دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 شوال 1440هـ/18-06-2019م, 02:15 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي



تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي
الدرس (هنا)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 شوال 1440هـ/22-06-2019م, 07:38 PM
مها عبد العزيز مها عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 462
افتراضي

الاسلوب المقاصدي
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى [ يا أيها الذين امنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ] التغابن 14
أن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد ا عبده ورسوله والحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الأولاد وجعلها زينة لنا في هذه الحياة فقال تعالى [ المال والبنون زينة الحياة الدنيا ] وقال ممتنا على عباده [ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات ] ،ولما جبلت النفس البشرية على محبتهم وهذه المحبة قد تكون سبب في ارتكاب المحذور ومخالفة شرعه قال الله تعالى محذرا لعباده [ إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ] صيانة للدين وذلك حتى لا تطغي محبتهم وتقدم على محبة الله و طاعته ، أو أن تؤثر مرضاتهم على مرضات الله تعالى .
فيمن نزلت هذه الآية؟ نزلت في الصحابة الذين امتنعوا عن الهجرة بسبب أولادهم وازواجهم فلما فتح الله على رسوله وفاتهم الهجرة مع من هاجر غضبوا على أولادهم واهليهم وعاتبوهم وكادوا أن يعاقبوهم ويضربوهم فانزل الله هذه الآية [ يا أيها الذين امنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ] فقوله تعالى [ يا أيها الذين امنوا إن من أزواجكم وأولادكم ] فيه تخصيص للمؤمنين بالنداء على وجه التنبيه والتحذير لهم بأن يغتروا ببعض الازواج والاولاد ، وصدرت الآيات الكريمة بالنداء بصفة الإيمان لحضهم على الاستجابة لما اشتملت عليه الآيات من توجيهات سامية وارشادات عالية ، فإن من شأن الإيمان الحق ، أن يحمل صاحبه على طاعة الله عز وجل فقوله [ إن من أزواجكم وأولادكم ] (من ) هنا تفيد التبعيض ليفهم أن بعض الازواج والاولاد ليسوا اعداء بل منهم من يكون عونا على الطاعة ، ولقد قرن الله تعالى في القران الكريم الاموال والاولاد في أربعة وعشرين موضعا كقوله تعالى [ وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ] سبأ 37وقوله [ أنما أموالكم وأولادكم فتنة ] التغابن 15وقوله [فلا تعجبك أموالهم وأولادهم ] التوبة 85 ، وذلك لأنهما فتنة : فهما موضع ابتلاء واختبار للعبد فكان التحذير منهما فإذا انتبه القلب إلى موضع الامتحان والاختبار كان ذلك عونا له على الحذر واليقظة والاحتياط .
ثم قال [عدوا لكم ] فما هي العداوة ؟ العداوة : هي بأنهم يجرونك إلى الدنيا ويؤخرونك عن المراتب العالية وطلب المنازل الرفيعة في الجنة وبما يزينونه لك من القعود والتقاعس عن العمل الاخروى، وطلب العمل الدنيوي وإيثار الدنيا على الاخرة ، فهذه عداوتهم وليس عداوة دين ولهذا قال تعالى [ فاحذروهم ] قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا يبين وجه العداوة ، فإن العدو لم يكن عدوا لذاته وإنما كان عدوا بفعله ، فهذه الاية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد ، فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة.
فبعض الازواج والاولاد ربما حملوا المرء على قطيعة الرحم ، أو ارتكاب معصية ، أو أكل حرام ، أو التخلف عن أعمال الخير فلهذا توجب الحذر ، صونا للدين ، واحتراز من حصول الضرر ، وإيثار محبة الله على المحبة الموجبة لسوء العاقبة ولهذا قال [ عدوا لكم فاحذروهم ] ، قال ابن زيد في [ فاحذروهم ] يعنى على دينكم وابن مجاهد : قال يحمل الرجل على قطيعة الرحم او معصية ربه فلا يستطيع الرجل مع حبه إلا أن يطيعه ، فيحذر المؤمن أن يطيعهم في أمر يتعارض مع تعاليم دينه ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . .
و لما نهى عن إطاعة بعض الازواج والاولاد فيما يوصل العبد إلى الهلاك ، ربما توهم المخاطبون أن المقصود بالعداوة هو معادتهم والغلظة عليهم وعدم محبتهم ، أمر الله سبحانه أن يقترن الحذر بالصفح والعفو عنهم ، وأن هذا سبب لعفو الله عنهم ، فالجزاء من جنس العمل ، ولذا عطف بقوله تعالى [ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ] وذلك ستر لذنبهم وترك لمعاقبتهم ، وترك التثريب على ذنوبهم وتمهيدا لمعذرتهم عليها ، فحذفت النون في [ تعفوا ] وما بعدها للجزم [ فإن الله غفور رحيم ] قام مقام جواب الشرط أ:ي وأن تفعلوا ذلك من العفو والصفح والمغفرة ، يكافئكم الله تعالى مكافأة حسنة فإن الله تعالى واسع المغفرة والرحمة لمن يعفون ويصفحون ويغفرون .
وفي الاستخدام القرأني لهذه الكلمات :الصفح والعفو والمغفرة يظهر اشتراكها في معنى التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، فالملمح الدلالي الذي يميز كلمة ( الصفح ) هو ترك اللوم والمؤاخذة ، في حين أن الملمح الدلالي الذي يميز كلمة ( العفو ) أنه قد يصحبه لوم ومؤاخذة ، والملمح الدلالي المميز ( للمغفرة ) هو ستر الذنب وعدم إشاعته .
كما يجدر الاشارة إلى أمر مهم وهو أن الشيطان إذا أراد القعود للإنسان يكون بوجهين :
أحدهما يكون بالوسوسة والثاني أن يسلط على هذا الإنسان الزوجة أو الولد أو الصاحب .
فالشيطان إذا قعد لابن ادم في طريق الإيمان وقعد له في طريق الهجرة وقعد له في طريق الجهاد ، فهو أما يوسوس مباشرة في قلب الإنسان ، وأما أن يسلط عليه نوابا يوصلون هذه الرسائل المثبطة إلى قلبه كالزوجة والولد قال تعالى [ وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ] فصلت 25لهذا قال الله تعالى [ فاحذروهم ] فحذر الله سبحانه العبد وأنذره من ذلك .
ايضا من الملاحظ في قوله تعالى [ يا أيه الذين امنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ] في سورة التغابن وقوله تعالى في نفس السورة [ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ] ان هناك قاسم مشترك وهو الأولاد مما يدل على أن هذه الفتنة من نوع خاص ، حيث يخاف منها اكثر مما يخاف من غيرها فعن بريدة عن أبيه قال رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام يخطب ، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان احمران يعثران ويقومان ، فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام فأخذهما فرفعهما فوضعهما في حجرة ثم قال ( صدق الله ورسله إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) رأيت هذين فلم اصبر، ثم أخذ في خطبته ) اللفظ لأبي كريب

فالمقصود هو المبادرة إلى طاعة الله والتقرب إليه وتقديم محبته وطاعته ، ولما كان الأزواج والاولاد كثيرا ما يقعدونه عن هذا ويصرفونه ، وجب التحذير من فتنتهم والتنبيه إلى عداوتهم إن اقعدوه عن طاعة الله عز وجل والتأكيد الجازم على أن يكون الحذر مقرون بالعفو والصفح والمغفرة طلب لمرضاة الله تعالى ، وأن يعتبر بآيات الله ويهتدى بهدى القران حتى لا يأتي يوم القيامة ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه .
المراجع
تفسير ابن كثير
تفسير السعدى
تفسيرالمراغي
الوسيط لطنطاوى
تفسير القرطبي
التحرير والتنوير لابن عاشور
معجم الفروق الدلاليه
المصباح المنير في تهذيب ابن كثير

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 شوال 1440هـ/22-06-2019م, 09:34 PM
منى حامد منى حامد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 705
افتراضي

رسالة في تفسير سورة التكاثر بالأسلوب المقاصدي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين والمرسلين ، سورة التكاثر سورة مكية من سور جزء عم ، وهي من السور المكية التي تهتم ببيان العقيدة الصحيحة، وأتت السورة بين سورة القارعة التي تقرع القلوب للأستعداد ليوم القيامة وما فيه من أهوال ، وسورة العصر التي تبين لنا أن كل بني آدم خاسر إلا من آمن وعمل صالحا.
وكأن مقصد السورة - سورة التكاثر -أن يا أيها الإنسان لا تلهيك ولا تشغلك الدنيا ومفاتنها عن الاستعداد للموت ويوم الحساب.
ففي السورة يخبر الله تعالى أن أكثر الخلق ألهاهم التكاثر في الأموال والأولاد وغير ذلك من حظوظ الدنيا حتى ماتوا و زاروا القبور.
وهنا التحذير والترهيب من الإنشغال بالدنيا ، وحتى يجتهد الخلق في طاعة الله ورسوله وأن لا يشغلهم التكاثر عن فعل ما يرضي الله.

وقال البقاعي: سورة التكاثر مقصودها التصريح بما أشارت إليه العاديات من أن سبب الهلاك يوم الجمع. الذي صورته القارعة. الجمع للمال، والإخلاد إلى دار الزوال، واسمها واضح الدلالة على ذلك. اهـ.
وقال مجد الدين الفيروزابادي: معظم مقصود السّورة، ذمّ المُقْبِلين على الدّنيا، والمفتخرين بالمال، وبيان أَنَّ عاقبة الكلّ الموت والزَّوال، (وأن) نصيب الغافلين العقوبة والنكال، وأَعدّ للمتمولين المذلَّة والسّؤال، والحساب والوبال، في قوله: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.



وقيل أن سبب نزولها تفاخر حيين من قريش بني عبد مناف وبني سهم ، كان بينهما لحاء فتعادوا السادة والأشراف أيهم أكثر ؟
فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيدا ، وأعز عزيزا ، وأعظم نفرا .
وقال بنو سهم مثل ذلك ، فكثرهم بنو عبد مناف ، ثم قالوا : نعد موتانا حتى زاروا القبور ، فعدوا موتاهم فكثرهم بنو سهم ؛ لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية .

أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
يا أيها الناس انشغلتم عن ما خلقتم له من عبادة الله وحده لا شريك له ، وذلك بالتكاثر ولم يذكر المتكاثر به، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويفتخر به المفتخرون، من التكاثر في الأموال، والأولاد، والأنصار، والجنود، والخدم، والجاه، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى‏، وهذا الإنشغال ألهاكم عن ما أمركم الله به حتى ...‏

حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
فانتقلوا من الحياة الدنيا إلى حياة البرزخ التي هي المعبر إلى الآخرة ، وسماهم الله بالزائرين لأن الزائر ليس بمقيم ، ثم توعدهم بقوله :...

كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
كلا للردع والزجر ، أي لو أنكم تعلمون علما يقينيا عن اليوم الآخرة لما انشغلت قلوبكم باللهو واللعب والتكاثر والتفاخر في الدنيا عن الاستعداد ليوم الحساب ولعملتم له ولأستعددتم له ، ولكن عدم علمكم اليقيني أوصلكم إلى ...

لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
وكرر سوف تعلمون للتأكيد على رؤيتهم البصرية الحسية لجهنم يرونها وتراهم، قال تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَى ٰ
الفجر - الآية 23 ،
وقال تعالى : إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا
الفرقان - الآية 12،
وقيل أنه ليس للتأكيد وإنما هما في وقتين: في القبر والقيامة، فلا يكون تكرارًا.
وكذلك قول من قال: الأَول للكفَّار، والثانى للمؤمنين.

ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
اللام والنون للتوكيد أنهم سيرونها عين اليقين رؤية بصرية ، كما قال تعالى‏:‏ ‏‏وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا‏
الكهف - الآية 53

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
النعيم هو كل ما يتنعم به الإنسان في الدنيا وسيحاسب عليه هل استخدمه في طاعة الله أم في معصية الله تعالى.
وقيل إنه الأمن والصحة.
وذكر الكلبى بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في أمر فرجعوا جياعا، فدخلوا على رجل من الأنصار، فأصابوا تمرا وماءا باردا، فلما خرجوا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إِنكم ستسألون عن هذه وعن هذا؛ فقالوا: فما شكرها يا رسول الله؟ قال: أن تقولوا: الحمد لله.
وذُكِر في هذا الحديث: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث لا يُسأل عنهن المسلم: طعام يقيم صلبه، وثوب يوارى عورته، وبيت يكنه من الحر والبرد». اهـ.
فهذه السورة العظيمة من قصار السور التي تتحدث عن انشغال الناس بمغريات الحياة، وتنافسهم على جمع حطام الدنيا والتفاخر والتكاثر به حتى يأتيهم الموت فجأة وبغتة فيقطع الموت عليهم متعتهم ولذتهم فينتقلوا من القصور إلى القبور ، ويتركون خلفهم في الدنيا ما جمعوه ولا يبقى معهم سوى عملهم ، إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر.
اللهم اشغلنا بطاعتك وحسن عبادتك .

المراجع :
- المختصر في تفسير القرآن الكريم – مركز تفسير الدراسات القرآنية
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (المتوفى: 1376هـ)
- الحاوى فى تفسير القرآن الكريم ويُسَمَّى ( جَنَّةُ الْمُشْتَاقِ فى تَفْسِيرِ كَلَامِ الْمَلِكِ الْخَلَّاقِ ) المؤلف : عبد الرحمن بن محمد القماش.
- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور المؤلف: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885هـ)

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 شوال 1440هـ/29-06-2019م, 02:38 PM
آسية أحمد آسية أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 420
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


التفسير المقاصدي لقوله تعالى ﴿إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ (١)

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
هذه الآية الأولى من أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر التي تضمنت ثلاث آيات تحوي صفحات من الفوائد والهدايات، وسنقف في هذه الرسالة عند الآية الأولى منها
قال الله تعالى مخاطباً نبيه بقوله : " إنا أعطيناك الكوثر"
وهذا خطاب من رب العالمين جل في علاه أنزله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم في وقت كان المشركون يتطاولون عليه بالأذى والكيد، طمأنة له وتسلية لقلبه وتثبيتاً له، رحمة منه تعالى وعناية بنبيه الكريم وتكريماً له، فأخبره بعطاء واسع لا حد له ولا انقطاع، وأسلوب الخطاب يدل على تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، فاستعمال ضمير العظمة في قوله "إنا" يدل على أن هذا العطاء ليس أي عطاء بل هو عطاء من عظيم هو الله تعالى الذي لا أعظم منه ولا أجل ولا أكرم، فالله هو المعطي، فكأنه يقول :" إنا بما لنا من العظمة"(1) وإذا كان كذلك فما أحسن العطاء ولو كان قليلا، فما بالك إذا كان كثيراً بل كثيراً غاية الكثرة، فهذا مشعر بعطاء عظيم.
فهذا أول إشارة تكريم له أن الله تعالى سيعطيه، فما الذي سيعطيه الله عز وجل ؟
قال: "الكوثر"
والكوثر: هو الخير الكثير، وهَذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة(2)، ومنه نهر الكوثر في الجنة،
والله تعالى لم يقل " كثير" وإنما قال "كوثر" على وزن فوعل، من الكثرة ، مما يفيد شدة ما اشتقت منه
، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى(3)، وفائدة بناء الصيغة على الواو فيه علو وغلبة مبالغة في الكثرة، وأتت الواو على إثر الفتحة لتأكيد تلك العظمة(4)
فالآية كلها بشرى، وتثبيت وطمأنينة وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية من الآيات المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم(5)، مما يزيد من شأنه ومكانته عند ربه،
وفي الآية تأكيد لتلك البشرى، فوقوعها محقق لابد منه، فقد أكد الخبر "بإن"، وعبر عن الفعل بالماضي مع أن القصد منه الخبر عن بشارة مستقبلية ستأتي ، والسبب في ذلك هو التأكيد على وقوعه فكأنه وقع فعلاً(6)،
أما عن ما أعطاه الله تعالى لنبيه من الخيرات فهي خيرات واسعة كثيرة فلفظ الكوثر جمع كل خير، فما أعطاه له في الدنيا فقط هو أعظم من كل ما فيها، يقول البقاعي : (ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره فكيف بالمُلك، فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمة)(7) إضافة إلى أن لفظ (أعطيناك) يتضمن التمليك(8)، فاجتمع له أمران أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم(9)
ومن أنواع الخيرات التي أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم :
  • الكوثر في الجنة، ومنه الحوض الذي ترده أمته يوم القيامة، فهذا تشريف له ولأمته أيضا، كما ورد بذلك الأحاديث الكثيرة المتواترة.
  • كما أعطاه النبوّة والحكمة، والزيادة من العلم بربّه تعالى، قال ابن عطية :(ولا محالة أنّ الذي أعطى اللّه تعالى محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من النبوّة والحكمة والعلم بربّه تعالى، والفوز برضوانه، والشرف على عباده هو أكثر الأشياء وأعظمها، فكأنه يقال في هذه الآية: إنّا أعطيناك الحظّ الأعظم)(10)
  • ومنه وإظْهارَ الدِّينِ الَّذِي أتى بِهِ عَلى كُلِّ دِينٍ، والنَّصْرَ عَلى عَدُوِّهِ، والآية تضمنت وعداً بهذا، أعني النصر على الأعداء، يقول الرازي : ( أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ﴾ وهَذا اللَّفْظُ يَتَناوَلُ خَيْراتِ الدُّنْيا وخَيْراتِ الآخِرَةِ، وأنَّ خَيْراتِ الدُّنْيا ما كانَتْ واصِلَةً إلَيْهِ حِينَ كانَ بِمَكَّةَ، والخُلْفُ في كَلامِ اللَّهِ تَعالى مُحالٌ، فَوَجَبَ في حِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى إبْقاؤُهُ في دارِ الدُّنْيا إلى حَيْثُ يَصِلُ إلَيْهِ تِلْكَ الخَيْراتُ، فَكانَ ذَلِكَ كالبِشارَةِ لَهُ والوَعْدِ بِأنَّهم لا يَقْتُلُونَهُ، ولا يَقْهَرُونَهُ، ولا يَصِلُ إلَيْهِ مَكْرُهم بَلْ يَصِيرُ أمْرُهُ كُلَّ يَوْمٍ في الِازْدِيادِ والقُوَّةِ)(11).
  • ومما أعطاه الله تعالى من الكوثر هو رفعة الذكر وعلوه، بعكس ما اتهمه به أهل الكفر، والآية فيها نفي لما قالوه أنه أبتر، قال صاحب الظلال: ( في هذه الآية قرر أنه ليس أبتر بل هو صاحب الكوثر)(12)
ومنه المقام المحمود والشفاعة والجنة، ومنها ما ثَبَتَ في الصحيحين من حديث جابرٍ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»(13)

وقد ذكر الرازي في تفسيره لطيفة أن الخيرات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم قد أُشير إليها في السور التي سبقت سورة الكوثر، وكأن هذه السورة وعلى رأسها الآية الأولى كالتتمة لما قبلها، وعرض لكل سورة، لما فيها من الآيات التي أشارت الى نعمة الله على نبيه، ومن أبرز تلك السورة سورة الضحى ذَكَرَ لثلاثة أشياء مبشرة:
أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى﴾ [الضحى: ٢] .
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى﴾ [الضحى: ٣] .
وثالِثُها: ﴿ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ [الضحى: ٤]
ثم ذكرة في (ألَمْ نَشْرَحْ) أنه شرفه بثلاثة أشياء:
أوَّلُها: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١] .
وثانِيها: ﴿ووَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾، [الشرح: ٣] .
وثالِثُها: ﴿ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] .
وفي سورة التين شرفه بثلاثة أشياء:
أوَّلُها: أنه أقسم ببلده في قَوْلُهُ: ﴿وهَذا البَلَدِ الأمِينِ﴾ [التين: ٣] .
وثانِيها: أنه أخبر عن خلاص أمته من النار، وهو قَوْلُهُ: ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التين: ٦] .
وثالِثُها: وصولهم إلى الثواب، وهو قَوْلُهُ: ﴿فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين: ٦] .(14)


أخيرا يمكننا أن نخلص الى بعض الفوائد من تلك الآية فيما يلي :
1-عناية الله عز وجل بنبيه، وتشريفه، وتزكيته له ولأمته.
2- أن الله تعالى ينصر أوليائه من رسله وأتباعهم من المؤمنين، ويثبتهم، وهذا من معية الله تعالى لأوليائه وتوليه لهم.
3- ومنه نأخذ الصبر في زمن كثرة الباطل وقوة أهله واليقين بنصر الله لأوليائه وإن كانوا قلة، لأن الله بشر نبيه بالنصر والتمكين في زمن قوة الباطل وجبروته.
4- ومنه أن عطاء الله واسع وكرمه عظيم لأهل طاعته، فهو المعطي، الكريم، فليتوجه المرء الى ربه. بسؤاله الطاعات وزيادة الإيمان وقبولها فيجازيه الله عليها ويسأله حاجاته ومراده.
5- الآية تتضمن البشرى لأمة النبي صلى الله عليه وسلم(15)، فالدين قائم والله ناصر دينه.

