البعيد، وهو اسم أبي تمّام الشاعر: "حَبِيبُ بن أوس".
مثاله:
قول الشاعر:
أَيُّهَا الْمُعْرِضُ عَنَّا ... حَسْبُكَ اللَّهُ تَعَالَ
كلمة "تَعَالَ" لها معنيان: المعنى القريب هو الثناء على الله بالعلوّ، وهو يلائم لفظ الجلالة "الله" والمعنى الآخر وهو الدعوة إلى الحضُور، وهو يلائم عبارة: "أيُّها المعرض عنّا".
مثاله
قوله تعالى : { {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} [الرحمن: 5، 6]
النجم له معنيان معنى قريب وهو الكوكب..
ومعنى بعيد وهو المراد وهو النبات الذي لا ساق له
فالمعنى القريب هو الكوكب لاقترانه بالشمس والقمر..لكن المراد النبات الذي لا ساق له لاقترانه بالشجر وهو النبات الذي له ساق..