وفي الآية من الفوائد أكثر لكن أكتفي بهذا القدر منه والله الموفق.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نظم الدرر للبقاعي.
2- مفاتيح الغيب للرازي.
3- التحرير والتنويرلابن عاشور.
4- نظم الدرر
5-أيسر التفاسري للجزائري، ظلال القرآن لسيد قطب.
6-التحرير والتنوير
7-نظم الدرر
8- مفاتيح الغيب
9- نظم الدرر
10- المحرر الوجيز لابن عطية
11-مفاتيح الغيب
12- في ظلال القرآن
13-متفق عليه، البخاري ومسلم.
14- مفاتيح الغيب.
15- أيسر التفاسير.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
إعراب القرآن وبيانه للزجاج
المحرر الوجيز لابن عطية
مفاتيح الغيب للرازي
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير لابن عاشور
أيسر التفاسير للجزائري
في ظلال القرآن لسيد قطب
التفسيرالموضوعي لسور القرآن، مصطفى مسلم.



رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 شوال 1440هـ/30-06-2019م, 10:13 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقويم تطبيقات على درس الأسلوب المقاصدي

1: مها عبدالعزيز .أ+
أحسنتِ جدا بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- عند ذكر سبب النزول نذكر معه سنده وحكم الأثر من حيث الصحة.
- أرجو الانتباه لكتابة الآيات رعاكِ الله ويبدو أنها من العجلة، لكن وجب التنويه.
[ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ] التغابن 15وقوله [ولا تعجبك أموالهم وأولادهم ] التوبة 85 [ يا أيها الذين امنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ].


2: منى حامد.ج+
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
- عند ذكر سبب النزول نذكر معه سنده وحكم الأثر من حيث الصحة.
- يتضح ضعف ربط تفسيرك للآيات بالمقصد، فكان الأولى عند تفسير كل آية بيان علاقتها بمقصد الرسالة.
- عند ذكر مواضع أخرى من القرآن ينبغي تنصيصها رعاكِ الله.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 ذو القعدة 1440هـ/3-07-2019م, 07:50 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آسية أحمد مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم


التفسير المقاصدي لقوله تعالى ﴿إِنَّاۤ أَعۡطَیۡنَـٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ (١)

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
هذه الآية الأولى من أقصر سورة في القرآن وهي سورة الكوثر التي تضمنت ثلاث آيات تحوي صفحات من الفوائد والهدايات، وسنقف في هذه الرسالة عند الآية الأولى منها
قال الله تعالى مخاطباً نبيه بقوله : " إنا أعطيناك الكوثر"
وهذا خطاب من رب العالمين جل في علاه أنزله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم في وقت كان المشركون يتطاولون عليه بالأذى والكيد، طمأنة له وتسلية لقلبه وتثبيتاً له، رحمة منه تعالى وعناية بنبيه الكريم وتكريماً له، فأخبره بعطاء واسع لا حد له ولا انقطاع، وأسلوب الخطاب يدل على تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، فاستعمال ضمير العظمة في قوله "إنا" يدل على أن هذا العطاء ليس أي عطاء بل هو عطاء من عظيم هو الله تعالى الذي لا أعظم منه ولا أجل ولا أكرم، فالله هو المعطي، فكأنه يقول :" إنا بما لنا من العظمة"(1) وإذا كان كذلك فما أحسن العطاء ولو كان قليلا، فما بالك إذا كان كثيراً بل كثيراً غاية الكثرة، فهذا مشعر بعطاء عظيم.
فهذا أول إشارة تكريم له أن الله تعالى سيعطيه، فما الذي سيعطيه الله عز وجل ؟
قال: "الكوثر"
والكوثر: هو الخير الكثير، وهَذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة(2)، ومنه نهر الكوثر في الجنة،
والله تعالى لم يقل " كثير" وإنما قال "كوثر" على وزن فوعل، من الكثرة ، مما يفيد شدة ما اشتقت منه
، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى(3)، وفائدة بناء الصيغة على الواو فيه علو وغلبة مبالغة في الكثرة، وأتت الواو على إثر الفتحة لتأكيد تلك العظمة(4)
فالآية كلها بشرى، وتثبيت وطمأنينة وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الآية من الآيات المختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم(5)، مما يزيد من شأنه ومكانته عند ربه،
وفي الآية تأكيد لتلك البشرى، فوقوعها محقق لابد منه، فقد أكد الخبر "بإن"، وعبر عن الفعل بالماضي مع أن القصد منه الخبر عن بشارة مستقبلية ستأتي ، والسبب في ذلك هو التأكيد على وقوعه فكأنه وقع فعلاً(6)،
أما عن ما أعطاه الله تعالى لنبيه من الخيرات فهي خيرات واسعة كثيرة فلفظ الكوثر جمع كل خير، فما أعطاه له في الدنيا فقط هو أعظم من كل ما فيها، يقول البقاعي : (ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره فكيف بالمُلك، فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمة)(7) إضافة إلى أن لفظ (أعطيناك) يتضمن التمليك(8)، فاجتمع له أمران أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم(9)
ومن أنواع الخيرات التي أعطاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم :
  • الكوثر في الجنة، ومنه الحوض الذي ترده أمته يوم القيامة، فهذا تشريف له ولأمته أيضا، كما ورد بذلك الأحاديث الكثيرة المتواترة.
  • كما أعطاه النبوّة والحكمة، والزيادة من العلم بربّه تعالى، قال ابن عطية :(ولا محالة أنّ الذي أعطى اللّه تعالى محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من النبوّة والحكمة والعلم بربّه تعالى، والفوز برضوانه، والشرف على عباده هو أكثر الأشياء وأعظمها، فكأنه يقال في هذه الآية: إنّا أعطيناك الحظّ الأعظم)(10)
  • ومنه وإظْهارَ الدِّينِ الَّذِي أتى بِهِ عَلى كُلِّ دِينٍ، والنَّصْرَ عَلى عَدُوِّهِ، والآية تضمنت وعداً بهذا، أعني النصر على الأعداء، يقول الرازي : ( أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿إنّا أعْطَيْناكَ الكَوْثَرَ﴾ وهَذا اللَّفْظُ يَتَناوَلُ خَيْراتِ الدُّنْيا وخَيْراتِ الآخِرَةِ، وأنَّ خَيْراتِ الدُّنْيا ما كانَتْ واصِلَةً إلَيْهِ حِينَ كانَ بِمَكَّةَ، والخُلْفُ في كَلامِ اللَّهِ تَعالى مُحالٌ، فَوَجَبَ في حِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى إبْقاؤُهُ في دارِ الدُّنْيا إلى حَيْثُ يَصِلُ إلَيْهِ تِلْكَ الخَيْراتُ، فَكانَ ذَلِكَ كالبِشارَةِ لَهُ والوَعْدِ بِأنَّهم لا يَقْتُلُونَهُ، ولا يَقْهَرُونَهُ، ولا يَصِلُ إلَيْهِ مَكْرُهم بَلْ يَصِيرُ أمْرُهُ كُلَّ يَوْمٍ في الِازْدِيادِ والقُوَّةِ)(11).
  • ومما أعطاه الله تعالى من الكوثر هو رفعة الذكر وعلوه، بعكس ما اتهمه به أهل الكفر، والآية فيها نفي لما قالوه أنه أبتر، قال صاحب الظلال: ( في هذه الآية قرر أنه ليس أبتر بل هو صاحب الكوثر)(12)
ومنه المقام المحمود والشفاعة والجنة، ومنها ما ثَبَتَ في الصحيحين من حديث جابرٍ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»(13)

وقد ذكر الرازي في تفسيره لطيفة أن الخيرات التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم قد أُشير إليها في السور التي سبقت سورة الكوثر، وكأن هذه السورة وعلى رأسها الآية الأولى كالتتمة لما قبلها، وعرض لكل سورة، لما فيها من الآيات التي أشارت الى نعمة الله على نبيه، ومن أبرز تلك السورة سورة الضحى ذَكَرَ لثلاثة أشياء مبشرة:
أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلى﴾ [الضحى: ٢] .
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿ولَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى﴾ [الضحى: ٣] .
وثالِثُها: ﴿ولَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ [الضحى: ٤]
ثم ذكرة في (ألَمْ نَشْرَحْ) أنه شرفه بثلاثة أشياء:
أوَّلُها: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١] .
وثانِيها: ﴿ووَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ ﴿الَّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾، [الشرح: ٣] .
وثالِثُها: ﴿ورَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: ٤] .
وفي سورة التين شرفه بثلاثة أشياء:
أوَّلُها: أنه أقسم ببلده في قَوْلُهُ: ﴿وهَذا البَلَدِ الأمِينِ﴾ [التين: ٣] .
وثانِيها: أنه أخبر عن خلاص أمته من النار، وهو قَوْلُهُ: ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التين: ٦] .
وثالِثُها: وصولهم إلى الثواب، وهو قَوْلُهُ: ﴿فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [التين: ٦] .(14)


أخيرا يمكننا أن نخلص الى بعض الفوائد من تلك الآية فيما يلي :
1-عناية الله عز وجل بنبيه، وتشريفه، وتزكيته له ولأمته.
2- أن الله تعالى ينصر أوليائه من رسله وأتباعهم من المؤمنين، ويثبتهم، وهذا من معية الله تعالى لأوليائه وتوليه لهم.
3- ومنه نأخذ الصبر في زمن كثرة الباطل وقوة أهله واليقين بنصر الله لأوليائه وإن كانوا قلة، لأن الله بشر نبيه بالنصر والتمكين في زمن قوة الباطل وجبروته.
4- ومنه أن عطاء الله واسع وكرمه عظيم لأهل طاعته، فهو المعطي، الكريم، فليتوجه المرء الى ربه. بسؤاله الطاعات وزيادة الإيمان وقبولها فيجازيه الله عليها ويسأله حاجاته ومراده.
5- الآية تتضمن البشرى لأمة النبي صلى الله عليه وسلم(15)، فالدين قائم والله ناصر دينه.

وفي الآية من الفوائد أكثر لكن أكتفي بهذا القدر منه والله الموفق.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نظم الدرر للبقاعي.
2- مفاتيح الغيب للرازي.
3- التحرير والتنويرلابن عاشور.
4- نظم الدرر
5-أيسر التفاسري للجزائري، ظلال القرآن لسيد قطب.
6-التحرير والتنوير
7-نظم الدرر
8- مفاتيح الغيب
9- نظم الدرر
10- المحرر الوجيز لابن عطية
11-مفاتيح الغيب
12- في ظلال القرآن
13-متفق عليه، البخاري ومسلم.
14- مفاتيح الغيب.
15- أيسر التفاسير.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
إعراب القرآن وبيانه للزجاج
المحرر الوجيز لابن عطية
مفاتيح الغيب للرازي
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير لابن عاشور
أيسر التفاسير للجزائري
في ظلال القرآن لسيد قطب
التفسيرالموضوعي لسور القرآن، مصطفى مسلم.



الدرجة: ب+

أحسنتِ سددكِ الله وبارك فيكِ.
_ أحسنتِ بتوثيقك للمعلومات وأجدتِ في أسلوبك، مما فاتكِ بيانه وهو من المسائل المهمة بيان أقوال السلف في المراد بالكوثر، وإن كنت قد ذكرتها بشكل متفرق إلا أنه يحسن بيانه بشكل أوضح ونسبته.
- تفسير الآيتين التاليتين كان سيخدم مقصد رسالتك ويثريها أكثر لتعلقها بالآية الأولى.
-نأسف لخصم نصف درجة على التأخير

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 ذو القعدة 1440هـ/5-07-2019م, 06:57 AM
شادن كردي شادن كردي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 384
Post

بسم الله الرحمن الرحيم
الأسلوب المقاصدي – سورة الشرح
قال الله تعالى :
(ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )
سورة الشرح سورة مكية ، وتسمى أيضا سورة الانشراح و(ألم نشرح) . جاءت بعد سورة الضحى التي جاءت على فترة من الوحي وقوله تعالى في ختامها: ( وأما بنعمة ربك فحدث)
ويظهر فيهما التناسب جليا حتى قيل أنهما سورة واحدة ؛ فلما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصل له في هذه السورة بعضا من النعم مثبتا لها مقدما المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بمغفرته .وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت وتذكير بالماضي من النعم .
(ألم نشرح لك صدرك )
الاستفهام للتقريرمبالغة في إثبات هذه النعم أي فعلنا لك ذلك :أما شرحنا لك صدرك
شرحنا : الشرح لغة :فصل أجزاء اللحم عن بعضها يقال تشريح وللقطعة شريحة
فجعل إزالة مافي النفس من ألم مثل شرح اللحم.
والمراد : أما نورناه وجعناه فسيحا رحيبا لقبول النبوة وحمل أعبائها وتلقي الوحي وحفظه.
أو يكون المراد شرح صدره ليلة الإسراء فقد شقه وغسله وملأه إيمانا وحكمة.
ولا يتنافى المعنيان الشرح المعنوي والحسي وإن كان المعنوي هو الأرجح .
والصدر :الباطن الحاوي للقلب وقيل: هو القلب .

ولننظر إلى مظهر العظمة في (نشرح )أي شرحا يليق بعظمتنا ، بعظمة رب السموات والأرض ومابينهما -جل جلاله -.

(ووضعنا عنك وزرك )
وضعنا : حططنا وأبطلنا بما لنا من العظمة
(عنك) مزيد عناية بالنبي
وزرك: الوزرالحرج أو الذنب
وأصل الوزر ما حمله الانسان على ظهره ،
ومنه سمي الوزير لأنه يحمل العبء ،
والآية بمعنى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )أي تطهيره من الذنوب أو ماسلف في الجاهلية وكراهيته ماكان عليه حالهم
وقيل :حيرته قبل البعثة .
وقيل المراد : خففنا عليك أثقال النبوة .
(الذي أنقض ظهرك )
الإنقاض :الصوت كأنه حمل له صوت يسمع.
فالمعنى أثقلك حمله حتى سمع نقيض الظهر منه
وفيها تمثيل بديع
وقيل الانقضاض :الحل والتمزق والانتشار
دلالة على عظم هذا الثقل
(ورفعنا لك ذكرك )
والرفع : جعل الشيء عاليا
ذكرك : اسمك واستخدام لفظ (ذكرك ) هنا يضفي جلالا ورفعة
أي لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
كما في الدخول في الإسلام والأذان والخطب وهو قول الجمهور
وقيل: رفعنا ذكرك بالنبوة.
وقد رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ،
ورفع ذكره في الأولين والآخرين بما عرف عنه من مكارم الأخلاق ثم بالنبوة ثم الرسالة ثم الهجرة والكرامة والظفر،
وبأخذ الميثاق له على الأنبياء و إلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله
وجعل رضاه رضا الله وطاعتك طاعة الله .
قال تعالى :(ومن يطع الله ورسوله) و (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )
(والله ورسوله أحق أن يرضوه ).
وما نزل من القرآن من ثناء عليه ومخاطبته بالألفاظ العلية : الرسول ، النبي
وبأمر الناس بالصلاة والسلام عليه رفعة لذكره
فالمراد من الآية : نوهنا باسمك وذهبنا به كل مذهب ورفعناك رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق إجلالا ورفعة وتعظيما فجزاه الله عن أمته خيرا
والمناسبة في هذه الآية : أن رفع الذكر نعمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فهذا من تعداد النعم على النبي فلا تكترث لأذى قريش فمن فعل لك ذلك وأعلى ذكرك سينصرك ويجبرك .
وفي الإتيان ب( لك )و(عنك) وتقديمه على المفعول في الآيات الثلاث هذه زيادة تقرير وسرعة تبشير ومزيد اهتمام بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)
يخبر تعالى تقوية لرجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهي والله بشارة عظيمة له صلى الله عليه وسلم ولأمته بأن الفرج مع الكرب وأن مع العسرالعارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر .
الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر أي إذا علمت هذا تعلم أن اليسر مصاحب للعسر
وفيها إدراك العناية الإلهية ووعد باستمرارها في كل أحواله
إن : للتأكيد والاهتمام بالخبر
العسر: المشقة في تحصيل المرغوب والعمل بالمقصود
واليسر : ضده ، سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .
(مع) الدالة على المصاحبة دلالة على قرب حصول اليسر عقب حصول العسر أو ظهور بوادره .
وقد ورد: لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا :أنه خرج يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ).
فالعسر معرف في الحالتين فهو مفرد واليسر نكرة فتعدد ،رغم معارضة البعض لهذا القول .و(يسر) هكذا بلا قيد ولاحد بكل ماتعنيه من معاني الارتياح والسهولة والفرج
وكرر(إن مع العسر يسرا) مبالغة وتبيينا للخير، مؤكدة لتحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه ،فيارب لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
جبرت قلوبنا وشرحت صدورنا وطمأنت نفوسنا ووعدتنا فأكرمتنا .
(فإذا فرغت فانصب)
ثم يقول الله تعالى ندبا للشكر وإعلاما أنه لا ينفك عن تحمل أمر الله ،آمرا نبيه الكريم أن يجعل فراغه من كل ماكان مشتغلا به من أمر دنياه وآخرته إلى النصب في عبادته ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال لعموم الشرط في ذلك وعدم ذكر متعلق فرغت وهو أولى الأقوال بالصواب كما رجح الطبري
واختار الزمخشري : فإذا فرغت من عبادة فأتبعها أخرى .
وإذا أتممت عملا فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة
وأصل الفراغ : الخلو بعد الامتلاء
(انصب ): النصب التعب والدؤوب في العمل .
وقد ورد في الآية التخصيص بأقوال أخرى :
فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل
وإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء
أو إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك
وإذا فرغت من جهالة عدوك فانصب في عبادة ربك
وإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في أمر آخرتك
وإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك
وإذا صح بدنك فاجعل صحتك في العبادة .
ومناسبة الآية لما قبلها التبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي عليه وقت بعد العسر يسر وفراغ بال من الحيرة والضيق والكرب بعد إذ من الله على عبده بأن شرح صدره .وأمر له بالشكر والاستكثار من العمل الصالح والنوافل والتسبيح والاستغفار
ومما يستفاد من الآية :مشروعية الدعاء والذكرعقب الصلوات المكتوبة
وتعليق العمل بوقت الفراغ لتتعاقب الأعمال الصالحة وهذا من جوامع الكلم
وتوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته وما أحوجنا لهذا التوجيه ونحن في موسم الإجازة أن لا نكون ممن إذا فرغ تمادى في اللعب واللهو والنوم والإعراض عن ذكر ربه بل ربما وقع فيما حرم الله عليه من سماع أو نظر محرم وإنما الواجب استثمار الفراغ في العبادة شكرا لله على نعمته
(و إلى ربك فارغب )
اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزوجل متضرعا راغبا في الجنة عائذا من النار
وقيل أمر بالتوكل على الله تعالى
الواو للعطف وفيها أمر بالشكر لله وطلب استمرار النعم منه قال تعالى (ولئن شكرتم لأزيدنكم )
وفي تقديم الجار والمجرور إفادة الاختصاص والقصر أي إلى الله وحده لا إلى غيره تكون رغبتك وتوجهك ، والرغبة : الميل والإرادة
وفي التعدية بإلى تضمين معنى الإقبال والتوجه إلى من عنده حاجتك
(ربك )المحسن إليك الذي رباك بنعمه سبحانه وبما ذكر في هذه السورة والتي قبلها خاصة وبكل النعم عامة وفيها بديع المناسبة مع الآيات بلفظ الربوبية والدلالة على عظيم الرحمة فالذي أفرغ بالك مماكان يشغلك ويضيق صدرك ووضع عنك الوزر وبشرك باليسر القريب الذي لا شك فيه والذي ابتدأ نعمه عليك سبحانه لم يكن ليقطعها عنك سبحانه بطريقة التقرير

اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المراجع :
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
تيسير الكريم المنان السعدي
زبدة التفسير الأشقر
التحرير والتنوير ابن عاشور
المحرر الوجيزابن عطية
زاد المسيرابن الجوزي
نظم الدرر البقاعي
التفسير البياني للقرآن الكريم بنت الشاطيء

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 ذو القعدة 1440هـ/5-07-2019م, 06:44 PM
خليل عبد الرحمن خليل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 238
افتراضي

تفسير سورة الفلق ( الأسلوب المقاصدي )
قال تعالى : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هدانا لكل خير ، وحفظنا من كل شر ؛ فدلّ رسوله على ما يُحصّننا ، وأنزل عليه المعوذتين ليحفظنا من الشرور الخارجيّة والداخليّة ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
نزلت هذه السورة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كلمات ما يتعوّبه من شر ما يُتّقى شرّه من المخلوقات الشريرة ، ومن الأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر ، والأحوال التي تستر أفعال الشر وجميع الشرور الخارجيّة . فإنه لا نجاة من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، ولا كاشف للضرر بعد الإصابة إلا هو سبحانه ؛ فيفزع إليه متوكلا حق التوكل عليه ، ولا يعتمد على جلادته وتدبيره وحوله وقوته .
فكان صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بهذه السورة وسورة الناس وسورة الإخلاص ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفَّيْه بقل هو اللّه أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه. وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوّذ بهنّ كما ورد عند الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد اللّه بن حبيب قال: «خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي لنا، فأدركناه، فقال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. قلت: يا رسول اللّه، ما أقول؟ قال: قل: قل هو اللّه أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وهي سنّة لجميع المسلمين للتعوّذ بهنّ .
وجاء الأمر بالقول ( قل أعوذ برب الفلق ) ليقتضي المحافظة على هذه الألفاظ بعينها ، والخطاب في القرآن وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يشمل الأمة وأفرادها إذا لم يدلّ دليل على تخصيصه به صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري في صحيحه : عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» - وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا البلاغ فقط - ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة كما سبق، وعوّذ بها الحسن والحسين . واستعمال صيغة المتكلم في ( أعوذ ) مأمور به لكل من يريد التعوّذ بها ، ومن أراد تعويذ غيره بها فعلى نيّة النيابة عمن لا يحسن أن يعوّذ نفسه لأي مانع .
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، و( أعوذ ) أي : أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز . ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يُعيذَه منه قال تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) النحل 278 .
ورب الفلق : هو الله الواحد الأحد الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه ، هو الذي يُعِيذُ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من الشر ، وقد أخبر سبحانه أن من استعاذ بغيره من خلقه ، أن استعاذته تزيده رهقًا وخوفًا فقال في سورة الجن ( وأَنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا ) آية 6 .
أما الفلق : فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنه فسّره بالصبح وانشد رضي الله عنه قول زهير : الفارج الهم مسد ولا عساكره *** كما يفرج غم الظلمة الفلق .
فهي فَعَل بمعنى مفعول ، لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلْق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل . ، وخصص الفلق لأن الليل مظنّة حدوث شرور كثيرة ، من لصوص وسباع وذوات سموم ، وتعذّر سير ونجدة واستغاثة ، واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليلَ إله الشر .
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاةً من شرور الليل ، أن ينجيني في الليل من الشر .
( من شر ما خَلَق ) وقرأ ابن يعمر ( خُلِق ) يشمل عموم الشرِّ فهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر الإنس والجنّ والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل ، وهو الأظهر ، وقيل : إبليس وذُريته قاله الحسن ، وقيل : جهنم ، حكاه الماوردي .ّ
ثم عطف على التعوّذ من عموم الشر ، أشياء خاصة مع اندراجها في العموم لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منها لكثرة وقوع الشر فيها ومنها ، ولأن تعيين المستعَاذ منه أدلّ على الاغتناء بالاستعاذة وأدعى إلى الإعاذة . وهي ثلاثة أنواع : الأول : وقت يغلب وقوع الشرّ فيه فقال سبحانه :( ومن شرّ غاسق إذا وقب ) والثاني : صنف من الناس امتهنوا صناعة الشرّ للغير وهم السحرة والمشعوذون فقال سبحانه : ( ومن شرّ النفاثات في العقد ) . والثالث : صنف من الناس تخلّق بخُلُقٍ يبعث على إلحاق الأذى بمن قرب منه وتعلّق به وهم الحسدة . وكرر ( من شرّ ) في كل آية مع كفاية حرف العطف لتأكيد الدعاء تعرّضا للإجابة ، والإطناب في الدعاء والابتهال أنسب .
والغاسق في قوله ( من شر غاسق إذا وقب ) وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، ونُكِّر الوصف للجنس ، وهو في مقام الدعاء فيراد به العموم لأنه أنسب للدعاء .
وأضاف الشرّ إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار ) سبأ 432 . وقيّد ذلك بقوله ( إذا وقب ) أي إذا اشتدت ظلمته ؛ لأنه ظرف يتحيّنه أصحاب الشر ومريديه ؛ ِلتَحَقُّقِ غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه . ولذا اشتهرت مقولة : أغْدَرَ الليلُ ؛ لأنه إذا اشتدّ ظلامه كثُر الغدْر فيه . ومعنى ( وقب ) أي : دخل وتغلغل في الشي ، ومنه الوقْبَة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء .
وخُصّ بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعًا لحصول المكروه .
أما النوع الثاني من الأنواع الخاصة المتعوَّذِ منها المعطوفة على العام قوله تعالى ( ومن شرّ النَّفَّاثَات في العُقَدِ ) وجاءت ثانية بعد التعوّذ من شر الليل ؛ لأن الليل وقت يتحيّن فيه السحرة صناعة أسحارهم في جنح الظلام لئلا يطلع عليهم أحد . والنفث : نفْخٌ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق ، ويفعله السحرة إذا وضعوا سحرهم في شيء وعقدوا عليه عُقدًا ، فينفثون عليها . وجاء بصفة المؤنث ( النفاثات في العقد ) لأن غالب من يمتهن هذه المهنة عند العرب النساء لتفرغهنّ وتفشّي الأوهام الباطلة بينهن . أما العقد : فجمع عقدة وهي ربط في خيط أو وتر ، ويزعم السّحرة أن سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العُقَد معقودة . وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات وليس من النفث نفسه ، لأن النفث لا يجلب الضرر بذاته ، وإنما يجلبه النفاثات ، كما أن الضرر يُصَار إليه بالنفث في العقد وغيره من طُرُقِ السحر ، فربما بوضعه في الطعام أو الشراب ، وغير ذلك مما يجلب الضرر للمسحور ، ولاشتهار الساحرات بالنفث استُعمِل الوصف بدلا من الموصوف . وعُرِّف باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب .
أما النوع الثالث من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام مما يتوقّع حصول الضرر من بابها فيُتعوّذ بالله منها قوله تعالى : ( ومن شرّ حاسد إذا حسد ) قال قتادة : من شرِّ عينه ونفْسه ، والحسد : استحسان نعمة في الغير مع تمنّي زوالها عنه غيرةً لاختصاصه بها ، أو مشاركته الحاسد فيها .
وقد تطلق مجازا على الغبطة – وهي تمنّي مثل ما للغير من حال مرغوبة أو نعمة ممنوحة - كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها ) . وتقييد الاستعاذة من شر الحسد بوقت ( إذا حسد ) لأنه حينئذ يجيش الحسد في نفسه فيندفع إلى عمل الشرّ بالمحسود وإرادة الأذيّة كيف قدر؛ لأنه عدو ، قال الشاعر : كل عداوة قد تُرجى إفاقتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ .

فالمقصود هو المداومة على قراءة هذه السورة مع سورتي الناس والإخلاص ، للسلامة من الشرور ، فإن سورة الفلق من قرأها فقد استعاذ بالله من الشرور الخارجية جميعها وخصوصًا ما شاع شرّه وانتشر من السحر والعين ، والأوقات المخيفة لكثرة الشرور فيها وهي أوقات الليل الموحشة . فيأمن المؤمن ويطمئن .


المراجع :
1- تفسير التحرير والتنوير .
2- تفسير ابن القيم .
3- تفسير الألوسي .
4- تفسير البقاعي .

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 5 ذو القعدة 1440هـ/7-07-2019م, 08:05 PM
محمد العبد اللطيف محمد العبد اللطيف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 564
افتراضي

الاسلوب المقاصدي

تفسير قوله تعالى:

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) الجمعة

الحمد لله الذي خلق الانسان من علق ويسر له سبل الهداية فأرسل الرسل وأنزل الكتب فمن آمن بها وعمل بما جاء فيها فقد اهتدى والصلاة والسلام علي معلم الناس الخير الذي بعثه الله رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى من سار على دربه الى يوم الدين، اما بعد؛ فهذه بعض تأملات في تفسير قوله تعالى:
{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } وفيها عدة مسائل:

المسألة الأولى: في هذه الآية دليل على التحذير لمن تعلم القرآن ولم يعمل به كما ورد عن ميمون بن مهران قوله: " يا أهل القرآن اتّبعوا القرآن قبل ان يتبعكم " ثم تلا هذه الآية. وأورد ابن كثير قول الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ "أنصت"، ليس له جمعة.

ومن تدبر المقاصد الرئيسة لسورة الجمعة يجد في اولها بيان فضل الله على العرب خاصة والناس كافة ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من البينات والهدى فقال { ذَ ٰ⁠لِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ} ثم اتبع ذلك بقوله { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وفي هذا المثل رد على شبهة اليهود بأنه صلى الله عليه وسلم انما بُعث الى العرب خاصة ولم يُبعث البهم فشبههم بالحمار الذي لا ينتفع بما يُحمل عليه من الاسفار وهي الكتب حيث لم ينتفعوا بما جاء في التوراة من العلم وبما فيها من البشارة ببعثته صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعه.

المسألة الثانية: في قوله {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} قال ابن عاشور في التحرير والتنوير"مَعْنى حُمِّلُوا: عُهِدَ بِها إلَيْهِمْ وكُلِّفُوا بِما فِيها فَلَمْ يَفُوا بِما كُلِّفُوا، يُقالُ: حَمَّلْتُ فُلانًا أمْرَ كَذا فاحْتَمَلَهُ، قالَ تَعالى ﴿إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ والجِبالِ فَأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنها وحَمَلَها الإنْسانُ إنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾" وفيها ييان جهل اليهود وذمهم في عدم العمل بما جاءهم من العلم كما قال ابن القيم في هداية الحيارى (أنَّهم - أي اليهود - حَيْثُ حُمِّلُوها تَكْلِيفًا وقَهْرًا لَمْ يَرْضَوْا بِها ولَمْ يَحْمِلُوها رِضاءً واخْتِيارًا، وقَدْ عَلِمُوا أنَّهم لا بُدَّ لَهم مِن حَمْلِها، وأنَّهم إنْ حَمَلُوها اخْتِيارًا كانَتْ لَهُمُ العاقِبَةُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ).

المسألة الثالثة: في التشبيه بالحمار دون غيره وجوه منها ما ذكره الرازي في مفاتح الغيب أنَّهُ تَعالى قال ﴿والخَيْلَ والبِغالَ والحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وزِينَةً﴾ والزِّينَةُ في الخَيْلِ أكْثَرُ وأظْهَرُ؛ بِالنِّسْبَةِ إلى الرُّكُوبِ، وحَمْلِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ، وفي البِغالِ دُونَ الخَيْلِ، وفي الحِمارِ دُونَ البِغالِ، فالبِغالُ كالمُتَوَسِّطِ في المَعانِي الثَّلاثَةِ، وحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ الحِمارُ في مَعْنى الحَمْلِ أظْهَرَ وأغْلَبَ بِالنِّسْبَةِ إلى الخَيْلِ والبِغالِ، وغَيْرِهِما مِنَ الحَيَواناتِ.
ومِنها: أنَّ هَذا التَّمْثِيلَ لِإظْهارِ الجَهْلِ والبَلادَةِ، وذَلِكَ في الحِمارِ أظْهَرُ.
ومِنها: أنَّ في الحِمارِ مِنَ الذُّلِّ والحَقارَةِ ما لا يَكُونُ في الغَيْرِ، والغَرَضُ مِنَ الكَلامِ في هَذا المَقامِ تَعْيِيرُ القَوْمِ بِذَلِكَ وتَحْقِيرُهم، فَيَكُونُ تَعْيِينُ الحِمارِ ألْيَقَ وأوْلى، ومِنها أنَّ حَمْلَ الأسْفارِ عَلى الحِمارِ أتَمُّ وأعَمُّ وأسْهَلُ وأسْلَمُ، لِكَوْنِهِ ذَلُولًا، سَلِسَ القِيادِ، لَيِّنَ الِانْقِيادِ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ الصَّبِيُّ الغَبِيُّ مِن غَيْرِ كُلْفَةٍ ومَشَقَّةٍ، وهَذا مِن جُمْلَةِ ما يُوجِبُ حُسْنَ الذِّكْرِ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِ.
ومِنها: أنَّ رِعايَةَ الألْفاظِ والمُناسَبَةِ بَيْنَها مِنَ اللَّوازِمِ في الكَلامِ، وبَيْنَ لَفْظَيِ الأسْفارِ والحِمارِ لَفْظِيَّةٌ لا تُوجَدُ في الغَيْرِ مِنَ الحَيَواناتِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ أوْلى." انتهى

المسألة الرابعة: وصف المثل في قوله {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله} راجع الى القوم وإن كان في الظاهر لِلمثل، فكأنه قالَ: بِئس القوم مثلهم هكذا. قالَ الزمخشري في الكَشّافِ عَنْ بَعْضِهِمْ: افْتَخَرَ اليَهُودُ بِأنَّهم أهْلُ كِتابٍ. والعَرَبُ لا كِتابَ لَهم. فَأبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِشَبَهِهِمْ بِالحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا.

المسألة الخامسة: في ختم الآية بقوله {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} مناسبة ان اليهود ومن شابههم لما استحقوا الوصف بالظلم حتى صار الظلم من صفاتهم الثابتة قال ﴿والله لا يَهْدِي القَوْمَ الظالمين﴾ أيِ الذين تعمدوا الظلم بنبذ الحق واتباع الباطل.

والله اعلم.

المراجع:
١- التحرير والتنوير – ابن عاشور
٢- جامع البيان – ابن جرير الطبري
٣- تفسير ابن كثير – الحافظ ابن كثير
٤- الكشْاف – الزمخشري
٥- مفاتح الغيب – فخر الدين الرازي
٦- نظم الدرر – البقاعي
٧- هداية الحيارى – ابن القيم
٨- اجتماع الجيوش الإسلامية – ابن القيم
٩- المحرر الوجيز – ابن عطية
١٠- الجواهر الحسان – الثعالبي
١١- الكشف والبيان – الثعلبي
١٢- روح المعاني - الالوسي

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 01:22 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شادن كردي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسلوب المقاصدي – سورة الشرح
قال الله تعالى :
(ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )
سورة الشرح سورة مكية ، وتسمى أيضا سورة الانشراح و(ألم نشرح) . جاءت بعد سورة الضحى التي جاءت على فترة من الوحي وقوله تعالى في ختامها: ( وأما بنعمة ربك فحدث)
ويظهر فيهما التناسب جليا حتى قيل أنهما سورة واحدة ؛ فلما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصل له في هذه السورة بعضا من النعم مثبتا لها مقدما المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بمغفرته .وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت وتذكير بالماضي من النعم .
(ألم نشرح لك صدرك )
الاستفهام للتقريرمبالغة في إثبات هذه النعم أي فعلنا لك ذلك :أما شرحنا لك صدرك
شرحنا : الشرح لغة :فصل أجزاء اللحم عن بعضها يقال تشريح وللقطعة شريحة
فجعل إزالة مافي النفس من ألم مثل شرح اللحم.
والمراد : أما نورناه وجعناه فسيحا رحيبا لقبول النبوة وحمل أعبائها وتلقي الوحي وحفظه.
أو يكون المراد شرح صدره ليلة الإسراء فقد شقه وغسله وملأه إيمانا وحكمة.
ولا يتنافى المعنيان الشرح المعنوي والحسي وإن كان المعنوي هو الأرجح .
والصدر :الباطن الحاوي للقلب وقيل: هو القلب .

ولننظر إلى مظهر العظمة في (نشرح )أي شرحا يليق بعظمتنا ، بعظمة رب السموات والأرض ومابينهما -جل جلاله -.

(ووضعنا عنك وزرك )
وضعنا : حططنا وأبطلنا بما لنا من العظمة
(عنك) مزيد عناية بالنبي
وزرك: الوزرالحرج أو الذنب
وأصل الوزر ما حمله الانسان على ظهره ،
ومنه سمي الوزير لأنه يحمل العبء ،
والآية بمعنى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )أي تطهيره من الذنوب أو ماسلف في الجاهلية وكراهيته ماكان عليه حالهم
وقيل :حيرته قبل البعثة .
وقيل المراد : خففنا عليك أثقال النبوة .
(الذي أنقض ظهرك )
الإنقاض :الصوت كأنه حمل له صوت يسمع.
فالمعنى أثقلك حمله حتى سمع نقيض الظهر منه
وفيها تمثيل بديع
وقيل الانقضاض :الحل والتمزق والانتشار
دلالة على عظم هذا الثقل
(ورفعنا لك ذكرك )
والرفع : جعل الشيء عاليا
ذكرك : اسمك واستخدام لفظ (ذكرك ) هنا يضفي جلالا ورفعة
أي لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
كما في الدخول في الإسلام والأذان والخطب وهو قول الجمهور
وقيل: رفعنا ذكرك بالنبوة.
وقد رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ،
ورفع ذكره في الأولين والآخرين بما عرف عنه من مكارم الأخلاق ثم بالنبوة ثم الرسالة ثم الهجرة والكرامة والظفر،
وبأخذ الميثاق له على الأنبياء و إلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله
وجعل رضاه رضا الله وطاعتك طاعة الله .
قال تعالى :(ومن يطع الله ورسوله) و (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )
(والله ورسوله أحق أن يرضوه ).
وما نزل من القرآن من ثناء عليه ومخاطبته بالألفاظ العلية : الرسول ، النبي
وبأمر الناس بالصلاة والسلام عليه رفعة لذكره
فالمراد من الآية : نوهنا باسمك وذهبنا به كل مذهب ورفعناك رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق إجلالا ورفعة وتعظيما فجزاه الله عن أمته خيرا
والمناسبة في هذه الآية : أن رفع الذكر نعمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فهذا من تعداد النعم على النبي فلا تكترث لأذى قريش فمن فعل لك ذلك وأعلى ذكرك سينصرك ويجبرك .
وفي الإتيان ب( لك )و(عنك) وتقديمه على المفعول في الآيات الثلاث هذه زيادة تقرير وسرعة تبشير ومزيد اهتمام بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)
يخبر تعالى تقوية لرجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهي والله بشارة عظيمة له صلى الله عليه وسلم ولأمته بأن الفرج مع الكرب وأن مع العسرالعارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر .
الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر أي إذا علمت هذا تعلم أن اليسر مصاحب للعسر
وفيها إدراك العناية الإلهية ووعد باستمرارها في كل أحواله
إن : للتأكيد والاهتمام بالخبر
العسر: المشقة في تحصيل المرغوب والعمل بالمقصود
واليسر : ضده ، سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .
(مع) الدالة على المصاحبة دلالة على قرب حصول اليسر عقب حصول العسر أو ظهور بوادره .
وقد ورد: لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا :أنه خرج يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ).
فالعسر معرف في الحالتين فهو مفرد واليسر نكرة فتعدد ،رغم معارضة البعض لهذا القول .و(يسر) هكذا بلا قيد ولاحد بكل ماتعنيه من معاني الارتياح والسهولة والفرج
وكرر(إن مع العسر يسرا) مبالغة وتبيينا للخير، مؤكدة لتحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه ،فيارب لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
جبرت قلوبنا وشرحت صدورنا وطمأنت نفوسنا ووعدتنا فأكرمتنا .
(فإذا فرغت فانصب)
ثم يقول الله تعالى ندبا للشكر وإعلاما أنه لا ينفك عن تحمل أمر الله ،آمرا نبيه الكريم أن يجعل فراغه من كل ماكان مشتغلا به من أمر دنياه وآخرته إلى النصب في عبادته ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال لعموم الشرط في ذلك وعدم ذكر متعلق فرغت وهو أولى الأقوال بالصواب كما رجح الطبري
واختار الزمخشري : فإذا فرغت من عبادة فأتبعها أخرى .
وإذا أتممت عملا فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة
وأصل الفراغ : الخلو بعد الامتلاء
(انصب ): النصب التعب والدؤوب في العمل .
وقد ورد في الآية التخصيص بأقوال أخرى :
فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل
وإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء
أو إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك
وإذا فرغت من جهالة عدوك فانصب في عبادة ربك
وإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في أمر آخرتك
وإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك
وإذا صح بدنك فاجعل صحتك في العبادة .
ومناسبة الآية لما قبلها التبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي عليه وقت بعد العسر يسر وفراغ بال من الحيرة والضيق والكرب بعد إذ من الله على عبده بأن شرح صدره .وأمر له بالشكر والاستكثار من العمل الصالح والنوافل والتسبيح والاستغفار
ومما يستفاد من الآية :مشروعية الدعاء والذكرعقب الصلوات المكتوبة
وتعليق العمل بوقت الفراغ لتتعاقب الأعمال الصالحة وهذا من جوامع الكلم
وتوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته وما أحوجنا لهذا التوجيه ونحن في موسم الإجازة أن لا نكون ممن إذا فرغ تمادى في اللعب واللهو والنوم والإعراض عن ذكر ربه بل ربما وقع فيما حرم الله عليه من سماع أو نظر محرم وإنما الواجب استثمار الفراغ في العبادة شكرا لله على نعمته
(و إلى ربك فارغب )
اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزوجل متضرعا راغبا في الجنة عائذا من النار
وقيل أمر بالتوكل على الله تعالى
الواو للعطف وفيها أمر بالشكر لله وطلب استمرار النعم منه قال تعالى (ولئن شكرتم لأزيدنكم )
وفي تقديم الجار والمجرور إفادة الاختصاص والقصر أي إلى الله وحده لا إلى غيره تكون رغبتك وتوجهك ، والرغبة : الميل والإرادة
وفي التعدية بإلى تضمين معنى الإقبال والتوجه إلى من عنده حاجتك
(ربك )المحسن إليك الذي رباك بنعمه سبحانه وبما ذكر في هذه السورة والتي قبلها خاصة وبكل النعم عامة وفيها بديع المناسبة مع الآيات بلفظ الربوبية والدلالة على عظيم الرحمة فالذي أفرغ بالك مماكان يشغلك ويضيق صدرك ووضع عنك الوزر وبشرك باليسر القريب الذي لا شك فيه والذي ابتدأ نعمه عليك سبحانه لم يكن ليقطعها عنك سبحانه بطريقة التقرير

اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المراجع :
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
تيسير الكريم المنان السعدي
زبدة التفسير الأشقر
التحرير والتنوير ابن عاشور
المحرر الوجيزابن عطية
زاد المسيرابن الجوزي
نظم الدرر البقاعي
التفسير البياني للقرآن الكريم بنت الشاطيء
أحسنتِ نفع الله بكِ وسددكِ.
لمزيد من وضوح هذا النوع من الأساليب ينبغي بيان آثار مقاصد الآيات وتعلّقها بالمكلفين، وكيف حال الناس اليوم مع نعم الله تعالى، وكيف السلامة من نكرانها، وينبغي ربط تفسير كل آية بالمقصد الرئيسي.
الدرجة: ب
تم خصم نصف درجة على التأخير.


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 10:09 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
تفسير سورة الفلق ( الأسلوب المقاصدي )
قال تعالى : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هدانا لكل خير ، وحفظنا من كل شر ؛ فدلّ رسوله على ما يُحصّننا ، وأنزل عليه المعوذتين ليحفظنا من الشرور الخارجيّة والداخليّة ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
نزلت هذه السورة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كلمات ما يتعوّبه من شر ما يُتّقى شرّه من المخلوقات الشريرة ، ومن الأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر ، والأحوال التي تستر أفعال الشر وجميع الشرور الخارجيّة . فإنه لا نجاة من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، ولا كاشف للضرر بعد الإصابة إلا هو سبحانه ؛ فيفزع إليه متوكلا حق التوكل عليه ، ولا يعتمد على جلادته وتدبيره وحوله وقوته .
فكان صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بهذه السورة وسورة الناس وسورة الإخلاص ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفَّيْه بقل هو اللّه أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه. وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوّذ بهنّ كما ورد عند الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد اللّه بن حبيب قال: «خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي لنا، فأدركناه، فقال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. قلت: يا رسول اللّه، ما أقول؟ قال: قل: قل هو اللّه أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وهي سنّة لجميع المسلمين للتعوّذ بهنّ .
وجاء الأمر بالقول ( قل أعوذ برب الفلق ) ليقتضي المحافظة على هذه الألفاظ بعينها ، والخطاب في القرآن وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يشمل الأمة وأفرادها إذا لم يدلّ دليل على تخصيصه به صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري في صحيحه : عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» - وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا البلاغ فقط - ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة كما سبق، وعوّذ بها الحسن والحسين . واستعمال صيغة المتكلم في ( أعوذ ) مأمور به لكل من يريد التعوّذ بها ، ومن أراد تعويذ غيره بها فعلى نيّة النيابة عمن لا يحسن أن يعوّذ نفسه لأي مانع .
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، و( أعوذ ) أي : أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز . ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يُعيذَه منه قال تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) النحل 278 .
ورب الفلق : هو الله الواحد الأحد الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه ، هو الذي يُعِيذُ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من الشر ، وقد أخبر سبحانه أن من استعاذ بغيره من خلقه ، أن استعاذته تزيده رهقًا وخوفًا فقال في سورة الجن ( وأَنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا ) آية 6 .
أما الفلق : فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنه فسّره بالصبح وانشد رضي الله عنه قول زهير : الفارج الهم مسد ولا عساكره *** كما يفرج غم الظلمة الفلق .
فهي فَعَل بمعنى مفعول ، لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلْق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل . ، وخصص الفلق لأن الليل مظنّة حدوث شرور كثيرة ، من لصوص وسباع وذوات سموم ، وتعذّر سير ونجدة واستغاثة ، واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليلَ إله الشر .
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاةً من شرور الليل ، أن ينجيني في الليل من الشر .
( من شر ما خَلَق ) وقرأ ابن يعمر ( خُلِق ) يشمل عموم الشرِّ فهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر الإنس والجنّ والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل ، وهو الأظهر ، وقيل : إبليس وذُريته قاله الحسن ، وقيل : جهنم ، حكاه الماوردي .ّ
ثم عطف على التعوّذ من عموم الشر ، أشياء خاصة مع اندراجها في العموم لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منها لكثرة وقوع الشر فيها ومنها ، ولأن تعيين المستعَاذ منه أدلّ على الاغتناء بالاستعاذة وأدعى إلى الإعاذة . وهي ثلاثة أنواع : الأول : وقت يغلب وقوع الشرّ فيه فقال سبحانه :( ومن شرّ غاسق إذا وقب ) والثاني : صنف من الناس امتهنوا صناعة الشرّ للغير وهم السحرة والمشعوذون فقال سبحانه : ( ومن شرّ النفاثات في العقد ) . والثالث : صنف من الناس تخلّق بخُلُقٍ يبعث على إلحاق الأذى بمن قرب منه وتعلّق به وهم الحسدة . وكرر ( من شرّ ) في كل آية مع كفاية حرف العطف لتأكيد الدعاء تعرّضا للإجابة ، والإطناب في الدعاء والابتهال أنسب .
والغاسق في قوله ( من شر غاسق إذا وقب ) وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، ونُكِّر الوصف للجنس ، وهو في مقام الدعاء فيراد به العموم لأنه أنسب للدعاء .
وأضاف الشرّ إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار ) سبأ 432 . وقيّد ذلك بقوله ( إذا وقب ) أي إذا اشتدت ظلمته ؛ لأنه ظرف يتحيّنه أصحاب الشر ومريديه ؛ ِلتَحَقُّقِ غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه . ولذا اشتهرت مقولة : أغْدَرَ الليلُ ؛ لأنه إذا اشتدّ ظلامه كثُر الغدْر فيه . ومعنى ( وقب ) أي : دخل وتغلغل في الشي ، ومنه الوقْبَة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء .
وخُصّ بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعًا لحصول المكروه .
أما النوع الثاني من الأنواع الخاصة المتعوَّذِ منها المعطوفة على العام قوله تعالى ( ومن شرّ النَّفَّاثَات في العُقَدِ ) وجاءت ثانية بعد التعوّذ من شر الليل ؛ لأن الليل وقت يتحيّن فيه السحرة صناعة أسحارهم في جنح الظلام لئلا يطلع عليهم أحد . والنفث : نفْخٌ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق ، ويفعله السحرة إذا وضعوا سحرهم في شيء وعقدوا عليه عُقدًا ، فينفثون عليها . وجاء بصفة المؤنث ( النفاثات في العقد ) لأن غالب من يمتهن هذه المهنة عند العرب النساء لتفرغهنّ وتفشّي الأوهام الباطلة بينهن . أما العقد : فجمع عقدة وهي ربط في خيط أو وتر ، ويزعم السّحرة أن سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العُقَد معقودة . وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات وليس من النفث نفسه ، لأن النفث لا يجلب الضرر بذاته ، وإنما يجلبه النفاثات ، كما أن الضرر يُصَار إليه بالنفث في العقد وغيره من طُرُقِ السحر ، فربما بوضعه في الطعام أو الشراب ، وغير ذلك مما يجلب الضرر للمسحور ، ولاشتهار الساحرات بالنفث استُعمِل الوصف بدلا من الموصوف . وعُرِّف باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب .
أما النوع الثالث من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام مما يتوقّع حصول الضرر من بابها فيُتعوّذ بالله منها قوله تعالى : ( ومن شرّ حاسد إذا حسد ) قال قتادة : من شرِّ عينه ونفْسه ، والحسد : استحسان نعمة في الغير مع تمنّي زوالها عنه غيرةً لاختصاصه بها ، أو مشاركته الحاسد فيها .
وقد تطلق مجازا على الغبطة – وهي تمنّي مثل ما للغير من حال مرغوبة أو نعمة ممنوحة - كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها ) . وتقييد الاستعاذة من شر الحسد بوقت ( إذا حسد ) لأنه حينئذ يجيش الحسد في نفسه فيندفع إلى عمل الشرّ بالمحسود وإرادة الأذيّة كيف قدر؛ لأنه عدو ، قال الشاعر : كل عداوة قد تُرجى إفاقتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ .

فالمقصود هو المداومة على قراءة هذه السورة مع سورتي الناس والإخلاص ، للسلامة من الشرور ، فإن سورة الفلق من قرأها فقد استعاذ بالله من الشرور الخارجية جميعها وخصوصًا ما شاع شرّه وانتشر من السحر والعين ، والأوقات المخيفة لكثرة الشرور فيها وهي أوقات الليل الموحشة . فيأمن المؤمن ويطمئن .


المراجع :
1- تفسير التحرير والتنوير .
2- تفسير ابن القيم .
3- تفسير الألوسي .
4- تفسير البقاعي .
أحسنت بارك الله فيك وسددك.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 10:16 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد العبد اللطيف مشاهدة المشاركة
الاسلوب المقاصدي

تفسير قوله تعالى:

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) الجمعة

الحمد لله الذي خلق الانسان من علق ويسر له سبل الهداية فأرسل الرسل وأنزل الكتب فمن آمن بها وعمل بما جاء فيها فقد اهتدى والصلاة والسلام علي معلم الناس الخير الذي بعثه الله رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى من سار على دربه الى يوم الدين، اما بعد؛ فهذه بعض تأملات في تفسير قوله تعالى:
{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } وفيها عدة مسائل:

المسألة الأولى: في هذه الآية دليل على التحذير لمن تعلم القرآن ولم يعمل به كما ورد عن ميمون بن مهران قوله: " يا أهل القرآن اتّبعوا القرآن قبل ان يتبعكم " ثم تلا هذه الآية. وأورد ابن كثير قول الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ "أنصت"، ليس له جمعة.

ومن تدبر المقاصد الرئيسة لسورة الجمعة يجد في اولها بيان فضل الله على العرب خاصة والناس كافة ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من البينات والهدى فقال { ذَ ٰ⁠لِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ} ثم اتبع ذلك بقوله { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وفي هذا المثل رد على شبهة اليهود بأنه صلى الله عليه وسلم انما بُعث الى العرب خاصة ولم يُبعث البهم فشبههم بالحمار الذي لا ينتفع بما يُحمل عليه من الاسفار وهي الكتب حيث لم ينتفعوا بما جاء في التوراة من العلم وبما فيها من البشارة ببعثته صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعه.

المسألة الثانية: في قوله {حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} قال ابن عاشور في التحرير والتنوير"مَعْنى حُمِّلُوا: عُهِدَ بِها إلَيْهِمْ وكُلِّفُوا بِما فِيها فَلَمْ يَفُوا بِما كُلِّفُوا، يُقالُ: حَمَّلْتُ فُلانًا أمْرَ كَذا فاحْتَمَلَهُ، قالَ تَعالى ﴿إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ عَلى السَّماواتِ والأرْضِ والجِبالِ فَأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَها وأشْفَقْنَ مِنها وحَمَلَها الإنْسانُ إنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾" وفيها ييان جهل اليهود وذمهم في عدم العمل بما جاءهم من العلم كما قال ابن القيم في هداية الحيارى (أنَّهم - أي اليهود - حَيْثُ حُمِّلُوها تَكْلِيفًا وقَهْرًا لَمْ يَرْضَوْا بِها ولَمْ يَحْمِلُوها رِضاءً واخْتِيارًا، وقَدْ عَلِمُوا أنَّهم لا بُدَّ لَهم مِن حَمْلِها، وأنَّهم إنْ حَمَلُوها اخْتِيارًا كانَتْ لَهُمُ العاقِبَةُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ).

المسألة الثالثة: في التشبيه بالحمار دون غيره وجوه منها ما ذكره الرازي في مفاتح الغيب أنَّهُ تَعالى قال ﴿والخَيْلَ والبِغالَ والحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وزِينَةً﴾ والزِّينَةُ في الخَيْلِ أكْثَرُ وأظْهَرُ؛ بِالنِّسْبَةِ إلى الرُّكُوبِ، وحَمْلِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ، وفي البِغالِ دُونَ الخَيْلِ، وفي الحِمارِ دُونَ البِغالِ، فالبِغالُ كالمُتَوَسِّطِ في المَعانِي الثَّلاثَةِ، وحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أنْ يَكُونَ الحِمارُ في مَعْنى الحَمْلِ أظْهَرَ وأغْلَبَ بِالنِّسْبَةِ إلى الخَيْلِ والبِغالِ، وغَيْرِهِما مِنَ الحَيَواناتِ.
ومِنها: أنَّ هَذا التَّمْثِيلَ لِإظْهارِ الجَهْلِ والبَلادَةِ، وذَلِكَ في الحِمارِ أظْهَرُ.
ومِنها: أنَّ في الحِمارِ مِنَ الذُّلِّ والحَقارَةِ ما لا يَكُونُ في الغَيْرِ، والغَرَضُ مِنَ الكَلامِ في هَذا المَقامِ تَعْيِيرُ القَوْمِ بِذَلِكَ وتَحْقِيرُهم، فَيَكُونُ تَعْيِينُ الحِمارِ ألْيَقَ وأوْلى، ومِنها أنَّ حَمْلَ الأسْفارِ عَلى الحِمارِ أتَمُّ وأعَمُّ وأسْهَلُ وأسْلَمُ، لِكَوْنِهِ ذَلُولًا، سَلِسَ القِيادِ، لَيِّنَ الِانْقِيادِ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ الصَّبِيُّ الغَبِيُّ مِن غَيْرِ كُلْفَةٍ ومَشَقَّةٍ، وهَذا مِن جُمْلَةِ ما يُوجِبُ حُسْنَ الذِّكْرِ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِ.
ومِنها: أنَّ رِعايَةَ الألْفاظِ والمُناسَبَةِ بَيْنَها مِنَ اللَّوازِمِ في الكَلامِ، وبَيْنَ لَفْظَيِ الأسْفارِ والحِمارِ لَفْظِيَّةٌ لا تُوجَدُ في الغَيْرِ مِنَ الحَيَواناتِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ أوْلى." انتهى

المسألة الرابعة: وصف المثل في قوله {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله} راجع الى القوم وإن كان في الظاهر لِلمثل، فكأنه قالَ: بِئس القوم مثلهم هكذا. قالَ الزمخشري في الكَشّافِ عَنْ بَعْضِهِمْ: افْتَخَرَ اليَهُودُ بِأنَّهم أهْلُ كِتابٍ. والعَرَبُ لا كِتابَ لَهم. فَأبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِشَبَهِهِمْ بِالحِمارِ يَحْمِلُ أسْفارًا.

المسألة الخامسة: في ختم الآية بقوله {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} مناسبة ان اليهود ومن شابههم لما استحقوا الوصف بالظلم حتى صار الظلم من صفاتهم الثابتة قال ﴿والله لا يَهْدِي القَوْمَ الظالمين﴾ أيِ الذين تعمدوا الظلم بنبذ الحق واتباع الباطل.

والله اعلم.

المراجع:
١- التحرير والتنوير – ابن عاشور
٢- جامع البيان – ابن جرير الطبري
٣- تفسير ابن كثير – الحافظ ابن كثير
٤- الكشْاف – الزمخشري
٥- مفاتح الغيب – فخر الدين الرازي
٦- نظم الدرر – البقاعي
٧- هداية الحيارى – ابن القيم
٨- اجتماع الجيوش الإسلامية – ابن القيم
٩- المحرر الوجيز – ابن عطية
١٠- الجواهر الحسان – الثعالبي
١١- الكشف والبيان – الثعلبي
١٢- روح المعاني - الالوسي
بارك الله فيك وسددك.
رسالتك أقرب للاسلوب الاستنتاجي ، وكان الأولى بعد ذكرك للمقصد العام للسورة أن تقف بشيء من التفصيل على مقاصد هذه الآية وترابطها مع المقصد الرئيسي للسورة؛ وتبين هداياتها ومواطن الضلال التي يقع في كثير من أعمال المسلمين اليوم.
الدرجة:ج

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir